تتسم علاقات الشغل الجماعية بعدم الثبات والاستقرار وذلك من أجل مواكبة التطورات الاقتصادية و الاجتماعية هذا ما أصبح معه التشريع في الدول المتقدمة يتضمن الخطوط الرئيسية فقط التي تحكم على علاقات الشغل، والاهتمام بوضع القواعد التفصيلية التي تنظم كل أنواع الأنشطة، هذا ما حتم ضرورة البحث عن وسيلة جديدة لحكم وتنظيم علاقات الشغل بكل مستجداتها.
و قد منحت التشريعات المقارنة في البداية للمشغل سلطة تنظيم الشغل داخل المقاولة, من خلال نظام داخلي يستأثر بوضعه دون مشاركة إجرائه. في إعداده ووضع قواعده التي ستطبق عليهم، هذا ما يستنتج أحيانا تحكيم المشغل تحكما من شأنه المساس بالتوازن من العلاقات الشغلية تنتج عنه أحيانا نزاعات تؤثر على الطرفين وعلى الاقتصاد الوطني من جهة ثانية، خاصة إذا اتسم هذا النزاع بالصفة الجماعية وتجاوز نطاق المقاولة أو المؤسسة، هذا ما دفع التشريعات المقارنة إلى إيجاد الوسيلة التي تساعد على تنظيم وحكم علاقات الشغل داخل المقاولة أو المؤسسة، يطلق عليها”باتفاقية الشغل الجماعية”
والتي تعذر إبرامها بفعل عدة عوامل تعود أساسا إلى طبيعة العلاقات بين أطراف الشغل من جهة ونوعية النظام القانوني المؤطر لتلك الاتفاقيات في ظل تشريع الشغل السابق من جهة أخرى، كما عرفت مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية نفس المصير لفقدان تقة المنظمات النقابية في طبيعة تشكلت هياكلها، حيث أن الساحة العمالية والنظام القانوني المغربي لم يعرفا المفاوضة الجماعية إلا مع صدور مدونة الشغل سنة 2003.
اقتنع المشرع المغربي بتقرير نظام المفاوضات الجماعية يعزز موقفه العام وتعاطيه مع علاقات الشغل الجماعية حيث تضمنت مدونة الشغل العديد من مظاهر تقوية البعد الجماعي لتلك العلاقات من خلال توسيع نطاق ومجالات إستشارة ممثلي الأجراء على مستوى المقاولة من جهة والمنظمات المهنية والنقابية على المستوى الوطنية من جهة أخرى,بل ومحاولة المشرع ترميم المقتضيات التي كانت تنظم الأجهزة الاستشارية الوطنية والسماح بإحداث أجهزة استشارية جديدة على مستوى المقاولة، هذا فضلا عن التعديلات الجزئية التي لحقت بمسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية في محاولة لبعث الروح فيها من جديد بعد تعطيل دام لعدة عقود.
رغم أن ما يفسر نهج المشرع الرامي إلى إعادة الاعتبار لعلاقات الشغل الجماعية أن مدونة الشغل ذاتها قد تبلورت نتيجة تفاوض وتوافق بين الفرقاء الاجتماعين والاقتصاديين وإجماع أعضاء المؤسسة التشريعية,إذا كان هاجس جميع الأطراف المعنية تحقيق التوازن من خلال مقتضيات مدونة الشغل بين التنمية الاقتصادية من جهة والاجتماعية “إذ قد بات واضحا للمسؤولية والفعالية الاقتصادية والاجتماعية على السواء، أن التنمية الشاملة للبلاد إذا كان من عواملها الأساسية إنعاش الاقتصاد ودعم المقاولة، فان من مستلزمات ارتقائها إلى مستوى التنمية المستديمة، ضرورة لضمان الحقوق الأساسية للطبقة الشغيلة.
إذ استحضر المشرع المغربي جل الاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ومنظمة العمل العربية، حيث عملت كل من المنظمتين على إصدار العديد من الاتفاقيات والتوصيات التي أقرت الحق بين المفاوضة الجماعية وحقوق أخرى تعزز ذلك الحق خاصة ما يتعلق بآليات ممارسته من طرف ممثلي الأجراء ومن ضمنها أساسا مبدأ “الحرية النقابية.”
لا أحد ينازع في أن تحول الهياكل القانونية لقطاع العمل العام أحدث خطرا ماسا بالاستقرار القانوني لعلاقات العمل بصفة خاصة، وأن اللجوء إلى سياسة استخدام القوى البشرية راجع لاعتبارات أجنبية، تتسم بمشروعية سياسية. إلا أنها لا تعفي السلطة العامة من مسؤولياتها الاجتماعية .
ومن بين هذه الاعتبارات نجد الاعتبارات الموضوعية. والتي يمكن أن تذكر فيها الظروف السياسية والاقتصادية التي عاشها المغرب مند عهد الحماية حيث كان الانشغال منصبا حول إصدار تشريعات تسد الثغرات وأشكال التمييز التي تتضمنها القوانين الصادرة في تلك الفترة ولا شك أن مجال الشغل عرف تطورات عديدة خاصة على مستوى العمل النقابي الذي يشهد له التاريخ بإقرار ظهائر مؤرخة ابتداءا من 13 يوليوز1926 المتعلقة بالأجور وساعات العمل وأحداث متفشية الشغل بالإضافة إلى تنظيم المسؤولية في مجال حوادث الشغل بظهير25يونيو1927 إلا أن العمل بها لم يبدأ إلا في سنة 1933 وأول نص تشريعي خاص بالنقابات المهنية تمثل في ظهير 26دجنبر 1936بعدها جاء ظهير24يونيو1938 والذي تضمن عقوبات زجرية توقع على كل مغربي انخراط في نقابة مهنية أو يمارس العمل النقابي وتطبيق نفس العقوبات على كل شخص حاول تسجيل إجراء مغاربة في التنظيمات النقابية التي كانت قائمة آنذاك ومن تم إلغاء ظهيريونيو1938 بظهير 20 يونيو1950 مع بقاء ظهير 1936 قائما ومنتجا لكافة آثاره القانونية بما فيها إقصاء الأجراء المغاربة في نطاق تطبيقه .
وبتاريخ 20 مارس 1955 تأسست بالدار البيضاء أول مركزية نقابية حرة إتخدت لها اسم “الاتحاد العربي للشغل”
ولم يتم الاعتراف بها شرعيا إلا بصدور ظهير12شتنبر 1955 الذي لم يعترف سوى بالحق في انخراط المغاربة دون إمكانية تأسيسها وهذه الإمكانية لم يسمح بها إلا مع ظهير16 يوليوز1957 ومنه صدر مرسوم ينص على منح الكاتب العام للحكومة إمكانية معارضة تأسيس أية نقابة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إبداع نظامها الأساسي ونتيجة لذلك ارتفعت “أصوات” تنادي بإلغاء مرسوم17 يوليوز1955 والرجوع إلى الحرية النقابية كما أقرها ظهير 16 يوليوز1957 هكذا صدر مرسوم بتاريخ أكتوبر1960 ألغى في فصله المرسوم السابق.
وأما الاعتبارات الذاتية فترجع إلى مواقف الفرقاء الاجتماعية، فغياب الإدارة السياسية لفهم جدوى إجاد مدونة الشغل أولى هذه المواقف وفهم المشغلين “الليجو الليبرالي الجديد” المدشن من1961، ثانيها وثالثها الوضعية النقابية التي فرضت أولويات تنظيمية ودفاعية أكثر من الطبع الهجومي للمطالبة النقابية.
و تأسيسا على ذلك إختار الاتحاد المغربي للشغل منذ1961 نهجا نقابيا قوامه الحفاظ على استقلاليته لتجنب التصادم وانعكاساته.
علما أن ميزان القوى لم يكن وقتها لصالح المركزية النقابية. والواقع أن النقابة تنظيم مهني خاص بالعمال يقتضي نوع من الاستقلالية عن كل تدخل حزبي إذ أثبتت التجربة أن العمل الحزبي غالبا ما يسئ إلى الحركة النقابية، وهذا يستلزم الفصل بين الأمور النقابية المهنية والقضايا السياسية، والحكم أن النقابة كانت عنصرا أساسيا في الحركة الوطنية وشاركت بشكل قوي في صراع التحرر من الحماية إلى جانب باقي رموز ومكونات الحركة الوطنية، وهذا ما عبر عنه الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، بقوله: “لا يجوز لأي حزب كيف ما كان أن يفرض ديكتاتوريته أو وصايته السياسية على النقابات”
وفي ظل التطور التاريخي لعلاقات الشغل الجماعية ولا سيما في ظل رأسمالية المطلقة تميزت ردود فعل الطبقة العاملة بالعنف حيث لم يكن أمامها من سلاح لمواجهة الطبقة الرأسمالية سوى استخدام القوة وهذا ما ألزم الدولة بالتدخل لإعادة العلاقات الاجتماعية المختلفة وتوازنها عن طريق القانون، فقد كانت الطبقة العاملة تعاني لدرجة يصعب معها بقاء الدولة على موقفها الحيادي.
وتدخل الدولة هذا لا يمكن أن يعزى إلى كفاح الإجراء فقط بل هناك عوامل أخرى يتقدمها حق الاقتراع العام، وتأثير الفكر الاشتراكي آنذاك، إضافة إلى اقتناع الطبقة البورجوازية ذاتها بأن عدم حل هذه المشاكل سيؤدي إلى تزايد الصراع الطبقي الذي سيضر مكاسبها التي حققتها في حالة ما إذا اختل ميزان القوى لصالح الطبقة العاملة.
هكذا فكل هذه العوامل مجتمعة فرضت تدخل الدولة لإعادة التوازن للعلاقات الاجتماعية المختلفة، واعترفت الإجراء بكثير من الحقوق لا سيما حقهم في التنظيم النقابي إذ يشكل التنظيم الجماعي لعلاقات الشغل أهم مستجدات العصر الحديث. إذ بالرجوع إلى المادة 8 من دستور المملكة المغربي لسنة2011 نجدها تنص تساهم المنظمات النقابية للإجراء والغرف المهنية المنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن حقوق و المصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها في النهوض بها. ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بكل حرية…..
وهكذا فمن خلال ما سبق تتجلى أهمية الحرية النقابية من خلال اهتمام المشرع بتنظيمها والاعتراف بالحرية للإجراء في ممارسة النشاط النقابي وتأسيس المنظمات النقابية من خلال المادة 8 من الدستور إضافة إلى مدونة الشغل التي نظمت تأسيس المنظمات النقابية وكيفية تسييرها وحددت مجال ونطاق ممارسة نشاطها إذ يمنع عليها مثل ممارسة النشاط السياسي وبالمقابل منعت تدخل الأحزاب السياسية في الأعمال النقابية.
أما على مستوى العمل الواقعي فان النقابة تلعب دورا مهما في تنظيم علاقات الشغل الاجتماعية بين الأجراء والمشغلين إذ تعمل على حماية الأجراء بالدرجة الأولى وتسعى إلى تحقيق مطالبهم وضمان حقوقهم الاجتماعية إذ تعمل على التفاوض مع المشغلين لتوفير الشروط الصحية للشغل,وتحديد الأجور وتحديد ساعات العمل والحق في الراحة الأسبوعية إلى غيرها من الشروط، وتسعى إلى تحسين وضع الأجراء باعتبارها تمثل الأجراء أمام أرباب العمل.
وتعتبر المنظمات النقابية من بين أهم التنظيمات الاجتماعية التي أنتجتها العبقرية الإنسانية وهي شكل حضاري للتداول ومعالجة أمور الشغل وتنظيم وتمثيل الأجراء، وتعد النقابة ظاهرة إجتماعية ظهرت لأول مرة في أوروبا في شكل تنظيمات عمالية مناهضة لأصحاب العمل، من أجل التفاوض الجماعي حول الأجراء وتحسين ظروف العمل غير أنه سرعان ما إنتقلت إلى هيئات أخرى غير عمالية وانتشرت بعد ذلك لتشغيل هيئات مختلفة كهيئة المهندسين وهيئة المعلمين، وهيئة الأطباء، والصيادلة، والكتاب، والموسيقيين والممرضين بشكل عام، وأصبحت بعد ذلك أمورا أساسيا في كل قطاع أو هيئة، وشريكا اجتماعيا في كل إصلاح اقتصادي وبناء اجتماعي شأنها في ذلك شأن باقي مكونات المجتمع المدني وتعاونيات.
وبناءا على ما سبق فالمنظمات النقابية عبارة عن إطار مهم يجمع أشخاص يمارسون نفس النشاط وتجمعهم نفس المهنة ومصلحة اجتماعية معينة والغاية من تأسيس النقابة الدفاع عن المصالح المهنية للمنخرطين فيها، وتحسين شروط عملهم ,لان النقابة أولا وقبل كل شيء تنظيمات ذات هدف مهني محض تساهم في تحسين ظروف العمل والدفاع عن مصالح الأجراء.
والحرية النقابية كمبدأ عام يشمل مواضيع متعددة، سنحاول معالجة أهمها.
الفصل الأول : النقابات المهنية.
المبحث الأول: مفهوم النقابة وطبيعتها القانونية.
المطلب الأول: تعريف النقابة وتمييزها عن غيرها من الهيئات المشابهة.
المطلب الثاني: الجانب الفردي للحرية النقابية.
المطلب الثالث: الجانب الجماعي للحرية النقابية.
المبحث الثاني: تاريخ الحركة النقابية.
المطلب الأول: تاريخ الحركة النقابية على مستوى الدولي.
المطلب الثاني: الحركة النقابية ضمن المواثيق الدولية.
المطلب الثالث: تاريخ الحركة النقابية على المستوى الوطني.
الفصل الثانــي: النظام القانوني للنقابات.
المبحث الأول: الحرية النقابية بين المفهوم والتأسيس.
المطلب الأول: مفهوم الحرية النقابية وأساسها.
المطلب الثاني: تأسيس النقابة وكيفية تسييرها.
المطلب الثالث: الأهلية القانونية للنقابة وحلها.
المبحث الثاني: أدوات العمل النقابي.
المطلب الأول: الممثل النقابي والمكتب النقابي كمظهر من مظاهر ممارسة النشاط النقابي.
المطلب الثاني: الإضراب كمظهر ثاني لممارسة النشاط النقابي.
المطلب الثالث: إشكالية التمثيلية النقابية.
الفصل الأول: مفهوم الحرية النقابية وتاريخها.
يظهر من خلال التطور التاريخي لعلاقات الشغل لاسيما في ظل الرأسمالية المطلقة، أن ردود فعل الطبقة العاملة كانت تتسم بالعنف، لأنه لم يوجد من خيار أمامهم لمواجهة الطبعة الرأسمالية سوى العنف كسلاح للدفاع عن مصالحهم، وهذا فرض على الدولة ضرورة التدخل لإعادة التوازن للعلاقات الإجتماعية المختلة عن طريق القانون، لأن الظلم الذي لحق الطبقة العاملة حينها استحال معه بقاء الدولة على موقفها الحيادي غير أن تدخل الدولة في تنظيم علاقات الشغل لا يمكن إرجاعه إلى كفاح العمال بذاته، وذلك لوجود عوامل أخرى تدخلت وفرضت تدخل الدولة، يأتي في مقدمتها الاقتراح العام، هذا بالإضافة إلى اقتناع الطبقة الرأسمالية ذاتها، وزيادة على ذلك تأثير الفكر الليبرالي الذي انتقلت في ظله الدولة من كونها مجرد دولة حارسة إلى دولة متدخلة، وقد تجسد هذا التدخل في تدخل الدولة في تنظيم علاقات الشغل الجماعية.
باقتناع الطبقة الرأسمالية كما سبق الذكر يعني أن استمرار الصراع الطبقي بينهما أي بين الطبقة العاملة، والطبقة الرأسمالية لا محالة سيؤدي إلى تفاقم المشاكل، التي ستهدد المكاسب التي حققتها هذه الطبقة إذا ما اختل ميزان القوة إلى صالحها لأي إلى صالح الطبقة العاملة.واجتمعت هذه العوامل لتمهيد الطريق لتدخل الدولة في علاقات الشغل الجماعية والاعتراف للأجراء بالكثير من حقوقهم، خصوصا حق التنظيم الجماعي، بإعتبار هذا الأخير كفيل بتحقيق أهداف كثيرة متصلة اتصال وثيقا بظروف معيشة الطبقة العاملة، وحياتها اليومية العادية.
كتحديد ساعات العمل، ومراعات شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل بالخصوص كفالة الحد الأدنى للأجور إلى غير ذلك من الضمانات التي يتطلبها أداء العمل النافع.
ومن بين أهم المستجدات التي عرفها مجال علاقات الشغل في العصر الحديث تتمثل في التنظيم الجماعي لعلاقات الشغل. إذ باتحاد الأجير مع زملائه في العمل، بحيث أنه إذا تشابكت المصالح فإنه يصبح قويا لموجهة هذه المشاكل وتخطيها، وأصبح بذلك اتحاد الأجراء فيما بينهم في الوقت الراهن بالنظر للتطور الذي عرفه مجال التشغيل أمرا ذا أهمية قصوى.
إذ أصبحت النقابة تلعب دورا كبيرا في تحسين شروط العمل وظروفه، ناهيك عن دورها في تطوير قواعد قانون الشغل، وخلق التوازن بين عناصر الإنتاج المتمثلة في العمال من جهة والطبقة المالكة لوسائل الإنتاج من جهة أخرى.
والحديث عن النقابة والقانون النقابي المتعلق بها يتضمن مواضيع كثيرة لا يمكن خضرها. لذلك سنحاول التطرق لأهمها. هكذا سنتناول في ( مبحث أول) مفهوم الحركة النقابية وتمييزها عيرها من الهيئات الأخرى المشابهة لها، مع الإشارة لطبيعتها القانونية على أن نتطرق في ( مبحث ثاني) لتاريخ لحركة النقابية.
المبحث الأول: مفهوم النقابة وطبيعتها القانونية.
تضمن الدستور المغربي حرية ممارسة العمل النقابي وتأسيس المنظمات المهنية إذ نجده نص في المادة 8 على أنه ” تساهم المنظمات النقابية للأجراء في الغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها. وتأسيس وممارسة أنشطتها بحرية……”
فما هو التعريف الذي يمكن أن يطلق على النقابة أو أين يتجلى المظهر الفردي والجماعي للنقابة؟
المطلب الأول: تعريف النقابة وتمييزها عن غيرها من الهيئات المشابهة.
الفقرة الأولى: تعريف النقابة.
جاء في الفصل الأول من ظهير 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية أن ” القصد الوحيد من النقابات المهنية هو الدرس والدفاع عن المصالح الإقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها” والملاحظ بخوص هذا النص أنه جاء على غرار أصله الفرنسي. قاصرا فيما يتعلق بإعطاء تعريف دقيق للنقابة حقيقة إن هذه الأخيرة تتولى الدرس والدفاع عن المصالح الإقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها، إلا أن هذا ليس هو هدفها الوحيد. وليست هذه الأعمال هي وحدها هي حل نشاط النقابة، فمما لاشك فيه أن هنالك جوانب أخرى لعمل النقابة غير الجانب المادي للمطالب المهنية التي أراد الفصل الأول من ظهير 16 يوليوز 1957، حصر نشاط النقابة في نطاقه. حاليا تقوم كذلك بالدفاع عن المصالح المعنوية لمنخرطيها بنفس القوة التي تدافع بها عن المصالح المادية وتقوم أيضا بتمثيل المهنة والدفاع عنها أمام مختلف الجهات كما أن النقابة في النهاية عبارة عن منظمة إجتماعية، تحاول توفير الأمان لأعضائها من بعض مخاوف الحياة، كما توفر لهم الفرص لتنمية قواهم وقدراتهم وأوضاعهم الإجتماعية، وهي كلها أمور لا تظهر من خلال الفصل الأول من ظهير 16 يوليوز 1957. خلاصة القول، أن ما أورده المشرع المغربي بخصوص تعريف النقابة ناقص وغير كامل. فصيغته لم تكن شاملة لكل العناصر المبلورة للنقابة، مما يجعلنا نقول مع الفقه .أن النقابة عبارة عن ” تجمع الأشخاص يمارسون مهنة معينة، يتفقون فيما بينهم على بذل نشاطهم، وتخصيص جزء من مواردهم على وجه دائم ومنتظم لتمثيل مهنتهم والدفاع عنها وحماية مصالحهم وتحسين حياتهم بالإضافة إلى المشاركة في إدارة وتنفيذ السياسة الوطنية اقتصاديا واجتماعيا”.
الفقرة الثانية: تميز النقابة عن غيرها من الهيئات المشابهة.
قلنا فيما يخص تعريف النقابة أنها عبارة عن تجمع لمجموعة من الأشخاص ولكن هل أي تجمع لمجموعة من الأشخاص إلا ويصدق عليه مصطلح “نقابة”؟ مما لاشك فيه أن تجمعات الأشخاص سواء كانت هذه الأخيرة طبيعية أو معنوية،تختلف من حيث الغرض منها، ومن حيث النشاط الذي تقوم به، وكذلك من حيث الأشخاص الذين ينتسبون إليها، وهو ما يفرض علينا التميز بين النقابة كتجمع لمجموعة من الأشخاص وغيرها من التجمعات المشابهة.
-
أولا: التميز بين النقابة المهنية والحزب السياسي:
رأينا سابقا أن الفصل أول من ظهير 16 يوليوز 1957 يحصر نطاق عمل النقابات المهنية في الدرس والدفاع عن المصالح الإقتصادية والصناعية والتجارية الفلاحية والخاصة بالمنخرطين فيها وهو ما يستفاد منه أن غير هذه الأنشطة يكون محظورا على النقابة المهنية كالنشاط السياسي، إلا أن الواقع العملي يستشف منه أن هناك في الحقيقة علاقة وثيقة بين النشاط النقابي والنشاط السياسي، خصوصا وأننا نلاحظ مدى الارتباط الوثيق الذي تعرفه الساحة الوطنية بين الحزب السياسي من جهة والإتحاد النقابي من جهة ثانية.
ومع ذلك، فإنه عل مستوى التحليل القانوني الصرف، تبقى هناك مميزات خاصة بكل من المهنيين، مميزات تؤكد التفرقة بين النقابة المهنية من ناحية والحزب السياسي من ناحية ثانية.
فالنقابة المهنية، هي عبارة عن تكتل تستهدف عن حقوق العامل وتحسين ظروفه من غير أي التزام سياسي سبق من العامل كشرط لانتمائه النقابي كما أن غاية النقابة المباشرة هي تحسين وضعية العامل، بحيث إن العمل النقابي يكتسي صبغة اللامركزية التي لا تمس مبدئيا سوى المعمل أو المهنة. أما الحزب السياسي فهو جمعية غايتها السياسية النشاط السياسي، فهدف الحزب هو تطبيق برنامجه العام، حيث أنه يحاول جعل الواقع الإجتماعي اليومي يعيش مثله الأعلى ووسيلته في ذلك الحكم، ومن جهة أخرى فإن العمل السياسي للحزب يكتسي طابعا مركزيا يعم جميع فروعه ومشكلاته.
وهكذا فالنقابة تختلف عن الحزب السياسي من حيث الغاية، كما تختلف أيضا من حيث شروط الإنخراط إذ أن الحزب السياسي يكون مفتوحا في جميع المواطن وإنما يقتصر حق الإنخراط فيها على الأشخاص الدين يمارسون نفس المهنة، أو الأشخاص الذين يمارسون مهنا مرتبطة أو متشابهة.
-
ثانيا : التميز بين النقابة المهنية والشركة.
لا تثير التفرقة بين النقابة المهنية والشركة في الحقيقة أي صعوبات طالما أن النظام القانوني الذي يحكم أحدها متميز كل التمييز عن النظام الآخر، وطالما أن الفروق بينهما واضحة وجلية.
فالشركة قد تتكون شأنها في ذلك شأن النقابة المهنية من مجموعة من الأشخاص ولكن يمكن أن تكون من شركات الأموال، وبحيث تتكون حينئذ من مجموعة من الأموال ، ثم أن الغاية من وراء تأسيس الشركات هو تحقيق الربح وتوزيعه بين الشركاء في حين أن الغرض من تأسيس النقابة هو الدرس والدفاع عن المصالح المهنية لمنخرطيها. وإذا كانت النقابة تتمتع شأنها في ذلك شأن الشركة بأهلية تملك المنقولات والعقارات فإنها تمارس عليها في هذا الخصوص رقابة من قبل السلطة المحلية، وذلك على خلاف الشركة، فأهلية الأخيرة لتملك الأموال لأحدهما ولا تخضع لأية رقابة.
-
ثالثا: التميز بين النقابة المهنية والجمعية.
تطلق صفة الجمعية في القانون المغربي على كل ” اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخص أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم. من خلال هذا التعريف يبدو أن النقابة تقترب في طبيعتها من الجمعية. وخصوصا وأن كلا منهما يمنع عليه ممارسة نشاطه لغاية تحقيق الربح وتوزيعه. وإن القواعد التي تحكم كلا منهما تقترب كثيرا فيما بينهما. ومع ذلك توجد الكثير من الفوارق التي تميز النقابة عن الجمعية، لعل أهمها موضوع كل منهما وصفة الأشخاص الذي يشكلونها.
فبالنسبة لموضوع النقابة ووفقا لنص الفصل الأول من ظهير 16 يوليوز 1957 عدد في الدرس والدفاع عن المصالح المهنية لمنخرطيها، بينما موضوع الجمعية وهدفها هو التعاون المستمر بين أعضائها في أي مجال لا يحرمه القانون طالما لا تهدف من وراء ذلك تحقيق الربح وتوزيعه على أعضائها.
كذلك تختلف النقابة عن الجمعية من حيث شروط العضوية فالنقابة لا ينخرط فيها إلا من يمارس المهنة التي تمثلها النقابة أما الجمعية فيكون ” الانخراط فيها مفتوحا في وجه من يرغب في الانضمام إليها يصرف النظر عن النشاط المهني الذي يمارسه.إضافة إلى ما سبق قوله فأعضاء النقابة هم دائما من الأشخاص الطبيعيين في حين أن أعضاء الجمعية يكونوا أشخاص طبيعيين وقد يكون أشخاص اعتباريين.
-
رابعا: التمييز بين النقابة المهنية والتجمع.
تختلف النقابة أيضا عن التجمع، وذلك في عدة نواحي فالتجمع هو بمثابة حدث مؤقت غير دائم، يجمع أعضاءه غرض معين لتدارسه، بحيث ينتهي بتحقيق الغرض الذي وجد لتحقيقه أو بتعذر تحقيقه، ولا يتمتع بالشخصية المعنوية القانونية، وليس هنالك أي رابطة بين أفراده ينتج عنها التزامات تقع على عاتقهم، وهذا على عكس النقابة المهنية، فبحكم وظيفتها تتمتع بالشخصية المعنوية القانوني، وتنشأ بين أعضائها رابطة يترتب عليها التزامات قانونية تقع على عاتق أعضائها، زيادة على كونها تتمتع بالشخصية المعنوية فهذا يوفر لها استقلال عن أعضائها، هذا الإستقلاق يمنحها حقوق ويفرض عليها التزامات.
إضافة إلى تمتعها بذمة مالية مستقلة. وكل هذه الخصائص لا تتوفر في التجمع.
الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للنقابة.
إن تحديد الطبيعة القانونية للنقابة تعد من أكثر المواضيع التي شغلت الفقه المقارن عقب ظهور النقابات وانتشارها وازدياد الإهتمام بها، باعتبارها من أهم المظاهر المميزة لعلاقات الشغل، فهل الطبيعة القانونية للنقابة هي طبيعة عقدية تخضع للعقود بصفة عامة أم أنها خصوصية ينشئها عقد خاص؟ لقد اختلفت الآراء الفقهية حول تحديد الطبيعة القانونية للنقابة، فقد ذهب البعض إلى اعتبار النقابة شخصا معنويا من أشخاص القانون الخاص، وقالوا تبعا لذلك بطبيعتها العقدية، وذهب البعض الآخر إلى القول بأنها شخص معنوي من أشخاص القانون العام، وعارضوا تبعا لذلك طبيعتها العقدية، في حين اتخذ البعض موقفا وسطا .وعليه سنتطرق إلى الطبيعة العقدية للنقابة ( أولا) ثم الطبيعة النظامية ( ثانيا) وأخيرا الطبيعة الخاصة للنقابة ( ثالثا).
-
أولا: الطبيعة العقدية للنقابة:
يرى جانب مهم من الفقه المقارن أن النقابة شأنها قي ذلك شان الجمعية تعتبر من طبيعة عقدية، فكلاهما يخضع لما يخضع له العقود بصفة عامة، من حيث شروط التكوين التي تبقى خاضعة أساسا لتبادل الرضا بين الطرفين، وكذلك الإلتزامات التي تنتج عن هذا التبادل للرضا سواء في ذمة المنخرطين أو في ذمة النقابة حيث يلتزم الأولون بسداد الإشتراكات السنوية والعمل على عدم إطفاء شمعة العمل النقابي على مستوى المؤسسة أو على مستوى المهنة، أما فيما يتعلق بالنقابة فهي تلتزم بالدفاع عن مصالح منخرطيها ومصالح المهنة. وبالتالي فهذا الجانب من الفقه يرى أن النقابة شخص من أشخاص القانون الخاص ذو طبيعة عقدية، حقيقة يضيف بعض الفقه إن التطور التشريعي سمح للنقابة باكتساب حقوق وصلاحيات تخرج عن إطار الحقوق والصلاحيات المعترف لها لأشخاص القانون الخاص، إلا أن هذا لا يمكن أن يغير من الطبيعة القانونية للنقابة، فالتجمعات النقابية سواء تجمعات أصحاب الأعمال أو العمال نظرا لما تتصف به من خصائص تتمثل في التأسيس وأيضا حرية ممارسة النشاط النقابي، يختلق إختلافا كبيرا من الهيئات المهنية الأخرى التي تشكل بمقتضى القانون في بعض المهن.
هذا الاتجاه الفقهي تعرض لعدة انتقادات من طرف الفقه المعارض لهذا الاتجاه، فهذا الجانب من الفقه المعارض يرى أن هناك اختلافات جوهرية بين العقد والنقابة لدرجة قيام تعارض مطلق بينهما يحول دون إضفاء الطابع العقدي على النقابة، من جهة فالعقد يتولد عن إرادتين مختلفتين – أو أكثر – تهدفان إلى تحقيق أهداف ومصالح مختلفة، أما النقابة فهب تتولد عن إدارة جماعية تهدف إلى هدف مشترك هو الدفاع عن المصالح المهنية المشتركة من جهة أخرى يلاحظ بأن العقد ينشيء مراكز قانونية فردية في حين أن النظام الأساسي للنقابة يخلف مراكز موضوعية، متشابهة بالنسبة لجميع المنخرطين وعليه فالقول بالطبيعة العقدية للنقابة من شأنه أن يمس بخصائص ومميزات النقابة كإحدى المظاهر الرئيسية لعلاقات الشغل الجماعية، وكانت النتيجة أن أصبح العديد من الفقه يرى أن الطبيعة القانونية للنقابة هي أقرب إلى المؤسسة كتجمع يهدف تحقق هدف مشترك منها إلى العقد.
-
ثانيا: الطبيعة النظامية للنقابة.
يرى أنضار هذا الاتجاه أنه إذا كانت النقابة بحسب نشأتها التاريخية، أو باعتبارها صورة من صور الجمعيات الخاصة تعتبر من أشخاص القانون الخاص، فالملاحظ في الوقت الحالي أنها تشارك مشاركة فعلية وفعالة في تخطيط السياسة العامة للعمل وتنظيمه، أيضا تلعب دور أساسي في مناقشة المسائل التي تتعلق بالأجور وظروف العمل، كما منحها المشرع شخصية معنوية مستقلة عن أعضائها، تؤهلها من تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة وقبول المنح والتبرعات في كل ما تحتاج إليه لتحقيق أغراضها، أيضا لديها الحق في توظيف أموالها في استثمارات مالية أو إنتاجية وإدارة أموالها المنقولة وغير المنقولة والتصرف فيها بمختلف أشكال التصرفات القانونية هذا الاتجاه الفقهي يعتبر النقابة بمثابة مؤسسة، فهي نظام قانون بين المشرع طريقة تكوينه والإنخراط فيه، وأيضا سطر أهدافه وكيفية انقضائه، كما أن نشاطها يظل محكوما بالإرادة المشتركة لأعضائها الرامية إلى تحقيق مصلحتهم الجماعية والمشتركة، إضافة إلى كونها تتمتع بتنظيم داخلي خاص بها وتبقى مستمرة في نشاطها. بغض النظر عن التغيرات التي تطرأ على عناصرها البشرية سواء كانوا أعضاء مسيرين أو منخرطين عاديين، وجميع هذه الخصائص تجعل النقابة تتمثل فيها صفات المؤسسة وتبعدها بالتالي من الطابع العقدي – إلى جانب خصائص أخرى تتميز بها النقابة تجعلها بعيدة عن العقد كقبول أعضاء جدد أو قبول استقالة أعضاء آخرين وتمتعها في مواجهة منخرطيها خاصة تلك المتعلقة بتأديبهم، ومسؤوليتها القانونية في مواجهة عدد من الأطراف بطريقة مستقلة عن الأعضاء بالإضافة إلى تملكها سلطة قي مجال تنظيم العمل من خلال ما تخوله لها التشريعات من حق في إبرام الإتفاقيات الجماعية أما الفقه المغربي الذي تناول الموضوع، فقد ذهب جانب منه إلى أن نظام المؤسسة يبقى ” الأجدر بالإعتبار بالنسبة للنقابة، فالمشرع بوضعه نظاما خاصا لها وتطور هذا الأخير حاليا لمعانقة الواقع العملي ما يؤيد طابع النقابة المؤسسة”.
-
ثالثا: الطبيعة الخاصة للنقابة:
كما سبقت الإشارة فهناك جانب من الفقه ينصرف إلى الطبيعة العقدية للنقابة وآخر يؤيد طبيعتها النظامية، فقد برز اتجاه آخر يرى أن النقابة كشخص معنوي لا يمكن أن تعتبر في القانون المغربي إلا كهيئة خصوصية ينشئها عقد خصوصي لكن من نوع خاص، بحيث يمكن إلحاقه بما يسمى عقد نظام بمعنى أن المشرع يضع قواعد قانونية تتصف بصفة النظام العام الإنشاء وضعية قانونية ويترك للأشخاص الحرية ليضعوا أنفسهم أولا في هذه الوضعية، فإذا اختاروا وضع أنفسهم فيها، فإنهم ملزمون بإتباع القواعد التي حددها المشرع. أي أن مبدأ سلطان الإرادة يقتصر على حرية إبرام العقد أو عدم إبرامه لكن هذا المبدأ لا يلعب إلا دورا ضعيفا في تحديد شروط العقد وآثاره..ويذهب هذا الجانب من الفقه إلى القول أن النقابة لا يمكن أن تكون إلا تجمعا خاصا ينشئه عقد خاص، فلا يمكن القول أنها شخص معنوي عام أو حتى شبه عام، حقيقة أنها تتمتع بشخصية معنوية مستقلة عن منخريطها، وتسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية مشتركة لهؤلاء المنخرطين وتتمتع في مواجهتهم بصلاحيات وامتيازات واسعة انطلاقا من نظام قانوني حدد المشرع كيفية تكوينه والإنخراط فيه، إلا أن هذا كله لا يمكن أن يجعل منها شخصا معنويا عاما أو حتى شبه عام، فهذا الأخير يحدد إنشاءه وتشكيله وطريقة تسييره وتنظيم ماليته وعلاقته مع الغير خارج إطار التعاقد بين الأفراد، في حين نجد النقابة يتقرر إنشاؤها وطريقة تسييرها من قبل الأشخاص المنتمين إلى المهنة وبكامل الحرية، أي يبقى خاضعا للمبادرة الحرة.
وإن كانت النقابة تتمتع في مواجهة منخرطيها بصلاحيات وامتيازات واسعة، ورغم عدم بلوغها درجة صلاحيات وامتيازات الأشخاص المعنوية العامة أو شبه العامة فلا يمكن الأخذ بها كمناط للقول بأنها من طبيعة غير عقدية، فالمؤاجر في إطار علاقة الشغل التي تجمعه مع الأجير يتمتع هو أيضا بسلطات وصلاحيات واسعة تخول له الحق في توقيع جزاءات تأديبية عليه عند اقترافه المخالفات التي تستوجب هذه العقوبات التأديبية، كما تسمح له صلاحياته الواسعة بالتمتع بسلطة تنظيمية داخل مؤسسة تسمح له بأن يسن من القواعد ما يلزم به العمل داخل مؤسسة أي أنه بمثابة مشرع داخل هذه المؤسسة له سلطات واسعة لا تقيدها سوى قواعد النظام العام. ومع كل هذا لم يقل أحد بان العلاقة التي تربط المؤاجر بأجرائه انطلاقا من صلاحياته وسلطاته هي علاقة غير تعاقدية.
ومن هنا يخلص هذا الجانب من الفقه بالقول أن النقابة كشخص معنوي لا يمكن أن تكون إلا كتجمع خاص ينشئه عقد خاص، ولا مجال للقول بأنها شخص عام أو شبه عام، فنظام هذه الأخيرة لا ينطبق إطلاقا على التنظيمات النقابية، حيث لا وصاية لسلطة الإدارة عليها، فضلا عن استقلالها المالي عنها.
المطلب الثـانـي: الجانب الفردي للحرية النقابية.
من المبادئ الأساسية للحرية النقابية ضمان حرية الأجير في تأسيس نقابة والإنضمام والانسحاب منها حسب اختياره وعدم جواز اضطهاده.
فالاضطهاد العضو النقابي بسبب نشاطه النقابي يعتبر بمثابة اعتداء على إحدى أهم الحريات الفردية الأساسية، ألا وهي الحرية النقابية التي تكفل حرية ممارسة النشاط النقابي دون اضطهاد، مع الحق في الانسحاب من النقابة وقت ما يشاء، مع احتفاظ النقابة بحق المطالبة بواجب الإشتراك المفوض أداؤه على الشهر السنة الموالية لقرار تاريخ الإنسحاب، وهكذا ما أكدته المادة 402 من المدونة.
الفقرة الأولى: حرية الإنخراط أو عدم الإنخراط في التزامات.
-
أولا: حرية الأجراء في الإنضمام إلى النقابات.
تقتضي الحرية النقابية حماية العمال النقابيين والعمال الغير النقابيين، فلا يجوز لرب العمل أن يمتنع عن استخدام طالب للعمل لأسباب نقابية. كما يعتبر فسخ عقدة لأسباب نقابية فسخا تعسفيا.
ويعتبر حق الأجراء في الانضمام إلى التنظيم حسب اختيارهم من أهم مظاهر الحرية النقابية، وذلك لأنه يجسد أهم الحقوق الفردية السياسية، ألا و هي كفالة الحق النقابي، كما يجسد حق جماعي مرتبط بحقوق المنظمة النقابية نفسها. وقد كفل المشرع المغربي هذه الحرية بشكل واسع.
-
ثانيا: حرية الأجراء في عدم الانضمام إلى النقابة.
من مظاهر الحرية النقابية كذلك على المستوى الفردي حرية الأجراء في عدم الانضمام إلى النقابة أو الانخراط في أي تنظيم نقابي على الإطلاق، فالأجراء قد لا يرغبون في أي انتهاء نقابي، كما أن بعضهم قد لا يرغب في الانتماء مخافة ما قد يتولد على ذلك من صراع بينه وبين المشغل، لما يمكن أن يكون لذلك من انعكاسات قد تصل إلى حد الطرد. ولهذا تعتبر تعسفية وغير مشروعة الاضطرابات التي يقوم بها العمال النقابيون لحمل رب العمل على طرد العمال الغير المنتمين نقابيا أو المنسحبين من منظمة نقابية.
الفقرة الثانية: حق الأجير في الانسحاب من النقابة وحمايته من الاضطهاد بسبب نشاطه النقابي.
-
أولا : الحق في الانسحاب من النقابة.
إذا كانت الحرية النقابية تخول الفرد الحق في الانضمام إلى النقابة التي يقع عليها اختياره، فإن هذه الحرية تمنحه كذلك الحق في الانسحاب من هذه النقابة متى شاء ذلك، إذ لكل شخص حق الانسحاب من النقابة متى أراد ذلك، وهذا ما أكدته المادة 402 من المدونة بالإشارة على أنه.
” لكل عضو في نقابة مدنية، أن ينسحب منها في أي وقت شاء….”
-
ثانيا: حماية الأجراء من الاضطهاد بسبب النشاط النقابي.
يعتبر الانخراط في النقابة أو الامتناع عنه من أهم مظاهر الحرية النقابية على المستوى الفردي، فالانخراط في التنظيمات النقابية حر ومحمي ضد وسائل الضغط سواء من طرف النقابة نفسها أو من غير النقابة، شأنه في ذلك شأن ممارسة مختلف الأنشطة النقابية، فالاعتراف القانوني بحق تكوين النقابات والانضمام إليها يضفي الشرعية على ما يمارسه أعضاؤها من نشاط نقابي، ولذلك فإن التعرض لهذا النشاط أو عرقلته عن طريق اضطهاد أو مضايقة العضو النقابي بسبب نشاطه النقابي يعتبر بمثابة اعتداء على إحدى الحريات الأساسية.
وهذا ما ينص عليه الدستور المغربي الذي يؤكد على كفالة الحريات الفردية والجماعية، كحرية تكوين النقابات والإنخراط فيها كإحدى الحريات الفردية الأساسية، الأمر الذي بمقتضاه يستلزم حماية الأجراء من أي اضطهاد أو مضايقة سواء من جانب النقابة، أو السلطة الإدارية نتيجة لممارستهم حريتهم النقابية طبقا للأنظمة والقوانين الجاري بها العمل أمرا مقررا ومتفقا عليه، فالتشريع المغربي على غرار التشريعات العربية يخول للأجراء المنتمين نقابيا حق التمتع بحماية خاصة.
وهكذا يمنع ربط تشغيل الفرد أو استمراره في عمله بشرط عدم انتمائه لأية نقابة، أو بشرط الخروج منها، كما يحظر فصله، أو الإضرار بحقوقه بأية وسيلة كانت بسبب انتمائه إلى نقابة، أو بسبب اشتراكه في أي وجه من أوجه النشاط النقابي، وطبقا للمادة 428 يمكن أن يتعرض كل معرقل للحق النقابي لغرامات مالية، ” فالأصل في النقابة أنها اختيارية، وبالتالي فإن عضويتها يجب أن تتوقف على إدارة العامل الحرة، بحيث يكون من حقه الإنضام إلى التنظيمات النقابية المهنية” .
المطلب الثالث: الجانب الجماعي للحرية النقابية.
يتخذ الجانب الجماعي للحرية النقابية صورا مختلفة تتجلى في الاستقلال الذي يتعين أن تتمتع به التنظيمات النقابية من مواجهة السلطة العمومية، سواء أثناء تكوينها ووضع نظامها الأساسي، أو خلال اختيار قيادييها وممثليها، أو أثناء ممارسة نشاطها، فضلا عن حمايتها من الحل.
الفقرة الأولى: حرية تكوين النقابات ووضع نظامها الأساسي وإختيار قياديها.
-
أولا: حق النقابة ووضع نظامها الأساسي.
تعتبر حرية تكوين النقابة ووضع نظامها الأساسي من أهم مظاهر الحرية النقابية على مستوى الجماعي، فانطلاق من هذا المبدأ يمكن للنقابة أن تتأسس بكامل الحرية دون أي تدخل من السلطة الإدارية إلا واعتبر ذلك انتهاكا لمبدأ الحرية النقابية، فالحرية في تكوين النقابات تشكل المظهر الصريح للحرية النقابية على مستوى العلاقة بين التنظيمات النقابية والسلطة العمومية. كما تشكل معيارا رئيسيا على استقلالية النقابة عن السلطة الإدارية.
وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أن الحرية النقابية يكرسها التشريع المغربي على نحو واسع مقارنة مع بعض التشريعات العربية ( كلبنان، مصر الأردن، الكويت، سوريا…) فإذا كان المشرع المغربي يعترف للأشخاص الدين يعملون في نفس المهنة، أو مهن متشابهة، أو مرتبطة بالحق في تأسيس النقابات بحرية تامة بدون فرض حد أدنى لعدد المؤسيسين أو تحديد المهن فإن المشرع المصري على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، أكد على أن يتم إيداع الوثائق لدى الوزارة التي لها حق الاعتراض مع تخويل النقابة حق الطعن أمام القضاء.
-
ثانيا: حرية النقابة في اختيار قيادييها.
من مظاهر الحرية النقابية على المستوى الجماعي حرية الإجراء في انتخاب ممثليهم في المنظمة النقابية بدون تدخل من السلطات الحكومية، وقد كفل المشرع المغربي وكذلك التونسي للنقابات حق انتخاب واختيار ممثليها وقياديها بدون أي تدخل من السلطة الحكومية للحد من هذا الحق أو التأثير عليه، بينما نصت أغلب التشريعات العربية على أحكام خاصة تقييد عملية الإنتخابات، كالتشريع السوري والكويتي والمصري الذي اشترط وجوب تحديد عدد أعضاء مجلس إدارة النقابة.
الفقرة الثانية: إستقلال النقابة في ممارسة نشاطها وحقها في الحماية من الحل والإيقاف .
-
أولا: إستقلال النقابة في ممارسة نشاطها.
يقصد باستقلال النقابة، استقلالها عن الدولة شريطة احترامها للقوانين فالتشريع يعترف لها أيضا بالإستقلال في ممارسة نشاطها وتسيير شؤونها الداخلية ويتخذ هذا الإستقلال صور تتجلى أساس في حرية عقد الإجتماعات لأعضائها داخل مباني النقابة، بحيث لا يجوز الحد منه باستلزام إذن سابق، ولا حتى إخطار السلطات العمومية وإلا اعتبر ذلك انتهاكا للحرية النقابية. وهكذا فإن المشرع المغربي على غرار المشرع التونسي والأردني واللبناني لم يضع شروطا لعقد الإجتماعات داخل المباني النقابية أو في المؤسسة ،أما باقي التشريعات العربية فتخضع النقابات لكثير من القيود والمالية والإدارية، فالمشرع السوري وكذا الأردني، اخضعا النقابات للتفتيش الإداري والمالي.وتجسدا لمبدأ استقلال النقابة في ممارسة نشاطها ف السلطة العمومية يتعين أن يحجم التشريع عن تناول القواعد المنظمة لطريقة الإجتماع، وموعده، وأسلوب العمل، وتشكيل الأجهزة الداخلية للنقابة، لأن غير ذلك يعد مساسا بالحرية المكفولة لتسيير النقابة لأعمالها ولشؤونها الداخلية.
-
ثانيا: حق النقابة في الحماية من الإيقاف والحل:
طبقا للإتفاقيات الدولية، لاسيما الخاصة بالحرية النقابية منها، فإنه يمنع حل النقابة بقرار إداري، إذ لا يمكن أن تحل النقابة إلا باختيارها، أو بموجب قانونها الأساسي، أو بحكم قضائي. فالحل اختياري بقرار بإجماع الأعضاء المنخرطين، أو لمجرد الأغلبية وذلك وفقا للقانون الأساسي للنقابة. والحل بموجب القانون الأساسي يتم إذ وجدت بعض الشروط لذلك، كإنشاء النقابة لأجل معين، أما الحل القضائي فيمكن أ يحدث بحكم من المحكمة الإبتدائية بطلب من النيابة العامة.
ومن المبادئ العامة عدم جواز وقف أو حل النقابة بقرار إداري، فالحرية النقابية تقتضي حماية التنظيمات النقابية من وقف نشاطها، أو حلها عن طريق السلطة الإدارية مما يفقدها استقلاليتها وفعاليتها.
فالإستقلال الذي يتعين أن يطبع العلاقة بين النقابة والدولة يتبلور من خلال منع السلطة العمومية من حل التنظيمات النقابية، أو اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يؤدي إلى هذه النتيجة.
وتماشيا مع الإتفاقيات الدولية، لاسيما الخاصة منها بالحريات والحقوق النقابية، فقد كفل المشرع المغربي حماية النقابة من الحل بواسطة الإدارة أو السلطة الإدارية، حيث جعل هذا الإجراء منوطا بالقضاء، أو طبقا لنظامها الأساسي على خلاف تشريعات عربية أخر كالتشريع اللبناني الذي خول السلطة الإدارية حق في حل مجلس الإدارة المتعلق بالنقابة، وتجري انتخابات خلال ثلاثة أشهر، كما أن التشريع المصري خول للوزير المختص أن يطلب من المحكمة الإبتدائية الحكم بحل مجلس الإدارة النقابة إذ ترك العمل أو امتناع عنه أما المشرع الأردني فقد خول للوزير العمل أن يتقدم بدعوى المحكمة طالبا منها حل النقابة في أي من الحالات التالية:
-
إذ ارتكبت أي مخالفة لأحكام قانون العمل بعد أن يكون قد وجه إلى النقابة إنظار خطي قبل تقديم الدعوى.
-
قيام النقابة بالتحريض على ترك العمل.
-
إذ عمدت إلى استعمال القوى والعنف والتهديد…..”
سيتشف مما سبق، أن التشريعات العربية تعطي باليمين لتأخذ باليسار، فقد تخول بعضها للنقابة حرية التأسيس، ثم تعود لتحد من نشاطها، كما تعطي بعضها حق أو حرية النشاط النقابي، فتعطي للسلطة الإدارية حق حلها. أما في الغرب فقد أخذ المشرع بالمفهوم الواسع للحق والحرية النقابية، بحيث يخول الأجراء حرية تكوين وإحداث النقابات يكو ن هدفها الدفاع عن مصالح الإقتصادية، والإجتماعية ، والمعنوية، والمهنية الفردية والجماعية للفئات التي تؤطرها، ودراسة تنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي لمنخرطيها، كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانيين الإقتصادي والإجتماعي ويمكن استشارتها أيضا في جميع القضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها. وبهذا جاءت مدونة الشغل منسجمة ومتناغمة مع اتفاقية الحق النقابي الدولية لسنة 1948 – رقم 87.
المبحث الثـانـي : تــاريخ الحركة النقابية .
كان لظهور الآلة في أوربا خلال الثورة الصناعية أثر كبير على العلاقات الشخصية أو الرابطة التي تجمع رب العمل بالعمال، لدرجة انعدم هذه الرابطة. وتظهور العلاقات بينهما.
وقد تدهورت الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للطبقة العامة في ظل هذا الإطار الجديد لعلاقات الشغل الجماعية. والذي أصبحت بمقتضاه المؤسسات الكبيرة المتوسطة تقوم بكل الأنشطة الإقتصادية، وتشغل إعداد كبيرة من العمال. حيث جعلت المنافسة القوية بين أرباب العمل هؤلاء يستغلون عمالهم أسوأ استغلال، وذلك بإطالة ساعات العمل. وحرموا العمال من وقت الراحة والعطل السنوية، زيادة على ذلك استغلوا النساء والأحداث بطريقة سيئة.
كل هذه الأحداث والوقائع الإجتماعية والإقتصادية التي عاشتها الطبقة العامة ساهمت في إيقاظ وعيها بضرورة اللجوء للإتحاد فيما بينهما وتوحيد صفوفها لتحويل الضعف إلى قوة تمكنها من مواجهة تسلط أرباب العمل واستغلال ظروفهم.
وهذا ما حدث فعلا، حيث اجتمع العمال في اتحادات وتجمعات نقابية للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشتركة، وبهذا يتمكن العامل من مواجهة الضعف والعجز الذي يقف كحاجز في طريق العامل بمفرده في مواجهة مشاكله المهنية وبتسلحه بسلاح قوة الجماعة.
وبداية ظهرت النقابة في الدول الصناعية، ثم انتقلت فيما بعد إلى الدول الأخرى والتي من بينها المغرب. ومن ثمة فتناول هذا المبحث يقتضي تقسيمه إلى ( مطلب أول) نتطرق من خلاله إلى تاريخ الحركة النقابية على المستوى الدولي، على أن تتطرق لتاريخ الحركة النقابية ضمن المواثيق الدولية في ( مطلب ثاني) وفي ( مطلب ثالث) نتعرض لتاريخ الحركة النقابية على المستوى الوطني.
المطلب الأول: تـاريخ الحركة النقابية على المستوى الدولي.
ظهرت النقابات المهنية كمدافع عن العمال في نضالهم من أجل تحسين مستوى معيشتهم وتحسين ظروفهم، وظروف عملهم، إلا أن هذه النقابات اصطدمت بعقبات كبيرة، واجتازت مراحل كبيرة وشاقة من أجل الإعتراف بها وتنظيم المشرع لحقوقها، واعترافه بها قانونا، وترجع هذه العقبات إلى موقف الأنظمة الدستورية والسياسة التي كانت قائمة آنداك إبان الثورة الصناعية، في مختلف الدول خاصة الدول الأوروبية والتي كانت تمنع الأعمال من العمل النقابي، وبالإضافة إلى مقاومة أصحاب العمال أنفسهم المتمثلة في منع النقابة لكونها تدافع عن مصالح العمال.
خاصة وأن النقابات تهدف إلى ازدياد الأجر وتهتم بالعمال وتسعى تحسين ظروف العمل وشروطه من دفع أرباب العمل إلى استخدام نفوذهم، لمكافحة النقابة، وقد ساعد أرباب العمال على تحقيق مرادهم المتمثلة في المنع القانوني للنقابة حركات الإضراب، وما صاحبها من اضطرابات وإخلال بالأمن، مما دفع الحكومات إلى إصدار قوانين تحرم النشاط النقابي. وتصل إلى حد المعاقبة عليه.
إلى أنه بالرغم من المنع القانوني الذي كان يمس العمل النقابي، فقد استمرت كفاحات ونضالات العمال ضد الحيف الإجتماعي الذي كان يستهدفهم وكذلك ضد الإجراءات القانونية التي كانت تحول دون مقاومتهم لهذا الحيف فقاموا بتكوين الجمعيات السرية، مما أدى إلى زيادة حركات الإضراب الذي زاد بدوره من قلق الحكومات فاضطرت هذه الأخيرة الإعتراف للعمال بحق التنظيم النقابي.
وقد كانت بريطانيا السباقة إلى الإعتراف به تم تلتها بعد ذلك فرنسا فيما بعد. وهذا ما سنعمل على توضيحه من خلال الفقرتين الآتيتين.
الفقرة الأولى: الحركة النقابية البريطانية.
يمكن تقسيم تاريخ الحركة النقابية البريطانية إلى مجموعة من الفترات أول هذه الفترات هي إصدار قانون التكتل في سنتين 1799-1800 الذي حرم من النشاط النقابي، حين كان كل تكتل يعالج علاقات الشغل وظروفها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، وقد ظل قانون التكتلات سار إلى أن تم إلغاؤه تحت تأثير قوى العمال، حيث ثم إلغاء جميع قوانين التكتلات سنة 1824. فأصبح تكوين الجمعيات العمالية جائزا للدفاع عن مصالح منخرطيها ومصالح المهنة ككل.
وأصبحت بذلك النقابات تتمتع بالحرية في ممارسة نشاطها النقابي والدي تهدف من خلاله الدفاع عن مصالح العمال وتحسين ظروف عملهم وظروف عيشهم.
غير أن هذه الحرية سرعان ما أفرد لها المشرع البريطاني قيود تحد منها وتحصر نطاقها، حيث أنه بموجب القانون الصادر في سنة 1825 فرض قيودا على حرية النقابات في ممارسة نشاطها مقتصرا على المسائل المتعلقة بالأجور وساعات العمل.
ولم تعرف نقابات بريطانيا حقوق فعالة وقانونية إلا بمقتضى القانون الصادر سنة 1871.
وبموجب هذا القانون أصبحت النقابات بمقتضاه كيان قانوني معترف به، تقوم السلطة العامة بتأطيره وتوفير الحماية اللازمة له.
وإن كانت هذه الحماية ناقصة، حيث أنه وفي نفس السنة صدر قانون آخر يحرم الإضراب على النقابة، بل وصل إلى أبعد من ذلك إذ يعتبره جريمة يعاقب عليها القانون الإنجليزي، إلا أن المشرع الإنجليزي تدارك الأمر.
وخفف من حدت الوضع الناشئ عن قانون 1871 وإصداره في سنة 1875 قانون يسمى ” قانون التآمر وحماية الممتلكات” والذي يحمل في طياته أنه لا يجوز اعتبار أي عمل تقدم عليه جماعة من العمال تأييدا لنزاع مهني معاقب عليه إلا إذا كان من شأن هذا الفعل تكوين جريمة في حالة ارتكابه من قبل أحد الأفراد. وصدر سنة 1906 قانون “المنازعات المهنية” الذي اتبع الحصانة على النقابات. تم تلاه سنة 1913 قانون آخر كفل جريمة العمل للنقابات المهنية بما فيها حرية مزاولة العمل السياسي.
وقد كانت حصيلة هذه القوانين هي الاعتراف القانوني بالنقابات وحرية ممارستها لعملها النقابي.
لم تكن الرغبة في تسوية مشاكل العمل التي تنشا بين منظمات أرباب العمل وبين منظمات العمال ومعترفا بها دائما في بريطانيا العظمى، فقبل مئة عام مثلا كانت الدولة ومدير الأعمال يقطبون وجوههم إزاء محاولات العمال تأسيس منظمات لهم تتولى أحوال العمل وشروطه، وكانت مثل هذه المقاولات تعد خطرا على المجتمع، ولهذا جاء الإعتراف بالحاجة إلى نقابات العمال تدريجيا، ولم يعزز مركز النقابات إلا من عهد الحرب العالمية الماضية 1914 – 1918.
ونقابات العمال البريطانية هي وليدة الثورة الصناعية، ولم تنشأ لوجود نظرية جديدة في الإصطلاح الإجتماعي، وقد قامت الواحدة تلو الأخرى، في جميع الصناعات وفي مختلف إنهاء البلاد. حيث اقتضت ذلك ظروف النظام الصناعي وأحواله.
ولم تكن هناك، في القرون الوسطى، نقابات للعمال ولا في عهد أسرتي تيودور وستيوارت. ففي تلك الأيام، و إن كانت الصناعات يقوم أكثرها على أيدي صناع يعملون في مصانع صغيرة، أو تقوم بها السر في بيوتها، لم تكن هناك ضرورة إلى النقابات للعمال. وكان الصاع في تلك الأيام يأمل أن يصبح سيد نفسه، أما الأسرة فكانت وحدة منفصلة، ترجح في الغالب بين صناعتها وزراعتها، ولم يكن العمال وقتئذ متكتلين في إعداد كبيرة، بل كانوا موزعين في مدن وقرى صغيرة، وكانت الصناعات أقل عددا منها اليوم، ولم تكن هناك مصانع عظيمة واسعة، وكانت معظم الصناعات يدوية أو تقوم على آلات قديمة تدار بقوة المياه.
وأثناء الثورة الصناعية، تعرض العمال إلى صعوبات وظلامات عظيمة. وعندما اتحدوا لمعالجة وضعهم، عطلت منظماتهم. وقد سنت دولة تيودور، منذ القرن السادس عشر، تشريع لتنظيم الأجور وشروط العمل.بل وقبل هذا التاريخ وضع البرلمان قوانين تنص على تحديد الأجور من قبل القضاة المحليين ولما كانت الدولة تحملت مسؤولية تنظيم.
تنظيم شروط العمل وأحواله منعت، بالقانون، نقابات العمال من المطالبة برفع الأجور أو التدخل بأية طريقة أخرى في شروط العمل، كما منعت جمعيات أرابا العمل والمصانع التدخل في مثل هذه الشؤون.
وأهملت بمرور الزمن، سياسة الدولة في التنظيم. وأدى توسيع الصناعة السريع في القرن الثامن عشر إلى خلق ظروف متبدلة متقبلة، لم يتماشى معها تحديد أجور العمل وشروطه إلى أصحاب المصانع والأعمال، ثم قمعت محاولات العمال للتكتل والاندماج من أجل المساومة مع أصحاب العمل حسب القوانين الموضوعة لمناوأة النقابات، وهي قوانين بقيت نافذة على الرغم من أن الدولة لم تعد تتولى أمر تسوية شروط العمل ومشكلاته..
وكان التشريع الجديد الذي وضع خلال القرن الثامن عشر قد منع قيام النقابات بحرفة أو صناعة، كما أصدرت المحاكم أحكاما ضد نقابات العمل، مستندة على هذا التشريع باعتبارها من مقيدات الصناعة والتجارة، وهو أمر يخالف القانون العام. وكان أثر منع النقابات أصحاب الأعمال من وجهة عملية، ضئيلا لا يذكر وفي آخر القرن الثامن عشر اتخذت خطوة حاسمة أخرى بصدور قانون النقابات عام 1799 – 1800.
لتنفيذ تحريم إنشاء النقابات في جميع الحرف والصناعات تحريما عاما، وعلى الرغم من هذا التحريم استمر تأسيس المنظمات إلا أن أعضاءها كانوا معرضين في كل لحظة للوقوف أمام المحكمة، وصدور أحكام صارمة ضدهم، ولهذا كانت هذه المنظمات تدار سرا، وكانت اجتماعاتها تعقد في آماكن لا تصل الشبه إليها كما تحفظ أسماء الأعضاء في تكتم كبير، ولم النقابات في ذاك الوقت تستطيع أن تتصل بأرباب العمل صراحة وعلانية، دون أن تتحمل أعظم المخاطر والمجازفات، وفي مثل هذه الأحوال والظروف، لم يكن هناك بدهن وقوع الاضطرابات والالتجاء إلى أعمال الشدة، كما لم يكن هناك سبيل للتسوية السامية، وكان الإستياء من شروط العمل والأحوال والمصانع يؤدي إلى حوادث، كمحاولة لتدمير الآلات التي كانت تعتبر سبب شقاء العمال وآلامهم .
وقد أدت الجهود التي بدلت بتحسين أحوال العمال عن طريق العمل الإجمالي إلى حوادث منها محاكمة شهداء ” توليدل” والدين حكم عليهم في عام 1834 بالإبعاد إلى ما وراء البحر، وذلك لمحاولتهم تشجيع حركة نقابات العمال بين العمال الزراعيين.
وكانت الإتحادات وقتئذ هيئات غير قانونية، كما أن الإنضمام إليها يعد عملا إجراميا، مع أن أهداف الإتحادات لم تكن إجرامية هدامة، ولهذا كان على حركة نقابات العمال، من أيامها الأولى، أن تناظل لنيل حقها في الوجود، ولتأمين الظروف التي تتمكن من السير والعمل في ظلها وهكذا نرى أن جزءا كبيرا من تاريخ حركة نقابات العمال حافلا بكفاح طويل الأمد من أجل الحصول على مركز أو مكانة قانونية والإعتراف بها من قبل الدولة وأرباب العمل.
وقد نجحت نقابات العمال بعدئذ تدريجيا، في الحصول على اعتراف البرلمان بحق قيامها كمنظمات قانونية، وكان إلغاء قانون الإتحادات في عام 1824 – 1825، أول خطوة في هذا لسبيل، وعلى الرغم من أن النقابات العمالية لم تعد تعتبر مؤتمرات غير قانونية إلا أنها لم تستطيع العمل إلا في حدود ضيقة، ومضى ما يقترب من نصف قرن قبل أن تصدر قوانين نقابات خلال 1871 -1875، وهي القوانين التي منحت النقابات منزلة قانونية لائقة، والتي اعترفت بمبدأ المساومة المتضامنة أو الإجمالية.
وفي عام 1867، عينت لجنة ملكية لتدرس مركز حركة نقابات العمال، وفي عام 1871 صدر قانون النقابات الذي سمح لها بالقيام، ونص على أنه لا يجوز اعتبار أهداف نقابة ما غير قانونية لمجرد كونها تؤدي إلى حصر الحرف والتجارة أو تقييدها. وصدر قي السنة ذاتها قانون آخر فرض عقوبات إجرامية على بعض أنواع تنظيم إضرابات العمال ولإقناعهم أو استمالتهم للقيام بها، إلا أن هذا القانون ألغي عام 1875 بصدور قانون آخر جديد، وبه أصبح كل عمل يقوم به أي اتحاد لا يعتبر موجبا للعقوبة إلا إذا كان هذا العمل خرقا للقانون لو قام به أي فرد عادي.
ومسألة حق الإضراب قد شغلت البرلمان في عدد من المناسبات، وكان يسمح للعامل أن يترك عمله إذا كان مستاء من شروطه، وغير أن العقبات والمشكلات ظهرت عند توقف عدد من العمال عن العمل في وقت واحد أي عند قيامهم بحركة إضراب وقد نشأت مشكلات أخرى كثيرة كان لا بد لتشريع من تناولها فحق النقابة في إمتلاك العقارات والأملاك، وفي حماية أموالها عن طريق المحاكم، ومسؤلية النقابة عن أعمال أعضاءها، ومسؤولية موظفين النقابة الشخصية وغيرها، جميعها أمور كان لا بد للبرلمان من تنظيمها عن طريق القوانين ، ومنذ عام 1901، قرر كبار المشرعين أنه لا يجوز محاكمة نقابة ما على أضرار ادعى أو تبث أنها تسببت عن تصرفات أعضاء تلك النقابة، ولما كان كل إيقاف للعمل، مهما قانونيا ينطوي على خسارة مالية تلحق بصاحب العمل، نجد أن أعظم الإضطرابات عناية ودقة في التنفيذ قد تؤدي إلى مقاضاة ومرافعات باهضة التكاليف وقد تناول قانون منازعات العمل الذي صدر عام 1906، هذه من المشكلات.
وموضوع آخر التشريع هو حق نقابات العمال في التدخل والعمل في الحق السياسي والبرلماني وقد لجأت النقابات خلال القرن التاسع عشر إلى استعمال ما سماه كل سدين وبياتريس” ويب ” طريق التشريع القانون” بصورة متزايدة، أي تأمين إصلاح شروط العمل وأحواله عن طريق القوانين الصادرة عن البرلمان. وفي عام 1909، إستحصل و.ف أو سبورن، أحد أعضاء الجمعية المندمجة لموظفي سكة الحديدة على حكم، صدر عن مجلس اللوردات، ينص على تحريم جميع هذه الأعمال السياسية على أية نقابة كانت. وفي عام 1913 جاء قانون نقابات العمال الجديد وسمح للنقابات بالقيام بالعمال السياسية، على أن يكون تمويل هذه الأعمال من أموال سياسية لا صلة لها بأموال النقابات (…).
وفي عام 1914 كان مبدأ المساومة الإجمالية مقبولا لذا معظم الصناعات الكبيرة، على الرغم من بقاء بعض الثغرات الظاهرة، وانطوى قبول هذا المبدأ على اعتراف بكافة نقابات العمال لإجراء المفاوضات بالنيابة عن أعضاءها، لإبرام الإتفاقات الإجمالية باسمهم. وكان من الضروري أن تحوز نقابات العمال اعترافا علميا من الحكومة ومن أرباب العمل، وقد ادعت هذه النقابات قدرتها على التكلم بلسان العمال بصفة عامة لا على بمجرد تمثيلهم في المفاوضات التي قد تجري من أجل الأجور، وهذا يعني أن الحكومة استشارت النقابات عند تناولها مشكلات العمل والصناعة، ولم يقبل هذا الإدعاء الذي قدمته النقابات إلا أثناء الحرب العالمية الماضية 1914 – 1918، وبعدها تم قبلته الحكومات المتوالية وهكذا فتح طريق الإعتراف التام الكامل بهذه النقابات في بريطاينا.
الفقرة الثانية: الحرية النقابية الفرنسية:
ينقسم تاريخ الحركة النقابية الفرنسية إلى فقرتين رئيستين، الفقرة الأولى تميز فيها النظام القانوني الفرنسي بالمنع المطلق للحرية النقابية، أما الفترة الثانية فتبدأ مع نهاية القرن التاسع عشر فاتسمت بالإعتراف بهما بالكامل.
وذلك أنه، وانطلاقا من طبيعة نظام الطوائف الذي كان يميز علاقات الشغل هناك قبل الثورة، والذي كان يقوم أساسا على احتكار الإذن بالدخول إلى الحرفة أو المهنة، واحتكار تمثيلها وتنظيمها، فإن فرنسا لم تعرف التنظيم النقابي كما هو متصور الآن، إلا أنه وبعد الثورة التي شهدتها فرنسا. عمل المشرع الفرنسي على إلغاء النظام المهني الطائفي. لتعارضه مع المبادئ والأسس التي قامت عليها الثورة الفرنسية ومن ضمنها مبدأ حرية الشغل، وعمل في ذات الوقت على محاربة كل التجمعات المهنية لتعرضها من وجهة نظر منظري الثورة الفرنسية مع النظام الإجتماعي والحرية الفردية، وتأكيدا على ذلك أصدر المشرع الفرنسي قانون le chaplier 14-17 يونيو 1791 الذي حرم كل التجمعات المهنية أيا كانت صورتها.وقد دعم المشرع موقفه هذا بعدد من النصوص الجزائية المتتالية، والتي تحرم أي تجمع مهني عمالي تحت أي شكل يتم إنشاؤه.
وعند اندلاع الثورة في فبراير 1848، والتي أقامت الجمهورية الثانية، وتأكيدا لتراجع المذهب الفردي، في نطاق علاقات الشغل تماشيا مع السياسة الجديدة للجمهور الثانية، أصدر المشرع الفرنسي بتاريخ 25 فبراير 1848 مرسوم يعترف بحرية، تكوين الجمعيات، حيث أنشئت على إثره العديد من التجمعات العمالية
إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلا، ذلك أن النظام السياسي الذي أتى به انقلاب 2 ديسمبر 1851، عمل مباشرة على إلغاء مرسوم 25 فبراير 1848 وما يقره من حرية تأسيس الجمعيات المهنية، وأصدر مرسوم مارس 1852 روما يقر حرية تأسيس الجمعيات المهنية، واصدر مرسوم 25 مارس الذي حرم تأسيس أية جمعية مهنية مع الإحتفاظ للإدارة بالحق في السماح استثناء بهذا التأسيس.
وبسقوط الجمهورية الثانية وقيام الإمبراطورية الثانية، أعلنت السلطة حربا على جمعيات العمال، الذين استمروا مع ذلك في نشاطاتهم السرية، وهذا حتى سقطت الإمبراطورية الثانية في سبتمبر 1870، وأن كان هذا السقوط لم يقدم أي حل جذري الإعتراف من عدمه بالحق النقابي حيث استمرت الأمور على هذا النحو بين مد وجزر، وتسامح وقمع حتى سنة 1884، وهي السنة التي شهدت فيها انتصار الحق النقابي في فرنسا والإعتراف القانوني به، وذلك بموجب قانون 21 مارس 1884 الذي تضمن في مادته الأولى الإعتراف بالحرية النقابية وبأهلية النقابة الكاملة وبإلغائه كافة الأحكام القانونية السابقة عليه، والتي تفيد بشكل أو بآخر حق العمال في تكوين النقابات المهنية، كما أقر ولو ضمنيا بالشخصية المعنوية للنقابة، وذلك من خلال السماح لها بتملك الأمور اللازمة لممارسة نشاطها.
وفي ظل الجمهورية الثالثة ازدادت الرعاية التشريعية للحركة النقابية، بإصدار المشرع الفرنسي لقانون 12 مارس 1920 الذي اعترف بصراحة للنقابة بالشخصية المعنوية واعترف لها بقانون أو بصلاحية التقاضي ليس لحماية مجموع المصالح الفردية الخاصة بأعضاءها فقط، وإنما لحماية المصالح الجماعية للمهنة ككل ولو لم تكن النقابة متضررة بشكل مباشرة كما أخذت مكانا بارزا في اتفاقيات العمل الجماعية وفي إجراءات التسوية السلكية لخلافات الجماعية.
وقد دفعت ظروف الحرب العالمية الثانية المشرع إلى إصدار قانون بتاريخ 16 غشت 1940 ومرسوما بتاريخ 9 نونبر 1940 خولا للحكومة الفرنسية حق حل النقابات العمال وأي نقابة ترى بأن نشاطها من شأنه الإضرار بحسن سير أحد فروع النشاط الإقتصادي.
إضافة إلى إصدار المشرع الفرنسي قانونا لشغل بتاريخ 14 أكتوبر 1941 ثم بمقتضاه إلغاء مبدأ الحرية النقابية إذا أصبح بمقتضاه الإنضمام إلى النقابة أمرا إجباريا، كما منع التعدد النقابي للمهنة الواحدة في المكان الواحد إضافة إلى ذلك تضيق حقوق النقابات، وتقيض أهليتها في التملك، زد عن ذلك إفقادها لصفتها التمثيلية كنقابة تمثل العمال. وتعمل على الدفاع عن مصالحهم وتهدف إلى تحسن ظروف عملهم.
وإثر تحري فرنسا واندحار النازية، ثم الرجوع إلى العمل بمبدأ الحرية النقابية بموجب الأمر الصادر في 27 يوليوز 1944 خلته بعد ذلك تغييرا تكبيرة شهدتها الحركة النقابية تمثلت في انتقالها وامتداداها لتشمل الموظفين. هذا ما كرسه دستور الجمهورية لسنة 1946 في ديباجته التي نص فيها على اعتبار الحرية النقابية إحدى المبادئ الإجتماعية الضرورية، بحيث يحق لكل فرد الإنضمام إلى النقابة التي يرى فيها إمكانية الدفاع عن حقوقه ومصالحه.
هذا ما كرسته الجمهورية الخامسة مع دستورها لسنة 1958، كما تم تعزيزها فيما بعد بتشريعات عدة عززت فعالية النشاط النقابي وحريته في فرنسا.
المطلب الثـانـي: الحرية النقابية ضمن المواثيق الدولية.
أصبح العمل النقابي في الوقت الراهن يشكل جزءا لا يتجزأ من حياة الطبقة العاملة في العالم ، فبعد عشرات السنين من المعانات التي تعاني منها هذه الطبقة نتيجة استغلالهم من قبل الطبقة المشغلة استطاعت تحقيق مطالبها المشروعة، التي ضمنت لها الشروط والأوضاع الملائمة للعمل وتحسين ظروف عملها.
إذا كان تحقيق العديد من أهداف الطبقة العاملة، والوصول إليها، واجهته الكثير من الصعوبات فإن الحفاظ على هذه المكتسبات والأهداف، يحتاج إلى جهود كبيرة، وكجزء من هذه الجهود يأتي العمل ضمان الحرية النقابية كشرط أساسي لقدرة العمل النقابي على ضمان توفر الحرية النقابية القيام بدوره في تعبئة العمال وتنظيمه لدفاع عن حقوقهم. وفق مكتسباتهم المشروعة.
هذا ما جعل الحرية النقابية تحظى بمكانة سامية لدى المواثيق الدولية، نادرا ما حصلت على هذه المكانة حرية عامة.
وإذا كانت الحرية النقابية تحظى بهذه الأهمية على مستوى الدولي، فإن العمل على كفالتها ودعم احترامها يعتبران من الأهداف الرئيسية التي بدلت في سبيل تحقيقها جهات مختلفة جهودا كثيرا، كل من موقعها أدت إلى نتائج جد مهمة.
هذا ما سنتناوله من خلال ( فقرة أولى ) نتطرق فيها إلى دور الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية في ترسيخ الحرية النقابية، ودور منظمة العمل العربية والجهود الأوروبية في دعم الحركة النقابية من خلال ( فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: دور الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية في ترسيخ الحركة النقابية.
-
أولا: دور الأمم المتحدة في ترسيخ الحركة النقابية.
منذ المراحل الأولى لتأسيس الأمم المتحدة اهتمت بإقرار مجموعة من الحقوق اعتبرتها أساسية للإنسان، هذا تتجلى من خلال العديد من الإعلانات والإتفاقيات التي أشرفت من خلال أجهزتها على وضعها يعتبر من أهمها:
1– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 قرارا يتضمن الإعتراف بحق النقابات في مزاولة نشاطاتها النقابية بكل حرية ودون أي قيود، إذ تعتبر النقابة في نظر القرار إحدى الضمانات الإجتماعية الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها باعتبارها أساس لتحسين مستوى المعيشية من خلال المطالبة بتوفير شروط العمل الصحية اللازمة للعمل، والعمل على الرفع من مستواها الإقتصادي.
وقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكريسا لمضمون القرار المذكور، صدر عن الأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1948 لينص في الفقرة الرابعة من مادته الثالثة عشر عل حق الإنسان ليس فقط في الإنضمام إلى النقابات بل على التنظيمات النقابية، ونصت على حقه في إنشاء النقابات، هذا ما جاء في نصها:
“لكل شخص الحق في أن ينشأ أو ينظم النقابات حماية لمصالحه”
2- الإتفاقية الدولية بشأن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
بتاريخ 16 ديسمبر 1966 وضعت الأمم المتحدة هذه الإتفاقية، وقد تضمنت مادتها الثانية تعهد الدول الأطراف في الإتفاقية على كفالة:
حق كل فرد في تكوين النقابات بالإشتراك مع الآخرين، والإنضمام إلى ما يختاره منها.
في حدود ما تفرده القواعد المنظمة للنقابة ولا يجب أن يحد من حق ممارسة الحق النقابي سوى الحدود التي رسمها القانون وذلك من أجل المصلحة العامة والنظام العام داخل المجتمع، حماية بذلك لحقوق الآخرين وحريتهم.
حق النقابات في تكون اتحادات وطنية، وحق هذه الأخيرة في تكوين منظمات نقابية دولية وحقها في الإنضمام إليها.
حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، وذلك من أجل صيانة الأمن الوطني أو النظام العام من أجل حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
3 – الاتفاقية الدولية بشان الحقوق المدنية والسياسية.
وضعت هذه الاتفاقية من طرف الأمم المتحدة بتاريخ 16 ديسمبر 1966. وقد جاء في مادتها الثانية والعشرين أن:” لكل فرد الحق في تكوين الجمعيات مع الآخرين بما في ذلك تشكيل النقابات والإنضام إليها حماية لمصالحه.
و ركزت المادة الثانية من نقس المادة على منع لأي قيود من شأنه إعاقة ممارسة الحرية النقابية غير تلك التي وضعها القانون التي يستدعها الحفاظ على الأمن والنظام العام لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
4– إعلان التقدم والتنمية.
في 11 ديسمبر 1969 أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان التقدم والتنمية في الفقرة الأولى من المادة العشرين، والذي نص على الحرية النقابية وحرية التجمع لكل العمال، وتضمن كذلك النص على مشاركة النقابات في التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
-
ثـانـيا: منظمة العمل الدولية ودورها في كفالة الحرية النقابية.
من بين المهام المنوطة بمنظمة العمل الدولية كفالة الحق النقابي واحترام الحرية النقابية. هذا ما يبدو جليا من خلال الوثيقة التي أنشأتها. ومن الأهداف التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها وكذلك من خلال مجموعة الإتفاقيات والتوصيات التي صدرت عنها في هذا الشأن، نذكر من بينها :
1– معاهدة فرساي دستور المنظمة.
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهر الإهتمام الدولي بموضوع الحف النقابي وكفالة الحرية النقابية مباشرة، إذ ساهمت مجموعة من العوامل في الإهتمام بظروف الطبقة العاملة، منها ما هو اقتصادي واجتماعي، وذلك من خلال الإهتمام بخلق مجتمع دولي تسوده العدالة الإجتماعية، واهتمام لسلطات السياسية في مختلف الدول أكثر بالنتائج التي تترتب عن التوترات الإجتماعية، بالإضافة طبعا إلى الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه منظمات نقابية على مختلف الأصعدة ، هذا الدور الذي منحها إمكانية تحرير الجزء الثالث عشر من معاهدة فرساي والتي بمقتضاه تم إنشاء منظمة العمل الدولية.
وفي الفصل 27 من الوثيقة المتعلقة بإنشاء منظمة العمل الدولة، إضافة إلى الفقرة الثانية من الفصل 41 من دستورها تم النص على أن من بين الأهداف التي ترمي إليها المنظمة ” حق التجمع على جميع الأهداف غير المنافية للقانون، سواء بالنسبة لأصحاب الأعمال أو العمال”.
كما تضمنت ديباجة دستور منظمة العمل الدولية ” إقرار مبدأ الحرية النقابية من الأمور التي يجب تحقيقها في إطار تحسين ظروف العمل وتجاوز السخط الذي يهدد السلم والتفاهم الدوليين”.
2- إعلان فيلادلفيا.
صدر عن مؤتمر العمل الدولي في دورة انعقاده السادسة والعشرين في فيلادلفيا بتاريخ : 10 ماي 1944، حيث حل محل فصل 41 من دستور المنظمة، والذي كان هو نفسه الفصل 427 من معاهدة فيرساي للسلام.
وبعد ذلك أصبح هذا الإعلان جزء لا يتجزء من النظام الأساسي لمنظمة العمل الدولية منذ دخولها حيز التنفيذ لسنة 1946.نص هذا الإعلان في مادته الثانية على أن حرية التعبير وحرية الإجتماع وتكوين النقابات لا غنى عنه، إذ صار من الضروري بالنظر للتطور الذي شهده مجال العمل والتشغيل والمواكبة التطورات الإقتصادية والإجتماعية.
وبذلك يكون المؤتمر السادس والعشرين لمنظمة العمل الدولية قد أضاف من خلال إعلان فيلادلفيا أبعاد جديدة لبرنامجها تتفق مع حالة التقدم في العلاقات المهنية والتحضر على الساحة الإجتماعية والثقافية وذلك بهدف أن يكون للعمل نصيب من ثمار تلك الحالة.
3- الإتفاقية العمل الدولية رقم : 87 لسنة 1948:
تقوم منظمة العمل الدولية على إصدار اتفاقية وتوصيات تعتبر من الأدوات المهمة التي تساهم في تطور ونمو علاقات الشغل، حيث عالجت هذه المنظمة الدولية، من خلال مجموع من الإتفاقيات والتوصيات موضوع الحرية النقابية، تعتبر إتفاقية رقم 87 من بين هذه الإتفاقيات التي جاء فيها وبدون تمييز الحق في تكوين المنظمات التي يختارونها بأنفسهم.
والإنضمام إليها بأنفسهم دون حاجة للإذن سابق.
ومن خلال دور الإتفاقية في ترسيخ وحماية الحق والحرية النقابية، ركزت الإتفاقية على ضرورة تمتع المنظمات النقابية باستغلالها لمواجهة الدولة، وكان لابد من استغلالها في اختيار ممثليها ووضع نظامها الأساسي، إضافة إعادة برامجها بكامل الإستقلالية والحرية،و وذلك حتى يتسنى لها القيام بدورها التمثيلي والدفاع عن مصالح العمال هذا ما حتم على الدول الإمتناع عن التدخل بأي صورة كانت لتحديد العمل النقابي.
كما أعطت الإتفاقية. الحق لمنظمات العمال ومنظمات أصحاب الأعمال حق تكوين اتحادات نقابية أو أية منظمات مماثلة، وحقها في الإنصمام إليه، ولها كذلك حق الإنضمام إلى منظمات دولية للعمال وأرباب العمل.
4- اتفاقية العمل الدولية رقم 98 لسنة 1949.
عملت على إصدارها منظمة العمل الدولية سنة 1949، كتكملة الإتفاقية رقم 87، حيث أرادت بها حماية أهم للنقابات ، تمثلت في المفاوضة الجماعية حيث نصت على ضرورة توفير للعمال وسائل الحماية الكافية ضد العمال التي حد من حريتهم النقابية، وبصفة خاصة حمايتهم من الخضوع عند تشغيلهم بشروط عدم الإنضمام لنقابة ما أو التنحي عن عضوية نقابيتها، أو فصل عامل أو الإضرار به بأية ضرورة كانت، لكونه عضو في نقابة في أو لمشاركته في النشاط النقابي في غير ساعات العمل أو خلال ساعاته بموافقة صاحب العمل.
5– لجنة تقصي الحقائق والمصالحة في موضوعات الحرية النقابية
لا يقف الدور الذي تلعبه منظمة العمل الدولية في نطاق خلق قانون الد ولي للشغل عند حد مجال التشريعي، وإنما تصل من خلالها ما تعمل على إصداره من توصيات واتفاقيات، إلى حد الوظيفة الرقابية التي تضطلع بها، في إقرار قواعد دولية لا يكفي لكفالة الحرية النقابية، كما لا يكفي التزام الدول بشأن تطبيق قواعد العمل الدولية في حماية الحرية النقابية.
لذلك لجأت منظمة العمل الدولية بتاريخ يناير 1950، من خلال اتفاق مجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع لأمم المتحدة مع مجلس إدارة العمل الدولية إلى خلق نظام خاص لتطبيق قواعد الحرية النقابية، للعمل على تلقي ما قد يصل إلى المنظمة من شكاوى بشأن مخالفات قواعد الحرية النقابية، سواء تقدمت بهذه الشكايات النقابات العمالية، أو منظمات أرباب العمل أو حومات ذاتها. وتمارس المنظمة الدولية إجراءات العمل على الحرية النقابية من خلال لجنتين، لجنة الحرية النقابية ولجنة تقصي والمصالحة، حيث تعمل هذه اللجنة الأخير على إجراء اتصالات مع الجهة المعنية لبحث ما قد يعترضها من مشاكل بخصوص الحرية النقابية ، إذ لهذه اللجنة إمكانية الإنتقال إلى الدول ذاتها وإجراء اتصالات مباشرة مع من يعنيهم الأمر في مواقعهم، وذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة وإلى الحلول الكفيلة بحل الخلافات القائمة
واستطاعت لجنة الحرية النقابية منذ بدئ عملها أن تصدر الكثير من المبادئ ذات الأهمية فيما يتعلق بمفهوم الحرية النقابية ومدها وكيفية تطبيق الإتفاقيات الدولية الخاصة بها غير أنه يمكن القول مع الفقه أن تردد بعض الحكومات من جهة أو اختلاف أبعاد فكرة الحرية النقابية من جهة ثانية، قد أديا إلى الحد من فعالية التحقيقات التي تجريها اللجنة المذكورة وضآلة النتائج التي توصلت إليها.
الفقرة الثانية: منظمة العمل العربية وتكتيف الجهود الأوربية لدعم الحرية النقابية.
-
أولا: منظمة العمل العربية والحرية النقابية.
يعتبر موضوع الحقوق والحريات من بين المبادئ والركائز الأساسية التي تقوم عليها منظمة العمل العربية، حيث أكدت في دستورها أن من بين أهدافها تنمية وصيانة الحقوق والحريات النقابية ويبدوا الدور البارز الذي تقوم به منظمات العمال وأرباب الأعمال من خلال إنشاء المنظمة وتأسيسها على أساس التمثيل الثلاثي.
وقد ظهر إهتمام منظمة العمل العربية بموضوع الحريات النقابية من خلال كثير من المنشورات التي تحمل موقفها من الموضوع، وهذا الموقف عملت على بلورته من خلال العديد من اتفاقيات والتوصيات التي عملت هذه المنظمة على إصدارها، ومن بينها نذكر.
1– اتفاقية العمل العربية بشأن مستويات العمل.
أكدت الإتفاقية العربية رقم 1 لعام 1966 بشان مستويات العمل والإتفاقي العربية رقم 6 لعام 1976 حول نفس الموضوع على حق العمال في تكوين نقابات خاصة بهم، إذ نصت المادة 76 في كلتا الإتفاقيتين على أن للعمال أن يكونوا فيما بينهم نقابات على حماية مصالحهم وتدافع عن حقوقهم، وتعمل على تحسين حالتهم المادية والإجتماعية، كما أكدت المادة 78 من الإتفاقيتين على حرية العمل النقابي، منها تبين لها ضرورة تضمن كل تسريع خاص بدولة ما نظاما مناسبا من الحماية. يحول دون المساس بحرية العمال في تكوين نقابات لمختلف أوجه نشاطاتها.
كما أكدت الإتفاقية على حق العمال من تكوين اتفاقيات إقليمية أو فرعية فيما بينهم، يكون من حقها الإشتراك في الإتفاقيات الدولية في المسائل المتعلقة بالعمل.
2– الإتفاقيات العربية رقم : 8 بشأن الحقوق والحريات النقابية.
برز إهتمام منظمة العمل العربية بموضوع الحقوق والحريات النقابية من خلال تخصيص اتفاقية للموضوع وهي الإتفاقية رقم : 8 التي جاء في ديباجتها أن الحرية النقابية هي جزء من الحريات العامة التي نصت عليها المواثيق الدولية، وما يثير العالم، وأن حماية العمال من الحقوق الثابتة للنقابات، وهي حقوق لا يمكنه ممارستها وبالتالي حماية العمال دون احترام وصيانة الحريات النقابية التي تعتبر في نظر الإتفاقية شرطا جوهريا لممارسة النقابات لدورها في تحرير وتقدم الوطن العربي.
وقد عملت الإتفاقية العربية رقم: 8 المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية خلال موادها الثمانية والعشرين على معالجة المبادئ والضمانات التي يجب توافرها كحد أدنى في التشريعات العربية من أجل حماية وصيانة الحريات النقابية، فتناولت هذه الإتفاقية حق العمال وأرباب العمل بغض النظر عن القطاع الذي يعملون فيه وفي تكوين المنظمات النقابية وحقهم في الإنضمام إلى المنظمات القائمة لترعى دخلهم الفردي، إضافة إلى تمثيلهم أمام مختلف الجهات.
وقد أكدت الإتفاقية العربية رقم 8 المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية على حتمية تكفل السلطة العامة في الدولة حرية منظمات العمال ومنظمات أرباب العمل ممارسة النشاط النقابي.
إضافة إلى نصها على ضرورة تكفل كل التشريع داخل الدولة بحماية حق العامل في الإنضمام إلى النقابة التي يختارها، وحريته في الإنسحاب منها. وأن يكفل هذا التشريع أيضا حرية كل عضو في ممارسة نشاطه النقابي دون تدخل صاحب العمل أو أية جهة أخرى. وضرورة تسهيل الأمور لأعضاء المجالس سواء كانت هذه المهام بالمنشآت ذاتها أو خارجها.
وقد دافعت الإتفاقية عن الحرية النقابية وعملت على تكريمها من خلال نصها على الحظر القانوني الوطني نقل أي عضو نقابي أو وقفه أو فصله أو الإضرار به لانتمائه، أو ممارسته لنشاطه النقابي، أو تعليق استخدام العامل أو استمراره في عمله على شرط انضمام أو عدم إنضمام إلى النقابة أو على شرط الانسحاب منها.
وبالإضافة إلى أحكام هذه الإتفاقية، هنات بعض الإنفاقيات الأخرى فتتمثل في الإتفاقيات العربية التي تناولت قضايا الحريات النقابية، وما يتعلق بها في عدد من بنودها.
-
ثانيا: الجهود الأوروبية لترسيخ الحرية النقابية.
الحق والحرية مفهومان مرتبطان في الدول الأوروبية بالمفهوم الليبرالي، غير أن هاذين لمفهومين النقابين يعرفان تباينات في بعض الدول، والتي ترجع إلى اختلاف الأنظمة القانونية داخل كل بلد، إلا أنه بالرغم من هذه التباينات استطاعت الدول الأوروبية إيجاد مراكز التلاقي أو الإشتراك بين الحق والحرية كمفهومين مرتبطين بالنقابة ارتباطا وثيقا، وذلك من خلال بعض المواثيق التي توصلت إلى إبرامها ومن هذه المواثيق نذكر:
1– الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان.
تضمنت الفقرة الأولى من المادة الحادية و عشر من الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان أن الأشخاص متساوين وأن لكل فرد منهم الحق في الإجتماع وتكوين الجمعيات، بما في ذلك تكوين النقابات والإنزواء فيها لحماية حقوقه ومصالحه.
كما جاء في الفقرة الثانية، من نفس المادة أنه لا تخضع أو تقيد الحقوق الواردة في الفقرة الأولى لأية قيود، سوى القيود التي وضعها القانون والتي تستدعيها الضرورة داخل مجتمع ديمراطي، حماية للصالح العام والأمن الوطني، وحفظ النظام وحماية الصحة والآداب أو حماية حقوق وحيات الآخرين.
فهكذا قد تضمن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان حرية تكوين النقابات وحرية الإنخراط فيها.
ولا يسمح بتقييدها إلا بمقتضى القانون والأسباب التي تقتضيها الضرورة الملحة في المجتمعات الديمقراطية.
2– الميثاق الإجتماعي الأوروبي.
تخللت هذا الميثاق الإجتماعي الأوروربي مادتين تتعلق بالحرية النقابية، وذلك من خلال ستة عشر دولة أوربية سنة 1961، حيث جاء في ماته الخامسة أن الأطراف المتعاقدة، وهي تستهدف ضمان وتدعيم حرية العمال وأصحاب العمال في تكوين منظمات محلية وطنية ودولية لمحاربة مصالحهم الإقتصادية والإجتماعية …. تتعهد ألا يكون القانون الوطني يمس أو يطبق بشكل يمس هذه الحرية.
كما نصت المادة السادسة على حق المفاوضة الجماعية، وعلى ضرورة تعهد الأطراف المتعاقدة بتدعيم أجهزة التفاوض الإختياري ما بين أصحاب الأعمال ومنظماتهم ومنظمات العمل.
3– الميثاق الجماعي الأوربي لحقوق العمال الإجتماعية.
يعتبر الميثاق الجماعي الأوربي لحقوق العمال الإجتماعية من بين المواثيق الأوربية التي اهتمت بالحرية النقابية والذي تناول بصراحة وجهي الحرية النقابية حين نص على أن:
” كل صاحب عمل أو عامل له مطلق الحرية للإنضمام أو عدم الإنضمام إلى المنظمات النقابية، من غير أن يترتب على ذلك أي ضرر شخصي أو مهني.
فمن خلال هذا النص يبدوا واضحا حق العمال وأرباب العمل في ممارسة النشاط النقابي وذلك بكل حرية، شريطة عدم الإضرار بالأشخاص الآخرين وبحقوقهم وحرياتهم.
المطلب الثالث: تاريخ الحركة النقابية على المستوى الوطني.
إن الحركة النقابية بمضمونها الحديث لم تعرفها بلادنا إلا بشكل متأخر، وعلى وجه الخصوص مع بداية الحماية الفرنسية، التي فرضت على المغرب ذلك أن التخلف الصناعي وضآلة اليد العاملة وسيادة النشاط الفلاحي في الإقتصاد بشكل رئيسي هذا إلى جانب الحرف اليدوية التي مكان يخضع أصحابها لنظام الطوائف، حيث كانت الطائفة هي التي تقوم بالإنتاج وتخضع للتقاليد الخاضعة بالمهنة في كل ما يتعلق بتعليماتها ونظام العمل بها، كلها عوامل ساهمت في تأخير ظهور الحركة النقابية في المغرب، هذا الظهور الذي لم يبدأ إلا مع مجيء الحماية الفرنسية، حيث أخذت بعض الصناعات التي تعتمد على الآلة تنتشر وتنمو مما أدى إلى ظهور بعض الوحدات الصناعية المهنية، والتي كان لها تأثير على الطبقة العاملة، وعلى العمل النقابي، حيث إزداد عدد العمال المشتغلين بالصناعة، ومن تم بدأت الحركة النقابية في الظهور في أوائل القرن العشرين، وإن كانت ولادتها جاءت متأخرة مقارنة مع الحركة النقابية الأوربية، وذلك بحكم أن التنظيمات النقابية. والعمل النقابي وغيرها من مظاهر الحريات العامة ظلت قضايا ممنوعة على المغاربة. بل وتحاربها سلطات الحماية الفرنسية خصوصا بعد أن ظهر الإرتباط بين العمل النقابي والحركة الوطنية.
وإن كانت سلطات الحماية الفرنسية تتشبث برفض الحق النقابي للعمال المغاربة، فإنها كانت تسمع لأصحاب الأعمال الأوربيين وإطارات الحماية وبعض الأعيان المغاربة بتأسيس جمعيات و وداديات واتحادات مهنية وهكذا وبعد الجمعيات المنشآة سنة 1919 مثل “الجمعية المغربي للشحن والإفراغ ” وجمعية شغيلة الكتاب”. شهدت الساحة المغربية بداية نشأت بعض التجمعات ما بين سنتي 1920 و 1921.
وهكذا تأسست جمعية المهندسين والمراقبين والمساعدين في الأشغال العمومية والودادية الجامعية للمغرب التي تضم أساتذة ومعلمين، و ودادية التعليم الثانوي بالرباط وأخرى بالبيضاء. وإلى جانب جمعيات الموظفين هذه، والتي كان معظمها خاصا بالتعليم الثانوي، نشأت جمعيات المأجورين، مثل الجمعية التعاضدية لمستخدمي لأبناك والمكاتب والتجارة و وادية مأجوري المقاهي والمطاعم بالرباط.
وقد أدت هذه التجمعات المتواضعة إلى تأسيس وداديات أكثر أهمية وذلك ابتداءا من سنة 1922، حيث تأسست ودادية مأجوري البريد الإلكتروني بالمغرب، والإدارة العامة للشغال العمومية.
والملاحظ بخصوص هذه الجمعيات والوداديات التي كانت تسمح بها سلطات الفرنسية لبعض الفئات الإجتماعية، أنه كان لها طابع تعاني صرف ، إلا أن التطورات الإجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب آنداك جعلت هذه الجمعيات والوداديات تخرج عن هذا الطابع التعاوني لتصبح شعبية نقابية تابعة للنقابات الفرنسية، وذلك بالرغم من موقف السلطة الفرنسية، والتي كانت تمنع العمل النقابي.
وهكذا وفي سنة 1930، ثم تكوين أول فرع لمركزية نقابية فرنسية هي الكنفدرالية العامة للشغل، وقد ساهم في تأسيسه خلال مؤتمر بالبيضاء ثماني نقابات منها كنفدرالية الموظفين، ونقابة الأساتذة، ونقابة رجال البريد، ونقابة العمال الدولية، ونقابة الفوسفاط.
وإذا كانت الجمعيات والوداديات المهنية التي شكلت النواة الأولى للمنظمات النقابية في عهد الحماية لم تضم بين صفوفها إلا أعدادا قليلة من المعارضة. فإنه كان يبدو مستحيلا حصر حرية التنظيم النقابي العمال والأوربيين، وحرمان المغربة منه، خاصة بعد أن ظهر الإحتكاك بينهم وبين العمال الأوربيين داخل المصانع. وهكذا ورغم جميع الإجراءات الإجتماعية التي اتخذتها إدارة الحماية، لحماية المغرب الفرنسي” من الصراع الطبقي، عرف المغرب نضالات عمالية متقدمة بالمقارنة مع أوضاع وظروف الطبقة العاملة بالمغرب آنداك، جسدتها إضرابات يونيو 1936 التي كشفت عن حماسة وفعالية العمال المغاربة الذين خاضوها في أغلب الأحيان على جانب رفقائهم في العمل الأوربي، رفضا منهم لشروط العمل القاسية ورفضا للتمييز في الأجور ورفضا منهم كذلك للحيف النقابي الذي كان يمسهم.
هذا ما أدى بسلطات الحماية إلى الأخذ بعين الإعتبار هذه الإضرابات وما صاحبها من نضالات وطنية لتصدر في إطار بعض الإصلاحات الإجتماعية، التي أدخلت إلى المغرب عقب فوز الحركة الشعبية في فرنسا وتقلدها زمام الأمور هناك، لتصدر أول نص تشريعي خاص بالنقابات المهنية تمثل في ظهير 24 دجنبر 1936.
إلا أن الملاحظ بخصوص هذا الظهير أن نطاق تطبيقه كان محصورا في الأوربيين فقط فهؤلاء هم وحدهم الذين كان لهم الحق في إنشاء النقابات المهنية، وهم وحدهم الذين يتمتعون بالحق النقابي دون الأجراء المغاربة.
إلا أنه وإن كان ظهير 24 دجنبر 1936 يمنع العمل النقابي على الأجراء المغاربة فإنه تطبق عقوبات زجرية على المخالفين لأحكام هذا الظهير، وهو ما جعل بعض التنظيمات النقابية الفرنسية رغم مقتضيات ظهير 1936 تحاول استقطاب الأجراء المغاربة لحظيرتها، وهو ما أثار أصحاب الأعمال الأوربيين الذين ضغطوا على سلطات الحماية الفرنسية لإصدار ما يكفل الفعالية للمنع من ممارسة العمل النقابي على الأجراء المغاربة كما ينص على ذلك ظهير 1936. فكان ظهير 24 يونيو 1938 مكملا لظهير 1936.
حيث تضمن عقوبات زجرية توقع على كل مغربي انخراط في نقابة مهنية أو مارس العمل لنقابي، وتطبيق ذات العقوبات على كل شخص سجل أو حاول تسجيل أجراء مغاربة في التنظيمات النقابية التي كانت قائمة آنداك.
إلا أنه ورغم المنع القانوني، فقد ظل المغاربة متشبتين بحقهم في العمل النقابي وفي الإنخراط في التنظيمات النقابية متخدين بذلك الإجراءات الزجرية التي أتى بها ظهير 24 يونيو 1938، مما دفع سلطات الحماية الفرنسية إلى إلغائه بموجب ظهير 20 يونيو 1950.
مع بقاء ظهير 24 دجنبر 1936 قائما منتجا لكافة آثار القانونية، لاسيما إخراج الأجراء المغاربة من نطاق تطبيقه. إلى أن تم تعديله في أواخر الحماية الفرنسية بموجب ظهير 12 شتنبر 1955. الذي نص صراحة على أحقية المواطن المغربي التمتع بالحق النقابي طبقا لمقتضيات ظهير 24 دجنبر 1936، وبالتالي أصبح من حق المواطنين المغاربة ليس فقط الإنخراط في العمل النقابي وإنما كذلك تأسيس النقابات المهنية وهكذا ظهر أول اتحاد نقابي مغربي، هو “الإتحاد المغربي للشغل” وذلك في 20 مارس 1955، ومع بداية الإستقلال أصدر المشرع المغربي بتاريخ 16 يوليوز 1957 ظهيرا شريفا بشأن النقابات المهنية يلغي من خلاله جميع المقتضيات المخالفة لأحكامه لاسيما ظهير 24 دجنبر 1936.
ورغبة في المحافظة آنداك على الوحدة النقابية المغربية المتجسدة في الإتحاد المغربي للشغل أو في ضمان تمثيل الطبقة العاملة المغربية لهذا التنظيم النقابي. خص المشرع المغربي من خلال الفصل 25 من ظهير 1957 على أن رئيس الحكومة يمكنه أن يتخذ بمقتضى مرسوم ما يراه هنا من مقتضيات في مجال تأسيس النقابات المهنية.
وقد صدر تطبيقا لهذا الفصل بتاريخ 17 يوليوز 1957.مرسوم نقابة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع نظامها الأساسي.
وإذا كانت الحركة النقابية المغربية بدأت بعد الإستقلال حركة موحدة في إطار الإتحاد المغربي للشغل، وإن كانت القوى الوطنية السياسية متجمعة أساسا في حزب واحد هو حزب الإستقلال، فإن الإنشقاق الذي طال هذا الحزب لأن انشقاق مماثل في المنظمة النقابية الممثلة للعمال ذلك أن حزب الإستقلال، وبعد أن انفصل عنه جناحه التقدمي ليكون حزبا مستقلا هو الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد أن ظهر الإرتباط بين الحزب الجديد والإتحاد المغربي للشغل، أخد يطالب بإلغاء مرسوم 17 يوليوز 1957 والرجوع إلى الحرية النقابية كما أقرها ظهير 16 يوليوز 1957، وفعلا صدر مرسوم بتاريخ 8 أكتوبر 1960 ألغى في فصله الفريد المرسوم السابق، وإثر ذلك تأسس الإتحاد العام للشغالين، المغاربة الذي ارتبط سياسيا، بحزب الإستقلال، وبذلك عرفت الحركة النقابية المغربية التعدد النقابي، حيث توالى منذ ذلك الحين تأسيس نقبات واتحادات نقابية مرتبطة هي الأخرى بأحزاب سياسية اخرى.
بقي أن نشير انه وإذ كان المشرع المغربي مع مطلع الإستقلال أصدر ظهير 16 يوليوز 1957 الخاص بالنقابات المهنية، والذي ألغى بموجبه جميع المقتصيات المخالفة لأحكامه، فإنه ومع أول دستور سنة 1962. ضمن صراحة لجميع المواطنين … حرية تأسيس الجمعيات، وحرية الإنخراط في أية منظمة نقابية أساسية حسب اختيارهم….”
بل إن الدساتير اللاحقة اعترفت زيادة على دستور 1962 للنقابات المهنية إلى جانب التنظيمات الأخرى بالمساهمة في تمثيل وتنظيم وتأطير المواطنين”.
الفقرة الأولى : جذور مبدأ الحرية النقابية بالمغرب.
تعد الظاهرة النقابية من بين المؤسسات والتنظيمات الغربية التي حملها الأوربيون معهم إلى المغرب في أعقاب نظام الحماية، إذ كون الأوربيون الذي استوطنوا التراب المغربي فروعا تابعة لتنظيماتهم النقابية وهكذا نشأت الحركة النقابية في المغرب مع نشأت الإقتصاد الأوربي الحديث في إقامة بعض الأوراش الصناعية الخفيفة وبناء التجهيزات الأساسية مثل الطرقات والسكك الحديدة، والسدود، والموانئ الضرورية لإستغلال المناجم، الأمر الذي يستدعي جلب اليد العاملة بكثافة من البوادي انسجاما مع توجه الرأس مالية الأوربية كما كانت اليد العاملة المغربية بأكملها يدا عاملة يدوية تعمل في كل ما يستلزم جهدا عضليا فقط دون الحاجة إلى أية معرفة أو خبرة.
وكان قطاع البناء يضم الأغلبية الساحقة من اليد العاملة: التي كانت تشتغل ” على طريقة عهد الفراعنة”.
-
أولا: الحركة النقابية إبان فترة الحماية:
لم يعرف المغرب قبل الحماية تنظيما نقابيا بالمعنى الحديث للكلمة. ففي المدن كان الحرفيون والصناع يخضعون لنظام التعاونيات . عرف في المغرب بإسم ” الحنطة” وبنظام ” الطوائف” في الشرق العربي وهي عبارة عن تعاونية مغلقة corporation fermée . مكونة من المعلمين والمتعلمين يتعاطون لنقس الحرف صناعية كانت أو تجارية تخضع لأعراف. وكان مسؤولا عن كل حرفة ” أمين” ينتخب بالاقتراع العالني ويصادق ” المحتسب” على تعينه، كما كان للأمين خليفة ينوب عنه في حالة الغياب أو الوفاة أما المحتسب فيمثل السلطة بل هو السلطة العليا في المهنة ومهمته هي مراقبة المهن حفاظا على العرف العام أي ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” .
لكن بعد اتفاقية الحماية خضع هذا التنظيم التقليدي للمهن لعدة إصلاحات، فأصبحت بعض التعاضديات مصطنعة لا تستجيب لحاجيات أصحاب المهنة حيث كانت تأسس بمبادرة من السلطات وازدادت قوة وسلطة المحتسب، بحيث صارت أوامره غير قابلة للمناقشة.
وبفعل الإنهيار المتواصل للإقتصاد المغربي أمام تمركز الإقتصاد الأوربي، تصدعت هذه المهن في بادئ الأمر، ثم أصيبت بانهيار بسبب شدة الأزمات الإقتصادية وتكراراها، وتحولت تعاضديات في المدن إلى مجرد هيئات صورية، وتحول تبعا لذلك المحتسب والأمين إلى سلطات المخزن وإدارة الحماية لمراقبة وتسجيل تدمر وسخط العمال والحرفيين الصغار والمتوسطين بعد فرض الحماية الفرنسية أخذت بعض الصناعات الآلية تنتشر وتنموا مما أدى إلى ظهور بعض الوحدات الصناعية استدعت جلب اليد العاملة من البوادي للعمل في قطاع البناء حيث بدأ يزداد عدد العمال الوافدين على المدن كالدار البيضاء بحثا عن لقمة العيش. ومن ثم ظهرت النواة الأولى للحركة النقابية بالمغرب أوائل القرن العشرين. على شكل وداديات، وجمعيات أو سلط الموظفين الأوربيين كالبريد والتعليل والأشغال العمومية الذين كانوا يشكلون اكبر عدد من المنخرطين.
وإذا كانت السلطات الحماية الفرنسية قد رفضت في البداية الحق النقابي للعمال المغاربة فإنها تسمح به فقط للأوروبين. لكن رغم جميع الإجراءات المنع التي اتخذتها سلطات الحماية لحماية ” المغرب الفرنسي” من أخطار النزعة النقابية، عرف المغرب عدة نضالات كان أهما إضرابات يونيو 1936 التي كشفت عن حماسة فعالية العمال المغاربة في مواجهة الظروف القاسية والحق النقابي الذي كانوا يعانون منه.
وهكذا يمكن اعتبار الجمعيات المهنية ( الوداديات) النواة الأولى لتنظيم النقابي بالمغرب غير أن هذه الجمعيات كانت ضعيفة التأثير إذ كانت بحاجة إلى دعم الدولة الفرنسية الحامية ، حيث معقل الحركة النقابية.
ومن هنا ظهرت الإرهاصات الأولية للنقابات الحديثة بالمغرب كوريث شرعي للوداديات والجمعيات الحرفية وذلك رعاية لمصالح العمال الأوربيين ودفاعا عن مطالبهم.
ونظرا لعدم فعالية هذه الوداديات والجمعيات في الإتحاد بدأ العمال الفرنسيون في المغرب بالبحث عن آليات جديدة في إطار تنظيم نقابي للدولة المتروبول وبدعم وتوجيه من الزعيم النقابي الفرنسي ليون جوهو ( léon jouhaux) اتخدت بتاريخ 22 يونيو 1930 هذه الجمعيات والوداديات في اتحاد إقليمي تابع للكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية ( ud-cgt) يسمى الإتحاد المغربي للمنظمات النقابية العمالية المتحدة وقد قاد هذا الإتحاد حتى حدود 1936. نشاطا ينحصر سعيه في تحسين ظروف عمل منخرطيه الأوربيين والدفاع عن مكتسباتهم.
هكذا وعلى ضوء العمل ما لم في تونس، والجزائر وبدعم من المركزية الفرنسية ( c.g.t) ثم تأسيس فرع للنقابة الفرنسية بالمغرب، مع منع المغاربة من الإنضمام إليه واشتدت حدة المطالبة بالحق النقابي للعمال في المغرب بعد ضغط اضرابات يونيو 1936.
فإضرابات يونيو 1936 التي بدأت يوم 11 يونيو بالدار البيضاء في معمل ” الشركة المغربية لسكر كوزيما” وفي نفس اليوم أيضا أضرب عمال شركة الصباغة كييرون (Gouillron) بالدار البيضاء وفي اليوم التالي امتد الإضراب إلى مناجم الفوسفاط بخريبكة ثم تلاه إضراب عمال الفوسفاط باليوسفية يوم 13 يونيو 1936، وكذلك عمال البناء، وعمال شركة الحديد والصلب، وقد استمرت الإضرابات بالدار البيضاء إلى غاية يوليوز 1936 حيث امتدت خلال هذه الفترة إلى مدن أخرى مثل فاس التي عاشت إضرابات عديدة من 16 إلى 23 يونيو، شملت عمال الحافلات وسائقي الأجرة ( التاكسيات)، وكذلك الشأن بالنسبة لمدينة الرباط التي أضرب فيها عمال السكك الحديدية والحافلات وسيارات التاكسي.
وعلى إثر هذه الإضرابات حصل العمال على تنازلات من أرباب العمل كانت أغلبها لصالح العمال الأوروبيين وحدهم ففي 13 يونيو وبعد تدخل المقيم العام بييركون ( Peyronton) شخصيا لوقف إضراب عمال شركة السكر، اعترفت الإدارة للعمال بحق الإضراب، وحقهم في عطلة سنوية مدتها 15 يوما مدفوعة الأجر بعد سنة من العمل، والزيادة في المكافآت العائلية للعمال الأوروبيين فقط ، ورفع أجرة العامل لأوروبي غير المتخصص إلى 5 فرنكات، وأجرة العامل المتخصص إلى 6 فرنكات للساعة، وحددت أجرة العامل المغربي في فرنكا لليوم.
وللإشارة فإن ” المغرب الإسباني” عرف أيضا إضرابا للعمال المغاربة الذين تظاهروا يوم 5 ماي 1931 من أجل الحصول على ثماني ساعات في اليوم المخصصة للعمال أسبان، إضافة إلى المساواة في الأجور والخدمات، إلا أنهم اعتبروا مشاغبين وثم قمعهم بتدخل من الجيش. ويبدو أن الوطنيين الوجهاء ثاروا سخطا على القمع الذي مورس ضد العمال. لقد كان همهم هو التفاوض مع السلطة حول أكبر قدر من الإصلاحات المنسجمة مع الحماية.
هذا، وقد ساهم العمال المغاربة في هذه الإضرابات، ليس كمشاركين وحسب وبل أيضا كمؤطرين، ومسيرين لحركات، الإضراب، كما ظهرت هذه الإضرابات حماسة وفعالية العمال المغاربة الذين اكتشفوا في الإضراب سلاحا فعالا لنزع حقوقهم من إدارة الحماية إلا أنه، وعلى إثر تعيين الجنرال نوغيس (Noguès) كمقيم عام، والذي عرف بمنعه النقابة، ومواقفه العدائية للعمل النقابي، أعلن بتاريخ 25 يوينو 1937، أنه ” لم يتم قبول الأهالي للإستفادة من هذا التشريع، ذلك لأننا نعتقد أن من الملائم تحسين مصير الطبقة العاملة الأهلية في اتجاه آخر، بإحياء التعاضديات وتجديد الصناعة التقليدية”. وبررت الإقامة العامة هذا التمييز بين العمال المغاربة والأوروبيين بأن العمال المغاربة لم ينضجوا بعد لممارسة الحق النقابي.
وفي الحق النقابي فإن السبب الحقيق لمنع المغاربة من الحق النقابي، عبر عنه المقيم العام بيرتون ( Peyrouton) بتاريخ 3 يوينو 1936. وذلك قبل أشهر قليلة من إقالته، عند استقبال لوفد من عمال السكك الحديدية بتاريخ 3 يوينو 1936، حيث طلب منه الوفد تطبيق قانون الحرية النقابية المعمول به في فرنسا، فأجاب ” إن النقطة العويصة هي مشكلة الأهالي. إن تطبيق هذا القانون في المغرب، سيؤدي بالفعل إلى إبعاد العنصر الأوروبي من النقابات وعلى الخصوص في اللجان لصالح المغاربة لأكثر عددا”.
إلا انه إذا كان ظهير 24 دجنبر 1936 يمنع العمل النقابي على المغاربة فإنه لم يكن يربط ذلك بعقوبات زجرية على المخالفين لأحكامه، وهو ما دفع بعض التنظيمات الفرنسية استقطاب العمال المغاربة مما أثار غضب رجال الأعمال الأوروبيين الدين كانوا يعارضون بشدة تنقيب المغاربة وبسبب الضغوطات التي مارسوها على إدارة الحماية أصدرت السلطات ظهير 24 يونيو 1938 كنص مكمل لظهير 1936. والذي يعاقب كل من يساعد المغاربة على ولوج النقابات.
وأمام هذا المنع كان أول نضال يخوضه المغاربة هو النضال من أجل الحرية النقابية إلا أن الإضراب الذي قاده المغاربة في كل من مدينة خريبكة واليوسفية سنة 1938 ، أثار تخوفات سلطات الحماية مما دفعها إلى لإصدار قانون ” تجريم العمل النقابي” « le delit syndical » بواسطة ظهير 24 يونيو 1938 الذي أشار إلى ” إن أخطر السلبيات ستترتب عن ترك رعايانا عرضه للإغراءات تجعلهم يخرجون عن سلطة مخزننا بارتكابهم مخالفات لقوانين واضحة مثل التي تنظم الجمعيات والنقابات. لذا قرر أن عقوبة الحبس مدة تتراوح من 5 إلى 3 أشهر وغرامة مالية من 5 إلى 300 فرنك ستلحق بكل مغربي انخرط في نقابة ما (المادة 1) أو بأي شخص يعمل على انخراطه فيها ( المادة 2)”.
وهكذا يتضح أن ظهير 1938 ينص صراحة على معاقبة المغاربة المخالفين لإجراءات المنع والنقابات الأوروبية التي تسمح بإنضمامهم في صفوفها. وقد استقبل هذا الظهير بارتياح كبير في صفوف أرباب العمل وسلطات الحماية، أما النقابات فقد استنكرته.
إلا أن هذه الخطة لم تنجح، وأدت إلى نتائج عكسية حيث تمكن الوطنيون من السيطرة على المجال النقابي وتسخيره لخدمة قضية الإستقلال وبالتالي إنهاء الإحتكار النوعي للعمل النقابي. وبالرغم من النوايا التي تم التأكيد عليها من طرف المقيم العام إريك لابون فإن عمله كان وجيزا للغاية وكانت القوى المعاكسة التي اصطدم قوية جدا بحيث لم يكن بإمكانه أن يعطي كافة النتائج المنتظرة منه، أو يحقق تلك التي كان يأمل تحقيقها هكذا، ولأسباب دولية ومحلية ثم تعويضه بعسكري وهو الجنرال ألفونس جون Alphonse Juin.
وبعد الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في 8 دجنبر 1952 حيث دعت المنظمة النقابية المغاربة إلى إضراب عام تضامنا مع الشعب التونسي، نتيجة اغتيال فرحات حشاد ( الزعيم النقابي التونسي) على يد تنظيم ( اليد الحمراء)، وهي عصابة فرنسية إرهابية، اشتد نضال الحركة النقابية بهدف خلق نقابة وطنية مستقلة عن النقابة الفرنسية وكان ذلك بمثابة تحد كبير للحماية الفرنسية وثم تهيء هذه الإنتفاضة بتنسيق تام بين النقابيين والزعماء الوطنيين خصوصا بعد نفي الملك حيث ستشكل النقابة والحركة الوطنية من أجل تأسيس نقابة وطنية مستقلة فقدمت سلطة الحماية بإعتقال القيادات النقابية وزجت بهم في السجون.
وبفضل هذه التضحيات المريرة تمكنت الحركة الوطنية، والنقابية من احتواء الحركة، النقابية ومن إبعاد العناصر النقابية المعروفة بالإرتباط والإنتماء للشيوعية.
وهكذا انعقد إجتماع سري بتاريخ 20 مارس 1995 لأهم الأطر النقابية الوطنية بعد خروجها من السجن، والتي قررت فيه تشكيل أول تنظيم نقابي مكون من 57 مندوبا يمثل 15 تنظيما مغربيا، وقد توج هذا الإجتماع بالإعلان عن ميلاد مركزية ” الإتحاد المغربي للشغل”كأول مركزية نقابية عمالية مغربية مستقلة”.
وقد إعتبر الإجتماع بمثابة مؤتمر مصغر بقرارين حاسمين في تاريخ الحركة النقابية في المغرب:
-
الإعلان عن ميلاد الإتحاد المغربي للشغل كأول مركزية نقابية عمالية مغربية مستقلة.
-
إعلان المحجوب بن الصديق كاتبا عاما للإتحاد بدعم من قادة حزب الإستقلال عوض الطيب بن بوعزة الذي تنازل عن منصبه.
هذا، والملاحظ أن ميلاد هذه المركزية قد تم من الفوق ولعى يد مجموعة محدودة كما صرح بذلك كتابها العام ” بسبب الظروف ثم إنشاء الإتحاد المغربي للشغل بواسطة مؤتمر قمة. وبشكل ما قام المسيرون برهان وافترضوا أن جموع اليد العاملة تؤيد عملهم، وثم ربح الرهان” .
مما سبق يستشف أن الشغيلة المغربية خاضت صراعا طويلا ونضالا مريرا في سبيل إثبات ذاتها وانتزاع الإعتراف، بحقوقها في إطار أول مركزية مستقلة جسدتها بامتياز المركزية الوطنية الأولى ” الإتحاد المغربي للشغل”.
إلإ أنه ورغم المنع القانوني فقد ظل المغاربة متشبثين بحقهم في العمل النقابي وفي الإنخراط في التنظيمات النقابية تحديا للإجراءات الزجرية التي أتى بها ظهير24 يونيو 1938، وقد ظل هذا الوضع يتطور إلى غاية إعلان الحرب العالمية الثانية، وصدور القوانين المنظمة للبلاد في حالة الحرب.
وفي بداية سنة 1943، أعيد تشكيل الإتحاد الإقليمي للمركزية الفرنسية (G.GT) بالدار البيضاء تحت إسم (الإتحاد النقابات الوحدة بالمغرب) ( USCN) كما ثم إنشاء الحزب الشيوعي المغربي بدوره في نفس السنة من طرف ليون سلطان (léon siltan). ومباشرة بعد تأسيس هذا الإتحاد خصص لنفسه فردية ( العمل النقابي) أعد فيها على أنه ” من اللازم لكل العمال بالمغرب أن يتحدوا من أجل الحصول على شروط للحياة لأكثر عدلا وعلى رواتب تحدد، لا على أساس الجنسية أو العرق أو الدين. بل على أساس الكفاءات والعمل. ينبغي عليهم أن يتحدوا من أجل المساهمة بكل قواهم في الحرب ضد الفاشية، أي النضال من أجل انتصار الحريات” كما أسست إدارة الحماية في نفس السنة ” المكتب المغربي للشغل BNT” كإطار لتربية وتدريب اليد العاملة المغربية على الحياة النقابية ويتكون من عناصر يطلق عليها ” الأمناء” ينوبون عن اليد المغربية في حل النزاعات، وتخضع هذه الهيئة مباشرة لإدارة الحماية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، لاسيما بعد وصول المقيم العام إيريك لابون ( Eric labonnne) سنة 1946 ونهجه سياسة ليبرالية، وذلك بإطلاق سراح أو وطنيين وكذا تشجيع العمال المغاربة على الإنخراط في العمل النقابي وتسليمهم مسؤوليات داخل الأجهزة النقابية وهذا ما تم فعلا بعد تحول فرع المركزية النقابية الفرنسية بالمغرب C.GT إلى اتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب ( UGSCN) والذي انخرط فيه المغاربة بكثافة، وذلك بتشجيع من المقيم العام ( ERIC LABONNE) الذي كان يظن أن السماح للمغاربة بالإنخراط في العمل النقابي يمكن أن يبعدهم عن الأفكار الوطنية التي كانت تنادي بها الأحزاب السياسية كما أن الشيوعيين المنضويين تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل حاولوا جاهدين استقطاب العمال المغاربة باعتماد سياسة تفصل الإقتصاد عن السياسي قصد إبعداهم عن الحركة الوطنية.
-
ثانيا: مسار الحركة النقابية بعد الحماية.
غداة إعلان استقلال المغرب سياسيا سعت الحركة النقابية الموحدة في إطار الإتحاد المغربي للشغل، إلى المساهمة في بناء مغرب الإستقلال على أسس إقتصادية واجتماعية وطنية كان من بين أهدافها تحسين الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية لليد العاملة المغربية.
لقد برز الإتحاد المغربي للشغل بعد حصول المغرب على استقلاله كقوة نقابية موحدة فاعلة على الساحة السياسية والإجتماعية، وقد استطاع الإتحاد المغربي للشغل كإطار تنظيمي قوي تحقيق بعض المكاسب لصالح الشغيلة المغربية خصوصا في فترة الإزدهار النقابي ( 1956-1960) التي تميزت بهيمنة الإتحاد المغربي للشغل على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، فعلى الصعيد الإقتصادي ساهمت النقابة في إعداد التصميم للسنوات الأولى من الإستقلال. وعلى المستوى الإجتماعي تمكن الإتحاد المغربي للشغل من ممارسة نفوذ قوي على كثير من المؤسسات والإدارات العمومية، دفاعا عن العمال حتى أصبحت أغلب المرافق الإجتماعية تحت سيطرته، بل قول إلى جهاز يتحكم في شؤون الدولة بما في ذلك الإذاعة الوطنية. حيث كان يتوفر عن برنامج يومي يبت كل صباح باسم ” صوت الإتحاد” أما على المستوى السياسي فقد كان الإتحاد المغربي للشغل قوة يحسب لها ألف حساب عند تأليف الحكومات المغربية الأولى، كما كانت له نفس تمثيلية حزب الإستقلال قبل إنشقاقهـا كانت النقابة ممثلة بعشرة أعضاء داخل ” المجلس الوطني الإستشاري” كما تم اختيار المحجوب بن الصديق نائبا لرئيس هذا المجلس، أضف إلى ذلك أن الملك محمد الخامس كان يخص احتفالات فاتح ماي التي ينظمها الإتحاد المغربي للشغل ويلقي خطابا في العمال بالمناسبة.
هكذا ويمكن وصف هذه المرحلة الأولى من تاريخ المغرب المستقل بمرحلة التشارك والتعاون بين الدولة والمركزية النقابية تجلى ذلك من جهة في عناية الدولة بالنقابة بمنحها مقرات ودعم مالي ومن جهة أخرى في مساندة المركزية النقابية للدولة المغربية الفنية بمطالبة منخرطيها ومناضلها بالتضحية لأجل بناء المغرب الجديد، وهذا ما عبر عنه عبد الله لإبراهيم سنة 1956 بقوله: ” إن الفترة الحالية هي فترة بناء وليس تهديم وتهييج الطبقة العمالية هي نظام واستقرار، تتحرك باتجاه القوى الحية الأخرى من أجل وطن عادل”
الفقرة الثانية: الإنتقال من الأحادية النقابية إلى التعددية النقابية.
يندرج التعددية النقابية في إطار التعديدة السياسية التي تفرض تعاني الهويات والتوصيات والثقافات ( تعدد الأحزاب، النقابات، الهيئات المهنية والإقتصادية …) وتبين المغرب مبدأ التعددية منذ دستور 1962 الذي أشار أيضا في فصله الثالث إلى الدور التأطيري لأحزاب والنقابات وباقي المؤسسات الأخرى”.
-
أولا: مرحلة الأحادية النقابية 1955- 1960.
)النقابية التاريخية): Le syndicalisme Historique.
جسدت المركزية التاريخية ( الإتحاد المغربي للشغل) مرحلة الحادية بامتياز، وذلك بهيمنتها على الساحة النقابية منذ تاريخ التأسيس من 20 مارس 1955 إلى غاية 20 مارس 1960 تاريخ خلق الإتحاد العام للشغالين بالمغرب، وكان لهيمنة حزب الإستقلال صدى على الأحادية النقابية والتي لم يكن باستطاعته أن يعمر طويلا لأن المركزية النقابية كانت مرآة تعكس ما يجري داخل الأحزاب من خلافات وصراعات فكان لزاما أن يكون من نتائجها: انشقاق حزب الإستقلال سنة 1959 ليخرج من رحمه الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي ساندته النقابة، بل كان الحزب يستمد كل قواه من النقابة، غير أن صراع الأشخاص واختلاف المصالح عجل بفك ارتباطهما حيث أعلنت المركزية النقابية عن رفضها لأي تحالف مع حزب يؤدي إلى التصادم مع أجهزة الدول، لاسيما وأن قيادي المركزية النقابية استوعبوا وأدركوا خطورة الإستمرار في الصراع السياسي. وسيكرس هذا الاتجاه الرافض للنقابة السياسية خلال المؤتمر الثالث للإتحاد المغربي للشغل المعقد سنة 1963، والذي أعلنت فيه النقابة عن استقلالها عن أي تنظيم سياسي، وأن هدفها ينحصر في تحقيق رفاهية اليد العاملة، ومن ثمة فك ارتباط الإتحاد المغربي للشغل بالحزب الذي لم يكن ليستمر طويلا، وذلك بسبب الخلاف بين القيادة النقابية والقيادة السياسية حول مسألة التوجيه والأولوية. فالقيادة النقابية اعتبرت نفسها قد ساهمت بشكل كبير في تأسيس الحزب، مما صاحبه القرار، وأن الحزب يجب أن يكون ناطقا باسم النقابة بينما كانت القيادة الحزبية ترى أن النقابة ما هي إلا أداة لنقل تعليقات الحزب و امتداداه إلى عالم العمال، وكان من نتائج هذا الإختلاف في الموقف ابتعاد الإتحاد المغربي للشغل تدريجيا عن الحزب واعتماد مبدأ الإستقلالية النقابية ونهج أسلوب نقابي صرف. وهذا ما انتهجته الحركة النقابية منذ سنة 1961 بإعلان سياسية جديدة قوامها الفصل بين المجال السياسي والمجال النقابي هكذا ففي سنة 1961 كان من القول أن يشن إضراب عام في عدة قطاعات لتحقيق المطالب.
الزيادة في الأجور، الإعتراف بحق الإضراب بالنسبة للموظفين، واجتماع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية، إلا أن المركزية النقابية قررت في اللحظة الأخيرة توفيق الإضراب الذي كان قد بدأ ببعض القطاعات كالبريد. والفلاحة وبالتالي الدخول في مسلسل الحوار والتفاوض الأمر الذي اعتبره البعض منعرجا في الأداء النقابي في المغرب، في حين أن مواقف الإتحاد المغربي للشغل منذ 1961 اتسمت بالحياد في وقت تميز بصراع عنيف حول السلط، مما دفع بأحد الباحثين المغاربة إلى نعتها بالنقابة الفوضوية amarcho-syndicalisme..
غير أنه إذا كانت الفوضوية النقابية تناهض أية قوة خارجية ( أحزاب سياسية، أرباب العمل دولة) فإن ليس من صفات الحركة النقابية المغربية التي لا ترفض التعامل والتنسيق مع الأحزاب السياسية، لكن شريطة الإحتفاظ بالإستقلالية. لاسيما على مستوى الممارسة الفعلية، كما أن الحركة النقابية المغربية وخصوصا الإتحاد المغربي للشغل لم يسبق له إعلان العداء أو رفض أو التموقف السلبي من الدولة وأرباب العمل. فالإستقلالية النقابية لا تعني فقط استقلالية النقابة عن الأحزاب السياسية، بل يقصد بها أيضا إستقلالية النقابة عن السلطة الحكومية وعن أرباب العمل.
وتأسيسا على ذلك اختيار الإتحاد المغربي للشغل منذ 1961 نهجا نقابيا قوامه الحفاظ على استقلالية لتجنب التصادم وإنعكاساته، علما أن ميزان القوى لم يكن وقتها في صالح الرمزية النقابية، فالمكاسب التي انتزعتها المركزية والإمتيازات التي منحت لها ( الإنتقادات، المقرات ، مراكز الإصطياد ..إلخ).
كان بالإمكان نزعها للمركزية لو استمرت في تصادمها وتعنتها في مواجهة الدولة أو في التنسيق مع العناصر التي كانت تراهن على مساندة المركزية النقابية في أوج الصراع السياسي الدائر حول السلطة، وهذا ما رفضته القيادة النقابية لخطورته وانعكاساته على اليد العاملة، الأمر الذي أدى إلى نعتها من طرف خصومها بالمهادنة والمنحرفة.
والواقع أن النقابة كتنظيم مهني خاص بالعمال يمقتضى نوعا من الإستقلالية عن كل تدخل حزبي، إذ أثبتت التجربة أن العمل الحزبي غالبا ما يسيء للحركة النقابية، وهذا يستلزم الفصل بين الأمور النقابية المهنية والقضايا السياسية، حتى ولو اعتبرنا أن العمل النقابي بالمغرب يتميز في الأصل بالطابع السياسي بحكم النقابة كانت عنصرا أساسيا في الحركة الوطنية وشاركت بشكل قوي في صراع التحرر من الحماية إلى جانب باقي رموز ومكونات الحركة الوطنية ( الملكية، جيشه التحرير، الأحزاب السياسية) وهذا ما عبر عنه الكاتب العام للإتحاد المغربي للشغل في المؤتمر السياسي للإتحاد النقابي الإفريقي بقوله: ” لا يجوز لأي حزب كيف ما كان أن يفرض ديكتاتوريته أو وصياته السياسية على النقابات”
-
ثانيا: مرحلة التعددية النقابية.
يكاد المغرب أن يكون البلد العربي الوحيد الذي تأثر بالنموذج الأوروبي اللاتيني على مستوى التعددية النقابية ( فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، والبرتغال). في حين نجد باقي الدول العربية بما فيها تلك التي خضعت لنفس الإستعمار ( الجزائر وتونس) لم تعرف ظاهرة التعددية النقابية، ليس تأثرا بالنموذج الأحادي الأنجلو ساكسوني، ولكن أساسا بسبب ظاهرة نظام الحزب الوحيد الشمولي وهيمنته على الشؤون النقابية، بل حتى بعد أخذها لاحقا بالتعددية نتيجة سياسة الإنفتاح لأنها أنتجت تعددية نقابية جد ضعيفة.
بدأت بوادر الإنشقاق تدب داخل التنظيم النقابي بعد الانشقاق الحاصل في صفوف حزب الإستقلال سنة 1959 وانحياز النقابة للإتحاد الوطني للقوات الشعبية، إذ اضطر حزب الإستقلال إلى تنظيم إطار نقابي جديد بتاريخ 20 مارس 1960 تحت إسم ” الإتحاد العام للشغاليين بالمغرب”.
1– الإتحاد العام للشغالين بالمغرب:
” النقابية الحزبية” Le syndicalisme pratisan.
بعد الإنشقاق الحزبي لسنة 1959 كان أول رد فعل قام به قادة حزب الإستقلال هو خلق إطار نقابي موال للحزب، وقد أنيطت هذه المهمة لمحمد الدويري ( وزير استقلالي وقتها) الذي قام بتشكيل لجان للإنقاد لمواجهة قيادة الإتحاد المغربي للشغل، وقد تشكلت هذه اللجان من طرف عدة فئات منها عمال الميناء و كوزيما. ولا فارج، وبعدها تحولت هذه اللجان إلى نقبات مستقلة أواخر سنة 1959 ليتأسس على إثرها الإتحاد العام للشغالين بالمغرب ” إ.ع.ش.م” بتاريخ 20 مارس 1960. على خلفية قانون الحريات العامة لسنة 1958 الذي أقر التعددية الحزبية والنقابية في المغرب وبمجرد تأسيسه أعلن الإتحاد العام أن هدفه ينص في تصحيح المسار النقابي، كما برز ” إ.ع.ش.م” انشقاق سنة 1960 بتأسيس المغربي للشغل للنشاط النقابي وابتعاده عن الهداف التي تأسس من أجلها. وهكذا وفي ظرف وجيز تمكن هذا التنظيم النقابي من فرض نفسه إلى جانب الإتحاد المغربي للشغل، كما تمكن من توسيع قاعدته نسبيا بحكم تحالفه العضوي مع حزب الإستقلال، فقيادة هذه المركزية مرتبطة عضويا بالحزب هذا وقد تبنى الإتحاد العام للشغالين منذ البداية نهجا قوامه التعددية النقابة والعمل في إطارها مع اعتماده بعد مؤتمره الخامس مبدأ المساهمة على المستوى النقابي. أما على المستوى الإجتماعي والإقتصادي فالإتحاد العام يتبنى إيديولوجية التعادلية على غرار حزب الإستقلالية. وعموما فالإتحاد العم للشغالين يرتكز أولا على مبادئ الحزب وثانيا على شعار المساهمة النقابية للنموذج النقابي الألماني المعروف ب ” نقابة الإدارة المشتركة” Syndicalism de cogestion.
2– الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
” النقابة الإجتماعية” Le syndicalisme contestataire..
ظهرت خلال سنوات الستينات والسبعينات خلافات بين القيادتين الحزبية ” الإتحاد الوطني للقواة الشعبية” والنقابية ” الإتحاد المغربي للشغل” جعلت الحركة النقابية المغربية تحت إطار ” الإتحاد المغربي للشغل في وضع صعب إذ أصبحت هذه الأخيرة عاجزة عن الصمود في مواجهة التعددية الحزبية.
وقد بدأ التفكير في تأسيس ما يطلق عليه ” البديل النقابي” كرد فعل على إلغاء الإضراب العام للموظفين الذي كان مقررا يوم 19 يونيو 1961، وانطلق التأسيس فعليا منذ نهاية الستينات بخلق نقابات قطاعية مستقلة في مجالات مختلفة كالبريد ، الفلاحة التعليم، والفوسفاط، والصحة والسكك الحديدية والسكر والشاي، وقد تمكنت هذه النقابات المكتلة من عقد ندوة وطنية وضعت الأسس المحورية للمؤتمر التأسيسي في 26 يونيو 1978 الذي تولدت عنه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وهكذا أدى اشتداد الصراع بين الجهاز النقابي والجهاز السياسي إلى إنشقاق آخر، لأسباب سياسية ذلك بخلق ما يسمى آنداك بالبديل التاريخي أي مركزية نقابية بديلة موالية للحزب.
وقد تمكنت هذه الأخيرة بحكم ارتباط بالحزب أن تعطي نفسا جديدا للحركة النقابية من خلال الدخول في سلسلة من الإضرابات العامة، عرفت أوجها خلال الثمانينات ( الإضراب العام لسنة 1981) وكانت الكونفدرالية تهدف من وراء تلك الإضرابات إلى الدفع بالقضايا العالمية إلى آفاق جديدة في ظل ظروف تمييز تبني سياسة التقويم الهيكلي. وتجميد الأجور، وتقليص وظائف الدول، وما تمخض عن ذلك من إنعكاسات اجتماعية وبناء عليه تبنت الكونفدرالية سلوكا مغايرا تجلى في الإستمرار في الصراع والتصادم مع الدولة وأجهزتها مما مكنها من توسيع قاعدتها بحكم ارتباطها بحزب.الإتحاد الإشتراكي أو كما يقول بالأمس القريب الكاتب العام للمركزية ” علاقة الكونفدرالية بالحزب علاقة حميمية من خلال أطرها ومسؤوليها وليس في هذا جريمة وبسبب الصراع الداخلي ظهرت بوادر الإنشقاق والضعف في صفوف الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والتي انتهت بإعلان تأسيس ” مجلس التنسيق الوطني” كخطوة نحو تأسيس ” البديل النقابي التصحيحي” أي ” الفدرالية الديمقراطية للشغل” سنة 2002، ويضم هذا الإتحاد ممثلي النقابات القطاعات والإتحادات المحلية والجهوية. وهذه المركزية تراهن على المواطنة، في مغرب يواجه تحديات عديدة ويتخبط في مشاكل إجتماعية عويصة.
وهكذا يظهر جليا مما سبق أن الوحدة النقابية لم تستطع أن تصمد طويلا أمام تحديات الصراع السياسي وظروفه، ومن هنا بات عرفا أن يسعى كل حزب سياسي لتأسيس نقابته بهدف تقوية صفوفه وتوسيع قاعدته حتى أصبح عدد المركزيات يناهز 27 مركزية. وإذا كان هذا العرف قد نشأ مع تأسيس الإتحاد العام للشغالين بالمغرب منذ 20 مارس 1960 كأول مركزية دشنت مرحلة التعددية النقابية، فإن هذه التعددية تكرست فيما بعد بنشوء مركزيات أخرى ( كاتحاد نقابات العمال سنة 1963 والقوات العمالية المغربية سنة 1970 والإتحاد المغربي للعمل سنة 1974، واتحاد النقابات الشعبية سنة 1983 والنقابية المستقلة للشغل سنة 1995 والإتحاد الديمقراطية للشغالين سنة 1996 واللجنان العمالية بالمغرب سنة 1997 .. الخ. وهذه المركزيات عبارة عن صناعة فوقية لم تأت نتيجة لصيرورة نضالية طبيعية ولطموحات إجتماعية واضحة.
الفصل الثــانـي : النظام القانون للنقابات المهنية.
تعتبر الحرية النقابية أحد الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الأجراء، والتي تم تكريسها بمقتضى اتفاقيات الشغل الدولية والدساتير المغربية وذلك منذ 1962. وتتجسد هذه الحرية النقابية من خلال حرية تأسيس المنظمات النقابية بدون قيد سواء في القطاع العام والشبه العام أو في القطاع الخاص. وكذا حرية تنظيم وتمثيل المواطنين.و ذلك إيمانا بالدور الهام الذي تضطلع به المنظمات النقابية للأجراء في الدفاع عن حقوق الإقتصادية والإجتماعية للأجراء بالمغرب.
هذا ما جعل النظام القانوني للنقابات المهنية بالمغرب يختلف عن غيره من التشريعات المقارنة، فالتنظيمات النقابية المتعلقة بالتشريع المغربي تقوم على مبدأ الحرية النقابية سواء تعلق الأمر بتأسيس النقابة أو فيما يتعلق بتنظيمها وتسييرها، أو تعلق الأمر بكفالة حق الفرد في الانخراط في هذه التنظيمات أو عدم الانخراط فيها، أو حقه في الانسحاب منها بعد إنخراطه فيها، كما يبقى الفرد حرا إذا ما اختار الانخراط في عمل نقابي باختيار العمل الذي يوافقه. وذلك وفق ضمانات قانونية تكفل حق الإختيار أمام التعدد النقابي.
لهذا فإن التطرق إلى هذا الفصل دعى إلى تقسيمه ( مبحث أول) نتناول من خلاله مفهوم الحرية النقابية وأساسها. و ( مبحث ثاني). نتناول من خلاله أدوات العمل النقابي
المبحث الأول: الحرية النقابية بين المفهوم والتأسيس.
يحظى موضوع الحرية النقابية باهتمام التشريعات المقارنة والإتفاقيات الدولية، حيث كرستها اليوم العديد من الدول وبصفة رسمية كأحد الحقوق الأساسية التي تقوم عليها علاقات الجماعية بعد أن كانت من المحظورات في الماضي.
كما شهدت الحرية النقابية تطورات عديدة، عكست التطور الذي عرفته علاقات الشغل، وسواء فيما يتعلق بمفهومها أو نطاقها أو مداها، وبدت هذه التطورات كمظهر من مظاهر الحريات الفردية، مما ألزم التشريعات المقارنة بوضع ضمانات تحول دون المساس بها وذلك حماية للنقابة.
لهذا فإن تناول هذا المبحث يقتضي منا تقسيمه إلى ثلاثة مطالب نتطرق في أولها إلى مفهوم الحرية النقابية وأساسها، ونشير في ثانيها إلى تأسيس النقابة وكيفية تسييرها على أن نخصص ثالثها إلى الأهلية القانونية للنقابة وحلها.
المطلب الأول : مفهوم الحرية النقابية وأساسها.
يتجسد أول جانب من مفهوم الحرية النقابية في أن للشخص الحرية في الإنخراط أو عدم الإنخراط في منظمة نقابية ما، ويعمل هذا المفهوم على حماية العمال النقابيين، ويمنع أي تمييز بين العمال بسبب إنتمائهم أو نشاكهم النقابي. وموضوع الحرية النقابية لطالما أثار نقاشا حدا، فإذا كان المشرع المغربي قد عمل على تدشين عهد جديد بعد الإستقلال بتكريس شرعية تأسيس النقابات وحق الإضراب ومنع الحزب الوحيد والنقابة الوحيدة، وقد تضمن ذلك دستور 1962، غير أن هذا المبدأ طاله سوء التأويل بصدور ظهير 29 أكتوبر 1962 الخاص بتمثيل العمال داخل المؤسسات. حيث اعتبره العديد من المتدخلين محاولة لضرب العمل النقابي المغربي.
وتماشيا مع نصوص أسمى دستور أو قانون البلاد والذي يتناول الحرية النقابية في فصليه الثالث والتاسع، فقد ركزت المدونة الجديدة خصوصا في المادة 398 على هذا الحق: ” يمكن تأسيس النقابات المهنية بكل حرية…”.
فالحرية النقابية تبقى أولا وأخيرا تعبيرا عن الحرية الفردية للفرد له الحق في استعمالها أو عدم استعمالها.
وإذا كان الأمر كذلك وفق المنظور الليبرالي لعلاقات الشغل، فإن ما طرأ على هذه الأخيرة من تطورات لاسيما إنتقالها من النطاق الفردي إلى النطاق الجماعي، إنعكس على مفهوم الحرية النقابية الذي أصبح هو الآخر ذا طبيعة جماعية، فالنقابة كفاعل أساسي في علاقات الشغل الجماعية أصبحت تكتسب الحقوق وتتحمل إلتزامات، كما أصبحت كشخص معنوي محل إهتمام التشريعات المقارنة، ولذلك فإن مبدأ حرية الفرد تترك المجال للإهتمام أكثر بالمصالح المشتركة للجماعة، ومن هذا المنطلق، فإن مفهوم الحرية النقابية يعني بصفة خاصة: الحرية المعترف بها للتجمع من أجل العمل والتصرف كممثل للمهنة.
وعلى غرار هاذين الاتجاهين المتعارضين لمفهوم الحرية النقابية ظهر إتجاه وسط محاولا الجمع بين التصورين معا لمفهوم الحرية النقابية، من خلال الجمع بين مصالح الفرد من جهة والتجمع من جهة أخرى، فحدد مفهوم الحرية النقابية في الاعتراف للتجمع النقابي كشخص معنوي مستقل بالحق في تمثيل المهنة والدفاع عن المصالح المشتركة والجماعية لأعضائها مع المناداة في ذات الوقت بضرورة مراعاة وحماية حقوق الأجير الفردية، سواء تلك المتعلقة باختيار النقابة والإنخراط فيها وممارسة النشاط النقابي فيها بكل حرية، أو تلك الخاصة بالإنسحاب منها في أي وقت يشاء.
هكذا يمكن تحديد مفهوم الحرية النقابية في العلاقة بين النقابة كمجتمع مهني وبين الأجير كفرد، في حق الأولي كشخص معنوي مستقل عن أعضائه في تمثيل المهنة والدفاع عنها وعن المصالح المشتركة والجماعية، وحق الأجير في حرية اختيار النقابة و الانخراط فيها من عدمه، وكذلك حقه في الانسحاب منها في الوقت الذي يراه مع ضمان كامل لممارسة النشاط النقابي بكامل الحرية.
وإذا كان مفهوم الحرية النقابية يعتبر من مظاهر العلاقة القائمة بين النقابة والأجير، وحق هذا الأخير في اختيار النقابة الملائمة له، فإن هذا يفترض وجود أكثر من تنظيم نقابي لتمثيل المهنة الواحدة، ذلك كنتيجة حتمية تعكس مبدأ الحرية هذا ما دعى إلى تقسيم هذا المطلب إلى فقرة أولى تتضمن مفهوم الحرية النقابية، وفقرة ثانية تتناول أساس الحرية النقابية، مع الإشارة إلى مظاهر الحرية النقابية من خلال فقرة ثالثة.
الفقرة الأولى: مفهوم الحرية النقابية.
الحرية النقابية هي أحد الحقوق الطبيعية للإنسان، تنبني على أساس العلاقة التي تجمع بين أعضاء المهنة الواحدة والتجمع النقابي الذي يضمهم، أو العلاقة التي تجمع بين التجمع النقابي وغيره من التجمعات أو بينه وبين السلطة العامة.
وقد كانت الحرية النقابية ذات بعد فردي في البداية، كما هو الشأن بالنسبة للحقوق والحريات الأخرى التي يتمتع بها الإنسان، كحق التعبير، وحق التعليم، وحق التعليم، والحق في الصحة … مثلا، إلا أن هذه الحرية النقابية اتخذت بعد ذلك طابعا جماعيا، أطلق عليه اسم ” نقابة” حيث أصبح للنقابة حق التمتع بالشخصية المعنوية والتي تكون مستقلة عن كل الأشخاص الدين خلقوها أو أسسوها.
وتنتقل بهذا، الحرية الفردية للنقابة التي تهم الفرد ومصالحه الخاصة إلى حرية جماعية أكثر اتساعا تهتم بالجانب الجماعي المشترك للمهنة.
ومن خلال ما سبق وأثر هذا التحول الذي شهدته الحرية النقابية، فما مفهومها؟ أهي تلك التي تهتم أولا بالفرد وتتخذه كمحل لحمايتها؟ أم أنها تلك التي تتخذ مظهرا جماعيا يهتم بالجماعة وبالمهنة. دون وجود للفرد إلا كعضو ضمن المجموع.
بالرجوع إلى التصور اللبرالي لعلاقات الشغل الذي كان سائدا ومهيمنا على علاقات الشغل الجماعية بعد الثورة الصناعية. فإن الحرية النقابية ما هي إلا مظهرا من مظاهر الحرية الفردية وإحدى متمماتها التي يمكن للفرد استعمالها أو عدم استعمالها، فهي تضمن لأي فرد يمارس نشاطها مهنيا الحق في تكوين النقابة أو الإنخراط فيها هو قائم منها، وتضمن له كذلك حقه في الانسحاب من هذه التنظيمات أو عدم الإنضمام أصلا لأي تنظيم، فالحرية النقابية تبقى أول وأخير تعبيرا عن الحرية الفردية للفرد له الحق في استعمالها أو عدم استعمالها.
وإذا كان الأمر كذلك وفق المنظور الليبرالي لعلاقات الشغل، فإن ما طرأ على هذه الأخيرة من تطورات لا سيما انتقالها من النطاق الفردي إلى النطاق الجماعي. انعكس على مفهوم الحرية النقابية الذي أصبح هو الآخر ذا طبيعة جماعية، فالنقابة كفاعل أساسي في علاقات الشغل الجماعية أصبحت تكتسب الحقوق وتتحمل التزامات، كما أصبحت كشخص معنوي محل اهتمام التشريعات المقارنة، لذلك فإن مبدأ حرية الفرد تترك المجال للإهتمام أكثر بالمصالح المشتركة للجماعة، ومن هذا المنطلق، فإن مفهوم الحرية النقابية يعين بصفة خاصة. الحرية المعترف بها للتجمع من أجل العمل والتصرف كممثل للمهنة.
وعلى غرار هاذين الاتجاهين المتعارضين لمفهوم الحرية النقابية ظهر اتجاه وسط محاولا الجمع بين التصورين معا لمفهوم الحرية النقابية، من خلال الجمع بين مصالح الفرد من جهة والتجمع من جهة أخرى. فحدد مفهوم الحرية النقابية في الإعتراف للتجمع النقابي كشخص معنوي مستقل بالحق من تمثيل المهنة والدفاع عن المصالح المشتركة والجماعية لأعضائها مع المناداة في ذات الوقت بضرورة مراعاة وحماية حقوق الأجير الفردية، سواء تلك المتعلقة باختيار النقابة والإنخراط فيها وممارسة النشاط النقابي فيها بكل حرية، أو تلك الخاصة بالإنسحاب منها في أي وقت يشاء.
هكذا يمكن تحديد مفهوم الحرية النقابية في العلاقة بين النقابة كمجتمع مهني وبين الأجير كفرد، في حق الأول كشخص معنوي مستقل عن أعضائه في تمثيل المهنة والدفاع عنها وعن المصالح المشتركة والجماعية، وحق الأجير في حرية اختيار النقابة والإنخراط فيها من عدمه، وكذلك حقه من الإنسحاب منها في الوقت الذي يراه مع ضمان كامل لممارسة النشاط النقابي بكامل الحرية.
وإذا كان مفهوم الحرية النقابية يعتبر من مظاهر العلاقة القائمة بين النقابة والأجير، وحق هذا الأخير في اختيار النقابة الملائمة له، فإن هذا يفترض وجود أكثر من تنظيم نقابي لتمثيل المهنة الواحدة، ذلك كنتيجة حتمية تعكس مبدأ الحرية النقابية في مظهره الجماعي. هذا ما نتج عنه وجود عدد من التنظيمات النقابية تمثل وتدافع في نفس الوقت عن نشاط مهني واحد تتمتع فيه كلها بحقوق واحدة ومتساوية دون تمييز بينها.
ومنه ما يفيد أن مفهوم الحرية النقابية في مظهره الجماعي، حرية تأسيس التنظيمات النقابية في أية مهنة، وبصرف النظر عن وجود أو عدم وجود تنظيمات نقابية أخرى مع تمتعها بحقوق متساوية.
نستنتج مما سبق أن مدلول الحرية النقابية يتحدد من خلال مظهرين: مظهر فردي يتجلى في حرية الفرد في اختيار التنظيم النقابي من جهة، وحريته من جهة ثانية في الإنسحاب من التنظيم النقابي، وحريته في الإنضمام إلى أي تنظيم نقابي يختاره.
و يتجلى مظهرها الجماعي في حرية ممارسة العمل النقابي في ظل التعددية النقابية وفي ظل المساواة المبدئية بين هذه التنظيمات وصفات استقلالها بكل صورة مواجهة السلطة العامة في الدولة.
الفقرة الثانية: أساس الحرية النقابية.
كرس المشرع المغربي الحق والحرية النقابيين من خلال، ونظم الإطار القانوني الذي يحكم وينظم النقابات المهنية من خلال ظهير 16 يوليوز 1957. وذلك من خلال مجموعة من الإعلانات والإتفاقيات الدولية. التي تشكل أساس الحق والحرية النقابيين على المستوى الدولي، وكما هو الشأن بالنسبة لإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان فيلادلفيا والإتفاقيةخه الدولية بشأن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإتفاقيات الدولية رقم 11 و 87 و 98 الصادر عن منظمة العمل الدولية، بالإضافة إلى الإتفاقية رقم 8 الصادرة عن منظمة العمل العربية.
هذا ما نص عليه الفصل الثاني من ظهير 16 يوليوز 1957 أنه: ” يجوز أن تتأسس بكل حرية النقابات المهنية من طرف أشخاص يتعاطون مهنة واحدة يشبه بعضها بعضا أو حرفا يرتبط بعضها ببعض ومعدة لصنع مواد معينة أو يتعاطون مهنة حرة واحدة”.
وقد ساهم هذا الإعتراف التشريعي في انطلاق الحركة النقابية ونموها، إضافة إلى اعتبارها واحدة من أهم الظواهر الإجتماعية المعاصرةـ إذ تقوم بالمشاركة مع الأطراف الإجتماعية الأخرى ومع السلطات العامة في تنظيم علاقات الشغل التابع لينتهي الإعتراف التشريعي بالحق النقابي بتكريسه دستوريا مع أول دستور مغربي إضافة إلى تمثيل المهن التي تعتبر أهم ركيزة تقوم عليها الحركة النقابية، وذلك سواء تعلق الأمر بالمظهر الجماعي المتمثل في التأسيس الحر للمنظمات النقابية أو تعلق الأمر بالمظهر الفردي المتمثل في حرية الإنخراط في التنظيمات النقابية حسب اختيار المواطن.
هذا ما كرسه الفصل التاسع من دستور 1962، كما هو الشأن بالنسبة لدستوري 70 و 72 وتعديل 4 شتنبر 1992، أنه: ” يتضمن الدستور لجميع المواطنين … حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم … لا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون”.
الفقرة الثالثة: مظاهر الحرية النقابية.
يتضح من خلال تحديد مفهوم الحرية النقابية أن لها مظهرين اثنين. أحدهما يخص ممارسة الفرد لهذه الحرية، فيظهر تبعا لذلك بعدها الفردي، ويتعلق الثاني ممارستها من قبل التجمع ككل، فيبرر من خلاله بعدها الجماعي. وتبعا لذلك فإنه يتبادر للذهن عدة تساؤلات من بينها. أين يتجلى المظهرين الفردي والجماعي للحرية النقابية؟
هذا ما سنجيب عليه من خلال:
-
أولا : المظهر الفردي للحرية النقابية.
تتجه الحرية النقابية إتجاه الفرد باعتباره محل حماية خاصة، هذا ما يجسد المظهر الفردي للحرية النقابية، الذي يتجسد في حرية الفرد في عدم الإنضمام إلى أي تنظيم نقابي والبقاء منعزلا عن الجماعة، وحريته في اختيار النقابة التي ينخرط فيها إذا فصل العمل في ظل الجماعة، فضلا عن حريته في ممارسة النشاط النقابي دون اضطهاد، كما هو الشأن في انسحاب من النقابة وقت ما يشاء.
نقابي والبقاء منعزلا عن الجماعة، وحرية في اختيار النقابة التي ينخرط فيها إذا فضل العمل في ظل الجماعة، فضلا عن حريته في ممارسة النشاط النقابي دون اضطهاد، كما هو الشأن في الانسحاب من النقابة وقت ما يشاء.
ويظهر المظهر الفردي للحرية النقابية من خلال:
1– حرية الأجير في الإنضمام إلى النقابة.
يعبر حق الأجير في الإنضمام إلى التشريع النقابي الذي يختاره عن مظهر من مظاهر الحرية النقابية. لأنه يعكس من جهة حق من حقوقه الفردية، ومن جهة ثانية لكونه يرتبط ارتباطا وثيقا بالمنظمة التي يختارها، إذ تعتمد في حقوقها وفاعليها على عدد المنخرطين فيها. هذا ما جعل التشريعات المقارنة والإتفاقيات الدولية على كفالة حرية الإنخراط في التنظيمات النقابية لكل الأشخاص الذين يمارسون نشاطا مهنيا، سواء تعلق الأمر بالذكور أو الإناث، سواء متزوجات أو غير متزوجات، كما هو الشأن بالنسبة للأجراء القاصرين الدين يتجاوز عمرهم سنا معينة.
وهكذا فإن التشريعات المقارنة تتميز بنطاق واسع يشمل كل الأجراء الذين يكونون النقابة ويكونون أطرافا في علاقات الشغل. سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو تعلق الأمر بالقاصرين.
لكن هل الحماية الوطنية والدولية لهذه الحرية تحول دون المساس بها؟ تعتبر العلاقة التي تجمع بين النقابة والمنخرط فيها علاقة ذات طبيعة عقدية، لكونها تقوم على أساس التراضي بين أطراف هذه العلاقة. ومن ثمة فإن الفقه يرى بأنه يكون للتنظيم النقابي كشخص معنوي وبغض النظر عن توافر شروط العضوية حق رفض عضوية أي شخص.
ومع هذه السلطة الواسعة للنقابة في إختيار أعضائها فإنها تبقى سلطة مقيدة وحتى لا تكون قراراتها تتصف بتجاوز السلطة فعلى النقابة تبرير قرارتها تفاديا الإضرار بطالب الإنخراط في النقابة.
2– حرية الأجير في عدم الإنضمام إلى النقابة.
إعمالا لمبدأ الحرية النقابية فإنه يحق لكل فرد يمارس نشاطا مهنيا الإنخراط في التنظيم النقابي الذي يختاره. وتبعا لذلك فمن مظاهر المبدأ المذكور على المستوى الفردي حرية الأجير في عدم الإنضمام لأي تنظيم نقابي على الإطلاق إذ الأجراء قد لا يرغبون بأي إنتماء لأي تنظيم نقابي، مكتفين بظروفهم لكسب للحصول على لقمة العيش، إضافة إلى خوف بعضهم من المشاكل التي تقع بينه وبين رب العمل من جراء ذلك الإنتماء وإنعكاسات هذه المشاكل التي يمكن أن تصل إلى حد الطرد، والإيقاف عن العمل….
وتبعا لذلك فإن طرد المشغل للأجير يعتبر في حد ذاته إعتداءا على الحرية النقابية، حيث يترتب هذا الطرد عن إنضمام الأجير إلى النقابة، ويشكل هذا الطرد اعتداء على الحرية النقابية في مظهرها الفردي.
بحيث أن التنظيمات النقابية على اختلاف مشاربها تعتمد على العنصر البشري بكيفية أساسية في قوتها وتوسعها واكتساحها الساحة العمالية، وحرية الأجير في عدم الإنضمام إلى النقابة من شأنها أن تترك الأجير منعزلا، هذا ما يشكل عائقا أمام توسع العمل النقابي. وذلك فإن النقابات وحرصا منها على ضم أكبر عدد ممكن من الأجراء تسعى إلى تجاوز حرية عدم الإنخراط في النقابة، سواء من خلال الضغط على غير المنتمين لأي تنظيم نقابي أو من خلال الضغط على المنتمين إلى تنظيمات نقابية منافسة بهدف كسبهم إلى جانبها، وهو ما يشكل مساسا بالحرية في الإحتفاظ بالحياد النقابي داخل المؤسسة.
هذا ما جعل العديد من التشريعات المقارنة، لاسيما تلك التي تأخذ بالطابع الإختياري للعمل النقابي على حماية هذه الحرية وحماية الأجير ضد الضغوط التي قد يتعرض لها سواء المشغل أو النقابة.
3– حماية الأجير من الإضطهاد بسبب النشاط النقابي.
يعتبر الإنخراط في النقابة من عدم الإنخراط المظهر المعبر عن الحرية النقابية على المستوى الفردي، إذ حق الإنخراط في التنظيمات النقابية المهنية حر ومحمي ضد وسائل الضغط سواء من طرف النقابة نفسها أو من غير النقابة، شأنه في ذلك شأن ممارسة مختلف الأنشطة النقابية.
فالاعتراف القانون بحق تكوين النقابات والإنضمام إليها يضفي الشرعية على ما يمارسه أعضاؤها من نشاط نقابي، ولذلك فإن التعرض لهذا النشاط عن طريق اضطهاد أو مضايقة العضو النقابي يعتبر بمثابة إعتداء على أحد الحريات الأساسية للإنسان.
لهذا فالدساتير المقارنة ومنها الدستور المغربي تنص على كفالة الحريات الفردية، ونص بعضها على حرية تكوين النقابات والإنخراط فيها كإحدى الحريات الفردية الأساسية، الأمر الذي تعتبر بمقتضاه حماية الأجير من أي إضطهاد أو مضايقة سواء من جانب صاحب العمل أو من جانب النقابة أو السلطة الإدارية نتيجة لممارسة حريته النقابية طبقا للأنظمة والقوانين الجاري بها العمل أمرا مقررا ومتفقا عليه، إذ يخول المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة حق التمتع بحماية خاصة للأجير.
هكذا فإنه يحظر ربط تشغيل الأجير أو استمراره في عمله بشرط عدم انتمائه لأية نقابة أو بشرط الخروج منها، كما يحظر فصله أو الإضرار بحقوقه بأية وسيلة كانت بسبب إنتمائه إلى النشاط النقابي، ولا بعرض مرتكب هذه الأفعال للمساءلة، هذا فضلا عن حماية الأجير من الضغط الذي قد تمارسه عليه النقابة نفسها، فهذه الأخيرة تسعى دائما إلى تدعيم فاعليتها بالضغط على أكبر عدد ممكن من العمال لتدعيم صفوفها لتسهيل أداء دورها في تمثيل المهنة وتنظيمها، فالأصل في النقابة أنها إختيارية، ومن تم فإن عضويتها يجب أن تتوقف على إرادة العامل الحرة، حيث يكون حرا في الإنضمام من عدمه إلى النقابة المهنية.
4– الإنسحاب من النقابة.
إعمالا لمبدأ الحرية النقابية، فإن للفرد حرية الإنضمام إلى النقابة التي يختارها، ووفقا لهذا المبدأ أعلاه فإن الفرد حر في الإنسحاب من هذه النقابة التي إختار الإنضمام إليها، وقت ما شاء ذلك، وفي هذا الصدد جاءت مقتضيات الفصل الثامن من ظهير 16 يوليوز 1957، بالنص على أنه:” يمكن لكل عضو من أعضاء النقابة المهنية أن ينسحب من الجمعية متى أراد. ذلك وبالرغم من كل شرط متناقض”.
فمن خلال هذا الفصل من ظهير 1957، يستطيع أي عضو من أعضاء النقابة الإنسحاب منها في أي وقت، رغم كل شرط مخالف لذلك، إذ استقالته تعتبر مقبولة وسارية المفعول منذ لحظة تقديمها وذلك دون الوقوف على موافقة المجلس النقابي أو الجمع العام، ودون أن يترتب عن ذلك أي إلتزامات في ذمة الأجير المنسحب أو المقدم لاستقالته، عدا حق النقابة في المطالبة بحق الإشتراك المفوض أداؤه عن الأشهر الستة الموالية لتاريخ الإنسحاب، وأي بند في النظام الأساسي للنقابة أو في مشاركة الإنضمام إليها يخالف هذه المقتضيات يقع باطلا ومثيرا لمسؤولية النقابة، كما لو استلزمت هذه الأخيرة قبول استقالة الأجير إخطارها بمدة معينة أو توقيع الغرامة عليه أو اشتراطها تعهد الأجير بالإستمرار في عضويتها.
-
ثانيا: المظهر الجماعي للحرية النقابية.
يتجلى المظهر الجماعي للحرية النقابية في مناحي عدة تتجلى في الإستقلال الذي تتمتع به التنظيمات النقابية في مواجهة السلطة العمومية، سواء أثناء تكوينها أو وضع نظامها الأساسي أو من خلال إختيار قياديها وممثليها أو خلال مزاولتها لنشاطها إضافة إلى حمايتها من الحل الإداري. هذا ما سنتناوله تباعا.
-
حرية تكوين النقابة ووضع نظامها الأساسي.
يظهر الجانب أو المظهر الجماعي للحرية النقابية من خلال حرية تكوين النقابة ووضع نظامها الأساسي، إذ بمقتضى مبدأ الحرية النقابية فإنه يمكن للنقابة أن تتأسس بكامل الحرية وبدون الحصول على ترخيص أو إذن مسبق من السلطة الإدارية وبدون أي تدخل من هذه الأخيرة. وإلا اعتبر ذلك مسا بمبدأ الحرية النقابية. في مظهره الجماعي. فحرية تكوين النقابات تشكل المظهر الصريح والرئيسي للحرية النقابية على مستوى العلاقات بين التنظيمات النقابية والسلطة العمومية، فهذا ما يضمن استقلال النقابة عن السلطة الإدارية، وقت تأسيسها.
حيث تعمل التشريعات المقارنة على فرض بعض الشروط لتكوين النقابة أو فرض شروط وإدراج بيانات معينة في نظامها الأساسي، لكن هذه الشروط لا تخرج عن خدمة النقابة كشخص معنوي دون المساس بحرية تأسيس النقابة كتعبير عن الحرية النقابية، وهذه الحرية هي التي عمل المشرع المغربي على تكريسها على نحو واسع إذ يعترف للأشخاص الذين يعملون في نفس المهنة أو المهن المتشابهة أو مرتبطة بالحق في تأسيس النقابات بحرية تامة بدون فرض حد أدنى لعدد المؤسسين أو تحديد المهن.
-
حرية النقابة في إختيار قيادييها.
إن الحرية النقابية لا تقف عند حد حق العمال وأصحاب الأعمال في تأسيس النقابات التي تدافع عن مصالحهم، وإنما تصل إلى حد حق هذه التنظيمات النقابية في اختيار قياديها ومندوبيها دون تدخل السلطة العمومية الذي يكون من شأنه تحديد أو إعاقة ممارسة هذه الحرية. ويتخذ ذلك مظهرين: حرية الإنتخاب وحرية تحديد الشروط التي يتعين توافرها في المرشح أو المنتخب لإدارة النقابة أو تمثيلها.
-
إستقلال النقابة في ممارسة نشاطها.
إضافة إلى الإعتراف للنقابة بحق التكوين الحر لحرية إختيار قيادييها والذي يجسد المظهر الجماعي للحرية النقابية فإنه يعترف لها أيضا بالإستقلال في ممارسة نشاطها خاصة عن السلطة العمومية.
حيث يتخذ هذا الإستقلال في ممارسة النقابة لنشاطها عدة صور تتجلى أساسا في عقد الإجتماعات لأعضائها داخل مباني النقابة. بكل حرية ولا يجوز تقييد هذه الحرية باستلزام شرط الإذن قبل عقد هذه الإجتماعات. أو إخطار السلطات العمومية، وإلا اعتبر ذلك انتهاكا للحرية النقابية. ولا يجوز حضور هذه الإجتماعات من ممثلي السلطات العمومية إلا إذا كان حضوره بناءا على طلب من النقابة. لمصلحة تراها في حضوره.
وتجسيدا كذلك لمبدأ استقلال النقابة في ممارسة نشاطها عن السلطة العمومية يتعين أن يحجم التشريع عن تناول القواعد المنظمة لطريقة الإجتماع و موعده وأسلوب العمل وتشكيل الأجهزة الداخلية للنقابة، لأن غير ذلك يعد مساسا بالحرية المكفولة لتسيير النقابة لأعمالها ولشؤونها.
كما يؤكد الفقه على أن تخويل التشريع الإدارة حق الإطلاع على حسابات النقابات والتفتيش عليها وطلب البيانات المالية يعتبر تدخل مباشرا للسلطة الإدارية في شؤون النقابة ومساسا بمبدأ الحرية النقابية في مظهرها الجماعي، فهذه الأخيرة يجب أن تكون كاملة وغير مقيدة بقيود إلا في حدود القانون.
ويعتبر ممارسة النقابة لنشاطها في استقلال تام من بين المظاهر الجماعية للحرية النقابية، والذي يقتضي عدم تدخل السلطة العمومية، إلا أن التطورات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي لحقت المجتماعات المعاصرة دعت إلى تغيير مفهوم الحرية النقابية نظرا لطبيعة العلاقة القائمة بين النقابة من جهة والسلطة العمومية من جهة أخرى على مستوى ممارسة النشاط النقابي، فإذا كان هذا الأخير انطلاقا من التشريع ينحصر في الدرس والدفاع عن المصالح الإقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين في النقابة، فإن الملاحظ أن التطورات التي لحقت التجمعات المعاصرة فرضت على النقابة تجاوز الإطار المهني الصرف لنشاطها لتهتم أكثر بانشغالات إقتصادية وإجتماعية بل وسياسية على المستوى الوطني. تهم المجتمع ككل لا فقط منخرطيها.
هذا ما يدفع إلى التساؤل هل فعلا في ظل هذا الوضع سنبقي ننادي بأن تمارس النقابة نشاطها باستقلال تام عن السلطة العامة؟ وهل ستبقى هذه الأخيرة تسير ودواليب الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بمعزل عن التنظيمات النقابية؟
إنطلاقا من المصلحة العليا لا يسعنا إلا المناداة مع الفقه بعلاقة تشاور وتعاون بل ومشاركة حتى ولو نجم عنها أن يفقد كل منهما جزءا من استقلاله في مواجهة الآخر، وذلك في سبيل إيجاد توازن بين حرية النقابة في ممارسة نشاطها واستقلال السلطة السياسية في ممارسة وظيفتها.
-
حق النقابة في الحماية من الإيقاف والحل.
بالإضافة إلى ما سبق يعتبر من بين المظاهر الجماعية للحرية النقابية، حق التنظيمات النقابية في الحماية من الإيقاف والحل عن طريق السلطة الإدارية، ويعتبر هذا المظهر مكملا لحق تكوين النقابات وإلا وقعت هذه الأخيرة تحت رحمة السلطة الإدارية، مما يشكل اعتداءا على حق تكوين النقابة. إذ يظهر الإستقلال الذي يجب أن يطبع العلاقة بين النقابة والدولة من خلال منع السلطة العمومية من حل التنظيمات النقابية أو اتخاذ أي إجراء يؤدي إلى حلها.
المطلب الثاني: تأسيس النقابة وتسييرها.
حدد المشرع المغربي مجموعة من الشروط الجوهرية والشكلية لتأسيس النقابة. فما هي هذه الشروط الجوهرية؟ وما هي الشروط الشكلية هذا ما سنتطرق له من خلال ( فقرة أولى) تتناول الشروط التي حددها المشرع. وفي (فقرة ثانية) العضوية في النقابة على أن نخصص الفقرة الثالثة لتسيير النقابة.
فقرة أولى: شروط تأسيس النقابة.
لتأسيس النقابة حددت مدونة الشغل الجديدة بمجموعة من الشروط منها ما هو جوهري ومنها ما هو شكلي.
أولا: الشروط الشكلية لتأسيس النقابة.
بالرجوع إلى المادة 414 من مدونة الشغل نجدها تنص على أنه يجب على الأشخاص الراغبين في تأسيس نقابة أن يدعوا لدى مكاتب السلطة المحلية المختصة النظام الأساسي للنقابة المزمع إنشاؤها، وتقديم لائحة بأسماء الأشخاص المكلفين. بلإدارة وتسيير شؤون النقابة، وموطنهم وجنسيتهم والتي يشترط فيها أن تكون جنسية مغربية، إضافة إلى تمتعهم بالحقوق المدنية والسياسية، كما يتوجب على السلطة المحلية التي تلقت التصريح بإنشاء النقابة، أن ترسل نظيرا من تلك الوثائق إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل.
هكذا يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات عن هذه الشروط:
-
نلاحظ أن المشرع يشترط كتابة التصريح، إذ يبدو ذلك بجلاء من خلال اشتراطه إيداع النظام الأساسي للنقابة، إضافة إلى تقديم لائحة المسيرين.
-
نلاحظ من خلال المادة أعلاه أن المشرع اشترط إيداع النظام الأساسي لدى السلطة المحلية الإدارية، غير أن هذه المادة لم تحدد مصير هذا الإيداع.
ج- نلاحظ من خلال المادة أيضا أن المشرع ترك الأعضاء حرية إيداع النظام الأساسي بحيث لم يشترط مسائل معينة يجب أن يتضمنها النظام الأساسي.
هكذا ومن خلال الفصل الثالث من ظهير 16 يوليوز 1957، الملغى نجد أن المشرع أشار إلى الشروط الشكلية كالتالي:
-
إيداع أو توجيه القانون الأساسي للنقابة:
من خلال مقتضيات المادة 398 من مدونة الشغل، يتبين أنه يحق للأجراء المشتغلين بمقاولة أو بمؤسسة ما، والمتعاطين لمهنة أو حرفة واحدة، أو حرفا أو مهنا يشبه بعضها بعضا، أن يقوم بتأسيس النقابات المهنية بكل حرية. حيث يتوجب على ممثلي النقابة المزمع تأسيسها أو الأشخاص الذي يكفلونه بذلك أن يقوموا بإيداع القانون الأساسي للنقابة المزمع تأسيسها لدى مكاتب السلطة الإدارية المحلية مقابل وصل إيداع يسلم فورا. أو مقابل التأشير على نظير من الملف في انتظار تسليم الوصل، أو أن يوجه برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، ويتضمن هذا القانون السياسي للنقابة وجوبا، تنظيمها الداخلي، وشروط تعيين الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير. وشروط الانخراط فيها والانسحاب منها .
كما أضافت المادة 418 من مدونة الشغل، أن كل تغيير يلحق بالقانون الأساسي للنقابة يجب أن تخطر به السلطة الإدارية المحلية والمندوب الإقليمي المكلف بالشغل.
يتضح مما سبق أن شرط الإيداع هو شرط شكلي لتأسيس النقابة وهذا المقتضى الذي نص عليه المشرع المغربي، يتفق ومواقف التشريعات المقارنة، حيث نصت على هذا الشرط كل من المادة الرابعة من القانون النقابي المصري رقم 35 لسنة 1976. المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1981، وأيضا الفصل ( 411-410) من قانون الشغل الفرنسي.
2- توجيه نظير من الملف إلى المندوب الإقليمي للشغل:
إن المشرع المغربي حدد الشروط الشكلية الواجب إثباعها من أجل تأسيس النقابات المهنية. وتتمثل هذه الشروط في إيداع أو توجيه ملف التأسيس من طرف ممثلي النقابة أو الأشخاص المكلفون بذلك إلى السلطة الإدارية المحلية. ويتضمن هذا الملف القانون الأساسي للنقابة المزمع تأسيسها والقائمة الكاملة للأشخاص المكلفين بالإدارة والتسيير، وذلك في أربعة نظائر. توجه السلطة الإدارية المحلية نظيرا إلى السيد وكيل الملك، زيادة على الشروط التي سبق ذكرها فإن مدونة الشغل جاءت بمقتضيات جديدة، وتتمثل في إرسال نسخة خامسة من ملف التأسيس من قبل ممثلي النقابة أو الشخص المكلف بذلك إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، حيث لم تتطرق المقتضيات القانونية السابقة لهذا المقتضى، وهكذا ثم إدخال السلطة الحكومية المكلفة بالشغل في مجال تأسيس النقابات المهنية.
إن إجراءات الشكلية التي نص عليها المشرع المغربي من أجل تأسيس النقابات المهنية، تتفق وتتماش مع الحرية النقابية، وهو مسلك سليم، سلكه المشرع المغربي، لذا وجب احترام هذه الإجراءات الشكلية عند تأسيس النقابات المهنية، فالغرض منها ليس فقط الإعلان عن ميلاد شخص معنوي، بل ضمان لإشهار والعلانية للمنظمة النقابية الجديدة، ومنحها الوجود القانوني وشخصيتها الإعتبارية.
3– جزاء مخالفة الإجراءات الشكلية لتأسيس النقابة:
صحيح أن المشرع المغربي أوجب احترام إجراءات شكلية معينة، فإن التساؤل يطرح حول نتيجة عدم مراعاة المؤسسين لهذه الإجراءات؟ فهل يؤدي ذلك إلى تجريد النقابة من أي وجود قانوني؟ أم أن عدم مراعاة الإجراءات الشكلية عند التأسيس، يحرمها فقط من الشخصية الإعتبارية؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يتجه التشريع المغربي. كباقي التشريعات المقارنة. إلى القول أن عدم مراعاة الإجراءات الشكلية لتأسيس النقابة المهنية، يحرمها من الشخصية الإعتبارية، مما يؤدي إلى حرمانها من التمتع بالحقوق المعترف بها قانونا للنقابات المهنية، كالحق في التمتع بالأهلية المدنية، والحق في التقاضي، والحق في ممارسة جميع الحقوق التي يتمتع بها المطالب بالحق المدني لدى المحاكم، في كل ما يتعلق بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو بالمصلحة الجماعية للمهنة أو للحرفة التي تتولى تمثيلها، وبطبيعة الحال فإن ممارسة هذه الحقوق تكون وفق الشروط والإجراءات التي نص عليها القانون. أيضا ينتج عن عدم احترام هذه الإجراءات الشكلية إمكانية حل النقابة المهنية من طرف السلطة القضائية وبالتماس من النيابة العامة، بالإضافة إلى متابعة مؤسسي النقابة ومعاقبتهم وليس فقط مؤسيسها بل حتى رؤساء النقابة أو مديريها او متصريفها أيا كانت صفتهم، بغرامة من 10.000 درهم إلى 20.000 درهم، من عدم إيداع وثائق التأسيس لدى السلطة الإدارية المحلية أو عدم توجيهها إليها، وتنص المادة 415 من المدونة بغرامة من 500 درهم إلى 1000 درهم في حالة عدم إرسال وثائق تأسيس النقابة إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل. وفي حالة العود تضاعف الغرامة أعلاه. وتتحقق حالة العود إذا ارتكبت هذه الأفعال المعاقب عليها داخل السنتين المواليتين لصدور حكم نهائي.
لمكاتب السلطة المحلية أو يرسلوا إليها بواسطة خطاب مضمون إضافة إلى نظامها الأساسي لائحة تامة للأشخاص المكلفين لصفة ما بإدارة النقابة وتسيير شؤونها، وتتضمن هذه الائحة أسماء المعنيين بالأمر وألقابهم ونسبهم ومحل إزديادهم وجنسيتهم ومهنتهم وسكناهم، ويجب أن يكون هؤلاء الأشخاص من جنسية مغربية وأن يتمتعوا بحقوقهم المدنية والسياسية، وإضافة إلى أن أي تعديل يطرأ على هذه اللائحة أو كذلك على النظام الأساسي للنقابة يجب أن تخطر به السلطة المحلية.
-
ثانيا : الشروط الجوهرية لتأسيس النقابة.
الشروط الجوهرية لتأسيس النقابة منها ما يتعلق بالأشخاص الذين يرغبون في تأسيس النقابة، ومنها ما يتعلق بالغرض الذي تتوخاه النقابة.
1– القواعد الجوهرية الخاصة بالأشخاص.
لا بد من توفر شروط جوهرية في الأشخاص الذين يرغبون في تأسيس نقابة، تتمثل هذه الشروط الجوهرية في تعاطي مهنة واحدة أو مهن مرتبطة أو متشابهة وأن يكونوا حاملين للجنسية المغربية، إضافة على تمتعهم بالحقوق المدينة والسياسية.
أ- تعاطي مهنة واحدة أو مهنة مرتبطة أو متشابهة.
تطبيق لمبدأ الحرية النقابية فإن المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة لم يضع أو يحدد عدد معينا من الأشخاص الذين يسمح لهم بتأسيس النقابة حيث كلما برزت فكرة تأسيس النقابة يمكن الشروع في ذلك متى توفر عدد كافي من المؤسسين بالإضطلاع بكل أجهزتها والقيام بأعمالها و الوفاء بغرضها.
كما أن تحقيق غرض النقابة مرتبط ارتباطا وثيقا بتضامن حقيقي بين الأعضاء المؤسسيين، وهذا التضامن من يساعد على تحقيقه الشعور بالانتماء إلى مهنة أو على الأقل مهن مرتبطة أو على الأقل متشابهة فيما بينها، هذا ما دفع المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة إلى اشتراط ممارسة النشاط المهني الواحد أو المرتبط أو المتشابه في الأشخاص الذين يرغبون في تأسيس نقابة مهنية، حيث أن هذه الأخيرة لا تتكون إلا على أساس وجود رابطة قوامها وجود مصالح مهنية مشتركة بكون الدفاع عنها وتمثيلها موضوعا لها.
إذ لا يكفي في أعضاء النقابة الواحدة أن يكونوا أجراء يمارسون مهنة واحدة، بل يجب أن تجمعهم وحدة المصلحة، أي ممارسة مهنة واحدة أو على الأقل مهن متشابهة أو مرتبطة. وإلا تشعبت مصالحهم بتعدد المهن التي يمارسونها، وبالتالي يتعذر وجود هدف واحد يهدفون إليه، إضافة أنه لكل مهنة مشاكل خاصة بها مما يتعذر معه خدمة المهن المختلفة.
ب- شرط الجنسية:
أعطى المشرع المغربي حق الإنخراط في التنظيمات النقابية لكل شخص يتعاطى نشاطا مهنيا بصرف النظر عن جنسية، غير أنه وبمقتضى المادة 416 من مدونة الشغل اشترط أن يكون الأشخاص المكلفين بالإدارة والتسيير المتعلق بالنقابة من جنسية مغربية، لاعتبار النقابة مؤسسة وطنية لا يمكن أن يعهد بإدارتها وتسييرها للأجانب، حيث يستشف من الواقع العملي مدى التداخل بين ما هو نقابي، وما هو سياسي، وهو ما يعبر عنه الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه التنظيمات النقابية المهنية في الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، داخل المجتمع إضافة إلى حجم مشاركتها في اتخاذ القرارات التي تهم العمل التابع.
ج- التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي فإن العقوبات الجنائية الأصلية إما جنائية أو ضبطية. ومن بين العقوبات الجنائية الأصلية نص المشرع المغربي على التجريد من الحقوق الوطنية. إذ يعتبر من مشتملاته. وفقا للفصل السادس والعشرين من القانون الجنائي عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية، وحرمانه من أن يكون ناخبا أو منتخبا. وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسة ومن ضمنها انطلاقا من المادة 416 من مدونة الشغل الحق في المشاركة في أحداث النقابات المهنية، وفي إدارة شؤونها وتسييرها. هكذا فمن بين الشروط الجوهرية لتأسيس النقابية التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
د- عدم ارتكاب جناية أو جنحة ماسة بالشرف أو الأخلاق أو الأمانة:
من خلال مقتضيات المادة 416 من مدونة الشغل، نجد أن هذه المادة اشترطت على الأشخاص الذين سيقومون بمهام التسيير والإدارة في النقابة. بالإضافة إلى الجنسية المغربية والتمتع بالحقوق السياسية والمدنية، أن يكونوا غير محكوم عليهم نهائيا بأية عقوبة سجن أو حبس نافذة، وذلك بسبب اقتراف إحدى الجرائم الماسة بالشرف، أو الأخلاق. أو الأمانة، حيث حددها المشرع المغرب في النصب وخيانة الأمانة والسرقة والزور والإدلاء به، وتحريض قاصرين على الفساد والمساعدة على الفساد، والاتجار في المخدرات واستعمالها وأيضا مخالفة التشريع المتعلق بالشركات، وإساءة التصرف في أموال مشتركة
-
الشروط الشكلية الخاصة بهدف النقابة.
“حصر المشرع بوضوح تام أهداف النقابة في المادة 396، حيث جاء فيها. إن النقابات تهدف إلى الدفاع عن المصالح الإقتصادية والإجتماعية لمنخرطيها، ودراسة وتنمية هذه المصالح”. ومنه فلا يمكن للنقابة احتراف النشاط السياسي أو النشاط التجاري، كي لا تصبح شركة تقوم على المضاربة من أجل تحقيق الربع وتوزيعه على أعضائها. وكي لا تتحول إلى حزب سياسي، فتبتعد عن مطالب العمال ومشاكلهم.
نلاحظ أن المشرع المغربي وسع نطاق الأعمال التي تقوم بها النقابة، حيث لم يعد نشاط هذه الأخيرة يقتصر على الأعمال المهنية الصرفة. بل تعداه إلى أعمال أخرى دخلت بدورها دائرة الأنشطة المشروعة للنقابة.
-
الأعمال المشروعة للنقابة:
تعمل النقابة على الدفاع عن مصالح المنخرطين فيها، ويجوز لها ممارسة جميع الأنشطة التي تقصد من ورائها الدفاع عن مصالح منخرطيها والدفاع عن حقوقهم والعمل على تحسين حالتهم المادية والإجتماعية، وانطلاقا من مقتضيات مدونة الشغل ثم تقسيم العمال الجائز التي يمكن أن تقوم بها النقابة إلى أربعة أنواع:
-
الدفاع عن مصالح المنخرطين لدى مؤاجريهم:
يعتبر الدفاع عن مصالح المنخرطين لدى النقابة من المهام الأساسية المنوطة بها. أدبيا وماديا واقتصادية ومهنيا، والتدخل من أجل ذلك لدى المشغلين، فالعامل بمفرده لا يستطيع الدفاع عن مصالحه، وهو بذلك في حاجة إلى باقي الأعضاء الممثلين لنفس المهنة، واتحاد باقي الأفراد يمكن من مواجهة المشغل عند إخلاله بمقتضيات القانون أو بنود الاتفاق التي تم الاتفاق عليها في البداية.
إذا تعمل النقابة على الإتصال بأصحاب الأعمال لإزالة ما قد يشكوا منه العامل، هذا بالإضافة إلى التفاوض لتحديد ساعات العمل والأجور، وتحسين ظروف العمل، والسعي إلى ترقية أعضاء النقابة أدبيا ومهنيا، وأن تقوم بكل ما من شأنه تصفية الخلافات التي قد تحدت بين المشغلين وأجرائهم.
-
تمثيل المصالح المشتركة للمهنة لدى السلطة العامة.
إضافة إلى دفاع النقابة عن مصالح منخرطيها، فإنها تعمل كذلك على الدفاع عن مصالح المهنة، لدى السلطة العامة، إذ يمكن للنقابة أن تطالب السلطة العامة بإصدار القوانين التي من شأنها حماية العمال، أو بإنشاء المشروعات التي تعود عليهم بالخير، إضافة إلى أن التنظيمات النقابية كثيرا ما تكون محل استشارة من طرف السلطة العامة حيث ترغب هذه الأخيرة في تحضير بعض النصوص القانونية الخاصة بسوق الشغل. كما تلزم السلطة العامة على إحترام الحريات النقابية وفقا للإتفاقية الدولة رقم 78 لسنة 1948. ونصت المادة 396 من مدونة الشغل على حق المساهمة إلى جانب السلطات العمومية في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الإقتصادي والسياسي.
-
تقديم الخدمات الإجتماعية للمنخرطين:
يمكن للنقابة بمقتضى أحكام مدونة الشغل القيام بأنشطة أخرى ذات طابع إجتماعي، وهكذا نص المشرع المغربي على السماح للنقابات المهنية بأن تؤسس لفائدة منخرطيها صناديق خصوصية للإسعاف المتبادل أو للتقاعد، وذلك وفق مقتضيات القوانين الجاري بها العمل كما خول لها كذلك إمكانية تخصيص قسط من مواردها لإحداث دور للسكن ذات أسعار في متناول الأعضاء، ولاقتناء أراضي لإحداث متنزهات للعمال أو لممارسة الرياضة. كما يمكن كذلك للنقابة منح إعانات مالية للشركات التعاونية قصد الإنتاج والإستهلاك وإبرام اتفاقيات للتأمين الصحي، وتوفير مختلف الخدمات الصحية طبقا للأحكام الواردة في نظامها السياسي، كما يمكن للنقابة إصدار نشرات تعني بشؤون المهنة أو الحرفة وأجرائها وإنشاء وتدبير مراكز للأبحاث والدراسات والتكوين كما تساهم في تطوير المستوى الثقافي للمنخرطين لها.
-
الإرتقاء بمستوى المهنة أو الحرفة.
لا يقف الهدف الذي تؤسس لأجله النقابة عند حد تمثيل أعضائها فقط بل تصل إلى حد تمثيل المهنة أو المهن التي ينتمي إليها الأعضاء. لهذا فنشاطها لا يقتصر على مجرد خدمة المصالح الفردية للأعضاء وإنما يشمل المهنة ذاتها، ولا جدال في أن العناية بخدمة المهنة يؤدي إلى رفع مستوى الإنتاج في الدولة أو تحسين طرقه وأساليبه، وهذا ينعكس في الوقت ذاته على الوضعية المادية والإجتماعية للأجراء وذلك من خلال تحسين شروط عملهم وظروف معيشتهم.
إذن هذه هي الأغراض التي يتوجب على النقابة أن تسعى إليها، وأن تعمل على تحقيقها، حيث لا يصح لها الخروج عنها طبقا لقاعدة التخصيص التي تحد نطاق غرضها، وبالتالي فإن كل عمل أو نشاط لا يتجاوز هذا الإطار سيكون غير مشروع.
ب- الأعمال المحظورة على النقابة:
تعتبر النقابة مجمعية مهنية تهدف انطلاقا من النصوص القانونية ومن أنظمتها الأساسية إلى الدرس والدفاع عن مصالح منخرطيها الصناعية والتجارية والفلاحية وفي والمهن الحرة، والعمل على ترقيتهم اقتصاديا واجتماعيا، لهذا فإن موضوعها يجب أن ينحصر فيما ذكر فقط، فأهليتها في التصرفات القانونية تتحدد بالأغراض المنشأة من أجلها والتي لا يجوز لها أن تخرج عن نطاقها لتمارس ما هو محظور عليها، وذلك من قبيل الأنشطة السياسية الصرفة أو العمال التجارية والمالية.
-
النشاط السياسي الصرف:
إذا كانت التشريعات المقارنة والتي سايرها المشرع المغربي في حصر عمل النقابة في النشاط المهني الهادف إلى الدفاع عن مصالح الأجراء وحقوقهم والإرتقاء بالمهنة، فإن هذه التشريعات عملت في الوقت ذاته على حصر العمل السياسي الصرف في النقابة فقط.
غير أنه يصعب تحديد المسائل ذات الطابع السياسي الصرف والتي يمنع على النقابة إتيانها، بسبب تعدد مظاهر الحياة الحديثة وتعدد أوجه الموضوع الواحد، إذ قد تطالب النقابة السلطة العامة بإصدار أو تعديل أو إلغاء تشريع اجتماعي معين أو إتخاد قرارات بتأييد أو استنكار مسلك الحكومة في بعض الأمور العامة وقد تبذل من جهدها ومالها لنصرة بعض المرشحين للمجالس النقابية أو قد تحكم الصلة بينها وبين بعض الأحزاب السياسية، وكل هذه أشكال من النشاط النقابي يختلط فيها ما هو سياسي بما هو اقتصادي واجتماعي، وهو ما ينتج عنه وقوف السلطة العامة من النقابة موقفا سياسيا أو اقتصاديا أكثر منه إجتماعيا.
غير أنه يصعب إلزام النقابة بالإقتصار عن الدفاع عن المصالح المهنية لأعضاء النقابة والإبتعاد عن النشاط السياسي، لأنه لا يتصور الدفاع عن مصالح الأعضاء المهنية ذاتها دون اتخاذ مواقف سياسية معينة. إذ لا يمكن أن نطلب من نقابة ما، سواء كانت ممثلة للعمال أو لأصحاب الأعمال بألا تكترث بالبرامج الإقتصادية والإجتماعية للسلطة أو الأحزاب السياسية وانعكاساتها على مستوى معيشة الطبقة العاملة وعلى مستوى الأسعار والأجور والضرائب وعلى مستوى تشغيل اليد العاملة، وعلى مستوى حالة المؤسسات الصناعية والتجارية والفلاحية وعلى المهن الحرة من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مختلف الإصلاحات التي تطالب بها التنظيمات النقابية المهنية لا يمكن تحقيقها بالنضال النقابي، إذ لابد أن يقترن ذلك بمشاركتها في الحياة السياسية ولو من خلال مشاورتها حول مختلف نواحي الحياة الإقتصادية والإجتماعية.
والواقع أنه رغم تحديد القصد الوحيد من النقابة المهنية في الدرس والدفاع عن المصالح المهنية لمنخرطيها- حسب الفصل الأول من ظهير 1957-، فلا يمكن لهذه المصالح المهنية أن تحقق مطالبها بمجرد النضال بعيدا عن الإهتمام بالمجال السياسي وانعكاساته على باقي الميادين، سواء من خلال إرتباطه بمختلف الأحزاب السياسية الوطنية أو من خلال ما تتخذه من مواقف من التوجهات السياسية العامة للحكومة ومن القضايا السياسية التي تهم الوطن.
وعلى العموم فإن إهتمام النقابات المهنية بمختلف الأنشطة له فائدة من عدة زوايا، إذ يخول للسلطة العامة ومختلف الأحزاب السياسية إمكانية الإهتمام أكثر بالأوضاع الإجتماعية للطبقة العاملة، ويساعد على التعجيل بتنفيذ المشروعات المفيدة لهم، إضافة إلى أن وجود أعضاء يمثلون مختلف التنظيمات النقابية داخل مجلس المستشارين يسمح لها بإسماع صوتها والتعبير عن وجهة نظرها وحمل السلطة التشريعية على إتخاذها،وذلك ما من شأنه ضمان رعاية أكثر للطبقة العامة.
-
النشاط التجاري.
إستنادا إلى مضمون المادة 396 من مدونة الشغل الذي يحدد هدف النقابات المهنية في الدفاع عن المصالح الإقتصادية والإجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها، والجماعية لأعضائها، يمكن القول أن المشرع المغربي يمنع على المنظمات النقابية ممارسة أي نشاط خارج ما هو محدد قانونا إذ لا يمكن للتنظيمات النقابية أن توظف أموالها في المشروعات الصناعية والتجارية والفلاحية بهدف تحقيق الربح وتوزيعه على أعضائها، لأن هذا يخرج التنظيمات النقابية عن الغرض الذي أسست من أجله، ويحول دون تحقيقها لأهدافها المهنية، ويجعلها بين الربح والخسارة كباقي المؤسسات التجارية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السماح للنقابة بممارسة نشاطها بحرية، حيث أن ممارستها لنشاط ما يدر عليها دخلا، وهذا ما سيؤدي إلى التحايل على القواعد القانونية المفروضة على الشركات التجارية.
ومع ذلك فقد سمح المشرع المغربي بمقتضى الفصل السابع عشر للنقابة بإمكانية القيام ببعض الأعمال التي يسمح بها قانونها الأساسي، بشرط عدم توزيع أية فائدة على الأعضاء ولو بصفة مبالغ مرجعة وهو ما يبعد عنصر الربح عن الهيئة النقابية.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من اختلاف اتجاهات التفرقة بين الأنشطة المسموح للنقابة مزاولتها والأنشطة المحظورة عليها القيام بها، فإن أمر تحديد هذه الأنشطة يبقى عسيرا، خاصة وبعد أن نص المشرع المغربي بموجب الفصل السابع عشر على حق النقابة في القيام بالأنشطة الآتية:
Å أن تشتري أو تكتري لصالح أعضائها جميع الأشياء الضرورية لمزاولة مهنتها…
Åمد يد المساعدة بدون عوض في بيع المنتوجات المتحصلة من الخدمة الشخصية…
الفقرة الثانية: العضوية في النقابة وإنتهاؤها.
إذا توافر في تأسيس النقابة الشروط الشكلية والموضوعية المطلوبة، وتأسست وفق القواعد القانونية الجاري بها العمل، فإنها تفتح باب الانخراط في وجه أجراء المهنة التي تأسست لتمثيلها الذين تبقى عضويتهم سارية المفعول طالما أنهم يمارسون نشاطهم المهني ولم يأتوا أي سبب من الأسباب التي تؤدي إلى إنتهائها.
وهكذا سنتناول (أولا) العضوية في النقابة،ثم (ثانيا) انتهاء العضوية فيها.
-
أولا: العضوية في النقابة:
إعمالا لمبدأ الحرية النقابية في مظهره الفردي الذي يضمن لجميع الأشخاص حرية الإنضمام إلى النقابة من عدمه، فقد عمل المشرع المغربي على غرار غيره من التشريعات المقارنة على ضمان الحق في عضوية التنظيمات النقابية المهنية لجميع الأجراء دون تفرقة بحسب الجنس أو الجنسية أو المركز داخل المهنة، فللجميع ذكورا كانوا أم إناثا مغاربة أوأجانب الحق في الإنخراط في النقابة من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وكذا الإلتزام بالواجبات التي تفرضها العضوية.
وهكذا، سيتم التطرق إلى الشروط الواجب توفرها للإنخراط في النقابة ثم سيتم الحديث عن الحقوق والواجبات التي تترتب عنها.
-
– شروط العضوية في النقابة:
لكي يتمكن العضو المرشح في إكتساب العضوية داخل تنظيم نقابي لا بد من توفر الشروط الآتية:
-
تعاطي نشاط مهني:
يعتبر هذا الشرط من الشروط الجوهرية التي يجب توفرها في الأشخاص الذين يريدون الإنخراط في التنظيمات النقابية المهنية، فهذه الأخيرة عبارة عن تجمع مهني غايته الدفاع عن مصالح وحقوق نشاط مهني واحد أو أنشطة مهنية مرتبطة أو متشابهة، لكن وحتى يؤدي هذا التنظيم النقابي الغرض منه لابد أن يكون هنالك تضامن حقيقي بين أعضائه، تضامن يشكل الدور الأساسي في بلورته وتحقيقه الشعور بالإنتماء إلى ذات النشاط المهني أو على الأقل إلى نشاط مهني متشابه أو مرتبط.
وحتى إن كانت ممارسة النشاط المهني تسمح للشخص حق الترشح لعضوية النقابة، فالملاحظ أن لهذا النشاط المهني خصائص لا بد أن تتوافر فيه، وإلا فقد خاصيته كشرط للإنخراط في التنظيمات النقابية، خصائص بعضها محل إجماع الفقه والبعض الآخر موضوع إختلاف.
يذهب جانب من الفقه في عمومه أنه ولكي يعتد بممارسة النشاط المهني، لابد وأن يمارس بكيفية إعتيادية، أما إذا كان العضو المرشح لا يشتغل إلا عرضا، فلا يمكن إعتباره أجيرا في عرف قانون النقابات، فالصفة الإعتيادية هي التي تميز النشاط المهني وترتقي به إلى الحد الذي يجعله أحد الشروط الجوهرية في تأسيس النقابة أو الإنخراط فيها.
وبالرغم من أن الفقه إتفق وأجمع على ضرورة توافر خاصية الإعتياد في ممارسة النشاط النقابي فإنه قد إختلف بخصوص ما إذا كان هذا النشاط المهني يجب أن يمارس نظير مقابل، أم يمكن أن يؤدى بدونه، حيث يرى بعض الفقه إلى إشتراط أن يمارس الشخص نشاطا مهنيا مؤدى عنه يستخلص منه كل أو بعض موارد عيشه، في حين يذهب البعض الآخر، إلى أن المقابل لا يعتبر عنصرا جوهريا في تحديد طبيعة النشاط المهني، سواء مورس هذا النشاط بدون أي مقابل على الإطلاق أو بمقابل هزيل، بكيفية دائمة أو مؤقتة، فإن ذلك لا أثر له على طبيعة النشاط المهني، وبالتالي لا يحول دون الحق في تقديم طلب الترشح لعضوية النقابة.
وإذا كانت قواعد الإنخراط في النقابات المهنية تستلزم الممارسة الإعتيادية للنشاط المهني، فإن التوقف عن مزاولة هذا النشاط يقتضي إنتهاء هذه العضوية نظرا لفقد أحد شروطها إلا أنه ولأسباب قدرها المشرع المغربي – على غرار غيره من التشريعات المقارنة- سمح للأشخاص الذين تخلوا عن مزاولة مهنتهم أن يبقوا منخرطين في نقابة مهنية، وذلك إذا زاولوا هذه المهنة مدة ستة أشهر على الأقل. فهذا الإستثناء يسمح لهذا الأجير بالإستمرار في الإنتفاع من الخدمات التي قد تقدمها النقابة في وقت يكون فيه – خاصة عندما يكون في حالة بطالة أو تقاعد – أحوج إلى مساندة منظمته النقابية ورعايتها الإجتماعية والمادية والمعنوية كالحصول له على عمل جديد أو تأمين حقوقه اتجاه صاحب العمل القديم والدفاع عنها أمام القضاء، هذا بالإضافة إلى أن إستمرار العضو المتوقف عن ممارسة نشاطه المهني – سواء بسبب البطالة أو التقاعد – في عضوية النقابة يسمح لهذه الأخيرة من الإستفادة من تجاربه وخبرته من خلال إمكانية تفرغه للإضطلاع بمختلف أعمال وأنشطة النقابة، ذلك أن حالة التوقف التي يكون عليها -لاسيما في حالة البطالة – تعمق لديه الإحساس بالدفاع عن المصالح المهنية وأهمية العمل النقابي في صيانتها، وهو ما من شأنه خدمة العمل النقابي.
ب- شرطا السن والجنسية:
إستنادا لمبدأ الحرية النقابية في مظهره الفردي، فإن الأشخاص الممارسين لمهنة أو حرفة معينة يحق لهم الانخراط بكل حرية في المنظمة النقابية حيث يسمح المشرع المغربي بمقتضى مدونة الشغل، لكافة الأجراء الذين يتمتعون بالسن القانوني لولوج عالم الشغل الحق في الإنخراط في المنظمات النقابية التي يختارونها، دون الحصول على موافقة مسبقة من أولياء أمورهم، في الحالة التي يتعلق الأمر فيها بقاصرين. فمن خلال أحكام مدونة الشغل فإن المشرع أشار إلى أن الأجير الذي تقل سنه عن السن المحددة قانونا للإنخراط في النقابة، لا يحق له الإنخراط فيها ذلك أن سنه الحديث يعكس قلة نضجه للمشاركة في العمل النقابي، وجانب آخر من الفقه يعارض هذا الإتجاه بذريعة أن القانون حينما سمح للأجير الحدث بالإنخراط في النقابة لم يورد أي مقتضى بخصوص قبول انخراط الأجراء الأحداث الذين تقل سنهم عن الحد الأدنى قانونيا مثل الفصل من النقابة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الأجير الحدث له أيضا مصالح مهنية يتعين الدفاع عنها بل إن هذه المصالح هي أولى بالدفاع من مصالح الأجراء الراشدين، ومن تم يجب أن يسمح لهم بالإنخراط في النقابة.
وبالرغم من أن هذا الجانب من الفقه نادى بضرورة السماح للأجراء الأحداث أقل من ستة عشر سنة بالإنخراط في النقابة، فإنه ينادي بذلك في إطار القواعد العامة، أي بعد الحصول على إذن من النائب القانوني، لأن السن المحددة قانونا هي فقط التي يمكن الإنخراط معها في النقابة دون إذن أو ترخيص، أما دون هذه السن فالإنخراط لا تحول دونه القواعد القانونية، ولكن مع مراعاة القواعد الخاصة بالنيابة التي تقتضي في هذه الحالة الحصول على إذن من النائب القانوني، اللهم إلا إذا كان الأجير الحدث مرشدا، ففي هذه الحالة يمكن له الإنخراط في النقابة دون الحصول على إذن من النائب القانوني.
إن العضوية النقابية لا تخول حقوقا فقط وإنما تفرض كذلك واجبات معينة، وتقتضي تحمل مسؤوليات، القيام بها يتطلب تجربة ونضج ووعي بجسامة العمل النقابي، وكل هذه الأمور لا يمكن أن تعكسها السن المنخفضة للأجير الحدث، فهذا الأخير لا يصلح له في هذه السن المبكرة الإشتراك من خلال الجمع العام في توجيه أمور النقابة واتخاذ ما قد يصدر من قرارات هامة، كتعديل النظام الأساسي أو المشاركة في إضراب عام أو المشاركة في إتخاذ قرار لحل النقابة، هذا بالإضافة إلى أنه وإذا كان بعض الفقه الغربي ينتصر إلى السماح للأجير الحدث دون سن السادسة عشر بالإنخراط في النقابة لأن الظروف في المجتمعات الغربية مغايرة للظروف المتواجدة في المغرب، فالأجير الحدث منذ الصغر يعيش في بيئة صناعية تجعل من السهل عليه تفهم العلاقات بين العمل ورأس المال، كما تسهل عليه الإلمام بشؤون مهنته على خلاف الدول غير المتقدمة صناعيا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن الإحتجاج – كما يذهب إلى ذلك بعض الفقه المغربي – بكون الفترة الفاصلة بين سن القبول في العمل المتمثلة في إثني عشر سنة وبين سن الإنخراط فترة طويلة يتضرر منها الأجير القاصر، حيث لا يستطيع الدفاع عن مصالحه خلالها لأن المشرع أصلا منع إشتغال القاصرين في هذه السن المبكرة، ولذلك لا يمكن الإحتجاج بها للسماح له بالإنخراط في العمل النقابي دون سن السادسة عشر، فمكان طفل في سن اثني عشر سنة أو حتى أكثر هي المدرسة من أجل التحصيل وإكتساب المعرفة والعلم، لا إقحامه في عالم الشغل الذي يهد قواه قبل الأوان.
أما بالنسبة لشرط الجنسية، فإن المشرع المغربي لم يفرق بين الأجراء بشأن الإنخراط في النقابات المهنية، فالأجير الأجنبي يمكنه أن ينخرط في النقابة ( الفصل الثالث من الظهير) ويزاول نشاطه النقابي مثله مثل المواطن المغربي وضمن نفس الشروط والقواعد التي تحكم إنخراط هذا الأخير.
ج- إنتفاء المنع القانوني.
بمقتضى نص الدستور فإن الحق في الإنخراط في المنظمات النقابية ثابت لكافة المواطنين سواء كانوا موظفين، مستخدمين، أو عمالا، إلا أن هذا الحق ترد عليه إستثناءات وذلك بالنسبة لبعض الفئات من الموظفين حيث منعهم المشرع المغربي من تأسيس النقابات أو الإنخراط فيها، بسبب مشاركتهم في ممارسة ” سلطة الدولة” وسهرهم على سلامتها وسلامة الأمن العام، وهذا الإستثناء تأخذ به أيضا الإتفاقية الدولية للحرية النقابية في مجال الوظيفة العمومية، ويتماشي مع إتفاقية العمل الدولية.
في مجال الحرية النقابية التي تحول دون فرض بعض القيود على حق الإنخراط في التنظيمات النقابية بالنسبة لبعض الفئات من الموظفين، كأفراد القوات المسلحة والشرطة وأعضاء الهيئة القضائية والجمارك وموظفو إدارة السجون، وإن كان هذا المنع لا يحول دون تجمع هؤلاء في إطار جمعيات تؤدي خدمات اجتماعية أو ثقافية أو رياضية لمنخرطيها.
2– حقوق العضو النقابي وواجباته وتأديبه:
يترتب على إنخراط الشخص في النقابة إكتسابه لمجموعة من الحقوق وتحمله لعدد من الإلتزامات ينجم عن إخلاله بها تعرضه للجزاءات التأديبية التي يقررها النظام الأساسي للنقابة.
بالرجوع إلى مقتضيات مدونة الشغل نجد أن المشرع المغربي لا يتطرق لحقوق العضو النقابي ولواجباته، كما لم يتناول قواعد التأديب داخل النقابة، تاركا مهمة تحديدها إلى نظامها الأساسي.
-
حقوق العضو النقابي:
تضمن الأنظمة الأساسية لمختلف التنظيمات النقابية حقوقا للعضو تجاه نقابته أهمها:
– حق المشاركة في أنشطة النقابة وأجهزتها:
من الحقوق التي تضمنها الأنظمة الأساسية لمختلف التنظيمات النقابية المهنية حق الحضور والمشاركة في جميع أجهزة النقابة – متى توافرت فيه الشروط القانونية – وحقه كذلك في المساهمة في مختلف أنشطتها، وهكذا فللعضو النقابي حق حضور الجمع العام والاشتراك في أعماله وتقديم مقترحاته، وأيضا المشاركة في انتخاب المجلس النقابي، كما له أيضا الحق في ترشيح نفسه لعضوية المجلس النقابي متى توافرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون للمشاركة في إدارة النقابة وتسيير شؤونها، كما يكون له من خلال الإجتماعات النقابية أن يناقش بكل حرية كافة المسائل المتعلقة بالعمل والنشاط النقابي.
– الحق في الحماية النقابية:
من حق الأجير عضو النقابة المهنية المطالبة بحمايتها عند حدوث أي نزاع بينه وبين المشغل، أو إذا إعتدى هذا الأخير على حقوقه، فمن أهم واجبات التنظيم النقابي الدفاع عن حقوق والمصالح أعضائه المرتبطة بالعمل والوقوف بجانبهم إذا لم يحترم المشغل هذه الحقوق والمصالح، سواءا من خلال محاولة التوفيق بينهما أو من خلال مساندة الأجير عضو النقابة أمام مفتشية الشغل أو أمام القضاء، عندما يعرض النزاع أمام هذه الجهة أو تلك، بل إن المنظمة النقابية قد ترى أن الإعتداء الذي إستهدف حقوق العضو النقابي ومصالحه يمس أو يؤثر على حقوق غيره من الأجراء، فتتولى هي مباشرة الدفاع عن الحق أو المصلحة التي تم المساس بها.
– حق التمتع بالخدمات التي تقدمها النقابة:
لكل عضو بالمنظمة النقابية الحق في الإنتفاع بالخدمات الإجتماعية والثقافية والصحية والترفيهية التي تقدمها النقابة لأعضائها وأسرهم، وذلك إما بالمجان أو نظير المقابل الذي يحدده النظام الأساسي أو قواعد الإنتفاع بالخدمة.
ولا يتعارض مع هذا الحق المقرر أن يتضمن النظام الأساسي أو اللوائح الداخلية للنقابة شروطا معينة لانتفاع بهذه الخدمات كلها أو بعضها، كما يكون لأعضاء النقابة الإستفادة من الصناديق الخصوصية للإسعاف المتبادل أو للتقاعد التي يمكن للنقابة أن تأسسها وفق مقتضيات القوانين الجاري بها العمل.
ب- واجبات العضو النقابي:
صحيح أن العضو النقابي يتمتع بحقوق، ولكن في المقابل يلتزم في مواجهة النقابة وفي مواجهة زملائه بالقيام بكل ما من شأنه تدعيم البنيات النقابية وتحقيق أهدافها، وعليه بصفة الإلتزام بما يلي:
-
-
سداد الإشتراك السنوي:
يعتبر سداد إشتراك النقابة السنوي من أهم الواجبات التي يتحملها العضو النقابي، وهو ذو أهمية ومكانة متميزتين في هذه الواجبات، لأن إنتظام سداده دليل على إرتباط العضو بمنظمته النقابية وحرصه على التعاون مع زملائه لما فيه خير النقابة وخير أعضائها من جهة، ولإعتباره من جهة أخرى المصدر الأساسي الذي تعتمد عليه النقابة في تمويل أنشطتها، لذلك نجد الأنظمة الأساسية للنقابات غالبا ما تقرر توقيع عقوبات على العضو المتخلف عن تسديد هذا الإشتراك.
والمشرع المغربي لم يحدد قيمة الإشتراك الذي يلتزم به كل عضو نقابي، وإنما ترك أمر ذلك إلى الأنظمة الأساسية للنقابات، حيث تحدد قيمته في الجمع العام مع احترام الحد الأدنى المحدد من طرف الإتحاد النقابي.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الأنظمة الأساسية لبعض النقابات تنص على إعفاء بعض الأعضاء من أداء واجب الإشتراك السنوي بشرط إعلام النقابة بذلك مسبقا.
الإلتزام بأنظمة النقابية واحترام قراراتها:
إن قبول الشخص الإنخراط في نقابة ما يعتبر قبولا منه للوائحها ولنظامها الأساسي الذي يعتبر دستورها الذي يتعين على جميع الأعضاء إحترامه والإلتزام به ما دامت أحكامه في حدود القانون غير مخالفة له.
أيضا يتوجب على العضو النقابي الإلتزام باحترام قرارات الجمع العام والمجلس النقابي طالما أنها صادرة بكيفية صحيحة من حيث الشكل، أي ممن يملك إصدارها بعد احترام المسطرة المحددة بموجب النظام الأساسي، و سليمة من حيث الموضوع أي أن تكون غير مخالفة للقانون أو النظام العام أو النظام الأساسي للنقابة، وبالتالي يجب على العضو النقابي إتباع التعليمات الصادرة من النقابة، حتى ولو التزم بما جاء في الإتفاقيات، وما ينتج عن المفاوضات الجماعية التي تجريها النقابة بإسم أعضائها.
التعاون مع الزملاء أعضاء النقابة:
يرتكز العمل النقابي على التآزر والتعاون بين الأعضاء، وعليه فالعضو النقابي يلتزم بكل ما يؤدي إلى تقوية روابط التعاون بينه وبين زملائه في النقابة، وبالتالي عليه أن يشارك في نشاط النقابة مشاركة فعالة والحضور في الإجتماعات التي تنظمها مع التقيد بآدابها وبالضوابط التي ترفعها النقابة والعمل بشتى الطرق من أجل تقوية إشعاع ونفوذ النقابة، كما على العضو الإمتناع عن إتيان أي عمل يسيء أو يضر بالنقابة أو بأعضائها.
ج- تأديب العضو النقابي:
العضو النقابي صحيح أنه تفرض عليه عضويته النقابية مجموعة من الواجبات والالتزامات التي يتحملها اتجاه زملائه والمنظمة التي ينخرط فيها، فإذا أخل العضو النقابي بهذه الواجبات كعدم التقيد بالقانون النقابي مثلا، أو النظام الأساسي للنقابة، أو خرج عن حدود السياسة العامة للنقابة أو لم يلتزم بمبادئ أو أخلاقيات العمل النقابي أو أتى فعل من شأنه الإساءة إلى النقابة أو إلحاق الضرر بمصالحها أو مصالح مجموع الأعضاء، فإنه يحق للمنظمة النقابية مساءلة هذا العضو المخل بإلتزاماته وتوقيع الجزاء الذي ينص عليه النظام الأساسي.
وبالتالي يحق للمجلس النقابي وقف أو فصل أي عضو نقابي كجزاء تأديبي عند إخلاله بواجباته النقابية، وهذا بعد الإستماع إلى أقواله وتحقيق دفاعه، وبشرط مصادقة الجمع العام على العقوبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفصل من النقابة.
-
ثانيا : إنتهاء العضوية النقابية:
من المعلوم أن من مظاهر الحرية النقابية حرية الأجير في الإنسحاب من النقابة، وذلك كنتيجة طبيعية لحقه في الإنتساب إليها، وبذلك يعتبر الإنسحاب من أسباب زوال العضوية النقابية التي تنتهي كذلك بفصل العضو النقابي عند إقترافه لمخالفة جسيمة للقانون النقابي أو النظام الأساسي للنقابة أو لأخلاقياتها، كما تنتهي العضوية النقابية كذلك بإستقالة الأجير من عمله وعدم ممارسته لأي نشاط مهني من قبيل الأنشطة التي تمثلها النقابة.
-
الإنسحاب من النقابة:
إن للأجير الحرية الكاملة في الإنضمام إلى النقابة من عدمه، بحيث أنه في حالة ما إذا إختار الإنخراط في النقابة ، فإنه يظل محتفظا بكامل حريته في الإنسحاب منها وقت ما يشاء وبالرغم من كل شرط مخالف، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 402 من مدونة الشغل فإذا ما إختار العضو الإنسحاب من النقابة فإن عضويته تزول وتنتهي معها كل حقوقه وواجباته تجاهها.
-
الفصل من النقابة:
تنتهي العضوية النقابية كذلك بفصل العضو من طرف المجلس النقابي بعد مصادقة الجمع العام على قرار الفصل، وذلك حينما يخل هذا العضو إخلالا جسيما بالقانون النقابي أو بإلتزاماته سواء تجاه النظام الأساسي للنقابة أو إتجاه أخلاقيات العمل النقابي .
وفق مدونة الشغل فالملاحظ أن المشرع المغربي لم ينص على إجراءات التأديب داخل النقابة، وترك هذا الأمر لأنظمتها الأساسية، حيث يستفاد منها حالتين للفصل، حالة التماطل في أداء واجب الإنخراط، وحالة الإخلال بمبادئ وأخلاقيات التنظيم النقابي، بالنسبة للحالة الأولى يكون للعضو النقابي إن أراد الرجوع مرة ثانية إلى النقابة ووفى واجبات الإشتراك التي في ذمته ، وفيما يتعلق بالحالة الثانية فإن الفصل يكون نهائيا، إلا إذا قرر الجمع العام العفو عن هذا العضو الذي ثم فصله.
-
إستقالة الأجير من عمله:
بالرجوع إلى المادة 401 من مدونة الشغل، وعلى غرار بعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري والفرنسي، نجد أن المشرع المغربي استثناء قد سمح للأشخاص الذين يتخلوا عن ممارسة ومزاولة مهنتهم، البقاء منخرطين في نقابتهم وذلك إذا زاولوا مهمتهم لمدة ستة أشهر على الأقل، وهذا القول يطبق على الأجراء الذين تخلوا عن مزاولة نشاطهم المهني أو الحرفي رغما عنهم، أما بخصوص الأجير الذي يختار أن يترك عمله عن طواعية، بمعنى أنه أراد أن يستقيل، فالحكم الذي سبق ذكره لا ينطبق عليه، وعليه فإن عضويته تعتبر منتهية حتى وإن بدأ في ممارسة نشاط آخر، فإذا كان هذا الأجير لا يدخل ضمن الأنشطة المهنية أو الحرفية التي تمثلها النقابة أو لا تسري عليه أحكام قانون الشغل، فالقواعد العامة تقضي بإنتهاء العضوية النقابية لهذا الأخير، وذلك بإنتهاء ممارسته للنشاط المهني أو الحرفي الذي تمثله النقابة، وكما سبقت الإشارة فالأشخاص الذين يتركون نشاطهم وهم مرغمين فإنهم يظلون محتفظين بعضويتهم، وهذا الإستثناء لا يقاس ولا يتوسع فيه، لهذا فإن عضوية الأجير في النقابة تسقط بمجرد قبول إستقالته وإنتهاء علاقة العمل التي تربطه بالمؤسسة أو المقاولة لأنه فقد شرطا أساسيا ومهما من شروط العضوية في النقابة، وهذا الشرط هو ممارسة النشاط المهني أو الحرفي.
فقرة ثالثة: تنظيم النقابة وتسييرها.
إن النقابة كهيئة مهنية يجب أن تتوفر على أجهزة وتنظيم يساعدها على بلوغ أهدافها وتحقيقها وأطر بشرية مهمة، هذا الإطار البشري الذي نظمت المادة الثالثة من إتفاقية الحرية النقابية لسنة 1948 والمادة السابعة من الإتفاقية العربية للحقوق والحريات النقابية تسييره وإدارته للشؤون الإدارية والمالية للنقابة وأيضا حرية انتخابه.
في هذا الإطار سيتم الحديث عن تنظيم النقابة (أولا) وتسيير النقابة (ثاني) .
-
أولا: تنظيم النقابة:
عند الإطلاع على مقتضيات مدونة الشغل نجد أن التشريع المغربي لم يتضمن شكلا خاصا لتنظيم النقابة، بل ترك ، واعتمادا وتطبيقا لمبدأ الحرية النقابية، للتنظيمات النقابية المهنية حرية شاسعة بشأن تحديدها لهياكلها التنظيمية التي يتضح من خلالها أن الهياكل تتشكل أساسا من الجمع العام، وهو أعلى سلطة داخل النقابة (1) ومن المجلس النقابي (2) ومهامه تتجلى في تدبير شؤون النقابة اليومية، إضافة إلى لجنة خاصة للمراقبة(3).
1– الجمع العام:
إن أهم الهياكل التي تتشكل منها النقابة هو الجمع العام، ولهذا الغرض تهتم الأنظمة الأساسية للنقابات المهنية ببيان قواعد تشكيله واختصاصاته والإجراءات التي تتبع سواء في إجتماعاته أو في القرارات التي تتخذ.
-
تشكيل الجمع العام وانعقاده:
يتكون الجمع العام للنقابة من جميع أعضائها، وحضور جلساته مباح لكافة الأجراء المنضمين إليها، ما لم ينص النظام الأساسي أو القانون على خلاف ذلك.
يتم استدعاء المنخرطين للجمع العام على رأس مدة يحددها النظام الأساسي وذلك كلما قرر المجلس النقابي ضرورة ذلك، وينعقد كذلك الجمع العام بطلب من عدد معين من المنخرطين يوجه إلى الكاتب العام وفي هذه الحالة يجب تحديد موضوع الإجتماع.
ب – اختصاصات الجمع العام:
وفق أحكام مدونة الشغل يلاحظ أن المشرع المغربي لم يتطرق لاختصاصات الجمع العام للنقابات المهنية، وتكريسا لمبدأ الحرية النقابية، ترك لأنظمتها الأساسية حرية تحديد هذه الإختصاصات والقواعد التي ينبغي أن يسير عليها الجمع العام. وبالعودة إلى الأنظمة الأساسية لبعض النقابات المهنية يتضح أنها باستثناء تحديد أعضاء المجلس النقابي وانتخابهم، لم تتطرق هذه الأنظمة الأساسية بشكل مفصل لاختصاصات الجمع العام، وبالرغم من ذلك واستنادا للقواعد العامة، فإن اختصاصات الجمع العام للنقابة هي كالتالي:
-
اعتماد النظام الأساسي للنقابة:
يعتبر النظام الأساسي المحدد الرئيسي للبيانات الجوهرية التي تدل على شخصية الهيئة النقابية، إذ يحدد نظام العمل بها وحقوق الأعضاء وأيضا واجباتهم، وهكذا فإن المهمة الرئيسية للجمع العام وضع هذا النظام أو اعتماده، وبإعتبار الجمع العام مصدر للسلطات في النقابة يحق له ويدخل ضمن اختصاصاته أن يعدل النظام الأساسي، بشرط أن يتم هذا التعديل في إطار المبادئ العامة لـلإتحاد النقابي.
-
رسم سياسة تسيير النقابة.
من المهام التي يضطلع بها الجمع العام أيضا رسم سياسة تسيير النقابة والإشراف على كافة شؤونها، وهذا يتم وفق التوجهات النقابية والإجتماعية والأهداف المحددة من طرف المؤتمر العام للإتحاد النقابي مع كامل الصلاحية لإجراء أي تقييم للأعمال السابقة لاستخلاص العبر والنتائج بهدف الإهتداء بها في رسم سياسة النقابة المستقبلية.
-
الرقابة على أعمال المجلس النقابي.
يدل الواقع العملي على أن الجمع العام لا ينهض بكافة شؤون النقابة حيث لا يستطيع الإجتماع في أوقات دورية متقاربة لتسيير أمور النقابة، لذلك فإنه يعهد إلى المجلس النقابي بكثير من الأعمال، لاسيما الأعمال ذات الطبيعة التنفيذية مع الإحتفاظ بالأمور التي يمكن اعتبارها من الإختصاصات الأصلية التي لا يجوز له أن يعهد بها أو يفوضها لمجلس النقابة، وسواء مارس هذا الأخير أعمالا من صميم اختصاصه أو أعمالا يعهد إليه بها الجمع العام، فإنه يراقب من طرف هذا الأخير خاصة حول مدى تطابقها مع قواعد النظام العام الأساسي للنقابة وفي إطار هذه المراقبة يكون للجمع العام سحب الثقة من كل أو بعض أعضاء المجلس النقابي في حالة إخلالهم بواجباتهم، فبعض الأنظمة الأساسية للنقابات، يتبين من خلالها أن الجمع العام هو الذي يتولى اختيار هؤلاء الأعضاء عن طريق الإنتخاب، وبالتالي يحق للجمع العام أن يمارس الرقابة والإشراف على أعضاء المجلس النقابي وأيضا مساءلتهم تأديبيا باعتباره أعلى سلطة في النقابة.
-
الحل الإختياري للنقابة:
يسمح المشرع المغربي للنقابة بأن تحل نفسها وتصفي أموالها باختيار منها، فإذا كان هذا الشأن بالنسبة للمشرع، فإن الحال يختلف في الأنظمة الأساسية للتنظيمات النقابية، إذ توكل قرار الحل للجمع العام بعد موافقة نسبة من الأعضاء يختلف تحديدها حسب التنظيمات النقابية، وهذا النهج يعتبر مسألة منطقية، لأن الجمع العام هو القوة الحقيقية، فهو أعلى سلطة في النقابة، وبالتالي من الطبيعي أن يكون قرار الحل من إختصاصه وحده، وذلك لمدى خطورة القرار.
هذا فيما يتعلق بالجمع العام، ماذا عن المجلس النقابي؟.
-
المجلس النقابي:
يعتبر جهاز مجلس النقابة أيضا أهم جهاز في التنظيم النقابي إذ يتولى مباشرة الإدارة اليومية للنقابة، بالرغم من أن الجمع العام هو أعلى سلطة في النقابة، ولكن الإشكال الذي يطرح هو كثرة أعضائه وعدم إنعقاده داخل فترات متقاربة، وهذا ما لا يؤهله للنهوض بالأعمال الإدارية اليومية، وبالتالي يعهد بهذه الأمور إلى فريق من الأعضاء يشكل ما يطلق عليه بإسم المجلس النقابي.
وتتكلف الأنظمة الأساسية لمختلف النقابات المهنية بتحديد القواعد الخاصة بمجلس النقابة سواء من حيث التشكيل والإنعقاد أو من حيث كيفية الإنتخاب وتحديد الإختصاصات.
وفي هذا الإطار سنتطرق لكيفية تشكيل المجلس النقابي وإنعقاده (أ) وأيضا إنتخاب المجلس النقابي (ب) وإختصاصات المجلس النقابي (ج).
-
تشكيل المجلس النقابي وإنعقاده:
يتألف المجلس النقابي من مجموعة من أعضاء النقابة يقوم الجمع العام بعد تحديد عددهم، بانتخابهم لمدة محددة قابلة للتجديد، يقوم بعدها المجلس بانتخاب مكتبه الذي يتألف أساسا من كاتب عام ونائب عنه وأمين للصندوق ونائبه ومستشارين.
بالنسبة للإنعقاد، فجلسات المجلس تتم مرة كل شهر وكلما دعت الحاجة إلى إنعقاده، ولا تكون مداولاته نافذة إلا إذا اكتمل النصاب الذي يحدده النظام الأساسي للحضور، كما لا تكون قراراته نافذة إلا إذا كان مصادقا عليها بالأغلبية.
-
انتخاب المجلس النقابي:
يتم انتخاب المجلس النقابي من طرف الجمع العام لمدة يحددها النظام الأساسي، مع إمكانية انتخاب الأعضاء الذين انتهت مدة انتخابهم، والشيء الذي يلاحظ أن الأنظمة الأساسية لمختلف التنظيمات النقابية لا تضع حدا أقصى لعدد المرات التي يمكن أن يتقدم خلالها العضو النقابي بترشحه إلى المجلس النقابي، إذ يمكن له أن يتقدم لانتخاباته وقت شاء، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى احتكار مجموعة من الأعضاء للمراكز القيادية لمدة طويلة، وبالتالي حجب هذه المراكز عن القيادات الشابة، حيث يرى جانب من الفقه أنه من الأفضل أن يتم تحديد انتخاب أعضاء المجلس النقابي في حد أقصى، ثم بعد ذلك لا يحق للعضو أن يترشح للمجلس، وذلك بهدف إعطاء الفرصة لغيره من الأعضاء، وهناك إستثناء يخص الأعضاء الذين لا يمكن بالنظر إلى خبرتهم وأيضا تجربتهم الإستغناء عنهم، يسمح لهم بمقتضاه في حدود نسبة معينة من العدد الإجمالي للمجلس، بالتقدم بترشيحهم دون التقيد بالحد الأقصى للإنتخاب.
وإذا كانت بعض التشريعات المقارنة تحدد عدد أعضاء المجالس النقابية بحيث لا يجوز للنظام الأساسي أن يحدد حدا أدنى أو أعلى من العدد المحدد قانونا كالمشرع المصري، أما التشريع المغربي لم يتطرق من خلال مدونة الشغل لمسألة تحديد عدد أعضاء المجالس النقابية، إضافة إلى هذا، فالأنظمة الأساسية للنقابات المهنية لم تتطرق هي الأخرى إلى الموضوع تاركة هذا الأمر إلى الجمع العام.
وعلى أية حال فإن عدد أعضاء المجلس النقابي يتعين أن يكون كافيا، بحيث يضمن عددهم تمحيص ما يعرض على المجلس من موضوعات، وعدم السماح لفرد من هذا المجلس بأن يتحكم في سير أشغاله، وعدم تأثر نشاطه بغياب بعض الأعضاء، وفي الوقت نفسه يجب ألا يكون عدد الأعضاء كبيرا حتى لا يؤدي ذلك إلى كثرة هؤلاء والدخول في نقاشات حول أمور ثانوية، الشيء الذي يؤدي إلى عدم الوصول إلى قرارات سريعة وإنتهاء روح الفريق الواحد.
ج- إختصاصات المجلس النقابي:
بالرجوع إلى أحكام مدونة الشغل، نجد أن المشرع المغربي لم يحدد ولم ينظم إختصاصات المجلس النقابي، وقد أنيطت مهمة تحديد هذه الإختصاصات للأنظمة الأساسية للنقابات المهنية، حيث يستفاد مما جاء فيها أن هذا المجلس يختص بتصريف شؤون النقابة الإدارية والمالية، وفي هذا الإطار يختص بالنظر في طلبات الإنضمام للنقابة وإتخاد قرارات الرد في حق الأعضاء الذين يلحقون الضرر بمبادئ أو نظام النقابة بعد مصادقة الجمع العام، أيضا يتولى تنفيذ سياسة وقرارات هذا الأخير والقيام بتصريف شؤون النقابة الإدارية والمالية التي لا يمكن الرجوع في كل منها إلى الجمع العام، فالمجلس النقابي لا يرسم سياسة النقابة ولا يحدد أهدافها، وإنما يقتصر دوره على تنفيذ ما سبق وأن وضعه الجمع العام وأقره، والملاحظ في الواقع أن المجلس النقابي غالبا ما يتكون من قيادات العمل النقابي، وأصحاب الرأي البارز في الوسط المهني، لذا فدوره يؤثر بشكل ملحوظ في نشاط النقابة وبلوغ أهدافها، وذلك عن طريق ما يعده من مشروعات وخطط وأعمال، وهذا الدور الأساسي يتجلى أساسا في أن الجمع العام لا ينعقد في دورات متقاربة، حيث يتميز إنعقاد هذه الدورات بالتباعد، الشيء الذي يترك للمجلس النقابي المجال للقيام بإعداد الخطط والمشروعات، ثم يناقشها الجمع العام من أجل إقرارها أو تعديلها.
-
لجنة المراقبة:
يتم إنتخاب لجنة للمراقبة من طرف الجمع العام، تتكون من ثلاثة أعضاء خارج المجلس النقابي، وذلك لمدة سنة، ويكون من إختصاص هذه الأخيرة فحص دفاتر الحسابات ومراجعتها وإنجاز تقرير في هذا الشأن إلى الجمع العام، ويكون لها الأهلية الكاملة لتقديم كل ملاحظة تراها صالحة للمجلس النقابي في إطار مأموريها المالية.
وتتم الإشارة إلى أن أعضاء لجنة المراقبة، مثلهم مثل أعضاء المجلس النقابي يجب أن يكونوا من جنسية مغربية وأن يكونوا متمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية، وغير محكوم عليهم نهائيا بأية عقوبة سجنية أو حبسية نافذة، بسبب إحدى الجرائم التي نص عليها القانون.
-
ثانيا: تسيير النقابة:
إن تنظيم النقابة يقتضي توفرها على أجهزة تتولى إدارة وتصريف شؤونها، وهذه الأجهزة لا بد لها للإضطلاع بمهامها من إطار بشري ينهض بتسييرها ولإدارتها، و المادة 416 من مدونة الشغل أشارت إلى هؤلاء الأشخاص، وخصوصا ما يجب أن يتوافر فيهم من شروط للإضطلاع بمهام الإدارة والتسيير دون التطرق إلى إختصاصاتهم وإلى عددهم بالنظر إلى كل جهاز، وهو ما يكرس – في إطار مبدأ الحرية النقابية- للأنظمة الأساسية دورا كبيرا في تحديد هؤلاء المسيرين والمهام التي توكل لهم، والتي تتمثل أساسا في تمثيل النقابة أو الإتحاد أمام السلطات الحكومية والإدارية والقضائية في كل المسائل التي تهم قضايا المنخرطين الخاصة، وكذلك قضايا النقابات الإقليمية والمحلية والنقابات الوطنية، كما يكون للمسير الحق في التحدث باسم النقابة أو الإتحاد في هذا النطاق، أما عن الشروط التي يتعين أن تتوافر في العضو المسير فقد تولت مقتضيات الفصلين الثالث والسادس من ظهير 16 يوليوز تحديدها، حيث يستفاد منها أن العضو المسير يجب أن يكون من جنسية مغربية وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية وأن يبلغ من العمر على الأقل ثمانية عشر سنة.
1– الجنسية المغربية:
لقد أوجب المشرع من خلال مقتضيات المادة 416 من مدونة الشغل أن يكون الأشخاص المكلفين بالإدارة النقابية من جنسية مغربية. فالنقابة مؤسسة وطنية لا يمكن أن يعهد بتسييرها وإدارتها للأجانب، خصوصا وأن الواقع العملي يستشف منه مدى التداخل الكبير بين ما هو ثقافي وما هو سياسي، والذي يعكسه الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه النقابة في الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية داخل المجتمع وكذلك حجم مشاركتها في اتخاذ القرارات التي تهم العمل التابع.
-
التمتع بالحقوق المدنية والسياسة وعدم إقتراف أحد أنواع الجرائم.
المادة 416 من مدونة الشغل تبين على أنه يجب على العضو الذي يرغب في تقديم ترشيحه للإضطلاع بمهام الإدارة والتسيير بأن يكون متمتعا بالحقوق المدنية والسياسية، بحيث إن التجريد من هذه الحقوق يجعل الترشيح باطلا بطلانا مطلقا.
وفي هذا الإطار يرى “ الدكتور
عبد اللطيف الخالفي” أن التمتع بالحقوق المدنية والسياسية شرط غير كاف حتى يتمكن الشخص من المشاركة في إدارة وتسيير شخص معنوي من حجم المنظمات النقابية ويعلل رأيه هذا بأن هناك جرائم كثيرة يرتكبها الشخص دون أن ينتج عن ذلك المنع من ممارسة الحقوق المدنية والسياسية، وبالرغم من ذلك فإن إرتكاب هذه الجرائم تبين عدم أهلية وصلاحية مرتكبها لتحمل المسؤولية فيما يتعلق بشؤون الإدارة والتسيير داخل النقابات المهنية، فكل شخص يرتكب إحدى الجرائم الماسة بالشرف أو الأخلاق أو الأمانة كجريمة السرقة أو إخفاء المسروق، أو الرشوة أو التزوير، أو إستعمال أوراق مزورة، أو شهادات مزورة، أو إغراء شهود أو الإتجار في المخدرات فهو- في نظر الدكتور عبد اللطيف الخالفي- لا يصلح ولا يستحق أن يتحمل مسؤولية التسيير والإدارة داخل المنظمات النقابية، وبالرجوع إلى أحكام مدونة الشغل نجد أن المادة 416 نصت على أن الأعضاء الذين يتم تكليفهم بإدارة وتسيير النقابات المهنية، لا يجب أن يكون محكوما عليهم بعقوبة سجن أو حبس نافذة بسبب إحدى الجرائم الآتية: السرقة، خيانة الأمانة، الزور والإدلاء به، تحريض القاصرين الفساد، المساعدة على الفساد، الإتجار في المخدرات أو إستعمالها، وأيضا بسبب مخالفة التشريع المتعلق بالشركات، وإساءة التصرف في أموال مشتركة، زيادة على هذا فإن المادة 417 من مدونة الشغل نصت على أنه يتم تجريد كل عضو وبقوة القانون من مهامه، إذا صدر ضده أثناء توليه مهام تسيير أو إدارة النقابة، حكم نهائي بسبب ارتكابه احد الأفعال التي تمت الإشارة إليها من قبل.
وبالتالي فإن الأعضاء الذين يرغبون في الترشح إلى منصب إدارة وتسيير المنظمة النقابية، أصبحوا مقيدين بشرط أساسي وهو عدم إقتراف بعض أنواع الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة أو بالأخلاق، زيادة على التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا المقتضى الذي جاءت به مدونة الشغل من خلال المادتين 416 و 417 فيه حماية أكثر للمنظمة النقابية حتى يتم تسييرها وإدارتها من طرف أشخاص أمناء ومخلصين يستحقون تولي هذا المهام وهو ليس شرطا على الترشح لمنصب الإدارة والتسيير فقط بل يفرض كشرط للإستمرار في تولي المنصب.
-
سن العضو المرشح الإدارة وتسيير النقابة:
بالرجوع إلى المقتضيات القانونية لظهير 16 يوليوز 1957 الملغى نجد أن الفصل السادس يستلزم في العضو المرشح سنا معينة، جددها في ثمانية عشر سنة، ناهيك عن شرطي الجنسية والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، ويرى الدكتور ( عبد اللطيف الخالفي) على أن المشرع المغربي بتحديده في ظل ظهير 16 يوليوز 1957 الملغى لسن الثمانية عشر سنة. كحد أدنى للمشاركة في إدارة وتسيير النقابة، لم يكن موفقا، لأن المشاركة في الإدارة والتسيير يتطلب نوعا من التجربة والخبرة والممارسة، وسن الثمانية عشر سنة لا يمكن أن تعكس ذلك، وبالتالي لا تسمح بتسيير مؤسسة من حجم المنظمات النقابية وتمثيلها أمام المشغلين ومنظماتهم، وأيضا أمام الجهات الإدارية والقضائية وإبرام التصرفات القانونية بإسمها ولحسابها. إلا أنه بعد التعديل وإصدار مدونة الشغل نجد أن مقتضيات المدونة لم تشترط أية سن على الإطلاق في العضو المرشح لتسيير وإدارة النقابة، فقط إكتفت بمجرد الحق في الإنخراط في النقابة المحدد في خمسة عشر سنة وهو السن المطلوب قانونا من اجل السماح لولوج عالم الشغل.
إن موقف المشرع المغربي بالسماح لأجير سنه خمسة عشر سنة بالمشاركة في إدارة وتسيير مؤسسة من حجم ومستوى المنظمة النقابية هو موقف غير جيد ويطرح عدة إشكالات، سواء من حيث انعدام أو قلة خبرة الأجير البالغ من العمر خمسة عشر سنة وتجارب فيما يتعلق بالإدارة والتسيير، وحتى فيما يتعلق بمآل التصرفات القانونية التي قد يبرمها هذا الخير باسم ولحساب المنظمة النقابية.
المطلب الثالث: الأهلية القانونية للنقابة وحلها.
إن من الآثار المترتبة مباشرة عن تأسيس النقابة هو اكتسابها الشخصية القانونية الكاملة والتي تمكنها من مباشرة جميع حقوقها ومهامها بكل حرية وفاعلية وفقا لنص المادة 403 من مدونة الشغل، وينصرف تمتع النقابة المهنية بهذه الشخصية القانونية، بمجرد استيفائها لشروط التأسيس سواء كانت نقابة أو اتحادات نقابية، فإذا كان هذا الأخير شانه في ذلك شأن إنصهار النقابة الأولية وذوبانها في الإتحاد بل يحتفظ كل منهما بشخصيته القانونية المستقلة، التي يترتب على التمتع بها أهلية النقابة أو الاتحاد النقابي للإستفادة من مجموعة من الحقوق.
الفقرة الأولى : الأهلية القانونية للنقابة.
يترتب على استيفاء النقابة لجميع شروط التأسيس تمتعها بالشخصية القانونية التي تمكنها من مباشرة جميع حقوقها ، هذه الحقوق صنفها الفقه إلى صنفين: حقوق شخصية (أولا) وأخرى مرتبطة بالذمة المالية (ثانيا).
-
أولا: الحقوق الشخصية للنقابة.
اعترف المشرع صراحة للمنظمة النقابية بالشخصية الإعتبارية، وتعتبر من أشخاص القانون الخاص لأنها تتكون بإرادة أفراد المهنة ولا تتدخل الدولة في إنشائها وتعيين القائمين على إدارتها، ولا تثبت لهم صفة الموظفين العموميين ولا تتمتع النقابة بحقوق السلطات العامة ويترتب على ذلك عدم خضوع النقابات لقواعد القانون العام، وتخضع في علاقاتها القانونية لإختصاص القضاء العادي، ولكن المشرع المغربي اعتبر أموالها مالا عاما وفرض عليه رقابة من طرف الدولة ، والنقابة كغيرها من الأشخاص المعنوية تتمتع يحقوق الشخصية الإعتبارية والتي تتمثل أساس في الإسم الخاص بها والموطن بتجديد مركز نشاطها الإجتماعي والقانوني بالإضافة إلى حقها في وضع علامة تميزها عن غيرها من النقابات. وتتقيد تلك الحقوق بمبدأ التخصيص الذي تخضع له النقابة أي بالغرض الذي أنشئت من أجله والقواعد المنصوص عليها في نظامها الأساسي.
-
إسم النقابة:
من حق كل نقابة أن يكون لها إسم خاص بها يميزها عن غيرها من الأشخاص المعنوية الأخرى، ويسمح بتوفير الظروف الضرورية لإدراتها وتسييرها بكل نجاح، ويتم اختيار هذا الإسم بكل حرية من طرف الأعضاء المؤسسين بالإتفاق مع الجمع العام التأسيسي وإن كان الواقع العملي يستشف منه أن النقابات عادة ما تختار إسما يعبر عن المهنة التي تمثلها، وذلك من خلال تضمن الإسم المهني أو الحرفة الممارسة من طرف المنخرطين.
وعليه انطلاقا من مبدأ الحرية النقابية يمكن للنقابة أن تغير هذا الإسم من خلال جمعها العام وفقا لما يحدده نظامها الأساسي ولكي يتماشى الإسم الجديد مع التغييرات التي قد تطرأ على النطاق المهني أو الحرفي أو الجغرافي الذي تمارس فيه النقابة نشاطها أو ليتماشى مع إندماج النقابة في إتحاد نقابي، وإنضمامها إلى اتحاد آخر أو مع الخط المستقبلي الذي ترغب في نهجه.
-
موطن النقابة:
يتحدد موطن النقابة بالمكان الذي يوجد به مركز نشاطها القانوني والإداري والإجتماعي الذي يبينه نظامها الأساسي، بحيث به تتجمع أجهزتها الإدارية وجمعها العام ومختلف الأجهزة الدائمة التي تتولى أعمالها اليومية، وكما هو الشأن بالنسبة للقسم النقابي، فإن تحديد موطن النقابة يتم بكامل الحرية في لائحة النظام الأساسي المقدم إلى السلطة المختصة، ولا يتم تغييره إلا بنقل مركز الإدارة والتسيير ومختلف أنشطة النقابة إلى مكان آخر، حيث يتعين حينئذ تعديل النظام الأساسي و إبلاغ السلطة المختصة بالموطن الجديد إعمالا لمقتضيات المادة 418 من مدونة الشغل.
وإذا كان من حق النقابة إعمالا لمبدأ الحرية النقابية اختيار موطنها بكامل الحرية، فإن هذا الموطن المختار يبقى من الناحية المبدئية تابتا ومستقرا، بحيث لا يترتب على النقل المؤقت لأعمال الجمع العام، أو المجلس النقابي إلى مكان آخر لأي سبب كان كضيق المكان أو إجراء إصلاحات عليه تغير موطن النقابة، فتغير هذا الأخير لا يتم إلا بنقل مركز إدارة النقابة ومختلف أنشطتها القانونية والإجتماعية إلى مقر آخر، وفي هذه الحالة يتعين أن يتخذ قرار هذا التعديل من طرف الجمع العام، ويضمن في لائحة النظام الأساسي إعمالا لمقتضيات المادة 418 من مدونة الشغل.
3– العلاقة النقابية.
ينص المشرع المغربي في المادة 411 من مدونة الشغل على أنه يمكن للنقابات المهنية، تسجيل علاماتها النقابية أو إشاراتها إذا استوفت الإجراءات المنصوص عليها في التشريع المتعلق بحماية الملكية الصناعية. ولها أن تتمسك بملكيتها المطلقة لتلك العلامات النقابية أو الشارات، استنادا إلى نصوص هذا التشريع كما يمكن لها وضع تلك العلاقات النقابية أو الشارات على جميع المنتجات أو المعروضات التجارية، إثباتا لمنشئها أو للشروط التي صنعت بها، مع حق جميع المقاولات أو الأشخاص الذين يعرضون تلك المنتجات للبيع في استعمال تلك العلامات النقابية أو الشارات. كما أن مقتضيات المادة 412 أحالت فيما يخص العقوبات الزجرية التي تطبق في حالة تزوير العلامات النقابية، أو الشارات أو إلصاقها ببضاعة أو تقليدها أو استعمالها بنية التدليس، على النصوص التشريعية المتعلقة بحماية الملكية الصناعية.
وإذا كان المشرع المغربي من خلال أحكام مدونة الشغل يخول النقابات المهنية الحق في وضع علامة أو شارة بحيث تصبح هذه أو تلك رسما مميزا لها عن بقية النقابات المهنية الأخرى، فإنه يلاحظ على غرار جانب من الفقه المغربي أن النص الذي كان مطابقا له في ظل ظهير 16 يوليوز 1957 الملغى كان هدفه من الناحية العملية هو توعية أو تحسيس المواطنين، لاسيما المنتمين منهم إلى عالم الشغل وفي فرض ظروف مناسبة لتنفيذه، وذلك من خلال الإقدام على شراء المتوجات التي تحمل علامتها أو شاراتها وذلك تشجيعا لمؤسسات ولمقاولات المنتوجات الذي يحمل هذه العلامة أو الشارة على احترامها لقانون الشغل والحقوق ومصالح الأجراء، وفي نفس الوقت الإمتناع عن شراء أي منتوج لا يحمل علامة أو شارة النقابة. وإن واقع العلامة بين النقابات المهنية العمالية من جهة وبين المشغلين أو ممثليهم من جهة ثانية يجعل من الصعب تطبيق المادة 411 من مدونة الشغل، ذلك أن إعمال هذه المقتضيات أي منح العلامة أو الشارة النقابية لمنتوج المؤسسة أو المقاولة يكون عادة مقرونا بضرورة توفير صاحب المشروع لمجموعة من الشروط التي يحددها الإتفاف بينه وبين النقابة التي يتعين أن يكون عدد منخرطيها كبيرا، بحيث يسمح لها بالتأشير في السوق التجارية، ومن خلال حملهم – وإن اقتضى الحال غيرهم – على شراء منتوجات المؤسسات والمقاولات التي تحمل علامتها أو شارتها المميزة، ويكون كذلك مقرونا بسيادة نوع من التعاون المشترك بين عنصري الإنتاج: العمل والرأسمال وهي أمور كلها لا تترجمها مع الأسف حقيقة العلاقة الفعلية بين النقابة العمالية وبين المشغلين أو ممثليهم، والتي يطبعها نوع من عدم الثقة. وهو ما من شأنه أن يجعل إعمال مقتضيات العلامة أو الشارة النقابية صعبا، إن لم يكن مستحيلا في ظل العلاقة الراهنة بين النقابات العمالية والمشغلين أو ممثليهم.
-
ثانيا : الحقوق النقابية المرتبطة بالذمة المالية للنقابة.
يترتب على ثبوت الشخصية المعنوية للنقابة الإعتراف لها بالحقوق المالية التي بواسطتها تستطيع القيام بالتصرفات القانونية اللازمة لمباشرة مختلف أوجه نشاطها، لذلك تعترف لها التشريعات المقارنة بالأهلية المدنية التي تخول لها الحق في التعاقد وفي التملك وكذلك اللجوء إلى القضاء سواء للدفاع عن مصالحها الخاصة أو عن مصالح منخرطيها المهنية، أو الدفاع عن مصالح المهنة أو الحرفة التي تتولى تمثيلها مع ملاحظة أن أهليتها للقيام بهذه التصرفات مقيدة بمبدأ التخصص،الذي يقضي بقصر حقوق الشخص المعنوي على القدر اللازم لتحقيق الغرض.
-
أهلية التعاقد:
قبل إقرار مدونة الشغل، كان المشرع المغربي، بمقتضى الفصل السادس عشر من ظهير 16 يوليوز 1957 الملغى، يخول للنقابات المهنية الحق في ” أن تبرم عقودا أو اتفاقيات مع غيرها من النقابات الأخرى، والشركات والمؤسسات” . و يرى الأستاذ الجامعي ” عبد اللطيف الخالفي“. أن صياغة نص الفصل 16 أعلاه لم تكن سليمة، على اعتبار أنه قد يستفاد منها حصر نطاق تعاقد المنظمة النقابية فقط مع غيرها من المنظمات النقابية الأخرى، الشركات والمؤسسات، وهذا لا يتطابق مع إرادة المشرع التي تسير في اتجاه إعطاء المنظمة النقابية بصفة عامة، الحق في إبرام جميع العقود اللازمة لإدارتها وتسييرها وتحقيق أغراضها المهنية، سواء أبرمت هذه العقود مع نقابات مهنية أخرى أو مع شركات أو مؤسسات أو مع غير هذه الجهات. لذلك جاءت صياغة المادة 404 من مدونة الشغل سليمة وذلك من خلال نصها على تمتع المنظمات النقابية المهنية بالأهلية المدنية، وهي الأهلية التي تمكنها من إبرام مختلف أنواع العقود، سواء مع غيرها من المنظمات النقابية أو مع شركات أو مؤسسات أو مع غير هذه الجهات، فالواقع العملي يدل على أن النقابات المهنية تبرم عقودا متنوعة، ومع أشخاص مختلفة سواء كانوا أشخاص طبيعيين، أو كانوا ذاتيين، فإدارة المنظمة النقابية وتسييرها وتحقيقها لأغراضها، يجعلها تبرم عقود إيجار ومقاولة الشغل إلى غير ذلك من العقود التي تتطلبها الإدارة والتسيير، وهو ما تخوله إياها المادة 404 من مدونة الشغل باعترافها لها بالأهلية المدنية الكاملة.
-
أهلية التملك:
اعترف المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة بأهلية التملك للأموال، سواء كانت هذه الأخيرة منقولة أو عقارية، وفي هذا الصدد تنص مقتضيات المادة 406 من مدونة الشغل أنه يحق للنقابات المهنية أن تمتلك منقولات أو عقارات سواء كان ذلك بعوض أو كان بغير عوض.
وقد دفع المشرع المغربي إلى هذا الحكم سواء في ظل النصوص القانونية السابقة لمدونة الشغل أو في ظل هذه الأخيرة، ورغبة منه -المشرع- في تسهيل نشاط النقابة وتطويره، وهذا ما يجعل هذه الأخيرة تتميز عن غيرها من المؤسسات والجمعيات سواء في الأموال التي يجوز لها أن تحوزها أو في طريقة الحصول عليها، ذلك انه في المادة 406 آنفة الذكر يمكن للنقابة المهنية أن تمتلك أية أموال، سواء كانت عقارية أو منقولة ولو لم تكن ضرورية لنشاطها المهني طالما أن من شأنها أن تسهله. كذلك فإن حيازة هذه الأموال يمكن أن يكون بمقابل ويمكن أن يكون بالمجان وبدون أي إذن سابق من أي جهة إدارية وهو ما من شأنه أن يعطي للنقابة حرية أوسع في التصرف وأداء المهام الموكولة لها.
عدم جواز الحجز الجزئي لحقوق النقابة المالية:
إذا كان المشرع المغربي يعترف للنقابة المهنية المؤسسة بصفة قانونية أن تقتني مجانا أو بعوض أموالا، سواء كانت منقولة أو عقارية، وذلك حتى تتمكن من الإضطلاع بمهامها والمحافظة عن نشاطها، فإنه لم يقف عند هذا الحد بل منع – بموجب المادة 407 من مدونة الشغل- الحكم بالحجز على بعض عقاراتها ومنقولاتها خصوصا تلك اللازمة لاجتماعاتها وخزانات كتبها وكل ما هو ضروري لتلقين دروس في مجال التدريب المهني والنقابة العمالية، وذلك حفاظا على استقلالية قراراتها، وبذلك تتميز النقابات المهنية عن غيرها من الأشخاص المعنوية وكذلك عن الأشخاص الطبيعية التي يمكن – انطلاقا من قواعد المسطرة المدنية لدائنيها- إجراء الحجز على منقولاتها وعقاراتها. وإذا كان الإتجاه القاضي بعدم جواز الحجز الجزئي لحقوق النقابة المالية، لم تترتب عنه أية خلافات مهنية وفقهية، بإستثناء إثارة الضرر الذي قد يصيبها من جراء عدم قدرتها على رهن أموالها للحصول على بعض القروض، فإن الموضوع آثار إشكالية مدى أحقية النقابة نفسها في التنازل عن هذه الحماية التي أراد المشرع إسباغها على جزء من أموالها ضمانا لاستقلاليتها ولاستمرار نشاطها. و ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن حق النقابة في الحماية من عدم إمكانية الحجز الجزئي على بعض أموالها، يتعلق بالنظام العام، وبالتالي لا حق للنقابة في السماح لدائنيها بالحجز الجزئي على أموالها المنقولة والعقارية اللازمة لاجتماعاتها وخزانات كتبها وإلقاء دروسها، في حين ذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بان عدم جواز الحجز الجزئي على أموال النقابة لا صلة له بنظام العمل، وإنما سيرمي فقط إلى حماية خاصة للنقابة المهنية، وبالتالي فلا يمكن أن يفرض على النقابة إذا رأت هذه الأخيرة أن مصلحتها رهن بعض أموالها للحصول على ما هي في حاجة إليه من أموال، لتدبير شؤونها والحفاظ على نشاطها، فاحترام مبدأ عدم إمكانية الحجز الجزئي لبعض حقوق النقابة المالية بصفة مطلقة، قد يكون في بعض الحالات أكثر ضررا بالنسبة لها، خصوصا إذا لم تتمكن من الإقتراض إلا اعتمادا على الرهن، ولعل في هذا ما يبين المصلحة في إمكانية الرهن، عوض الأخذ بالمبدأ بصفة جامدة.
ويرى الأستاذ الجامعي “عبد اللطيف الخالفي” أنه إذا كانت القاعدة العامة هي جواز الحجز على أموال المدين جميعها، باعتبارها ضمان عام لذائنيه، فإن وجود نص قانوني يمنع من خلاله المشرع الحجز على الأموال اللازمة للاجتماعات وخزانات الكتب ، يحول دون إعمال القاعدة السالفة، وبالتالي فالمشرع المغربي ولضمان استمرار النقابة في نشاطها، منع الحجز على عقاراتها وأموالها وذلك رعاية لمصلحتها الخاصة.
-
أهلية التقاضي:
يخول المشرع المغربي انطلاقا من مقتضيات المادة 404 من مدونة الشغل للمنظمات النقابية، الحق في طرق باب القضاء وهي نتيجة طبيعية لتمتعها بالشخصية الإعتبارية، فقد ورد في المادة المذكورة انه: ” تتمتع النقابات المهنية بالأهلية المدنية وبالحق في التقاضي ويكون لها أن تكرس ضمن الشروط والإجراءات المنصوص عليها قانونا، جميع الحقوق التي يتمتع بها المطالب بالحق المدني لدى المحاكم، في كل ما له علاقة بالأعمال التي تخلف ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية أو بالمصلحة الجماعية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم أو بالمصلحة الجماعية المهنية أو للحرفة التي تتولى تمثيلها”. كما جاء أيضا في المادة 123 من مدونة الشغل: ” يمكن للمنظمات النقابية للأجراء والمنظمات المهنية للمشغلين وللإتحادات المرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، أن تقيم دعوى باسمها الخاص، على غيرها من المنظمات النقابية لأجراء، أو المنظمات المهنية للمشغلين، أو الإتحادات التي هي طرف في الإتفاقية، أو على أعضاء تلك المنظمات أو على أعضائها أنفسهم أو على سائر الأطراف الذين ارتبطوا بالإتفاقية، لحملهم على تعويضها عما لحق بها من ضرر بسبب ما أخلوا به من إلتزامات”. فالمنظمات النقابية لها أن ترفع جميع الدعاوي الناشئة عن الإخلال بالإتفاقية الجماعية، يهدف تعويض الضرر وهكذا تمنح هذه النصوص للنقابة المهنية دعاوي ذات نطاق واسع وذلك على الشكل التالي:
-
الدعاوى الخاصة بالنقابة:
بما أن النقابة لها ذمة مالية بكونها ذات شخصية معنوية فإن لها الحق في رفع الدعاوي التي ترمي إلى حماية هذه الحقوق والمصالح سواء كانت هذه الدعاوي في مواجهة الغير أو كانت في مواجهة أعضائها، وذلك مثل الدعاوي التي ترفعها النقابة باعتبارها مكترية لعمارة أو لشقة ضد مكري العمارة أو الشقة، تطالبه فيها بالوفاء بالتزاماته الناشئة عن عقد الكراء أو الدعاوي التي ترفعها ضد مقاولها لتقيد إلتزامه بموجب العقد المبرم بينهما. ففي هذه الدعاوي وما شابهها، يكون من حق النقابة رفع الدعوى إلى القضاء باعتبارها صاحبة الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه.
-
دعاوي ترفعها النقابة دفاعا عن المصلحة الجماعية.
يحق للنقابة رفع دعوى دفاعا عن المصلحة الإجتماعية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم وذلك دفاعا عن المصلحة الجماعية للمهنة أو الحرفة التي تتولى تمثيلها. بل أن هناك تشريعات تذهب إلى إعطاء النقابة الحق في رفع الدعوى حتى بالنسبة لأجراء المهنة التي تمثلها من غير المنتسبين إليها، إذا كانت القضايا المتصلة بهذه الدعاوي التي لا تمس مصالحهم الشخصية، ناتجة عن علاقات الشغل، وأثبتت النقابة أمام المحكمة انتساب الأجير إلى المهنة التي تمثلها، فكثير هي الحالات التي تخرق فيها قواعد قانون الشغل بشكل تمس من خلاله المصلحة الجماعية للمهنة أو الحرفة التي تمثلها النقابة، كالمساس بحق الإضراب أو بالحرية النقابية أو المساس بالقواعد الخاصة بالصحة والسلامة، ففي هذه الحالات يكون من حق النقابة المهنية رفع دعوى قضائية للمطالبة برفع هذا الضرر أو لتعويضه حتى لو لم يكن المتضررون المباشرون من هذه المخالفات من منخرطيها، وهذا سواء كان الضرر الناجم عن هذا الخرق ضررا مباشرا أو غير مباشر ماديا أو معنويا. والمقصود بالمصلحة الجماعية ليس فقط مجموع المصالح الفردية لأعضاء النقابة وإنما أيضا المصلحة المشتركة للمهنة وهي تعلو عن المصالح الذاتية لهؤلاء الأعضاء، وتشكل مصلحة مستقلة عن مصالحهم الشخصية. وهكذا إذا كانت المصلحة الجماعية للمهنة أو الحرفة التي تتولى النقابة تمثيلها محلا الإعتداء، سواء من طرف الغير أو من طرف منخرطيها أنفسهم يكون للنقابة المهنية باعتبارها شخصا معنويا، طرق باب القضاء دفاعا عنها ولو لم ينتج عن هذا الإعتداء مساس بالمصالح الشخصية لكل عضو من أعضائها.وقد استقر القضاء الفرنسي – بعد تردد – على تخويل النقابة المهنية صفة في الدعوى للدفاع عن المصلحة الجماعية وذلك في حكم مشهور لمحكمة النقض بتاريخ 13 أبريل 1913 ثم بعد ذلك تأيد هذا الإتجاه بنص صريح في قانون 20 مارس 1920.
3– الدعاوي التي ترفعا النقابة للدفاع عن المصالح الفردية لأعضائها.
في إطار الأهداف التي تسعى إليها، ومنها الدفاع عن المصالح الإقتصادية والإجتماعية المعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها. هل يمكن للنقابة أن تباشر الدعاوي التي تسعى من خلالها ليس الدفاع عن الحقوق والمصالح خاصة أو الدفاع المصالح الجماعية لمنخرطيها أو للمهنة أو للحرفة التي تتولى تمثيلها، وإنما الدفاع عن مصالح وحقوق خاصة بأحد منخرطيها؟ فإذا أصيب أحد منخرطيها بضرر ما – مرتبط طبعا بعلاقات الشغل – نشأ له عنه حق في إقامة دعوى للمطالبة بالتعويض، فهل للنقابة التي ينتمي إليها صفة في هذه الدعوى؟.
انطلاقا من القواعد العامة، يتضح أن النقابة في هذه الحالة لا صفة لها في رفع الدعوى، فالأمر يتعلق بمصلحة فردية خاصة بالعضو النقابي لا بالنقابة التي ينتمي إليها ولا بالمهنة أو بالحرفة التي تمثل، لذلك فهو وحده الذي له صفة في الدعوى، وبالتالي لا يمكن للنقابة التي ينتمي إليها – أو غيرها – أن ترفع الدعوى نيابة عنه في مواجهة المشغل المخل بالتزاماته القانونية أو الإتفاقية، الناجم عنها الضرر الذي مسه إلا أنه واستثناء من القواعد العامة، تسمح التشريعات المقارنة ومنها التشريع المغربي، بالخروج من القواعد العامة في رفع الدعوى كما هي محددة بموجب قواعد المسطرة المدينة، والسماح بالتالي للنقابة المهنية بالتقاضي نيابة عن منخرطيها، دفاعا عن مصالحهم الفردية المرتبطة بعلاقات الشغل، ضمانا لاحترام تطبيق قواعد قانون الشغل ومواجهة لحالات عديدة تمس فيها حقوق ومصالح الأجير الفردية من طرف المشغل، دون أن يجرؤو على رفع الدعوة ضده، خوفا من انتقامه. وهكذا نجد مقتضيات المادة 125 من مدونة الشغل تنص صراحة على أنه يمكن للمنظمات النقابية للأجراء، واتحاداتها، المرتبطين باتفاقية شغل جماعية، أن يرفعوا كل الدعاوي التي تنشا عن تلك الإتفاقية لفائدة كل عنصر من أعضائها، وذلك دون حاجة إلى الإدلاء بتفويض خاص من المعني بالأمر بشرط أن يكون هذا الأخير قد أشعر بالدعوى، ولم يتعرض عليها، كما أن المادة 404 من مدونة الشغل وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ظل ظهير 16 يوليوز 1957 الملغى متعت النقابات المهنية بالحق في أن تمارس ضمن الشروط والإجراءات المنصوص عليها قانونا، جميع الحقوق التي يتمتع بها المطالب بالحق المدني لدى المحاكم، وذلك في كل ما له علاقة بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم. وهكذا للنقابة رفع جميع الدعاوي الناشئة عن الإخلال بالإتفاقية الجماعية، إذ نجم عن هذا الإخلال ضرر، سواء بمصلحتها أو بمصلحة احد أعضائها الشخصية، دون الحاجة إلى تفويض منه بذلك. فالنقابة في هذه الحالة تدافع عن مصلحة ذاتية، أو حق خاص بأحد أعضائها، بوصفها نائبة عن منخرطيها بنص القانون، في حماية واقتضاء حقوقهم الناجمة عن الإتفاقية الجماعية، بل يمكن لها اللجوء إلى القضاء في كل ما له علاقة بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية لمنخرطيها.
وإذا كان من حق النقابة المهنية أن ترفع الدعوى القضائية نيابة عن منخرطيها بتوكيل أو بدونه طالما حصل الإخطار بهذه الدعوى ولم يحصل الاعتراض، خاصة إذا رفعت في إطار المادة 125 من مدونة الشغل، فإن التساؤل الذي يثار هو: هل في حالة رفع الدعوى إلى القضاء بموافقة المنخرط أو بعدم اعتراضه فهل يحق له بعد ذلك التدخل للتنازل عنها طالما أنها متعلقة بحقوقه الشخصية ؟ أم لا حق له في ذلك؟
يذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الصفة في الدعوى تبقى للعضو المتضرر، فالنقابة ليست سوى ممثل قانوني لهذا العضو النقابي بحيث إذا تنازل هذا الأخير عن دعواه فلا يجوز حينئذ للنقابة رفعها، أما إذا كانت قد رفعتها، فإن التنازل يؤدي إلى انقضاء الدعوى وزوال الخصومة، في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بان التنازل اللاحق عن الدعوى من طرف الأجير، لا يؤثر على الدعوى المرفوعة ابتداءا من طرف المنظمة النقابية، التي تبقى قائمة ومنتجة لكافة آثارها.
ويرى الأستاذ ” عبد اللطيف الخالفي” أن السماح للمنظمات النقابية المهنية باللجوء إلى القضاء في كل ماله علاقة بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم، هو استثناء من القواعد العامة التي لا تسمح لها إلا برفع الدعاوى الخاصة بها، وهو استثناء مقرون بإخطار المنخرط المعني بالأمر وعدم اعتراضه، لا سيما إذ تعلقت الدعوى بالإخلال بمقتضيات الاتفاقية الجماعية، لذلك نرى أنه، وإذا رفعت المنظمة النقابية أية دعوى دفاعا عن مصلحة فردية، خاصة ضد أي شخص من الأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم ثم حصل وتدخل في الدعوى متنازلا عنها، فإنه لا يبق الحق للمنظمة النقابية الاستمرار فيها، ذلك لأن عدم اعتراضه على الدعوى من طرف منظمته النقابية في بادئ الأمر يمكن اعتباره وجها من أوجه الدفاع الذي يكون المنخرط قد اختاره عن حرية وطواعية، فإذا اختار التنازل عن نيابة النقابة عنه أو عن الدعوى ككل فيتعين إعمال إرادته والإعتراف بإنقضاء الدعوى.
فقرة ثانية: حل النقابات:
إذا كان المشرع المغربي قد خول للنقابات المهنية أهلية أوسع، كما أشرنا سابقا، فإن هذه الأهلية غير مطلقة، إذ تصطدم بحدود قانونية ومشروطة بشروط إحترام القانون والنظام العام، إذ تتمثل هذه الحدود في إمكانية حل النقابات المهنية، وما يترتب عنه من آثار قانونية تتعلق بتصفية أموالها ناهيك عن العقوبات الناجمة عن عدم احترام الحدود القانونية. فإذا كان الأصل أن النقابة المهنية كشخص معنوي تؤسس لتستمر بكيفية دائمة للدفاع عن مصالح المهنة التي تمثلها، وكذلك عن مصالح منخرطيها تماشيا مع مبادئ الحرية النقابية، وضمانا للإستقرار الكامل للمنظمات النقابية، فإن هذا الأصل لا يحول دون انتهاء حياتها، إذا ما طرأ من الأسباب ما يحول دون استمرارها في نشاطها، وهذه الأسباب قد تكون طبيعية حينما يتفق الأعضاء على وضع نهاية لنشاط النقابة. إذا ما لاحظوا أن العرض الذي تكونت من أجله قد تحقق أو أنها تواجه صعوبات، فأصبح لا يرجى من استمرارها نفع ما، وقد تحل رغم إرادة أعضائها إذا ما كان نشاطها يتعارض والمصلحة العامة أو خالفت مقتضيات النصوص القانونية المنظمة للنشاط النقابي أو خالفت قواعد نظامها الأساسي.
وبناءا عليه يمكن أن تحل النقابات بأمر من السلطة القضائية بطلب من وكيل الملك في حالة مخالفة الظهير المنظم للنقابات المهنية حسب ظهير 1957، أو القوانين الأساسية الخاصة بالنقابات. ونص الفصل التاسع من نفس الظهير على أنه في حالة ما إذا حلت النقابة باختيار منها أو بموجب قوانينها الأساسية أو بحكم أصدرته العدالة…
هكذا فإن حل النقابات المهنية ينقسم إلى نوعين حل اختياري يتم بناءا على اتفاقيات الأعضاء المنخرطين في النقابة، وحل إجباري يتم بأمر من السلطات المحلية، وفي كلا الحالتين تترتب عليه آثارا هامة تتمثل في فقدان شخصيتها القانونية وفي تصفية أموالها. هكذا سنتناول أنواع الحل (أولا) تم نتطرق إلى الآثار المترتبة عن الحل ( ثانيا).
-
أولا: أنواع حل النقابات المهنية.
تطرق المشرع المغربي في الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثالث من مدونة الشغل، وهو الباب الخاص بالشخصية الإعتبارية للنقابات المهنية، حيث قضت المادة 413 أن هذا الحل قد يكون اختياريا، أو قانونيا أي إجباريا بمقتضى حكم قضائي.
هكذا سنتناول حل النقابة اختياريا تم حلها قضائيا على أن نتناول أولا وقبل التطرق للنوعية السابقتين الحل الإداري.
1– الحـل الإداري:
تتمتع النقابات المهنية تبعا لمبدأ الحرية النقابية باستقلال تام عن الدولة، سواء في تكوينها أو تنظيمها، وهذا الإستقلال لا يمكن بلورته إلا من خلال تجنب حل النقابة من طرف السلطات الإدارية، حيث أن مضمون الحرية النقابية، لا يمكن أن يبرز ويكرس بصفة فعالة، إلا من خلال ضمان استقلال النقابة عن السلطة الإدارية، وعدم إمكانية حلها، أو إصدار قرار إداري يقضي بحلها هذا ما كرسه المشرع المغربي من خلال أحكام مدونة الشغل التي لم تتطرق إلا للحل القضائي، أو وقف القوانين السياسية الخاصة بالنقابات. هذا على خلاف بعض التشريعات التي تعطي للإدارة حق حل النقابات وإيقافها بموجب قرار إداري. وهذا القرار يكون قابلا للطعن أمام المحاكم الإدارية.
وإذا كانت مقتضيات مدونة الشغل واضحة في منع السلطات المحلية باعتبارها ممثلا للدولة من حل النقابات المهنية، فإن جانبا من الفقه المغربي. ذهب أبعد من ذلك بالقول بإمكانية حل النقابة بموجب مرسوم تصدره السلطات العامة يقضي بحل النقابة، رغم إرادة الأعضاء، ودون الرجوع إلى القضاء، وذلك في الحالة التي تقوم فيها النقابة بأعمال تهدف المس بثوابت الدولة أو تهدف للقيام بمظاهرات مسلحة في الشارع، أو أي نظام عدواني منافي للنظام العام ومقدسات الدولة.
إضافة إلى أنه لا مجال للمقارنة بين ظهير 15 دجنبر 1958 الخاص بتأسيس الجمعيات، والدي يسمح من خلال فصله التاسع والعشرون بحل الجمعيات التي يتم تأسيسها وفقا لهذا الظهير ذاته، وظهير 16 يوليوز 1957، الذي كان يحكم النقابات المهنية حيث أن مقتضيات وأحكام كل منهما مستقلة عن الآخر، وبالتالي لا يمكن اعتماد المقتضيات الواردة في الفصل التاسع والعشرون من ظهير الجمعيات بالنسبة للنقابات المهنية، طالما لم ينص ظهير 1957 على ذلك.
وقد ذهب المشرع الفرنسي إلى منح السلطات الإدارية من حل النقابة طالما لم يوجد نص قانوني يحيل على إمكانية حل النقابة بموجب مرسوم إداري من السلطة المحلية، وبالتالي لا يمكن حل النقابة من قبل السلطات الإدارية، غير أنه يمكنها أن تلجأ إلى النيابة العامة في حالة ما إذا لاحظت السلطات الإدارية أن النقابة خالفت قواعد نظامها الأساسي، وتطلب هذه الأخيرة من القضاء البت في الموضوع وإصدار حكم بحل النقابة المخالفة حسب السلطة التقديرية للمحكمة.
2– الحل الإختياري للنقابة.
يمكن تعريف النقابة على أنها جمعية ينشئها العمال للدفاع عند مصالحهم، وتمثيلهم أمام السلطات الإدارية وأرباب العمل، إذ قد تنشأ النقابة لمدة محددة تنتهي بإنتهائها. وذلك بالنظر لطبيعة الأهداف الداعية إلى إنشاء النقابة. لأن الأصل في النقابة أن تنشا لمدة محددة لأن الأهداف التي تسعى إليها تقتضي ذلك، وهذا دفع النقابات المهنية بالمغرب إلى النص في قوانينها الأساسية على أن مدة تأسيسها غير محددة نظرا لأن الأهداف التي قد تكون أنشئت لأجلها تتطلب مدة معينة محددة أو تكون غير محددة المدة لأجل تحقيقها والوصول إليها.
هكذا فإذا تم النص في القانون الأساسي للنقابة على مدة تأسيسها فإنه يجب إحترام المدة ولا يجب تجاوزها، حل النقابة إختياريا بناء على قرار الجمعية العمومية داخل النقابة باعتبارها أعلى سلطة داخل النقابة، ويجب أن يحترم قرار الحل ما ينص عليه القانون الأساسي للنقابة.
والمشرع المغربي رغم خطورة هذا الإجراء المتمثل في الحل الإختياري فإنه ترك أمر تنظيمه للأنظمة الأساسية للنقابات.
أما بالنسبة لحل النقابة اختياريا حسب المشرع الفرنسي شركه للسلطة التقديرية للجمعية العمومية للنقابة، إذ تلجأ إليه عادة في حالة فشلها في تحقيق الأهداف المتوخاة من قيامها، أو عند مخالفة أنشطتها لقوانينها ونظامها الأساسي أو حالة الإنفصال الجماعي لقادتها.
وعلى غرار المشرع المغربي فإن المشرع المصري سار على نفس المعنى، حيث ترك حل النقابة اختياريا للجمعية العامة، وحسب الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القرار الوزاري رقم 33 لسنة 1976 بشأن اللائحة النموذجية للنظام الأساسي للمنظمات النقابية والتي تنص على ” تتولى الجمعية العمومية للجنة النقابية على الأخص المسائل الآتية:
حل اللجنة النقابية إختياريا ويكون ذلك بقرار من ثلثي أعضاء الجمعية العمومية على الأقل”.
أما الفقرة الأخيرة من المادة 35 من نفس القرار فتنص على :
” تتولى الجمعية العمومية للنقابة على الأخص ما يلي:
حل النقابة العامة، اختياريا ويكون ذلك بقرار من ثلثي أعضاء الجمعية العمومية على الأقل”.
وتسلم أموال النقابة العامة في حالة حلها اختياريا إلى الإتحاد العام لنقابات العمال لتكوين نقابة عامة جديدة.
أما التشريع اللبناني فقد نصت المادة 105 من قانون العمل الصادر في 23 شتنبر 1946 على أنه: ” إذا أخل مجلس النقابة بالواجبات المفروضة عليه أو أتى بعمل لا يدخل في إختصاصه، حق للحكومة أن تحل هذا المجلس على أن يجري إنتخاب المجلس الجديد في مدة ثلاثة أشهر من تاريخ الحل.
وفي حالة إتيان الأفعال غير المشروعة من طرف أحد أعضاء المجلس فللحكومة أن تطلب استبدالها وأن تلاحقه أمام القضاء عند الإقتضاء”.
أما التشريع الصومالي فقد نصت المادة 27 من قانون العمل الصادر سنة 1972 م على أنه: ” بصرف النظر عن أحكام هذا القانون أو أي قانون آخر فإن للمجلس الأعلى للثورة الحق في حل أي اتحاد عمالي إذا ظهر أن هذا الإتحاد يقوم بأنشطة تضر بمصالح العمال أو معادية لروح الثورة”.
هكذا فقد يتفق أعضاء النقابة على إتخاد قرار حلها يصدر عادة بالإجماع أو بالأغلبية حسب ما يقضي به قانونها الأساسي.
أما على مستوى الواقع لا تتخد النقابة عادة هذا الإجراء الذي يوقف نشاطها.غير أن النقابات بالمغرب شهدت ما يعرف بالإنشقاقات عبر تطورها التاريخي.
-
ثالثا: الحل القضائي:
من خلال الفقرة الأولى من المادة 426 من مدونة الشغل والتي تنص على : ” إذا تبت وجود مبرر لحل النقابة المهنية، بسبب مخالفة أحكام هذا القسم، أو الإخلال بقانونها الأساسي، فإن حلها لا يقع إلا من قبل القضاء وبالتماس من النيابة العامة”.
بينما كان الفصل 22 من ظهير 16 يوليوز ينص على أنه” بالإمكان حل النقابة المهنية بأمر من السلطة القضائية بطلب من وكيل الدولة في حالة مخالفة لظهيرنا الشريف هذا أو القوانين الأساسية الخاصة بالنقابات”.
غير أنه حسب هذا الفصل فإن مقتضياته لا تتوافق أو تتماشى وفقا لمبدأ الحرية النقابية.
وعليه فمن خلال المادة 426 من مدونة الشغل، لا يمكن حل المنظمة النقابية إلا من قبل السلطات القضائية، وبالتماس من النيابة وذلك وفق حالتين حالة مخالفة أحكام مدونة الشغل، وحالة الإخلال بالقانون الأساسي للنقابة.
أ- حالة مخالفة أحكام مدونة الشغل:
إذا خالفت النقابات المهنية المقتضيات القانونية المنظمة لها، فإن ذلك يخول إمكانية الحكم بحل النقابة من قبل القضاء، هذا ما نصت عليه المادة 426 من مدونة الشغل، وهذه المقتضيات القانونية التي أشارت إليها في القسم الأول من الكتاب الثالث من مدونة الشغل. وذلك بناء على إلتماس من النيابة العامة، مع الإشارة إلى أن المادة سابقة الذكر أشارت إلى مخالفة أحكام القانون المنظم لها، بصفة عامة (في الفقرة الأولى) في حين نصت الفقرة الثانية من نفس المادة 426 على أن الحل لا يمكن تصوره حلا إلا في الأحوال التي حددتها الفقرة الأولى من المادة 426.
هذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي إعتبر الحالة الوحيدة التي يكون فيها الحل قضائيا هي في حالة ارتكاب النقابة لأفعال إجرامية ومخالفة لنظام الأساسي أو القوانين.
غير أن المشرع المصري إعتبر الحل القضائي الصورة الوحيدة للحل الإجباري، وأعطت المادة 70 من القانون رقم 35 الصادر في سنة 1976 للوزير المختص حق طلب من المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرتها مقر المنظمة النقابية الحكم بحل مجلس إدارتها.
كما أن للنيابة العامة الحق في أن تطلب من المحكمة الجنائية حل النقابة إذا ما إرتكبت أحد الجرائم الآتية:
-
وقوع مخالفة لأحكام القانون النقابي وإنذار مجلس إدارة المنظمة….
-
صدور قرار أو عمل من مجلس إدارة المنظمة النقابية……..
ب – حالة الإخلال بالقانون الأساسي للنقابة.
تقضي المادة 414 من مدونة الشغل بأنه على الأشخاص الذين يرغبون في تأسيس نقابة إيداع لدى السلطات المحلية مقابل وصل بالإيداع أو رسالة مضمونة، القانون الأساسي للنقابة المزمع تأسيسها. وهذا القانون أو النظام الأساسي الذي يعتبر بمثابة دستور للنقابة، يتضمن الأهداف الأساسية التي من أجلها تم تأسيس النقابة مع تضمنه للمدة التي يمكن أن تتأسس فيها النقابة إذا كانت أهداف تأسيسها واضحة.
كما يتضمن هذا النظام الأساسي شروط الإنخراط في النقابة، والإنسحاب منها، والقواعد المتعلقة بتنظيم وعمل مجلسها النقابي وجمعها العام، وقواعد التأديب داخلها، وتنظيم لجنة أو لجان المراقبة، وتحديد إختصاصها، بالإضافة إلى تحديد مآل ممتلكاتها عند حلها، إلى غير ذلك من القواعد والشروط.
-
ثانيا: آثار حل النقابات.
تنص مقتضيات الفصل 9 من الظهير أنه : ” وفي حالة ما إذا حلت النقابة… فإن أموالها تفوت طبقا لما جاء في قوانينها الأساسية وإلا حسب القواعد العامة التي حددها المجلس العام، ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن توزع تلك الأموال على أعضاء هذه النقابة”.
وبالتالي ينتج عن حل النقابة سواء كان هذا الحل إختياريا أو جبريا إنقضاء شخصيتها القانونية التي يعقبه تصفية أموالها.
1– إنقضاء الشخصية القانونية للنقابة.
يترتب على حل النقابة إختياريا أو إجباريا انتهاء حياتها وإنقضاء شخصيتها إعتبارية وسقوط أعضائها والتزاماتهم من تاريخ قرار الحل – في حالة الحل الإختياري – أو إكتساب الحكم القاضي بالحل حجية الأمر المقضي به.
والملاحظ أن المشرع المغربي إذا كان يحمي النقابات المهنية من الحل الإداري تماشيا مع اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالحرية النقابية، فإن هذه الحماية ما تزال قاصرة ما دام الحل القضائي ينصب على النقابة ككيان يؤدي إلى إخفائه من الوجود، فالتشريعات المتقدمة تحد كثيرا من آثار الحل القضائي حينما تقرر عدم إمتداده إلى كيان النقابة ذاته إستنادا إلى أن وجودها حق يكفله الدستور والقانون، وبالتالي لا يجوز حلها إلا بإرادة أعضائها، فالنقابة كمنظمة مستقلة يتعين عدم التدخل لإنهاء وجودها لا إداريا ولا قضائيا، وفي حالة الحل القضائي يجب أن يقتصر أثر هذا الأخير على المجلس النقابي الذي يتولى الإدارة اليومية للنقابة دون أن يمتد إلى كيانها.
-
تفويت أموال النقابة المنحلة.
سواء كان الحل اختياريا أو إجباريا، فإذا حلت النقابة فإن أموالها حسب مقتضيات الفصل التاسع من ظهير 16 يوليوز 1957 تفوت طبقا لما جاء في قوانينها الأساسية التي تحدد الجهة التي تعود إليها هذه الأموال. أو طبقا للقواعد التي يحددها الجمع العام، وهذا الإتجاه الذي سارت عليه لجنة الحرية النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية التي أشارت إلى أن مصير أموال النقابة تؤول وفقا للتحديد الوارد في قوانينها الأساسية أو طبقا لقرار صادر عن جمعيتها العمومية، وفي حالة غياب أو تعذر ذلك يلزم العمل على أن تستخدم الأموال طبقا لرغبة أعضاء النقابة موضوع الحل، وإن استحال التعرف على تلك الرغبات، فإن الأموال يجب نقلها إلى نقابة جديدة أو إلى نقابة مماثلة تسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها التي كانت تسعى إليها النقابة التي جرى حلها، وإلا فتخصص الأموال لأهداف قريبة بقدر الإمكان لتلك التي كانت تسعى إليها النقابة التي جرى حلها.
ويرى بعض الفقه أن إنعدام تناول النظام الأساسي للنقابة، ولا جمعها العام لقواعد أموالها عند حلها، يجعل هذه أموال دون مالك، مما يؤدي إلى إتباع القواعد العامة المطبقة في هذا الشأن واعتبارها في ملكية الدولة.
إن أموال النقابة سواء كانت عبارة عن منقولات أو عقارات، تكونت أساسا من اشتراكات منخرطيها منذ بدايتها لتحقيق أهداف مهنية أو إجتماعية لأعضائها من الطبقة العاملة التي تشكل شريحة اجتماعية تعيش أوضاع شبه متشابهة وتجمعها آمال وطموحات واحدة، لهذا الغرض يرى جانب من الفقه بأن أموال النقابة عند حلها تفوت وفقا لقوانينها الأساسية أو بقرار لجمعها العام، وإلا فتوجه كما جاء في تقرير لجنة الحرية النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية إلى نقابة مماثلة تسعى إلى تحقيق أوجه النفع للطبقة العاملة على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، وذلك إحتراما للأهداف التي كانت تلك الأموال مخصصة لها من قبل وتشجيعا للحركة النقابية.
وعلى كل فإن أموال النقابة، وكما جاء في نص الفصل التاسع من ظهير 16 يوليوز 1957، لا توزع على أعضاء النقابة المنحلة، فهذه الأموال التي مما دفعه العمال الذين إنخرطوا في النقابة منذ بدايتها على التعاقب ليس للأعضاء الموجودين عند حلها ادعاء تملكها، خصوصا وأنه إذا سمح لهم بتقاسمها فيما بينهم ما يشجعهم على تقرير الحل، إذ سيسعى كل منهم إلى الفوز بنصيب من تلك الأموال، وفي هذا ما يهدد الحركة النقابية بالإنحلال والتلاشي، لذلك فإن تحريم توزيع أموال النقابة على الأعضاء مبني على إعتبارات عملية وجيهة وهذه الإعتبارات نفسها هي التي تأثرت بها التشريعات المقارنة المختلفة التي اتجهت إلى جعل الإنفتاع بأموال النقابة في سبيل رفع المستوى الثقافي أو الصحي أو المهني بصفة عامة للعمال، وهذا ما يزكي طابع النقابة كهيئة لا تستهدف تحقيق الربح لا بالنسبة لها ولا حتى أعضائها.
إن القواعد المرتبطة بتفويت أموال النقابات تطبق أيضا على اتحاد النقابات، وإذا كان يمنع على النقابات المهنية توزيع أموالها عند حلها على منخرطيها، فالاتحاد النقابي عند حله يسمح له بتوزيع أمواله على النقابات والجماعات التي كانت منضوية تحت لوائه دون الأشخاص المكونين له.
المبحث الثـاني: أدوات العمل النقابي.
يعتبر من بين أدوات العمل النقابي الممثل النقابي والمكتب النقابي بالإضافة إلى الإضراب كمظهر من مظاهر العمل النقابي. هذا ما سنتناوله من خلال مطلبين.
المطلب الأول: الممثل النقابي والمكتب النقابي كمظهر من مظاهر ممارسة النشاط النقابي.
الفقرة الأولى: الممثل النقابي.
يعتبر الممثل النقابي من بين مستجدات مدونة الشغل حيث يعمل على تمثيل النقابة كشخص معنوي، ويتمتع بشروط خاصة به تختلف عن مهام مندوبي الأجراء، كما أن المشرع أقر له حماية خاصة بصفتهم كممثلين نقابيين داخل المقاولة – فما مفهوم الممثل النقابي؟ أو ما هي شروط تواجده كممثل نقابي؟ وما هي مهامه؟.
-
أولا: تعريف الممثل النقابي.
الممثل النقابي هو الأجير الذي يشتغل بمقاولة أو مؤسسة تشغل 100 أجير فأكثر، تم اختياره من بين أعضاء المكتب النقابي المنتمي لنقابة تعتبر النقابة الأكثر تمثيلا داخل المقاولة أو المؤسسة ليقوم بمهام حددها القانون. هكذا فقد نصت المادة 470 من مدونة الشغل على أنه: ” يحق للنقابة الأكثر تمثيلا والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الإنتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة تعين من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة ممثلا أو ممثلين نقابيين لها”.
-
ثانيا: شروط تواجد الممثل النقابي.
نص المشرع على حق النقابة في تعيين ممثلين نقابيين داخل المقاولة غير أن الحق مشروط بعدة شروط أهمها:
-
الشرط العددي: يعين الشرط العددي لتعيين ممثل الأجراء داخل المقاولة من حيث عدد أجرائها الإجمالي، حيث يزيد عدد الممثلين النقابيين أو ينقص تبعا لمجموع الأجراء داخل المقاولة أو المؤسسة وليس عدد الأصوات التي حصل عليها، كما اشترط المشرع صراحة في المؤسسة أو المقاولة تشغيل عدد معين تشغيلا اعتياديا أو غير اعتيادي، كما أنه لم يفرق بين الأجراء الدائنين أو غير الدائنين، وبالتالي فإنه حسب المادة 6 من مدونة الشغل كل من يحمل صفة أجير، يدخل في التعداد لتحديد الممثل أو الممثلين، وذلك انطلاقا من الجدول الذي وضعه المشرع على النحو التالي:
-
من 100 إلى 250 أجير. ممثل نقابي واحد.
-
من 251 إلى 500 أجيرا، ممثلين نقابيين.
-
من 2001 إلى 3500 أجيرا، 4 ممثلين نقابيين.
-
من 3001 إلى 6000 أجير، 5 ممثلين نقابيين.
-
من 6001 فما فوق، 6 ممثلين نقابيين.
ويلاحظ أن المشرع على خلاف ما ذهب إليه بالنسبة لمندوبي الأجراء، حيث لم ينص بالنسبة للممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة على الممثلين النواب، وهذا ما تناوله القانون الفرنسي، حيث يتم تعيين الممثل النقابي من خلال نقابته.
× الشرط الخاص بالنقابة.
اعترف المشرع للنقابة أو المؤسسة بالحق في التمثيلية النقابية غير أن هذا الحق المتمثل في تعيين مندوب الأجراء لا يخول إلى النقابات الأكثر تمثيل، والتي تكون حصلت على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية في آخر انتخابات مهنية داخل المقاولة أو المؤسسة، حيث أن هذه النقابة هي تتمتع بحق تعيين من بين أعضاء المكتب النقابة بالمقاولة أو بالمؤسسة، ممثلا لها، وذلك حسب الجدول الوارد في المادة 470 من مدونة الشغل. غير أنه يشترط فيها كذلك أن تكون لديها خلية نقابية داخل المقاول. أو المؤسسة.
وإذا كان المشرع المغربي على غرار المشرع الفرنسي ينص على حق النقابة الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة، وذلك حسب عدد أجرائها، فإن المشرع المغربي يختلف عن المشرع الفرنسي في كون هذا الأخير يخول لكل نقابة متمتعة بصفة النقابة الأكثر تمثيلا على مستوى المؤسسة التي تشتغل أكثر من خمسين أجيرا الحق في تعيين ممثل أو ممثلين لها حسب عدد الأجراء، وهذا لم يأخذ به المشرع المغربي.
-
ثانيا: مهام الممثل النقابي.
إن مهام الممثل النقابي لا تختلف كثيرا عن مهام مندوبي الأجراء لدرجة أن المشرع قد ينيط بهم أحيانا نفس المهام. وتتسع هذه المهام باتساع مهام النقابة التي عينته وذلك من أجل الدفاع عن المصالح الإقتصادية والإجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية للفئات التي تؤطرها، ويمكن تحديد هذه المهام في:
1– مؤازرة الأجراء عند تأديبهم.
أوجب المشرع المغربي على المشغل الذي يريد توقيع أية عقوبة تأديبية على أجرائه، واستثناءا منه الإنذار والتوبيخ الأول، مراعاة جملة من الضمانات القانونية التي رغب من خلالها حماية الأجير وكفالة عدالة العقوبة التأديبية ، وتتمثل هذه الضمانات في إتاحة فرصة للأجير للدفاع عن نفسه وذلك من خلال الإستماع إليه من طرف المشغل نفسه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي الذي يختاره الأجير، وكل إجراء يتم دون احترام ذلك يعد باطلا، حسب قرار للمجلس الأعلى. هكذا فمن بين مهام الممثل النقابي مؤازرة الأجراء عند تأديبهم.
2– تقديم الملف المطلبي للمشغل والدفاع عنه.
يعتبر تقديم والدفاع عن الملف المطلبي الخاص بالأجراء، والمتعلق بالشروط التي ينجز فيها الشغل أو بالزيادة في الأجور أو بقواعد الصحة والسلامة، وبصفة عامة كل ما يتعلق بالدفاع عن المصالح الإقتصادية والإجتماعية والمهنية، والمعنوية للأجراء يدخل في إطار المهام الموكلة للممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة.
فمن بين المهام المنوطة بالممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة تقديم كل ما يتعلق بمطالب الأجراء إلى المشغل والدفاع عنها من أجل تحقيقها، لتفعيل العلاقة بين المشغل والأجراء، سعيا منه لتحسين ظروف الشغل، وتحديد ساعات العمل، وحفظ الصحة والسلامة داخل المقاولة أو المؤسسة.
-
المفاوضة حول المطالب الجماعية والمساهمة في إبرام الاتفاقيات الجماعية.
من بين أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل في القانون الإجتماعي المغربي المفاوضة الجماعية بين عناصر الإنتاج، والمفاوضة الجماعية تعتبر كوسيلة لتحسين ظروف وشروط الشغل وتحقيق المطالب الجماعية والمشتركة بين الأجراء من جهة وأرباب العمل من جهة ثانية، كما يتم إقرارها على المستوى الوطني فإنها تكون داخل المؤسسة أوالمقاولة، حيث تجرى كل سنة.بين المشغل أو من ينوب عنه من جهة أو بين الممثلين النقابيين للنقابة الأكثر تمثيلا من جهة أخرى.
وإلى جانب مهمة التفاوض التي أناطها المشرع بالمقاول النقابي، أناط المشرع المغربي بالممثلين النقابيين كذلك المساهمة في إبرام الإتفاقيات الجماعية حيث جعل إبرام الإتفاقيات الجماعية حكرا على المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا.
4– المشاركة في عضوية بعض أجهزة المقاولة.
ينص المشرع على حق الممثلين النقابيين في المشاركة في عضوية بعض أجهزة المقاولة أو المؤسسة، وذلك في إطار تدعيم موقع النقابة المهنية داخل المقاولة والمؤسسة، ومشاركته في التدبير الإقتصادي والإجتماعي للمقاولة، ومن بين هذه الأجهزة لجان السلامة وحفظ الصحة لدى المقاولات ومقاولات الصناعة التقليدية ومقاولات الصناعة التقليدية، والإستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها الذي تشغل خمسين أجيرا على الأقل. إذ تتكون هذه اللجان من مجموعة من الأجراء من بينهم ممثل أو ممثلين نقابيين إضافة إلى مشاركة الممثل النقابي في عضوية لجنة المقاولة.
الفقرة الثانية: المكتب النقابي.
يعتبر المكتب النقابي أحد الأجهزة التي يتم من خلاله ممارسة النشاط النقابي داخل المقاولة. فما مفهومه، وكيف يتم تأسيسه؟
-
أولا: تعريف المكتب النقابي.
يتم تكوين مكتب نقابي عندما يقوم مجموعة من العمال بمقاولة أو مؤسسة ما بالإنخراط في منظمة نقابية معينة، ويكونون مكتبا نقابيا يضم قائمة كاملة بأسماء العمال الذين عهد إليهم بإدارة وتسيير هذا المكتب، والدفاع عن المصالح الإقتصادية والإجتماعية للعمال بتلك المقاولة.
-
ثانيا: كيفية تأسيس المكتب النقابي.
قانونيا لا بد من احترام مجموعة من الشروط والإجراءات الشكلية والجوهرية والتي حددها القانون في المواد 414-415 – 416 من مدونة الشغل.
أما في الواقع العملي فلا بد من احترام الشروط التالي:
-
تسليم القائمة الكاملة للأشخاص الذين يكونون أعضاء المكتب النقابي للسلطة الإدارية المحلية.
-
توفر الشروط الواردة في المادة 416 من مدونة الشغل.
-
عدم توجيه النسخة الخامسة من القائمة الكاملة لأعضاء المكتب النقابي إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل سواء من طرف النقابة المعنية أو السلطة الإدارية المحلية.
أما بالنسبة للوثائق القانونية لإحداث مكتب نقابي أو فرع ما. فتتمثل في:
-
رسالة التصريح بتأسيس النقابة أو الفرع.
-
عشر نسخ من لائحة أعضاء المكتب المسير.
-
عشر نسخ من محضر الجمع العام.
-
عشر نسخ من القانون الأساسي.
-
نسخ من بطاقة التعريف الوطنية لأعضاء المكتب المسير للنقابة أو الفرع.
-
نسخ من السجل العدلي لأعضاء المكتب المسير للمكتب النقابي أو الفرع إذ ترسل هذه الوثائق إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لدراسة الملف.
-
ثانيا: أسباب تأسيس المكتب النقابي.
-
من بين الأسباب المؤدية إلى تأسيس مكتب نقابي بالمقاولة تتمثل في الرغبة في ممارسة الحرية النقابية في ظل تنظيم نقابي معين، أو التعبير عن احتجاج حول وضع معين عند عدم تطبيق القانون بالمقاولة أو في حالة تقديم مطالب ذات طبيعة مادية أو نقابية، هذا إضافة إلى الاستقطاب الذي تقوم به بعض النقابات في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة.
إضافة إلى ما تقدم فإن ردود فعل المشغل على تأسيس مكتب نقابي بالمقاولة: يعتبر من بين تجلياتها تشديد الخناق على أعضاء المكتب النقابي، إضافة إلى طرد أعضاء المكتب النقابي، زيادة على ذلك رفض التفاوض مع أعضاء المكتب النقابي.
كم تعتبر حالة التوافق بين المقاولة والمكتب النقابي من بين أسباب تأسيس المكتب النقابي للمقاولة أو المؤسسة، و ذلك إذا ما قبل المشغل التواجد النقابي داخل المقاولة، إما باقتناع منه أو بعض صراع بين الطرفين.
المطلب الثاني: الإضراب كمظهر من مظاهر ممارسة النشاط النقابي.
لم يعرف المغرب الإضراب قبل الحماية لسببين اثنين تتمثل في إنعدام التكتلات العمالية التي تعتبر وليدة الصناعات العصرية، إضافة إلى غياب روح الطبقية، أما بالنسبة لمرحلة الحماية فإن أول إضراب شهده المغرب كان إضراب عمال شركة ” كوزيمار” في 11 يونيو 1936، ثم تلاه إضراب عمال الفوسفاط بخريبكة في 12 يونيو 1936. فما مفهوم لإضراب ؟ وما هي أنواعه؟
الفقرة الأولى: تعريف الإضراب وعناصره.
“الإضراب حق أصيل مكفول دستوريا وسيبين قانون تنظيمي ممارسته…” الفصل 14 من الدستور.
غياب النص التنظيمي ووجود فراغ تشريعي بخصوص تنظيم هذا الحق يعطي للقضاء الإداري، استنادا إلى دوره الإنشائي، إمكانية خلق ضوابط كفيلة بتأمين ممارسته بشكل يضمن الحفاظ على سير المرافق العمومية بانتظام واضطراد.
ثبوت عدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الحق بشكل أدى إلى عرقلة سير المرفق العام ولجوء الإدارة إلى تطبيق مقتضيات المرسوم في 1216 -99-02 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 باعتبار أن الأجر يؤدى مقابل العمل… قرار الإقتطاع من الراتب قرار مشروع … إلغاؤه ….لا.
هكذا يمكن تعريف الإضراب من منظور الإجتهاد القضائي باعتباره ” التوقف الجماعي عن العمل بصفة مؤقتة للدفاع عن الحقوق المشروعة للعمال المضربين”، حيث إشترط من جهة أولى توفر الصفة الجماعية في التوقف عن العمل، حيث جاء في قرار للمحكمة الإدارية بفاس: “أن حق الإضراب هو توقف بعض أو كل موظفي المرافق العامة عن العمل كوسيلة للضغط على جهة الإدارة قصد إظهار الإستياء من أمرين محدد لتحسين ظرف العمل أو القيام بنشاط معين، ويرتبط قبل كل شيء بعناصر خارجية تتمثل في الظروف السياسية والإجتماعية للدولة التي يمارس بها حق الإضراب”، ومنه فإن التوقف الفردي لا يعتبر إضرابا.
وقد سبق للقضاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بمكناس بتاريخ 30 مارس 1982 أن اعتبره تنفيذ غير سليم لعقد الشغل، لأن العمال يتمسكون بعقود ويدعون تنفيذ التزاماتهم، على أساس المطالبة بحقوقهم.
الفقرة الثانية: أنواع الإضراب.
يلجأ الأجراء إلى الإضراب كمظهر من مظاهر ممارسة النشاط النقابي في حالة تأزم العلاقة بين الأجراء والمشغلين، وآثار الإضراب قد لا تتوقف على الأجراء وأرباب العمل بل قد تمتد لتصل إلى أدوات الإنتاج نفسها، وهو بذلك يتخذ أشكالا متعددة، منها:
-
الإضراب بالمناوبة: هو إضراب يدبر بالمناوبة بين عمال مقاولة أو أكثر يشتغلون في مصالح تضمن تكامل الإنتاج بحيث يؤدي إضراب طرف إلى عرقلة الطرف الثاني.
-
الإضراب السري: يقلص العمال الإنتاج عمدا من غير الإعلان عن الإضراب وهو نوع تلجأ إليه النقابات في ظروف القهر والديكتاتوريات.
-
الإضراب الفوضوي: وهو إضراب لا تؤطره أية منظمة نقابية ويرفض العمال فيه الإنضباط للقوانين وللمطالب المهنية.
-
الإضراب الإجتماعي: وقد يرفق بوقفة أو مسيرة احتجاجية أو باحتلال المقاولة .
-
الإضراب العام: هو إضراب ذو بعد سياسي في الغالب تلجأ إليه النقابات في حالة النزاعات المستعصية التي لم تجد طريقها إلى الحل بهدف الضغط على الحكومة من أجل التدخل لحل النزاع.
-
الإضراب المفتوح: وتتجنبه النقابات نظرا لما يمكن أن ينجم عنه من مخاطر.
ويقابل حق الإضراب حرية العمل وإن كان يسمح بالتوقف المؤقت للإضراب إلى حين استنفاذ إجراءات التحكيم والمفاوضة والتوقف، شريطة أن تكون أطراف التحكيم محايدة عادلة وسريعة، وباشتراك الأطراف وفي كل المراحل، لاعتبار أن الإضراب ليس غاية في حد ذاته، وإنما تلجأ إليه الشغيلة كما يلجأ إليه أصحاب المهن الحرة من أطباء ومحامين وتجار وطلبة … لفتح باب التفاوض مع من يعنيه الأمر.
المطلب الثالث: إشكالية التمثيلية النقابية.
يجسد مبدأ الحرية النقابية على المستوى الجماعي حق الأجراء في تأسيس النقابات المهنية وفق إجراءات قليلة وبسيطة إلا أن تعدد نقابات الأجراء يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت جميعها تتمتع وعلى قدم المساواة بالحق في التمثيل المهني الذي تنتمي إليه؟ أم أن ذلك مقتصرا على إحداها أو على بعضهما دون البعض الآخر؟
إن الاعتراف بالتعددية النقابية إذا كان يؤدي في نفس الوقت إلى الاعتراف لجميع المنظمات النقابية المهنية بذات الحقوق. فإن هذا الإعتراف ليس من شأنه أن يجعلها جميعها مؤهلة لتمثيل المهنة ككل، وللدفاع عن حقوق ومصالح من يمارسها وذلك بصرف النظر عن كونهم من منخرطيها أم لا، وليس من شأنه أن يخول لها جميعها حق تمثيل عنصر العمل الوطني على المستوى الدولي.
فالإعتراف لجميع النقابات العمالية بالحق في تمثيل المهنة وفي التفاوض باسم الأجراء مع السلطة الحكومية ومع ممثلي الرأسمال، وذلك بصرف النظر عن إمكانية النقابة وقوتها ومدى إشعاعها ودورها في الدفاع عن حقوق و مصالح المهنة التي تمثلها، وبصرف النظر عن عدد منخرطيها، إجحاف بالنسبة للنقابات القوية من جهة، ومساس بمصداقية التمثيل النقابي من جهة ثانية، لذلك تلجأ التشريعات المقارنة إلى فكرة النقابة أو النقابات الأكثر تمثيلا، لتحديد النقابة أو النقابات التي يكون لها تمثيل المهنة، وتتولي مهمة التفاوض باسم الأجراء مع ممثلي السلطة الحكومية والرأسمال، وتتولى تمثيلهم داخل مجموعة من الأجهزة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، وذلك رغم ما قد يترتب على اللجوء إلى فكرة النقابة أو النقابات الأكثر تمثيلا من مساس بمبدأ الحرية النقابية، سواء في مظهره الفردي أو مظهره الجماعي، ذلك أنه وإذا كانت النقابات المهنية يجب أن تتعامل وفق مبدأ الحرية النقابية على أساس المساواة المطلقة، فإن فكرة النقابة أو النقابات الأكثر تمثيلا تخلق نقابة أو فئة من النقابات ذات امتياز وحقوق لا تتمتع بها بقية النقابات الأخرى، امتيازات وحقوق تخول لها بحكم أقدميتها وإشعاعها الوطني أو الدولي أو عدد منخرطيها حق تمثيل المهنة دون سواها أو حق تمثيل الإجراء داخليا أو دوليا أو حق التفاوض الجماعي مع ممثلي الرأسمال أو السلطة الحكومية إلى غيره من الحقوق، وهو ما من شأنه المساس بمبدأ الحرية النقابية في مظهره الجماعي الذي يقتضي أن تعامل النقابات على قدم المساواة.
وعلى المستوى الفردي للحرية النقابية قد تعمل فكرة النقابة أو النقابات الأكثر تمثيلا على المساس ولو بطريق مباشر بحرية الأجير في اختيار التنظيم النقابي الذي يقع عليه اختياره، وبحكم العقود والمزايا التي تتمتع بها النقابة أو النقابات الأكثر تمثيلا بالمقارنة مع غيرها فإن هذا الإمتياز يعتبر ذا تأثير على اختياره الذي قد يوجهه إلى نقابة تتمتع بصفة النقابة الأكثر تمثيلا ولو لم يكن يقاسمها قناعتها أو خطها النضالي.
الفقرة الأولى: الأصل التاريخي لفكرة المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا ومفهومها.
-
أولا: الأصل التاريخي للمنظمات المهنية الأكثر تمثيلا.
ظهرت فكرة المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا لأول مرة ضمن وثيقة معاهدة فرساي لسنة 1919 التي أنشئت بموجبها منظمة الشغل الدولية، قبل أن تصير إحدى المؤسسات المتخصصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بمقتضى اتفاقية نيويورك 1946.
فمعاهدة فرساي كانت تلزم الدولة العضو في منظمة الشغل الدولية بأن تقوم بتعيين مندوبي الأجراء والمؤاجرين غير المحكومين، في الوفد الذي يمثلها لدى المؤتمر العام من المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا، وبذلك تكون الفكرة قد ظهرت لأول مرة من خلال هذه المعاهدة قبل أن تأخذ بها التشريعات الوطنية للدول الأعضاء في منظمة الشغل الدولية، بل ولتعرف الفكرة توسعا كبيرا في بعض التشريعات المقارنة، يتجاوز إطار تحديد وتركبة وفود الدول لدى المؤتمر العام بمنظمة الشغل الدولية.
أما بالنسبة للتشريع المغربي، فلم يتضمن ظهير 16 يوليوز 1957 الخاص بالنقابات المهنية أية إشارة، لا إلى المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا ولا إلى المعايير التي على أساسها يمكن تحديدها، على اعتبار أن فترة صدور هذا الظهير لم تعرف سوى منظمة نقابية واحدة تتولى التمثيل والدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة المغربية.
وإذا كان المشرع المغربي بموجب ظهير 16 يوليوز 1957 الخاص بالنقابات المهنية لم يتطرق إلى فكرة المنظمات الأكثر تمثيلا، ولا إلى المعايير التي على أساسها تحدد، فإنه بموجب ظهير 27 يوليوز 1972 الخاص بالضمان الإجتماعي نص على أن إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي تعهد إلى مجلس إداري يتألف من أربعة وعشرين عضوا رسميا منهم ثمانية يمثلون الأجراء يعينون لمدة ثلاث سنوات بقرار لوزير الشغل بناءا على اقتراح المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا.
كما أشار المشرع المغربي بمقتضى الفصل الأول من مرسوم 28 شتنبر 1974 المتعلق بتعيين المستشارين لدى الغرفة الإجتماعية بالمحاكم الإبتدائية إلى أن هؤلاء يعينون بقرار مشترك لوزير الشغل وأن هذا التعيين يتم بناءا على اختيار هؤلاء المستشارين بخصوص كل محكمة من لائحة تحتوي على كل صنف مهني توضع بناءا على اقتراح المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، وبذلك تكون فكرة المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا قد وجدت طريقها أيضا إلى التشريع المغربي على غرار غيره من التشريعات المقارنة.
-
ثانيا: مفهوم المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا:
لقد ظهرت فكرة المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا نتيجة للتعددية النقابية وأيضا للتطور الحاصل في اختصاصات وصلاحيات النقابات، وهذا يتطلب تحديد النقابة أو النقابات المؤهلة أكثر من غيرها لكي تمارس هذه الإختصاصات والصلاحيات، إذ أن المنظمات المهنية لا تتوفر على نفس التمثيلية داخل المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل ولا حتى عدد المنخرطين نفسه، وهذا يؤدي إلى طرح العديد من الإشكاليات حول تحدد مفهوم المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا داخل النسيج الإقتصادي، وهذا التحديد ليس أمرا سهلا، فهل يقصد ” بالمنظمات المهنية الأكثر تمثيلا” النقابة المهنية أم الإتحاد النقابي الذي تنتمي إليه النقابة؟
نجد أن المشرع المغربي قد استعمل عبارة ” المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا”. ولم يستعمل لفظ ” النقابة” ولا لفظ ” الإتحاد النقابي” وهذا يدل على أن المشرع أعطى الحق في تمثيل المهنة وأجراءها لكل منظمة مهنية يسمح لها وضعها داخل الوسط المهني بهذا التمثيل، وذلك عبر عدد منخرطيها وأقدميتها وإشعاعها سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وأيضا استقلاليتها في مواجهة الحكومة وأصحاب العمل، ففكرة المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا لا تعني البحث عن التنظيم المهني الذي يستطيع بمفرده تمثيل المهنة، والدفاع عن حقوق ومصالح الأجراء كافة، بل تمثيل الطبقة الشغيلة كلها، وذلك على المستوى الداخلي والدولي.
فالتمثيلية النقابية انطلاقا من نظامها القانوني والذي يأخذ بالتعددية النقابية. ومن الواقع المهني لا يمكن أن تكون تمثيلية أحادية، بل تمثيلية متعددة تتقاسمها عدد من المنظمات المهنية وذلك وفق معايير محددة سلفا، مع حق المنظمات المهنية التي يهمها الأمر في اللجوء إلى القضاء للطعن في القرارات الإدارية التي لا تحترم هذه المعايير.
بالنسبة للنقابات المهنية التي تنتمي إلى منظمة مهنية ( اتحاد نقابي)، فإن اكتساب هذه المنظمة المهنية لصفة المنظمة الأكثر تمثيلا، خاصة على المستوى الوطني يعد بمثابة قرينة على اكتسابها بدورها صفة النقابة الأكثر تمثيلا سواء على مستوى المؤسسة الواحدة أو على مستوى المهنة التي تنتمي إليها، وهي قرينة قابلة للإثبات العكس. بحيث إذا استطاعت إحدى النقابات المنافسة التي تنتمي إلى اتحاد نقابي لا يتمتع وفق معايير تحديد التمثيلية، لهذه الأخيرة أن تثبت تمثيليتها على مستوى المؤسسة أو المهنة التي تمثل، فلا مناط من الإعتراف لما بصفة النقابة الأكثر تمثيلا والتعامل معها على هذا الأساس بغض النظر عن كون هذه الصفة لا يتمتع بها الإتحاد الذي تنتمي إليه احتراما لشرعية التمثيل المهني.
الفقرة الثانية: أهمية التمثيلية النقابية والمعايير المعتمدة لتحديد النقابة الأكثر تمثيلا.
-
أولا: أهمية التمثيلية النقابية.
تتجلى أهمية تحديد المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية خصوصا عند تشكيل الوفد الممثل للمغرب في المؤتمر العام لمنظمتي العمل الدولية والعربية، وأيضا عند تحديد المنظمات النقابية المؤهلة بحكم نطاق ومدى تمثيليتها للتفاوض مع السلطة الحكومية وأرباب العمل حول القضايا العمالية والمطالب المطروحة، وقد طرحت أول مرة في المغرب مسألة التمثيلية النقابية، في بداية الستينيات، حينما نددت المركزية الإستقلالية ” الإتحاد العام للشغالين بالمغرب” بإقصائها من الإنضمام للوفد الذي مثل المغرب بالمنظمة الدولية للشغل، ومن خلال المدونة الجديدة يلاحظ أن المشرع المغربي لم يستعمل لفظ ” النقابة” ولا لفظ ” الإتحاد النقابي” بل عبارة ” “المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا” وبالرجوع لمقتضيات المادة 425 من مدونة الشغل نجد على أن المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا هي التي تملك الحق في تمثيل الأجراء، وذلك من خلال عدد مندوبيها وقدرتها التعاقدية وأيضا استقلاليتها في مواجهة السلطة الحكومية وأرباب العمل.
وتكمن أهمية وفكرة المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا في ضمان فعالية تنظيم شروط العمل وظروفه في مختلف المهن التي تخضع لقانون الشغل والدفاع عن حقوق ومصالح هذه المهنة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تتجلى الأهمية في مواجهة الدور الذي صارت تقوم به المنظمات المهنية ليس فقط كمدافع عن الحقوق والمصالح المادية لأعضائها بل أيضا تفاعل أساسي في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للمجتمع. لهذا كان من اللازم تحديد المنظمات المهنية المؤهلة للقيام بهذا الدور، إذ ليس من المنطقي وضع كل المنظمات المهنية في رتبة واحدة إعمالا لمبدأ الحرية النقابية، حيث ،نه إذا ثم تطبيق هذا المبدأ ووضع جميع المنظمات المهنية على قدم المساواة، فهذا يؤدي إلى وجود منظمات مهنية متعددة بعضها قد لا يتوفر سوى على عدد محدود من المنخرطين، أو لا تتمتع بأي استقلالية سواء تجاه السلطة الحكومية أو تجاه أصحاب الأعمال، وبالتالي من الضروري التميز فيما بين هذه المنظمات المهنية وفق فكرة المنظمة أو المنظمات الأكثر تمثيلا، وان لا يسمح لهذه الأخيرة لتمثيل الأجراء وذلك سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الوطني، وذلك لاعتبارها القوى الأكثر فاعلية في مفاوضة أصحاب الرأسمال والسلطة الحكومية والدفاع عن حقوق ومصالح المهنة.
-
ثانيا: المعايير المعتمدة لتحديد النقابة الأكثر تمثيلا:
لقد أخذ التشريع المغربي بفكرة المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا وذلك على غرار غيره من التشريعات المقارنة وأيضا على غرار منظمتي الشغل الدولية والعربية، فالملاحظ انه لم يحدد المعايير التي على أساسها حدد هذه المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، وذلك على خلاف بعض التشريعات، والسبب في ذلك أن مبدأ التعددية لم يكن قد تبلور إلا بعد صدور ظهير 16 يوليوز 1957 الخاص بالنقابات المهنية، وبما انه ليس هناك نص تشريعي يحدد هذه المعايير، فإنه سيتم الإعتماد على التشريعات المقارنة وأيضا الفقه على وجه الخصوص، الذي يقسمها إلى نوعين:
نوع متعلق بالمعايير الكمية التي يتضمن عدد منخرطي المنظمة المهنية ومدى حجم وانتظامية اشتراكاتهم، أما النوع الثاني خاص بمعايير كيفية ويضمن استقلالية المنظمة المهنية في ممارستها لنشاطها، ومدى أقدميتها، حيث أن هذه الأقدمية تعكس جانب مهم يرتبط بالتجربة على مستوى العمل النقابي.
وهكذا ستتم دراسة هذا المحور من خلال دراسة المعايير الكمية والمعايير الكيفية:
-
المعايير الكمية لتحديد النقابة الأكثر تمثيلا:
-
عدد المنخرطين في المنظمة المهنية:
يعتبر عدد المنخرطين في المنظمة المهنية أهم معيار لتحديد نطاق ومدى تمثيلية المنظمات المهنية، سواء على مستوى التشريعات المقارنة أو حتى على مستوى الفقه المقارن، وهو من المعايير الأساسية التي سبق وكرسها مجلس الدولة الفرنسي بمناسبة بثه في إحدى دعاوى الشطط في استعمال السلطة التي وقعتها إحدى النقابات الفرنسية ضد أحد قرارات وزير الشغل الفرنسي، وقد جاء في حيثيات قرار مجلس الدولة: ” … إن عدد المنخرطين ليس هو العنصر الوحيد، إلا أنه مع ذلك يعتبر أساسيا، بحيث إن الصفة التمثيلية تعطى للنقابة التي يتوفر فيها هذا الشرط إذا ما تعادلت باقي المعايير الأخرى”. كما يعتبر من المعايير التي تعتمد عليها كثيرا محكمة النقض الفرنسية.
يعتبر معيار عدد المنخرطين في المنظمة أهم معيار في تحديد أية منظمة مهنية، برغم ما يوجهه جانب من الفقه إلى هذا المعيار من انتقادات، فالتوفر على حد أدنى من المنخرطين، يعتبر من الشروط البديهية التي يجب التوفر عليها في المنظمات المهنية حتى تتمكن من تمثيل المهنة وتمثيل أيضا غير منخرطيها من الأجراء.
ويظل عبء إثبات عدد المنخرطين على عاتق المنظمة المهنية التي تدعيه تحت مراقبة القضاء، هذا الأخير يحق له متى تبين له أن عدد المنخرطين غير كاف بالمقارنة مع غيرها من المنظمات المهنية الأخرى، أن يحجب هذه التمثيلية عن المنظمة المهنية، بالإضافة إلى هذا يحق له أيضا حجب هذه الصفة عنها في حالة امتناع المنظمة عن الإدلاء بما يفيد عدد منخرطيها بدعوى السرية، فالبرغم من القيمة الهامة لعدد المنخرطين في المنظمة، إلا أنه يصعب معرفة عدد هؤلاء المنخرطين ما لم تقدم المنظمة المهنية ما يفيد فعلا عدد منخرطيها حتى يتسنى مقارنته مع عدد المنخرطين في باقي المنظمات المهنية المنافسة.
يرى جانب من الفقه أن هذا المعيار لا يبقى جامدا، بل هو عدد يتغير إما بالنقصان أو الزيادة، ولهذا يرى هذا الجانب من الفقه أن هذا المعيار هو معيار نسبي، إذ انه يقوم بتحديد النقابة الأكثر تمثيلا في فترة، ويحجب عنها هذه الصفة في الحالة التي يقل فيها عدد المنخرطين بالإنسحاب أو بزيادة عدد منخرطي النقابات الأخرى المنافسة، وبالرغم من كل ما سبق، تضل السلطة الحكومية هي الحكم تحت مراقبة القضاء، وذهب جانب آخر من الفقه المغربي إلى أنه إذا كان عدد منخرطي النقابة المهنية يعتبر من المعايير التي قد يعتمدها البعض للدلالة على النقابة أو النقابات الأكثر تمثيلا، إلا أنه يظل معيار ناقص وغير مجد لانعدام مراقبة قضائية، إضافة إلى ذلك يرى هذا الجانب من الفقه أن معيار عدد المنخرطين يفرض مراقبة المنخرطين، ومراقبة من يدفع منهم اشتراكاته بصورة منتظمة ومن لا يفعل، لكن الإشكال يتجلى في كون أن المغرب كبلد يأخذ بالحرية النقابية، فإن مراقبة عدد المنخرطين ومدى انتظامية أداء الإشتراكات بمثابة مساس، وأيضا تدخل من طرف السلطة الإدارية في حياة المركزيات النقابية.
بالرغم من كل الانتقادات الموجهة لمعيار عدد المنخرطين في المنظمة المهنية إلا أنه معيار ذو قيمة، تبقى قيمته بارزة وهو معيار يعكس مدى تمثيلية المنظمة المهنية التي تتمسك به، ما دامت قادرة على إثبات هذا العدد أمام القضاء، الذي يحق له المطالبة بكافة الإثباتات باعتباره الضامن الشرعي.
-
نسبة اشتراكات الأعضاء المنخرطين وانتظاميتها:
يرى جانب من الفقه أن معيار عدد المنخرطين في المنظمة المهنية يظل معيارا نسبيا ولا يدل على التمثلية بشكل كاف، خاصة إذا كان المنخرطون لا يقدمون اشتراكهم السنوي إلى النقابة أو كانت الإشتراكات غير منتظمة أو غير ذات قيمة، إذ أن المنظمات المهنية بدون موارد مالية لا يمكن لها أن تقوم بدورها في تمثيل الأجراء، فبالأحرى تمثيل المهنة ككل، حتى ولو كان عدد منخرطيها كثير مقارنة مع باقي المنظمات.
فأداء الاشتراكات وبكيفية منتظمة يدل على مدى تمسك المنخرطين بمنظمتهم المهنية، وأيضا يدل على مصداقيتهم وعليه فأداء المنخرطين لاشتراكهم السنوي وبشكل منتظم ودائم يدل على مدى تمسك المنخرطين بمنظمتهم المهنية وعليه فإن عدم أداء الإشتراكات أو عدم كفايتها يؤثر سلبا في نظر القضاء الفرنسي على مدى تمثيليتها، حيث إن عدم أداء الإشتراكات أو عدم كفايتها أو عدم انتظاميتها يؤثر في قيامها بالمهام الموكولة لها سواء قانونا أو بمقتضى نظامها الداخلي، وبالتالي التأثير سلبا على استقلالية المنظمة المهنية، هذه الاستقلالية التي تحدد نطاق ومدى تمثيلية أي تنظيم مهني.
2– المعايير الكيفية لتحديد النقابة الأكثر تمثيلا.
أ- استقلالية المنظمة المهنية.
إن معيار استقلالية المنظمة المهنية في عملها، من أهم المعايير التي يعتمد عليها في تحديد المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، سواء كانت هذه الإستقلالية عن السلطة الحكومية أو عن أصحاب الأعمال وعن هيئاتهم التمثيلية، أو حتى عن الأحزاب السياسية. حيث إن المنظمة التي تكون مستقلة عن الجهات التي سبق ذكرها، سواء في التأسيس أو العمل أو المواقف، تكون المنظمة التي تستحق تمثيل المهنة وتمثيل الأجراء الذين ينتمون إليها، وأيضا الذين لا ينتمون إليها ممن يمارس عملا نابعا خاضعا لمقتضيات قانون الشغل، أما المنظمة المهنية التي يكون تأسيسها أو عملها أو تمويلها من طرف السلطة الحكومية أو صاحب العمل، تعتبر منظمة مهنية غير جديرة ولا تستحق تمثيل منخرطيها، وفقدان استقلالية المنظمة المهنية سواء في مواجهة السلطة الحكومية أو حتى مواجهة عنصر الرأسمال، يكون عائقا يحول دون الاعتراف بأية تمثيلية.
يرى جانب من الفقه إلى أن استقلالية المنظمة المهنية لا تكون موضع شك فقط عندما تحصل على دعم مالي أو مادي من صاحب العمل أو من السلطة الحكومية، وإنما أيضا عندما تتلقى المنظمة المهنية إلى الإعتراض المستمر على الحركات الإضرابية التي تشنها باقي المنظمات الأخرى رغم وجاهة أسبابها والأهداف التي تهدف إلى تحقيقها.
بالنسبة للمغرب يجب التعامل مع معيار الإستقلالية الذي يتم الإعتماد عليه في تحديد المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، بكل حذر، والسبب في ذلك أن المنظمات المهنية المغربية شأنها في ذلك شأن المنظمات المهنية الفرنسية – من أكثر المنظمات المهنية تسيسا، حيث أنها ترتبط بحزب من الأحزاب الوطنية وقادتها يتولون مراكز قيادية في هذه الأحزاب، بشكل يصعب معه التميز بين مواقف المنظمة المهنية والحزب المرتبطة به أو المرتبط بها.
وتعتبر مسألة استقلالية المنظمة المهنية سواء في تأسيسها أو ممارستها لنشاطها، من المعايير التي تدل على مدى تمثيلها لكون وجود ترابط بين هذه التمثيلية والإستقلالية، لكن هذه الإستقلالية تعد أمرا مفترضا على خلاف عدد منخرطي المنظمة المهنية، حيث أنه لا ضرورة لإثبات استقلالية المنظمة من طرفها وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يقيم الدليل على ذلك.
-
أقدمية المنظمة المهنية وتجربتها:
تعتبر أقدمية المنظمة المهنية وما يتولد عنها من تجربة وخبرة في أمور الإدارة وتسيير العمل النقابي لما فيه بشكل خاص مصلحة المنخرطين، وبصفة عامة، أجراء المهنة من المعايير التي أوردتها بعض التشريعات وأيضا الفقه، كمعيار لتحديد مدى تمثيلية المنظمات المهنية والدلالة عليها. فهذه الأقدمية التي تتوفر لدى المنظمة المهنية تجعلها معروفة على الساحة من خلال تجربتها في الميدان النقابي والدفاع عن مصالح وحقوق المنخرطين فيها، إضافة إلى تلك التي تتعلق بالمصلحة العامة والمشتركة للمهنة التي تمثلها، وهكذا تعتبر هذه الأقدمية وما توفره من مزايا، من العوامل التي يتم الارتكاز عليها للدلالة على مدى تمثيلية المنظمات المهنية.
يرى جانب من الفقه أن معيار الأقدمية وما يوفره من إشعار للمنظمة المهنية على الساحة والمساهمة في تحديد مدى تمثيليتها، فهذا المعيار لا يستطيع أن يحجب ويعطي دور تمثيلية منظمات مهنية أخرى، وإن كانت حديثة النشأة إذا ما تحققت التمثيلية عن طريق أسباب أخرى غير الأقدمية، كما لو برهنت منذ تأسيسها على مدى فعاليتها في الدفاع عن المصلحة العامة والمشتركة للمهنة ولأعضائها، أو أنها تضم عددا كبيرا من الأجراء منذ التأسيس. إذن فأقدمية المنظمة المهنية قد تدل كما سبقت الإشارة على تجربتها في الميدان النقابي وأساليب الدفاع عن حقوق ومصالح الأجراء (…)
إلا أن معيار الأقدمية ليس معيارا حاسما ومؤكدا على مدى التمثيلية، خاصة إذا كانت المنظمة المهنية التي تتمتع بهذه الأقدمية لا تضم سوى عدد ضئيل من الأعضاء أو كان نشاطها قليل وغير فعال، وقد ذهب جانب من الفقه إلى القول أن هذا المعيار قد يوقع المهتم بتحديد المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا في غلط، وذلك في الحالة التي يحدث فيها انشقاق ما داخل منظمة مهنية قديمة أسست على إثره منظمة مهنية أخرى حيث انتقل إليها المسيرين والمنخرطين في هذه المنظمة المهنية القديمة، فما الفائدة التي ستقدمها هذه الأقدمية للمنظمة المهنية في هذه الحالة؟!
فالمنظمة أو المنظمات المهنية الحديثة النشأة إذا توفرت على عدد كبير من المنخرطين وكانت مستقلة في عملها ونشاطها عن السلطة الحكومية وعن صاحب العمل وأيضا هيئاته التمثيلية وكان نشاطها بارزا على الساحة وله دور أساسي وفعلي في الدفاع عن مصالح وحقوق الأجراء والمهنة التي يتم تمثيلها. فكل هذا يقودنا إلى القول على أن نشأتها الحديثة لا يمكن أن تحول دون تمثيليتها.
-
إشعاع المنظمة المهنية ودور نشاطها.
يذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى إعتبارالإشعاع الذي يكون للمنظمة المهنية داخل الوسط المهني، والذي يعكسه عملها ونشاطها، من المعايير التي يتعين اعتمادها للدلالة على مدى ما لهذه المنظمة من تمثيلية، ذلك أنه يضيف هذا الجانب من الفقه، إذا كان عدد المنخرطين في المنظمة النقابية وقيمة اشتراكهم من شانهما أن يدلا على مدى تمثيليتها، فإن هذين المعيارين الكميين عند عدم كفايتهما يمكن أن يعوضا بمستوى نشاط وحركية وفعالية المنظمة النقابية على الساحة، والذي تعكسه النتائج التي تحصل عليها من خلال انتخابات مندوبي الأجراء الخاصة بمجالس المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل وبالمستشارين لدى محاكم الشغل أو بالمندوبين الذين يمثلون النقابات المهنية في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
وفي ذات الإتجاه يذهب جانب من الفقه المغربي إلى اعتبار الإشعاع الذي يكون للنقابة داخل الوسط المهني من المعايير التي يجب عليها لتحديد المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، هذا الإشعاع قد تكتسيه النقابة سواء من خلال مالها من أعضاء داخل البرلمان أو من خلال تمثيلها للطبقة الشغيلة في الوفد الرسمي الذي يمثل المغرب في المؤتمر العام لمنظمة الشغل الدولية، أو حسب هذا الإشعاع من خلال رصيدها التاريخي وأقدميتها ومدى التأثير على الحياة الإقتصادية وأيضا الإجتماعية والمهنية.
فإشعاع المنظمة النقابية يظهر مدى تحركها في الواقع الملموس سواء كان ذلك على المستوى الوطني بمختلف درجاته ( المؤسسة المحلي، القطاعي، الإقليمي..) أو حتى على المستوى الدولي، وذلك من أجل الدفاع عن مصلحة منخرطي المنظمة المهنية بصفة خاصة، وعن مصلحة المهنة بصفة عامة وأيضا مصلحة الأجراء.
د- نتائج الإنتخابات المهنية:
يعتبر معيار نتائج الإنتخابات المهنية من المعايير الكيفية التي يتم الإستدلال بها على مدى تحديد تمثيلية المنظمات المهنية، سواء كان ذلك على مستوى المؤسسة أو على المستوى الوطني، فهذه النتائج تزود المعني بالأمر وأيضا المهتمين بمعلومات ومعطيات حول هذه التمثيلية وأيضا المكانة الحقيقية التي تحتلها المنظمة المهنية لدى الأجراء وذلك من خلال ما يحصل عليه مرشحوها من أصوات في هذه الإنتخابات، حيث يبين عددها مدى التأثير الذي للمنظمة النقابية على الأجراء ومدى الثقة التي تحظى بها لديهم.
ويرى جانب من الفقه المغربي، أن هذا المعيار يطرح مجموعة من الإشكالات، وهي أنه لا يمكن سوى من تقييم التمثيلية النقابية على الصعيدين الوطني والدولي، إذ لا يمكن حسم التمثيلية على مستويات القطاعات أو فروع الأنشطة الإقتصادية المختلفة، والمقاولة، فهو معيار ناقص، ويضيق هذا الجانب من الفقه، إن النص القانوني الخاص بانتخاب مندوبي العمال داخل المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل ( ظهير 29 أكتوبر 1962) . لا نجد فيه أي أثر للوائح النقابية، بل اكتفى بمجرد الإحالة على اللوائح الخاصة بالمرشحين المستقلين عن النقابات.
ويرى جانب آخر من الفقه أن معيار نتائج الإنتخابات المهنية هو معيار مهم، وذلك من خلال انتخابات ممثلي غرفة المستشارين أو على مستوى القطاعات والمؤسسات الخاضعة لقانون الشغل، وذلك على المستوى الوطني، وإذا كان ظهير 29 أكتوبر 1962 لم يتضمن ما يشير إلى اللوائح النقابية، فإن الواقع يفيد أن كل مترشح لمنصب مندوب العمال يكون في الحقيقة منتميا إلى تنظيم نقابي معين وأن التصويت على هذا المترشح يعني التصويت على النقابة، وبالتالي تكون الإنتخابات المهنية الخاصة بمندوبي العمال، وتلك الخاضعة لانتخاب ممثلي المأجورين لدى غرفة المستشارين مقياسا مهما من بين أخرى لدلالة على مدى تمثيلية المنظمات المهنية، وبالرغم من أن التشريع المغربي لم يورد أي معيار لتحديد نطاق ومدى هذه التمثيلية، فإنه يمكن القول على أنه ومن خلال التقارير الرسمية التي ينشرها المكتب الدولي للشغل، أن السلطة الحكومية المغربية تأخذ في تحديد المنظمة المهنية الأكثر تمثيلا على الإنتخابات المهنية التي تجري، وذلك سواء على مستوى المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل، أو على مستوى تلك الخاصة لتمثيل المأجورين في مجلس النواب. ويتبين ذلك من خلال إجابة الحكومة المغربية على استفسارات مكتب العمل الدولي بناء على الشكاوي التي تقدمت بها المركزيات النقابية غير “الإتحاد المغربي للشغل”، لاسيما “الكنفدرالية الديمقراطية للشغل” و”الإتحاد العام للشغالين بالمغرب” بمناسبة تشكيل الوفد الرسمي الذي يمثل المغرب في المؤتمر العام لمنظمتي الشغل الدولية والعربية، خاصة ما يتعلق منه بتمثيل فئة الأجراء الذي تعتمد فيه الحكومة المغربية على نتائج الإنتخابات المهنية، ويرى هذا الجانب من الفقه المغربي أن موقف الحكومة المغربية مجرد تصريح، ما دام الأخذ به لا يعتمد على أي نص قانوني أو حتى اجتهاد قضائي.
-
ثالثا : الجهة المختصة بتحديد المنظمة المهنية الأكثر تمثيلا:
بالنسبة للترشيع الفرنسي فإن الجهة المختصة بتحديد المنظمة المهنية الأكثر تمثيلا تختلف حسب مستوى هذه التمثيلية كباقي التشريعات المقارنة، وذلك يطرح إشكالية مهمة، هل على المستوى الوطني أو على مستوى المهني أو على مستوى المؤسسة الواحدة؟، بحيث يعود أمر تحديد هذه التمثيلية على المستويين الوطني والمهني إلى السلطة الإدارية التي تقوم بإعداد لوائح النقابات المهنية الأكثر تمثيلا، والتي لها وحدها الحق في المشاركة في بعض المجالس الوطنية ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي، مثل المجلس الإقتصادي واللجنة الوطنية للمفاوضة الجماعية، والمجلس الأعلى للوظيفة العمومية بالنسبة لنقابات الموظفين، أما على مستوى المؤسسات فيتم تحديد النقابات الأكثر تمثيلا من خلال ما تعرفه هذه المؤسسات من إنتخابات لممثلي الأجراء، وذلك تحت مراقبة القضاء العادي.
وبالنسبة للمغرب وبالنظر لمحدودية إعمال فكرة المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، فإن السلطة الحكومية هي التي تتولى تحديدها، خاصة عند تشكيل الوفد المغربي الرسمي لدى المؤتمر العام لكل من منظمتي الشغل الدولية والعربية، وأيضا لتحديد تمثيلية الأجراء في بعض المؤسسات، كالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وهو الاتجاه الذي تسير عليه لجن الحرية النقابية لمنظمة الشغل الدولية، فهذه الأخيرة ذهبت إلى أن تحديد المنظمة أو المنظمات الأكثر تمثيلا يعود إلى السلطة الحكومية نفسها، وذلك وفق معايير موضوعية مضبوطة ومعروفة مسبقا من طرف الجميع، حتى يكون بالإمكان التأكد من سلامة تطبيقها دون تحكم.
وبالرغم من أن السلطة الحكومية المغربية هي التي تتولى تحديد المنظمة أو المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، إلا أن قراراها هذا يظل خاضعا إلى الطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة، وعليه ورود إمكانية إبطاله في الحالة التي يكون فيها غير مشروع، وهي مهمة ليست بالسهلة على القضاء في ظل انعدام معايير محددة مسبقا.
إن العمل النقابي بالمغرب يقتضي إعادة النظر في الحركة النقابية، من أجل بلورة فكر نقابي عصري، يتماشى مع التطورات الإقتصادية المتسارعة والعولمة التي تنادي بالإنفتاح وحرية الإستثمار والمرونة في التشغيل، إذ تشكل النقابة في العالم المتقدم قوة واقعية تفاوضية وشريكا فعالا وأصبحت تشكل قطبا اقتراحيا في مجال التشغيل ودعم الإنتاجية، إذ تعد النقابة أداة فعالة للدفاع عن مصالح العمال من خلال إشراك ممثلي الأجراء في إتخاد القرارات الإنتاجية والإجتماعية، وتحولت بذلك التوجهات النقابية والعمالية من ثقافة المعارضة والمواجهة إلى ثقافة تعاون وتفاوض، وأصبح أصحاب العمل ينظرون إلى الأجراء كشركاء في وضع المشاريع وإنجاحها وحل المشاكل الإجتماعية والإقتصادية.
كانت تقوم العلاقة بين النقابات والنظام الرأسمالي على أساس صراع طبقي وذلك الإستغلال الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج للطبقة العاملة، أما في العصر الحالي ونظرا للتطور الإقتصادي والخدمات والتقنيات الإعلامية فإن الأمر يستدعي إعادة التأقلم مع الوضع الجديد والتخلي عن الصراع وحلول محله التعاون والتفاوض لتحقيق مطالب العمال من جهة وتسديد خدمات أرباب العمل في إطار تفاوضي.
كما أن جل نقابات الدول الأوروبية عبرت عن قدرتها وتحديث استغلالها من خلال تأقلمها السريع مع تطور آليات الإنتاج وحاجيات الإقتصاد العالمي الجديد.
غير أنه إذا كانت النقابات الأوروبية أدركت مكامن ضعف النقابات وسارعت لأجل حل أزمتها من خلال إعادة النظر في أدواتها، فإن المركزيات المغربية لازالت تشكو من أمراضها كضعف الخدمات الإجتماعية مثلا: وهذه العوامل وغيرها جعلت الوضعيات النقابية المغربية في وضع حرج، وأمام هذا الوضع الإقتصادي العالمي الجديد أصبح من الضروري للنقابات المغربية ابتكار أدوات جديدة واعتناق ثقافة نقابية عصرية باعتماد الأساليب والآليات التالية:
-
نقابة مسؤولية: لوجود علاقات اجتماعية سليمة لا بد من نقابة مواطنة مسؤولة تساهم في تنشئة مجتمع المواطنة، والانتماء الواعي للوطن.
-
نقابة احترافية: إن قوة النقابات في الدول الأوروبية
ترجع إلى الكفاءات المتخصصة والنقابات المغربية هي الأخرى مدعوة لمسايرة الوضع الإقتصادي الجديد، بإثبات كفاءتها.
-
إظهار جدواها: إذ أن النقابات الأوروبية أصبحت تشكل نقابات خدماتية، إذ تقوم على منح مختلف الخدمات للمنخرطين.
-
صيانة الإستقلالية النقابية: حيث أن مبدأ الإستقلالية الذي نصت عليه مدونة الشغل يكتسي أهمية بالغة لاعتباره يشكل حصانة تحمي إرادة الأجراء من كل تأثير خارجي، وتعني استقلالية فعلية عن أي هيمنة سواء من أرباب العمل أو الأحزاب السياسية.
من هنا نخلص إلى أن النقابات لا يمكنها أن تتقوى إلا إذا استقلت وتخلصت من المفهوم السياسي الحزبي.
وهذا لا يعني استقلال تام بين النقابة والعمل الحزبي، فارتباط النقابة بحزب لا يشكل خللا، وإنما الخلل يتجسد في تحول النقابة من الدفاع عن مصالح العمال إلى التعبير عن نهج ومصالح حزب معين.
وإن كل دراسة علمية وموضوعية للحركة النقابية بالمغرب تتطلب الوقوف عند الأسباب وراء التراجع الملحوظ للفعل النقابي وتجلياته، ويلاحظ أن النضال والكفاح النقابي رغم حضوره وتواجده في جل المحطات التاريخية الكبرى للمغرب إلا أنه عجز على تحويل الطبقة العاملة إلى قوة ضغط واقتراح فاعلة ويمكن إرجاع هذا العجز والإنحصار إلى عوامل ذاتية. وأخرى موضوعية.
العوامل الذاتية: ترتبط بذاتية النقابات المهنية وبفعلها النضالي ومنها:
ضعف مستوى الأطر النقابية وتراجع الحس النضالي:
ما يلاحظ أنه فئة قليلة من الأطر النقابية هي التي تتمتع بتكوين متوسط أو عالي في المجال النقابي، في حين أن الأغلبية الساحقة لا يحسنون القراءة والكتابة ولا يتوفرون على تكوين نقابي يساعدهم في القيام بالأدوار المنوطة بهم في مجال النقابة والتأطير العمالي: كالعمل باعتباره في التنظيم النقابي يحتاج إلى تكوين جيد يسهل له الحصول على قدر من المهارات اللازمة للعمل النقابي وخاصة فيما يتعلق بمستويات التنظيم والإدارة النقابية والتوعية بالظروف والتطورات الإقتصادية، و الإجتماعية ، والسياسية التي تحيط باتخاذ القرارات النقابية.
لذلك يتعين على النقابات المهنية وهي تتصدى لحل هذه المشاكل أن تركز اهتمامها ومسؤوليتها على المحاور الآتية:
à تكوين مواطنين صالحين وتثقيفهم: بحيث يعرفون واجبهم في مسؤولياتهم تجاه أنفسهم وأسرهم ووطنهم وزملائهم، ولن يتم هذا إلا بتوسيع مفهوم الثقافة العمالية ليتجاوز التدريب الثقافي الضيق وليشمل مستويات الثثقيف العام للعمال.
à تقوية شعور الولاء والإنتماء للمؤسسة لدى العمال: وذلك باعتبارها جزء من مجتمعهم وبنائه الإقتصادي، ويتم ذلك عبر إشراكهم في التفكير واتخاذ القرارات المتعلقة بمصيرها وتنمية إدراكهم بكون المؤسسة التي يعملون بها هي جزء مهم من اقتصاد المجتمع.
à إعداد العمال كأعضاء فاعلين داخل منظمات نقابية قوية: لا بد من تربية العمال على حرية التعبير وإبداء الرأي في كل القضايا النقابية، وذلك لبناء حركة عمالية سليمة وواعية، لهذا يجب إطلاع العمال على كيفية تكوين التنظيمات النقابية وإدارتها.
à تكوين خبراء متخصصين في مجال الثقافة العمالية: حيث يتم تمكينهم من الوسائل الضرورية ( برامج للتكوين، حضور ندوات ولقاءات وطنية ودولية…) لرفع مستواهم الثقافي وللوقوف على قدم المساواة مع زملائهم في الدول الأخرى.
à تعريف العمال بأوضاع الحركات العمالية في العالم: وذلك بتعريف العمال باتجاهات الحركات العمالية في باقي أنحاء العالم وربط نضال العمال المغاربة بنضالات العمال في العالم.
تفشي الأمراض الإدارية في أوساط الهياكل النقابية:
يمكن أن نرصد منها:
× البيروقراطية: إن السبب في إنتشار البيروقراطية ناتج أساس عن تخلف الممارسة النقابية بالمغرب وسيادة العلاقات العشائرية بين المناضلين الذين يرغبون في تغيير طبقتهم الدنيا بسرعة، وهذا ما أدى إلى انتشار المظاهر السلبية كالمحسوبية والزبونية وغلبة الإعتبارات الشخصية والحزبية الضيقة في تولي مناصب المسؤولية على حساب قيم الكفاءة والنزاهة…
× غياب الديمقراطية الداخلية: تعد الديمقراطية تجربة خصبة، راكمت آليات عمل حكيمة وانبنت على مطلب بشري أساسي ألا وهو ” حرية التعبير والإختلاف” فهذه الديمقراطية هي ترتيب عقلاني لشؤون المجتمع. ويتجلى حق الإختلاف في الحقل النقابي في احترام الرأي والرأي الآخر.
إن الواقع النقابي أظهر في كثير من الأحيان تجاوز القيادات النقابية لمبادئ الديمقراطية واستبدالها بقوانين التعيين للمناضلين الأوفياء لخطها النضالي.
à تحكيم شخصية الزعيم: إن غياب الديمقراطية في جل النقابات المهنية في المغرب مرجعه بالأسباب إلى تحكم وتسلط الزعماء النقابيين وعدم إشراكهم للقواعد العمالية في اتخاذ القرارات الهامة وفي تسيير الشؤون النقابية التي يعتبرون أنفسهم أوصياء عليها.
à التمركز النقابي:نجد أيضا من بين العوامل الذاتية التي تعوق العمل النقابي بالمغرب ظاهرة التمركز النقابي، إذ أن جل الاتحادات النقابية.والجامعات الوطنية تتمركز أنشطتها ومراكزها بمحور الدارالبيضاء، الرباط، القنيطرة، مما يؤدي إلى ابتعاد القيادة النقابية الوطنية عن انشغالات المكاتب والفروع النقابية في المدن والقرى النائية ويحول دون متابعة دقيقة وآنية لمشاكلهم ولإهتماماتهم كما يشجع القيادات المحلية ( الكتاب العامون للفرع) على التصرف وفق أهوائهم وميولاتهم الشخصية.
إضافة إلى العوامل الذاتية هناك أسباب موضوعية تعرقل العمل النقابي وهي راجعة بالأساس إلى الظروف الإقتصادية والإجتماعية العامة التي تشتغل في إطارها النقابات المهنية:
العوامل الموضوعية،
Å افتقاد جل النقابات المهنية للإستقلالية:ويتجلى ذلك في تبعية أغلب النقابات المهنية للأحزاب السياسية، فالإتحاد المغربي للشغل باعتباره أول نقابة مغربية نشأ في رحم الحركة الوطنية داخل حزب الإستقلال بأجنحتها العمالية، السياسية والعسكرية.
وعادة ما يفهم الإستقلال النقابي كمجرد استقلال تنظيمي وهذا جانب مهم لا يستهان به إذ لا يمكننا الحديث عن الإستقلال إذا كانت المنظمة النقابية خاضعة من الناحية التنظيمية لقرارات تملي عليها من جهة أخرى، ولكن مفهوم الإستقلالية هو أشمل من مجرد ذلك ويتعدى المستوى التنظيمي ليرقى إلى مستوى استقلال العمال في اتخاذ القرارات التي تهمهم في تحديد خطهم النضالي وفي المشاركة في التسيير الديمقراطي للمنظمة النقابية وانتخاب أجهزتها المسيرة.
Åالتعدد النقابي وتأثيره السلبي: إن الأخذ بمبدأ التعدد النقابي له أهميته وإيجابياته المتمثلة في ضمان حرية اختيار العمال للنقابات التي يرغبون في الإنضمام إليها وتجنب كل مظاهر البيروقراطية والإنتهازية، وإعطاء الفرصة للنقابات للتنافس على تأطير العمال وتمثيلهم وخدمة مصالحهم لم يسعف الحركة النقابية العمالية بالمغرب للخروج من تشتتها وانقسامها كما تشكل عائقا في وجه قيام وحدة حقيقية بين المركزيات النقابية وحال دون الوصول إلى تقديم لائحة أدنى من المطالب المتفق عليها والعمل بتعاون من أجل تحقيقها وفرضها على أرباب العمل الذين يتذرعون بالتشتت النقابي وعدم تبني رأي موحد للإفلات من تطبيق بنود قانون الشغل.
Å ضغط الظروف الإقتصادية والإجتماعية وإكراهات العولمة على العمل النقابي: أصبحت النقابات العالمية مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى تكثيف جهودها وعملها، وذلك لمواجهة سياسة التقويم الهيكلي المفروض على المغرب من طرف الممولين الدوليين ( صندوق النقد الدولي…) وما نتج عنها من تحجيم لدور الدولة الإقتصادي والإجتماعي ومن تراجع ملحوظ من مستوى الخدمات الإجتماعية (الصحة والتعليم والشغل والسكن) . وحتى تنجح النقابات العمالية في تخطي هذه التحديات، عليها العمل على زيادة فعالية دورها الإقتصادي والإستفادة من تجارب الحركات النقابية العمالية وتجاوز مستوى النضال النقابي المطلبي الضيق والمباشر للحفاظ على المكتسبات والحقوق الإجتماعية إلى تأهيل قوى الإنتاج والمشاركة في عملية الدفع بعملية النمو الإقتصادي داخل المقاولة والعمل على إنقاض المؤسسات التي تعيش أوضاع اقتصادية ومالية صعبة والحفاظ على فرص الشغل الموجودة.