في تطبيق مدونة الشغل “عقد شغل الطبيب نموذجًا”
إعداد
وسام أوسار
باحث بماستر المنازعات القانونية والقضائية
تخصص قانون الأعمال
جامعة محمد الخامس بالرباط
مقدمة
يرتبط الإنسان مع الشغل ارتباطا وثيقا يصعب فسخه، حيث إن إيجاد انسان لم يعمل أو لن يعمل أبدا هو أمر نادر جدا أو قليل الوجود. لذلك فإنه منذ خلق الانسان وهو يكدح ويشقى ليعيش في هذه الدنيا، كما جاء في قول الله تعالى ” فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى “[1].
فالشغل يعتبر من أهم الحقوق الثابتة للإنسان وذلك وفقا لأمر الله تعالى في قوله ” اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ “[2]. وأن لكل من عمل صالحا أجر حسن وعدا من رب العالمين في القرآن الكريم لقوله تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”[3]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد “أَطْيَبُ الكَسْبِ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ”[4]. ما يعني أنه ما من شيء أفضل من أن يسعى المسلم جاهداً على الكسب والبحث عن الرزق بيده، وألا يكون عالة على الناس[5].
ولا شك ان هذا الحق ما فتئ يحتل الصدارة ضمن مطالب المنظمات النقابية حتى ارتقى إلى مصاف الدستورية، بل إلى مستوى الحق الدولي، مع صدور الإعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الطبقة الشغيلة وحقوق الإنسان العامة. وعليه فإن على الدولة العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الشغل[6]. وقال مونتسكيو في هذا الصدد “ليس الإنسان فقيرا لأنه لا يملك شيئا، ولكن لأنه لا يشتغل”[7].
وبناء على الخطابات الملكية لصاحب السمو الملك محمد السادس نصره الله وأيده، على إقرار مدونة شغل عصرية[8]، لتحفيز وتشجيع الاستثمار والتشغيل، وذلك بالإيمان أن العمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان، والنهوض بمستواه المعيشي وتحقيق الشروط المناسبة للاستقرار العائلي وتقدمه الاجتماعي. ورعاية لتأهيل الاقتصاد الوطني الذي يحتل مكانة مرموقة في اختيارات المغرب الاقتصادي. ورعاية للمقاولة الحديثة باعتبارها خلية اقتصادية واجتماعية تتمتع باحترام حق الملكية الخاصة، وتلزم باحترام كرامة الذين يشتغلون بها وضمان حقوقهم الفردية والجماعية، بما يكفل النهوض بظروف العمل وتحسين بيئتهم، وتوفير الصحة والسلامة في أماكن العمل؛
ولا بد من التأكيد على القول بأن العمل ليس بضاعة، وأن العامل ليس أداة من أدوات الإنتاج. ولا يجوز في أي حال من الأحوال، أن يُمارَس العَمل في ظروف تنقص من كرامة العامِل.
وتجدر الإشارة بالأهمية بما كان إلى أن الحد الأدنى للحقوق هو ما نصت عليه مدونة الشغل الذي لا يمكن التنازل عنه.
ولا مناص من القول إن ما جاء به المشرع في تعزيز قطاع الشغل لا يحول دون قيام المنازعات في إطار علاقة الشغل بين الأجير ومشغله، لذلك ارتأيت في الاحتكام عند هذا البحث إلى تبيان المنازعات التي كانت موضع نقاش قانوني عميق في ملفات عرضت على أنظار القضاء. دعما لآليات تحقيق العدالة، عند إثارة المساطر المتعلقة بتسوية نزاعات الشغل، يتم الأخذ بعين الاعتبار الأعراف ومبادئ العدل والإنصاف في المهنة؛
وقد أعطى المشرع الأسبقية في حالة تنازع القوانين والأولوية في التطبيق، للمقتضيات القانونية الأكثر فائدة للأجراء. وأقر هذا المبدأ في المادة 11 م ش.
لذلك فقد صدر في عدة قرارات أنه حتى وإن كان هناك نظام أساسي ينظم علاقة الشغل، فإن كان قاصر حلى حماية بعض الحقوق أو بشكل أقل مما هو منصوص عليه في هذا القانون من حيث مجال التطبيق، يلزم إخضاع العلاقة إلى مدونة الشغل استنادا لقاعدة الحد الأدنى من الحقوق الذي لا يمكن التنازل عليه حماية لاستقرار المراكز القانونية. ونفس الأمر بالنسبة للاتفاق على اسقاط بعض الحقوق أو التي تقل حماية مما هو منصوص عليه في المدونة.
وحرصا على توفير الحماية الازمة للصحة والسلامة في أماكن العمل كأمر واجب يكفل النهوض بظروف العمل وتحسين بيئة الشغل. فإن منظمة الصحة العالمية أثارت اهتمامات بالغة بالمسألة منذ زمن بعيد سواء على مستوى منظمة الأمم المتحدة أو على مستوى أجهزة أخرى. وقد أسفرت العديد من الاجتماعات التنسيقية بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولي عن صدور وثائق دولية هامة تخص معالجة الصحة العالمية والنهوض بها، ويمكن أن نذكر على رأسها الاجتماع الذي أسفر عن تبني ” الاستراتيجية العالمية للصحة في العمل ” سنة 1994[9].
ونتيجة لذلك فإن للموضوع أهمية بالغة في التعرف على التنظيم التشريعي للجهات أو الأجهزة المكلفة بحفظ الصحة والسلامة داخل نطاق الشغل، وكذا اختصاصاتها، والطبيعة التي تغطي العلاقة الناشئة بين المشغل وطبيب الشغل، إضافة إلى الدور الذي يضطلع به طبيب الشغل لحفظ الصحة وسلامة الأجراء، والمسؤولية القائمة عن كل من خالف احترام تدابير الوقاية من المخاطر في العمل.
ويشكل الإطار التاريخي أن طب العمل يعتبر من آليات المراقبة الصحية والوقائية التقليدية، وقد كان طب الشغل يتأصل في التشريع المغربي بظهير 10 يوليوز 1957 ومرسوم 8 فبراير 1958. أما بخصوص إحداث لجنة حفظ السلامة والصحة فإن المشرع لم ينتبه إلى دورها الوقائي إلا مع صدور المدونة الجديدة للشغل[10].
الإشكالية:
تعتبر تدابير حفظ الصحة والسلامة من أهم المبادئ الدستورية، التي فرضت على المشرع توفير الحماية الازمة للصحة وسلامة الأجراء في أماكن العمل.
وعلى هذا الأساس نكون أمام الاشكال الجوهري لعقد شغل الطبيب مع المشغل، باعتبار طب الشغل يواكب الحياة المهنية للأجراء وللمقاولة على حد سواء منذ بدأ النشاط، فيطرح حول مجال سلطة التدخل التي جعلها المشرع من نصيب الطبيب بناءً على عقد شغله في توفير الأمن الصحي للأجراء، والدور الرقابي الذي يضطلع به لحفظ حقهم في الصحة والعيش اللائق مقابل التزامات المشغل في ذلك؟
وهذا الاشكال الجوهري في الموضوع تتفرع عنه عدة أسئلة محورية يجب الإجابة عنها في محاولة حل هذه الإشكالية، وتتمثل في:
- التنظيم القانوني الذي أقره المشرع لإبرام عقد شغل الطبيب من حيث شروطه وطرق إنهائه؟
- والالتزامات التي أوجبها المشرع على عاتق المشغل في إطار عقد شغل الطبيب؟
- التعرف على طبيعة العمل الذي يلتزم به الطبيب؟
- الجزاءات القانونية التي فرضها المشرع في حال مخالفة إجراءات الحماية الصحية والسلامة الازمة للأجراء؟
ولهذا في مشروع السعي لتحقيق الغاية كمحاولة ضبط اتجاهات موضوع عقد شغل الطبيب، يكون من المفترض اعتبار أن هذا العقد تنتج عنه فرضيتين:
1 – أن تدخل سلطة الطبيب مقيدة ومحصورة في حفظ الصحة والسلامة.
2 – أن مواجهة الأخطار التي قد تترتب عن مزاولة الأجراء لمهامهم هي التزامات تنتقل بين طبيب الشغل والمشغل.
التصميم:
لذلك من وجهة النظر اقتراح اتباع التصميم التالي:
- المبحث الأول: التدابير التي أقرها المشرع لحفظ الصحة والسلامة في مجال التشغيل.
- المبحث الثاني: العلاقة القانونية القائمة بين المشغل والطبيب.
- المبحث الثالث: الآثار المترتبة عن عدم احترام إجراءات وتدابير حفظ السلامة والرعاية الصحية.
المبحث الأول: التدابير التي أقرها المشرع لحفظ الصحة والسلامة في مجال التشغيل.
تسهر الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، إضافة إلى الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، الحق في العلاج والعناية الصحية، استنادا للفصل 31 من الدستور. بالإضافة إلى مجموعة من التوصيات والقواعد المقررة لحفظ الصحة والسلامة على المستوى الدولي، التي ارتكزت فيها الاستراتيجية العالمية للصحة في العمل على عدة مبادئ أهمها الوقاية الأولية، والتحسين إلى أبعد حد ممكن لظروف العمل، وتطوير السلامة وطب الشغل، والمسؤولية، والمسؤولية الأولية للمؤاجر والقطاعات الاقتصادية في مادة الصحة والسلامة في العمل…
وتماشيا مع هذه المقتضيات عمل المشرع على توفير الحد الأدنى للحقوق بما يكفل النهوض بظروف العمل وتحسين بيئة الشغل، وتوفير الصحة والسلامة في الأماكن التي يزاول فيها الأجراء مهامهم.
المطلب الأول: التنظيم التشريعي بوضع الاحتياط لسلامة الأجراء وحماية صحتهم
كما هو معلوم أن الإنسان يرتبط مع الشغل ارتباطا وثيقا يصعب فسخه. لذلك فإنه منذ خلق الانسان وهو يكدح ويسعى لتأمين قوت يومه، ويشقى ليعيش في هذه الدنيا حياة طيبة.
إلا أن هذا الشغل قد يترتب عنه في بعض الأحيان مخاطر، مما استوجب تدخل المشرع لتحسين ظروف الشغل في المجتمع. فالأجير مجرد انسان يصاب بالتعب والارهاق مما قد يؤثر على صحته فضلا عن أثارهما السيئ على الإنتاج، فقد فرض المشرع قواعد آمرة للعمل، تنظم بذلك توفير ظروف الظروف المناسبة بصورة تحمي الطبقة الشغيلة من كل تعسف وضياع للحقوق، وعليه فقد نظم مدة الشغل بكيفية معقولة تتناسب مع الطاقة الاحتمالية للأجراء، وإنقاص ساعات العمل عند الاقتضاء، وتمتيع الأجير بالراحة الأسبوعية، وتخويل الأجراء الحق في العطلة السنوية لتجديد نشاطهم وحيويتهم، وما يهمنا في هذا التنظيم هو الحماية التشريعية في اتخاذ التدابير الازمة المتعلقة بالسلامة، وشروط الوقاية الصحية.
كما أن المشرع لم يكتف بضرورة اتخاذ التدابير الازمة لحماية الأجراء أثناء العمل من الأضرار التي قد تلحق صحتهم فقط، بل اتخذ احتياطات من الأضرار التي تشكلها وسائل العمل المستعملة في الإنتاج من آلات ومواد، بالإضافة إلى ضرورة توفير مساكن صحية للأجراء، وإلزامه للمشغل بإخطار الأجراء بكل أنواع الخطر الذي قد يهدد صحتهم وتكوينهم، وكل ما يتعلق بتحسين ظروف العمل.
هذا وأنه كما سبقت الإشارة إلى اعتبار طب الشغل من آليات المراقبة الصحية والوقائية التقليدية، وجب الذكر أن نظام التفتيش بالمغرب يجد مصدره التاريخي والمادي في القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 19 ماي 1874 قبل أن تعاد صياغة هذه الأحكام في القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل وتم تنظيمه في المواد 530 إلى 548 منها.. وقد كان قانون العمل المغربي حتى حدود 8 يونيو 2004 يقتصر على طب العمل وتفتيش الشغل كآليات تنفيذ ومراقبة تستهدف وحدها تفعيل الرقابة الإدارية على مسائل الصحة والسلامة المهنية إلى جانب غيرها من المهام التحكيمية والضبطية كما هو الحال بالنسبة لتفتيش العمل. وبخصوص لجان السلامة وحفظ الصحة، فإن المشرع المغربي لم ينتبه إلى دورها الوقائي إلا مع صدور المدونة الجديدة وأفرد لها بابا خاصا للتنظيم، ونجد أحكامها في المواد من 336 إلى 344 من القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل[11].
وإذا كان طب الشغل يواكب الحياة المهنية للعمال وللمؤسسة على حد سواء منذ البدء في النشاط، فإن تفتيش الشغل لا يتدخل إلا بعد ممارسة النشاط، في حين أن لجنة السلامة وحفظ الصحة تعتبر مبدئيا لها نفس الدور الذي يقوم به طبيب الشغل من حيث مواكبة نشاط المؤسسات بشكل استباقي.
المطلب الثاني: الأجهزة المكلفة بالرقابة والوقاية من مخاطر الصحة والسلامة
نص المشرع على مقتضيات قانونية خاصة بالوقاية والرعاية الصحية، لحماية الطبقة العاملة من الأخطار اللاحقة نتيجة أداء العمل أو بسببه. مما يقتضي تكليف الأجهزة المختصة التي لها دراية بأصول الطب وقواعده، وبقضايا بيئة الشغل، وبما أن هذه الجهات متعدد سنعمل على التعرف عليها بشكل سطحي على بعض الجوانب لما لذلك من أهمية مسترسلة لتسهيل الإحاطة بإطار حفظ الصحة والسلامة في مجال الشغل دون التوسع فيها لأن ما يهمنا في هذا الموضوع هو ما يرتبط بعقد شغل الطبيب. وعليه فقد جاء المشرع بمستجدات في القانون رقم 65.99 فيما يتعلق بأجهزة حفظ الصحة والسلامة يتمثلان في: مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية – ولجان حفظ الصحة والسلامة.
الفقرة الأولى: مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية
أحدث المشرع مجلس استشاري يسمى ” مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية ” لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل وفقا للمادة 332 من مدونة الشغل، والذي يحدد مجال اختصاصه في تقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل، والمصالح الطبية للشغل ” كتحديد شروط تجهيز الأماكن المخصصة للمصلحة الطبية للشغل، سواء كانت الفحوص تجرى داخل المقاولة، أو في مركز مشترك بين عدة مقاولات “[12]، وفي كل ما يخص حفظ الصحة والسلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية.
ويتألف هذا المجلس كما نص المشرع في المادة 333 م ش:
- رئيس مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه،
- ويتكون من ممثلين عن الإدارة وعن المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.
- ويمكن لرئيس المجلس، أن يدعو للمشاركة في أشغاله، كل شخص يراعى في اختياره ما يتوفر عليه من كفاءات في مجال اختصاص المجلس.
يحدد أعضاء المجلس، وطريقة تعيينهم، وكيفية تسيير المجلس بنص تنظيمي.
الفقرة الثانية: لجان السلامة وحفظ الصحة
أحدث المشرع لجان في مدونة الشغل لحفظ السلامة والصحة، ونص على أنه يجب على المقاولات أن تحدث فيها هذه اللجنة شريطة أن يشتغل فيها 50 أجيرا على الأقل. وفقا لما نص عليه المشرع في المادة 336 من م ش.
وتتـألف هذه اللجنة كما نص المشرع على ذلك في المادة 37 م ش من:
- المشغل أو من ينوب عنه، رئيسا؛
- رئيس مصلحة السلامة، وعند عدم وجوده يعين المشغل مهندس أو إطار تقني بالمقاولة لينوب عنه؛
- طبيب الشغل بالمقاولة؛
- مندوبين اثنين للأجراء يتم انتخابهما من قبل المندوبين المنتخبين؛
- ممثل أو ممثلين نقابيين اثنين بالمقاولة عند وجودهما.
يمكن للجنة، أن تدعو للمشاركة في أشغالها كل من هو أهل لذلك وينتمي للمقاولة.
وهذه اللجن لها عدة اختصاصات، إضافة إلى المواضيع التي تسهر على علاجها لتحقيق الغاية في حفظ الصحة والسلامة، وأن المشرع حدد مدة انعقادها تتمثل في مرة كل 3 أشهر أو عند وقوع حادث أو كان على وشك الوقوع ترتب عنها عواقب خطيرة. والتي أقرها المشرع في المادة 338 وما يليها من م ش.
الفقرة الثالثة: المصالح الطبية للشغل المستقلة
ألزم المشرع على المقاولات التي تشغل ما لا يقل عن 50 أجير أن تحدث مصالح طبية مستقلة للشغل، والمقاولات التي تباشر فيها أشغالا تعرض الأجراء لمخاطر الأمراض المهنية التي حددها التشريع المنظم للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية كذلك هي الأخرى يجب أن تتوفر على هذه المصالح الطبية المستقلة، وفقا للمادة 304 م ش.
والمشرع لم يقتصر على ذلك فحسب بل أوجب على المقاولات التي تشغل أقل من 50 أجيرا الاختيار في إحداث إما مصالح طبية للشغل مستقلة أو مصالح طبية مشتركة بين المقاولات.
الفقرة الرابعة: المفتشية الطبية للشغل
أحدث المشرع جهاز يقوم بعمل التفتيش مقابل التدخلات التي كان يقوم بها مفتش الشغل في الحالات العادية، وهذا الجهاز هو الطبيب مفتش الشغل، الذي يختص بالمراقبة التي قد تصل إلى درجة تقنية يستحيل معها أو يصعب فيها على مفتش الشغل اتباع المجال الفني الذي يتميز به العمل الطبي. وقد خصص المشرع للطبيب مفتش الشغل دورا استشاريا ورقابيا وآخر إداريا.
- الدور الاستشاري: يقتصر فيه على أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل، في الحالة التي يتم اقتراح التدابير الفردية الصادرة عن طبيب الشغل في مسائل تتعلق بنقل أو تحويل الأجير كتدبير وقائي لحفظ صحته وسلامته، فعند حدوث صعوبات أو عدم الأخذ بهذا الاقتراح يحال الأمر إلى العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يأخذ حين إذٍ رأي الطبيب مفتش الشغل قبل إصدار قرار في الموضع. وفقا للمادة 320 م ش.
كما أن هذا الدور الاستشاري نص عليه المشرع في المادة 313 م ش، وذلك عندما يتعلق الأمر بتأديب طبيب الشغل، فإنه قبل أخذ قرار في الموضوع من قبل العون المكلف بالتفتيش يأخذ رأي الطبيب مفتش الشغل.
- الدور الإداري: يقوم الطبيب مفتش الشغل بدور إداري يتمثل فيما جاءت به المادة 325 م ش، وذلك عندما توضع رهن إشارته بطاقة المقاولة التي تتضمن لائحة الأخطار والأمراض المهنية في حالة وجودها، وعدد الأجراء المعرضين لهذه الأخطار. وعليه فإن بطاقة المقاولة التي يمسكها طبيب الشغل يجب أن توضع رهن إشارة الطبيب مفتش الشغل.
- الدور الرقابي: يتجلى في الرقابة على حسن سير المصلحة الطبية للشغل، وذلك عن طريق إلزام المشرع رئيس المصلحة الطبية المستقلة أو المشتركة بين المقاولات – بصفته يتولى إدارة المصلحة الطبية للشغل – أن يوجه بشكل سنوي إلى الطبيب المكلف بتفتيش الشغل تقريرا حول تنظيم المصلحة وسيرها وتدبيرها المالي عن السنة الفارطة وفقا للمادة 307 م ش. وذلك حتى تكون المراقبة في مستوى يفوق من حيث المبدأ مستوى طبيب الشغل ويحدد نموذج هذا التقرير من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
غير أن تراجع المدونة عن إمكانية المراقبة التي كانت للطبيب المكلف بالشغل بشكل مباشر، له تأثير خطير لما كان لهذه الهيئة التي كانت تتكفل بمراقبة عمل طبيب الشغل، والذي يعمل حاليا في غياب أية ضوابط لمسؤوليته ودون رقابة تذكر، وذلك في الانتظار بالنهوض بمفتشية طب الشغل. وعلى مستوى التوازن نجد المشرع قد تبنى هيئة استشارية كحل وسط اهتدى إليه في مقابل وزر القضاء على مفتش طب الشغل بشكل نهائي، لذلك نص في المادة 332 م ش على أنه ” يحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، مجلس استشاري يسمى “مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية”، وتكون مهمته تقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل، والمصالح الطبية للشغل، وفي كل ما يخص حفظ الصحة والسلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية.
ولا يفوتنا أن ننوه بأن تجريد طبيب الشغل من رقابة الطبيب مفتش الشغل ليس حلا موفقا كوجهة نظر، حيث كان من الواجب على المشرع أن يعوض ذلك بنظام رقابي قوي، يتمثل في هذا المجلس المذكور كرقابة عليا تشترك فيها كافة الوزارات المعنية [الشغل والطب والبيئة] للنهوض بطب الشغل وبيئته، وتثبيتها بصفة الضبط القضائي، وأن يعمل تحت إشرافها ووصايتها أطباء الشغل مع الزامهم بتقديم تقارير سنوية تبين انجازاتهم الوقائية، مع إخضاعها للتقييم والتنقيط. ولذلك يجب الأخذ بالحسبان أنه مهما بلغت اختصاصات ووسائل عمل طبيب الشغل من دقة متناهية، ومهما توفرت النزاهة والاتقان والتفاني في العمل، فإن تقييم ذلك يبقى لازما لمحافظة المهنة على سبب وجودها الأصلي وأهميتها من الأساس، حتى يُمَكِّن تفوقها في المجال الوقائي[13].
المبحث الثاني: العلاقة القانونية القائمة بين طبيب الشغل والمشغل
كما هو متواتر بين سطور القانون الوضعي أنه لا يخلو عقد الشغل من النزاعات التي قد تنشأ جراء تنفيذه، رغم التنظيم الذي تولى فيه المشرع ضبط الحماية الازمة لأطراف علاقة الشغل. وهذا ما يبرر أن المقتضيات التي أقرها المشرع في مدونة الشغل هي أقل الحقوق الواجب توفرها وحمايتها تشريعيا وقضائيا.
وفي نفس سياق المنازعات التي قد تنشأ بين المشغل وطبيب الشغل نتيجة تنفيذ الالتزام بتوفير الرعاية الصحية. يجب التعرف مسبقا على عقد شغل الطبيب والتزامات كل من المشغل والطبيب، والمميزات الشكلية الخاصة التي يجب توفرها لقيام عقد شغل الطبيب، حتى نتمكن من فهم التوجهات التي سارت عليها محكمة النقض.
وعلى هذا الأساس يكون من الأهمية بما كان التطرق إلى عقد شغل الطبيب وعناصره التكوينية، وطبيعة الدور الذي يقدمه طبيب الشغل، والكيفية التي يتم تعيين بها أطباء الشغل، والجهة المكلفة بذلك (مطلب أول). ثم التعرف على الالتزامات التي تقع على المشغل واحترام المقتضيات الازمة لتوفير الرعاية الصحية وحفظ السلامة (مطلب ثاني).
المطلب الأول: عقد شغل الطبيب والخدمة التي يقدمها
يعتبر عقد شغل الطبيب من العقود الخاصة التي أولى المشرع تنظيمها، وذلك عن طريق رابطة قانونية تجمع بين الطبيب والمشغل، أو تجمع هذه الرابطة القانونية التي يقوم عليها عقد شغل بين رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات وطبيب الشغل، هذا ويتم مراعاة القواعد التي تقوم عليها أخلاقيات مهنة الطب في شأن انشاء هذا العقد[14]. وهذا ما نص عليه المشرع في المادة 312 م ش.
الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية لعقد شغل الطبيب
يعتبر عقد شغل الطبيب غير محدد المدة كأصل لطبيعته، ويجوز استثناء تقييده بأجل وفقا للقواعد العامة المقررة في القانون رقم 65.99، وحيث إن الثابت في العناصر التكوينية التي أقرها المشرع في عقد شغل بشكل عام هي 3 عناصر، تعتبر أساسية لقيام العلاقة بين أطراف هذا العقد وإنتاج آثاره القانونية. وذلك بأن يتوفر عقد الشغل على عنصر التبعية والأجر وطبيعة العمل[15]. إلا أن عقد شغل الطبيب يتميز بعناصر تكوينية خاصة.
- – عنصر التبعية:
تغير مفهوم التبعية في العصور الحديثة بفعل التطورات والتغيرات التي طالت مجال الشغل، حيث إن عقد شغل الطبيب ينتفي فيه عنصر التبعية في الشق الفني إذ يكون مستقلا عن تعليمات المشغل أثناء أداء الطبيب عمله الفني، والذي لا يكون المشغل فيه صاحب سلطة الرقابة والاشراف في التوجيه. وذلك بإقرار المشرع في نص المادة 314 من م ش أنه ” يجب على طبيب الشغل، في جميع الظروف، أن يؤدي مهمته بكل استقلال وحرية، سواء إزاء المشغل أو تجاه الأجراء، وألا يراعي إلا الاعتبارات الخاصة بمهنته “.
لكن يبقى للمشغل الحق في وجود تبعية إدارية تنظيمية، لأن هذا الأخير هو الذي يتولى الاشراف على تحديد شروط العمل وظروفه، بتحديده لمكان العمل ولأوقات العمل وساعاته وكيفية أدائه، إضافة إلى تسليم المواد والأدوات الازمة للعمل.
كما للمشغل أن يمنع الطبيب من تسخير خدماته للغير أو أن يعمل لصالحه كشرط في العقد المبرم بينهما. وتجدر الإشارة إلى أن وجود تبعية إدارية تنظيمية لا يمس من جوهر العمل الذي يؤديه الأجير من الناحية الفنية بصفته طبيبا، لأن التبعية القانونية تتحقق هنا حتى ولو كان يتمتع باستقلال كبير من الناحية الفنية في القيام بعمله، لأن تبعيته للمشغل التنظيمية والإدارية تستخلص من تحديده لنوع العمل ونطاقه وحدوده ومواعيده.
وهذا ما أكدته محكمة النقض في توضيحها لمفهوم التبعية القانونية في عقد شغل المبرم مع الطبيب في قرار عدد 2147 الصادر بتاريخ 4 نونبر 2015 في الملف الاجتماعي عدد 804/5/2/2014 والذي جاء فيه أن
” عقد شغل مبرم مع الطبيب – التبعية القانونية – مفهومها.
إن إشراف المشغلة في ظل التبعية الإدارية التنظيمية لا يمس جوهر العمل الذي يؤديه الأجير من الناحية الفنية بصفته طبيبا، لأن التبعية القانونية تتحقق حتى ولو كان يتمتع باستقلال كبير من الناحية الفنية في القيام بعمله. والمحكمة لما قضت بالتعويض عن الطرد التعسفي بعلة أن علاقة الشغل التي تربط الطرفين كانت منظمة ومحددة بحقوق والتزامات كلا الطرفين في مواجهة الطرف الآخر وذلك من تاريخ ابرام العقد، تكون قد عللت قرارها تعليلا كافيا[16].
- – عنصر الأجر:
عنصر الأجر يلتزم به المشغل أو تتحمله المصلحة المشتركة بين المقاولات التي تتكفل بأداء الأجر المخصص لطبيب الشغل وفقا للمادة 308 م ش. وعليه فإن عنصر الأجر بقي معلقا بالقواعد العامة التي تحكمه لما له من أهمية بالغة في عقد الشغل.
ومنه يحدد الأجر بكل حرية، سواء باتفاق طبيب الشغل مع المشغل مباشرة أو مع رئيس المصلحة المشتركة بين المقاولات، وذلك حسب ارتباط الجهة المكلفة بأداء هذا الأجر في العقد، أو يتم تحديده بمقتضى اتفاقية شغل جماعية.
- – طبيعة شغل الطبيب:
تتميز طبيعة شغل الطبيب بأنها وقائية واستشارية ورقابية على التدابير والإجراءات الكفيلة بحفظ السلامة وصحة الأجراء. وهي محددة بالإضافة إلى مدونة الشغل نجد القواعد المقررة في مدونة أخلاقيات مهنة الطب، وكذا قـانـون رقم 131.13 المتعلق بمـزاولة مهنة الطــب، بالإضافة إلى قرار وزير التشغيل والتكوين المهني بتطبيق أحكام المادتين 305 و330 من القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل. وغير ذلك مما يلزم على طبيب الشغل الالتزام به أثناء أداء عمله.
وتجدر الإشارة إلى أنه وجب توفر شروط أقرها المشرع لقيام علاقة شغل الطبيب وفق النسق القانوني الموجب لإبرام عقد شغل الطبيب. وأن أية مخالفة لذلك يتم تكييفها على أنها جنحة ضبطية تتمثل عقوبتها في الغرامة المحددة بين 2000 و5000 درهم كما جاء في المادة 335 من م ش، التي تنص على تشغيل أطباء لا تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها قانونا. ناهيك عن النصوص الجنائية التي يمكن تطبيقها في حالة قيام هذه المسؤولية.
الفقرة الثانية: شروط تعيين أطباء الشغل ومجال عملهم:
لم يكتف المشرع بإحداث مصالح طبية للشغل في إطار تدابير حفظ الصحة والسلامة فقط، بل نص كذلك على ضرورة توفر الكفاءة المهنية للطبيب المكلف بالرعاية الصحية المتعلقة بمجال الشغل، حيث أوجب توفر شروط لا بد منها لإبرام عقد طبيب الشغل.
1 – شروط تعيين طبيب الشغل:
نجد من بين الشروط الواجب توفرها ما نصت عليه المادة 310 م ش:
- يجب أن يتوفر الطبيب على شهادة تثبت أنه مختص في طب الشغل؛
- يجب على أطباء الشغل أن يكونوا مسجلين في جدول هيئة الأطباء؛
- يجب أن يكون مرخص للطبيب بمزاولة مهنة الطب.
وبالنسبة للطبيب الأجنبي فقد اشترط المشرع في المادة 311 م ش، أن يكون حاصلا إضافة إلى ما ذكر على الترخيص المنصوص عليه في المقتضيات الخاصة بتشغيل الأجانب المواد من 516 إلى 521 م ش.
2 – مجال عمل طبيب الشغل:
لا تقتصر مهام طبيب الشغل في تقديم العلاج للأجراء فحسب، بل وسع المشرع من دائرة اختصاصاته لتطال العمل الوقائي والاسترشادي لتحقيق الهدف المقرر على السلامة والصحة من الاخطار. وسنتطرق بشكل مفصل إلى الدور الذي يختص به طبيب الشغل فيما بعد.
1 – ومن مجالات مهامه نجده من بين أعضاء لجنة السلامة وحفظ الصحة التي يعهد إليها من اختصاصات بموجب المادة 338 م ش فالمشاركة التي يقدمها طبيب الشغل تتمثل فيما يلي:
– استقصاء المخاطر المهنية التي تتهدد أجراء المقاولة؛
– العمل على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية في مجال السلامة وحفظ الصحة؛
– السهر على حسن صيانة استعمال الأجهزة المعدة لوقاية الأجراء من المخاطر
المهنية؛
– السهر على الحفاظ على البيئة داخل المقاولة ومحيطها؛
– الإيعاز باتخاذ كل المبادرات التي تهم على الخصوص مناهج الشغل، وطرقه، و انتقاء المعدات، واختيار الأدوات، والآلات الضرورية والملائمة للشغل؛
– تقديم الاقتراحات بشأن إعادة تأهيل المعاقين من أجراء المقاولة؛
– إبداء الرأي حول سير المصلحة الطبية للشغل ؛
– تنمية الإحساس بضرورة اتقاء المخاطر المهنية، و روح الحفاظ على السالمة داخل
المقاولة.
- – يتولى إجراء التحقيق عند وقوع كل حادثة شغل لأحد الأجراء، أو إصابته بمرض مهني، أو بمرض ذي طابع مهني. وبصفته هذه يقوم إما بتمثيل الأجير أو تمثيل المشغل. مع وضع تقرير مطابقا للنموذج المحدد من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل حول الظروف التي وقعت فيها حادثة الشغل، أو الإصابة بالمرض المهني، أو بالمرض ذي الطابع المهني. وفقا للمادة 340 م ش.
وتجدر الإشارة إلى الزامية أن يؤدى الأجر عن الوقت الذي يقضيه الطبيب في الاجتماعات باعتباره وقت شغل فعلي. استنادا للمادة 339 م ش.
الفقرة الثالثة: دور طبيب الشغل
نص المشرع بصريح العبارة على أن طبيب الشغل يسهر على حسن سير المصالح الطبية للشغل، ويجب عليه أن يباشر مهامه بنفسه وفقا للمادة 309 م ش.
فإذا كان أطباء الشغل هم الذين يتولون السهر على سير المصلحة الطبية فقد حدد المشرع ذلك بكيفية واضحة في دورين أساسيين: دور وقائي يكمن بالأساس في مراقبة حفظ الصحة العامة للمؤسسة، وملائمة الأجراء لمركز شغلهم، وتحسين شروط الشغل. ودور استشاري يكون فيه طبيب الشغل مستشارا لرئيس المؤسسة في كل ما يتعلق بإجراءات حفظ الصحة والسلامة لما له من خبرة فنية في هذا المجال.
1 – الدور الوقائي:
يؤدي طبيب الشغل دورا وقائيا، يتمثل في إجراء الفحوص الطبية الواجبة على الأجراء، خاصة الفحص الطبي الرامي إلى التأكد من ملاءمة مناصب الشغل للحالة الصحية للأجراء عند بداية تشغيلهم، وإلى تجنيبهم كل ما قد يضر بصحتهم بسبب الشغل، ولاسيما بمراقبة شروط النظافة في مكان الشغل، ومخاطر العدوى، والحالة الصحية للأجراء. كما نص المشرع على ذلك في المادة 318 م ش.
وعليه فإن المفهوم من هذا النص أن المشرع قد أوجب القيام بإجراء وقائي لجميع الأجراء، يقوم به طبيب الشغل بشكل أساسي يتمثل في الفحص الطبي، وينقسم حسب نوعية الأجير ما إذا كان جديدا فهو إجراء سابق على أداء الشغل، أو أجير يشتغل سابقا في المقاولة فيكون إجراءً دوريا. ومن حيث الأثر يعتبر إمكانية للتعرف على منصب يلائم صحة الأجير.
وهذا كان تحقيقا للدور الوقائي في السلامة والرعاية الصحية للأجراء، سواء منها الجسدية أو النفسية، إضافة إلى التأكد من أهلية الأجير في القيام بالعمل الذي يناسب حالته الصحية، كما يقوم طبيب الشغل بالعمل على تمتيع الأجراء بالحماية الازمة عن طريق الوقاية من المخاطر التي قد تنتج عنها أضرار أثناء مزاولة مهامهم. فطبيب الشغل بالإضافة إلى الدور الوقائي المنوط به، خوله المشرع بعضا من الرقابة تتمثل في معاينة أماكن الاشتغال من حيث مدى توفرها على الشروط الازمة للنظافة.
- الفحص القبلي
أناط المشرع هذا الدور الوقائي القبلي الذي يقوم به طبيب الشغل بالتأكيد على صحة الأجراء الجُدد، وذلك بإجراء فحوصات عليهم للتأكد من الحالة الصحية التي تناسب طبيعة عملهم مند أول يوم في الشغل. إلا أن المشرع قد يسر الأمر في الحالة التي لم يتم إخضاع الأجير فيها منذ بداية شغله للفحص الطبي، أعطى مدة، حصرها بأن لا يتجاوز ذلك أجل انقضاء فترة الاختبار كحد أقصى لهذا الإجراء استنادا لمقتضيات المادة 327 م ش.
والأكثر من ذلك فتطبيقا لمبدأ السلامة قبل العمل، أعطى المشرع في المادة 338 م ش إمكانية إجراء فحوص تكميلية للأجراء الجدد عند الضرورة، بطلب من طبيب الشغل وعلى نفقة المشغل.
- الفحص الدوري
ولم يقتصر المشرع عند حد الفحص القبلي الوقائي للأجراء الجدد، واستمر بأن يكون لطبيب الشغل دور في فحص دوري لجميع الأجراء الذين يعملون في مقاولة المحدثةَ فيها مصالح طبية. فقد أقر في المادة 327 م ش على إلزامية تمكين الأجراء بمقابلة الطبيب وعرضهم على المصلحة الطبية حسب المدة التي تختلف باختلاف وضعية الأجراء:
إذ يقوم الطبيب الشغل بفحص
- مرة على الأقل كل سنة، للأجراء الذين بلغوا 18 سنة أو تجاوزوها؛
- كل 6 أشهر، لمن تقل سنهم عن 18 سنة؛
يقرر طبيب الشغل تحديد دورية المدة المخصصة لإجراء الفحص، بالنسبة ل:
- كل أجير قد تعرض لخطر ما؛
- المرأة الأجيرة الحامل، وذلك لحماية لصحتها وصحة الجنين رغم عدم ارتباطه بأي علاقة مع المشغل، وتستمر الحماية بعد الولادة إلى أن يبلغ الطفل سنتين وهي المدة التي شرعها الله سبحانه للرضاع وأقرتها مدونة الأسرة؛
- الأجير المعطوب، وهو الأجير المصاب بضرر، أو الأجير الذي يخضع للعلاج؛
- والأجراء من ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما يخضع الأجير للفحص الطبي بشكل دوري غير المحدد المدة، ويتبين أن هذه الحالات تدخل في دائرة الأجير المعطوب:
- بعد غياب الأجير عن العمل أكثر من 3 أسابيع، لسبب حادثة غير حادثة شغل أو مرض غير مرض مهني؛
- بعد غياب الأجير لسبب حادثة شغل أو مرض مهني؛
- بعد تكرار الغياب لسبب صحي.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن المشرع أعطى الامكانية لطبيب الشغل بطلب إجراء فحوص تكميلية على نفقة المشغل، عند بداية تشغيلهم وعودتهم للعمل. تطبيقا للمادة 328 م ش.
وعليه فإن الفحص الوقائي الدوري لا يتوقف عند هذا الحد، بل خول المشرع بصفة استثنائية لطبيب الشغل كلما وقع حادث أو ظهرت أمراض داخل المقاولة، التدخل وتقديم الإسعافات الأولية لكل أجير تعرض لحادث، مالم يكن هذا الحادث خطير يؤثر بشكل يؤدي إلى توقف الأجير عن شغله. ويبقى للأجير في هذه الحالة الحق في اختيار الاستعانة بطبيب آخر. وفقا للمادة 319 م ش.
ونافلة القول إن الدور الوقائي الذي يختص به الطبيب يعتبر من أهم التدابير التي أقرها المشرع للاحتياط وحفظ سلامة وصحة الأجراء، وتحقيق الرعاية الصحية وتفعيل الحد الأدنى للحماية في إطار علاقة الشغل. واتباعا تكميل هذه العملية الوقائية نظرا لصعوبة الدور الذي يقدمه طبيب الشغل من جهة، ونظرا لعدد الأجراء الذين يشتغلون في المقاولات التي ألزم المشرع احداث مصالح طبية لديها من جهة أخرى، فإن المشرع راعا من الجانب الصحي للطبيب ونص في المادة 331 أنه ” يجب إحداث عيادة طبية ثانية، إذا كان للمصلحة الطبية من الأهمية ما يكفي لتشغيل طبيبين بوقت كامل “.
ومسايرة لتسهيل مهمة الطبيب الوقائية أوجب المشرع أيضا على المصالح الطبية للشغل، المستقلة أو المشتركة بين المقاولات، أن تستعين في جميع أوقات الشغل، بمساعدين اجتماعيين، أو ممرضين حاصلين على إجازة الدولة، ومرخص لهم وفقا للتشريع الجاري به العمل ممارسة أشغال المساعدة الطبية، ووضعهم رهن إشارة الطبيب. وفقا للمادة 315 م ش. ويحدد بنص تنظيمي عدد المساعدين والممرضين حسب كل مقاولة تبعا لعدد الأجراء بها.
ويجب تلقين أجيرين على الأقل من الأجراء الذين يعملون داخل كل ورشة تنجز فيها أشغال خطرة، تقنيات وأساليب الإسعاف الأولي المستعجل وفقا للمادة 317. ولا يمكن بأي شكل من الأشكال، اعتبار الأجراء الذين تم تكوينهم لتقديم الإسعافات الأولية قائمين مقام الممرضين المشار إليهم في المادة 315 أعاله. حيث يتمثل دورهم في الإسراع من الوقاية بشكل استعجالي، وتقديم المساعدة للأجراء الذين قد لاحقهم خطر جراء حادث أثناء الشغل أو أصيبوا به، فيكون لتكوين الأجراء الخبرة حول تقنيات وأساليب الإسعاف الأولي دور مهم كتدبير احتياطي يقلل من حدة الضرر أو تجنب الخطر.
2 – الدور الاستشاري
لطبيب الشغل عدة أدوار إلى جانب الدور الوقائي في إجراء الفحوص الطبية على الأشخاص، حيث نجد الدور الاستشاري الذي له بالأهمية بما كان يضطلع به طبيب الشغل، لما له من مؤهلات علمية في مجال الصحة والسلامة، لتقييم الأضرار التي قد تشكل عائقا على السير الحسن لنشاط المقاولة من جهة، والحفاظ على الصحة العامة داخلها من جهة أخرى. فخول له المشرع بناء على مقتضيات نص عليها في مدونة الشغل دورا استشاريا. وقد نصت المادة 321 أنه ” يضطلع طبيب الشغل بدور استشاري، خصوصا بالنسبة للإدارة، ورؤساء المصالح، ورئيس المصلحة الاجتماعية “.
ونذكر من بين الادوار الاستشارية التي ينهض بها طبيب الشغل، لاسيما فيما يتعلق بالحرص على تطبيق التدابير التالية:
- مراقبة شروط النظافة العامة في المقاولة؛ والذي يوضح له مدى سلامة صحة الأجراء في أماكن مزاولتهم لشغلهم.
- وقاية الأجراء من الحوادث، وجميع الأضرار التي تهدد صحتهم؛
- مراقبة مدى ملاءمة منصب الشغل للحالة الصحية للأجير؛
- تحسين ظروف الشغل، وخاصة فيما يتعلق بالبنايات والتجهيزات المستحدثة، وملاءمة تقنيات الشغل للتكوين الجسمي للأجير، واستبعاد المستحضرات الخطيرة، ودراسة وتيرة الشغل.
وعليه فقد ألزم المشرع بصريح العبارة استشارة طبيب الشغل وفقا للمادة 322 في المسائل التالية:
- المسائل المتعلقة بالتنظيم التقني للمصلحة الطبية للشغل؛
- التقنيات الجديدة للإنتاج؛
- المواد والمستحضرات الجديدة.
كما أن لطبيب الشغل الحق في المطالبة بإجراء الفحوص التكميلية خلال زياراته التفقدية، حينما تدعو الضرورة إلى إجرائها، بهدف البحث عن الأمراض المهنية أو المعدية. وفقا للفقرة الثانية من المادة للمادة 328 م ش.
ولا مناص من القول إن الدور الاستشاري لطبيب الشغل قد يطال عنصر مهم من عقد الشغل الذي يكون طرفاه الأجير والمشغل، حيث إن اقتراحاته فيما يتعلق بسلامة وصحة الأجراء كتدابير وقائية للمحافظة على الصحة العامة وفقا لمبدأ السلامة قبل العمل تمس بالعنصر التكويني لعلاقة الشغل القائمة بين الأجير والمشغل، ألا وهي طبيعة العمل المتفق عليه في العقد، سواء من حيث الأداء أو من حيث المكان. حيث نص المشرع في المادة 320 أنه ” يكون طبيب الشغل مؤهلا لاقتراح تدابير فردية، كالنقل من شغل إلى آخر، أو تحويل منصب الشغل، إذا كانت تلك التدابير تبررها اعتبارات تتعلق خاصة بسن الأجير، وقدرته البدنية على التحمل، وحالته الصحية “. ودوره الاستشاري في هذا الصدد بالغ الأهمية وجدي للغاية، إذ أضاف المشرع في سياق نفس المادة أنه يتدخل العون المكلف بتفتيش الشغل، في حالة حدوث صعوبات تحول دون تفعيل هذا الاقتراح المتعلق بنقل الأجير أو تغيير طبيعة أداء عمله، أو عدم الاتفاق على ذلك، سواء من طرف الأجير نفسه أو من طرف المشغل، فيقوم العون المكلف بتفتيش الشغل بإصدار قرار في الموضوع، بعد أخذه رأي الطبيب مفتش الشغل. والأكثر من ذلك أن طبيب الشغل قد يتدخل باقتراحاته على سلطة المشغل في الإدارة، إذ يمكن لطبيب الشغل عند تعرفه على مخاطر العدوى التي قد يترتب عنها مخاطر، أن يقترح إخضاع العمل لإجراءات خاصة تحد من مخاطر انتشار هذه العدوى.
وخلاصة القول إن لطبيب الشغل أدوارا ينهض بها في حفظ السلامة والرعاية الصحية، والوقاية من الأضرار التي تشكل خطرا على الأجراء، وأن استشارته في المسائل المتعلقة بتدابير الاحتياط وحفظ السلامة والصحة ملزمة للمشغل، كما أن المشرع مكن طبيب الشغل برقابة قبلية على مدى حقيقة توفر الشروط الازمة لمكان العمل والكفاءة الصحية لأدائه. وهذا لم يمنع المشرع من فرض بعض الالتزامات عليه والتي تتمثل في إلزام طبيب الشغل بالتصريح وفق الشروط المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل، بكل حالة من حالات الأمراض المهنية التي علم بها، وكذلك الأعراض أو الأمراض التي يمكن أن تكون لها صبغة مهنية، وفقا للمادة 324 م ش، وألزمه كذلك أثناء قيامه بمهام السهر على المصلحة الطبية بنفسه بمعنى أن يباشر عمله بشكل شخصي، استنادا لما تفرضه عليه القواعد المنظمة لأخلاقيات المهنة.
بالنظر إلى الوظائف التي يمكن لطبيب الشغل القيام بها بصفته عضو لجنة حفظ الصحة والسلامة، وما تم التطرق إليه كله في إطار حفظ السلامة، هو محاولة من المشرع بتوفير الحماية الصحية الفضلى كحد أدنى في مجال الشغل، باعتباره دور وقائي منوط بطبيب الشغل.
المطلب الثاني: الالتزامات التي تقع على المشغل
في مقابل الأدوار التي أناطها المشرع بطبيب الشغل لارتباطه بعقد شغل مع المشغل أو مع رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات لحماية سلامة الأجراء وحفظ صحتهم. قد وضع التزامات على المشغل وأوجب عليه العمل بها، لما توفره من حماية لصحة وسلامة الأجراء من جهة، وما يؤثر إيجابيا على نشاط المقاولة من جهة أخرى.
وقبل الحديث عن الالتزامات التي أقرها المشرع في هذه الحالة، يجب التعرف على شخص المشغل، لتوضيح الجهة المكلفة بتوفير إجراءات السلامة والرعاية الصحية داخل المقاولة، وعليه فقد نص المشرع في المادة 6 من مدونة الشغل على أنه ” يعد مشغلا كل شخص طبيعي أو اعتباري، خاصا كان أو عاما، يستأجر خدمات شخص ذاتي واحد أو أكثر “.
وفي هذا الإطار نقترح تقسيم التزامات المشغل نحو طبيب الشغل لما لهذه النقطة من أهمية في موضوع البحث الجوهري المتعلق بعقد شغل الطبيب، وقبل ذلك وجب التعرف على الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل فيما يتعلق بتوفير الشروط الازمة في الأماكن المخصصة للتطبيب التي يسهر عليها طبيب الشغل.
الفقرة الأولى: التزامات المشغل في الرعاية الصحية وحفظ السلامة
يجب على المشغل، أن يسهر على نظافة أماكن الشغل، وأن يحرص على أن تتوفر فيها شروط الوقاية الصحية، ومتطلبات السالمة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء، وخاصة فيما يتعلق بوسائل الوقاية والأشياء التي تقتضيها الطبيعة العامة للاستعمالات اليومية.
ومن أهم هذه الوسائل التي أقرها المشرع أن تتوفر المقاولة على أجهزة الوقاية من الحرائق، وأجهزة الانارة والتدفئة والتهوية، والأجهزة المخصصة للتخفيض من صداع الضجيج الذي قد تحدثه الآلات أو غيرها من الأشياء التي تصاحب العمل جراء إصدار أصوات قوية يترتب عنها ضجيج يؤثر على صحة الأجراء في العمل وهو ما يجب التخفيف من حدته. بالإضافة إلى استعمال المراوح لإبقاء عمل الأجير يسير في ظروف مناخية عادية. كما أكد المشرع على أن تتوفر المقاولة على الماء الصالح للشرب وتوفير مياه الغسل وآبار المراحيض، وأنابيب تصريف مياه الفضلات، والأتربة وأنابيب الأبخرة التي تخرج البخار. وبما أن الأجير ملز بأن يخضع للزي الرسمي الذي أوجبه المشغل، يقابله أن المشرع فرض أن تتوفر المقاولة على مستودعات الملابس للأجراء، وأماكن الاغتسال، والأكثر من ذلك أن توفر المقاولة أماكن للرقود والاستراحة.
ويجب على المشغل، أن يضمن تزويد الأوراش بالماء الشروب بكيفية عادية، وأن يوفر فيها للأجراء مساكن نظيفة، وظروفا صحية ملائمة. كما جاء في المادة 281 من مدونة الشغل.
وعلى هذا الأساس فإن للصحة والسلامة أهمية بما كان، حيث إن المشرع ألزم المشغل بإحداث مصالح طبية في المقاولة بموجب المادة 304 م ش، فإما تكون مصالح طبية مستقلة أو مشتركة، وحصر هذه المقاولات التي يطبق عليها هذا النص، فيما يأتي:
1 – إحداث المصالح الطبية المستقلة:
- تلتزم بإحداثها المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلال الفلاحية والغابوية وتوابعها التي تشغل ما لا يقل عن 50 أجير.
- تلتزم بإحداثها جميع المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلال الفلاحية والغابوية وتوابعها، والمشغلين الذين يباشرون أشغالا تعرض الأجراء لمخاطر الأمراض المهنية، التي حددها التشريع المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
2 – إحداث المصالح الطبية المشتركة بين المقاولات:
يجب على المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها التي تشغل أقل من 50 أجيرا أن تحدث مصالح طبية، وأعطاها المشرع امتيازا في الاختيار بين المصالح الطبية للشغل مستقلة أو مصالح طبية مشتركة، وفق الشروط المحددة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
وعليه فإن المستساغ من هذا الدور الحمائي للسلامة والرعاية الصحية، أوجب المشرع إحداث مصالح طبية يتلقى فيها الأجراء المراقبة الصحية.
وما تجدر إليه الإشارة أن المشرع قد وضع استثناءات على فرض المصالح الطبية وإلزام المشغلين بها، فالمشغلين الذين لا يطالهم تطبيق هذه النصوص محددين بما جاء به المشرع واردًا في المادة 4 التي تنص على أن ” تستثنى من نطاق تطبيق هذا القانون، الفئات المهنية من المشغلين التي تراعى في تحديدهم الشروط التالية:
– أن يكون المشغل المعني شخصا طبيعيا؛
– ألا يتعدى عدد الأشخاص الذين يستعين بهم خمسة أشخاص؛
– ألا يتجاوز الدخل السنوي للمشغل المعني خمس مرات الحصة المعفية من الضريبة على الدخل “.
يتم تحديد هذه الفئات بمقتضى نص تنظيمي، يتخذ بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والأجراء الأكثر تمثيلا.
3 – التزامات أخرى
ومن بين الالتزامات التي يجب على المقاولات المفروض عليها أن تحدث مصلحة طبية مستقلة طبقا للمادة 304 أعلاه الالتزام بها، هو أن تتوفر على طبيب شغل. بما يقتضي ذلك ابرام عقد شغل مع الأطباء الذين تتوفر فيهم الشروط المقررة بنص القانون المحددة سابقا، ونطاق ابرام عقد شغل الطبيب قصد المشرع فيه بأن يلتزم الطرف المشغل بأن يوفر حضور الطبيب والسهر على المصلحة الطبية طيلة ساعات الشغل استنادا إلى المادة 306 م ش.
غير أن ابرام عقد شغل مع طبيب واحد وإلزامه بالحضور طيلة ساعات الشغل أمر يصعب الموافقة عليه من طرف الطبيب، نظرا للمهام النبيلة التي يقوم بها. وأن حصر نطاق عمله في مؤسسة شغل تستفيد من تكوينه طيلة ساعات الشغل يشكل تقييدا لتدخلات الأطباء، إضافة إلى ما هو معلوم في الواقع حول النقص الحاصل في الأطر الطبية.
وفطنة من المشرع لهذا الأمر، أوجد حلا مع إبقائه على التزام يقوم على عاتق المشغل المتمثل في توفير الطبيب طيلة ساعات العمل، ومراعاة من المشرع للجانب الصحي كمبدأ دستوري للعلاج والعناية بالصحة نص في المادة 331 ” يجب إحداث عيادة طبية ثانية، إذا كان للمصلحة الطبية من الأهمية ما يكفي لتشغيل طبيبين بوقت كامل “. وعليه فإن المشغل لا يمكنه أن يتملص من توفير العناية الصحية للأجراء طيلة ساعات الشغل نظرا للمخاطر المحدقة بهم أثناء مزاولة عملهم. لذلك عمد المشرع إلى توسيع الاستجابة للرعاية الصحية وتضييق حالات البطء في الحفاظ على السلامة والصحة، فأعطى إمكانية ثانية لإبرام عقد شغل الطبيب ونص في المادة 311 م ش أنه يمكن للمشغل ابرام عقد شغل الطبيب الأجنبي، وذلك بشرط إضافي للشروط الازمة في المادة 310 وهو أن يحصل على تأشيرة كترخيص منصوص عليه في المقتضيات الخاصة بتشغيل الأجراء الأجانب[17].
وتتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، تحديد الحد الأدنى من الوقت الذي يجب على طبيب أو أطباء الشغل، تكريسه للأجراء، مع التمييز بين المقاولات التي لا يخشى فيها على صحة الأجراء، وبين تلك التي يجب إخضاعها لرقابة خاصة، والتي يباشر فيها أعمالا يمكن أن تعرض الأجراء لمخاطر الأمراض المهنية. كما نص المشرع على ذلك في الفقرة الأولى من المادة 306 م ش.
وفي مستهل الحديث ألزم المشرع في المادة 308 م ش بأن “تتحمل المقاولة أو المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات، مصاريف تنظيم المصلحة الطبية ومراقبتها “. وذلك تأكيدا منه في الحرص على أن تتوفر فيها شروط الوقاية الصحية، ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء.
ونص في المادة 315 أنه على المشغل توفير إمكانية التعاقد مع مساعدين اجتماعيين أو ممرضين، الذي تتوفر فيهم الشروط، للإعانة الطبيب ومساعدته في التدخلات التي يقوم فيها بنفسه. وكذا ألزم المشرع علاوة على ذلك بأن يتم تكوين الأجراء وفقا للمادة 317 م ش. كما يجب إحداث مصلحة حراسة طبية، طبقا للشروط والقواعد التي تحدد بنص تنظيمي. للحفاظ على أدوات العمل الطبي والأجهزة الطبية. استنادا للمادة 316 م ش.
هذا وأن المشغل يقع عليه في المقاولات الملزمة بأن تكون لديها مصلحة طبية للشغل، إخضاع الأجراء الذي سبق الإشارة إليهم في المادة 327 لفحص طبي يجريه عليهم طبيب الشغل. وتحدد السلطة الحكومية المكلفة بالشغل كيفيات تطبيق مقتضيات هذه المادة.
وعند طلب طبيب الشغل إجراء فحوصات تكميلية يقع أداء مصاريفها على نفقة المشغل وفقا للمادة 328، كما يؤدى الأجر عن الوقت الذي استلزمته الفحوص الطبية المجراة على الأجراء، باعتباره وقتا عاديا من أوقات الشغل وفقا للمادة 329 م ش.
كما يؤدى الأجر عن الوقت الذي استلزمته الفحوص الطبية المجراة على الأجراء، باعتباره وقتا عاديا من أوقات الشغل. وفقا للمادة 329. وأكد على ذلك في المادة 291 م ش إذ ” يجب على المشغل، أن يؤدي إلى الأجراء أجر الوقت الذي يقضونه من أجل تنفيذ التدابير التي تفرضها عليهم قواعد حفظ الصحة، باعتباره وقتا من أوقات الشغل “. وبالتالي فإن التزام المشغل بأداء الأجر، يعتبر حماية لهذا الأخير باعتباره عنصر جوهري في عقد الشغل، إضافة إلى الطابع الاجتماعي الذي يلبسه كوسيلة للعيش.
ويكون المشغل ملزما بتجهيز الأماكن المخصصة للمصلحة الطبية للشغل، سواء كانت الفحوص ستجرى داخل المقاولة، أو في مركز مشترك بين عدة مقاولات. وفقا للمادة 330، وتحدد السلطة الحكومية المكلفة بالشغل شروط هذا التجهيز.
- – قرار وزير التشغيل[18]
جاء في المادة الأولى من قرار وزير التشغيل والتكوين المهني بتطبيق أحكام المادتين 305 و330، أن هذا القرار يحدد الشروط التي تحدث وفقها المقاولات الصناعي والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، التي تشغل أقل من 50 أجير سواء كانت تتوفر على مصالح طبية مستقلة أو مشتركة بين المقاولات، بالإضافة إلى أنه يحدد شروط تجهيز الأماكن المخصصة للمصلحة الطبية للشغل.
ونخلص في ذلك، أن ما يخص الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل يجب احترامها، كما وضع المشرع جزاءات على مخالفة هذه الأحكام. بالإضافة إلى الإجراءات التي يجب العمل بها في إطار حفظ الصحة والسلامة بصفته رئيس اللجنة المكلفة بالسلامة وحفظ الصحة وفقا للمواد 337 و338 و339 و340 و442 من القانون رقم 65.99.
ويتعين على المشغل توجيه نظيرا من التقرير المحدث من طرف طبيب الشغل حول الظروف التي وقعت فيها حادثة الشغل، أو الإصابة بالمرض المهني، أو بالمرض ذي الطابع المهني إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، وإلى الطبيب المكلف بتفتيش الشغل، وذلك خلال 15 يوم الموالية لوقوع الحادثة أو لمعاينة المرض.
الفقرة الثانية: التزامات المشغل تجاه طبيب الشغل
1 – الالتزامات الملقاة على رئيس المقاولة
تتحمل المقاولة أو المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات، مصاريف تنظيم المصلحة الطبية ومراقبتها، وتتكفل بأداء الأجر المخصص لطبيب الشغل وفقا للمادة 308. وذلك حسب ما كان طبيب الشغل مرتبطا بالمشغل نفسه أو أن ارتباطه يقع مع رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات استنادا لمدلول المادة 312 م ش.
يجب على رئيس المقاولة أخذ مقترحات طبيب الشغل بعين الاعتبار، عندما يتعلق الأمر بالتدابير الفردية كنقل الأجير من مكان شغل إلى مكان آخر، بمبرر أن المكان لا يناسب قدرته الصحية أو أنه يشكل خطرا على سلامته وصحته. أو باقتراحه تحويل الأجير من منصب شغل لآخر كتدبير وقائي والاحتياط لتجنب المخاطر التي قد تنتج عن ذلك العمل تؤثر على صحة الأجراء من جهة، ونشاط المقاولة من جهة أخرى. باعتبار ذلك من الدور الاستشاري الذي ينهض به طبيب الشغل. كما يجب على رئيس المقاولة إذا رفض العمل بما يقترحه طبيب الشغل، أن يقدم بيان الأسباب التي حالت دون الأخذ بها. وفقا لنص المادة 320.
وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها الحديث عدد 1359/1، الصادر عن الغرفة الاجتماعية بتاريخ 27/10/2020، في الملف الاجتماعي عدد 507/5/2020، والذي جاء فيه ” يتعين على المشغل الحرص على سلامة وصحة الأجراء – نعم
إرجاع إلى منصب يتطلب استعمال مواد كيماوية – وجود توصية بالنقل من طرف الطبيب – فصل تعسفي.
مغادرة الأجيرة لعملها بعد إصرار المشغلة على إرجاعها إلى منصب عملها الأول الذي يتطلب استعمال مواد كيماوية تسبب لها في حساسية جراء استنشاقها، وأوصى طبيب الشغل بنقلها منه، لا يشكل مغادرة تلقائية للعمل، وإنما فصلا تعسفيا، وإخلالا من جانب الطالبة باعتبارها مشغلة بالتزاماتها في الحفاظ على سلامة وصحة أجرائها “[19].
وعليه فإن محكمة النقض رفضت طلب المشغلة وتحميلها الصائر بادعائها عيب انعدام الأساس القانوني ونقصان التعليل. وقد جاء في حيثيات القرار في شأن الوسيلة الوحيدة منه، أن الأمر بإجراء بحث أو خبرة كوسيلتين من وسائل التحقيق تلجأ إليها المحكمة عند الضرورة، عندما لا تنكشف أمامها بعض جوانب الدعوى، وهو ما ليس متوافر في نازلة الحال. إذ أن الثابت من وثائق الملف، أن المطلوبة في النقض أدلت للطالبة بشهادة طبية صادرة عن طبيب الشغل، تفيد أنها تعاني من حساسية ناتجة عن استعمال واستنشاق بعض المواد الكيماوية أثناء العمل، وأن ممثل الطالبة أكد أثناء محاولة التصالح لدى مفتش الشغل، أن العمل يتطلب استعمال مواد كيماوية خاصة. كما ثبت أن الطالبة استنادا إلى توصية طبيب الشغل استجابت لطلب تغيير العمل، وأوكلت للمطلوبة في النقض عملا آخر لا يحتوي على مواد كيماوية مباشرة أو غير مباشرة، غير أنها حسب ما هو ثابت من محضر المعاينة المدلى به، والذي لم يكن محل أية منازعة، قامت بإرجاعها إلى منصب عملها الأول الذي أكد ممثلها القانوني أن العمل فيه يتطلب استعمال مواد كيماوية. مما يكون معه ما قامت به فيه خرق لمقتضيات المادة 287 من مدونة الشغل التي منعت على المشغل السماح باستعمال مواد أو أجهزة قد تلحق الضرر بصحة الأجراء، أو تعرض سلامتهم للخطر، وخرقا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالسلامة والصحة في العمل – وخاصة الاتفاقية رقم 187 لمنظمة العمل الدولية، المتعلقة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة في العمل، التي صادق عليها المغرب خلال الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي في يونيو 2019. والمحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي الذي اعتبر أن مغادرة المطلوبة لعملها بعد إصدار الطالبة على إرجاعها إلى منصب عملها الأول الذي يتطلب استعمال مواد كيماوية تسبب لها في حساسية جراء استنشاقها، وأوصى طبيب الشغل بنقلها منه، لا يشكل مغادرة تلقائية للعمل، وإنما فصلا تعسفيا، وإخلالا من جانب الطالبة – باعتبارها مشغلة – بالتزامها الحفاظ على سلامة وصحة أجرائها، تكون قد عللت ما قضت به تعليلا كافيا وسليما، ولم تخرق أي مقتضى قانوني، والوسيلة المثارة على غير أساس.
ومن الالتزامات الملقاة على المشغل أنه يجب على رئيس المقاولة أن يُطلع طبيب الشغل على تركيبة المنتجات التي يستعملها في مقاولته لتسهيل كشف مدى خطورتها ومدى تناسبها مع الامكانية الصحية للأجراء وتوخي الاحتياط ما قد تسببه من أضرار إبان استخدامها. وفقا للمادة 323 م ش.
ونصت المادة 326 أنه يجب على رئيس المقاولة:
- أن يقدم لطبيب الشغل، جميع التسهيلات التي تتيح له، من جهة، مراقبة مدى استيفاء المقاولة لشروط الشغل، وفي مقدمتها التعليمات الخاصة التي تحث على التمسك بتدابير السلامة وحفظ الصحة، عند إنجاز أشغال خطرة من نوع الأشغال المشار إليها في المادة 293.
- وأن تتيح لطبيب الشغل، إمكانية التعاون مع الأطباء القائمين على علاج الأجراء، ومع كل من يمكن أن يفيده في شغله، من جهة أخرى.
2- الالتزامات الملقاة على طبيب الشغل تجاه المشغل
يلتزم الطبيب إلى جانب ما تفرضه قواعد أخلاقيات المهنة على طبيب الشغل عند مزاولته لمهامه، أن يقوم بجرد الأخطار والأمراض المهنية إن وجدت، وعدد الأجراء المعرضين لهاته الأخطار والأمراض وأن يضمنها في لائحة، متمثلة في بطاقة المقاولة التي يمسكها طبيب الشغل، وأن يقوم بتوجيه هذه البطاقة للمشغل للجنة حفظ الصحة والسلامة، وتوضع رهن إشارة العون المكلف بتفتيش الشغل والطبيب مفتش الشغل.
كما يلتزم طبيب الشغل بتحيين هذه البطاقة باستمرار. المادة 325 م ش غير أن المشرع لم يحدد أجلا بتمكين المشغل بهذه البطاقة.
وكذا ما جاء في الالتزام بحفظ السر المهني بنص المادة 323 م ش ” يجب على طبيب الشغل أن يحفظ أسرار المعدات الصناعية والتقنية، وكذا أسرار تركيبة المنتجات المستعملة “.
يجب على طبيب الشغل، في جميع الظروف، أن يؤدي مهمته بكل استقلال وحرية، إزاء المشغل، مع مراعاته للاعتبارات الخاصة بمهنته. وفقا للمادة 314 م ش.
3 – انهاء عقد شغل الطبيب أو تأديبه
نص المشرع في المادة 313 على عدم اتخاذ أي اجراء تأديبي للطبيب الشغل سواء من طرف المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات، بمعنى أن الجهة المرتبطة مع الطبيب في عقد شغل لا يمكنها تأديبه، إلا طبعا بعد صدور قرار مصادق عليه من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل بعد أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل. وهذا ما نص عليه المشرع بأنه ” يجب أن يكون، كل إجراء تأديبي، يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاذه في حق طبيب الشغل، موضوع قرار، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، بعد أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل “.
وجاء في توجه محكمة النقض الذي توضح فيه مسطرة تأديب طبيب الشغل طبقا لهذه المادة المذكورة، في قرار عدد 219 الصادر بتاريخ 09 فبراير 2016 في الملف الاجتماعي عدد 37/5/1/2015 والذي جاء فيه
” طبيب الشغل – وجوب احترام مسطرة التأديب الواردة في المادة 313 من م ش – إعمال بنود عقد الشغل إذا كانت أكثر فائدة للأجير.
طبيب الشغل يعد من الأجراء المشمولين بالحماية القانونية في ظل مدونة الشغل طبقا للمادة 313 التي تنص عل أنه يجب أن يكون، كل إجراء تأديبي، يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاذه في حق طبيب الشغل، موضوع قرار، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، بعد أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل.
لا يمكن إعمال بنود عقد الشغل الرابط بين الطرفين إلا إذا كانت أكثر فائدة بالنسبة للأجير”[20].
بالإضافة إلى المادة 11 من مدونة الشغل التي تؤكد على أن ” لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة للأجراء “. وبالتالي تبقى مدونة الشغل من ضمن الحماية الأدنى للحقوق في عقد شغل الطبيب ما لم يرد أحكام أكثر فائدة للطبيب، وأن هذا الحد لا يمكن النزول عنه.
المبحث الثالث: الآثار المترتبة عن عدم احترام إجراءات وتدابير حفظ السلامة والرعاية الصحية
المطلب الأول: المسؤولية المدنية لطبيب الشغل
رغم أن المسؤولية القانونية نتيجة أعمال التطبيب والجراحة كموضوع، قد حظي باهتمام رجال الفقه والقانون في العصر الحديث[21]، والذي أثار حوله جدل كبير أعاد النظر في الأساس القانوني لحق الطبيب في ممارسة مهنته وطبيعته وحدود المسؤولية. إلا أن الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية في إرساء قواعد المسؤولية الطبية بما يكفل حماية الطبيب وحفظ حقوق المرضى[22]. حيث تميز علماء الشريعة بتحديد شروط انتفاء مسؤولية الطبيب – التي تتمثل: في إذن الشارع، رضى المريض، قصد الشفاء، وعدم وقوع الخطر من الطبيب – وقد ذهبت القوانين الوضعية إلى تبني هذه الشروط ذاتها لانتفاء المسؤولية عن الأطباء.
وقد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية أن التقصير من التعدي، وعليه وجوب الضمان عن ذلك، مع التمييز بين الخطأ والتقصير، فلا يجعلون في الخطأ عدوانا ويعتبرون التقصير عدوانا. وعليه فما يحث في العمل الطبي أثناء القيام بمهامه لا يسأل إلا إذا وقع منه الخطأ نتيجة التقصير[23]. وبالتالي فإذا كان طبيب الشغل يمارس اختصاصا وقائية بالدرجة الأولى، فإنه لا يمكن تصور صدور خطأ في حقه، بل يتبع تحديد مسؤوليته للتقصير الصادر منه في أداء واجبه وما تفرضه عليه أخلقيات المهنية، وهو ما يعد عدوانا طبقا لتصور فقه الشريعة الإسلامية.
ومنه يظهر كأن مسؤولية طبيب الشغل تشترك فيها المسؤولية التقصيرية التي قد تقوم عليه تجاه الأجير نتيجة الإهمال والتقصير، مع المسؤولية العقدية التي تقوم عليه تجاه المشغل نتيجة عدم تنفيذه على الشكل المحدد له بمقتضى القانون والقواعد الأخلاقية للمهنة.
الفقرة الأولى: تكييف مسؤولية طبيب الشغل
بما أن اختصاصات تدَخُّل طبيب الشغل متعددة، مع تنوع العلوم التي يستسقي منها معارفه ويتابع مستجداتها، وكذا الجهات المكلفة بتنفيذ آليات السياسة الوقائية لحفظ الصحة والسلامة المهنية متعددة، فإن إمكانية التقصير تستساغ وتدل على ثبوتها، في حقه ما دام هو الذي يسهر على ضمان حسن سير المصالح الطبية للشغل الذي يجب أن يباشر مهامه فيها بنفسه. ولابد من القول إن التساؤل الذي يطرح في الذهن بعد هذا النمط المعرفي للمسؤولية، يقع على المسؤولية المدنية في مقابل المسؤولية الجنائية التي تواجه طبيب الشغل عن تقصيره في توفير الوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية؟
ومن واجب الإشارة إلى أن التقصير الصادر عن طبيب الشغل يدور حول الامتناع عن القيام بعمل، قد لا يزن أهميته فيرتكب الخطأ عن غير قصد، وقد يعي أهميته لكن الوقائع تسبقه في التدخل، يطرح سؤال آخر حول إمكانية الأجير في إثبات الضرر الحاصل له الذي كان سببه مرض مهني أو حادثة شغل نتيجة تقصير طبيب الشغل في أداء دوره الوقائي؟ وهل يمكن اعتبار ذلك يدخل في مجال المسؤولية العقدية لطبيب الشغل؟ أو أن هذا التقصير كان مقصودا؟
1 – المسؤولية التقصيرية:
للإجابة على ذلك، نقول، أنه لما كان طبيب الشغل يعمل بصفته أجيرا عند صاحب المقاولة، فإن بإمكان المتضرر أن يطالب المشغل طبقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية استنادا للفصل 85 من ق ل ع فيما يخص مسؤولية التابع عن أفعال المتبوع، ونستحضر اجتهاد القاضي الفرنسي إلى قبول فكرة أن الطبيب وإن كان يمارس فن الطب إلا أن ممارسته عمله هذا يكون بوصفه تابع لرئيس المقاولة[24]. غير أن اثبات تقصير الطبيب يقع على عاتق الأجير المدعي للخطأ، وهو خطأ معقول ومعتبر سواء أثناء تشخيص الأجراء ومعرفة مدى قدراتهم ومؤهلاتهم الصحية لأداء العمل، أو عند المراقبة الدورية للوضعية الصحية لهم.
2 – المسؤولية العقدية:
يمكن أن تقوم المسؤولية الشخصية للطبيب والتي تنتقل إلى رتبة أخرى وتنزل منزلة المسؤولية العقدية عند ابرام العقد الطبي، وذلك بتغليب العنصر على أي اعتبار آخر يقل عنه أهمية. وهكذا سنتوصل إلى توضيح المسؤولية التي تقع على عاتق الطبيب جراء الالتزامات التعاقدية في مجال الشغل، وهذا الشكل من المسؤولية المهنية الطبية هو الأكثر شيوعا، إلا أنه يمكن أن يتحمل الطبيب مسؤولية مؤسسة على الجرائم وأشباه الجرائم لاعتبارها عمل غير مشروع يوجب المُسائلة، لأن بعضا من واجباته المهنية لا تنتج فقط من العقد ولكن منها ما هو منصوص عليه تشريعيا وفي أنظمة دقيقة ومعايير مهنية ملزمة للطبيب عموما، سواء أكان يشتغل في القطاع الخاص أو في القطاع العام.
ويكون لصاحب العمل أن يعود على الطبيب، لاسترجاع كل أو جزء من التعويضات التي أداها تأمينا على مسؤولية طبيب الشغل[25]. وهنا يتدخل دور التأمين الإجباري في عقود الشغل لما له من أهمية في حماية استقرار وتوازن القيمة المادية للمقاولة.
3 – المسؤولية التأديبية:
أما بالنظر إلى قانون أخلاقيات مهنة الطب، نجده غني من حيث تحديد التزامات الطبيب، وبخيل فيما يتعلق بالمسؤولية المهنية الناتجة عن هذه الواجبات المهنية …، ونقول إن هناك مسؤولية أخرى قد تنتج عن الأخطاء التأديبية، التي تكون فيها هيئة الأطباء مختصة في تطبيق عقوبات خاصة بها، وهذا فإن طبيب الشغل له من العمل ما يرقى به نبلا نظرا لصعوبته من جانب المسائلة فيه، حيث يكون طبيب الشغل معرضا للعقوبات التأديبية سواء من طرف المشغل أو من طرف الهيئة التي ينتمي إليها، وذلك بالرجوع عليه بالتعويض.
4 – المسؤولية الجنائية:
كما قد تكون هناك المتابعة جنائية عن الضرر الحاصل للأجير المصاب بإهماله وتقصيره إذا توفر فيه القصد الجنائي.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن المسؤولية عن فعل غير مشروع في الجرائم وأشباه الجرائم قد يؤدي إلى المسؤولية الجنائية رغم اختلاف ذلك من حيث تطبيق القانون المدني على الأولى وتطبيق القانون الجنائي على الثانية[26].
وعموما يمكن منازعة طبيب الشغل بالاستناد إلى المسؤولية المدنية في الفصول 77 و78 ق ل ع أو على المسؤولية العقدية استنادا للفصل 263 ق ل ع، والاختيار بينهما يكون وفقا للاختلاف الوقائع حسب ما إذا كانت طبيعة الخطأ المنسوب للطبيب شخصي أو أن الخطأ نتج عن فعل الغير أو فعل الأشياء. وناقلة القول في هذا المضمار أن الخطأ الشخصي لطبيب الشغل يتسم بالطابع العقدي الذي يعطي الحق للمشغل أو للجهة التي ترتبط معه في عقد شغل بالرجوع عليه لما صدر منه من أعمال غير مشروعة قانونا أو تخالف القواعد المنظمة لأخلاقيات المهنة، أما الخطأ الناتج عن فعل الغير أو عن فعل الأشياء التي تكون سببا في حدوث ضرر خارج عن اختصاصه كأن المشغل أو المقاولة لم توفر الآليات الوقائية الازمة للحفاظ على الصحة العامة بأماكن الشغل، وبالتالي فإن الطرف المضرور يرجع على المشغل الذي يكون مسؤولا عن تقصيره في عدم تجهيز المتطلبات التي تقي من الإضرار بصحة الأجراء وحفظ سلامتهم في الشغل، وهنا تنتفي مسؤولية طبيب الشغل ولا ينسب إليه الخطأ مادام لن يثبت في حقه أي تقصير أو إهمال.
الفقرة الثانية: الأسباب التي تحول دون إخضاع الطب الخاص للمساءلة
تعتبر قواعد المسؤولية الطبية في التشريع المغربي غامضة ومتفرقة، وتكون دائما بحاجة إلى قواعد القانون المدني العام لتحديد أبعاد هذه المسؤولية الطبية[27]. ومن هذه الأسباب العديدة نذكر:
- أن بعض مهن الصحة، وخاصة الطبية تشكل مجموعات ضغط ذات تأثير كبير، ولذلك يتم تشبيهها بمجموعات القوى المالية… التي تتوفر على مصادر مالية وقانونية للدفاع بفعالية عن مكتسباتها ومصالحها وحقوقها، وإن كانت على حساب الطبقات الشعبية الفقيرة[28].
- عدم وجود جمعيات أو هيئات غير حكومية للمواطنين مستهلكي العلاجات الصحية والتي قد تشكل معيار توازن لهذه المهن[29].
- نعت الترسانة القانونية المغربية بغياب نصوص تشريعية وتنظيمية خاصة بالأطباء الممارسين بالقطاع الخاص، فلا نجد على المستوى المدني أو الجنائي إلا بعض المقتضيات المتفرقة التي يحاول القضاء تفسيرها وتحديد أبعادها وحدودها من حيث التطبيق[30].
- عند الوقوف على تحديد التزامات الأطباء يتم الرجوع إلى القواعد والأعراف المنظمة للمهنة الوارد في قانون أخلاقيات المهنة، ورغم أهميتها وأنها ملزمة لهذه الفئة على غرار القانون، فإننا بحاجة دائمة إلى قواعد القانون المدني لتأصيلها[31].
- أن القانون المنظم لمهنة الطب يعود إلى سنة 1953، مما جعله لم يعد يساير العصر، وهذا يضع النظام الصحي جميعه موضوع نقاش.[32]
وهكذا فخلاصة القول أن الأجير يجد صعوبة في الدفاع عن حقوقه المنتهكة من قبل طبيب الشغل، إذ يجب أن تكون له دراية سابقة بهذه الحقوق وبالتزامات الطبيب لتسهل له السبب في اللجوء إلى القضاء أو إلى الهيئة التأديبية التي تختص بتأديب طبيب الشغل، وأن يتوفر الأجير على المصادر القانونية والقضائية الدقيقة لإثبات حقوقه الصحية. إلا أن الأمر ينظر إليه بعيدا تماما في المغرب خاصة بالنسبة للأجراء، كما أن هيئة الأطباء الوطنيين بعيدين عن إحقاق الحق حتى في حالات الخرق البين من قبل الأطباء. فإذا كانت وظيفة طبيب الشغل تتمثل في كونها ذات طابع وقائي وأن التزامه ينتمي إلى فئة الالتزامات التي تقتضي بذل عناية وليس مجبرا بتحقيق نتيجة، فإن إثبات الأجير لتقصير طبيب الشغل في وقايته صحيا يبقى دون أساس بيِّن وجدي يوضح الطريق لهذا الأجير، إن لم نقل عليه مستحيل استحالة واقعية وشبه قانونية.
لذلك يجب على المشرع أن ينتبه إلى تحديد التزامات طبيب الشغل بدقة متناهية تحسم في اختلاف الآراء بصدد المسؤولية المدنية، ذلك بتمكين الأجراء بشواهد طبية لما لها من الأهمية بما كان في موضوع الاثبات، وكذا الإقرار بحق مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين في رفع دعوى المسؤولية ضد طبيب الشغل متى ظهر لهم ضرورة في ذلك لحفظ الحقوق والحد من التعسف. ومن المؤكد أن أي تعويض ومهما بلغت قيمته لا يمكن أن يحل محل حياة انتهت بسبب حادثة شغل نتجت عن تقصير في تدابير السلامة والصحة، أو بتر عضو من الجسم لعدم وجود تجهيزات وقائية مضادة للخطر، أو عجز بدني دائم نتج عنه سرطان بفعل انعدام أو قلة البواخر… وغيرها من الأمثلة الواقعية التي يكون فيها هاجس الربح سابق على حماية الأشخاص وحقوقهم، مما يتناقض مع مبدأ السلامة قبل الشغل[33].
ومن هذه الناحية يمكن القول إن المشرع المغربي لازال يبحث عن إيجاد قانون خاص بالصحة في هذا المجال ما دام لم يورط المسؤولية المباشرة لطبيب الشغل في مواجهة المشغل، كما هو الحال في فرنسا وذلك بالردع الكافي للتعسف وعدم التقيد بإجراءات السلامة والصحة[34].
المطلب الثاني: جزاءات عدم احترام المشغل إجراءات وتدابير حفظ السلامة والرعاية الصحية
وضع المشرع جزاء على عدم احترام الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في المادة 335 م ش والتي تقتضي حفظ الصحة والسلامة للأجراء وسائر العاملين بالمقاولة فيعاقب عليها بجنحة ضبطية تتراوح غرامتها من 2.000 إلى 5.000 درهم عند خرق المقتضيات التالية:
- عدم إحداث مصلحة طبية مستقلة طبقا لمقتضيات المادة 304؛
- عدم إحداث مصلحة طبية مستقلة أو مشتركة طبقا للمادة 305 أو إحداثها خلافا للشروط المحددة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل؛
- رفض عضوية مقاولة أو مؤسسة في مصلحة طبية مشتركة تدخل في نطاق اختصاصها، طبقا لمقتضيات المادة 305؛
- تشغيل أطباء لا تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادتين 310 و311؛
- عدم إحداث مصلحة الحراسة المنصوص عليها في المادة ،316 أو عدم إدارتها وفق الشروط المحددة بنص تنظيمي؛
- عرقلة طبيب الشغل في أداء المهام الواجبة عليه بمقتضى هذا القانون؛
- عدم استشارة طبيب الشغل في المسائل والتقنيات المنصوص عليها في المادة 322، وعدم اطلاعه على تركيبة المنتجات التي تستعمل في المؤسسة؛
- عدم التقيد بأحكام المادة 329 وذلك لعدم أداء الأجر أثناء الفحص باعتباره وقتا عاديا من أوقات الشغل؛
- عدم التوفر على طبيب طيلة ساعات الشغل خالفا لمقتضيات المادة 306؛
- عدم إرسال التقرير المشار إليه في المادة 307 إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، وإلى الطبيب المكلف بتفتيش الشغل، وإلى مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم؛
- عدم وجود المساعدين الاجتماعيين والممرضين المشار إليهم في المادة 315، أو عدم الاستعانة بهم بوقت كامل، أو كونهم أقل عددا مما يحدده النص التنظيمي؛
- عدم التقيد بمقتضيات المواد 327 و328 و331 من مدونة الشغل.
بالإضافة إلى ما تنص عليه المادة 296 التي تعاقب بنفس العقوبة فيما يتعلق بعد احترام المقتضيات التالية:
- عدم التقيد بأحكام المادة 281؛
- عدم تجهيز أماكن الشغل بما يوافق أحكام المادة 282، أو عدم توفير وسائل الأمان المقررة في المواد 284 إلى 286؛
- عدم التقيد بأحكام المادة 287.
غير أن المشرع لم يتوقف عند هذا الحد من الجزاء عند تشديده في العقاب بغرامة تتراوح من 10.000 إلى 20.000 درهم
- عند عدم التقيد بالمقتضيات المنصوص عليها في المواد 283 و288 و289 و290 و291 م ش.
وقد نص المشرع في المادة 298 من م ش أنه ” إذا أصدرت المحكمة حكما بالعقوبات من أجل مخالفة مقتضيات المواد 281 و282 و285 و ،286 فإنها تحدد بالإضافة إلى ذلك، الأجل الذي يجب أن تنفذ فيه الأشغال الواجب إنجازها، على ألا يتجاوز هذا الأجل ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم. يمنع تسجيل أية مخالفة جديدة لنفس السبب طيلة الأجل الذي يحدد طبقا لأحكام الفقرة السابقة “. غير أنه يمكن أن تتضاعف العقوبة وفقا للمادة 299 م ش بالغرامات المترتبة عن مخالفة مقتضيات المواد السابقة، المنصوص عليها في هذا الباب في حالة العود، إذا تم ارتكاب أفعال مماثلة داخل السنتين المواليتين لصدور حكم نهائي.
وأكثر من ذلك قد تتجاوز العقوبة المقررة لحفظ الصحة والسلامة إلى أكثر من الغرامة وفقا للمادة 300 حيث أنه ” يمكن للمحكمة، في حالة خرق المقتضيات التشريعية، أو التنظيمية، المتعلقة بمراعاة شروط السلامة وحفظ الصحة، أن تصدر حكمها بالإدانة، مقرونا بقرار الإغلاق المؤقت للمؤسسة، طيلة مدة لا يمكن أن تقل عن عشرة أيام، ولا أن تتجاوز ستة أشهر، سواء كانت مسطرة الإنذار سارية أم لا، ويستوجب الإغلاق مراعاة المنع المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 90 من القانون الجنائي. وفي حالة عدم احترام هذه المقتضيات، تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفصل 324 من القانون الجنائي ” وفي حالة العود من هذه العقوبة، يمكن للمحكمة في هذه الحالة أن تصدر حكمها بالإغلاق النهائي للمؤسسة وفقا للفصلين 90 و324 من القانون الجنائي.
يجب على المشغل أن يستمر، طيلة مدة الإغلاق المؤقت، في أداء ما يستحقه أجراؤه من أجور، وتعويضات، وفوائد مادية أو عينية كانوا يتقاضونها قبل تاريخ الإغلاق. وإذا أصبح الإغلاق نهائيا وأدى إلى فصل الأجراء من شغلهم، وجب على المشغل أن يؤدي لهم التعويضات التي يستحقونها في حالة إنهاء عقد الشغل، بما في ذلك التعويض عن الضرر. وفقا للمادة 301 م ش.
المادة 344 ” يعاقب عن عدم التقيد بأحكام هذا الباب بغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم “. فيما يتعلق باختصاصات لجنة السلامة وحفظ الصحة.
خاتمة:
تقف مسألة اثبات الضرر الناتج عن عدم احترام التدابير الصحية، من بين أصعب الاثباتات التي قد تواجه الأجير المدعي بالمطابة بحقه في التعويض عن هذا الضرر الذي قد يتمثل في حادثة شغل أو مرض مهني، فهل يتم الأخذ بالمسؤولية المفترضة اتباعا للنظرية الموضوعية كأساس حديث في انقلاب أسس المسؤولية المدنية في التوجه القضائي لمحكمة النقض؟ أم أنه يجب إثبات الخطأ الصادر عن طبيب الشغل في ذلك؟
الفهرس
مقدمة…………………………………………………………………………………….. 2
الإشكالية……………………………………………………………………………………4
التصميم…………………………………………………………………………………….5
المبحث الأول: التدابير التي أقرها المشرع لحفظ الصحة والسلامة
في المادة الاجتماعية لمجال التشغيل…………………………………………………….6
المطلب الأول: التنظيم التشريعي بوضع الاحتياط لسلامة الأجراء وحماية صحتهم……6
المطلب الثاني: الأجهزة المكلفة بالرقابة والوقاية من مخاطر الصحة والسلامة……….7
الفقرة الأولى: مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية…………………………8
الفقرة الثانية: لجان السلامة وحفظ الصحة ………………………………………………8
الفقرة الثالثة: المصالح الطبية للشغل المستقلة…………………………………………..9
الفقرة الرابعة: المفتشية الطبية للشغل……………………………………………………9
المبحث الثاني: العلاقة القانونية القائمة بين طبيب الشغل والمشغل …………………..11
المطلب الأول: عقد شغل الطبيب والخدمة التي يقدمها………………………………….11
الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية لعقد شغل الطبيب ……………………………………..12
- عنصر التبعية………………………………………………………………………12
- عنصر الأجر………………………………………………………………………..13
- طبيعة شغل الطبيب…………………………………………………………………13
الفقرة الثانية: شروط تعيين أطباء الشغل ومجال عملهم…………………………………14
- شروط تعيين طبيب الشغل………………………………………………………….14
- مجال عمل طبيب الشغل…………………………………………………………….14
الفقرة الثالثة: دور طبيب الشغل……………………………………………………………15
- الدور الوقائي………………………………………………………………………..15
- الفحص القبلي……………………………………………………………………….16
- الفحص الدوري……………………………………………………………………..16
- الدور الاستشاري……………………………………………………………………18
المطلب الثاني: الالتزامات التي تقع على المشغل…………………………………………19
الفقرة الأولى: التزامات المشغل في الرعاية الصحية وحفظ السلامة……………………20
- إحداث المصالح الطبية المستقلة…………………………………………………..21
- إحداث المصالح الطبية المشتركة بين المقاولات………………………………….21
- التزامات أخرى………………………………………………………………………21
- قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم 3124.10 صادر في 15 من ذي الحجة 1431 (22 نوفمبر 2010 ( بتطبيق أحكام المادتين 305 و330 من القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل، الجريدة الرسمية عدد5902 بتاريخ 17 محرم 1432 (23 ديسمبر 2010)………………………………………………………………..23
الفقرة الثانية: التزامات المشغل تجاه طبيب الشغل………………………………………..23
- الالتزامات الملقاة على رئيس المقاولة…………………………………………….24
- الالتزامات الملقاة على طبيب الشغل تجاه المشغل…………………………………25
- انهاء عقد شغل الطبيب أو تأديبه…………………………………………………..26
المبحث الثالثة: الآثار المترتبة عن عدم احترام إجراءات وتدابير حفظ السلامة والرعاية الصحية………………………………………………………………………………………27
المطلب الأول: المسؤولية المدنية لطبيب الشغل…………………………………………..27
الفقرة الأولى: تكييف مسؤولية طبيب الشغل ……………………………………………..28
- المسؤولية التقصيرية……………………………………………………………….28
- المسؤولية العقدية…………………………………………………………………..28
- المسؤولية التأديبية………………………………………………………………….29
- المسؤولية الجنائية………………………………………………………………….29
الفقرة الثانية: الأسباب التي تحول دون إخضاع الطب الخاص للمساءلة………………..30
المطلب الثاني: جزاءات عدم احترام المشغل إجراءات وتدابير حفظ السلامة والرعاية الصحية………………………………………………………………………………………31
خاتمة………………………………………………………………………………………..33
الفهرس …………………………………………………………………………………….34
[1] – سورة طه الآية 117.
[2] – سورة التوبة، الآية 105
[3]– الآية 97 من سورة النحل
[4] – رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن رافع بن خديج وعبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم 1033 صحيح
[5] – أحمد الساعاتي، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (الطبعة 2)، صفحة 6، جزء 15. بتصرّف.
[6]– الفصل 31 من دستور 2011
-[7] « Un homme n’est pas pauvre parce qu’il n’a rien mais parce qu’il ne travaille pas …» Farid El Bacha «le droit au travail» thèse pour l’obtention du doctorat d’état en droit, université Mohamed V, Faculté des sciences juridiques économique et sociales, Rabat, Novembre 2001, page 18.
[8] – تصدير، ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 )11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل.
[9] – stratégie mondiale de la santé au travail
[10] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 288.
[11] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 288.
[12] – المادة 330 من قانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل.
[13] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 309.
[14] – الفصل 45 من قرار المقيم العام بتاريخ 8 يونيو 1953 المتعلق بمدونة أخلاقيات الأطباء. (منشور فقط باللغة الفرنسية)، الجريدة الرسمية عدد 2121 بتاريخ 19 يونيو ،1953 ص 8.
[15] – وفقا للمادة 6 من مدونة الشغل.
[16] – قرار عدد 2147 الصادر بتاريخ 4 نونبر 2015 في الملف الاجتماعي عدد 804/5/2/2014.
[17] – – انظر المواد 516 إلى 521 من القانون رقم 65.99 بمصابة مدونة الشغل.
[18] – قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم 3124.10 صادر في 15 من ذي الحجة 1431 (22 نوفمبر 2010 ( بتطبيق أحكام المادتين 305 و330 من القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل، الجريدة الرسمية عدد5902 بتاريخ 17 محرم 1432 (23 ديسمبر 2010).
[19] – القرار عدد 1359/1 الصادر بتاريخ 27/10/2020 في الملف الاجتماعي عدد: 507/5/1/2020.بهيئة مشكلة رئيسة الغرفة السيدة مليكة بنزاهير، والمستشارين السادة: عتيقة مقرر، والعربي عجابي وأم كلثوم قربال وأمينة ناعمي أعضاء، وبمحضر المحامي العام السيد علي شفقي، وبمساعدة كاتب الضبط السيد خالد لحياني.
[20] – قرار عدد 219 الصادر بتاريخ 09 فبراير 2016 في الملف الاجتماعي عدد 37/5/1/2015.
[21] – أنظر في ذلك مجموع الكتابات المنشورة في هذا الصدد:
– أبو عبد الله بن يم الجوزية ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” الجزء الثالث
– علاء الدين الكاساني ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع “.
[22] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 304.
[23] – محمد فؤاد توفيق (الكويت): ” المسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية “.
[24] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 306.
[25] – jean marie auby ‘’ le droit de la santé ‘’، presse universitaire de France, thémise droit, paris,lére édition, 1981, 508p,p254, 255.
[26] – محمد عبد النباوي ” المسؤولية المدنية لأطباء القطاع الخاص ”، تقديم محمد الكشبور، الطبعة الأولى، دجنبر 2003، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ص 295.
[27] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 307.
[28] – Abdellah bousaharain ‘’ le droit de la santé au Maroc ‘’, ibid,p 159.
[29] – Abdellah bousaharain ‘’ le droit de la santé au Maroc ‘’, ibid,p 159.
[30] – Abdellah bousaharain ‘’ le droit de la santé au Maroc ‘’, ibid,p 182.
[31] – Abdellah bousaharain ‘’ le droit de la santé au Maroc ‘’, ibid,p 182.
[32] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 307.
[33] – نفس المرجع السابق.
[34] – الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل، تأليف نادية الناحلي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 9 فبراير 2009. ص 288.