– “نحو تخليق الممارسة الإعلامية في الظروف الراهنة” – المؤسسات الدستورية خط أحمر- من طرف الأستاذ الدكتور بوشعيب أوعبي استاذ العلوم السياسية بالكلية -تقرير حول أشغال المحاضرة العلمية التي نظمتها كلية الشريعة بفاس
تعتبر جامعة سيدي محمد بن عبد الله في مقدمة المؤسسات الجامعية التي تهتم بالقضايا الوطنية والدولية، إيمانا منها بانخراط الجامعة في خدمة الوطن والدفاع عن مقدساته ، وعلى رأسها السيد رئيس الجامعة الدكتور رضوان المرابط الذي أبى إلا أن تكون جامعة سيدي محمد بن عبد الله في مقدمة الجامعات المجندة في الدفاع عن رمز السيادة الوطنية جلالة الملك نصره الله ، وهو ما يتمثل في استنكار جامعة سيدي محمد بن عبد الله بكل مكوناتها للمحتوى المنحط و اللاأخلاقي الذي بثته إحدى القنوات الرسمية الجزائرية الذي حاولت فيه الإساءة لرمز السيادة المغربية جلالة الملك محمد السادس نصره الله
وتبعا لهذا البلاغ وكرد على الممارسات الإعلامية الجزائرية الهزيلة التي لم تراع الأعراف والتقاليد الاتفاقات الدولية والقوانين المهنية ، نظمت كلية الشريعة التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس محاضرة علمية بتنسيق مع مركز الدكتوراه ومختبر العلوم الشرعية والقانونية وقضايا العصر – التأصيل والتنزيل بتاريخ 19 فبراير 2021 تحت عنوان ” نحو تخليق الممارسة الإعلامية في الظروف الراهنة – المؤسسات الدستورية خط أحمر- “ والتي ألقاها فضيلة الدكتور بوشعيب أوعبي أستاذ القانون العام بالكلية
وقد تميزت هذه المحاضرة العلمية الجادة بالحضور اللافت بالمهتمين بالموضوع (أساتذة جامعيين ورجال القانون وطلبة باحثين…) تابعوها بإمعان و إنصات وتفاعل كبير خصوصا وإنها تهتم بأهم قضية وهي قضية الإعلام ومدى احتكامه لميثاق الأخلاقيات في تقديم المادة الإعلامية .
استهلت أشغال المحاضرة بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها الدكتور محمد الفروني وهو أستاذ بكلية الشريعة وبعدها ترأس لقاء المحاضرة السيد عميد كلية الشريعة بفاس الدكتور عبد المالك أعويش ، الذي افتتح المحاضرة العلمية بدعوة الحضور الكريم إلى تلبية نداء الوطن بحيث تم الوقوف لتلاوة النشيد الوطني جماعة بروح وطنية عالية وبعدها عرف السيد العميد بالسياق الذي نظمت من أجله هذه المحاضرة العلمية المتميزة ومدى اهتمام كلية الشريعة بالقضايا الوطنية وتفاعلها الايجابي مع كل المستجدات الوطنية والدولية ، خدمة للوطن والدفاع عن مقدساته و توابثه الوطنية ، معرجا على دور الإعلام في التأثير على المجتمع ، مشيرا إلى أنه إذا كان الإعلام يوصف بالسلطة الرابعة ، فان درجة تأثيره ومدى خطورته في قلب الحقائق وتوجيه العامة أصبح يحتل السلطة الأولى في المشهد العام بين باقي السلط .
و أشار السيد عميد الكلية إلى ضرورة الإخلاص في الكلمة طالما أن هذه الأخيرة هي المادة الخام في الممارسة الإعلامية ، وأن لا وجود للإعلام دون كلمة ، ومن تم فإن الصدق والتقيد بالضوابط الأخلاقية في الكلمة يعزز الخبر و يغذي الإعلام بطعم اليقين ويجعله بناءا وفعالا في خدمة الإنسان والمجتمع .
و تفضل الأستاذ إدريس الخرشافي مدير مختبرا لعلوم الشرعية والقانونية وقضايا العصر بكلمته ، والتي تبلورت حول قضية الإعلام والأخلاق كما أشار إلى مسؤولية الكلمة في الدين والدنيا مع التأصيل القرآني لدور الكلمة في بناء الحضارة والإنسان ، كما نوه الأستاذ الدكتور بقدسية الخبر ومدى تأثير الإعلام على صناعة الأجيال وهو الشيء الذي ينبغي أن يتقيد به الإعلام في أداء رسالته .
وقد أسندت الكلمة للأستاذ المحاضر الدكتور بوشعيب أعبي الخبير في العلوم القانونية والسياسية والإعلام وعضو بالهيئة العليا للسمعي البصري سابقا ، وقد تمحورت محاضرة الدكتور حول المقارنة بين بنية الإعلام المغربي وتطوره وسمو أخلاقه واحتكامه لميثاق الأخلاقيات واستقلاليته في أداء رسالته النبيلة ، كما تطرق إلى الإطار التشريعي المنظم للإعلام بالمغرب وأهدافه النبيلة والسامية ، والذي يجعل منه إعلاما نزيها مستقلا يتماشى مع الضوابط الأخلاقية والقانونية المعمول بها لدى الدول المتقدمة .
وفي المقابل تحدث الأستاذ المحاضر عن أزمة الأخلاق والقانون لدى الإعلام الجزائري والفوضى ، التي تخبط فيها الناتجة عن غياب الحوكمة و تغول ضغوط النظام العسكري الجزائري على الإعلام بالجزائر وعدم استقلاليته في أداء رسالته
وعموما يمكن تقسيم محاضرة الدكتور والخبير في العلوم القانونية والسياسية إلى محورين على الشكل التالي :
المحور الأول : التنظيم القانوني الفعال والمتميز للاعلام المغربي كرد على فوضى الاعلام الجزائري .
المحور الثاني: أزمة أخلاقيات المهنة لدى الإعلام الجزائري وعدم استقلاليته .
المحور الأول : التنظيم القانوني الفعال والمتميز للاعلام المغربي كرد على فوضى الاعلام الجزائري
وفي هذا الإطار تحدث الأستاذ الدكتور بوشعيب أوعبي الخبير في القانون والإعلام في موضع محاضرته عن الإعلام المغربي معرفا به ، بحيث أشار إلى أنه يعرف تنظيما قانونيا متميزا يتماشى مع الرسالة النبيلة في أداء مهمته وقد توج هذا التنظيم القانوني الجاد مع دستور المملكة المغربية لسنة 2011، بحيث عرف تطورا متميزا على الصعيد الوطني والدولي وترسانة قوية تعكس الأمن القانوني في مجال الإعلام والاتصال ، ومن أهم القوانين المؤطرة للإعلام بالمغرب حسب الدكتور المحاضر نجد القانون رقم 83.13 القاضي بتتميم القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري والذي كان بمثابة بنية قانونية مهمة تكرس الأمن القانوني في مجال الإعلام بحيث أن مزاولة مهنة الإعلام ينبغي تتم وفق الشروط المنصوص عليها وفق هذا القانون بالإضافة إلى القواعد الأخلاقية والتي لا غنى عنها في أداء رسالة الإعلام وفق المادة الثانية من القانون77.03 كما أشار الخبير القانوني إلى أن الترسانة القانونية في مجال الإعلام جد متطورة تعكس الرقابة الثلاثية قبل وأثناء وبعد تقديم المادة الإعلامية ، ومن بين القوانين ذات الصلة والتي أشار إليها المحاضر :
– القانون 11.12 المتعلق بإعادة تنظيم الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ، والذي يتضمن سلطة رقابية جد صارمة للممارسات الإعلامية التي من شأنها عدم احترام الضوابط الأخلاقية والقانونية ، كما أنها تحرص على احترام حقوق الإنسان بمختلف تجلياتها وكذا الأخلاقيات والآداب العامة .
– ميثاق الأخلاق المنظم للممارسة الإعلامية الصادر عن المجلس الوطني للصحافة والذي يكون نابعا من الإعلاميين أنفسهم وتبقى الحاجة إلى هذا الميثاق بحسب الدكتور المحاضر كيثاق يحتكم إليه و دليل يعبر عن مستوى الإعلاميين ببلادنا
ويهدف هذا الميثاق إلى وجود إعلام مسؤول و مستقل ويرفع من مستوى الممارسة الإعلامية وفي الأخير يصيبح مرشدا للإعلاميين الجدد
ويتضمن هذا الميثاق ثلاثة محاور أساسية :
احترام الحقوق والحريات – الأخلاقيات في التعامل المهني – أخلاقيات تجاه الغير
– القانون 16.66 المغير والمتمم بموجبه القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري
– دفتر التحملات لسنة 2012 للقنوات العمومية والتي ينبغي إن تخضع لقواعد وأحكام القانونية في المواد الإعلامية المقدمة للجمهور وكذا دفتر تحملات الخدمات السمعية البصرية الخاصة .
وللإعلام عدة وظائف يمكن تلخيصها طبقا للفصل 46 من قانون77.03 الاتصال السمعي البصري ، في كونه إعلام إخبار وتثقيف و تربية وتكوين و ترفيه
كما أن الإعلام المغربي يقوم بخدمة عمومية ، إي انه يحرص على خدمة المجتمع والتفاعل مع قضاياه الوطنية والدولية لان مؤسسة الإعلام لا تقل أهمية عن باقي المؤسسات العمومية في خدمة المجتمع
المحور الثاني: أزمة أخلاقيات المهنة لدى الإعلام الجزائري وعدم استقلاليته
وفي هذا الصدد تحدث المحاضر على أن ما أقدم إليه الإعلام الجزائري هو نتيجة غياب حوكمة مجال الإعلام و وجود أزمة أخلاقية وقانونية جعلته غير قادر على لعب أدواره وتحقيق أهدافه ونقل هموم وقضايا الشعب الجزائري ، مما أدى بالجمهور الجزائري إلى هجر القنوات الجزائرية والبحث عن قنوات أجنبية ، لأنه لا يقدم أية صورة عن الجزائر ولا للرأي العام الدولي لجلب الأجانب وتشجيع السياحة ، فهو في عجز تام عن تقديم أية معالم أو ثقافة عن الدولة الجزائرية.
وفي المقابل يقوم الإعلام الجزائري بمهمة التشهير وخرق الأخلاقيات الممارسة الإعلامية ومن ابرز القنوات الحاقدة وأكثر هزلا نجد قناة الشروق الجزائرية التابعة لتعليمات الجيش العسكري ومسخرة من طرفه خدمة لمصالحه .
ويمكن إجمال الإختلالات و الإنزلاقات الأخيرة الصادرة عن قناة الشروق العسكرية الجزائرية الإساءة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله و المس بالصحراء المغربية و مجموعة من الكذب والبهتان في حق الشعب المغربي .
ومرد هذه السلوكيات المنحطة إلى الإنجازات الساطعة والنهضة التنموية التي باشرها المغرب في عدة مجالات بالقيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، وخاصة الإنجازات المتوالية الأخيرة التي حققها المغرب في صحرائه ، ومنها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه المغربية ، وافتتاح عدة قنصليات لعدة دول في مدن الصحراء المغربية وتسهيل عماليات التبادل التجاري الدولي عبر معبر الكر كرات ، وتأمين عمليات المرور عبر طرد مليشيات البوليساريو، بالإضافة إلى نجاح الكبير الذي حققه المغرب في التصدي لجائحة كرونا وخاصة توفير اللقاح للشعب المغربي بالمجان في الوقت الذي عجزت فيه الجزائر عن توفير أية جرعة لقاح لفائدة الشعب الجزائري الشقيق .
وعموما يمكن تقييم ما قامت به قناة الشروق العسكرية في كونها قد خرقت المادة 12 من قانون الاعلام الجزائري و الميثاق المنظم للممارسة الإعلامية ، وهذا راجع لهشاشة التنظيم القانوني للإعلام الجزائري وضرب لكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإعلام عرض الحائط ، كما أنها خرقت المواثيق الدولية التي التزمت بها الجزائر دوليا في مجال الإعلام بما فيها الاتفاقية المبرمة مع الاتحاد الأوربي .
كما أن مبدأ الاستقلالية غائب لدى الإعلام الجزائري ، وأن القمع سيد الموقف تجاه الإعلاميين الجزائريين وأن الجيش العسكري يتحكم في القنوات الإعلامية الجزائرية ويضغط عليها من أجل تمرير سياساته العدائية تجاه الوحدة الترابية للمملكة المغربية الشريفة، علما أنه مارس حملة عدائية ضد النظام التونسي من خلال بعض البرامج الإعلامية .
وفي الوقت الذي شن الإعلام الجزائري هجمة أخلاقية على المؤسسة الملكية اختارت المؤسسات الرسمية للمملكة المغربية عن حكمة وبصيرة عدم الرد على هذا الهزل الشنيع متشبثة بالقيم الحضارية والمواقف الثابتة واحترام القوانين والاتفاقيات الدولية وهو ما يجعل المغرب متميزا في مواقفه وفي سياساته الداخلية والخارجية، كما أن المغرب يتمتع بحق المساءلة القانونية استنادا على القانون الجزائري نفسه، الذي يجرم الإساءة لرموز الدول وبعثاتها الدبلوماسية، و على المرجعيات الدولية وميثاق جامعة الدول العربية واتحاد الصحافيين الدوليين وميثاق المؤتمر الإسلامي ، وكلها ضمانات تخول للمغرب حق المساءلة القانونية للإعلام العسكري الجزائري .
إلا أن الدولة المغربية بقيت متعففة في النزول إلى مستوى مساءلة القناة الجزائرية ، التي لا ترقى إلى مستوى يمكن أن تشكل إزعاجا للمغرب ، مما فوت المغرب الفرصة على النظام الجزائري في الرد أو المعاملة بالمثل ، وهو موقف حكيم لقي تنويها من الرأي العام الوطني والدولي بفضل السياسة الحكيمة لجلالة محمد السادس نصره الله .