صعوبات المقاولةفي الواجهةمقالات قانونية

مسؤولية المسير في صعوبات المؤسسة

 

مسؤولية المسير في صعوبات المؤسسة

إعداد الباحثة:

أم كلثوم بنت محمد الامين

باحثة في صف الدكتوراه ،السنة الرابعة ،تخصص قانون الأعمال

 

مقدمة

لقد فرضت حاجة المؤسسة للاستمرار وحاجة الاقتصاد إلى إبقاء المؤسسات تحولا عميقا في موضوع وقاية الدور القضائي فيما يتعلق بالمساطر الجماعية، حيث تحول هذا الدور من دور سلبي موضوعه وغاياته حماية المدين، إلى دور إيجابي موضوعه وغايته إنقاذ المؤسسة.

وقد انصبت قواعد المؤسسة في نظام المعالجة كأحد الآليات المعمول بها لتكريس هذا الدور وانتشال المؤسسة من مرض التوقف عن الدفع عن إحداث وسائل ناجعة لردع كل الاختلالات التي قد تطال إجراءات المعالجة، إن على مستوى قيام نظام للمسؤولية في الجانب المتعلق بالتسيير.

وقد تبين من الممارسة والواقع المعيشي أن أفدح الأضرار التي قد تلحق مؤسسة ما “الشخص المعنوي” تجد سببها في مسيريها الذين قد يجعلون منها مطية للاستغلال أو الإثراء غير المشروع على حساب الشركاء والمساهمين والدائنين([1]).

إن تحديد طبيعة مسؤولية المسير في نظام معالجة صعوبات المؤسسة يعتبر منطلقا أساسيا في تطبيق وتفعيل الجزاءات القضائية، وهو ما سنتعرض له خلال تحقق دعوى هذه المسؤولية (المطلب الأول)، والعقوبات والمسؤوليات التي تطالها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تحقق دعوى المسؤولية

لقد نظم المشرع الموريتاني هذه المسؤولية في مدونة التجارة الصادرة 2000/01/18 بمقتضى القانون رقم: 05/2000 وذلك في المواد 1432 – 1440، وتجدر الإشارة أن هذه الدعوى والمسؤوليات لا تمكن إدارتها ضد المسيرين إلا في الحالات التي تكون فيها أشخاصا معنوية خاضعة لمسطرة الإجراءات الجماعية، وهو ما يعرف بدعوى تسديد الخصوم (الفقرة الأولى)، أو في حالة الأفراد الذين يستغلون المؤسسات باسمهم الخاص فيخضعون مباشرة لنظام الإجراءات الجماعية، أي التصريح بالإفلاس الشخصي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دعوى تسديد الخصوم

تعتبر دعوى تسديد خصوم الشركة دعوى مسؤولية مدنية، تفترض وجود خطإ وضرر وعلاقة سببية بين الخطإ والضرر، ولكن خصوصية هذه المسؤولية تكمن في واقع أنها لا تقوم إلا في إطار الإجراءات الجماعية، تسوية أو تصفية قضائية للأشخاص المعنوية، فتطبق على مسيري هذه المؤسسات التي كانت موضوع فتح المسطرة([2])، وهو ما سنتعرض له من خلال المسيرون المستهدفون (أولا)، ثم شروط المسؤولية عن تسديد خصوم الشركة (ثانيا).

أولا: المسيرون المستهدفون

المسيرون المستهدفون هم الأشخاص المعنوية والطبيعية على حد سواء، وسواء كان هؤلاء المسيرون قانونيين أم فعليين، فبذلك تكون هذه المادة شاملة لمسيري الشركات خفية الاسم، والشركات ذات المسؤولية المحدودة، وشركات التضامن، وشركات التوصية، حسب نص المادة 1432 م.ت.

إلا أنه يجب التمييز بين شركات الأشخاص وشركات الأموال، وخاصة في حالة ما إذا كان المسيرون شركاء في هذه الشركات، وهو الغالب الأعم، ففي شركات التضامن مثلا إذا كان المسير شريكا فإن دعوى تسديد خصوم الشركة تفقد كل أهمية لها لأن هؤلاء الشركاء يخضعون لنفس مصير الشركة، سواء ارتكبوا خطأ في التسيير أم لم يرتكبوه، والحكم الفاتح للإجراءات الجماعية ضد الشركة يرتب آثاره في مواجهة كل الشركاء، وذلك بكيفية تضامنية وغير محدودة، وإذا حكم على الشركة بمسطرة من مساطر المعالجة طالت هذه المسطرة هؤلاء الشركاء نظرا لوجود التضامن ولكونهم تجارا([3]).

إلا أن هذا لا يعني عدم أهمية هذه الدعوة في إطار شركات الأشخاص، فهي تسترجع أهميتها كلما كان لهؤلاء الأشخاص مسيرون لا يتمتعون بصفة الشريك، ومن هنا كانت دعوى تسديد خصوم الشركة ذات دور احتياطي لشركات الأشخاص، وذات دور أساسي مبدئي لشركات الأموال([4]).

ومهما يكن من أمر فبغض النظر عن صفة المسير فإن كل مسير حسب مقتضيات المادة 1434 م.ت. في حالة ارتكابه خطأ في التسيير يمكن أن يكون مسؤولا جزئيا أو كليا تضامنيا أم لا عن النقص الحاصل في أصول الشركة، إلا أنه يجب التمييز بين المسير القانوني والمسير الفعلي، وتبرز أهمية هذا التمييز خاصة من حيث التفصيل لا من حيث ترتيب الآثار، إذ أن المشرع جعل آثار الدعوى تطال كلا منهما، ولم يميز بينهما من هذه الناحية المادة 1432 م.ت «تطبق مقتضيات هذا الفصل على المسيرين القانونيين أو الفعليين لشخص معنوي منتم إلى القانون الخاص وذي نشاط اقتصادي تفتح في مواجهته مسطرة للتسوية القضائية…».

يعني المسير القانوني كل من يستمد سلطاته في التسيير من القانون أو من النظام الأساسي للشركة، وهكذا فلا يدخل ضمن مفهوم المسير القانوني الشخص الذي لا يستجيب للمعايير الأساسية، سواء لأنه تابع، أو لأن مهامه تخرج عن وظيفة الإدارة، أما المسير الفعلي فيقصد به كل شخص يمارس بصفة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق شخص وسيط نشاطا إيجابيا للإدارة للشركة تحت ستار أو في محل ممثليها القانونيين، والأفعال والتصرفات التي يمكن من خلالها الحكم على شخص ما بأنه مسير فعلي لا يمكن حصرها، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن صفة المسير الفعلي لا يجب اعتمادها إلا ضد الأشخاص الذين قاموا بأفعال إيجابية تمثل تدخلا فعليا في سير المؤسسة، وفعلا فقد عمد الفقه المقارن إلى إعطاء تعريف لمفهوم المسير الفعلي، واشترط توفر ثلاثة شروط لاعتبار شخص ما مسيرا فعليا:

أ- أن يباشر نشاطا إيجابيا، أي أن يشارك بصفة فعلية في التسيير ولذا فالسكوت أو الترك بل المجاملة كلها تصرفات لا يمكن أن تعتبر أعمال تسيير توجب اتخاذ القرارات، وبالتالي لا يمكن أن تكون سببا للمساءلة.

ب- أن يكون التصرف أو النشاط الإيجابي متعلقا بالتدبير أو الإدارة، ولذا فيعد مسيرا فعليا الشخص الذي بوسعه اتخاذ قرارات حول الوضعية المالية للشركة، أي القيام بمهام الإدارة والتسيير سواء على المستوى التجاري أو المالي.

ج- ويشترط أخيرا أن يكون النشاط الإيجابي المرتبط بالتدبير والإدارة صادرا عن المعني بالأمر بكل حرية وإرادة وبكل استقلالية([5]).

ثانيا: شروط المسؤولية عن تسديد الخصوم

لا يمكن مطالبة المسيرين بتحمل كل أو جزء ديون الشركة إلا إذا كانت التسوية أو التصفية القضائية لهذه الشركة قد كشفت عن كفاية للأصول ناجمة عن خطإ في التسيير.

1- ارتكاب خطأ في التسيير

باستقراء المادة 1434 م.ت. يتضح أنها أوقفت أو اشترطت لتحميل المسير للنقص في باب الأصول على ضرورة ارتكابه لخطإ في التسيير ساهم في ذلك النقص، مما يفيد أنه ليس ضروريا لتطبيق هذا الجزاء أن يكون ذلك الخطأ السبب الوحيد لعدم كفاية الأصول، بحيث يتم ترتيب الآثار المترتبة عليه ولو كان من بين عدة أسباب أخرى، إلا أن أثره يقتصر على تحميل المسير جزءا فقط من النقص المسجل([6]).

إلا أن الإشكال الذي يطرح في هذا الإطار هو عدم تحديد المشرع لمفهوم الخطأ في التسيير، سواء من حيث مداه، أو من حيث مجال تطبيقه، وتزداد هذه الصعوبة نظرا إلى هذا المفهوم في الحياة الاقتصادية، وليست القانونية للشركة، بحيث إذا كان مفهوم الخطأ يبدو سهل الحصر والتعريف، فإن ارتباطه بجانب التسيير يجعل الأمر يخرج عن إطار محدد المعالم لارتباطه بتدبير إدارة وتسيير المؤسسة، وبالتالي فهو مفهوم مطاطي وواسع، وفضفاض، ويختلف من مسؤولية لأخرى، وذلك بحسب طبيعة تكوين وصفات المسيرين، وبحسب الظروف المحيطة المرتبطة به، وبالتالي فإن إثبات هذا الخطأ ليس بالأمر السهل، خاصة إذا كان لا يجد أساسه في مخالفة صريحة لقواعد القانون أو للنظام الأساسي للشركة، ويبقى للمحكمة سلطة واسعة في هذا المجال.

وأمام هذا الغموض والضبابية اعتبر بعض الفقه أن كل تصرف أو إهمال أو عدم احتياط يمكن أن يشكل خطأ في التسيير([7]).

إضافة إلى ضرورة إثبات الخطأ في جانب المسير يجب أيضا أن يكون إثبات هذا الخطأ المسند إلى المسير قد ساهم على الأقل في عدم كفاية الأصول، وعبارة “ساهم” الواردة في المادة 180 من القانون الفرنسي والمادة 1434 تفيد أنه يكفي أن يكون خطأ المسير يمثل أحد العناصر المؤدية إلى عدم كفاية الأصول، وليس بالضرورة العنصر الأهم فيها.

2- عدم كفاية الأصول لتغطية خصوم الشركة

تظهر عدم كفاية الأصول عندما لا تكفي هذه الأخيرة لمواجهة خصوم، فقد اشترطت المادة 1434 م.ت. أن يظهر خلال سير المسطرة أن هناك نقصا في باب الأصول، ويستنتج بمفهوم المخالفة بأنه إذا كانت أصول الشركة كافية لأداء الديون ينعدم أساس إثارة مسؤولية المسير لأجل إشراكه في أداء الخصوم، ولكنه يمكن أن يتعرض احتمالا للمتابعة المبررة للخطأ في التسيير وذلك في الإطار العام لمسؤولية المسيرين([8]).

لكن هل المقصود هنا بالأصول الأصول المتوفرة؟ وبالخصوم الخصوم المستحقة المطالب بها فقط؟ أم ماذا؟ وهل المقصود فقط الخصوم السابقة لفتح المسطرة؟ أم أيضا الخصوم اللاحقة للحكم بفتح المسطرة؟

لم تعط المادة 1434 م.ت. أية إجابة على هذه الأسئلة، لكن طبيعة الدعوى وموقفها من نظام الإجراءات الجماعية يمكن أن يساعد على إيجاد إجابة في هذا الاتجاه أو ذاك، فوحدها الديون التي تسببت فيها أخطاء مرتكبة قبل الحكم بفتح مسطرة الإجراءات الجماعية في مواجهة الشخص المعنوي يجب أخذها بالاعتبار، أما الديون اللاحقة فلا يمكن إدخالها في مبلغ الإدانة، إلا أن هذا لا يعني أن المسيرين الذين واصلوا الاحتفاظ بسلطاتهم ليسوا مسؤولين بل تقع مساءلتهم في إطار الشريعة العامة للمسؤولية المدنية، وفي حدود الأخطاء التي ارتكبوها أثناء سير المسطرة الجماعية.

وتدخل المبالغ التي يدفعها المسيرون تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 1434 م.ت. في الذمة المالية للشركة، وتخصص في حالة استمرار الشركة وفق الكيفيات المنصوص عليها في مخطط الاستمرارية، وعند التفويت أو التصفية توزع هذه المبالغ بالتناسب بين الدائنين.

الفقرة الثانية: النظام القانوني لدعوى التصريح بالإفلاس

وفقا للمادة 1435 1436 جديدة م.ت. فإن المحكمة التجارية التي أصدرت حكما بفتح المسطرة في مواجهة الشركة تكون ملزمة بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في مواجهة مسير أو مسيري هذه الشركة، سواء بامتناعهم عن أداء الدين المختلف في ذمتهم لفائدة الشركة نتيجة حكمهم بتحميلهم مسؤولية النقص في باب الأصول، أو لارتكابهم عدة أفعال من شأنها التأثير على مالية الشركة وترتيب توقفها عن الدفع، لهذا سنعمد إلى التصريح بالإفلاس الشخصي (أولا)، وإجراءات تطبيق العقوبات المالية (ثانيا).

أولا: التصريح بالإفلاس الشخصي

عددت المادة 1436([9]) م.ت فقرتها الأولى في حالة ارتكابها يمكن للمحكمة في أي فترة من سير المسطرة أن تصرح بالإفلاس الشخصي، وهي:

1- أخفوا حسابات مؤسستهم، أو اختلسوا أو أخفوا جزءا من أصولها، أو أقروا بكيفية تدليسية لديون غير حقيقية.

2- مارسوا نشاطا تجاريا لأجل مصلحتهم الشخصية، سواء بواسطة شخص آخر، أو ستار شخص اعتباري قصد إخفاء تصرفاتهم.

3- استعملوا ائتمان أموال شخص اعتباري كما لو كانت أموالهم الشخصية.

4- حصلوا بممارستهم للتدريس لفائدتهم شخصيا أو لمؤسسة على صلح تم إلغاؤه بعدئذ.

5- ارتكبوا باستغلال تجارتهم أعمالا بسوء نية أو إهمالا لا يعذر به، أو جرت منهم مخالفة بصفة خطيرة لقواعد وأعراف التجارة كما هي مبينة بواسطة المادة 1436 م.ت.

كذلك في حالة لم يصرح القائمون على الإدارة خلال أجل 30 يوما من توقف الشخص الاعتباري عن الدفع، أو لم يسددوا جزءا من ديون الشركة الذي تم إلزامهم به عند نقص الأصول فإنه يسوغ للمحكمة أن تصرح بالإفلاس الشخصي في حقهم (المادة 1436 م.ت الفقرة الرابعة).

والهدف من مقتضيات المادة 1436 جديدة م.ت. هو تحميل المسير المعني بالأمر خصوم الشركة التجارية، وذلك خارج الحالة المنصوص عليها في المادة 1434 م.ت. من هذه المدونة التي يتوقف تطبيقها كما سبق أن رأينا على ضرورة توفر شروط معينة، وهكذا وبصرف النظر عن توفر الشروط اللازمة لإعمال مقتضيات المادتين 1434 م.ت. و1435 م.ت. فإن المسير الذي تثبت في حقه إحدى الوسائل المنصوص عليها في المادة 1436 م.ت. يتحمل علاوة على الآثار الناجمة عن فتح المسطرة ضده شخصيا خصوم الشركة، ويكون تاريخ التوقف عن الدفع هو التاريخ المحدد لحكم فتح المسطرة اتجاه الشركة([10])، وهو ما نصت عليه المادة 1437 م.ت. (في حالة المسطرة المفتوحة تطبيقا لمقتضيات المادة السابقة تشمل الخصوم الشخصية خصوم الشركة).

ثانيا: إجراءات تطبيق العقوبات المالية ضد المسير

إن العقوبات المالية التي يتم اتخاذها ضد مسيري الشركات لا تطبق بشكل تلقائي إثر فتح مسطرة المعالجة أو التصفية القضائية في مواجهة الشركات، بل لا بد من صدور حكم يقضي بهذه العقوبات([11]).

هذا ولإصدار الحكم المذكور وتطبيقه ضد المسير المحكوم عليه يقتضي الأمر اتباع الإجراءات التالية:

– إن المحكمة المختصة بإصدار العقوبات المالية هي المحكمة التجارية المفتوح أمامها مسطرة التسوية أو التصفية القضائية ضد الشركة (المادة 1433 م.ت.).

– يصدر الحكم القاضي بفرض العقوبات المالية على المسير المعني بالأمر من طرف المحكمة التجارية، وذلك إما تلقائيا وإما بناء على طلب من أمين التفليسة (المادة 1438 م.ت.).

– يجب أن ترفع الدعوى قبل مدة التقادم المحددة في 3 سنوات ابتداء من صدور الحكم الذي يحدد مخطط التسوية وفي غياب ذلك فمن تاريخ الحكم القاضي بالتصفية القضائية([12]).

– تبت المحكمة التجارية المختصة في الدعوة الرامية إلى النطق بالعقوبات المالية في جلسة بعد الاستماع إلى تقرير قاضي التسوية، وبعد الاستماع كذلك إلى المسيرين المعنيين بالأمر الذين يتم استدعاؤهم بصفة قانونية لهذا الغرض عن طريق كاتب الضبط، وذلك بثمانية أيام على الأقل قبل التاريخ المقرر للاستماع إليهم، كما يقوم كاتب الضبط باستدعاء أمين التفليسة (المادة 1439 م.ت.).

– يقوم كاتب الضبط بالمحكمة مصدرة الحكم القاضي بالعقوبات المالية بتبليغ هذا الحكم إلى الأطراف ويشار إلى الحكم في السجل التجاري وينشر مستخرج منه في الجريدة الرسمية، وفي الصحيفة المخول لها نشر الإعلانات القانونية، ويعلق على اللوحة المخصصة لهذا الغرض بالمحكمة التي أصدرته (المادة 1440 م.ت.).

يكون الحكم الصادر من أجل تطبيق العقوبات المالية المنصوص عليها في المواد 1434 إلى 1437 م.ت. مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون([13]).

 

المطلب الثاني: العقوبات والمسؤوليات ذات الارتباط بالنظام العام

لقد أبقى المشرع – على غرار المشرع الفرنسي –([14]) في إطار نظام الإجراءات الجماعية على بعض تدابير النظام العام، كما أنه أبقى على فكرة تجريم صاحب المؤسسة والمسير، وذلك من خلال المواد 1441 إلى 1456 م.ت.

ولدراسة تدابير النظام العام، فإننا سنتعرض لسقوط الأهلية التجارية (الفقرة الأولى) والعقوبات الجزائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: سقوط الأهلية التجارية

رتب المشرع بعض الوقائع التي من شأنها أن تبرر الحكم بسقوط الأهلية (أولا) ثم المسطرة المتبعة والآثار الناجمة عنها (ثانيا).

أولا: الحالات التي يمكن الحكم بسقوط الأهلية التجارية

على خلاف العقوبات المالية التي لا تتخذ إلا ضد مسيري الشركات التجارية المفتوحة بمواجهتها مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، فإن سقوط الأهلية التجارية يمكن أن يطال بالإضافة إلى هؤلاء المسيرين وحتى التجار الأشخاص الطبيعيين، كما ثبت في حق التاجر المعني بالأمر، أحد الأبعاد والوقائع المحددة بالقانون([15]).

غير أن ما يهمنا هي تلك الخاصة بالمسيرين، فقد نصت المادة 1442 م.ت. في فقرتها الأخيرة على أنه «يجب على المحكمة أن تضع يدها في جميع مراحل المسطرة من أجل النطق بالحكم عند الاقتضاء بسقوط الأهلية التجارية عن كل مسير شخص معنوي منتمي إلى القانون الخاص وذي نشاط اقتصادي، سواء كان قانونيا أو فعليا، مأجورا أم لا، اقترف أحد الأفعال المنصوص عليها في المواد 1436 م.ت.».

وكذلك حددت المادة 1443 م.ت. الوقائع التي من أجلها يمكن للمحكمة أن تنطق بسقوط الأهلية عندما تثبت في حق مسيري الشركات، وهي:

أ- ممارسة نشاط تجاري أو حرفي أو مهمة تسيير أو إدارة شركة تجارية خلافا لمنع نص عليه القانون.

ب- القيام بالشراء قصد البيع بثمن أقل من السعر الجاري، أو استخدام وسائل مجحفة لأجل الحصول على أموال، وذلك بغية اجتناب افتتاح المسطرة أو تأخيرها.

ج- القيام بحساب الغير، ودون مقابل بالتزامات اكتسبت أهمية كبرى أثناء عقدها باعتبار وضعية المؤسسة.

د- إغفال القيام داخل أجل 15 يوما بالتصريح بالتوقف عن الدفع([16]).

هـ- القيام عن سوء نية بأداء ديون دائن على حساب الدائنين الآخرين خلال فترة الريبة.

كما يجب على المحكمة أن تقضي بسقوط الأهلية التجارية عن كل مسؤول في الشركة لم يسدد عجز أصولها، هذا وتضع المحكمة يدها إما تلقائيا على الدعوى أو بناء على طلب من أمين التفليسة([17]).

وبذلك فإن المسير المحكوم عليه بالعقوبات المالية قد يتعرض للحكم عليه بسقوط الأهلية التجارية تطبيقا للمادة 1444م.ت. وذلك في حالة عدم إبراء ذمته من الدين المتمثل في الخصوم التي تم تحميلها له في هذا الإطار.

ثانيا: الإجراءات والآثار الناجمة عن سقوط الأهلية

1- إجراءات الحكم

تتمثل الإجراءات المسطرية المتبعة في إصدار الحكم القاضي بسقوط الأهلية التجارية وتنفيذه فيما يلي:

أ- ما عدا الحالة المنصوص عليها المادة 1452 م.ت. والتي يكون فيها سقوط الأهلية التجارية كعقوبة زجرية إضافة للعقوبة الأصلية المحكوم بها من طرف المحكمة الابتدائية ضد المدان، من أجل إحدى جرائم التفالس فإن المحكمة التجارية المفتوحة أمامها المسطرة هي المختصة بإصدار حكم سقوط الأهلية التجارية.

ب- إن الحكم بسقوط الأهلية التجارية يكون وجوبيا في حالة ثبوت الوقائع المبررة لذلك، وليس للمحكمة التجارية المختصة أية سلطة تقديرية بهذا الخصوص ما دام أن الأمر ليس جوازيا([18]).

لا يكون الحكم بسقوط الأهلية مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون المنصوص عليها في المادة 1457 م.ت. وإنما يجوز للمحكمة التي قضت بسقوط الأهلية التجارية أن تأمر أو لا تأمر بالنفاذ المعجل كما تنص على ذلك المادة 1448م.ت.

يخضع الحكم القاضي بسقوط الأهلية التجارية لطرق الطعن وفق الكيفيات والآجال المنصوص عليها في المواد 1457، 1459 م.ت. لا سيما أن المشرع ينص على ذلك صراحة في المادة 1458 م.ت. وذلك على خلاف موقفه الغامض من الحكم القاضي بالعقوبات المالية المتخذة تطبيقا للمواد من 1433 إلى 1437 م.ت.

2- الآثار الناجمة عن سقوط الأهلية التجارية

إن أثر الحكم بسقوط الأهلية التجارية لا يقتصر فقط على زوال صفة التاجر عمن صدر ضده هذا الحكم، وعلى منع مسؤولي الشركات التجارية من تسيير ومراقبة أي مؤسسة أو شركة، وإنما يشمل كذلك أوجها أخرى من الحرمان بالتمتع ببعض الحقوق، كحرمان المحكوم عليه من ممارسة وظيفة عمومية انتخابية، وهو ما نصت عليه المادة 1447 م.ت. عندما تنطق المحكمة بسقوط الأهلية التجارية تحدد مدة هذا الإجراء التي لا يمكن أن تقل عن 5 سنوات حيث يمكن لها أن تأمر بالنفاذ المعجل لحكمها، وينتهي سقوط الأهلية التجارية وعدم أهلية الانتخاب المرتبة عنه بقوة القانون في الأجل المحدد دون الحاجة إلى صدور حكم([19]).

وفي جميع الأحوال يمكن للمعني بالأمر أن يطلب من المحكمة أن ترفع كليا أو جزئيا سقوط الأهلية التجارية أو عدم أهلية ممارسة وظيفة عمومية، حيث يترتب رد الاعتبار عن صدور حكم المحكمة بالرفع الكامل لسقوط الأهلية التجارية أو عدم الأهلية الانتخابية، المادة 1449م.ت.

الفقرة الثانية: العقوبات الجزائية

هناك فرق جوهري يجب التنبيه إليه بداية بين الإفلاس والتفالس، وذلك تجنبا للخلط بين نظامين قانونيين مختلفين، فالإفلاس نظام قديم يسلط على الشركات التجارية والتجار المتوقفين عن دفع ديونهم في مواعيد استحقاقها بغية تصفية أموال التفليسة تصفية جماعية، وتوزيع الحاصل أو الناتج بين الدائنين كل بنسبة دينه، أما التفالس فهو جريمة جنائية تنطبق على التجار، كما تنطبق اليوم على غير التجار([20])  الذين يرتكبون أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة 1450 جديدة م.ت.

ولدراسة العقوبات الجزائية نتعرض لجريمة التفالس (أولا)، والجرائم الأخرى المشابهة (ثانيا).

أولا: جريمة التفالس

التفالس هو الجزاء الجنائي لبعض التصرفات التدليسية، التي يقوم بها مسيرو الشركة الخاضعة لمسطرة المعالجة، أو مسطرة التصفية القضائية([21]).

ويقع تحت طائلة التفالس في حالة افتتاح مسطرة المعالجة كل مسيري الشركة، سواء كانوا مسيرين قانونيين أو فعليين يتقاضون عن عملهم أجرا أم لا، وذلك في حالة ارتكابهم أحد الأفعال الواردة في المادة 1450 جديدة م.ت: (… يدان بالتفالس كل شخص طبيعي في حالة التوقف عن الدفع يوجد في إحدى الحالات التالية: (1) إذا قام بعقد التزامات ثبت أنها مفرطة بالنظر إلى وضعيته عند عقدها، وذلك دون الحصول على قيم مالية في المقابل. (2) إذا قام قصد تأجيل إثبات التوقف عن الدفع بعمليات شراء من أجل البيع بثمن أقل من السعر الجاري، أو لجأ بنفس القصد إلى استعمال وسائل مجحفة بغية الحصول على أموال. (3) إذا لم يقم من دون مانع شرعي بالتصريح لدى كتابة الضبط المختصة في حالة توقفه عن الدفع وذلك في أجل 30 يوما. (4) إذا كانت حساباته ناقصة أو تمسك بصفة غير قانونية، أو لا توجد لديه حسابات مطابقة لقواعد المحاسبة والأعراف المهنية المعترف بها بالنظر إلى أهمية المؤسسة. (5) إذا اختلس أو أخفى كل أصوله أو جزءا منها. (6) إذا قام بممارسة مهنة التجارة خلافا لمنع منصوص عليه في التشريع الموريتاني. (7) إذا قام بعد توقفه عن الدفع بالوفاء لدائن ألحق ضررا بكتلة الدائنين. (8) إذا اشترط منافع خاصة مع أحد الدائنين بغية الحصول منه على التصويت لمداولات الكتلة، أو أجرى اتفاقا خاصا مع أحد الدائنين يجلب منفعة لهذا الأخير، ويشكل عبئا على أصول المدين ابتداء من اليوم الذي صدر فيه القرار القاضي بالفتح. (9) إذا قام عن سوء نية بالعمل على تقديم حساب للنتائج أو ميزانية أو حالة للديون المترتبة للمدين، أو عليه أو كشفا للامتيازات والضمانات المخصصة له أو من جانبه، يعتبر غير صحيح أو ناقص. (10) إذا قام من دون إذن من رئيس المحكمة المختصة بوفاء كل أو بعض الديون التي نشأت قبل صدور قرار تعليق المتابعات الفردية، أو أجرى عملا من أعمال التصرف خارج نطاق الاستغلال العادي للمؤسسة، أو أيضا قام بمنح ضمان.

وتنص المادة 1451 م.ت. على أنه يعاقب المتفالس بالحبس من سنة إلى 5 سنوات أو بغرامة من 100000 إلى 800000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، إضافة إلى هذه العقوبة الأصلية هناك عقوبة تكميلية وجوبية تتمثل حسب ما جاء في المادة 1452 في سقوط الأهلية الجنائية.

ثانيا: الجرائم الأخرى المشابهة

هي الجرائم التي يرتكبها الأغيار وأمين التفليسة والدائنون المرتبطة بجريمة التفالس([22])، حيث يعاقب بنفس عقوبات التفالس حسب المادة 1453 م.ت.

« – الأشخاص الذين اختلسوا أو أخفوا ما اختلس غيرهم أو ستروا كلا أو جزءا من الأموال المنقولة أو العقارية لفائدة الأشخاص المشار إليهم في المادة 1432 م.ت.

– الأشخاص الذين صرحوا تدليسيا بديون وهمية أثناء المسطرة سواء باسمهم أو بواسطة الغير».

 

                       فهرس المحتويات

مقدمة 2

المطلب الأول: تحقق دعوى المسؤولية 3

الفقرة الأولى: دعوى تسديد الخصوم 3

أولا: المسيرون المستهدفون. 4

ثانيا: شروط المسؤولية عن تسديد الخصوم 7

الفقرة الثانية: النظام القانوني لدعوى التصريح بالإفلاس.. 10

أولا: التصريح بالإفلاس الشخصي. 10

ثانيا: إجراءات تطبيق العقوبات المالية ضد المسير. 12

المطلب الثاني: العقوبات والمسؤوليات ذات الارتباط بالنظام العام 14

الفقرة الأولى: سقوط الأهلية التجارية 14

أولا: الحالات التي يمكن الحكم بسقوط الأهلية التجارية 14

ثانيا: الإجراءات والآثار الناجمة عن سقوط الأهلية 16

الفقرة الثانية: العقوبات الجزائية 18

أولا: جريمة التفالس.. 19

ثانيا: الجرائم الأخرى المشابهة 21

فهرس المحتويات. 22

 

[1] – فاتحة شماش، أزمة صعوبات المقاولة، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، آكدال، كلية الحقوق القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة 2006-2007، ص 23.

[2] – علال فالي، مساطر معالجة صعوبات المقاولة، الطبعة الثانية، 2015، ص 336.

[3] – علال فالي، مرجع سبق ذكره، ص: 338.

[4] – محمد سالم ولد اماه، مسؤولية مسيري المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية، المدرسة الوطنية للإدارة، السنة 2004، ص: 11.

[5] – منتدى البحث العلمي، العدد الثالث، ربيع الأول: 2000، ص: 102-103.

[6] – علال فالي، مرجع سبق ذكره، ص: 335.

[7] – محمد الإدريسي المشيشي، هل يحق للمساهم مقاضاة الشركة التي يعتبر مساهما فيها للحصول على تعويض لجبر الضرر الحاصل له، مجلة المحاكم المغربية، العدد 91، دجمبر 2000، ص 17.

[8] – علال فالي ص 352.

[9] – هذه المادة تم تعديلها بالقانون رقم 032/2005 الذي يعدل ويكمل ويلغي بعض أحكام القانون 05/2000 حيث تم التوسع في حالات التصريح بالإفلاس الشخصي، كذلك تم استبدال عبارة “من طرف التسوية أو التصفية القضائية تجاه كل مسؤول” بعبارة: التصريح بالإفلاس الشخصي.

[10] – محمد لفروجي، صعوبات المقاولة والمساطر الكفيلة بمعالجتها، ط1 فبراير 2000 ص: 428.

[11] – محمد لفروجي، مرجع سبق ذكره، ص: 428.

[12] – عزيز جبروني، التسوية والتصفية القضائية للمقاولة، ط1/ 2000 ص: 62.

[13] – محمد لفروجي، مرجع سابق، ص: 424.

[14] – المادة 182 وما بعدها من القانون الفرنسي الصادر 25/01/1985م.

[15] – محمد لفروجي، ص 430.

[16] – المشرع وقع في تناقض حيث أحال في المادة 1442 م.ت. أن المحكمة يمكنها أن تنطق عند الاقتضاء بسقوط الأهلية في حالة اقترف المسير أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة 1436 م.ت. وفي حالة النطق بسقوط الأهلية لا يمكن أن تقل عن 5 سنوات، في الوقت الذي نص في المادة 1436 م.ت. أن العقوبة لا يمكن أن تقل عن 3 سنوات، كذلك نص في المادة 1436 م.ت. أن المسير يتعرض للإفلاس الشخصي في حالة لم يصرح خلال 30 يوما من التوقف عن الدفع، وفي المادة 1443 م.ت. في حالة لم يصرح خلال 15 يوما.

[17] – عزيز جبروني، مرجع سابق، ص: 65.

[18] – محمد لفروجي، ص 335.

[19] – نور الدين لعرج، مساطر صعوبات المقاولة، ط2016 ص 234.

[20] – شكري السباعي، الوسيط في القانون التجاري المغربي، ج4 الإفلاس، ص 669.

[21] – عزيز جبروني، مرجع سابق، ص 65.

[22] – محمد لفروجي، مرجع سابق، ص: 241.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى