في الواجهةمقالات قانونية

مستجدات قانون التنظيم القضائي رقم 38.15 قراءة في مستجد حذف الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية – الطالب الباحث يوسف بنشهيبة عن كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش

 

مستجدات قانون التنظيم القضائي رقم 38.15

قراءة في مستجد حذف الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية
الطالب الباحث يوسف بنشهيبة عن كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش

لا شك أن الجميع على علم بالمستجدات التي طرأت على قانون التنظيم القضائي المغربي  38.15.

لا يخفى عليكم أن مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي قد مر من مرحلة هامة جدا ، وهي مرحلة مراقبة دستورية القوانين وهي تجربة فريدة عرفها دستور المملكة ، هذه المهمة أنيطت بالمحكمة الدستورية التي قامت بترتيب مجموعة من الأثار القانونية الصادرة بتاريخ 8 فبراير 2019 تحت رقم 89/19 م. د. أ

وتهم هذه الأثار القانونية تعديل مجموعة من المواد وهي منشورة على موقع مجلس النواب الإلكتروني.

ولعل أبرز التعديلات والتي لا نتحفظ عليها ونراها غير صائبة من الناحية القانونية والعملية والتي هي محل صلب هذا المقال القانوني ولنا ملاحظات متواضعة بشأنها ونسأل الله التوفيق والسداد ، وهو التعديل القاضي بحذف الغرفة الإستئنافية من تأليف المحكمة الإبتدائية.

المحاكم الإبتدائية هي صاحبة الولاية العامة للنظر في كافة القضايا ما لم يكن هناك نص صريح يمنح الإختصاص لمحكمة أخرى.

قانون التنظيم القضائي رقم 38.15 و قانون المسطرة المدنية قد خص أو قد جعل من المحاكم الإبتدائية إلى جانب الاختصاصات الموكولة إليها إحداث غرفة تسمى الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية ، والتي كانت تمكن المتقاضي من إستئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة الإبتدائية بالغرفة الإستئنافية بنفس المحكمة دون عناء إستئنافها أمام المحكمة الإستئنافية ومشقة التنقل إلى مدن أخرى تتواجد بها هذه المحاكم ، هذه الغرف الإستئنافية كانت لها صلاحية البث في القضايا المحددة القيمة في 20.000 ألف درهم ، وتبقى محكمة الإستئناف هي المختصة في جميع القضايا التي تتجاوز المبلغ السالف الذكر ، بالطبع مع مراعاة أحكام الفصل 12 من قانون المسطرة المدنية.

هذا التوجه هو تأكيد من المشرع على فكرة أساسية وهذا ما نستشفه من الفصل 24 والفصل 141 من قانون المسطرة المدنية اللذان حدد فيهما المشرع إختصاص الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية إلى جانب الإختصاصات الموكولة إلى محكمة الاستئناف ، وكانت فلسفة المشرع من هذا التوجه تقتضي تقريب القضاء أو العدالة من المواطن بالإضافة إلى تخفيف الضغط على محاكم الإستئناف ، الشيء الذي يفهم منه على أن بعض القضايا المعروضة على المحاكم الإبتدائية والتي تستأنف في نفس المحكمة أي الغرفة الإستئنافية ليست بالقضايا ذات الأهمية أو الضرورة والتي تحتاج إلى أن تستأنف أمام محاكم الإستئناف ، وهذا هو التوجه الصحيح الذي سار عليه المشرع في السابق من خلال العمل على تصنيف القضايا من قضايا عادية أقل أهمية وأخرى قضايا ذات أهمية كبرى ، والتي كانت هي الحكم في توجه  وفلسفة المشرع في تأليف المحاكم والتوزيع الوظيفي لها ، وهذا كان له وقع إيجابي على حصيلة المحاكم الإستئنافية من خلال عملها على القضايا ذات الأهمية الكبرى.

كما هو الأمر حينما قام المشرع بإحداث قضاء القرب بموجب القانون رقم 42.10 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.151 الصادر بتاريخ 17 غشت 2011 الذي كان يهدف إلى التخفيف من حدة العمل الملقى على عاتق المحاكم الإبتدائية ، بالإضافة إلى أن قضاء القرب يتميز بكون المساطر والإجراءات فيه تتسم بنوع من المرونة والسهولة والسرعة والشفوية والمجانية والإعفاء من الرسوم والمصاريف القضائية.

بالرجوع إلى الفصل 19 من قانون المسطرة المدنية والذي نص على أن المحكمة الإبتدائية تختص بالنظر إبتدائيا مع حفظ حق الإستئناف أمام غرفة الإستئنافات بالمحاكم الإبتدائية إلى غاية 20.000 ألف درهم وهذه الفقرة هي مربط الفرس لدينا.

 

 

 

 

المستجدات الجديدة التي شهدها قانون التنظيم القضائي المغربي قضت بحذف الغرفة الإستئنافية من المحكمة الإبتدائية ، وهذا يترجم سياسة ورؤية المشرع في نقل الإختصاص من الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الإبتدائية إلى محكمة الاستئناف ، بالإضافة إلى كون المشرع قد فطن إلى ضرورة إحترام مبدأ مهم من مبادئ التنظيم القضائي ألا وهو مبدأ التقاضي على درجتين والذي يضمن حقوق الدفاع وهذا ما تم التنصيص عليه سواء في قانون التنظيم القضائي أو على مستوى قانون المسطرة المدنية.

هذا المبدأ يكفل للمتقاضين الحق في رفع قضاياهم على درجتين محاكم الأول درجة ومحاكم الثانية درجة.

بل وأكثر من هذا هناك بعض الآراء والتوجهات القانونية والقضائية التي ترى أن مكونات كلا من المحكمتين المحكمة الإبتدائية والمحكمة الإستئنافية مختلفة جدا ، وهذا الإختلاف ليس فقط في التشكيلة ولكن في جوهر هذه التشكيلة ، المحكمة الإبتدائية تتكون التشكلية من قضاة المحكمة الإبتدائية إلى غيره ، في حين نجد المحكمة الإستئنافية تتكون من مستشارين ولهذه الأخيرة خبرة وكفاءة ودراية بالقضايا المحالة إليها والتي هي محل الإستئناف أكثر من قضاة المحكمة الإبتدائية ، بالإضافة إلى كون المستشارين أكثر تجربة لأنهم لا يلتحقون بمحكمة الإستئناف إلا بعد قضاء عدة سنوات من الممارسة والتمرس في المجال القضائي.

هذا التعديل لا نسايره بكل تواضع ، وهو التعديل القاضي بحذف غرفة الإستئنافات بالمحكمة الإبتدائية إلى جانب الإعتبارات الأخرى التي قد فطن إليها المشرع أو الآراء والتوجهات القانونية و القضائية الأخرى ، هذا التعديل قد يحد أو قد يخلق مشكل لدى بعض المتقاضين ممن لا تتواجد محاكم إستئنافية بالمدن أو المراكز القاطنين بها ، بل والأكثر من هذا وجود بعض المتقاضين في حالة عسر وعجز مالي وبدني ، يمنعهم من التنقل إلى مدن أخرى من أجل إستئناف أحكام صدرت في حقهم.

وفي رأينا الشخصي المتواضع ، نعتقد أن المشرع في هذا التعديل على وجه الخصوص قد تناقض شيئا ما مع فكرة وسياسة تقريب القضاء أو العدالة من المواطن ، و تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقضاء والتقاضي  و نحب أن نسميه التقريب المادي لحق المواطن في التقاضي أو تقريب الجهات القضائية من المواطن.

والإعتبار القاضي باحترام مبدأ التقاضي على درجتين نرى أن المشرع لم يكن موفقا في هذا الطرح فقد كانت إرادة المشرع تنصرف إلى جعل هذا المبدأ مبدأ جامد غير مرن  كيف ؟

المبدأ الجامد والذي يستشف من خلال نقل إختصاصات الغرفة الإستئنافية بالمحاكم الإبتدائية إلى المحاكم الإستئنافية وحصر هذه الإختصاصات في المحكمة الإستئنافية دون غيرها ، للحفاظ على مبدأ التقاضي على درجتين وعدم سن أحكام مخالفة له إلا إذا كانت الضرورة تقتضي ذلك في حالات إستثنائية ، ولما قام المشرع بإحداث الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية كان الضرورة تقتضي ذلك.

من أجل مأسسة فكرة وسياسة تقريب القضاء من المواطن بالإضافة إلى تخفيف الضغط على محاكم الإستئناف كما أشرنا سابقا ، ولا ننسى أن الضرورة أصبحت تقتضي السرعة والمرونة في العمل القضائي بالموازنة مع السهر على تحقيق العدالة والإنصاف المنشودين.

هذا التعديل سيتقل كاهل محاكم الإستئناف كما سبق القول ، لأن بعض المنازعات التي لا تتجاوز قيمتها  20.000 ألف درهم والتي نعتبرها قضايا بسيطة عادية وحتى المبالغ المتنازع بشأنها زهيدة لا حاجة لأن تستأنف أمام المحكمة الإستئنافية ما دامت الغرفة الإستئنافية كانت تقوم بهذه المهمة سابقا ، والأكثر من هذا يكفي القول أن المحاكم الإستئنافية تعرف ضغطا كبيرا على مستوى القضايا المعروضة عليها ، قس على ذلك تركيبة وتأليف المحاكم الإستئنافية أوسع نطاق من المحاكم الإبتدائية إلى جانب مجموعة من المهام التي أوكلت للقيام بها المحاكم الإستئنافية ، هذا التعديل سيخلق مشكل آخر وهو إطالة للمساطر والإجراءات وضياع الوقت على المتقاضين.

الآن أصبحت المحاكم الابتدائية مختصة بالنظر إبتدائيا مع حفظ حق الإستئناف أمام محاكم الإستئناف في جميع الطلبات سواء كانت أقل من 20.000 ألف درهم أو أكثر من ذلك.

وردا على الرأي القائل باختلاف كفاءات قضاة المحاكم الإبتدائية وقضاة المحاكم الإستئنافية ، نرى أن وزارة العدل لها من الإمكانات ما يخول لها حل هذه الإشكالية. ولنا حل متواضع في هذا الصدد ، وهو إعداد أو تكوين قضاة المحاكم الإبتدائية وعلى وجه الخصوص قضاة الغرفة الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية ، وهذا ردا على الرأي القائل باختلاف كفاءات قضاة المحكمة الإبتدائية عن قضاة المحكمة الإستئنافية ، و أشير ولله الحمد وبعد إطلاعنا على الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف الغرف الإستئنافية بالمحاكم الإبتدائية للمملكة نفتخر بأن سلك القضاء يزخر بالكفاءات ، الشيء الذي نفتخر به ولله الحمد ، بالرغم من وجود بعض الملاحظات المتواضعة على بعض الأحكام ، وهذا لا يزيد إلا حرصا على العمل على إصلاح وتجويد منظومة العدالة.

أما فيما يخص الخريطة القضائية للمملكة فنرى بكل تواضع أن المشرع وجب عليه أن يكتف من عدد المحاكم الإبتدائية والإستئنافية ، هذا وإن لم نقل أن الوضعية الآن أصبحت تتطلب خلق محاكم إدارية ومحاكم تجارية في العديد من الأقاليم نظرا لعدد المنازعات والقضايا التي أصبحت تسجل في الساحة القانونية مع تطور أشكال المعاملات ، وذلك تفاديا للمفارقة القضائية المجالية على مستوى الولوج للقضاء بالمغرب.

ولا يخفى عليكم أن هذا الطرح المتواضع لنا يطرح في نفس الوقت إشكالية نقص الموارد البشرية ، وهذا بلا شك يطرح مشكل الخصاص في سلك القضاء ومشكل آخر يضاف وهو الذي نعتبره المصدر ألا وهو ما مدى مسايرة المعهد العالي للقضاء للخصاص الحاصل على مستوى الموارد البشرية بالمؤسسات القضائية ، نقول أن الخريطة القضائية بالمملكة لازالت تعرف إكراهات واقعية وقانونية.

 

ونختم بالقول على أن التعديل السابق الذكر لم يكن مطلقا صائبا وهو ما يتعارض مع فكرة وسياسة تقريب القضاء والعدالة من المواطن والإتجاه نحو خريطة قضائية تقلص المفارقة القضائية المجالية ، ولعله بذلك يمكن القول أيضا أن التقريب المادي ليس كافيا فقط ، بل يجب أن يقترن بالثقة والراحة والطمأنينة التي يطلع أن يشعر بها المواطن المتقاضي وهو يلج إلى الجهات القضائية وهو متأكد ويعلم علم اليقين أن العدالة قائمة والحق قائم والقانون في جانبه ، في نفس الوقت الذي تتجه فيه المملكة نحو دولة الحق والقانون ونحو رقمنة الجهاز القضائي.

ولا شك أن موضوع تقريب العدالة أو القضاء من المواطن يطرح كما سبق وأن أشرنا العديد من الإشكالات القانونية والعملية وتتحكم فيها مجموعة من المقاربات.

ولدينا مجموعة من الملاحظات المتواضعة التي سنتطرق إليها في قادم الأيام بحول الله وقوته والتي تخص مستجدات التنظيم القضائي المغربي

رقم 38.15.

يوسف بنشهيبة طالب باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى