في الواجهةمقالات قانونية

مفهوم نفقات الاستثمار فيما يتعلق بالضريبة على الأرباح العقارية وتطبيقاتها أمام القضاء المغربي

 

مفهوم نفقات الاستثمار فيما يتعلق بالضريبة على الأرباح العقارية وتطبيقاتها أمام القضاء المغربي

 

ذ/ أحمد بلا                                                                             مصطفى نجاح                                

باحث في القانون                                                                    باحث في القانون                                                        

 

 

 

 

تشكل نفقات الاستثمار (Les dépenses d’investissement)  مجالا خصبا لمجموعة من المنازعات الضريبية التي تعرض على المحاكم الإدارية بالمغرب، ذلك أن تحديد مفهومها وتطبيقاتها العملية، وكذا على من يقع عبئ إثباتها كلها إشكاليات تثار أثناء عرض النزاع أمام القضاء، بحيث إن إدارة الضرائب تعمد في بعض الحالات إلى رفض اعتماد مبلغ نفقات الاستثمار المصرح بها من طرف الملزم أثناء تقديم إقراره بعملية بيع عقاره الخاضعة للضريبة على الدخل (الأرباح العقارية)، وذلك إما بشكل جزئي أو كلي، وهي العملية التي تسمى إعادة تقدير نفقات الاستثمار غير المبررة، وتؤسس إدارة الضرائب رفضها اعتماد هذه النفقات في بعض الحالات على كون الوثائق المدلى بها لإثبات نفقات الاستثمار لا تتعلق بالنفقات المصرح بها فعلا بل تتعلق بنفقات أخرى غير مستثمرة في العقار المبيع، وفي أحوال أخرى تستند على أن المدعي لم يثبت النفقات المصرح بها بأي وثيقة معتبرة قانونا، وتستبعد تبعا لذلك الأخذ بها وتحرم الملزم من الاستفادة من طرح مبلغ نفقات الاستثمار من ثمن التفويت.

فما المقصود إذن بنفقات الاستثمار؟ وعلى من يقع عبئ إثباتها؟ وما هي مختلف التطبيقات العملية التي ترتبط بها؟

ولمحاولة مناقشة الأسئلة المطروحة سوف نعمل على إبراز العمل القضائي (لمحكمة النقض وقضاء الموضوع) الذي تناولها في أحكامه، واستجلاء كيفية تعامل إدارة الضرائب مع هذه النفقات والحالات التي تقوم باعتمادها ثم الحالات التي تقوم فيها باستبعاد نفقات الاستثمار المصرح بها.

أولا/ مفهوم نفقات الاستثمار:

عرفت المادة 65 من المدونة العامة للضرائب في بندها الثاني نفقات الاستثمار بأنها النفقات المثبتة في تجهيز الأرض والبناء وإعادة البناء والتوسيع والتجديد والتحسين المثبتة بصفة قانونية.

وتشمل نفقات الاستثمار أيضا الفوائد البنكية الناتجة عن القروض الممولة للاستثمارات المنجزة بالعقار.

هكذا، تمثل نفقات الاستثمار جميع ما أنفقه البائع على العقار المبيع من أجل بناءه وإصلاحه فعلا والتي تم التأكد منها وتقديرها، أما المبالغ التي يمكن استنتاجها مما استفاد منه البائع من خصم من الضريبة على القيمة المفروضة على العقار لا يقوم حجة على مبلغ النفقات الحقيقية لما استثمره فعلا في العقار. إذ جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 11/04/2007 ما يلي:

” وحيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف باعتماده على تقرير خبرة لايستند على الواقع والقانون ولا على وثائق الإثبات كما ان عدم جواب الحكم على دفوع الإدارة يشكل خرقا لحقوق الدفاع ، فمن جهة أقحم الخبير صوائر العقد مرتين في نفقات الاستثمار ، ومن جهة ثانية ادخل في تقديراته مرافق لم تكن مبنية وقت البيع وإنما بنيت بعده لأنه بيع غير مكتمل البناء ولم تتم المعاينة من طرفه إلا بعد البيع بعدة اشهر ولم يعتمد على اية حجة كتابية لحساب مبلغ النفقات التي تكبدها المستأنف عليه في عملية البناء فجاء خبرته غير مطابقة للواقع والتمس إلغاء الحكم المستأنف وبعد التصدي القول بمشروعية الفرض الضريبي المطعون فيه بالإضافة الى ما سيترتب عنه من فوائد التأخير والغرامات .

لكن فمن جهة ان المستأنف لم يثبت كون البيت والمرحاض بالطابق السفلي وبناء البيت والحمام والمرحاض بالسطح تم بناؤها بعد البيع ومن جهة أخرى فان نفقات الاستثمار تمثل جميع ما أنفقه البائع على العقار المبيع من اجل بناءه وإصلاحه فعلا والتي تم التأكد منها وتقديراته واما المبالغ التي يمكن استنتاجها من ما استفاد منه البائع من خصم من الضريبة على القيمة المفروضة على العقار لا يقوم حجة على مبلغ النفقات الحقيقية لما استثمره فعلا في العقار المذكور مما يكون معه ما أثير في هذا الشأن عديم الأساس.

وحيث صح جزئيا ما نعاه المستأنف على الحكم المستأنف، ذلك أن المستأنف عليه استفاد من خصم صوائر العقد في حدود نسبة 15 % عند تصريحه البيع وما كان على الخبير احتساب صوائر العقد المتمثلة في مصاريف التسجيل بمبلغ 3750 درهم وصوائر التقييد بالمحافظة العقارية بمبلغ 1656 درهم ضمن نفقات الاستثمار، مما يكون معه الحكم الذي صادق على مبلغ نفقات الاستثمار كما حدده الخبير قد جانب الصواب جزئيا ومن المتعين تأييده مع تعديله بخصم مبلغ (3750درهم + 1650 درهم) = 4500 درهم من النفقات المذكورة .”[1]

لكن ما هي نفقات الاستثمار التي يعتد بها وتكون إدارة الضرائب ملزمة باعتمادها؟ هل هي تلك التي تحدث تغييرا في طبيعة العقار مهما كان طبيعة هذا التغيير؟ وكيفما كان هذا التغيير أي هل يتم اعتماد مجرد بناء عشوائي؟ أم يقتضي الامر أن يكون هذا البناء محترما لضوابط البناء والتعمير ومنحت بشأنه رخصة البناء وغيرها من الوثائق الواجبة قانونا؟ وهل يتعين أن تساهم هذه الاستثمارات وجوبا في الرفع من قيمة العقار وتحسينه أم يكفي مجرد إنجازها على العقار دون الالتفات إلى هذا العنصر؟

ففي نازلة، على قدر من الأهمية، عرضت على المحكمة الإدارية بأكادير تمسكت إدارة الضرائب بصفتها مدعية   بأن الملزم -الذي قام ببيع عقاره- لم يقم الدليل على وجود الاستثمارات التي يدعي (المدعى عليه) بأنه قام بإنفاقها على العقار قبل بيعه، بحيث قامت إدارة الضرائب باستبعادها تأسيسا على غياب رخصة البناء والسكن وتصريح بالضريبة على القيمة المضافة لما يسلمه الشخص لنفسه من مباني وضريبة السكن، وأبرزت بأن إدماج تكاليف بناء الفيلا المشيدة فوق البقعة الأرضية موضوع التفويت لا يمكن قبوله ضمن مبلغ الاستثمارات، ولأجل ذلك التمست إدارة الضرائب الحكم بإلغاء مقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة الذي خلص إلى الاحتفاظ بالمبلغ المصرح به من طرف الملزم والمضمنة به نفقات الاستثمار المنجزة واستبعد تبعا لذلك التصحيحات المدخلة من طرف مفتش الضرائب.

قضت المحكمة الإدارية بأكادير برفض الطلب، فاستأنف الحكم من طرف مديرية الضرائب أمام محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش وبعد إجراء خبرة قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبعد التصدي إلغاء قرار اللجنة المحلية موضوع الطعن، إذ جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي ” .. بعد دراستها للقضية تبين لها أن النزاع يتمحور فعلا حول مبلغ الاستثمارات المصرح به من طرف المستأنف ..، وأدلى الخبير بتقريره المؤشر عليه بتاريخ 06/06/2014 أفاد فيه بعد وصفه للعقار بأن هذا الأخير عرف أشغال الترميم والإصلاح العشوائي والتي لا تعتمد على أي تصميم مرخص، كما أنها غير مكتملة، ولا تتوافق مع المعايير المعمول بها من حيث الصلابة والمثانة … ارتأت الحكم باستبعاد هذا الاستثمار باعتبار أن الاستثمارات التي يعتد بها هي التي يستفيد منها العقار وتزيد من قيمة تكلفته…”[2]

وهو القرار المطعون فيه بالنقض من طرف الملزم معيبا عليه عدم رجوع محكمة الاستئناف إلى أصل تملك موروث الملزم والتحقق من كون العقار موضوع الدعوى كان بتاريخ تملك موروث الملزم له عبارة عن أرض عارية أم بقعة مشيد عليها الفيلا.

وتأسيسا على ذلك قضت محكمة النقض بموجب قرارها الصادر بتاريخ 08/12/2016 بنقض القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش استنادا إلى التعليل الاتي: ” في حين أن المقصود بالاستثمار هو كل تغيير دخل على العقار يفيد تغيير طبيعته من أرض عارية إلى أرض بها بناء، علما بأن إدارة الضرائب تمسكت أمام محكمة الموضوع بكون العقار عبارة عن أرض عارية اعتمادا على أصل التملك العائد لسنة 1971 دون الإدلاء به أمام المحكمة والحال أن بها بناء بصرف النظر عن مستواه وطبيعته يقتضي التقييم لإدراجه في تكلفة العقار مما يكون معه القرار المطعون فيه باستبعاده لقيمة المنشآت القائمة على العقار في احتساب قيمة التكلفة المعتمدة في التصحيح الضريبي قد جاء غير مرتكز على أساس وعرضة للنقض.” [3]

ثانيا/ إثبات نفقات الاستثمار المصرح بها:

كانت محكمة النقض تذهب في العديد من قراراتها إلى إلقاء عبئ إثبات كون المرفقات والأبنية التي يدعي البائع أنه شيدها قبل بيع العقار يقع على عاتق إدارة الضرائب التي تكون ملزمة بإثبات كون هذه المنشآت أنجزت بعد عملية البيع، وبالتالي استبعادها من دائرة نفقات الاستثمار، حيث جاء في القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 11/04/2007 المشار إلى مراجعه أعلاه أنه : ” لكن فمن جهة ان المستأنف (إدارة الضرائب) لم يثبت كون البيت والمرحاض بالطابق السفلي وبناء البيت والحمام والمرحاض بالسطح تم بناؤها بعد البيع.”

في مقابل ذلك، ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط إلى أن الملزم مطالب بإثبات الاستثمارات التي قام بها في عقاره المفوت، إذ جاء في قرار صادر عنها بتاريخ 06/01/2014 ما يلي:

” لكن حيث إن المستأنف لم يدل بحجة مقبولة تثبت قيام شريكه بتجهيز الشقة وإتمام بنائها، كما انه لم يدل بحجة مقبولة أيضا تثبت تسليم البناية لنفسه، مما يكون ما أثير في هذا الشأن غير مرتكز على أساس.”[4]

وهو الاتجاه الذي ذهبت فيه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الصادر بتاريخ 20/02/2013، والذي جاء فيه ما يلي:

“وحيث إنه فيما يخص الشق من القرار المطعون فيه المتعلق بنفقات الاستثمار فإن المدعيان لم يدليا بما من شأنه إثبات هذه النفقات ويكون موقف الإدارة بخصوصها مؤسسا مما يتعين معه إلغاء المقرر المطعون فيه جزئيا فيما يخص القيمة التجارية للعقار موضوع التضريب مع تحميل المصاريف للطرفين بحسب النسبة.” (حكم عدد 689، في الملف عدد 326/7/10، (غير منشور).

كما قضت المحكمة الإدارية بأكادير في حكمها الصادر بتاريخ 22 مارس 2017 بأنه ” …، كما يتعين من أجل احتساب إدارة الضرائب مبالغ الاستثمار المتصلة بالعقار المفوت إثباتها من قبل الملزم بصفة قانونية بما يتوفر عليه من وثائق ترفق بإقراره المقدم لها إثر عملية التفويت.

وحيث ليس ضمن وثائق الملف ما يثبت كون المدعي قام بالإدلاء للإدارة بإقرار تام مرفق بجميع الوثائق المثبتة للبيانات المضمنة فيه بما فيها مبالغ الاستثمار المتمسك بها من طرفه، وذلك حتى ترتب آثاره القانونية، طبقا لمقتضيات المادتين 65 و83 من المدونة العامة للضرائب، كما جاء في القرار رقم 1118/2 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 27/11/2014 في الملف عدد 3287/4/2/13، (غير منشور).”[5]

وتجب الإشارة إلى أن اللجان الضريبية سواء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أو اللجنة الوطنية للطعون الضريبية عندما تقوم بالرفع من مبلغ نفقات الاستثمار أو التخفيض منها وذلك في ضوء ما عرض عليها من وثائق مطالبة بتبيان الأسس المعتمدة في هذا الرفع أو التخفيض وتضمين هذه الأسس في صلب القرار الصادر عنها.

وفي هذا الاتجاه جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير ما يلي : ” حيث إن الخبرة التي أمرت بها المحكمة حددت قيمة الاستثمارات المنجزة من طرف المدعي في الملك موضوع قرار اللجنة الوطنية المطعون فيه في (173.909,47) درهما دون احتساب اليد العاملة التي قامت بإقامة وإنجاز الاستثمار المذكور.

وحيث إن قرار اللجنة الوطنية للطعون الضريبية المطعون فيه حدد قيمة الاستثمار في (120.000,00) درهما عوض (175.000,00) درهما المحددة من طرف الطاعن.

وحيث إن الخبير اعتمد في تقييمه للاستثمارات موضوع القرار الطعين على فواتير المواد المستعملة في البناء وكذلك على البناء المنجز بعد أن قام بمعاينته وتحديد قيمته.

وحيث إنه اعتبارا لما تم بسطه أعلاه واعتمادا على المعطيات والعناصر الواردة في الخبرة تبين للمحكمة أن قرار اللجنة الوطنية للطعون الضريبية في شقه القاضي بتخفيض نفقات الاستثمار من (175.000,00) درهم إلى (120.000,00) درهم مشوب بعيبي السبب ونقصان التعليل ما دامت اللجنة لم تبين في صلب القرار الأسس التي اعتمدتها لتخفيض الاستثمارات من (175.000,00) درهما إلى (120.000,00) درهما والتي سمتها في قراراها بمتوسط الأسعار التي كانت متداولة إبان القيام بأشغال البناء مما يتعين معه الحكم بإلغاء قرار اللجنة الوطنية للطعون الضريبية رقم 11/04/ المؤرخ في 28/07/04.”[6]

ثالثا/ تقدير وتقييم الوثائق المثبتة لنفقات الاستثمار:

يعتد في إثبات نفقات الاستثمار أمام إدارة الضرائب بأي وثيقة أو حجة قانونية من أجل تبرير نفقات الاستثمار المدلى بها من طرف الملزم بإقراراه الضريبي وهو ما نصت عليه مقتضيات البند II الفقرة الثالثة من المادة 65 من المدونة العامة للضرائب، سواء تلك الوثائق المدلى بها سابقا من طرف نفس الملزم أمام إدارة الضرائب ( إقرار بالضريبة على القيمة المضافة لما يسلمه الشخص لنفسه- خضوعه للضريبة على السكن والخدمات الجماعية…) أو الوثائق المثبتة للقروض المسلمة من هيئات الائتمان المرصودة للاستثمارات المنجزة على العقار والشواهد المسلمة من الجهات المختصة قانونا لتسليمها ( رخصة البناء، رخصة المطابقة، شواهد تزويد العقار بالماء والكهرباء،  الشواهد المسلمة على سبيل المثال من طرف الغرف الفلاحية أو وكالة الحوض المائي  المتعلقة بتجهيز الأرض، أو حفر الآبار..)، وإثبات مصاريف اليد العاملة الخاضعة للرسم المهني بفاتورة قانونية أو أية ورقة أخرى لها قوة الإثبات تحرر في اسم الملزم من طرف منجز الأشغال.

وأنه في إطار المراقبة المخول قانونا للمحاكم الإدارية على عمل الإدارة تتمتع المحكمة المعروض عليها النزاع الضريبي، في إطار مساطر تحقيق الدعوى، بسلطة التثبت من وجود الاستثمارات المصرح بها من طرف الملزم.

وعليه، إذا نازعت إدارة الضرائب في مبلغ نفقات الاستثمار المصرح بها يمكن للمحكمة الاستعانة بخبرة في حالة المنازعة في حجية الوثائق المرفوضة من طرف الإدارة جزئيا أو كليا، وذلك لتحديد قيمة العقار ونفقات الاستثمار.

هكذا، قضي في نازلة عرضت على القضاء بأن اعتماد الخبير لمجرد صور للعقار والمأخوذة قبل قيام المشتري بالإصلاحات المنجزة بعد شرائه لهذا العقار دون أن يطلع على فواتير تكلفة الاستثمار من مواد أولية ويد عاملة، يؤدي إلى عدم صحة التقديرات التي خلص إليها الخبير. ذلك أنه جاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 30/04/2008 ما يلي:

” حيث إنه من جملة ما يعيب به المستأنف الحكم المستأنف اعتماده على خبرة معيبة ، ذلك ان العقار المتكون من اربع قطع ارضية بيع بتاريخ 263/2/2001 كانت تحتوي على نيابة متآكلة ومهجورة وقديمة مساحتها 310 م م حسبما يستفاد من محضر المعاينة وعن انجاز الخبرة أصبحت تحتوي على نيابة في حالة جيدة بعد ان تم ادخال اصلاحات وزيادة في الطابق العلوي ويستحيل على الخبير ان يميز بتاريخ اجراء تلك الخبرة سنة 2005 بين الاستثمارات التي أنفقها قبل تاريخ التفويت والاستثمارات التي انفقها المالك الجديد والتمس إلغاء الحكم المستأنف والخبرة التي اعتمدها والقول بمشروعية الأساس الضريبي المستخلص من رأي اللجنة الإدارية الاستشارية والضريبة العامة على الدخل التكميلية المفروضة على المستأنف عليه .

حيث صح ما نعاه المستأنف على الخبرة، ذلك ان الخبير الذي عاين العقار المبيع سنة 2005 قدر تكاليف الاستثمار التي انفقها البائع قبل تاريخ البيع (26/2/2001) من غير ان يطلع على فواتير تكلفة الاستثمار من مواد أولية ويد عاملة معتمدا في ذلك على صور قال بأنها مأخوذة قبل قيام المشتري بالإصلاحات المحدثة بعد شرائه للعقار المذكور، ولم يقدم دليلا على صحة تقديراته مما يكون معه الحكم الذي صادق على الخبرة مجانبا للصواب ومن المتعين إلغاؤه.”[7]

في مقابل ذلك، اعتبرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط أن إدلاء الخاضع للضريبة بفاتورات صادرة عن الشركة التي باشرت أشغال بناء الأسطبل وشق الطريق وغيرها من الأشغال كاف لإثبات الاستثمارات التي أنجزها البائع في العقار المفوت، وأن إدارة الضرائب ملزمة بالطعن في صحة هذه الفاتورات بمطعن جدي وعدم الاقتصار على طلب استبعادها فقط. إذ جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 5/3/2012:

” وحيث إنه تطبيقا لمقتضيات المادة 86 (البند III) من القانون رقم 89.17 المنظم للضريبة العامة على الدخل إبان النزاع اعتبارا لتاريخ الواقعة المنشئة للضريبة التي ترجع لسنة 2005، فإن الربح العقاري الصافي المفروضة عليه الضريبة يساوي الفرق بين ثمن البيع مطروحة منه إن اقتضى الحال مصاريف البيع، وبين ثمن التملك مضافة إليه مصاريف التملك ونفقات الاستثمارات المنجزة وكذا الفوائد المؤداة من لدن البائع عن القروض التي تمنحها هيئات ائتمان معتمدة للقيام بعمليات التملك.

وحيث في نازلة الحال، فالثابت من خلال الفاتورات المرفقة بالمقال الاستئنافي والتي لم توجه إليها الإدارة المستأنف عليها أي طعن، أن المستأنف قام ببناء إسطبل من الإسمنت المسلح على مساحة 100 متر مربع بقيمة 150.000,00 درهم وكذا منزل من نفس المادة ومسقف بالزنك على مساحة 100 متر مربع كذلك بقيمة 50.000,00 درهم، حسب الفاتورتين الصادرتين عن شركة المنشآت العليا المغاربية المؤرختين في 28/4/2003 و18/5/2004 على التوالي تحت عدد 34/03 وعدد 41/04، كما أن الفاتورتين الصادرتين عن شركة EBT بتاريخ 15/9/2003 و19/3/2004 تحت عدد 03/61 وعدد 27/04 تفيدان على التوالي قيامه بتنقية الأرض المبيعة من الأحجار الكبيرة بقيمة 50.000,00 درهم، وشق طريق غير معبدة (Piste) على طول 1,5 كيلومتر تكلفتها 20.000,00 درهم، مما يكون معه المستأنف قد أثبت الاستثمارات التي أنجزها في القطعة الأرضية المفوتة بما مجموعه  270.000,00 درهم ويحق له خصمها من الربح الخاضع للضريبة ليصبح الأساس الضريبي هو 136590,00 درهم عوض 406591,00 درهم.

وحيث تبعا لذلك، يتعين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الطلب وتصديا الحكم بإلغاء الضريبة العامة على الدخل/الأرباح العقارية المفروضة على المستأنف برسم سنة 2005 موضوع الجدول عدد 15700005 فيما زاد على اعتبار الأساس الخاضع للضريبة هو 136590,00 درهم، وتحميل مديرية الضرائب المصاريف.”[8]

يجب التأكيد على أن تفعيل مقتضيات البند II الفقرة الثالثة من المادة 65 من المدونة العامة للضرائب من طرف إدارة الضرائب يقتضي منها عدم التزام الصمت إزاء الوثائق المدلى بها من طرف الملزم رفقة الإقرار والاقتصار على الدفع باستبعادها دون الطعن في صحتها، الأمر الذي تتجه معه المحكمة إلى قبول الوثائق المدلى بها من طرف الملزم واعتمادها لعلة وحيدة وهي عدم المنازعة فيها بشكل جدي من طرف الإدارة.

وتبقى العبرة في قبول إدارة الضرائب لنفقات الاستثمار المصرح بها من طرف الملزم بتلك المضمنة بعقد البيع، في غياب وثائق قانونية مقبولة من طرف الإدارة وذلك انطلاقا من حالة وتخصيص العقار بتاريخ شرائه من طرف الملزم لكون الأمر يتعلق بكل ما هو مادي وملموس مجسد على الأرض والذي يكسبها صفة عقار بالتخصيص (محرك، مضخة…) باستثناء العمليات التي قام بها الملزم وتهم منتوج العقار (التسميد، التنقيط، الأدوات المستعملة في الصيانة …) وهي عمليات تبتدئ وتنتهي بتحصيل منتوج وغلة العقار، بحيث يمكن إدراج هذه النفقات ضمن تكلفة اليد العاملة فقط.

كما لا يمكن للملزم أن يصنع حجة لنفسه لتبرير الاستثمارات المدعى إنجازها وذلك من خلال الإدلاء بخبرة استشارية ولو كانت قضائية بناء على طلبه.

ففي نازلة عرضت على المحكمة الإدارية بأكادير، قبلت إدارة الضرائب الاستثمار المصرح بها جزئيا في حدود مبلغ مالي معين، وأسست موقفها انطلاقا من أن العبرة بنفقات الاستثمار المضمنة صراحة في عقد البيع إذ أن أغلب الفواتير المدلى بها من طرف الملزم تمثل لوازم وتجهيزات الري بالتنقيط وبعض مواد البناء والخشب، في حين أن مضمون العقد المدلى به في الملف لا يتضمن سوى أرض فلاحية بها أشجار الليمون والاسطبل والدار والبئر ومحطة للضخ،  في حين تمسك الملزم بأنه أدلى بالوثائق التي تثبت الاستثمارات، وأنه إذا كان من حق الإدارة تقدير هذه الاستثمارات فإن ذلك يكون في حالة عدم إثباتها، والحال أنه أدلى بوثائق لها قوة ثبوتية، وأن الشهادة الإدارية المدلى بها تفيد الوجود الفعلي للاستثمارات. وبعد إجراء خبرة قضت المحكمة بإبطال الضريبة التكميلية على الأرباح العقارية فيما زاد على مبلغ 5.597,00 درهم المستحق على الملزم استنادا إلى العلة الآتية:

” وحيث حدد تقرير الخبير قيمة الاستثمارات المنجزة في الملك موضوع المعاينة في مبلغ 432.250,00 درهم ويدخل ضمنها غرس وصيانة ما يقرب من 725 شجرة ليمون بالإضافة لمصاريف التسميد والوقاية من الأمراض والسقي، وحفر البئر واقتناء المحرك والمضخة وتجهيز ما يقرب من أربعة هكتارات للسقي بالتنقيط.

وحيث إنه بالنظر للقيمة التجارية للعقار موضوع التفويت وكذا قيمة الاستثمارات المنجزة استنادا للمعطيات الواردة بتقرير الخبرة وكذا ثمن الاقتناء فإن مبلغ الضريبة المستحق يحدد كما يلي:

  • ثمن البيع: 800.000,00.
  • ثمن التكلفة: ( ثمن الاقتناء+ قيمة الاستثمارات المنجزة) : 219.765,40+432.250,00= 652.015,00 درهم.
  • الربح الخاضع للضريبة : 800.000,00-562.015,00= 147.985,00 درهم.
  • مبلغ الضريبة الواجب على الربح: 147.985,00 مضروب في 20%= 29.597,00″[9]

وقد اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط أن الخبرة المدلى بها من طرف الملزم والتي تثبت مبلغ الاستثمارات المنجزة في العقار المبيع وإن كانت قضائية وبناء على أمر استعجالي قاضي بها فلا يمكن الأخذ بها ما دام أنها تبقى حجة من صنعه. (حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 4758، الصادر بتاريخ 25/12/2012، في الملف عدد 176/7/2012، (غير منشور).

وقضت في حكم آخر صادر بتاريخ 03/07/2014 بأن خلو عقد البيع من أي بيان يفيد الاستثمارات المزعومة من طرف الشركة المدعية، وتخلف هذه الأخيرة عن أداء صائر الخبرة المأمور بها من طرف المحكمة للتثبت من وجود هذه الاستثمارات يجعل دعوى الشركة المدعية غير مؤسسة قانونا، حيث جاء في حيثيات هذا الحكم ما يلي: ” حيث أجابت المديرية العامة للضرائب بخصوص ذلك بأنها عمدت حين مراجعتها لاقرار المدعية بتحديد الأساس الجديد للضريبة من خلال إعادة إدماج مبلغ الاستثمارات غير المبرر ضمن أساس فرض الضريبة دون مراجعة الثمن المصرح به خاصة أن المدعية لم تدل بأي وثيقة تفيد تلك الاستثمارات.

وحيث لما كان البت في النازلة يتوقف على بيان معطى تقني يتمثل في التبين من نفقات الاستثمار المزعومة من قبل المدعية، فقد أمرت المحكمة باجراء خبرة بشأن ذلك.

وحيث أنذر نائب المدعية من أجل أداء مصاريف الخبرة ، وأمهل الأجل الكافي لذلك،غير أنه لم يف بالمطلوب منه،مما يوجب صرف النظر عن الإجراء المذكور، والبت في الطلب على حالته.

وحيث إنه في ظل خلو عقد البيع من أي بيان يفيد الاستثمارات المزعومة من قبل المدعية ،يبقى طلبها غير مؤسس ومآله الرفض.”[10]

 

 

    رابعا/العبرة في وجود الاستثمارات بتلك المصرح بها في الإقرار والمطابقة لما هو مضمن بعقد البيع:

يجب التأكيد على أن الملزم مطالب دائما بتعزيز إقراره بالوثائق المثبتة للاستثمارات التي أنفقها على عقاره المفوت، من خلال إدلائه بالتراخيص والفواتير وما يفيد انجاز هذه الاستثمارات، بحيث إن الإدارة في هذه الحالة إذا لم تقتنع بالوثائق المدلى بها من طرف الملزم حق لها أن تستبعدها إما جزئيا أو كليا، والمحكمة تملك إزاء ذلك صلاحية القيام بجميع إجراءات التحقيق للوقوف على جدية الوثائق المعبرة عن الاستثمارات المدعى إنجازها. غير أن تقاعس الملزم عن الادلاء بالوثائق المذكورة المبررة لهذه الاستثمارات يعفي المحكمة من التثبت من صحة النفقات المصرح بها، ولا تكون بالتالي في حاجة للأمر تمهيديا بإجراء خبرة للتحقق من وجود الاستثمارات المدعى بها من عدمه.

وتجب الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن مبلغ قيمة الاستثمارات الواردة في الإقرار المودع من طرف الملزم لدى إدارة الضرائب (والمضمنة بعقد البيع) هي التي يعتد بها عند المنازعة، ومن تم فإن الملزم غير محق في ادعاء وجود مصاريف أخرى لم يصرح بها في إقراره، إذ يجب تحقق علم الإدارة بهذه النفقات من خلال الإقرار المقدم لها وعدم الاقتصار على عقد البيع لإثبات وجودها.  وذلك ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الصادر بتاريخ 25/12/2012 جاء في حيثياته ما يلي :

”  وحيث إنه بخصوص الوسيلة المتعلقة بعدم أخد الإدارة بمصاريف الاستثمارات فإنه إذا كانت الإدارة لم تأخذ بعين الاعتبار هذه المصاريف في الرسالة الأولى إلا أنها تراجعت وأخذت بها في الرسالة الثانية وذلك في حدود مبلغ 1.392.000,00 درهم وهو المبلغ المصرح به من طرف المدعي حسب ما هو ثابت من إقراره المدلى به من طرفه .

وحيث إن إدعائه بوجود مصاريف أخرى قام بها بعد سنة 1972 لم تأخذ بها الإدارة يبقى غير ذي أساس ما دام أنه لم يصرح بها للإدارة في إقراره وبقيت هذه الأخيرة غير عالمة بها،كما أنه لم يقم بإثبات أنها تتجاوز المبلغ المصرح به والخبرة التي أدلى بها وإن كانت قضائية وبناء على أمر استعجالي قاضي بها فلا يمكن الأخذ بها ما دام أنها تبقى حجة من صنعه .

وحيث إنه إضافة لذلك فإن مصاريف التملك المعتمدة من طرف الإدارة تبقى واقعية وخاصة أن الإدارة اعتمدت على العقد العدلي المدلى به من طرف المدعي نفسه مع إعمال معامل التقييم على عكس ما ادعاه هذا الأخير في التصريح بالشرف والإقرار والذي يعد جد مبالغ فيه ويعوزه الإثبات.

وحيث إنه للعلل أعلاه وبعد أخد الإدارة بعين الاعتبار الاستثمارات المصرح بها وبعد الاعتماد على ثمن الشراء الوارد بالعقد العدلي المصرح به وإعمال معامل التقييم تكون مسطرة التصحيح المطعون فيها مشروعة والطلب مآله الرفض.”[11]

وفي نازلة عرضت على المحكمة الادارية بمراكش طرح النقاش حول أثر إخفاء الملزم لجزء من المساحة المشيد عليها المبنى الذي سلمه لنفسه -وذلك حتى لا تتجاوز المساحة المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة- أثر ذلك على قبول البناء المشيد على المساحة المخفية ضمن نفقات الاستثمار. إذ تمسكت الإدارة في هذه النازلة بأن مقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أخطأ عندما أدخل في الاعتبار ثمن تكلفة البنايات المنجزة بالسطح والتي تشمل 40 % من مساحة العقار، لان الملزم عند تقديم التصريح المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة أخفى عن قصد وسوء نية مساحة 32 مترا مربعا حتى لا تتجاوز المساحة المبنية 240 مترا مربعا المعفاة من تلك الضريبة، وأن تكاليف تزويد الشقق بعداد الماء والكهرباء التي أضافها المدعي ضمن تكاليف الاستثمار فهي تكاليف مدمجة في تحديد قيمة المتر المربع المبني.

وبعد الامر تمهيديا بإجراء خبرة، أوضح الخبير في تقريره أن العقار المفوت يشتمل كذلك على طابق ثالث مبني بناء عصريا وفي حالة جيدة وقد أضيف بسطح المنزل ويشتمل على غرفتين ومطبخ ومرحاض وممر يفضي إليه وإلى السطح العلوي وعلى مساحة مغطاة قدرها 60 مترا مربعا بالإضافة إلى مساحة قدرها 36 مترا مربعا عبارة عن سطح عار وفناء للنور والتهوية.

وبناء عليه، انتهت المحكمة إلى إلغاء الضريبة المطعون فيها ( بمقتضى الحكم عدد 18، الصادر بتاريخ 22-1-2007 في الملف عدد 310/5/2005 ش). استأنفت إدارة الضرائب الحكم المذكور، وعابت عليه عدم التفاته إلى سوء نية الملزم بعدم تصريحه بالأبنية الموجودة بالطابق الثالث على مساحة 40% من العقار وقدرها 36 مترا مربعا. فقضت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش بإلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا برفض طلب الملزم، استنادا إلى ما يلي:

 ” وحيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف يتبين أن عقد البيع المدلى به يتعلق بتفويت عقار عبارة عن قطعة أرضية شيدت فوقها بنايات معدة للسكنى تشتمل على طابق أرضي وطابقين علويين إضافة إلى سطح بمرافقه وهو نفس ما تضمنه التصريح بالبيع المقدم من طرف المستأنف عليه بتاريخ 22/12/2000.

    وحيث لئن كان المستأنف عليه قد أوضح في تصريحه بالبيع المشار إليه أعلاه أن مجموع الاستثمارات التي اقتضاها بناء العقار المفوت هو 493500.00 درهم فإنه حدد مشتملات العقار المذكور في طابق أرضي وطابقين علويين وسطح بمرافقه دون الإشارة إلى ما أضافه من بناءات بالسطح المذكور والتي أفادت بشأنها الخبرة المنجزة ابتدائيا أن الأمر يتعلق بطابق ثالث مبني بناء عصريا ويشتمل على غرفتين ومطبخ ومرحاض مساحته المغطاة 60 م مربع الشيء الذي لا يمكن معه بحال طرح نفقات الاستثمار المتعلقة بهذا الجزء من العقار والمقدرة في مبلغ 52800 من ثمن البيع لاحتساب الربح الصافي المفروضة عليه الضريبة لاسيما وأنها لم تكن موضوع إقرار ضريبي في إطار ما سلمه المعني بالأمر لنفسه.

وحيث إنه اعتبارا لما تقدم يكون الحكم الابتدائي حينما قضى بإلغاء الضريبة المنازع فيها دون أن يأخذ بعين الاعتبار المعطيات السالفة الذكر قد جانب الصواب ويتعين التصريح بإلغائه وبعد التصدي الحكم برفض الطلب.”[12]

إذن فمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش اعتبرت أن الملزم لما اكتفى بالتصريح بوجود طابق أرضي وطابقين علويين وسطح بمرافقه –طبقا لما ورد بعقد البيع- دون الإشارة إلى ما أضافه من بناءات بالسطح المذكور وتضمينها في عقد البيع والتي أفادت بشأنها الخبرة المنجزة ابتدائيا أن الأمر يتعلق بطابق ثالث مبني بناء عصريا ويشتمل على غرفتين ومطبخ ومرحاض مساحته المغطاة 60 م مربع فإنه يكون غير محق في احتساب هذه الاستثمارات غير المضمنة في عقد البيع والمقيدة بشكل جزافي دون تبرير.

مؤدى ذلك أن ربط  أحقية الملزم في الاستفادة من الجزء المبني غير المصرح به وبالتالي احتسابه ضمن نفقات الاستثمار بضرورة أن يكون هذا الجزء موضوع إقرار ضريبي في إطار ما يسلمه الشخص لنفسه من مباني لا يستقيم استنادا إلى مبدأ استقلال كل ضريبة بإقرار معد وفق شروط وقواعد وآجال خاصة، كما ان المشرع في المدونة العامة للضرائب لم يضع هذا الشرط لقبول مبلغ الاستثمار،  وبالتالي فإن العلة المكملة لما خلصت إليه محكمة الاستئناف الإدارية وهي ” لاسيما وانها لم تكن موضوع إقرار ضريبي في إطار ما سلمه المعني بالأمر لنفسه” علة بإمكان الإدارة تلافيها من خلال مطالبة الملزم بالتصريح بالجزء المضاف إلى البناء والذي لم يحصل بشأنه على شهادة المطابقة، وأن منطلق الإدارة في ذلك كواقعة منشئة للضريبة هو توصلها بتقرير الخبرة القضائية المتضمن لهذا الجزء غير المصرح به، وأن اقتصار المحكمة في رد دعوى المدعي على عدم تضمين البناء المضاف في عقد البيع كاف للبت في الملف، لعلة انعدام الحجة المنصوص عليها بالمادة 63 من المدونة العامة للضرائب.

غير أنه من الناحية العملية يصعب مطالبة الملزم بتقديم تصريح بالجزء المضاف إلى البناء استنادا إلى أن إدارة الضرائب تقوم بمنح الملزم شهادة الإبراء بعد إبرام العقد الذي يتضمن تلك البيانات، لكن مع اكتشاف واقعة منشئة للضريبة والمتمثلة في البناء المضاف، يمكن لإدارة الضرائب اقتضاء حقها تبعا لهذه الواقعة.

خامسا/ المسطرة المعمول بها عند تعذر إثبات نفقات الاستثمار:

تقوم إدارة الضرائب عند تعذر إثبات نفقات الاستثمار المصرح بها من طرف الملزم إلى إعادة تقدير هذه النفقات وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 224 من المدونة العامة للضرائب، وذلك بسلوك المسطرة التواجهية في مواجهة الملزم، بحيث يكون مفتش الضرائب ملزما بأن يبلغ للخاضع للضريبة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه، الأساس الجديد المصحح وكذا أسباب ومبلغ التصحيحات المزمع القيام بها داخل أجل لا يتجاوز التسعين يوما (90) الموالية لتاريخ إيداع الإقرار المذكور، وتتابع الإجراءات وفقا لمقتضيات المادة 224 من المدونة العامة للضرائب. ويعتبر أجل 90 يوما المخول لإدارة الضرائب وأجل 30 يوما من تاريخ التوصل بالنسبة للملزم- مع الأخذ بعين الاعتبار ما تضمنته الفقرة من المادة 219 من المدونة العامة للضرائب- كلها آجالات من النظام العام وفق ما استقر عليه القضاء الإداري.

ففي نازلة عرضت على المحكمة الإدارية بالدار البيضاء تمسك المدعي بأن الأسباب المرتكز عليها من طرف إدارة الضرائب في اعتماد الأساس الضريبي تتمثل في ثمن الأرض عارية دون الأخذ بعين الإعبتار للبناءات المشيدة فوقها وما تلاها من مصاريف أدى إلى الرفع من قيمة الربح العقاري، في حين تقدمت إدارة الضرائب بمقال افتتاحي أمام نفس المحكمة عرضت فيه أن اللجنة الوطنية قررت قبول تقديرات الملزم المصرح بها بالنسبة لقيمة التكلفة المحددة في 2.343.588,00 درهم على اعتبار أنه أدلى بفاتورات صحيحة لم يعترض عليها مفتش الضريبة، في حين أنه سبق لهذا الأخير أن صرح شفويا للجنة المذكورة بأن هذه الفاتورات صادرة عن مقاولات أغلبها يقع مقرها الإجتماعي خارج مدينة الدار البيضاء ولا تتضمن وسيلة الأداء، وأن الملزم لم يقدم للجنة عقدة البناء المبرمة بينه وبين مقاولة البناء والعقدة التي تربطه بالمهندسين عبد العالي المدغري. كما أن الملزم لم يدل بالفاتورات المشار إليها أعلاه خلال المسطرة التواجهية وكذا أمام اللجنة المحلية الأمر الذي يعد خرقا لمقتضيات المادة 210 من المدونة العامة للضرائب، وبعد ضم الملفين أصدرت المحكمة المذكورة حكمها بتاريخ 31/01/2013 عدد 183 في الملف عدد 587/10/9 القاضي بإلغاء قرار اللجنة الوطنية وبطلان مسطرة الفرض الضريبي للضريبة العامة على الدخل بعلة أن الإدارة باشرتها خارج الأجل القانوني، استأنف من طرف إدارة الضرائب وقضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتأييده بناء على الحيثيات التالية ” لكن حيث إن الثابت من وثائق الملف أن المستأنف عليه أودع إقراره الضريبي لدى مصالح الإدارة الجبائية بتاريخ 13-7-2007، إلا أنها لم توجه له رسالة التصحيح الأولى إلا بتاريخ 19-11-2007 وتوصل بها بتاريخ 29-11-2011، أي بعد انصرام أجل التسعين يوما المنصوص عليه في المادة 224 من المدونة العامة للضرائب والذي يعد من النظام العام بحسب صياغة المقتضى القانوني المذكور، مما تكون معه مسطرة الفرض التكميلي معيبة ويتعين التصريح ببطلانها وبإلغاء مقرر اللجنة الوطنية ويبقى ما أثير في هذا الشأن غير مرتكز على أساس والحكم المستأنف صائبا وواجب التأييد.

وحيث إن مناقشة هذا السبب تحول دون مناقشة باقي أسباب الإستئناف.”[13]

تجب الإشارة إلى أن العبرة بشأن الإخلالات المسطرية كقاعدة عامة هو وجود ضرر لحق الطرف المتمسك بالخرق المسطري المذكور تطبيقا للفصل 49 من قانون المسطرة المدنية، وعليه فإن إحالة الملف على اللجان الضريبية بناء على طلب الملزم – المتمسك بالخرق المسطري- يعفي من البحث عن احترام إدارة الضرائب لأجل 90 يوما، أمام عدم وجود ضرر يمنع الملزم في الحالتين من عرض ملفه أمام اللجنتين المحلية والوطنية، ومن تم فإن تجاوز الإدارة لأجل 90 يوما من إيداع الإقرار لا يؤثر على سلامة مسطرة التصحيح في حالة عرض ملف الملزم على اللجان بناء على طلبه.

وبالاطلاع على مجموعة من المنازعات المتعلقة بهذه النقطة، وجدنا أن إدارة الضرائب تتمسك بأن الملزم لم يدل بالفاتورات المثبتة لقيمة الاستثمارات خلال المسطرة التواجهية، استنادا إلى المادة 210 من المدونة العامة للضرائب،  في حين أن الملزم ولئن كان محقا بالإدلاء بها –أي الوثائق المثبتة للاستثمارات- أمام القضاء، على اعتبار أن الطعن أمام المحكمة ينشر النزاع الضريبي في مجموعه (سواء في الشق الاجرائي أو الموضوعي) مما يتيح لكل طرف أن يدلي بما يراه مناسبا لإثبات دعواه خلال هذه المرحلة، وأن القول بأن النزاع قد مر بمراحل متعددة (مسطرة الفحص، المسطرة التواجهية، اللجان الضريبية) وبالتالي أن تقديم الوثائق الحاسمة لأول مرة أمام القضاء محظور قانونا مردود عليه، طالما أن إدارة الضرائب لم تناقش هذه الوثائق، إذ جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 06/02/2014 أنه ” لكن، حيث إنه وخلافا لما أثارته الطاعنة فإن محكمة الاستنئاف بلغت لها نسخة من المقال الاستئنافي المرفق بالفاتورات المعتمدة من طرفها (المحكمة) حسب شهادتي التبليغ المؤرختين على التوالي في 07/04/2010 و 24/05/2010 دون أن تدلي بأي جواب وبالتالي فإن المحكمة باعتمادها الفاتورات المذكورة فإنها لم تخرق حقوق الدفاع، علما بأن الاستئناف ينشر الدعوى مما يتيح لكل طرف أن يدلي بما يراه مناسبا لإثبات دعواه خلال هذه المرحلة، وأن المحكمة المطعون في قرارها عللته تعليلا كافيا من خلال تقييمها لتلك الفاتورات في إطار سلطتها التقديرية لتقييم الحجج والتي لا رقابة عليها في ذلك إلا من حيث التعليل الذي كان سائغا والوسيلة غير مرتكزة على أساس إلا ما كان منها خلاف الواقع فهو غير مقبول.”[14]

ومؤدى ذلك، أن الإدلاء بالوثائق لأول مرة أمام القضاء بشأن التصحيحات المتعلقة بنفقات الاستثمار لا يعتد به طالما لم تعرض هذه الوثائق على إدارة الضرائب في إطار المسطرة التواجهية أو المسطرة أمام اللجان، وأن المحكمة ذهبت في اتجاه القول باستبعاد تلك الوثائق لعلة عدم الاستظهار بها أثناء المسطرة الإدارية، ولا يمكن القول بقبولها إلا في حالة عدم مناقشتها من طرف إدارة الضرائب أمام القضاء، وفي هذا الاتجاه، ذهبت محكمة النقض في قراراها الصادر بتاريخ 13/02/2014 إلى أنه لا يحق للخبير[15] تطبيقا للمادة 242 من المدونة العامة للضرائب أن يعتمد في إنجاز الخبرة المأمور بها من طرف المحكمة على وثائق لم تعرض على إدارة الضرائب أو اللجان الضريبية  خاصة إذا أدت هذه الوثائق إلى إعادة تصحيح الأساس الضريبي، حيث جاء في القرار المذكور ما يليك

” حيث إن المقتضيات المنصوص عليها في المادة 242 ولا سيما منها تلك الواردة بالفقرة السابعة والتي تنص على أنه ” يجب على الخبير المعين من طرف القاضي … ولا يمكن له أن يستند في خلاصاته على دفوع أو وثائق لم يتم إطلاع الطرف الآخر في الدعوى عليها خلال المسطرة التواجهية. أن يبدي رأيه في مسائل قانونية غير تلك التي تهم مطابقة الوثائق والأوراق المقدمة لها للتشريع المنظم لها) هي مقتضيات إجرائية تسري بأثر فوري ولما كانت الخبرة المنجزة في النازلة قد تمت انطلاقا من 22/06/2010 حسب محضر الحضور لدى الخبير المنتدب محمد السرغيني فإن هذا الأخير يكون مخاطبا بهذه المقتضيات وهو لما اعتمد الوثائق المدلى بها أمامه لأول مرة والمتعلقة بالبيوعات غير المصرح بها التي اعتمدتها الإدارة واللجنة الوطنية للطعون الجبائية والتي أدت به إلى اقتراح إرجاع مبالغ فواتير الخصم (factures d’avoir) لبيع سلع مرفوضة من طرف زبناء المطلوبة (…) فإنه يكون قد خالف المقتضيات الآنفة الذكر …” وبناء على هذه الحيثيات قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه جزئيا فيما قضى به من الأخذ بالفاتورات المدلى بها لأول مرة أمام الخبير.[16]

وعليه، فإن مجال تحديد نفقات الاستثمار تتدخل فيه عوامل ومساطر متعددة منطلقها في ذلك ما تضمنه العقد موضوع التصريح، والخاضع للمراقبة من طرف إدارة الضرائب تحت رقابة القضاء، وأن المدونة العامة للضرائب تستلزم ضرورة إثبات نفقات الاستثمار موضوع الإقرار وذلك خلال جميع مراحل المسطرة التواجهية.

[1]  قرار محكمة النقض، عدد 369، الصادر بتاريخ 11/04/2007، في الملف الإداري عدد 1047/4/2/2005، (غير منشور).

[2]  قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، عدد 1335، الصادر بتاريخ 12/11/2014، في الملف عدد 1492/1915/2013، (غير منشور).

[3]  قرار محكمة النقض، عدد 797/2 المؤرخ في 08/12/2016، في الملف الإداري عدد 1017/4/2/2016، (غير منشور).

[4]  قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، عدد 06 الصادر بتاريخ 06/01/2014، في الملف عدد 167/2013/9 (غير منشور)

[5]  حكم المحكمة الإدارية بأكادير، عدد 433، الصادر بتاريخ 22/03/2017، في الملف الإداري عدد 928/7113/2016، (غير منشور).

[6]  حكم المحكمة الإدارية بأكادير، عدد 233/2007، الصادر بتاريخ 28/06/2007، في الملف عدد 455/2006 ش، (غير منشور).

[7]  قرار محكمة النقض، عدد 399، الصادر بتاريخ 30/04/2008، في الملف الإداري عدد 1409/4/2/2006 ( غير منشور).

[8]  قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، عدد 885، الصادر بتاريخ 05/03/2012، في الملف عدد 151/10/9 (غير منشور).

[9]  حكم المحكمة الإدارية بأكادير، عدد 346، الصادر بتاريخ 12/10/2006، في الملف عدد 732-2004 ش ، (غير منشور).

[10]  حكم المحكمة الإدارية بالرباط، الصادر بتاريخ 03/07/2014، في الملف عدد 197/7/2013، (غير منشور).

[11]  حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 4758، الصادر بتاريخ 25/12/2012، في الملف عدد 176/7/2012، (غير منشور).

[12]  قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، رقم 287، الصادر بتاريخ 30/10/2007، في الملف عدد 76/9/07-2، (غير منشور).

[13]  قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، عدد 894، الصادر بتاريخ 03/03/2014، في الملف الإداري عدد 496/13/9، (غير منشور).

[14]  قرار محكمة النقض عدد 120، الصادر بتاريخ 06/02/2014، في الملف الإداري رقم 1760/4/2/2012، منشور بسلسلة “دراسات وأبحاث” المنازعات الضريبية وتحصيل الديون العمومية – الجزء الأول- ص 249 ومابعدها.

 [15]  تجب الإشارة إلى أن المشرع عند نصه على وجوب انتداب خبراء حيسوبيين بمقتضى المادة 242 من المدونة العامة للضرائب لم يميز بين أي نوع من أنواع الضرائب ولا بين ما يتعلق بالتقييم العقاري والتقدير المحاسبي، بما يعنيه ذلك أنه في إطار المنازعات المتعلقة بثمن التكلفة ومن ضمنها نفقات الاستثمار تكون المحكمة ملزمة بانتداب خبير محاسبي.

إذ جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي: ” … بما يعنيه ذلك أن المشرع عندما نص على وجوب انتداب خبراء حيسوبيين من طرف المحكمة فإنه لم يميز بين أي نوع من أنواع الضرائب ولا بين ما يتعلق بالتقييم العقاري والتقدير المحاسبي وأن المحكمة لما أيدت الحكم المستأنف المعتمد على خبرة منجزة من طرف خبير قضائي وليس خبير محاسبي كما تقضي بذلك المادة 242 من المدونة العامة للضرائب وفي مجال ضريبي مشمول بمقتضيات المادة المذكورة فإنها تكون قد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض.

  • قرار محكمة النقض، عدد 592، الصادر بتاريخ 06/12/2012، في الملف الإداري عدد 86/4/2/2012، (غير منشور).

[16]  قرار محكمة النقض، عدد 136/2، الصادر بتاريخ 13/02/2014، في الملف الإداري عدد 1926/4/2/2012، (غير منشور).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى