في الواجهةمقالات قانونية

قيود إعمال النيابة العامة لسلطة الملائمة

 

 

قيود إعمال النيابة العامة لسلطة الملائمة

الطالب الباحث: محماد الفرسيوي

يعتبر القضاء سلطة ثالثة في مختلف الدول، خاصة الديمقراطية منها، ويعتبر سلطة مستقلة غايتها حماية الحقوق، علاوة على اعتباره أحد مرتكزات الديمقراطية. لذلك خص له المشرع تنظيما قانونيا يحدد به اختصاصاته، فجعله بذلك ركيزة استقرار المجتمع وضامننا لحقوق الأفراد، وينقسم السلك القضائي إلى قضاء جالس وآخر واقف مهمته تمثيل الحق العام والدفاع عن الحق والقانون، وتعتبر الدعوى العمومية أهم وسيلة لقيامه بهذه المهمة عبر إعماله لسلطة الملائمة.

ونقصد بها الاعتراف للنيابة العامة بالسلطة التقديرية في تقرير توجيه الإتهام لتحريك الدعوى العمومية أو حفظ الملف، فيكون للنيابة العامة أن تمتنع عن توجيه الإتهام على الرغم من توافر جميع أركان الجريمة، وهو بهذا المعني ليس مضادا لنظام الشرعية لكن هذا النظام يمنح النيابة العامة سلطة تقديرية تخولها قسطا من المرونة في تقدير ملائمة إتخاذ قرار الإتهام من عدمه وذلك وفقا لمصلحة المجتمع عموما[1].

وذلك ما كرسته  المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية التي تبين هذه السلطة خاصة الفقرة الأولى منها التي تنص على” يتلقى وكيل الملك المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما يراه ملائماً…” ، أما  المادة 49 من قانون المسطرة الجنائية فإنها تنص في الفقرة الرابعة على أنه ” يتلقى الشكايات والوشايات والمحاضر الموجهة إليه ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما من الإجراءات أو يرسلها مرفقة بتعليماته إلى وكيل الملك المختص. وذلك عكس نظام قانونية المتابعة الذي أبان عن مجموعة من العيوب.

ذلك أن القانون الجنائي قانون عام ومجرد يتضمن النص علي عقوبات مختلف
الجرائم، بحيث لا يمكن للمشرع إدراك كافة الظروف المحيطة بكل جريمة، لأن ظروف ارتكاب الجرائم متنوعة وظروف الجناة كذلك متنوعة ومن مصلحة المجتمع أن يكون نشاط النيابة متلائما مع كل الظروف وتكون لها سلطة تقديرية معينة.

فالنيابة العامة وفقا لهذا المبدأ هي جهاز وقاية وليست آلية عقاب فهي لا تبحث
فقط في العناصر القانونية للفعل الإجرامي، بل تواجه النتائج السلبية التي قد تمس النظام العام والأمن الاجتماعي، حتي لا يكون هناك تعارض بين قرار الاتهام أو التبرئة الذي تتخذه النيابة العامة وبين دورها في المحافظة علي أمن المجتمع وسلامته.

لكن هذه السلطةليست مطلقة كما يتصور إذ تدخل المشرع المغربي ليغل يد النيابة العامة نظرا لمجموعة من الإعتبارات والغايات التي تتماشى والسياسة الجنائية المغربية.

وانطلاقا مما سبق يمكننا طرح إشكالية تتمثل في مدى مساهمة هذه القيود في تحقيق الأمن داخل المجتمع؟

وذلك ما سنتناوله بشيء من التفصيل في الفقرتين التاليتين:

الفقرة الأولى: القيود المؤقتة لإعمال سلطة الملائمة

الفقرة الثانية: القيود المؤبدة لإعمال سلطة الملائمة

 

الفقرة الأولى: القيود المؤقتة لإعمال سلطة الملائمة

تقتضي ضرورة حماية مجموعة من المؤسسات غل يد النيابة العامة، وجعل المتابعة رهينة  باتخاذ إجراءات قبلية معينة، الأمر الذي يجعل مسألة المتابعة قائمة على هذه الإجراءات، والتي يشترط القانون تقديمها لتسترد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية،  وهذا ما سنتحدث عنه  من خلال هذه الفقرة.

أولا: تقديم شكاية والطلب

إن غاية الحياة السياسية هي ضمان حقوق الإنسان الفرد ومعاملته كماهية حرة واعتباره على الدوام كغاية. وعلى هذا فمتى رأى أي شخص نفسه متضررا من فعل أو قول غيره له بأن سلب ماله أو عنفه أو اعتدى على عرضه أو ما شابه ذلك، أن يلجأ إلى النيابة العامة أو الضابطة القضائية ليسجل شكايته ضد المشتكى به.

حيث أن القانون يشترط في بعض الحالات تقديم الشكاية من جهة المتضرر قبل أن يصبح متاحا للنيابة العامة ممارسة الدعوى العمومية وهذا استثناء من المبدأ العام المقرر للنيابة العامة، لأن المشرع قصد حماية مصالح الجهة المتضررة لذلك يترتب على مخالفة هذا الإجراء البطلان، الذي يتوجب على المحكمة المعروض عليها الخصومة الجنائية إثارته تلقائيا حتى و إن لم يتمسك به أحد الأطراف.

حيث إن المبدأ المخول للنيابة العامة ينتقل إلى المطالب بالحق المدني، الذي يرجع له الحق في ممارسة الدعوى العمومية أو عدم ممارستها دون اعتبار وجهات نظر النيابة العامة، وذلك حماية للمصلحة المتضرر الذي تكون له الأولية على حماية مصلحة المجتمع.

ومن بين الحالات التي نربط فيها نوع من القرابة العائلية بين الجاني والمجني علية كجرائم الخيانة الزوجية المنصوص عليها في الفصل491   من ق.ج و التي تنص على أنه” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلى بناءا على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه”

وجرائم إهمال الأسرة سواء تعلق الأمر بالزوجة، الفروع أو أحد الأصول طيقا لما هو منصوص عليه في الفصول من 479  إلى 481 من ق.ج. وهو ما أكدته المحكمة الابتدائية بمكناس في حكم لها حيث تمت متابعة ابن ميسور الحال لإهماله لوالديه و ذلك بعد أن قدمت في حقه شكوى من طرف أبيه .

ففي كل الحالات التي يشترط فيها المشرع ضرورة تقديم شكاية من طرف متضرر لا يحق للنيابة العامة إثارة الدعوى العمومية إلى بعد تقديم شكاية .

أما بخصوص تقديم الطلب، فقد اعتبر البعض بأن الطلب يمكن أن يرقى إلى مرتبة شكاية إدا تقدم به المتضرر مباشرة إلى النيابة العامة ،كما يمكن أن يأخذ شكل طلب إدا قدم إلى سلطات البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة ،لدلك يجب تقديم الطلب إلى الوزير الأول أو وزير الشؤون الخارجية لإحالتها على النيابة العامة وهي صاحبة الاختصاص.

وعموما يكمن إجمال الجرائم المقيدة بالشكاية ضمن ثلاث فئات كما يلي:

-1الجرائم المتعلقة بمصالح الأسرة :

– جريمة الخيانة الزوجية  ورد نصها في الفصل 491 من القانون الجنائي المغربي.
– جريمتي إهمال الاسرة، نص عليها المشرع المغربي  في الفصل 48َ1َ  من القانون الجنائي المغربي.

-2الجرائم المتعلقة بالمصالح المالية للمجني عليه :

– السرقة بين الأقاريب، الفصول من  534 إلى 536 من القانون الجنائي المغربي؛ حيث ينص الفصل 534 على أنه” إذا كان المال المسروق مملوكا لأحد أصول السارق أو أحد أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة، فلا يجوز متابعة الفاعل إلا بناء على شكوى من المجني عليه؛ وسحب الشكوى يضع حدا للمتابعة”.

– جريمة النصب  في الفصل 541 من القانون الجنائي الذي يحيل على مقتضيات الفصول المتعلقة بقيود المتابعة بالنسبة لجريمة السرقة في الفصول من 534 إلى 536 وبالتالي فلا يجوز المتابعة فيها الا بناء على شكاية من المجني عليه وسحب الشكوى يضع حدا للمتابعة شأنها في ذلك شأن جريمة السرقة بين الأقاريب.

– نفس الأمر يسري كذلك فيما يتعلق بجريمة خيانة الأمانة وذلك طبقا للفصل 548 من القانون الجنائي المغربي.

هناك أيضا مجموعة من القوانين الخاصة المكملة التي تتضمن شرط تقديم الشكاية منها قانون الصحافة؛ وخاصة فيما يتعلق بجريمة القذف والسب الموجهان ضد الأفراد إذ لا تقع المتابعة بشأنهما إلا بشكوى من الشخص الموجه إليه القذف والسب.

ثانيا: الأمر والإذن

هناك حالات اشترط فيها القانون أن يصدر أمر بالمتابعة من جهة معينة لكي يصبح للنيابة العامة حق تحريك المتابعة، ومن أهم الحالات التي يظهر فيها هذا الشرط هو ضرورة إعطاء الأمر من طرف وزير العدل- وهو أمر كتابي- للنيابة العامة لإمكانية ممارسة الدعوى العمومية، ويعتبر هذا الشرط مانعا من الموانع المؤقتة التي يمنع فيها على النيابة العامة ممارسة الدعوى العمومية خارج توصلها بالأمر المذكور.

ويكمن الأساس الذي ينبني عليه هذا الأمر بالمتابعة في التردد أو خوف قضاة النيابة العامة من متابعة موظفين سامين، وخوفا منهم من الانتقام ورد الثأر نظرا للعلاقات والسلطات التي يتمتع بها هؤلاء الموظفون.

ولكن إضافة إلى ما سبق فإن جرائم الرشوة واختلاس المال العام يمكن أن يرتكب من قبل صغار الموظفين في هرم الإدارة، ولكن يمكن إرجاع سبب منع النيابة العامة من المتابعة بناءا على أمر صريح لوزير العدل إلى إعطاء الحق للدولة لكي لا تتابع النيابة العامة هؤلاء الموظفين رغبة منها  ـ الدولة-  في عدم تشويه صورتها أمام الرأي العام.

ـ يعتبر الإذن إلى جانب كل من الشكاية والطلب والأمر قيدا لحرية النيابة العامة في إثارة الدعوى العمومية، لذلك فالمقارنة بين الشكاية أو الطلب مع الإذن، كون الأولى-الشكاية والطلب- مقررة لفائدة المطالب بالحق المدني والضحية على وجه الخصوص، فإنه خلافا لذلك، لا بد من قرار الإذن كشرط أساسي لإمكانية النيابة العامة من المتابعة، لفائدة المتهم وذلك لاعتبار قانونية كالحصانة البرلمانية.

وقد كان هدف المشرع من تقريره لهدا الشرط هو حماية المتهم اعتبارا لكونه ينتمي للهيئة التشريعية والتي يقتضي القانون حماية أعضائها من كل الاتهامات والمتابعات التي يمكن اللجوء إليها بسبب الحسابات السياسية.

إن اشتراط هذا الإذن كمانع مؤقت لممارسة الدعوى العمومية،يهدف الى حماية النائب البرلماني وتوفير كافة الضمانات الضرورية، من أجل أدائه لمهامه التشريعية والبرلمانية دون مضايقة أو تهديد له.

إضافة إلى كل ما سبق فقد تقررت عدة قيود مؤقتة إلى جانب كل القيود التي تمت دراستها، ومن بينها: ضرورة إشعار جهة إدارية، وفي هذا تنص المادة 3  من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها على أنه “إذا أقيمت الدعوى العمومية في حق قاض أو موظف عمومي أو عون… فتبلغ إقامتها إلى الوكيل القضائي للمملكة”، وعليه يتوجب على النيابة العامة قبل متابعة متهم ينتمي إلى إحدى أسلاك الوظيفة العمومية إشعار الوكيل القضائي للمملكة.

 

 

ثالثا: توجيه الإنذار.

من بين الجرائم التي استوجب فيها المشرع المغربي ضرورة توجيه إنذار أو إعذار قبل المتابعة هي جريمة إهمال الأسرة وذلك في الفصل 481 من القانون الجنائي المغربي[2].

رابعا: محاولة الصلح.

يعتبر مبدأ الصلح أو المصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي المغربي،حيث كان رب القبيلة أو رب الأسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية والمالية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة أو القبيلة .

وأسوة بالعديد من التشريعات المقارنة عمد المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية الجديد إلى تبني مبدأ الصلح بالمادة 41  من ق.م.ج كآلية حديثة وحضارية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية.

إذ يعد الصلح الجنائي حلا وسيطا بين قراري الحفظ والمتابعة الذين تملكهما النيابة العامة إذ يمكن من تجنب متابعة المتهم وفي نفس الوقت يقدم حلا للضحية مع حفظ حقوقه، وعليه فإجراء الصلح لا يتحقق إلا بتوفر مجموعة من الشروط كما أن المشرع المغربي قد حدد مجالا ونطاقا معينا لتطبيق هذا الإجراء كما أن هذا الأخير يتمخض عنه مجموعة من الآثار، وبالمقابل فإن هذا الإجراء لا يخلو من عدة مشاكل وثغرات من شأنها أن تحول دون تحقيق الغاية المرجوة من العدالة التصالحية.

 

الفقرة الثانية: القيود المؤبدة لإعمال سلطة الملائمة

إن سيادة الدولة  أمر يستوجب إخراج بعض المؤسسات، من إعمال هذه سلطة الملائمة إن لم نقل تحريك الدعوى في أصلها وهذا ما سنتولى تناوله في هذه الفقرة.

أولا: حصانة الملك[3]

وذلك بمقتضى الفصل 46 من الدستور المغربي لسنة 2011، الذي ينص على أنه ” شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير و الإحترام” وباعتبار الملك رئيسا للدولة طبقا لمقتضيات الفصل 42 من الدستور[4]، فهو ممثل البلاد والرجل الأول فيها.كذلك يعتبر الملك ضامن لاستقلال القضاء فهو ممثل البلاد والرجل الأول فيها، وذلك نظر لطبيعة العمل الذي يقوم به و أهميته.

ولهذا النوع من الحصانة مدلول داخلي والذي نحن بصدده الآن، والآخر دولي، ويعني إعفاء رئيس الدولة من الخضوع للولاية القضائية الأجنبية.

ولكن لا يعني المدلول الدولي لمفهوم حصانة رئيس الدولة، عدم إمكانية خضوع رئيس الدولة للولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية ومسألته عن ارتكابه أي من الجرائم التي تدخل في ولاية المحكمة كجرائم الحرب مثلا[5]، وذلك تطبيقا للمادة 27 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وبالعودة للمدلول الداخلي لحصانة للملك فقد نصت معظم دساتير العالم على تمتع رئيس الدولة بالحصانة لكنها اختلفت في تحديد نطاق هذه الحصانة. فمثلا نصت المادة 31 من الدستور الأردني على أنه:” الملك هو رئيس دولة وهو مصون من كل تبعة أو مسؤولية”، كما نصت المادة 54 من الدستور الكويتي على أنه:” الأمير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس”.

هذه الأمثلة من دساتير دول، اتجهت نحو منح رئيس الدولة حصانة مطلقة عن أي فعل قد يأتيه سواء بمناسبة أداء وظيفته أم بغير هذه المناسبة، وسواء كان هذا الفعل يرتب المسؤولية الجنائية أم المسؤولية المدنية. فالنصوص السابقة جاءت مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه، مالم يرد نص يقيده.

في المقابل نجد دساتير دول أخرى ، قد منحت رئيس الدولة حصانة مقيدة، فأقرت مسؤوليته الجنائية عن جرائم معينة قد يرتكبها بمناسبة أداء وظيفته، من ذلك المادة 68 من الدستور الفرنسي لسنة 1158 من والتي نصت على أنه:” رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال المرتكبة أثناء ممارسته لوظائفه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون اتهامه بواسطة المجلسين وبقرار موحد، بتصويت علني بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهم المجلسان[6].

من خلال ما سبق يتضح أن الحصانة المقررة للملك أو لرئيس الدولة تجد أساسها في القانون العام الداخلي و خاصة القانون الدستوري، وبمقتضاه لا يخضع الملك للقانون الجنائي. كما الحصانة إما أن تكون مطلقة أو تكون مقيدة وبالنسبة  للمغرب فحصانة الملك حصانة مطلقة.

ثانيا: حصانة البرلمانيين.

الحصانة المقيدة لأعضاء البرلمان بمناسبة إبداء رأيهم أو تصويتهم ماعدا  إذا كان هذا الرأي يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالإحترام الواجب للملك[7]. حيث تمثل هذه الحصانة ضمانة حقيقية تهدف منح عضو البرلمان الثقة التي تمكنه من أن يقول كل ما من شأنه إثراء العمل البرلماني و إعلاء الفكر الديمقراطي ومن ثم على قدر من الطمأنينة على وضعه و مستقبله.

فلو حوسب عضو البرلمان كما يحـاسب الشخص العــادي على تصرفاته وأحاديثه وأفكاره لكان ذلك إرهاقا كبيرا له، و هكذا نستطيع القول بأن الحصانة ضد المسؤولين البرلمانيين هي امتياز دستوري مقرر لأعضاء البرلمان بصفتهم لا بأشخاصهم سواء كانو منتخبين أو معينين مما يتيح لهم أثناء قيامهم بواجباتهم البرلمانية حرية الرأي و التعبير دون أي مسؤولية جنائية أو مدنية تترتب عن ذلك.

إذن فالحصانة البرلمانية تجد أ ساسها في أن االسيادة للشعب وحده يمارسها على الوجه المبين في الدستور، فالعضو البرلماني لا يعبر عن رأيه الخاص، وإنما يعبر عن رأي الشعب كله ولهذا قيل أن الحصانة البرلمانية تعتمد على أن الأمة نفسها تعبر عن نفسها من خلال أصوات و أراء ممثيليها[8].

ثالثا: قيود واردة بالقانون الدولي.

يتمتع رئيس الدول الأجنبية بحصانة تامة تحول دون أن تطاله أية  أحكام القانون الجنائي للدولة المتواجد بها أو التي يمر منها حتي وإن صدر منه فعل يشكل جريمة. وتمتد هذه الحصانة لتشمل كذلك أفراد عائلته و حاشيته.

هناك أيضا أعضاء البعثات الدبلوماسية، و يتمتع هؤلاء بحصانات شخصية وقضائية تستمد أساسها من القانون الدولي، لذلك تلتزم كل دولة باحترامها. وتعد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية[9] أهم وثيقة دولية تشمل تدوين العرف الدولي الخاص بالحصانات الدبلوماسية.

ويتمتع كذلك  الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة و مساعديه و أفراد عائلاتهم والأمين العام لجامعة الدول العربية ومساعديه والموظفون الرئيسيون وأفراد عائلاتهم بالحصانة الشخصية والقضائية في كل ما يصدر عنهم سواء كان بسبب أدائم لأعمالهم الرسمية أو مباشرتهم لحياتهم الخاصة.

وقد تضاربت آراء فقهاء القانون الدولي حول الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية، وهذا الاختلاف الفقهي أفرز عدة نظريات أهمها:

  • نظرية الامتداد الإقليمي:

مفادها أن المبعوث الدبلوماسي عند تواجده في إقليم الدولة المعتمد لديها يفترض و كأنه لا يزال في إقليم دولته، و بالتالي يستمر خاضعا لقوانين دولته، و يستقل عن السلطة الإقليمية و لا يخضع لقوانين الدولة المعتمد لديها.

  • نظرية مصلحة الوظيفة:

تذهب هذه النظرية إلى القول أن الحصانة الدبلوماسية أمر في غاية الضرورة لمباشرة الوظيفة الدبلوماسية بدون عوائق، و أن هذه الحصانة مقررة للوظيفة ذاتها و ليس لفائدة المبعوث الدبلوماسي الشخصية.

و بهذه النظرية الأخيرة، أخذت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، حيث جاء في مقدمتها أن الغرض من الحصانة الدبلوماسية ليس هو إفادة الأفراد، بل ضمان الأداء الفعال و الجيد لوظائف البعثات الدبلوماسية بوصفها ممثلة للدول[10].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة:

يتضح مما تقدم أن نظام الملائمة وسيلة ناجعة لتطبيق السياسة الجنائية الحديثة، وضمانة من ضمانات إستقلالية النيابة العامة ومرونتها في أداء واجبها. إذ أن إعطاء النيابة العامة هذه الصلاحية يمكنها من المساهمة في تحقيق ذلك الضبط الإجتماعي المنشود من خلال إعمالها لسلطة الملائمة بما يتوافق وحاجات المجتمع من الأمن والإستقرار، وكذلك عبر الإشراف ومراقبة الدعوى العمومية.

 

 

[1] ـ علي شملال، السلطات التقديرية للنيابة العامة في الدعوى العمومية دراسة مقارنة، الطبعة الثانية، دار هومة ، الجزائر ، ص: 16.

[2] ـ ينص الفصل 481 من القانون الجنائي على:

“…لا يجوز رفع هذه الدعاوى، إلا بناء على شكاية من الشخص المطرود من بيت الزوجية أو الشخص المهمل أو المستحق للنفقة أو نائبه الشرعي مع الإدلاء بالسند الذي يعتمد عليه، غير أنها ترفع مباشرة من طرف النيابة العامة عندما يكون النائب الشرعي المذكور هو المقترف للجريمة،يجب أن يسبق المتابعة،إعذار المحكوم عليه بالنفقة بأن يقوم بما عليه في ظرف ثلاثين يوما،

ويتم هذا الاعذار في شكل استجواب يقوم به أحد ضباط الشرطة القضائية وذلك بناء على تعليمات من النيابة العامة،

إذا كان المحكوم عليه هاربا أو ليس له محل إقامة معروف فإن ضابط الشرطة القضائية يسجل ذلك ويستغني عن الاستجواب.”

[3] ـ لقد أخذ المشرع المغربي بمبدأ الحصانة القانونية حينما نص في المادة العاشرة من القانون الجناني على مايلي: ” يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد باقليم المملكة من وطنيين وأجانب وعديمي الجنسية مع مراعاة الاسثتناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي”.

[4] ـ ينص الفصل 42 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه:”الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها…”

[5] ـ تنص المادة 27 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه: ” يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص سواء كان رئيسا للدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقوبة.

لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.

[6] ـ عمار ياسر جاموس، الحصانة البرلمانية والعفو الخاص وأثرهما في محاكمة الفساد في فلسطين، ماجستر الدراسات القضائية، ص 10

[7] ـ ينص الفصل 64 من دستور 2011 على أنه ” لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه ولا إعتقاله و لا محاكمته بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزوالته لمهامه، ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو ؤالدين الإسلامي  أو يتضمن ما يخل بالإحترام الواجب للملك”.

[8] ـ حسينة شرون، الحصانة البرلمانية، مجلة المفكر، العدد الخامس، جامعة محمد خيضر بسكرة، ص 149.

[9] _ المبرمة في 18 أبريل 1961.

[10] _ مقدمة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمة سنة 1961.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى