نظام الاثبات السعودي بين القواعد الأصولية و النصوص العالمية – الدكتور :النذير صالح الخليفة عباس
نظام الاثبات السعودي بين القواعد الأصولية و النصوص العالمية
The Saudi evidence system between the religious rules And Universal texts
الدكتور :النذير صالح الخليفة عباس
كليات عنيزة الأهلية المملكة العربية السعودية
لتحميل الإصدار كاملا
مستخلص البحث
جاء نظام الإثبات السعودي 1443ه معبرا عن مرحلة تنظيمية جديدة في المملكة العربية السعودية، مواكبا لاستراتيجية المملكة 2030، والتي شملت جميع الجوانب الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، فكان للنظام أن يكون معبرا عن هذه التوجهات وبخاصة الجانب الاقتصادي الذي يستهدف جلب الاستثمارات الخارجية، مما يعني أنه لابد من تمهيد البيئة الداخلية لهذه الاستثمارات ومن ضمن هذه البيئة سن الأنظمة والتشريعات وتطويرها لتستوفي متطلباتها، بما يتوافق مع الأنظمة العالمية من حيث النص والموضوع، والالتزام بالنظام الأساسي للحكم في المملكة الذي يجعل من الشريعة الإسلامية أساس للحكم والتشريع حيث تنص مادته الأولى “المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وس لم”.
قام الباحث في النظر في نظام الإثبات من حيث النص والمضمون العالمي، ومن حيث التزامه بالقواعد الأصولية الإسلامية للإثبات، واستجلى من ذلك الجوانب الفنية والموضوعية التي سلكها المنظمون ببراعة والتي تطابقت مع النصوص العالمية، ولم تبارح القواعد الأصولية والمقاصد الشرعية الإسلامية.
Abstract
The Saudi Evidence law 1443 AH came to express a new regulatory phase in the Kingdom of Saudi Arabia, in line with the Kingdom’s 2030 strategy, which included all economic, political and social aspects. Which means that the internal environment for these investments must be paved, and within this environment is the enactment of regulations and legislation and their development to meet their requirements, in accordance with international systems in terms of text and subject matter, and adherence to the Basic Law of Governance in the Kingdom, which makes Islamic Sharia the basis for governance and legislation, as its first article stipulates. “The Kingdom of Saudi Arabia is an Arab Islamic state with full sovereignty. Its religion is Islam, and its constitution is the Book of God Almighty and the Sunnah of His Messenger, may God bless him and grant him peace”.
The researcher clarified from that the technical and objective aspects that the legislators used brilliantly, which are in conformity with the international texts, and did not depart the fundamental rules and Islamic legal purposes.
أسباب اختيار البحث:
1. لا زال النظام حديثا وهنالك تساؤلات حول مدى التزام النظام بالشريعة الغسلامية في ظل الانفتاح العالمي للملكة العربية السعودي.
2. إفادة للباحثين في هذا المجال وإثراء للمعرفة القانونية.
مشكلة البحث:
1. هذا هو نظام الإثبات الأول للمملكة العربية السعودية الذي يصدرا مستقلا عن نظام المرافعات الشرعية أو نظام المحكمة التجارية، وبالتالي يستدعي المزيد من الدراسة والتشخيص.
2. النظام جاء مستكملا لحلقات استراتيجية المملكة العربية السعودية 2030 المنفتحة على العالم الخارجي في الجوانب التجارية والمدنية وبالتالي لابد أن يكون النظام مراعيا لعالمية النص القانوني، مع الحفاظ على الجذور الإسلامية التي تقوم عليه أنظمة المملكة كلها.
صعوبات تواجه الباحث:
1. حداثة الموضوع وعدم جود كتابات مشابهة له.
2. قلة المراجع.
مقدمة:
صدر هذا العام نظام الاثبات السعودي الجديد 1433 ه كأول نظام إثبات مستقل بذاته تسري أحكامه على المعاملات المدينة والتجارية كما نصت على ذلك المادة الأولى منه على: (تسرى احكام هذا النظام على المعاملات المدنية والتجارية).
صدر النظام في واقع اقتصادى متجدد في المملكة العربية السعودية ومنفتح على علاقات عالمية تجارية ومعاملات مدنية تقضي بأن يكون النص القانونى لنظام الاثبات 1433هـ ذو صبغة عالمية وفقا للمبادئ العالمية لصياغة النص القانوني، وفي ذات الوقت لا يتجاوز الأصول الشرعية والقانونية التي تقتضيها مبادئ الشريعة الاسلامية السمحاء، والتي ينص عليها النظام الأساسي في المملكة العربية السعوديه الصادر بالامر الملكي رقم أ/90 بتاريخ 27/8/1412، والذى ينص في مادته الأولی على: ” المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامة ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هى اللغة العربية وعاصمتها مدينة: الریاض” وتنص المادة السابعة منه أيضاً على: ” يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة” . عليه فان الكلمات المفتاحية في هذا البحث هى– :
النصوص العالمية، القواعد الأصولية للإثبات، نظام الاثبات السعودي 1433ه . عولمة القوانين، الشريعة الاسلامية
تتناول الدراسة هذه الموضوع في مبحثين :
المبحث الاول: عولمة القوانين والقواعد الأصولية الشرعية لأنظمة الإثبات.
وفي المبحث الثاني: عالمية وأصوليه النص في نظام الإثبات السعودي.
المبحث الأول
عولمة القوانين والقواعد الأصولية الشرعية لأنظمة الإثبات
تأثرت جميع قواعد المعاملات البشرية بالعولمة الاقتصادية، الـسياسية، الثقافية، والاجتماعية مما استدعى تغيير للنظم القانونية لتواكب هذه المتغيرات الكبيرة في العلاقات البشرية، وإحداث طفرة قانونية من إطار المحلية إلى إطار العالمية، فالعولمة في معناها الأولى هي انتقال عالمي للمعلومات والأشخاص والأموال والخدمات وهدم الحواجز الجغرافية والتاريخية إلى علاقات متداخلة بين الدول، مما أدى أو قد يؤدي الى تراجع في مفهوم السيادة الوطنية، و أنها ستحدث قدرا من الاندماج الدولى بهدف تحقيق أكبر قدر من التعاون الدولى، ولاستفادة من الميزة النسبيه لمنتجات كل دولة أو قدراتها العلمية والتكنولوجية والخدمات والمواد الخام فيها، ومن هنا أثارت قضية السيادة والعولمة جدلا واسعا بين علماء القانون، حيث ينظرون ما إذا كان المفهوم التقليدي للسياده لازال باقيا،ً أم أن العولمة ومستلزماتها قد أثرت في المفهوم وبالتالى تؤثر فى القوانين التي تندرج تحت مفهوم سيادة الدولة[1].
برغم أن السيادة الوطنية تعبر عن المكنونات السياسية والاقتصادية والثقافية للدولة وهي من أخص خصائص الدولة القطرية، والتي تحرص على عدم التفريط فيها، لكن عمليا فقد اقتحمت العولمة هذه المجالات خلال تسعينات القرن الماضي عبر آليات عالمية فاعلة مثل السوق الاوروبية، منظمة التجارة العالمية التي فتحت الباب واسعا أمام كافة التبادلات التجارية سلع وخدمات وغير ذلك مثل هذه الآليات، وفي المجال الثقافي فان آلیات التكنولوجيا الحديثة قد حملت من الثقافات الأقوى إلى الثقافات الأدنى اختراقا ثقافياً مؤثراً للغاية، مع الضغط السیاسي لانفاذ هذه الثقافات، فتمددت الثقافة الغربية في تفاصيل حركة المجتمعات الأخرى، سواءاً التفاصيل في المفاهيم الحضارية والأنماط السلوكية.[2]
تهدف العولمة من الناحية الاجتماعية للوصول لتحقيق مجتمع عالمى واحد متحد التفاصيل والأنظمة الاجتماعية حتى يصبح المجتمع مرن قابل لجميع المتغيرات الاجتماعية العالمية، بما في ذلك تغيير العادات والتقاليد، وتجاوز المحددات الاجتماعية المختلفة بما فى ذلك توحيد نظام الأسرة،[3] وتعبير مفهوم هذا النظام الى النظام العالمى الجديد والذى ظهرت بوادره في تبني المثلية والأسرة المكونة من شخص واحد والحرية الجنسية وما إلى ذلك من هذه المظاهر.
أما من الناحية الاقتصادية فبلا شك أن العولمة توغلت في أشد المناطق حساسية في الدولة العصرية، وقد تأثرت السيادة الوطنية الحرة بتصورات اقتصادية فرضتها آليات العولمة الاقتصادية والتي تمثلت في الشركات المتعددة الجنسيات ومنظمة التجارة العالمية صندوق النقد والبنك الدولي.[4]
ازاء هذه المتغيرات المتعلقة والآثار التي أفرزتها العولمة فإن تطورا ضروريا وطفرة نوعية کان لابد أن تحدث في المجال القانوني لاستيعاب وضبط السلوك البشري مع هذه المتغيرات، بالرغم أن الأساس هو مبدأ إقليمية النص القانوني.
عولمة القوانين:
عولمة القوانين مصطلح لم يتطرق إليه الكثير من الباحثين بسبب حداثة المصطلح نفسه، ويشير بعض منهم أن عولمة القوانين تعني توحيد القوانين وجعلها عالمية الطابع، لكن في الواقع الذين يقولون ذلك يصورون لنا كأنما العالم بالفعل أصبح مدمجا إلى الحد الذي تتوحد فيه القوانين توحدا شبه كامل، ومن الذين ذكروا مثل هذا التعريف الدكتور مبروك غضبان بقوله:(عولمة القوانين تعني ببساطة عملية توحيد القوانين وجعلها عالمية الطابع تشريعا وتنفيذا وتنظيما قضائيا، خاصة فيما ما يتعلق منها بالقوانين الناظمة لمسائل التجارة وحقوق الإنسان وتدفق الأموال وغيرها، وهذا بعد ما تم دسترة جل النظم السياسية).[5]
يتعرض هذا التعريف للنقد من علماء القانون، فالقول بتوحيد القانون ببساطة يعني وجود هيئة تشريعية عالمية أو برلمان عالمي ليقوم بتوحيد النصوص القانونية، وهو أمر في غاية الاستحالة، إذ أن قضايا الاختصاص الداخلي للدولة تحكمها التشريعات القانونية الداخلية وتقوم بتنفيذها آليات وطنية أيضا، ويصطدم هذا القول مع مبدأ السيادة الوطنية، ولذلك يميل علماء القانون إلى استخدام كلمة ملاءمة القوانين harmonization بدلا من كلمة توحيد القوانين unification، إذا أن الملاءمة والتقريب والتوفيق بين القوانين العالمية والقوانين الوطنية مسألة مقبولة وممكنة من خلال التشريعات و الآليات الوطنية.
ولذلك في رأينا أن تعريف مصطلح عولمة القوانين يعني توحيد تجريم سلوك إجرامي معين في القضايا الجنائية أو تنظيم مسار محدد في المجالات المدنية والاجرائية تتوافق عليها دول العالم كليا أو جزئيا، ومن ثم تعمل الدول على ملاءمة هذه القوانين عبر آلياتها الوطنية، بالقدر الذي يطمئن فيه المستفيد من هذه القوانين.
الصياغة القانونية و القواعد الأصولية:
كلمة صاغ في اللغة العربية تعني صنع، وصاغ المعدن سبكه، وصاغ الكلام رتبه أو أعاد ترتيبه.[6]وفي المعنى القانوني يعني تحديد احتياجات المجتمع بشأن موضوع معين وتقدير حجم قدراته ومصالحه في تنظيمها ثم ترجمة تلك المحددات بنصوص قانونية تأخذ طريقها للإعتماد والإصدار. يلتزم المشرع عند صياغة القوانين في الدول الإسلامية بالأحكام الشرعية والقواعد الأصولية والمبادئ النظامية والأعراف المستقرة، كما يلتزم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة محل التشريع، كما يستصحب المشرع الاستراتجيات العامة للدولة والقيم والأخلاق الاجتماعية والسياسية والاقتصاد ومعطيات التطورات القانونية والعلمية والتقنية، فلا يكون التشريع نشازا عن ما توصل إليه العلم ولا متخلفا عن ركب المعرفة التقنية.[7]
النظام القانوني أداة معبرة عن ثقافة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومجمل رؤيتها الاستراتيجية المستقبلية، لذا تتباين الصياغة القانونية من دولة إلى دولة بالقدر الذي يعبر عن توجهاتها واستراتجياتها.
الصياغة القانونية ليست مجرد نص قانوني حسن الصياغة خالي من التعبير والحياة، بل هو ذلك النص الذي ينبض بالحياة والتعبير عن توجهات ورؤية الدولة واستراتجيتها، ولذلك تجد الدولة ذات التوجهات الاقتصادية السياحية تتشدد أيما تشدد في فرض قيود على كل ما يضر بسياستها الاقتصادية السياحية، والدولة التي تتجه لجذب الاستثمار الخارجي تقوم بكل ما في وسعها لتقيدم الضمانات القانونية والحماية القضائية وغير ذلك من الضمانات القانونية لخلق بيئة جاذبة للمستثمر الأجنبي، فيقوم الصائغ القانوني في تقديم النص القانوني الواضح الجلي المضبوط لهذا الهدف كما يقوم صائغ الذهب بعمله لجذب عملائه، فهو مظهر وجوهر، جوهر النص القانوني هو ضبط لسلوك معين، ومظهره حسن ضبطه بلا إفراط ولا تفريط، وجزالة نصه وتعبيره.[8]
تتوقف أنواع الصياغة القانونية على مقدار السلطة التقديرية الممنوحة لجهة الصياغة القانونية، وبمقدار توجهات الدولة ونمط الحكم فيها، فالصياغة القانونية في الدول الليبرالية تختلف عن الصياغة في الدول ذات الحكم السلطوي الدكتاتوري، والصياغة في الدولة التي تستقي تشريعاتها من الشريعة الإسلامية، تتمايز عن تلك التي تستقي أحكامها من النظم الوضعية والعلمانية.
الصياغة القانونية إما أن تكون جامدة لايكون للسلطة القضائية فيها أي سلطة تقديرية إلا بالقدر الذي نص عليه القانون، أو أنها مرنة يستطيع القاضي من خلالها استخدام سلطتها التقديرية والتفسيرية بل استنباط أحكام حينما لا يكون هنالك نص واضح وملزم من أجل إصدار الحكم المناسب.
النص الجامد دائما ما يحتوي على قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها ولو اتفق أطراف الخصومة على مخالفتها، وتصبح من النظام العام، وصياغة نصها يكون في غاية الدقة والشفافية لفظا ومعنى، من أجل تحقيق الغرض منها، فإذا جاء نص المشرع على سبيل الوجوب فتنتفي أية فرصة للجواز، إذ أن النص مقصود لذاته، أما إذا كان النص جوازيا تصبح القاعدة مكملة يجوز للمحكمة مخالفتها ويجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها، وهنا تظهر أيضا دقة الصياغة ما بين لفظ للمحكمة للجواز وعلى المحكمة للأمر. ويمكن أن تتغير الصياغة من حالة الوجوب إلى حالة الجواز من تشريع سابق إلى تشريع لاحق أو العكس وعلى سبيل المثال فقد كان نظام المرافعات الشرعية 1435 يجعل إعداد صيغة اليمين من جهة المحكمة أمرا وجوبيا فكان تنص المادة الحادية عشرة بعد المائة من النظام على (وعلى المحكمة أن تعد صيغة اليمين اللازمة شرعا..) ، ثم جاءت المادة الأولى من نظام الإثبات 1443ه فقد نصت ( .. يجب على من يوجه اليمين إلى خصمه أن يبين بدقة الوقائع التي يريد استحلافه عليها، ويذكر الصيغة بعبارة واضحة، وللمحكمة أن تعدلها لتوجه بوضوح ودقة على الواقعة المطلوب الحلف عليها)، فجعلت أمر الصيغة بيد الخصم ودور المحكمة جوازي للتعديل من أجل الدقة إذا كانت الصيغة غير واضحة.
وبما أن لكل مزايا وعيوب ولكن تتجلى مهارة المنظم وحسن صياغته وتحديد هدفه ومغزاه وموضوعه من المادة محل الصياغة مظهرا وجوهرا، وأنه ينظر بعين البصير الناقد لأن ما يقدمه تنظره وتنفذه آليات قضائية بمستوياتها المختلفة مما يجعلها عرضة للفحص والنقد.
القواعد الأصولية لأنظمة الإثبات:
القواعد الأصولية عبارة مجموعة أحكام متشابهة ترجع إلى علة واحدة تجمعها، أو ضابط فقهي يحيط بها، والغرض منها تقريب المسائل الفقهية وتسهيلها.
التزمت أغلب الدول العربية والإسلامية بقواعد أصولية يستصحبها المنظم والمحاكم عند تطبيقها للأحكام، وتعتبر هذه القواعد محورية في علم الإثبات ومقترنة بالشريعة الإسلامية في أصلها، الذي تم استقاء أغلب أنظمة الإثبات منه.
وقد قننت بعض قوانين الإثبات هذه القواعد داخل النظام مثلما فعل المنظم السعودي في نظام الإثبات 1443، وكذا المشرع السوداني في قانون الإثبات السوداني 1994م، عليه سنتناول بعض من هذه القواعد التي اهتمت بها نظم الإثبات واعتبرتها مرجعية لها في نصوصها.
الأصل في المعاملات براءة الذمة:
أصل هذه القاعدة الحديث الشريف” البينة على من ادعى و اليمين على المدعى عليه” أي أن الإنسان برئ الذمة من وجوب شئ أو لزومه[9]، إذ أن الأصل أن الإنسان برئ الذمة برئ من التهمة برئ من ارتكاب جريمة، ووأن انشغال الذمة وارتكاب الجرائم هو الخروج عن الأصل وجب إثباته، فلا يجوز إدانة إنسان بمجرد الادعاء عليه إلا أن يتم ذلك بالأدلة والبراهين فوق كل شك معقول، وإثبات ذلك قضائيا سواءا تطابق الحكم مع الحقيقة الواقعية أم لا.
التمسك بالأصل هو التمسك بالظاهر، فإذا شك القاضي أن المتهم قد أتى بالفعل أو لم يأتي به، فإن الأصل أنه لم يأتي به، وإذا شك في أن ما أتاه إنسان استعمال لحقه أم تعدي على حقوق الآخرين فالأصل أنه استعمال لحقه، وإذا شك أن العقوبة رجم أم جلد فيعزر لأن الشك فيها يقتضي إسقاطها.[10]
البينة في معناها اللغوي هي ما يبذل لدحض الأصل وهو البراءة، فكان ثبوت الأصل بيقين فلا يدحض إلا بيقين كما هي القاعدة الشافعية:” أن ما ثبت بيقين فلا يرتفع إلا بقين” ولما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال” لو يعطى الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه”.[11]
فلو ادعى شخص على آخر أنه أتلف شيئا واعترف المدعى عليه لكنهما اختلفا في قيمة الشئ المتلف فالقول قول الغارم لأن الأصل براءة الذمة وعلى المدعي البينة،[12] ويورد صاحب كتاب الوجيز في القواعد الفقهية مثال آخر وهو إذا ادعى رجل على بكر بالغة أن وليها زوجها من قبل استئذانها فسكتت وقالت بل رددت فالقول لها في الراجح، لأن الزوج يدعي سكوتها ليتملك بضعها من غير ظاهر معه وهي تنكر الظاهر وهو استمرار الحالة المتيقنة.[13]
لابد هنا من الإشارة أن هذه القاعدة متفرعة عن قاعدة اليمين لا يزول بالشك، أن الثابت باليقين لا يزيله إلا ما هو أقوى منه والشك أضعف من اليقين، و التي تتفرع منها أيضا قاعدة بقاء ما كان على ماكان عليه، وما ثبت بزمانه يحكم ببقائه على ماهو طالما لم يقم دليل على خلافه، والأصل الإباحة ما لم يرد دليل على التحريم، والسكوت في معرض الحاجة لبيان بيان، وغير ذلك من القواعد التي ترجع الأصل إلى المتيقن منه في حالة الشك، ويدخل في ذلك براءة المتهم حتى تثبت إدانته- وبراءة المتهم في الاصطلاح القانوني تعني أنه هو المتهم الذي ثبت بحكم قضائي أنه لم يرتكب فعلا يحاكم عليه القانون أو حالة شخص لم يثبت ارتكابه فعلا يجرمه القانون.
الأصل في أحوال البالغ الأهلية:
الأصل في أحوال البالغ السلامة وحرية التصرف، وبالتالي من يدعي غير ذلك عليه إثبات عدم الأهلية. جرت الأحكام في المحاكم على أن إذا ثبت وجود عارض أهلية بالمتهم فإنها تحكم بناءا عليه لأن عبء إثبات الواقعة في المسائل الجنائية تقع على الادعاء إذ أن الأصل البراءة، فمن يدعي أن هنالك عارض لأهليه فعليه إثباتها، لأن الأصل هو سلامتها.
الأصل صحة الأحوال الظاهرة.:
الأصل ما بدا ظاهرا أمام الناس، ومن هذه القاعدة تفرعت عدة قواعد قانونية منها قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية وملخصها أنه إذا باشر شخص على حق عيني عملا قانونيا سواءا تصرفا أو استعمالا أو استقلالا مع إظهار مظهر الحائز بمظهر المالك أو الحائز لنفسه فقد اعتبرها المشرع قرينة على الملكية وعلى من يدعي خلاف ذلك الإثبات، وذلك إعمالا للقاعدة الأصولية الأصل في الأحوال الظاهرة الصحة.
ما ثبت بزمانه يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه:
الأصل بقاء ما كان على ماكان، القديم يترك على قدمه، أصوليا تعني هذه القاعدة استصحاب الماضي بالحال، فما ثبت في الزمان الماضي يحكم ببقائه ما لم يقوم دليل على خلاف ذلك، استصحاب الحال حجة على الصحيح[14]، فإذا ادعى المقترض دفع الدين إلى المقرض أو إذا ادعى المشتري دفع الثمن إلى البائع وأنكر المقرض أو البائع كان القول لهؤلاء المذكورين فالأصل بقاؤها حتى يثبت سقوطها[15]، وبالتالي يمكن للدائنين أن يؤدوا اليمين على عدم القبض وذلك لإزالة الأمر المتيقن وهو قيام حالة الدين أو عدم دفع الثمن، ويعتمد الدليل المخالف أربعة أشياء البينة، والإقرار، والنكول، والأمارة الظاهرة.[16]
لا ينسب لساكت قول:
والمعنى بالساكت القادر على الكلام فلا ينسب له كلام لم يقله أو يعبر عنه، ويدخل في ذلك إشارة الأخرس فهي كالبيان باللسان، ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه لو رأى المالك غيره يتلف ماله وسكت فإن سكوته لا يعتبر إذنا بإتلاف ماله، وكذلك لو رآه يبيع ملكه فلا يعتبر إذنا بالبيع، على غير إذا رأى المشتري يقبض المنزل فإن ذلك إجازة وإذنا بشرائه، وإذا سكتت الزوجة عن زوجها العنين فلا يعتبر رضا يسقط حقها في التفريق، ولو سكت ولي إمرأة عن عدم كفاءة زوجها فلا يسقط ذلك حقه في التفريق ما لم تلد فإن ولدت سقط حقه منعا للتشتت.
ويتفرع من هذه القاعدة السكوت في معرض الحاجة بيان، ويشترط لتطبيق هذه القاعدة جريان العرف عليها، وتعني القاعدة أن السكوت عن ما يلزم التكلم به إقرار وبيان. من ذلك يورد الفقهاء أن سكوت الفتاة البكر عند استئذانها بالتزويج أو سكوتها عن تزويج وليها بغير استئذانها إذنا و إجازة، ويدخل في ذلك عقود التعاطي.
من سعى في نقض ما تم عليه فسعيه مردود عليه:
ومعنى القاعدة ” أنه إذا عمل شخص على نقض ما أجراه أو تم من جهته باختياره و رضاه فلا اعتبار لنقضه و نكثه”[17]
الهدف من هذه القاعدة هو منع التعارض بين التصرفات القانونية، وأنه لا يجوز لشص أن يقوم بتصرف ثم يقوم بالتصرف الذي يناقضه من الناحية وهنا تنطبق قاعدة الإغلاق القانوني ” estopple “. التي تفترض أن يكون هذا التعارض أمام خصم منازع فلو أنكر شخص ملكية عقار معين فلا يجوز له أن يدعي ملكيته لإثبات أمر مناقض في منازعة أخرى.
من ذلك من أقر بإقرار قضائي لا يجوز الرجوع عنه، إذ أن ذلك سعي سعاه المقر بنفسه فلا يجوز له نقضه، ومن ذلك لو طلق الرجل زوجته وهو مريض مرض الموت فرارا من إرثها فماتت قبله فإنه لا يرثها معاملة له بإقراره، ولا يصدق إذا قال فقط كنت أريد حرمانها من إرثي.[18]
العرف القولي والعملي حجة إذا اضطرب وغلب:
العرف لغة هو تتابع المتصل واصطلاحا هو ما استقرت عليه النفوس وتقبلته الطبائع.[19]فالعرف هو ما يغلب على الناس من قول أو فعل أو ترك. القولي منه ما اصطلح الناس على لفظ يستعملونه في معنى مخصوصن فإذا ذكره أحدهم أصبح معروفا ومفهوما المقصود منه، أما العرف العملي هو التعود على نوع فعل معين، فإذا اعتاد الناس في ناحية طريقة معينة للإتجار قي سلعة معينة يصبح هذا عرف عملي، ومن ذلك تتفرع قاعدة المعروف عرفا كالمشروط شرطا، فإذا تعارف الناس على فعل محدد أصبح كأنه اتفاق وشرط قائم،[20] لا يقيدها إلا ما أحل الله أو حرمه كما جاء في الحديث الشريف ” إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا”.
العادة محكمة:
العادة مقتبسة من كلمة العود إلى الشئ حتى يصير معتادا، والتمادي في الشئ حتى يصير سجية، ويقال للمواظب على شئ معتاد، أما اصطلاحا معناها التكرار من غير علاقة عقلية.[21]
وهي من القواعد الفقهية الكبرى وقد أخذ بها أغلب فقهاء المذاهب، بل أن منهم من رأى فيها أصلا ودليلا وجب الرجوع إليه وبناء الأحكام عليه.[22]
يمكن للعادة أن تكون شرعية أي أنها ثابتة بأدلة الشرع ومنها ما يكون خلاف ذلك، لكن ما نعنيه هو تلك العادة الثابت حكمها شرعا، والعادة عند أهل العلم أقل من العرف فكل عرف عندهم عادة وليس كل عادة عندهم عرف، فمن قال لا أضع قدمي في دارك فإن المعروف بين الناس أنه حرم على نفسه دخول الدار، فلو دخلها محمولا أو دخلها على يديه فإن عليه كفارة لأن العادة محكمة فليس المقصود الجارحة إنما المقصود الكل وهو ما عرف بين الناس.
البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة:
البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة، والبينة هي الشهادة المظهرة ثبات الشئ المشهود فيه، أما الإقرار فهو إخبار شخص عن حق عليه لآخر. وقاصر يعني أنه محدود على المقر لا يتجاوزه لغيره.[23]
البينة لا تأخذ حجيتها إلا أمام القضاء وبحكم قضائي، وهو ما جعل الإقرار أقوى حجة من البينة والمقولة الشهيرة “الإقرار سيد الأدلة”.
فإذا كان الإقرار حجة قاصرة فإن البينة حجة متعدية، لأن الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان.[24]ومؤدى ذلك لو قامت بينة وقوع جريمة بالاشتراك مع الغير يكون مؤدي البينة حجة على المتهم وشريكه أيضا لأن البينة حجة متعدية، أما إذا أقر مجرم بجريمته مع شريك له فإن إقراره سيكون قاصرا عليه حجة عليه وحده لا على شريكه، لأن الإقرار حجة قاصرة.
الثابت بالبرها كالثابت بالعيان:
المعنى بالبرهان هنا البينة الشخصية، أي شهادة العدول، وكل ما يثبت بدليل شرعي فحكمه كحكم الثابت بالمشاهدة الحقيقية بحاسة البصر. وسند الفقهاء الشرعي لهذه القاعدة قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ”.[25] ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم:” البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه”.[26] ومن الألفاظ الأخرى للقاعدة “الثابت بالبينة كاثابت عيانا – الثابت بالبينة بمنزلة المعلوم عند القاضي- الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة” عليه فالقضاء في مجلس القضاء بالبينة يعتبر كالقضاء بالمعاين المحسوس، وتقوم على ذلك الحقيقة القضائية وإن خالفت الحقيقة الواقعية، كأن يكون الشهود كذبة متسترين بالصلاح والعدولية.[27]
البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإبقاء الأصل:
يسمي الفقهاء هذه القاعدة دلالة الحال، وهي الدلالة الظاهرة وتقام البينة لإثبات عكسها، إذ أن اليمين شرعت لإبقاء الأصل على ما كان عليه من عدم أو وجود، إذ أن الأصل براءة الذمة إلى أن تنشغل الذمة بسبب عارض ولاحتمال الكذب والإنكار يتم توثيق القول باليمين، إذا عجز المدعي عن الإثبات بطرق الإثبات المشروعة. عليه إذا ادعى مدع على آخر بحق له بحضور الحاكم وأنكر المدعى عليه الدعوى فإن الحاكم يطلب من المدعي البينة على دعواه ولا يطلب من المدعى عليه إثبات العكس، فإذا عجز المدعي عن إحضار البينة يحلف المدعى عليه اليمين.
فقه وفلسفة قواعد الإثبات:
ظلت البشرية تتوق للعدالة والانصاف ورد المظالم وكبح جماح المعتدين بشتى طرق الإثبات القانوني لإثبات الاعتداء على الحقوق، ولذلك ظلت قواعد ووسائل الإثبات دائما محل نظر العلماء وفقهاء القانون والفلاسفة، يبحثون عن وسائل وطرق استكمال نقصها كلما استجدت الجريمة وطرقها وكلما استجدت حاجة العدالة إلى ذلك، فهي ليست كاملة لكل موقف ولكل جريمة، أو هكذا وجدها بنثام bentham : [28]“Not to be in competent on every occasion ” وبالتالي يطرأ سؤال هل بالضرورة أن اتباع وسائل وطرق الإثبات تؤدي إلى الحقيقة الواقعية، وهل تتطابق الحقيقة القضائية مع الحقيقة الواقعية؟.
غالب ما يكون الخصوم أمام القضاء مؤمنون بصحة دعواهم، مؤمنون بما يدعونه من أملاك وأنساب، هم مؤمنون بذلك لكنهم قد يجدون أنفسهم مطالبون بإثبات ذلك أمام القضاء، وملزمون باتباع طرق محددة للإثبات تختلف من حالة إلى حالة، مطالبون بإثبات حقائق واقعية نفيا وإثباتا، عبر طرق ووسائل قد تؤدي غلى حقائق غير يقينية، وملزمون بأزمنة محددة فالمحاكمات لها مواعيدها ومواقيتها ولا تستمر إلى الأبد، وليس بالضرورة أن ما تتوصل إليه المحكمة من حقائق قضائية يتطابق مع الحقائق الواقعية، بل قد يجد القاضي نفسه متنازع بين هاتين الحقيقتين الحقيقة التي نتجت عن الطرق والأدلة التي حددها النظام وهي حقيقة ظنية، وبين حقيقة يقينية يعلمها القاضي أو يطمئن إليها ولكن ليس له ما يسندها من دليل إلا علمه هو، فلا يستطيع أن يحكم بعلمه الشخصي أمام البينات والأدلة المقدمة أمامه.
مؤدى ذلك أن وسائل وطرق الإثبات ليست دائما قطعية في الوصول للحقائق الواقعية، بل هي أدوات لإنهاء النزاع بشكل قانوني.
.”If by proof we meant the proof of facts It was rather than the adjudication outcome it marked termination of dispute and was not the finding of the fact to which the rule of law had to be applied to reach the verdict”[29]
مثل هذه الإشكالات الفلسفية واللفظية والطعن في أدلة الإثبات كانت مثارا للجدل عبر القرون، وهو جدل يدور حل المحكامات ماإذا كانت مسائل إجرائية لابد منها للوصول للحقيقة القضائية، أم أن الهدف هو أن تتطابق الحقيقة القضائية مع الحقيقة الواقعية وفقا لهذه الإجراءات.
لم ينأى الفقه الإسلامي عن هذا الجدل الفلسفي والفقهي فمنهم من يرى أنه لابد من التقيد بطرق ووسائل الإثبات -وهم أصحاب المذهب المقيد- وتتلاشى عندهم الحقيقة الواقعية إذا تم التوصل إليها بغير طرق الإثبات المشروعة أوالمنظمة، إذ لا يجوز عندهم تخطى أدلة الإثبات وطرقه مما ثبت فقها ونظاما وقضاءا.[30]
وعلى خلاف هؤلاء الفقهاء يجادل -أصحاب المذهب الحر- الذين ينادون بإطلاق يد القضاء والمتقاضين في تقصي الحقائق وتقديم الأدلة والبراهين من غير قيد أو طرق محددة، بل يجب عندهم فتح أوسع الأبواب للمتقاضين، للبحث عن الحقيقة الموضوعية الواقعية، بل ويمنح القاضي مطلق الحرية في الطرق التي يمكن أن يصل بها للحقيقة إلى ما يستقر به ضير المحكمة والذي من خلاله تبني عليه أحكامها، وقد تصدر هذا المذهب الفقيه الإسلامي إبن قيم الجوزية رحمه إذ يقول”إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته بشئ ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها ولا يحكم عن وجودها بموجبها… .”[31]
ظل الفقه الإسلامي منقسما في مسألة الأخذ بأدلة الإثبات المعروفة فقها ونظاما، والمرجعية أن بعضهم يرى فيها أنها أدلة ظنية لا تطمئن إليها القلوب، وبالتالي جعلوا للقضاة تقديرا واحتياطا حتى لا يسندون أحكامهم إلى هذه الأدلة الظنية فتضطرب الأحكام وتختلط الحقوق.[32]غير أنهم في رأينا لم يضعوا سقفا لتقدير القاضي ولا سقفا لحكمه بعلمه الشخصي، وبذلك يضعون وظيفة القضاء موضع التهمة والسلطة المطلقة مفسدة.
المبحث الثاني
عالمية وأصوليه النص في نظام الإثبات السعودي
عبر نظام الإثبات 1443ه، الذي عن توجه المملكة الجديد في مجال التنظيم والتشريع والذي لم يخرج عن الأصول الشرعية للإثبات فيما يتواكب تماما مع عالمية النص القانوني العالمي، في هذا الصياغ سنتناول نماذج مما اشتمله نظام الإثبات السعودي، بالوصف والتحليل والمقارنة بينه وبين النظم العالمية الأخرى والأصول الفقهية الإسلامية.
استهل النظام مواده ببعض القواعد الأصولية الكلية، فنصت المادة الثانية من نظام الإثبات على قواعد أصولية في الإثبات وجب على آليات التنفيذ اتباعها وهي على النحو التالي:
1. أن على المدعي أن يثبت ما يدعيه من حق وللمدعى عليه نفيه.
تشتمل هذه الفقرة على عدة أصول وهي أن المدعي هو من يدعي خلاف الظاهر ومن ثم يقع عليه عبء الإثبات، وهو ما يتوافق تماما ما أقرته الشريعة الإسلامية و السنة النبوية بقول النبي صلى الله عليه وسلم ” البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه”[33] وقوله صلى الله عليه وسلم ” لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي.”[34]
لا تختلف هذه القاعدة عن النص والفقه العلمي في الإثبات إذ أن الأصل أن يقع عبء الإثبات على المدعي burden of proof rests with the plaintiff” ” وليس على المدعى عليه، وقد عبرت المادة 1353 من القانون الفرنسي بنصها “Celui qui réclame l’exécution d’une obligation doit la prouver.Réciproquement, celui qui se prétend libéré doit justifier le paiement ou le fait qui a produit l’extinction de son obligation.“[35] من يدعي أداء التزام يجب عليه أن يثبت ذلك وعلى عكس من ذلك من يدعي إعفاءه من أداء التزام أن يثبت أن السداد أو إثبات الحقيقة التي أدت غلى سقوط التزامه.
تبنت أغلب القوانين العالمية والعربية هذه القاعدة ومن ذلك ” على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه”[36] و ” أن على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه”[37].
2. البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإبقاء الأصل.
هي دلالة الحالة كما يسميها الفقهاء، أي الحالة القائمة والتي تعتبر بمثابة قانون مرعي بلا حاجة إلى دليل خاص عليه، وقد نصت المادة الأولى من نظام الإثبات المصري على “أن على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه”، فالاصل الثابت هو براءة الذمة وانشغالها عارض، عليه يقع عبء الإثبات على عاتق من يدعي خلاف الثابت أصلا مرعيا كان هو المدعي أو المدعى عليه. وقد قضت محكمة النقض المصرية بتواتر مستندة إلى ما ورد في عجز هذه المادة بأن: “المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه إذا أدعى المنكر في الدعوى خلاف الظاهر فيها، يقع عليه عبء إثبات ما يخالفه، سواء كان مدعي أصلاً في الدعوى أم مدعى عليه فيها”. [38]
من ذلك ظهرت بعض القواعد الفقهية في الأنظمة العالمية منها “حيازة المنقول سند الملكية” وقد تضمن القانون المدني المصري 1976 ” أن من حاز بسبب صحيح منقولا أو حقا عينيا أو سندا لحامله فإنه يصبح ملكا له إذا كان حسن النية عند حيازته” وكذلك نصت المادة 1163 من القانون المدني العراقي ” بأن من حاز وهو حسن النية منقولا أو سندا لحامله مستندا حيازته إلى سبب صحيح فلا تسمع عليه دعوى الملك من أحد”.
3. البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة.
البينة هي الشهادة ومتعدية أي أنها متجاوزة إلى الغير، والإقرار هو الإخبار عن حق عليه لآخر، وحجة قاصرة أي غير متجاوزة إلى الغير.
لا تعتبر البينة متجاوزة إلا تم إثباتها بحكم قضائي، والإقرار أقوى حجة من البينة لكونه يخلو من التهمة فيه في غالب الأحوال، ولذلك يجد قوته في كافة الأنظمة القانونية، يقول الفقيه الفرنسي بلا نبول” ـم الإقرار بواقعه يؤخذ به وأن الدليل المستمد منه يقع حالما يدلي المقر بالإقرار لذا لا يمكن الرجوع منه”.[39]
4. الثابت بالبرهان كاثابت بالعيان.
البرهان يعني البينة أو الدليل النظامي، والعيان تعني المعاينة أو المشاهدة،[40] والمعنى أن ما يثبت بالدليل هو كالواقع المحسوس، ولكن بالضرورة يجب ألا يخالف ما يثبت بالبينة ما هو مشاهد محسوس، مثل أن يدعي أحدهم قتل مورثه والواقع أن مورثه حي يرزق.[41]
الحكمة من هذه القاعدة هو أن القضاء يستند في أحكامه على ما توفر أمامه من بينات وإثباتات، ومتى ما استقر في عقيدة المحكمة من حقائق أصدرت حكمها حتى ولو كان هذا الحكم يخالف الحقيقة الواقعية، ولذلك تفيد الحقيقة القانونية هي حقيقة محدودة لأنها مرتبطة بحدود الاجراءات القانونية، ويعتبر الفقه القانوني أن الهدف ليس الوصول للحقيقة المجردة إنما الهدف هو توفير ضمانات العدالة الجيدة والوسائل لضمان أفضل للحقوق.
فالقاضي يبذل عنايته بالطرق القانونية لإثبات الحقيقة القانونية وفق البينات المقدمة أمامه، والثابت عنده بالبرهان كالثابت بالعيان.
5. لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي.
برغم من اختلاف المدارس الفقهية الإسلامية حول حكم القاضي بعلمه الشخصي ما بين مؤيد ومنكر، فمنهم يرى أن للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي خاصة إذا كان ما يحكم فيه من حقوق العباد كالبيع والشراء، بينما يحرم متقدمو الحنفية حكم القاضي بعلمه الشخصي وهو المشهور عند المالكية.
وقد توصل القضاء الانجليزي لقاعدة حياد القاضي في وقت مبكر، وأصبحت محل نظر ومراقبة المنظمات الحقوقية في العالم، وإبداء الملاحظات على الدول التي لا تلتزم بهذا المبدأ على الوجه الدقيق. وقد تبنت الأمم المتحدة هذا المبدأ في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمكافحة الجريمة المنعقد بميلانو في الفترة من 26 أغسطس وإلى 6 سبتمبر 1958والذي أيدته الجمعية العامة بقرارها32/40 في 29نوفمبر 1985. مسألة حياد القاضي مسألة لها أصل عالمي كما لها أصل إسلامي متجذر في الفقه الإسلامي ظهر في مهد الرسالة وله كثير من الأدلة و الشواهد وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، وهو ما يدل أن النبي ﷺ كان يقضي بين الناس بحججهم وبيناتهم، لا بعلمه الشخصي.
طرق الإثبات:
اعتمد نظام الإثبات عددا من طرق الإثبات كالإقرار وأداء الشهادة والكتابة واليمين والقرائن، ومن خلال هذا البحث سننظر في بعض هذه الأدلة من الناحية الأصولية ومن ناحية عالمية النصوص التي اعتمدها النظام.
الإقرار:
تناول الباب الثاني من النظام الإقرار كأحد أدلة الإثبات حيث تنص المادة الرابعة عشرة منه على:
1. يكون الإقرار قضائياً إذا اعترف الخصم أمام المحكمة بواقعة مدعى بها عليه، وذلك أثناء السير في دعوى متعلقة بهذه الواقعة.
2. يكون الإقرار غير قضائي إذا لم يقع أمام المحكمة، أو كان أثناء السير في دعوى أخرى.
الإقرار من اقوى وسائل الإثبات وأشدها وهو أقوى من البينة، كما قرر العلماء لأنن القضاء يستند في البينة إلى الظن، وإذا كان القضاء يستند إلى الظن فإن يستند للعلم من باب أولى.[42]
للاعتراف مكانة كبيرة أيضا في أنظمة الإثبات العالمية Admission or Confession ويتداخل المصطلحان في تحديد معنى الاعتراف غير أن التعريف عندهم ” أنه الاعتراف بكلمات صريحة من قبل المتهم في قضية جنائية بالحقيقة أنه مذنب أو بجزء من هذه الحقيقة ” وفي الفقه الإنجليزي في القضايا الجنائية:
“confession as acknowledgement in express in a criminal case of the truth of the guilty fact… “[43]
وفي ذلك إشارة إلى أن الفقه الإنجليزي يتعامل مع الإقرار كأحد أقوى أدلة الإثبات وهو ما يتطابق تماما مع الشريعة الإسلامية وبالضرورة مع نظام الإثبات السعودي 1443ه، غير أن الإقرار في الشريعة الإسلامية يكفي بحد ذاته لتقرير الإدانة في المسائل الجنائية أما في النظام الإثبات الإنجليزي يتطلب الإقرار في المسائل الجنائية مزيدا من البينات المؤيدة لهذا الإقرار.
“Un corroborated admission of incrimination facts are not sufficient in themselves to sustain conviction”[44] ”
يقسم فقهاء الشريعة الإسلامية الإقرار إلى نوعين نوع فيه حق خالص لله عز وجل ويسقط بالشبهة كما هو في حال الحدود كحد السرقة والزنا وشرب الخمر، وحقوق آدمية قد اتفق العلماء على أنه لا يصح الرجوع فيها بعد الإقرار بها.[45]فيما نص نظام الإثبات السعودي على ” أن الإقرار حجة قاطعة على المقر قاصرة عليه”.[46] وعلى هذا المذهب يسير الفقه العالمي بأن الإقرار في القضايا الجنائية يحتاج لتدعيم الإقرار ببينات أخرى إذا كان مرجوعا عنه “Retracted Confession” إذ أن الرجوع عنه هو بمثابة شبهة تدرأ العقوبة المقررة كما تدرأها في النظام الإسلامي، إلا إذا كانت هنالك بينات تدعم هذا الإقرار المرجوع عنه وتثبت الجرم.
“Retracted confession can be used against the person making it if it is supported by independent and corroborative evidence”
الإقرار في القضايا الجنائية أو في القضايا المدنية ليس محصور ولا محدود بالنظام الإسلامي، بل هو من خصائص عالمية النص القانوني سواء في الإطار الإقليمي العربي أو في الإطار العالمي، ومن ذلك تنص المادة 103 من قانون الإثبات المصري على ” الإقرار هو اعتراف الخصم بواقعة قانونية مدعى بها أثناء سير الدعوى، وقد يرد في صحيفة الدعوى وهو حجة قاطعة على المقر” كما ينص قانون الإثبات اليمني في المادة 78 منه بأنه” إخبار الإنسان شفاهة أو كتابة عن ثبوت حق لغيره على نفسه”. ويعرف النظام الهندي الإقرار بأنه ” According to section 17 of Indian
” Evidence Act, 1872, An admission is a statement oral or documentary or contained in electronic form which suggests an inference to any fact in issue or relevant fact, which is made by any of the persons and under the circumstances, herein after mentioned”
الخلاصة أن الإقرار مسألة عالمية المعنى و النص وقد أخذ بها نظام الإثبات السعودي وكل الإنظمة العربية و الغربية وهي مسألة تجد أصلها في النظام الإسلامي منذ نشأته.
المحررات أو الكتابة:
اعتمد النظام في الباب الثالث منه دليل الحررات الكتابية كأحد أدلة الإثبات، ومن ثم قسم المحررات فيه إلى محررات رسمية ومحررات غير رسمية، وما ارتبط بذلك من مسائل الادعاء بالتزوير، ووضع تعريفا لمبدأ الثبوت بالكتابة، وقبول المحررات الصادرة من خارج المملكة العربية السعودية.[47]
يجمع فقهاء الإسلام على الكتابة كأحد أدلة الإثبات، ويعرفونها بأنها مستند خطي يحوي إقرار بما تضمنه السند موقعا عليه المدين المقر وشهادة الشهود عليه الذين وقعوا على صحته، وفي الواقع أن هذا التعريف لا يخرج عن ما نصت عليه آية الدين من سورة البقرة[48]، فالمسألة محسومة في الفقه الإسلامي.
الخلاف بين الفقهاء المسلمين ينتج عن مبدأ الثبوت بالكتابة، والكتابة غير المعدة سلفا للإثبات، كدفاتر التجار،أو تاشير الدائن على سند الدين بخطه دون توقيع أو عبر المراسلات البريدية، أو غير ذلك من المحررات التي لم تعد سلفا للإثبات، فيرى بعض الفقهاء أن مثل هذه المحررات لا يجوز للقاضي أن يثبت بها ما تضمنته من حقوق لعدم تيقن صدورها ممن نسبت إليه ولإمكان تزوير الخطوط.[49]
ندب الله الكتابة في كتابه العزيز وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كاتب الروم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ما حق إمرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده”.
عليه فإن الكتابة كدليل اعتمده نظام الإثبات لها أصل راسخ في الشريعة الإسلامية ولا يناقض في ذلك أحد.
في الأنظمة العالمية فإن النظام الإنجليزي 1851 يعتمد الأدلة الكتابيية حتى ولو كانت تلك الأدلة الكتابية لا تحمل توقيعا أو صفة رسمية بأي حال.
“Every document which by any law now in force or hereafter to be in force is or shall be admissible in evidence of any particular in any court of justice in Ireland without proof of the seal or stamp or signature authenticating the same, or of the judicial or official character of the person appearing to have signed the same, shall be admitted in evidence to the same extent and for the same purposes in any court of justice in England or Wales, or before any person having in England or Wales by law or by consent of parties authority to hear, receive, and examine evidence, without proof of the seal or stamp or signature authenticating the same, or of the judicial or official character of the person appearing to have signed the same. [50]“
عليه يمكن القول أن النظام الإثبات السعودي تمسك بالأصول الفقهية الإسلامية في مسألة الكتابة ولم يخالف الصياغ العالمي لها أيضا.
الشهادة:
تناول نظام الإثبات دليل الشهادة في الباب الخامس منه، وقد نصت المادة الخامسة والستون على:”يجوز الإثبات بشهادة الشهود ما لم يرد نص يقضي بغير ذلك”.
يعتبر فقهاء الشريعة الإسلامية الشهادة هي الأساس في الإثبات فأجازوا الإثبات بها في جميع المجالات[51]، الأمر الذي يدل على مكانتها وعظمتها في الفقه الإسلامي، وقد أطلقوا عليها إسم البينة، وقد عتب عليهم ابن قيم الجوزية في ذلك بقوله” إن من خص البينة بشهادة الشهود لم يوف مسماها حقه”.[52] وقد عظمها الله في كتابه العزيز في عدد من الآيات كما في قوله تعالى في آية الدين” وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا” وقوله عز وجل” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ”[53]
الشهادة في اصطلاح الجمهور هي إخبار الإنسان بحق لغيره على غيره، أو هي إخبار صادق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء.[54]وللقاضي من السلطة التقديرية الواسعة في تقييم وزن الشهادة على غير الأدلة الأخرى مثل اليمين الحاسمة أو الإقرار القضائي والأدلة الكتابية كنظام مقيد للإثبات.
من ناحية عالمية الدليل فإن القانون الهندي ينص في المادة1872 على: ”
All persons shall be competent to testify unless the Court considers that they are prevented from understanding the questions put to them, or from giving rational answers to those questions, by tender years, extreme old age, disease, whether of body or mind, or any other cause of the same kind. Explanation.— A lunatic is not incompetent to testify, unless he is prevented by his lunacy from understanding the questions put to him and giving rational answers to them“
تحدث هذا النص عن أهلية أداء الشهادة المطلوبة لدى الشاهد، وهو ينص يكاد يتطابق مع النص الإنجليزي في هذا الشأن.
وضع المنظم السعودي الشهادة في نظام الإثبات في قالبها العالمي، وتفرد فيها ببعض المصطلحات القانونية، من أجل أن يتجاوز شهادة المرأة كما وردت في آية الدين” فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان”، فقد كانت المادة الثالثة والعشرون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية 1435ه تنص على:” تسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم دون حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم “وتنص المادة 123/1 من اللائحة التنفيذية على:” إذا كان الشهود نساءً فتسمع شهادة كل اثنتين منهن سويًا “.
تجاوز المنظم السعودي هذه المادة وترك أمر فهمها وتنفيذها بطريقة ايحائية للقضاء فنص في المادة الخامسة والسبعون على:” تؤدى الشهادة بحضور الخصوم، وتسمع شهادة كل شاهد على انفراد إلا لمقتضى معتبر”
لقد ابتدع المنظم لفظ مقتضى معتبر للإشارة للقضاء أن هنالك حالة معتبرة شرعا متعلقة بشهادة النساء، وعلى القضاء مراعاتها وفق شروطها المعتبرة شرعا، فهو لفظ جديد في الأنظمة العالمية والعربية لكن اقتضته ضرورة الحال ومواكبة النص العالمي مع الثبات على أصولية النظام وارتباطه الذي لا ينفك بالشريعة الإسلامية.
حلف اليمين:
اعتمد نظام الإثبات حلف اليمين كأحد أدلة الإثبات، وقسم اليمين ليمين حاسمة ويمين متممة على خلاف نظام المرافعات الشرعية 1435ه الذي كان يتحدث عن أداء اليمين بغير تعريف لها، وإن كان محتوى النصوص يشير إلى أنها اليمين الحاسمة.
وتعتبر اليمين الحاسمة من الأدلة العالمية في الإثبات ذات الأهمية العالية ويعرفها النظام الأمريكي بأنها:
“A decisive oath is an oath by a party in a lawsuit, used to decide the case because the party’s adversary offered to refer the decision of the case to the party because s/he was not able to furnish adequate proof“
وكما يصفها النظام الأمريكي أنها اليمين التي يلجأ إليها الخصم في أن يجعل قرار حسم االدعوى بيد خصمه لأنه لا يملك الدليل المناسب لإنهاء الدعوى.
ويتفق النظام الانجليزي والنظام الهندي وغالب الأنظمة العربية والغربية على دليل اليمين الحاسمة بأنه الدليل الذي يحسم الدعوى ويغلقها، وكما ذكر فإن نظام المرافعات الشرعية 1435ه لم يكن يسمي اليمين الحاسمة واليمين المتممة، ولكن من خصائص تلك اليمين التي يذكرها النظام يتأكد أنها اليمين الحاسمة.
أما اليمين المتممة هي الأخرى لها مكانها في نظام الإثبات العالمي هي ما تعرف ب or supplementary oath or suppletory oath
ويعرفها النظام الهندي بأنها:
A supplementary oath is an oath directed by court from its own motion to any of the litigants in order to establish the judgment on the merits of the case or on the value of the subject at issue[55].”
خاتمة:
قدم المنظم السعودي نظام الإثبات السعودي 1443ه كأحد الأنظمة التي كان يلزم إصدارها لما لها من أهمية بالغة في الإجراءات القضائية، وأن إجراءات التقاضي في الدولة مؤشر لسبل العدالة المطلوبة في دولة القانون التي يطمئن إليها المتقاضون سواء على المستوى الوطني أو مستوى العلاقات الخارجية.
استأنس منظمو هذا النظام بالنظم والقوانين العربية والإسلامية، فكثير من نصوصه تكاد تتطابق مع نظم وقوانين عربية أخرى. وقد التزم النظام بقواعد الشريعة الإسلامية، سواء في الأصول التي نص عليها النظام صراحة في المادة الثانية منه، أو في التفاصيل الشرعية، مما يمكن القول معه بأنه نظام قائم على الأصول الإسلامية، كما التزم النظام الصياغة العالمية للنصوص ولم يرد في النظام ما يخالف أي نص أو إجراء عالمي مما يمكن القول معه أيضا أن النظام قائم على الأصول العالمية في النص والموضوع.
بذلك يكون المنظم قد أفلح في هذا الصياغ الرفيع للنظام ما بين أصولية القواعد العالمية وعالمية النص القانوني.
نتائج البحث:
1. أن النظام يعتبر نقلة نوعية في طريقة الصياغة القانونية في المملكة.
2. أن النظام التزم نظام دستورية القوانين بالتزامه بنظام الحكم الأساسي.
3. أن النظام جاء متوافقا تماما مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية.
4. أن النظام النظام جاء متوافقا تماما مع النصوص العالمية.
5. أن النظام ترك مساحة محدودة للاجتهاد القضائي في تطبيق بعض النصوص.
التوصيات:
1. أن تلتزم الجهة المنظمة هذا الاتجاه في جميع الأنظمة الأخرى، حتى تكتمل الحلقة القانونية المتعلقة بإنفاذ استراتيجية المملكة 2030.
2. ألا يتوسع القضاء في المساحة الاجتهادية التي تركت له، وأن تكون اجتهاداته مسببة دائما ليؤتي هذا النظام ثماره كما خطط له.
المصادر:
القرآن العظيم.
السنة المطهرة.[56]
مراجع:
أحمد إبراهيم بك – طرق الاثبات الشرعية مع اختلاف المذاهب الفقهية – المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة.
احمياز سمير _ اشكالية مفهوم السيادة الوطنية في ظل المتغيرات الدولية الراهنة _مولود معبري وزو يزو
بدرية عبد المنعم حسونة – شرح نظام الإثبات السوداني 1994 – المكتبة القانونية مطبعة جي تاون – الطبعة الثامنة.
خالد جمال أحمد حسن – مبادئ الصياغة التشريعية – المجلة القانونية – جامعة البحرين- العدد 89.
الزرقاء – شرح القواعد الفقهية القاعدة الرابعة و السبعون.
زينب الشرع- مفهوم العرف في الفقه الإسلامي0
شمس الدين بن محمد بن قيم الجوزية – الطرق الحكمية في السياسة الشرعية- دار الكتب العلمية – بيروت لبنان.
العاقب سفيان _ رسالة ماجستير بعنوان الدولة والعولمة : نهاية السيادة فرانسيس فوكاباما نموذجا – كليه العلوم الأجتماعية جامعة طهران.
عبد الله بن عبد العزيز العجلان- القواعد الكبرى في الفقه الإسلامي – دار طيبة – الرياض.
عوض الله ابوبكر – الإثبات في الفقه الإسلامي – مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – العدد 62.
مبروك غضبان – التصادم بين العولمة و السيادة (حقوق الانسان نموذجا) مجلة البحوث و الدراسات – المركز الجامعي الواجي – العدد 7- سنة 2009- نقلا عن د. جمال الدين عنان – كلية الحقوق و العلوم السياسية – جامعة محمد أبو ضياف – مجلة عولمة القانون الجنائي الآليات و المظاهر.
مجمع المعاني- كلمة صلغ يصوغ صوغا وصياغة.
محمد إسلام مدكور – المدخل للفقه الإسلامي تاريخه ومصادره
محمد حسن عبد الغفار – القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه – دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
محمد رأفت عثمان – النظام القضائي في الفقه الإسلامي- الطبعة الثانية 1994.
محمد صدقي بن محمد آل برنو- الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية – مؤسسة الرسالة العالمية – بيروت-لبنان 1996.
محمد عبد الله المرزوقي- الزاد المقنع في المصطلحات الدستورية ومن منظور اسلامي – تلخيص عبد الله محارب – مكتبة التوبة.
محمد مصطفى الزحيلي – كتاب القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة – دار الفكر – دمشق- الطبعة الأولى-2006.
وليد عوجات – الشهادة كوسيلة من وسائل الإثبات، دراسة مقارنة بين أحكام الشريعة والقانون – دراسة لاستكمال متطلبات درجة الماجستير – جامعة المشرق – كلية الحقوق- 2011.
يعقوب بن عبد الوهاب الباحصين – قاعدة العادة محكمة دراسة نظرية تأصيلية – مكتبة الرشد – الرياض.
ئلان حمه سعيد،م. عبد الرحمن كريم درويش- جامعة جامعة حليمة، جامعة صلاح الدين – أربيل – دراسة باسم تاثير العولمة على سيادة الدولة – مجلة القانون والسياسة 13/10/2016.
References:
HO Hock lai. philosophy of evidence law, justice in the search of truth –– oxford University press- new york- PX.
M.C.slough- confession and admission –Ford ham law Reviw – Rev.96- 1959.
Planiol- Treatise on the Civil Law- 11th ed 134- volume an English translation- Louisiana state institute – USA-
[1] . احمياز سمير _ اشكالية مفهوم السيادة الوطنية في ظل المتغيرات الدولية الراهنة _مولود معبري وزو يزو
[2] . م.م. ئلان حمه سعيد،م. عبد الرحمن كريم درويش- جامعة جامعة حليمة، جامعة صلاح الدين – أربيل – دراسة باسم تاثير العولمة على سيادة الدولة – مجلة القانون والسياسة 13/10/2016- ص 185
[3] . المرجع السابق ص190
[4] . العاقب سفيان _ رسالة ماجستير بعنوان الدولة والعولمة : نهاية السيادة فرانسيس فوكاباما نموذجا – كليه العلوم الأجتماعية جامعة طهران ص ١٠٦ ص ٤٠
[5] . د. مبروك غضبان – التصادم بين العولمة و السيادة (حقوق الانسان نموذجا) مجلة البحوث و الدراسات – المركز الجامعي الواجي – العدد 7- سنة 2009- نقلا عن د. جمال الدين عنان – كلية الحقوق و العلوم السياسية – جامعة محمد أبو ضياف – مجلة عولمة القانون الجنائي الآليات و المظاهر.
[6] . مجمع المعاني- كلمة صلغ يصوغ صوغا وصياغة.
[7] . د. محمد عبد الله المرزوقي- الزاد المقنع في المصطلحات الدستورية ومن منظور اسلامي – تلخيص عبد الله محارب – مكتبة التوبة – ص4
[8] . أ.د. خالد جمال أحمد حسن – مبادئ الصياغة التشريعية – المجلة القانونية – جامعة البحرين- العدد 89 ص5
[9] .محمد صدقي آل برنو – كتاب الوجيز في ايضاح قواعد الفقه الكلية ص 179.
[10] .د. بدرية عبد المنعم حسونة – شرح نظام الإثبات السوداني 1994 – المكتبة القانونية مطبعة جي تاون – الطبعة الثامنة 2012ص10
[11] . الحديث ثابت، قال ابن رجب رحمه الله: أصل هذا الحديث خرَّجاه في الصحيحين.
[12] . د. عبد الله بن عبد العزيز العجلان- القواعد الكبرى في الفقه الإسلامي – دار طيبة – الرياض ص58.
[13] . محمد صدقي آل برنو كتاب الوجيز في ايضاح قواعد الفقه الكلية- ص180.
[14] . د. محمد مصطفى الزحيلي – كتاب القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة – دار الفكر – دمشق- الطبعة الأولى-2006-الجزء الأول –ص 129.
[15] .د.بدرية عبد المنعم حسونة – شرح قانون الإثبات السوداني ص14.
[16] . د. محمد مصطفى الزحيلي – المرجع السابق ص 130
[17] . د. محمد صدقي بن محمد آل برنو- الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية – مؤسسة الرسالة العالمية – بيروت-لبنان 1996- ص360
[18] . أ. محمد إسلام مدكور – المدخل للفقه الإسلامي تاريخه ومصادره
[19] . أ. زينب الشرع- مفهوم العرف في الفقه الإسلامي – ص 20
[20] . محمد حسن عبد الغفار – القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه – دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net – ص 168
[21] د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحصين – قاعدة العادة محكمة دراسة نظرية تأصيلية – مكتبة الرشد – الرياض –ص21
[22] . المرجع السابق. ص28
[23] .أ.د. محمد مصطفى الزحيلي – القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة – دار الفكر – دمشق – البرامكة – الجزء الأول – ص 76
[24] . محمد صدقي آل برنو – مرجع سبق ذكره –ص 356
[25] . الآية 106 من سورة المائدة.
[26] . حديث صحيح -لراوي : المحدث : ابن حزم – المحلى – الصفحة أو الرقم : 11/292
[27] . أ.د. مصطفى الزحيلي – المرجع السابق – ص 581
[28] . P philosophy of evidence law, justice in the search of truth – HO Hock lai – oxford University press- new york- PX.
[29] . IBID
[30] . أحمد إبراهيم بك – طرق الاثبات الشرعية مع اختلاف المذاهب الفقهية – المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة – ص42
[31] . شمس الدين بن محمد بن قيم الجوزية – الطرق الحكمية في السياسة الشرعية- دار الكتب العلمية – بيروت لبنان – ص12
[32] . د. عوض الله ابوبكر – الإثبات في القه الإسلامي – مجلة الجامعة الغسلامية بالمدينة المنورة – العدد 62- ص 91
[33] . أخرجه الترمذي – عن عمرو بن شعيب عن ابيه
[34] . حديث حسنٌ، رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين.
[35] . Code civil : Titre IV bis : De la preuve des obligations … (Articles 1353)
[36] . المادة 323 من التقنين المدني الجزائري.
[37] . المادة الأولى من قانون الغثبات المصري. رقم 25 لسنة 1968.
[38] . (نقض مدني في الطعن رقم 1808 لسنة 50 قضائية – جلسة 3/6/1987 مجموعة المكتب الفني – السنة 38 – ع2 – صـ 759)..
[39] . The Planiol Treatise on the Civil Law- 11th ed 134- volume an English translation- Louisiana state institute – USA- p17.
. [40] . محمد صدقي ىل محمد برنو – الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية الكلية – مؤسسة الرسالة العالمية – بيروت – لبنان – الطبعة الرابعة 1996 – ص 351.
[41] . الزرقاء – شرح القواعد الفقهية ج-1 ص 3777 القاعدة الرابعة و السبعون.
[42] .أ. محمد رأفت عثمان – النظام القضائي في الفقه الإسلامي- الطبعة الثانية 1994- ص 272
[43] . M.C.slough- confession and admission –Ford ham law Reviw – Rev.96- 1959-p4
[44] .IBID – p15.
[45] . محمد رأفت عثمان – مرجع سبق ذكره ص 295-296.
[46] . المادة السابعة عشرة من نظام الإثبات السعودي 1443.
[47] . راجع مواد النظام من المادة الخامسة و العشرون إلى المادة ا”لثانية والخمسون” من النظام.
[48] . آية الدين هي الآية 282 من سورة البقرة وهي تحدثت عن الإجراءات التي يجب ان يتبعها المتداينون كتابة .
[49] . أ. عوض الله بابكر – نظام الإثبات في الفقه الإسلامي- مرجع سبق ذكره –ص 112.
[50] . Evidence Act 1851 CHAPTER 99 14 and 15 Vict
[51] .. وليد عوجات – الشهادة كوسيلة من وسائل الإثبات، دراسة مقارنة بين أحكام الشريعة والقانون – دراسة لاستكمال متطلبات درجة الماجستير – جامعة المشرق – كلية الحقوق- 2011- ص 26.
[52] .عوض الله أبوبكر – نظام الإثبات في الفقه الإسلامي – مرجع سبق ذكره – جزء 59- ص 93.
[53] . الآية 135 من سورة النساء.
[54] . المرجع السابق.
[55] . The Indian Oaths Act, 1873