في الواجهةمقالات قانونية

“مدى مشروعية تسجيل المحادثات الشخصية في التشريع المغربي” الباحث يوسف بنشهيبة

“مدى مشروعية تسجيل المحادثات الشخصية في التشريع المغربي” الباحث يوسف بنشهيبة

قراءة جزئية للمادة 108 من قانون المسطرة الجنائية.
والفصلين 447.1 و 447.2، والقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، ودورية رئاسة النيابة العامة حماية الحياة الخاصة بالأفراد في ظل القانون رقم 103.13

قد يحدث في الواقع أن يتلقى الشخص تهديدا أو ابتزازا بواسطة الهاتف، سواء عبر مكالمة هاتفية

SMS أو رسائل نصية قصيرة

وغيرها.WhatsApp أو عبر تطبيقات التواصل الإجتماعي E -mailأو البريد الإلكتروني

على سبيل المثال: إما على شكل تهديد بارتكاب جريمة تمس الشخص أو الغير في النفس أو الممتلكات، كجرائم القتل أو السب أو القذف أو الإبتزاز أو غيرها.

وفي هذا الاطار، قد يعمد ضحية هذه السلوكات الإجرامية – التهديد بالقتل او الإبتزاز بواسطة وسائل التواصل – إلى تسجيل هذا السلوك، وتوثيقه لغاية في نفسه.

في بعض الحالات قد يقوم الشخص بتسجيل مكالمة هاتفية، تلقى فيها تهديدا بالقتل، أو كأن تقوم زوجة بتسجيل زوجها وهو يعترف لها عبر الهاتف بارتكابه جريمة الخيانة الزوجية في حقها، وكأن يسجل مواطن موظفا باشتراطه تلقي رشوة مقابل استخراج وثيقة أوالقيام بعمل يدخل في إطار مهامه الوظيفية.

أو كأن تسجل فتاة شخصا ابتزها بنشر صورة لها في وضع مخل بالحياء، إن لم تدفع له مبلغ من المال أو تلبي رغباته.

الإشكالية القانونية:
تتجلى الإشكالية الأساسية لهذا الموضوع في مدى قانونية تسجيل الشخص للمكالمات الهاتفية التي تتضمن تهديد أو ابتزاز؟ وهل هذا الإجراء مخالف للقانون ومخالف لمقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية والفصلين 447.1 و 447.2 من القانون الجنائي والقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء؟ وهل لهذه التسجيلات قوة ثبوتية أمام القضاء؟
على مستوى العمل القضائي.

يلاحظ من خلال مجموعة من الأحكام القضائية – التي إطلعت عليها – أن المحاكم ترفض هذه التسجيلات، ولا تقيم لها أساسا قانونيا ولا تعتبرها حجية قانونية لكونها تخرق مقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وتخرق مقتضيات الفصلين 447.1 447.2، في المقابل تجد بعض المحاكم في ضوء نفس المادة 108 من ق.م.ج ترتب مجموعة من الأثار القانونية التي تدين من قام بفعل التسجيلات الصوتية، وحيث تعتبرها دليلا كافيا لإدانته، وقد تخضع هذه التسجيلات للخبرة للتأكد من صحتها.

 

ولعل من بين القرارات القضائية التي تؤكد ذلك، أشير في هذا الإطار إلى قرار لمحكمة النقض: “قضت محكمة النقض بأن تسجيل المكالمات الهاتفية من قبل الأفراد لتقديمها كدليل أمام القضاء الزجري على ما يتعرضون له من جرائم لا يخضع لأحكام المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التي تبقى خاصة بأجهزة البحث والتحقيق،وأن التسجيلات التي ينجزها الأفراد لإثبات الجرائم تخضع لتقدير المحكمة كغيرها من وسائل الاثبات”.

وفي إعتقادي الشخصي أن ما يجعل بعض المحاكم الزجرية تعتبر على أن التسجيلات التي يسجلها الأفراد هي خرق للمادة 108 من ق.م.ج وهي اعتمادها على الفقرة الأولى كقاعدة عامة التي تنص على أنه: “يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الإتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها”.

قس على ذلك القانون 103.13 “المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي يؤكد أن تسجيل الأشخاص بشكل سري أو خاص جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك ما يتجلى من خلال مقتضيات الفصل 447.1 من ق.ج الذي جاء فيه:
“يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى20.000 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابه. يعاقب بنفس العقوبة،من قام عمدا وبأي وسيلة،بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص،دون موافقته”

وإن كان هذا الأمر واضح، لكن يعلم المتخصص في القانون أن لكل قاعدة إستثناء، والقاعدة في الفصل447.1 وهو تجريم تسجيل أقوال الشخص إما بشكل سري أو خاص، غير أن الاستثناء هنا هو أن يجيز المشرع تسجيل الأقوال في حالة تعلق الأمر بتهديد أو إبتزاز في حق الأفراد يمكن من خلال هذه الوسائل والأدلة أن تحسم القضية.
هذا ما ينطبق أيضا على المادة 108 من ق.م.ج باعتبار الفقرة الأولى قاعدة لها إستثناء.
وفي إعتقادي الخاص، يجب الحسم في وسائل الإثبات في المادة الجنائية فيما يتعلق بتسجيل المكالمات، نطرا لوجود اختلاف على مستوى تطبيق المحاكم، وذلك في مدى إعتبار حجية وقانونية التسجيلات التي يقوم بها الأفراد.

وفي هذا الإطار، أرى أن المادة 108 من ق.م.ج هي مرتطبة بمرحلة البحت التمهيدي الذي تقوم به الضابطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة أو التحقيق الإعدادي من طرف قاضي التحقيق وأن هذه المادة من ق.م.ج خصصت لجهات معينة من قبيل الشرطة القضائية وقاضي التحقيق وليست لها علاقة بالتسجيلات التي يقوم بها الأفراد.

 

في حين نجد على مستوى الواقع عدم إعتبار بعض المحاكم أن التسجيلات التي يقوم بها الأفراد لها حجية قوية ضد المشكتى به قد يفتح الباب على بعض الأشخاص للتملص من المسؤولية الجنائية، وقد يعزز دفاعه بأن الشخص الذي سجله قد خرق الفصل447.1 وما يليه و قد يطالب بذلك بتعويض عن الضرر الذي لحق به في الدعوى المدنية التابعة بعد انتهاء الدعوى العمومية.
في إعتقادي الخاص أن المادة 108 وإن كانت الفقرة الأولى قاعدة عامة فلها من الإستتناء ما لها فإن المادة ككل يمكن إعتبارها على أنها تنصيص على حدود وصلاحيات النيابة العامة في مسطرة التقاط المكالمات والمراسلات عن بعد.

في إعتقادي أنه في حالة تسجيل مكالمة هاتفية لشخص يهددك وقد قدمتها للمحكمة فيمكنك تعزيز دفاعك بقرار محكمة النقض و دورية رئاسة النيابة العامة، وحبذا أن تنصب محامي لهذا الأمر.
وحيث أن الدورية الصادرة عن رئاسة النيابة العامة نفت ضمنيا علاقة المادة 108 بالتسجيلات التي يقوم بها الأفراد وإعتبرت أن التسجيلات وسيلة من وسائل الإثبات.
كما أن هناك قرار لمحكمة النقض الفرنسية إعتبرت أن جريمة تسجيبل الأقوال الصادرة بشكل خاص غير  متحققة رغم قيام المشكتى به بتسجيل مكالمة هاتفية مع المشكتي قدمها للشرطة القضائية لكون الفاعل لم يكن يهدف إلى المساس بالحياة الخاصة.
وما يعزز طرحي القانوني الدورية الصادرة عن رئاسة النيابة العامة والتي شرحت مضامين الفصل 447.1 من ق.ج والمعنونة ب”حماية الحياة الخاصة بالأفراد في ظل القانون رقم 103.13″ الدورية اعتبرت التسجيلات التي يقدمها الضحية دليل في الإثبات.
في الصفحة الخامسة من نفس الدوررية.

 

أنقل لكم ما كتب في الدورية.
مراعاة المقتضيات القانونية التي تحمي الضحايا والمبلغين عن الجرائم والذين قد يلجؤون إلى حماية أنفسهم بمقتضى التسجيلات أو لإثبات الاعتداءات التي يتعرضون لها، كما هو الحال في جريمة الرشوة.

في ظل تباين الأحكام القضائية،  بعض المحاكم تعتبر التسجيلات التي يقوم بها الأفراد هي خرق للمادة 108 من ق.م،ج وخرق للفصلين 447.1 447.2 من ق.ج في حين محاكم أخرى تأخد بالتسجيلات التي يقوم بها الأفراد وتعتبرها وسيلة إثبات في مواجهة المشكتى به.
إن الحسم في هذه المسألة قد حسمها إجتهاد محكمة النقض كما أشرت إليه سابقا، باعتباره هيئة توحد الإجتهاد القضائي على المستوى الوطني.

لكن إستمرار الإختلاف بين المحاكم يطرح العديد من المشاكل، وأنتظر بشدة من رئاسة النيابة العامة نشر دورية إلى مختلف السادة الوكلاء العامين للملك بمحاكم الاستئناف.
والسادة وكلاء الملك بالمحاكم الإبتدائية
بشأن تطبيق المادة 108 من قانون ق.م.ج والفصل 447.1
و 447.2 من ق.ج.
الأمر خطير جدا، فهو يفتح الباب على مصرعيه للتملص من المسؤولية الجنائية وأيضا ضياع ومس بحقوق الدفاع.
وإن كان الهدف من إصدار الأحكام القضائية، المتعلقة بعدم إعتبار التسجيلات التي يقوم بها الأفراد دليلا قاطعا يعتد به ويحتج به فإن في المقابل وجب حماية الضحايا والمبلغين عن الجرائم والذين قد يلجؤون إلى حماية أنفسهم بمقتضى التسجيلات أو لإثبات الاعتداءات التي يتعرضون لها.
لا ننسى أن النيابة العامة دعت إلى الإستئناس لحماية المبلغين عن الفساد، ومراعاة المقتضيات القانونية التي تحمي الضحايا والمبلغين عن الجرائم والذين قد يلجؤون إلى حماية أنفسهم بمقتضى التسجيلات أو لإثبات الاعتداءات التي يتعرضون لها، كما هو الحال في جريمة الرشوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى