موقف قضاء محكمة النقض حول مدى حجية حوالة الاحباس في إثبات ملكية العقارات الوقفية – الأستاذ: الزكراوي محمد
الأستاذ: الزكراوي محمد
باحث في الشؤون القانونية و الإدارية
موقف قضاء محكمة النقض
حول
مدى حجية حوالة الاحباس في إثبات ملكية العقارات الوقفية
تقديم:
تتنوع الأصول العقارية الوقفية، التي تشرف على تسييرها وتدبيرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من رصيد فلاحي يتكون من أراضي فلاحية ومقالع تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 85 ألف هكتار، وأشجار مثمرة وغابوية وحقوق مائية، ومن الأملاك ذات العائد المكونة من محلات سكنية وتجارية وحرفية إلى جانب أملاك مثقلة بالمنافع وأراضي عارية بالمدارات الحضرية، بالإضافة إلى المقابر والأماكن التي تقام فيها الشعائر الدينية من مساجد وزوايا وأضرحة، ونظرا لأهمية أملاك الوقف الإسلامي و ما يصاحبها من إشكالات قانونية و عملية متعلقة بتدبير الأملاك الوقفية،و التي تتجلى في تنامي ظاهرة الترامي على الأملاك الوقفية بما في ذلك الاعتداء المادين وبطء وتيرة تصفية الوضعية القانونية للرصيد العقاري الحبسي بسبب كثرة النزاعات المعروضة على المحاكم وبطء وتيرة تحفيظها، خصوصا في ظل بنية عقارية مركبة ومعقدة ناتجة عن تداخل مجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، نتج عنها تنوع في الأنظمة القانونية المؤطرة للعقار، مما أفرز بدوره جملة من الإكراهات والاختلالات والقيود التي تعيق تصفية الوضعية القانونية والمادية للعقار الوقفي وتنظيم تداوله واستعماله، ويتعلق الأمر بجملة من الاختلالات والإكراهات ذات الطابع الأفقي، فضلا عن بعض الاختلالات التي تميز الأنظمة الخاصة المكونة للبنية العقارية بالمغرب،
هذه الوضعية المتأزمة التي يعاني منها الملك العقاري الوقفي، دفعت بالمشرع المغربي إلى تجميع الأحكام الفقهية المتناثرة للوقف بهدف حسم التضارب في أموره المختلفة وإعادة تنظيم أحكامه القانونية شكلا ومضمونا، بما يراعي خصوصية الوقف واستقلاليته المستمدة من طابعه الإسلامي الخالص، ومن أحكام الفقه الإسلامي.
ولعل إبراز القيمة الثبوتية لحوالات الاحباس كدليل موضوعي لإثبات حجية العقارات الوقفية، يعد من جملة المشاكل التي يطرحها موضوع حماية الأملاك الوقفية، والتي اخترنا في مقالنا هذا التطرق إليها من أجل إغناء النقاش الفكري حول الإشكاليات التي تعترض منظومة الأملاك العقار لوقفية ، ومن هذا المنطلق نتساءل إلى أي مدى يمكن العمل بتطبيقات الحوالات الحبسية واعتمادها كحجة حاسمة في المنازعات القائمة بين وزارة الأوقاف و الخواص، و من جهة أخرى في مواجهة دعاوي الاستحقاق المرفوعة من طرف الإدارات و المؤسسات العمومية في مواجهة نظارات الأوقاف ؟، و هل حجية الحوالات الحبسية قاصرة على ما هو معلوم و محدد من العقارات المنقولة و الثابتة، أم أنها تشمل أيضا كل ما من العقارات حتى و إن لم تحدد معالمها في صحف الحوالات الحبسية ؟، خصوصا و أن العمل القضائي عرف تباينا في المواقف بخصوص هذه النقطة؟
تلكم أسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال ابرز مستجدات قرارات محكمة النقض، و التي في رأينا أرست توجها جديدا في هذا الشأن، أسهمت من خلاله في حل إشكالية القيمة الثبوتية لوثيقة حوالات الاحباس، و بالتالي تكون قد أنهت ورفعت الغموض و الالتباس الذي كان يحوم حول هذا الموضوع.
الفقرة الأولى: ماهية الحوالات الحبسية و دواعي إنشائها
قبل التطرق إلى موضوع القيمة التبوتية لحوالة الاحباس و الإجابة عن مختلف الإشكاليات التي تطرحها كوثيقة إثبات لا بأس و أن نقوم بتعريف الحوالة الحبسية و السياق التاريخي لها وهكذا،سميت بالحوالات، لأنها حولت إليها وثائق فردية، وضمت إلى ديوان شامل لها، أو لعلها آتية من الحول، بمعنى العام، لملاحظة أنها تتجدد في كل سنة في أكثر الظروف التي مرت بها الأوقاف، كما أنها تعرض باستمرار للمراجعات والمتابعات، الأمر الذي يدل على اشتقاقها من الحول أو من التحويل، لأن وثائق التحبيس تحول وتنقل إلى هذه السجلات، وفي هذا يقول ألأستاذ الجليل الباحث سيدي سعيد أعراب: “وتعرف اليوم بالحوالات الحبسية، لأن وثائق التحبيس حولت ونقلت إليها، وكان كلما تجمعت أملاك وأوقاف دونها القاضي بنفسه، أو أمر بعض العدول البارزين لديه بتدوينها”
و يبقى أهم إجراء أقدم عليه بعض السلاطين العلويين، سعيا منهم في ضبط ممتلكات الأحباس والتغلب على ما يقع فيها من مشاكل هو إنشاء الحوالات الحبسية، فقد عمل المولى إسماعيل على إنشاء حوالة سماها “حوالة أحباس فاس العليا” لما لاحظ أن أوقاف مساجد هذا الأفق قد عطلت مشاهدها ومعاهدها وسدت عن القيام بحقوقها مصائرها وعين الفقيه السيد أبا عبد االله سيدي محمد بن سيدي الكاتب ليقوم بضبط مواردها و جميع ممتلكات أحباس فاس وتسجيلها في الحوالة المذكورة ”
و قد أدت هذه العملية إلى ضبط ممتلكات الوقفية من غير مرافعة مرافع أو لمزه، وتتلخص أسباب إنشاء الحوالة الإسماعيلية في رغبة المولى إسماعيل في محاربة الفساد وجلب المصالح وتصحيح المعاملات ، كما حرص المولى عبد الرحمان بن هشام على حل مشاكل الأحباس وحماية ممتلكاتها فأنشأ حوالة جديدة بتاريخ أوائل رجب عام 1245هـ/1829م سماها بـ”الحوالة العبد الرحمانية” جمع فيها ما كان مسجلا بالحوالات الحبسية السابقة كإجراء احترازي لما يمكن أن يعترض الأحباس “من التلف والاختلاس والالتباس بأملاك الناس سيما مع طول الزمان وضعف الأمان، وخصوصا أحباس فاس وكلف السيد علال بن إدريس ناظر أحباس فاس بأن يسجل ويضبط جميع ممتلكات أحباس فاس لئلا تقع غفلة وذهول فقيد منها ما نشأ وترخ وشرد وصحح وضمها في ديوان مع مزيد بيان وإتقان ورتب المساجد ترتيبا مناسبا وللإصغاء جالبا وكاسبا ونبه على ما فيها من كتب وكراسي وخرب وما إلى غير ذلك مما يناسب وذكره أولا على الخربة منها أو دخولها في العرص والأجنات الزيات الدوح والزنجفور وعبر مساحاتها خوف ضياعها أو ضياع شيء منها باندثارها أو غرسها وعلى المكاتب المعدة لتعليم الصبيان وعلى السوامر التي توقد ليلا بالحجاب وما عليه وقف من ذلك وما لا حسبما بين بالترجمة الأخيرة من هذه الحوالة… ولا شك إن إنشاء الحوالات الحبسية يشبه حاليا مصلحة تصحيح الإمضاءات والمصادقة عليها التي تعطي الصبغة القانونية للوثائق وتحميها من التزوير، مهما طالت الفترة الزمنية، خاصة وأن كل وثيقة من وثائق الحوالات تحمل اسمي القاضي والناظر وتوقيعيهما، وأسماء وتوقيعات شاهدين وعدلين على الأقل، وتحدد الموضوع وتاريخ ومكان التوثيق. كما تشبه الحوالة الحبسية حاليا مصلحة المحافظة العقارية التي تضبط ممتلكات المواطنين والأملاك المخزنية (ممتلكات الدولة) بأسمائها وأماكنها وأنواعها ومالكيها. ومما يزيد من أهمية الوثيقة الحبسية ومصداقيتها هو حصول ذوي الحقوق على نسخ موقعة من طرف القاضي والناظر مطابقة للأصل الموجود في الحوالة الحبسية.
الفقرة الثانية : الحماية القانونية المقرر لفائدة الأوقاف على ممتلكاتها
يتميزا لنظام العقاري المغربي يتميز بتنوع هياكله، فإلى جانب الملكية الخاصة التي تشكل حوالي 75 في المائة من الوعاء العقاري الوطني، هناك أملاك الدولة العامة والملك الخاص للدولة، والملك الغابوي، وأملاك الجماعات الترابية، والأراضي السلالية، وأراضي الجيش، والأملاك الوقفية، ونظرا لأهمية ومكانة الملك الوقفي في المنظومة العقارية بالمغرب، عمل المشرع من خلال إصدار تشريعات و ترسانات قانونية على حماية العقارات الوقفية راميا من خلالها التصدي لكل اعتداء على الملك العقاري الحبسي، حيث اقر للأوقاف الدفاع عن ممتلكاتها بشتى السبل الهادفة إلى تحقيق امن عقاري لممتلكاتها بما فيها توسيع نطاق وسائل الإثبات في المنازعات الوقفية أمام القضاء، وفي هذا الصدد ، وعملا على تعزيز منظومة الأمن العقاري الوقفي، وتحصين الملكية العقارية التابعة لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، والرفع من قيمتها الاقتصادية والائتمانية، يعمل المشرع المغربي جاهدا على مضاعفة كل الجهود المبذولة، من أجل بسط حماية قانونية لأملاك الوقف، وذلك بالرفع من وتيرة التحفيظ العقاري لها في أفق تعميمه على كافة التراب الوطني بغية ضبط البنية العقارية الوقفية، وتأمين استقرارها وتداولها، و نظرا لأهمية العقارات الحبسية ودورها في التنمية في شتى مناحي الحياة، تسعى الوزارة الوصية على الأملاك الوقفية إلى تكوين رصيد وثائقي للأصول الوقفية عن طريق تجميع وتصنيف وحفظ كافة الوثائق والمستندات المثبتة لحبسية العقارات الوقفية مع إمكانية الرجوع إليها وقت الحاجة، وفي هذا السياق و تفعيلا لعمليات جرد ممتلكات الأوقاف وحمايتها، وجهت الوزارة مذكرة تحت رقم 77 بتاريخ 30 مارس 2018، تضمنت توجيهات للقيام بحملة واسعة لجمع الحوالات الحبسية ورسوم التحبيس، والرسوم العقارية والعقود والوثائق والمستندات المثبتة للملكية أو تحويلها، المتعلقة بالعقارات الوقفية أو الحقوق العينية المقررة لفائدة الأوقاف، وتصنيفها وترتيبها، وحفظها في مقر النظارة، وإخبار الوزارة بنتائج هذا الجرد العام بمجرد إتمامه. وتهم المعلومات المطلوبة: نوع الوثيقة، ومضمونها، مراجعها التوثيقية ،مكان وتاريخ التسجيل، رقم الحفظ، حالتها المادية، عدد الأملاك المضمنة، كما تحرص الأوقاف على ضبط حدود ممتلكاتها بدقة حتى لا تختلط بممتلكات المواطنين فيقومون برفع دعاوى ضد مؤسسة الأحباس، وحتى يتم قطع الطريق على كل مستفيد يروم الترامي على ما يجاوره من ممتلكات تابعة للأوقاف. وبدورها أكدت على أهمية تحديد ممتلكات الأحباس حماية لها. فقد ورد في النوازل الكبرى أن ابن رشد أكد أن المستفيد من الحبس لا يجب أن يسأل عما بيده إلا بعد أن يثبت القائم بالتحبيس ملك المحبس، كما أن ابن الحاج أفتى أنه “لا تصح وأضاف البرزلي أنه يجب أن تكون حيازة الأملاك بالحبس إذا كانت ليست محدودة أن تكون موصوفة في عقد الحبس بشهود الأصل.
وفي هذا الإطار، وحرصا من المشرع المغربي على ضمان صيرورة الأمن العقاري الوقفي وتحصينه من كل ترام وضياع، من خلال تفعيل مقتضيات المادة 54 من مدونة الأوقاف التي إستثنى الأملاك الوقفية من الخضوع للحجية المطلقة التي يكتسبها الرسم العقاري المؤسس في اسم الغير، مستفيدة في ذلك من بعض المبادئ التي تم إقرارها قضائيا، ولاسيما مبدأ التيسير في إثبات الوقف بالاعتماد على كل وسائل الإثبات المسموح بها، إلا انه و بالرغم من المجهودات المبذولة في هذا الصدد، فإنه لا زالت هناك مجموعة من الاكراهات تحول دونما بلوغ النتائج المطلوبة، و التي نجد من بينها استمرار حالات الاعتداء المادي للإدارة على أملاك الخواص، مما يشكل مساسا بحق الملكية المضمون بمقتضى الدستور، إلى جانب تعدد الأنظمة العقارية المختلفة، و تعقد النظم القانونية والمساطر المتبعة، مما نتج عنه تعثر تصفية الوضعية القانونية للأوعية العقارية، نجم عنها تعدد المنازعات القائمة بين الأفراد والإدارات ،أو بين الإدارات الوصية فيما بينها كل ذلك بسبب ضعف فعالية تدبير العقارات التابعة لها، بالإضافة إلى سوء تدبير النزاعات العقارية، وغياب قضاء متخصص للبت في النزاعات العقارية، الأمر الذي يؤدي إلى طول أمد البت في القضايا العقارية. ضعف تكوين الموارد البشرية العاملة في قطاع العقار.
الفقرة الثالتة : حدود حجية الحوالات الحبسية واشكالتها
اعتبارا لمـا يمثلـه موضـوع الإثبـات في دعـاوى الوقـف مـن ضـرورة وخطـورة في نفـس الوقـت خاصـة أمـام تنـامي ظـاهرة الاستيلاء علـى عقـارات الأوقـاف وقـدم الوثائق الـتي تثبـت حبسـيتها، وتغيـير موقـف القضـاء مـن الوثائق المعتمدة والحجج، وعـدم استقرار الأحكـام القضائية الصادرة بشأنها، خصوصا و أن جزء مهما من الوثائق المستدل بها في المنازعات الوقفية لا يمكن استغلالها، إما لأنها صعبة القراءة أو مجهولة المصدر أو لكونها غير مصنفة وغير منظمة، إلى جانب الغموض الذي يطال العديد من الوصايا إما لعدم الالتزام بما اشترطه المحبس في وصيته، مما يخلق نوعا من لالتباس و الإبهام بسبب عدم ذكر الجهة المحبسة أو لعدم تحديد حدود الأملاك المحبسة، أو التحبيس على وجه المحبس عليها أو تراجع المحبس عن وصيته أو شك الورثة في صحة المحبس وقت تحبيسه لظرف معينة،و حيث تكتسي مختلف الوثائق التي تعرف بحقوق الملكية أو الحقوق العينية المقررة لفائدة الأوقاف أهمية بالغة، إذ تعتبر المرجع الأساسي للإثبات في مواجهة الغير فانه يكون ناقصا عن درجة الاعتبار الوثائق التي لا تتوفر فيها الشروط المتطلبة شرعا لإثبات الحبس، لاسيما ذكر اسم وموقع الشيء المحبس وحدوده لنفي الجهالة عنهن لذلك نرى من وجهة نظرنا في الموضوع أن الحوالة الحبسية تكون دليل على الحبس إذا لم يوجد ما يعارضها حيث تبقى مجرد وثيقة مضمنة بها تقيدات منجزة من طرف إدارة الأوقاف، و بالتالي لا يؤخذ بها كوثيقة ودليل على إثبات الصبغة الوقفية، فالأصل أنها غير مقبولة، إلا إذا كانت مستوفية للشروط الشرعية، كما انه وفي كثيرا من الحالات نجد أن بيانات صك الحوالة قديم جدا وغير معروفة في الوقت الحالي كما تتضمن في حالات كثيرة تعداد للعديد من حوانيت ودور و قطع أرضية بغير تحديد لهذه الأراضي مساحة و حدودا هذا مع إشارة بعض الحوالات نفسها إلى استثناء أراضي الخواص داخل هذه الحدود ،بالإضافة إلى إن معظم التصاميم المدلى بها من طرف الأوقاف، تشمل و تستغرق العقارات التي تدعي ملكيتها تبقى مجرد و وثيقة من صنعها و دون حجية قانونية في الإثبات خاصة و أنها تشمل مساحات شاسعة تغطي جميع المجال الجغرافي بمكوناته التضاريسية و الايكولوجية و فضائه و مؤسسات الدولة و مرافقها و جميع أملاك الخواص المحفظة و الغير المحفظة و كافة الأراضي المشمولة بمشاريع الضم كما أن استدلال الأوقاف في بعض الحالات بوصولات الكراء كوسائل للإثبات نراه في اعتقادنا أمر غير مقبول لانتفاء شروط أركان عقد الكراء ولكونها لا تحدد العقارات موضوع الكراء تحديدا واضحا من حيث الحدود و المساحة .
وعليه فحوالة الأحباس يعمل بها كوسيلة إثبات الوقف وصيانته في الكنانيش الموجودة لدى نظارات الأوقاف، متى ثبت التحبيس وحيازته ولم يوجد في الملف ما هو أثبت منه،، كما أنها لا تعتبر حجة إثبات مادامت لا تفيد أن المحبس عليه قد حاز الشيء المحبس عليه، أو أن الملك المحبس ليس تحت يد المحبس عليهم ولا إدارة الأوقاف،
كما أن مدونة الأوقاف نفسها حسمت الموضوع و أنهت دابر الخلاف حينما نصت في المادة 48 على انه ” يمكن إثبات الوقف بجميع وسائل الإثبات،و تعتبر الحوالات الحبسية حجة على أن الأملاك المضمنة بها موقوفة إلى أن يثبت العكس”
أما فيما يخص حجية رسم الإحصاء فقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 15 يناير 2013 ،ملف مدني عدد 152/1/8/2012 على ان حجيته تنحصر على مقدمه فقط ولا تتعداها إلى غيره، فكما هو معلوم بأن رسم الإحصاء لا ينزع به الملك المتنازع فيه من يد حائزه والذي يحوزه بيقين، ولا ينزع منه إلا بيقين كما هو مستقر عليه فقها وقضاء إذ لا يجوز للشخص أن يقيم حجة على نفسه.
وختاما، فإذا كان من الممكن إثبات الوقف بجميع وسائل الإثبات. و اعتبار أن الأملاك المضمنة موقوفة فان رهين بعدم وجود ما يثبت العكس كما لا ينتج الإقرار على الوقف أي أثر في مواجهته
الفقرة الرابعة : منازعات حجية حوالات الاحباس على ضوء توجهات محكمة النقض
بعد أن قمنا بتعريف الحوالات ونشأتها وبداية التدوين فيها، يتعين علينا أن نعرف أيضا حجيتها، بمعنى، هل يمكن اعتبار هذه الدواوين حجة قانونية وشرعية يعمل بها أمام المحاكم تقضى بها الحقوق، وتمنحها لصبغة القانونية والشرعية ويجري بها العمل؟
فلا شك أن الحبس لا يثبت لمدعيه إلا ظهار رسم التحبيس المتوفر على شروط الحبس من ملكية المحبس لما حبسه يوم التحبيس والحيازة على ما تصح به الحيازة، لذلك فإنه لا يكفي في الاستحقاق الاستدلال لحبس دون اشتمال رسمه على شروط الملك لاحتمال تحبيس ملك الغير، إذ لا يقضى للقائم لحبس إلا بعد إثبات التحبيس، لاحتمال أن يكون حبس غير ملكه، فإثبات ملكية المحبس لما حبسه شرط لاستحقاق الحبس، ويتم الإشهاد عليه في رسم الحبس على اعتبار أن الإشهاد شرط لازم في التبرعات، وفي كل ما كان بعوض، وقد سبق للمجلس الأعلى في هذا السياق أن شدد على ضرورة أن تتوفر في وثيقة الحبس البيات المتطلبة شرعا لإثبات الحبس ولا سيما اسم وموقع وحدود العقار المحبس، حيث جاء في قرار صادر عنه بتاريخ 20 سبتمبر 2011 مايلي :” يكون ناقصا عن درجة الاعتبار رسم إثبات الحبس ورسم إحصاء المتروك، ورسم التقويم الذي لا تتوفر فيه الشروط المتطلبة شرعا لإثبات الحبس، لاسيما ذكر إسم وموقع الشيء المحبس وحدوده لنفي الجهالة عنه،
وفي موضوع القيمة الثبوتية لحوالة الاحباس كوثيقة استذلال أمام المحاكم، فقد قضت محكمة النقض في قرارها عدد 18/1 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ملف عدد 2631/1/1/2012 الصادر بتاريخ 15 يناير 2013 باستبعاد الحوالة الحبسية التي اعتمدتها الطاعنة لخلوها من تحديد وعاء العقار المحبس تحديدا نافيا للجهالة واعتبرا مجرد تقييد لا يثبت استحقاق التحبيس، ولا تنتزع الأرض ممن هي بيده بسببها لفقدها الشروط المعتبرة شرعا، بحيث أنها لا تحدد العقار موضوع التحبيس من حيث الحدود على الأقل حتى يمكن للمحكمة أن تعمل على إجراء التحقيق والتأكد مما إذا كان العقار موضوع مطلب التحفيظ يندرج ضمنها أم لا.وهو نفس الموقف الذي كرسته من خلال قرار ها رقم539/1 المؤرخ في 01/12/2020 ملف عدد 6090/1/1/2018 جاء فيه :
ردا على الوسائل مجتمعة لتداخلها فانه لا مجال للاحتجاج بأحكام المادة 261 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أن الأملاك المحبس لا تكتسب بالحيازة طالما أن الطاعنة لم يتبين أن المدعى فيه ملك محبس، ولما للمحكمة من سلطة تقديرية في تقييم الأدلة المعروضة عليها وكذا الأبحاث التي تقوم بها و استخلاص قضائها منها فإنها حينما عللت قراراها بأنه أذا كانت حوالة الحبس حجة للوقف ما لم بنبت ما يخالفها طبقا لمقتضيات المادة 48 من مدونة الأوقاف فان ذلك مرهون بالحوالة التي تحدد العقار تحديدا يرفع عنه الجهالة اسما و موقعا و حدودا، وهو نفس التوجه الذي تم تكريسه أيضا بموجب قرار عدد 5839 صادر عن محكمة النقض ملف عدد 459/8/2012 جاء فيه ما يلي : ” حوالة الأحباس يعمل ا كوسيلة إثبات الوقف وصيانته في الكنانيش الموجودة بالنظارات متى ثبت التحبيس وحيازته ولم يوجد في الملف ما هو أثبت منه، وأنه كما يحتاط للحبس أن لا يدخل ما ليس منه، يحتاط أيضا أن لا يضيع منه شيئ
…………………………………………………………………………………………
المراجع”
- اسماعيل الرضوع : ، إثبات الصبغة الوقفية على ضوء العمل القضائي
- عبد الرزاق اصبيحي: العقارات الحبسية ونزع الملكية العامة
- موقع :
- https://www.habous.gov.ma
- قرار عدد 5839 صادر عن محكمة النقض ملف عدد 459/8/2012
- قرار محكمة النقض رقم539/1 المؤرخ في 01/12/2020 عدد 6090/1/1/2018
- محكمة النقض قرار عدد 18/1 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ملف عدد 2631/1/1/2012 الصادر بتاريخ 15 يناير 2013
- قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 15 يناير 2013 ،ملف مدني عدد 152/1/8/2012