مقالات قانونية

قراءة في الفصل الاول من القانون 14-07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري


 

 

دريس لميـــــــن

طالب باحث بسلك الماستر

الدراسات العقارية والتعمير بسطــات

 

 

قراءة في الفصل الاول من القانون 14-07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري

 

 

 

 

الفصل 1

“يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه:

تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛

تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك، في الرسم العقاري المؤسس له”.

 

من خلال القراءة المتأنية لهذا الفصل يمكن إبداء الملاحظات التالية:

أن هذا الفصل عندما عرف التحفيظ العقاري بأنه جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام التحفيظ العقاري دون أن يكون بالإمكان إخراجه منه فيما بعد، قد احتفظ بالتعريف الذي كان واردا في ظهير1913.

ويقصد بالتحفيظ العقاري مجموعة من المساطر والعمليات التقنية والإدارية والقانونية، الهدف منها إنشاء رسم عقاري لكل عقار، ومن شأن هذا الرسم تثبيت وضع العقار من حيث معالمه وأوصافه وحدوده ومساحته، وقانونا من حيث مالكه وأصحاب الحقوق العينية المترتبة عليه، وكذا من شأنه إلغاء جميع الحقوق السابقة وتطهير العقار من كل حق سابق لم يتم ذكره أثناء مسطرة التحفيظ.

وعرفه كذلك الأستاذ عمر أزوكار كونه مجموع الإجراءات التي تهدف إلى إخضاع العقار غير المحفظ للنظام المحدث بمقتضى الظهير الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 والمتعلق بالتحفيظ العقاري.

وبالرجوع إلى الفصل قيد التحليل نجده وسع من مفهوم التحفيظ العقاري بإضافته لفقرتين بموجب القانون 14/07، تتعلق الأولى بمبدأ تطهير العقار والثانية بتقييد وإشهار الحقوق المتعلقة بالعقارات.

وبهذا يكون هذا الفصل بمقتضى التعديل المذكور قد حسم النقاش بوضعه تعريفا دقيقا لمفهوم التحفيظ العقاري وحسم كل خلاف في التأويل، حيث أصبح يشمل المرحلة السابقة على تأسيس الرسم العقاري والمرحلة اللاحقة له، وتم بموجبه تجاوز الإشكال الذي كان مطروحا بخصوص تحديد مفهوم التحفيظ العقاري الوارد في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية، ومضمون هذا الإشكال يتمحور حول المقصود بقضايا التحفيظ العقاري، هل المقصود بها العقارات التي توجد في طور التحفيظ، أم أن الأمر يشمل كل القضايا المتعلقة بالتحفيظ بما فيها تلك المتعلقة بمسطرة التقييدات على العقارات المحفظة؟

ففي إطار الإجابة عن هذا الإشكال انقسم الفقه المهتم بالبحث في القانون العقاري إلى اتجاهين.

الاتجاه الأول: فسر عبارة التحفيظ تفسيرا ضيقا، يقضي بأنها تشمل العقارات في طور التحفيظ ليس إلا، وهو ما أكدته محكمة النقض- المجلس الأعلى سابقا- في قرار لها صدر بتاريخ 2 يونيو1988 أقرت فيه أن مفهوم التحفيظ العقاري لا ينصرف إلا إلى المسطرة التي تتعلق بالعقار في طور التحفيظ، أما النزاعات المتعلقة بالعقار المحفظ فإن القرارات النهائية الصادرة بشأنه قرارات قابلة للتنفيذ ولو طعن فيها بالنقض.

الاتجاه الثاني: كان يفسر عبارة التحفيظ العقاري تفسيرا واسعا لتشمل كل القضايا المتعلقة بالتحفيظ، سواء تعلق الأمر بعقار لا يزال في طور التحفيظ أو بعقار تمت بشأنه المسطرة وأصبح محفظا.

وبناء عليه، فإن المشرع المغربي كما تقدم القول قد أخذ بالاتجاه الثاني في القانون 14/07 المغير والمتمم لظهير 12غشت 1913، ليصبح مصطلح التحفيظ العقاري الوارد في الفصل 361 من ق.م.م. يشمل جميع الإجراءات السابقة واللاحقة لتأسيس الرسم العقاري بدءا من وضع مطلب التحفيظ وإيداعه وتوسطا بإقامة رسم الملكية العقارية وانتهاءا بمختلف التقييدات بالسجلات العقارية.

إلا أنه وبالرغم من دقة التعريف الوارد في الفصل الأول أعلاه فإن بعض المحاكم لا زالت تفسر قضايا التحفيظ العقاري المنصوص عليه في الفصل 361 ق.م.م تفسيرا ضيقا، حيث جاء في أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب بصفته قاضيا للمستعجلات مايلي:”حيث إنه خلافا لما جاء بمقال المدعي فإن مقتضيات الفصل361 من قانون المسطرة المدنية قد حددت على سبيل الحصر الحالات التي يوقف فيها النقض التنفيذ ومن بينها التحفيظ العقاري، وإن المقصود بقضايا التحفيظ العقاري المنصوص عليها في الفصل 361 المذكور، كما فسرتها محكمة النقض في قرارها عدد 125 الصادر ب2 يونيو 1988 هي مجموع الإجراءات التي يقام بها بالنسبة لملك غير محفظ وتنتهي بإنشاء رسم عقاري له وفق ما يقضي به قانون التحفيظ العقاري الصادر بمقتضى ظهير 12غشت 1913، وطالما أن الأمر في نازلة الحال يتعلق بتنفيذ حكم قضى بالقسمة في رسم عقاري فإن الدعوى المذكورة تبقى غير مشمولة بمقتضيات الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية لأنها لا تدخل ضمن دعاوى التحفيظ العقاري.

وبالإضافة إلى كل ما تقدم نجد أن المشرع قد نص على قاعدة التطهيروذلك من خلال الفقرة الثانية من هذا الفصل، ونشير في هذا الصدد إلى أن قاعدة التطهير في سياقها التاريخي لم تكن محل أي تعديل أو إلغاء مند أن تم وضعها ضمن مقتضيات التحفيظ العقاري.

ونظرا لكون هذه القاعدة من أهم المبادئ التي يقوم عليها نظام التحفيظ العقاري ككل باعتبارها المركز الذي تدور في فلكه باقي الآثار الأخرى، ومن حيث كونها تطهر الوضعية المادية والقانونية للعقار من خلال تأسيسها لحياة جديدة للعقار المحفظ. تتنكر للماضي الملغى وتنطلق من الصفر إلى الأمام، حيث أن قرار التحفيظ يقطع كل صلة بماضي العقار ويؤسس حالة مدنية جديدة منظفة ومطهرة العقار من كل شوائب.

وإذا كان المشرع قد جعل من خلال الظهير المذكور قبل تعديله وتتميمه بموجب القانون 14/07 قاعدة نهائية الرسم العقاري قرينة مطلقة لا يرد عليها أي استثناء وحصن قرار المحافظ العقاري من أي طعن فإنه لم يزد بمقتضى القانون المعدل لهذا الظهير على أن إعادة تأكيد هذه القاعدة بإطلاقها دون مراعاة للتراكم الحاصل إن على مستوى الفقه أو على مستوى الاجتهاد القضائي الذي عمل على التلطيف من هذه القاعدة والحد من قوتها المطلقة بتكريس استثناءات عدة – ترتد في أساسها إلى الطبيعة الخاصة لبعض الممتلكات يفقد فيها مالك الرسم العقاري القرنية القاطعة المقرر لفائدته.

ومن بين هذه الاستثناءات نجد:

  • الأملاك العامة: ينصرف مفهوم الملك العام طبقا للفصل الأول من ظهير 1 يوليوز 1914 إلى” كل الأراضي والأعمال التي لا يمكن للأفراد تملكها لأنها مشاعة”.

    وهذه الأملاك لا تقبل التصرف ما لم يتم إعمال مسطرة الاستخراج من الملك العام إلى الملك الخاص للدولة.

    ونظرا لهذه الاعتبارات فإن تحفيظ الخواص للأملاك العامة بالمواصفات التي حددها المشرع، لا تستفيد من قاعدة التطهير لأنها متى اكتسبت صفة الملك العمومي وتبث ذلك أصبحت محصنة من أن تكون موضوع التملك عن طريق الحيازة.

  • الأملاك الوقفية (المحبسة).

    إن الأملاك الوقفية تنقسم إلى قسمين الوقف العام والوقف المعقب.

    فقبل صدور مدونة الأوقاف ذهب جانب من الفقه إلى التمسك بعمومية مقتضيات الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري، وهذا الاتجاه ترتبت عنه نتائج خطيرة على صيانة الوقف خاصة في شقة العام في حيث ذهب جانب آخر إلى استثناء العقارات الحبسية من قاعدة التطهير مستندا في ذلك على مجموعة من الاعتبارات التي تتصل بالمصلحة العامة. وبطبيعة الوقف وخصائصه الذاتية.

    ولقد استقر القضاء على الاتجاه الثاني وبالرغم من التضارب الذي عرفه في بداية الأمر حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا- محاكمة النقص حاليا-“… إن الحبس لا يطهر بالتحفيظ، ويمكن للجهة والمحبس عليها أن ترفع الدعوى بشأن الحبس ولو كان في طور التحفيظ حتى بل ولو حصل تحفيظه لأن ثبوت حبسيته يبطل تحفيظه”.

    وانسجاما مع هذا القرار الأخير فقد نحت مدونة الأوقاف الصادرة بتاريخ 10فبراير2010 نفس المنحى ونصت في المادة 54 منها على ما يلي:”إن الرسوم العقارية المؤسسة لفائدة الغير لا تمنع الحكومة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف العام لعقار محفظ، شريطة أن ترفع الدعوى في مواجهة جميع دوي الحقوق المقيدين…”

    وهذا المسلك الذي سلكته المدونة في هذا الشأن إنما هو انتصار للرأي الذي يرى ضرورة حماية الوقف من صرامة مبدأ التطهير استنادا إلى أن الحبس يتعلق بحق الله تعالى وبحق الغائب.

 

-الحقوق المائية

بمقتضى القانون رقم 10/95 الصادر بتاريخ 5 يوليوز 1995 والذي دخل حيز التطبيق في 16 غشت 1995، حيث أكد قاعدة الملكية للماء ووسع من نطاقها بشكل كبير ونظم كيفية استعمالها واعتبر الماء ملكا عاما لا يجوز أن يكون موضوع تملك خاص ومنه فالملكية العمومية للماء حائل دون الاحتجاج بالقوة التطهيرية للرسم العقاري.

– أراضي الجموع

بمقتضى الفصل 4 من ظهير 1919 فإن أراضي الجموع لا تمتلك عن طريق التقادم ولا تقبل التعرف فيها إلا الحجز عليها.

 

– الحقوق المنجمية

تخضع الحقوق المنجمية في تنظيمها وإطارها القانوني لظهير 6 أبريل 1951 ثم ظهير 18 يونيو 1958، وهذه الحقوق لا تطالها قاعدة التطهير لأن ملكيتها تعود للدولة.

إلى جانب هذه الاستثناءات التي تقتضيها المصلحة العامة، نجد تباينا واختلافا حول نطاق تطبيق قاعدة التطهير وما إذا كانت تسري أيضا ضد الخلف الخاص لطالب التحفيظ وفي هذا الإطار نجد أن القضاء المغربي قد لطف حينا وشدد حينا من تطبيقات هذه القاعدة في مواجهة الخلف الخاص.

ففي سنة 1926 أصدرت محكمة الاستئناف بالرباط قرارا يقضي بأن قاعدة التطهير لا تمس الحقوق العينية التي اكتسبت من طرف الغير والمعترف بها من طرف مالك العقار قبل التحفيظ ومن تم يكون لأصحاب تلك الحقوق طلب تسجيلها من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، غير أن هذا الموقف رجعت عنه محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها صادر سنة 1935 قررت فيه أن قواعد التطهير مطلقة وتسري على الكافة سواء تعلق الأمر بخلف خاص أو بخلف عام.

وبعد تأسيس المجلس الأعلى سابقا- محكمة النقض حاليا- قد تبنى نفس الموقف حيث جاء في أحد قراراته:”بمقتضى ظهير التحفيظ العقاري الواجب التطبيق فإن التحفيظ يطهر العقار المحفظ من جميع الشوائب التي كانت عالقة به قبل التحفيظ ويشكل نقطة الانطلاق الجديدة في حياة العقار حيث يقطع صلته نهائيا بالماضي”.

إلا أن المحكمة لم تبقى وفية لهذا المبدأ باعتبار أن محاكم الموضوع لم تسايرها في نفس الاتجاه، مما جعلها تتراجع عن المبدأ التطهيري للعقار في وجه الجميع، وبذلك قررت استثناءا لقاعدة التطهير، من خلال قرارها الشهير الصادر بتاريخ 29 دجنبر1999 والذي جاء فيه:”حيث ثبت صحة ما عابه الطاعن على القرار المذكور ذلك أن الطالب بصفته مشتريا من نفس طالب التحفيظ المطلوب، الذي تحول مطلبه للتحفيظ إلى رسم عقاري، لا يواجه كالخلف العام بمقتضيات الفصل62 من ظهير التحفيظ العقاري….”

وقد كرست هذه القاعدة في قرار آخر صادر عنها بتاريخ 5 يونيو2003 قررت من خلاله أن الخلف الخاص الذي لم يسجل حقه في الرسم العقاري لا يعد محتلا بدون سند.

لكن وأمام كل هذا فإن محكمة النقض قد تراجعت عن عدم مواجهة الخلف الخاص بقاعدة التطهير، واعتبرت أن هذه القاعدة يواجه بها الجميع،وذلك من خلال قرار لها صادر بتاريخ 4 يناير2006 جاء فيه: “ولذلك فإن القرار حين علل قضاءه بأنه لا يمكن الاحتجاج بالشراء الذي أبرم قبل التحفيظ والذي لم يقع إلادلاء به أثناء مسطرة التحفيظ لأن التحفيظ يطهر العقار من كل تكليف سابق، يكون بذلك معللا تعليلا كافيا ومرتكزا على أساس قانوني”.

وفي قرار آخر لها صادر بتاريخ 3 يناير 2012 نجدها قد تراجعت عن موقفها هذا السابق وذلك حينما اعتبرت أنه:”ينتج عن عقد البيع التزام يقع على كاهل البائع بنقل ملكية المبيع إلى خلفه الخاص المشتري بغض النظر عن مقتضيات الفصلين 83 و84 من ظهير التحفيظ العقاري وبذلك فهو غير مشمول بقاعدة التطهير التي لا تتعلق الحقوق الشخصية بتحفيظه اتجاه المشتري باعتباره خلفا خاصا له، إذ يبقى ملزما بنقل ملكية العقار المذكور إليه حتى بعد التحفيظ.

وهكذا فإن قاعدة التطهير عرفت تضاربا في الآراء والقرارات القضائية، حيث أن موقف القضاء بهذا الخصوص ظلت مواقفه تتسم بالتردد والتذبذب، دون أن يستقر على رأي موحد، ولاسيما على مستوى محكمة النقض التي تتربع على هرمية التنظيم القضائي بالمغرب والمنوط بها توحيد الاجتهاد القضائي.

وما يعاب على المشرع في التعديل الأخير أنه لم يأخذ موقفا من هذه القاعدة يقطع به وبر الخلاف الذي تثيره في أوساط الفقه والقضاء، حيث كان عليه التدخل لاستثناء الخلف الخاص تماشيا مع قواعد الانصاف والعدالة والمبادئ القانونية التي تحكم الالتزامات، بحيث لم يستغل فرصة التعديل وينص على ما يضمن حقوق المشتري من قاعدة التطهير ويضع بذلك حد للتناقض المطروح بين المحاكم سواء منها العادية أو قضاء محكمة النقض.

وبالإضافة إلى هذا فإن المشرع ومن خلال الفصل الأول اعتمد ركاكة في التعبير إذ أن الفصل نص على أنه: “يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد…” فالتساؤل الذي يطرح هو هل يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ أم العقار غير المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون…؟

ذلك أن الهدف من التحفيظ هو جعل العقار غير المحفظ خاضعا لنظام التحفيظ العقاري، وذلك بإدخاله ضمن قائمة العقارات المحفظة أو التي في طور التحفيظ.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى