مسطرة الاستفادة من التعويض عن حوادث الشغل في ظل القانون 12.18
كان للتقدم العلمي والتطور التكنولوجي الذي يشهده عالم اليوم ، الأثر المباشر على محيط الشغل وظروفه في جميع مجالاته ، إلا أن هذا التقدم وبسبب المكننة أدى إلى كثرة الحوادث التي تصيب الأجراء بسبب سوء استغلالها او لعدم توفر السلامة المهنية ، لذلك ثم الاهتمام وبشكل مستمر بمواضيع المخاطر المهنية كنتيجة حتمية للاتساع المستمر لهذه المخاطر التي أضحت تشكل جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان ، وهذا ما أدى إلى البحث وبقوة عن وسائل فعالة تسعى إلى تحقيق ما يسمى ب ” الحماية الاجتماعية”وذلك باعتبارها محركا أساسيا للتنمية الاجتماعية ، وعنصرا بارزا في بلورة التضامن بين مختلف فئات المجتمع ، كما تعد آلية مهمة تدمج مبادئ المساواة الاجتماعية وحقوق الإنسان لتحسين الرفاه العام لجميع المواطنين بمختلف فئاتهم .
من هنا ظهر في القانون الاجتماعي شق يعنى بالأخطار المهنية التي قد يتعرض لها الأجير أثناء القيام بعمله أو بمناسبة ذلك، في إطار تشريع يعنى بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وحوادث الطريق، وذلك من خلال قواعد متميزة ومغايرة للمبادئ العامة التي تؤطر أحكام المسؤولية المتعارف عليها في إطار قواعد القانون المدني.
وفي هذا الصدد عمل المشرع المغربي على محاولة تكريس هذه الحماية من خلال القانون 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل الصادر في 22/01/2015 ليحل محل ظهير 28/02/1963، هذا الأخير الذي عرف انتقادا واسعا من طرق الباحثين والممارسين، حيث يتضح بجلاء قصور ظهير 6 فبراير 1963 على حماية الأجير المتضرر بحوادث الشغل بدءا من صياغته مرورا بإجراءاته الطويلة والمعقدة وغياب شبه تام للقواعد المتعارف عليها في مجال المخاطر المهنية انتهاء بالتعويضات الهزيلة وضمانته غير الفعالة.
وقد جاء القانون 12.18 بعدة مستجدات على مستوى مسطرة التعويضات التي أقرها، إلى درجة نكاد معها نؤكد أنها مسطرة مغايرة تماما للمسطرة التي كان ينص عليها ظهير 1963، خاصة بالنسبة للمسطرة الإدارية.
انطلاقا من هذا التقديم الذي كان لابد منه، يمكننا طرح الإشكال التالي:
ما هي المسطرة التي جاء بها القانون 12.18 للاستفادة من التعويض؟
يمكن القول أن مسطرة الاستفادة من التعويضات في ظل القانون 12.18، تمر عبر مرحلتين، المرحلة القضائية ( المحور الأول)، والمرحلة القضائية ( المحور الثاني).
المحور الأول: المرحلة ما قبل القضائية
تمر هذه المرحلة بعدة إجراءات كالتالي:
أولا: الإخبار بالحادثة
تنص المادة 14 من القانون 12.18 على ما يلي:” يتعين على المصاب بحادثة شغل أو ذوي حقوقه أو من يمثلهم أن يخبر بها المشغل أو أحد مأموريه أو أن يعمل على إخباره بها في اليوم الذي طرأت فيه الحادثة أو في ظرف الثمانية والأربعين ساعة على أبعد تقدير ، ماعدا في حالة القوة القاهرة أو الاستحالة المطلقة أو لأسباب مشروعة.
ويتعين على المشغل ، فور إخباره بالحادثة ، أن يسلم المصاب بالحادثة أو لذوي حقوقه أو من يمثلهم شهادة تتضمن ، على الخصوص ، اسمي المشغل والمصاب بالحادثة وعنوانهما ونوع الحادثة وتاريخ وقوعها واسم المقاولة المؤمنة ورقم بوليصة التأمين ورقم تسجيل المصاب بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويحدد نموذج هذه الشهادة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل”.
ما يعاب على هذه المادة هو أن المشرع لم يقيد عملية إخبار المشغل بوسيلة معينة، الشيء الذي يطرح إشكال بخصوص كيفية إثبات قيام المشغل المصاب أو ممثله بعملية الإخبار متى امتنع المشغل عن تسليمه الشهادة المذكورة.
ثانيا: إخبار المدير الاقليمي للشغل بالحادثة
تنص المادة 17 من نفس القانون بأنه يجب على المشغل إخبار المدير الإقليمي للتشغيل بكل حادثة شغل وقعت في دائرة اختصاصه الترابي ، خلال الأجل المحدد في الفقرة الأولى من المادة 15 أعلاه ، وموافاته ، عند الاقتضاء ، مقابل وصل بالإيداع بنسخة من التصريح بالحادثة داخل أجل الخمسة أيام الموالية لتاريخ إيداعه لدى المقاولة المؤمنة. ماعدا في حالة القوة القاهرة أو الاستحالة المطلقة أو لأسباب مشروعة ، أو إرساله إليه بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتوصل.
وتتجلى الغاية أو الغرض من عملية التصريح هذه، إحداث آثار قانونية، باعتبار التصريح بالحادثة هو مرحلة تحضيرية لمرحلة الصلح مع شركة التأمين.
ثالثا: التصريح بالحادثة
تنص المادة 15 من القانون 12.18 على أنه يجب على المشغل أو أحد مأموريه أن يصرح للمقاولة المؤمنة بكل حادثة أخبر بها أو علم بها ، ولو استمر المصاب بالحادثة في العمل ، خلال الخمسة أيام الموالية لتاريخ وقوعها على أبعد تقدير ، ماعدا في حالة القوة القاهرة أو الاستحالة المطلقة أو لأسباب مشروعة..
يتم التصريح المشار إليه أعلاه إما بإيداعه مباشرة لدى المقاولة المؤمنة للمشغل مقابل وصل بالإيداع أو يرسل بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتوصل. ويحدد نموذج التصريح بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل.
وفي هذا الصدد أصدرت المحكمة الابتدائية ببركان حكما بتاريخ 13/05/2015 في الملف عدد 24/2015 قضت فيه بعدم قبول الدعوى لكون المشغل لم يقم بالتصريح بالحادثة أمام شركة التأمين، وصرح بها أمام السلطة المحلية معللة ذلك ب:” وحيث لما وقعت حادثة الشغل موضوع الدعوى بتاريخ 20/02/2015 أي بعد22/01/2015 تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، ولما نسخ هذا القانون مقتضيات طهير 1963 بما فيها إمكانية رفع دعوى حادثة الشغل من خلال تصريح المشغل بها أمام السلطة المحلية أو الشرطة أو الدرك وإحالة ذلك التصريح على المحكمة، واستعاض عن ذلك بمسطرة خاصة متى كان المشغل مبرما لعقد التأمين كما هو الأمر في نازلة الحال، وذلك من خلال القيام بالتصريح بالحادثة للمشغل وقيام هذا الأخير بالتصريح بالحادثة لمقاولة التأمين طبقا للمادة 14 وما بعدها من القانون 12.18، مع إلزام المصاب بالحادثة بتتبع مسطرة الصلح مع المقاولة المؤمنة للمشغل قبل القيام بالإجراءات القضائية وذلك عملا بمقتضيات المادة 132 من القانون 12.18، فإن الدعوى وفي ظل غياب ما يفيد تتبع المصاب لمسطرة الصلح مع شركة التإمين تبقى سابقة لأوانها، وحيث أن مقتضيات القانون 12.18 تعد من النظام العام وتثيرها المحكمة تلقائيا استنادا إلى المادة 2 من ذات القانون ، وحيث أنه تبعا لذلك يتعين التصريح بعدم قبول الدعوى”.
رابعا: إيداع الشواهد الطبية
كما سبقت الإشارة إلى أن المشغل يرفق التصريح بالحادث بالشهادة الطبية الأولية، وهذا الأمر يقتضي من المصاب أو ذوب حقوقه أو من يمثلهم، الحصول من عند الطبيب المعالج على هذه الشهادة التي يحررها في أربعة نظائر، شهادة طبية أولية تتضمن حالة المصاب بالحادث والنتائج المترتبة عنها وكذا المضاعفات المحتملة لها وعلى الخصوص المدة المحتملة للعجز المؤقت عن العمل إذا كانت النتائج غير محددة بدقة.
ويتعين على المصاب أو ذوي حقوقه أو من يمثلهم موافاة المشغل مباشرة بثلاث نظائر من هذه الشهادة داخل الأربع والعشرين ساعة الموالية لتاريخ تحريرها ، ما عدا في حالة القوة القاهرة أو الاستحالة المطلقة أو لأسباب مشروعة، ليعمل على إيداع نظير منها لدى مقاولة التأمين داخل أجل 48 ساعة من تاريخ التوصل بها.
بعد كل ما سبق يكون الملف لدى الشركة المؤمنة مستجمعا لكافة مكوناته ، وبالتالي تكون المرحلة الموالية هي إجراء الصلح.
خامسا: مسطرة الصلح
تعد هذه المسطرة، مرحلة قبلية على المرحلة القضائية، وقد أطرها القانون 12.18 في القسم الخامس( مسطرة التعويض والمنازعات)، الباب الأول( مسطىة الصلح) المواد من 132 إلى 140.
حيث نصت المادة 133 من نفس القانون على:” يقصد بالصلح ، حسب مدلول هذا القانون ، الاتفاق المبرم بين المصاب بالحادثة أو ذوي حقوقه والمقاولة المؤمنة للمشغل من أجل تمكينهم من الاستفادة من المصاريف والتعويضات المنصوص عليها في المادة 37 أعلاه وتلك المنصوص عليها في القسم الرابع من هذا القانون.
ويتم إثبات الاتفاق المتوصل إليه بين الطرفين في محضر يسمى محضر الصلح يحدد نموذجه بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل.
ويعتبر الاتفاق المبرم نهائيا وغير قابل لأي طعن أمام المحكمة الابتدائية المختصة ماعدا إذا كانت المصاريف والتعويضات الممنوحة للمصاب أو لذوي حقوقه أو مبلغها يقل عن تلك المضمونة في هذا القانون“.
بعدها يجب على المقاولة المؤمنة للمشغل تقديم عروض المصاريف والتعويضات للمصاب أو ذوي حقوقه داخل أجل أقصاه ثلاثين يوما من تاريخ إيداع شهادة الشفاء أو الوفاة أو التوصل بها.
ثم يأتي دور المصاب أو ذوي حقوقه الذي يتعين عليهم ان يخبروا المقاولة المؤمنة بقبول أو رفض عروض المصاريف والتعويضات المقدمة داخل اجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ التوصل بالعروض. وهنا نكون امام حالتين:
في حالة وافق المصاب أو ذوي حقوقه:
هنا يتم التوقيع على محضر الصلح المشار إليه سابقا من طرف الممثل القانوني للمقاولة المؤمنة والمصاب أو ذوي حقوقه، ويتم التأشير عليه عند الاقتضاء من طرف المشغل. ويتعين على المقاولة المؤمنة للمشغل موافاة السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل بنسخة من محضر الصلح داخل أجل أقصاه ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ التوقيع عليه.
في حالة رفض عروض المصاريف والتعويضات المقترحة صراحة أو ضمنا
في هذه الحالة يمكن للمصاب أو ذوي حقوقه إقامة دعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة للبت في طلب التعويض عن الأضرار المترتبة عن حادثة الشغل .
يعتبر عدم جواب المصاب بالحادثة أو ذوي حقوقه داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 135( 30 يوما الموالية من تاريخ التوصل بالرسالة) بمثابة رفض ضمني لعروض المصاريف والتعويضات المقدمة من طرف المقاولة المؤمنة للمشغل.
عند رفض المصاب أو ذوي حقوقه للعروض المقدمة من طرف الشركة المؤمنة وعدم التوفق في تحقيق الصلح معها، يتم الانتقال إلى المرحلة القضائية( المحوى الثاني).
المحور الثاني: المرحلة القضائية( حالة فشل الصلح)
جاء في مضمون المادة 138 من القانون 12.18 أنه يتم اللجوء إلى القضاء بعد فشل مسطرة الصلح غير القضائية، وذلك بواسطة مقال افتتاحي للدعوى ممن له الصفة والمصلحة ( الاجير المصاب أو ذوي حقوقه)تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلل، مما يدل على ان المشرع اشترط المسطرة الكتابية في دعاوى حوادث الشغل، وفي هذا الصدد جاء غي حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بسلا عدد 817، صادر بتاريخ 06/05/2016 عدد 309/16/1502 ” باشر الأجير المصاب دعواه بمقتضى تصريح منجز للسلطة المحلية بسلا،إلا أن المحكمة ردت بأنه “وتطبيقا للقانون رقم12/18خاصةا لمادة 138 منه ،فإن دعوى التعويض عن حوادث الشغل يتعين أن يباشرها المصاب أمام المحكمة الابتدائية المختصة بواسطة مقال افتتاحي الأمر الذي تكون معه هذه الدعوى مختلة شكلا ويتعين الحكم بعدم قبولها“.
تنصيب محامي
إذا كان تنصيب المحامي اختياريا في إطار الصلح غير القضائي، فإن الأمر يختلف كل الاختلاف عندما نتحدث عن المرحلة القضائية، ذلك أن تنصيب المحامي في القضايا الاجتماعية إلزامي،وهذا التنصيص القانوني تم تكريسه على مستوى الاجتهاد القضائي المغربي في العديد من قراراته ،حيث يقضي بعدم قبول الدعوى في حالة عدم تنصيب المحامي في القضايا الاجتماعية ،وهكذا جاء في حكم
المحكمة الابتدائية بسلا في إحدى حيثياته ما يلي:
” وحيث أن الثابت في محضر الجلسة أن المحكمة أشعرت الطرف المدعي بإصلاح المسطرة وتقديم المقال بواسطة محام وأهمل ذلك.
وحيث أن عدم تقديم مقال الدعوى بواسطة محام وفقا لمقتضيات الفصلين 31 و32 من قانون المحاماة الدعوى على شكلها الحالي معيبة،ولا يسع المحكمة إلا التصريح بعدم قبولها.
وحيث أن خاسر الدعوى يتحمل مصاريفها طبقا للفصل 124 من قانون المسطرة المدنية، مما قررت معه المحكمة إبقاء الصائر على عاتق الطرف المدعي
ولهذه الأسباب حكم المحكمة علنيا وابتدائيا ،حضوريا للمدين وغيابيا للمدعى عليهم في الشكل بعدم قبول الدعوى وإبقاء العائد على رافعها.”
تمتيع الأجير المصاب بالمساعدة القضائية
جاء في منطوق المادة 193 من القانون 12.18 على أنه يتحمل المشغل أو مؤمنه ، بحكم القانون ، الصوائر القضائية ومصاريف المساعدة القضائية الممنوحة للمصابين بحوادث الشغل طبقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
كما يتحمل المشغل أو مؤمنه جميع المصاريف غير المنصوص عليها في هذا القانون والتي يتطلبها تنقل المصاب من أجل تلقي العلاج أو إجراء الفحوصات والخبرة الطبية.
كما نص الفصل 273 من قانون المسطرة المدنية على أنه يستفيد من المساعدة القضائية بحكم القانون العامل مدعيا أو مدعى عليه أو ذوي حقوقه في كل دعوى بما فب ذلك الاستئناف.
وتسري آثار مفعول المساعدة القضائية بحكم القانون على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية.
من خلال ما جاء أعلاه، نلاحظ أن المشرع قد متع الأجير المصاب بحادثة شغل بالمساعدة القضائية، وذلك في المرحلة الابتدائية والاستئناف.
ختاما يمكن القول بأن المشرع قد نص على مجموعة من المقتضيات الدقيقة فيما يتعلق بالإجراءات الواجب إتباعها من طرف المصاب بحادثة شغل أو ذوي حقوقه للاستفادة من التعويض في ظل القانون 12.18. رغم حذفه لمرحلة البحث المنصوص عليها في ظهير 1963 ذلك أن معرفة وضعية الأجير المصاب ونوع العلاقة التي تربطه بالمشغل مهمة بالنسبة للقاضي…