في الواجهةمقالات قانونية

الحق في الشفعة

 

 

الحق في الشفعة

علي هرمي

باحث في القانون الخاص

 

مقدمة:

تتميز المنازعات العقارية بكونها منازعات متعددة نظرا لما للملكية العقارية من أهمية اقتصادية واجتماعية ومن بين أهم هذه المنازعات نجد دعوى الشفعة.

وتعتبر الشفعة مؤسسة ضاربة بعراقتها في جذور التاريخ الإسلامي، إذ انما ثابتة بالإجماع واسعة فقد جاء في الحديث النبوي الشريف، عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وحرفت الطرف فلا شفعة.

وقد عرفت المادة 292 من قانون بمثابة مدونة الحقوق العينية الشفعة بأنها “أحد شريك في ملك أو حتى عيني مشاع حصة شريكة المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء، هذا وقد شرعت الشفعة لدفع الضرر الذي ينشأ بسبب الشركة في الملك ، فالشركاء قد لا يقبلون بدخول أجنبي معهم  كما أن الشفعة تساعد أيضا على عدم تجزئة حق الملكية.

وهكذا نظرا لأهميتها فقد أحدث بها معظم التشريعات العربية بما فيها المغرب الذي اخذ بها لأول مرة في ظهير الالتزامات والعقود لسنة 1913 وذلك في الفصول 974 إلى 976 ثم في المرسوم الملكي ل 2 يونيو 1915 في الفصول من 25 إلى 34 المطبق على العقارات المحفظة ، وبالتالي فالشفعة في إطار المرسوم الملكي 2 يونيو 1915 كانت تخضع إلى نظامين قانونيين مختلفين.

فإن تعلق الأمر بعقار محفظ فالشفعة تخضع لأحكام المرسوم الملكي 2 يونيو 1915 امال إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ فالشفعة تحضع لأحكام الشريعة الإسلامية والفقه المالكي، فهذه الازدواجية أدت إلى خلق مجموعة من الإشكالات والصعوبات العملية فجاء قانون 08-39 بمثابة مدونة الحقوق العينية الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا ليحمل على تجاوز هذه الصعوبات وذلك عبر تبسيط وتوحيد المقتضيات القانونية  المتعلق بالحقوق العينية المطبقة على العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظة وبناء على ذلك فقد أصبحت الشفعة تخضع إلى نظام قانوني موحد يقوم على وحدة المفاهيم ووحدة الآجال ووحدة القواعد وسواء كان العقار محفظا أم غير محفظ.

وهكذا إن حق الشفعة في إطار مدونة الحقوق العينية الجديدة يطرح مجموعة من الإشكالات تتجلى في التساؤل حول المستجدات التي مست قواعدها الموضوعية والشكلية وأيضا التساؤل حول مدى توفق المشرع المغربي في تجاوز الإشكالات التي كانت تطرحها الشفعة قبل صدور قانون08-39 ؟

وهكذا إن حق الشفعة في إطار مدونة الحقوق العينية الجديدة يطرح مجموعة من الإشكالات تتجلى في التساؤل حول المستجدات التي مست قواعدها الموضوعية والشكلية؟ وأيضا التساؤل حول مدى توقف المشرع المغربي في تجاوز الإشكالات التي كانت تطرحها الشفعة قبل صدور قانون 08-39؟

لمعالجة هذا الموضوع سيتم اعتماد التصميم التالي :

المبحث الأول: القواعد الموضوعية اللازمة للأخذ بالشفعة

المبحث الثاني: القواعد الشكلية اللازمة للاخذ بالشفعة

 

المبحث الأول: القواعد الموضوعية

سوف تنبني دراستنا للقواعد الموضوعية بمقاربة أطراف ( المطلب الأول) ومحل الشفعة ( المطلب الثاني) على اعتبار نهم يكونون اركانها على أن نتناول كل لكن في ارتباط بالشروط المتطلبة والأحكام المتعلقة به بعد أن تكون قد تناولنا تعريفه على ضوء القانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

المطلب الأول: القواعد الموضوعية للشفعة

فقرة الأولى:

الشفيع كما هو معلوم خاطر آف لشفعة هما كل من الشفيع ( الفقرة الأولى ) والمشفوع منه ( الفقرة الثانية) على ضوء مجموعة من التعاريف الفقهية ” فالشفيع هو من له الحق في استشفاع حصة شائعة في عقار يملك فيه جزءا شائعا ، فوتها شريكة للغير بعوض.

إلا أنه بعد صدور القانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق الفنية الذي حاول جمع شتات هذا الموضوع نرى أن هذا التعريف أصبح يعترف بعض القصور على اعتبار ان قراءة شمولية للمواد المنظمة للشفعة في القانون الجديد تبرز لنا انه لا وجود لمصطلح المعارضة وإنما البيع وشتات بين البيع والمعاوضة وبذلك  يكون تعريف الشفيع هو من له الحق في استشفاع حصة شائعة في عقار او حق عيني قابل للتداول قوتها شريكة للغير عن طريق البيع، وبذك فالمشرع بتوحيد لاحكام الشفعة على العقار المحفظ وغيرالمحفظ  وغير المحفظ يكون قد توفق في سد بعض الثغرات نحصر هنا الشفعة على العقار غير محفظ، التي كانت تباح في جميع التصرفات العوضة وبالنسبة لشروط أحد الشفيع بالشفعة تناولتها المادة 293 من القانون 08-39 المتعلق مدونة الحقوق العينية وحددتها في أربعة شروط وهي :

1-أن يكون الشفيع شريكا في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكة في العقار او الحق العيني وهكذا فالملك يجب أن يكون مشاعا فلا شفعة إذا لم تكن تمة شركة ويستشف من هذا الشرط أيضا أنه لا شفعة لمن كان شريكا وانتهت شركته أي يجب أن يكون لأزال شريكا وقت حصول البيع.

إلا أن الملاحظ هنا أن المادة 293 تتحدث عن الشركة وقت البيع مما يغني أنه ليس ثمة شيء يلزم الشفيع بأن يظل مالكا لما يشفع به إلى حين صدور الحكم بالشفعة إنما يكفي توفره على صفة شفيع حين قيام سبب الشفعة والقيام بإجراءاتها  والمطالبة بها قضائيا ، ولو باع حصة موضوع الشفعة بعد ذلك وقبل صدور الحكم بالشفعة.

2-أن يكون بتاريخ تملكه للجزء المشاع سابقا على تاريخ تملك المشفوع من يده للحصة محل الشفعة، وبذلك فالمشرع بهذا الشرط يكون قد وضع حدا للتضارب القضائي والجدل الفقهي فيما يتعلق بالعقار المحفظ لأنه لم يكن ثمة مقتضى يمنع الشفيع من استعمال تملك الشفيع لاحقا على تاريخ تحلل المشفوع منه فلا شفعة له.

3-أن يكون الشفيع حائرا الحصة في الملك المشاع حيازة قانونية او فعلية وذلك بإثبات الشروط المعتبرة قانونا للحيازة كما أنه لا يعقل أن يطالب بالشفعة من لم يكن مالكا للجزء الذي يشفع به، وهذا الشرط ما هو إلا تطبيق للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن ما بني على باطل فهو باطل.

4-أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض مما يعني أنه إذا تعلق الأمر بعقد تبرع فلا مجال للشفعة، وهذا الشرط نجده شرحه في المادة 303 م ح ع التي تقضي بأنه لا شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو تحايلا ، كما لا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق او خلع وتجدر الإشارة أنه يتعين على طالب الشفعة إثبات البيع وهو ما تقضي به المادة 295 م ح ع .

كما ان الفقرة الثانية من المادة 296 اعطت حكما لحقوق الأولوية في ممارسة الشفعة عند تعدد الشفعاء وان الشفعة بقدر حصة كل واحد منهم يوم المطالبة بها كما يتعين عدم تبعيض الحصة على المشفوع منه وهو القاعدة التي يجب على الشفيع أن يتقيد بها عند مطالبته بالشفعة حيث لا يرغم المشفوع منه من تمكين الشفيع من شفعة بقضي بعض الحصة فقط.

أما عن اختلاف مراتب الشفعاء وما كان يطرحه من جدل فالمادة 297 من المدونة جاءت واضحة كجواب عن الإشكال الذي كان يطرح وحددت في أعلى حصرم الترتيب ( لأخذ بالشفعة) من ستشارك السابع في السهم الواحدي الميرات ثم باقي الورثة وثم الموصى لهم ، ثم الأجانب.

وهو المشتري الذي اشترى جزءا من المال الشائع سواء كان مالكا في نفس العقار قبل الشراء المشفوع او لا لأن الشفعة حسب المادة 296.

كما تمارس ضد المشتري فهي تمارس أيضا ضد المشتري ولو كان من احد الشركاء وهو ما كانت تسير محكمة النقض حيث جاء في مضمون إحدى قراراتها ان الفقه الإسلامي لا يمنع الاخذ بالشفعة من يد الشريك ولا يقيم انه تفوقه بين الشفعة من الشريك والشفعة من الأجنبي إلا من حيث مدى أثرها بالنسبة للأجنبي يؤخذ منه المبيع كله بينما بالنسبة للشريك يقول له جزء من المبيع في حدود حصته وليس المراد بعبارة الغير الواردة في الفعل 25 من الظهير السابق ( 2 يونيو 1915) والاجنبي الواردة في الفصل 974 من ق ل ع الأجنبي عن العقار، وإنما الأجنبي عن عقد البيع، فالشفيع والمشفوع منه يغير كل منهما غير بالنسبة للآخر فيما يخص عقد البيع”.

وواضع أن المدونة الجديدة تكرس النفس النهج والآثار حيث ان الشفعة ضد الأجنبي تكون في الحجة بكاملها ( الفقرة الأولى) 295 اما الشفعة ضد الشريك فتكون بقدر حصة الشفيع في الملك المشاع ويترك للمشترك نصيبه بقدر حصة ما لم يعرب عن رغبته في التخلي ( الفقرة الأخيرة 295 ).

وتجدر الإشارة أنه يمكن للشفيع والمشفوع منه أن يتقاسما الحصة التي بيعت للمشتري ( الشفيع) حيث يترقب في هذه الحالة سقوط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة وأيضا إذا اشترى الشفيع الحصة من مشتريها حيث يترتب السقوط أيضا، وهو ما تقضي به المادة 311 م ج ع حيث رئيس السقوط أيضا في حالة تنازل الشفيع عن هذا الحق شرط أن يحصل التنازل بعد ثبوت حق الأخذ بالشفعة للشفيع وكذلك إدا باع الأخير حصته التي يشفع بها.

غير أنه لا يمكن الدفع بسقوط الاخذ بالشفعفة بموت الشفيع لأن المادة 312 من المدونة جعلت هذا الحق ( الأخذ بالشفعة) ينتقل إلى الورثة بنفس الشروط، وما بقي من اجل ما يعني أن الأجل هنا لا تنقطع ولا يتوقف وإنما يستمر لنفس الاجل المحدد في المادة 304، وهو ما يمكن ان ينتج عنه صعوبة أحد الورثة على اعتبار أنه لم يضع في الحسبان بعض الحالات التي قد يضيع فيها صف الورثة في الأخذ بالشفعة فقط لقصور في الصياغة أو عدم الانتباه فماذا لو أن الشفيع توفي في آخر الأيام القليلة التي تبقت في الآجال أو في آخر يوم من هذا الآجال، ألا يكون والحالة الأخيرة حق أخذ الورقة بالشفعة صعبا إن لم نقل مستحيلا، إذا لم يكن الشفيع ( المتوفي) قد أندر رغبة في الأخذ بالشفعة؟.

المطلب الثاني : مجال الشفعة

إن الحديث عن محل الشفعة يشمل الشيء المشفوع (الفقرة الأولى) والمشفوع به (الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى: الشيء المشفوع

الشيء المشفوع هو موضوع الشفعة ، أي ما يأخذه الشفيع من يد المشتري شفعة، وهو إما عقار او حق عيني مشاع.

والملاحظ من خلال مدونة الحقوق العينية الجديدة أنها حددت الشيء المشفوع في العقارات والحقوق العينية القابلة للتداول ، كما تنصب الشفعة على بعض التصرفات مثل الممارسة وهو ما قضت به المادة 308 م ج ع هذا علاوة على بعض الحقوق العرفية الإسلامية المتفرعة عن حق الملكية، والتي ارتقت إلى مصاف الحقوق العينية  الأصلية مع مدونة الحقوق العينية الجديدة بموجب المادة 9، حيث قضت المادة 294 في هذا الصدد على أنه يجوز ضم الهواء وال** وكذلك حق السطحية او الزريبة عن طريق الشفعة فيما بيع لأجنبي مكرسة بذلك لما جاء في المواد 140 – 116 – 131 على التوالي، حيث جاء في مضمون المواد مكاتبة انتقال هذه الحقوق عن طريق الشفعة.

غير أن الإشكال الذي قد يطرح هنا هو مدى إمكانية طلب الشفعة بشأن هذه الحقوق إذا تم البيع لأحد الشركاء الواضع أن المشرع قد حصن المشتري التريت من إمكانية طلب الشفعة ضده بشأن الحقوق الواردة في المادة 294 م ج ع وبالتالي فلا مجال للشفعة بشان هذه الحقوق إذا كان المشتري أحد الشركاء لأن المشرع لو أراد ذلك لما ميز بين المشتري والاجنبي، والمشتري الشريك كما فعل في المادة 296 م ح ع .

وبخصوص العقارات التي تقبل القسمة والتي لا تقبلها فقد نصت المادة 298 بكل وضوح على أن الشفعة تكون في العقارات سواء كانت قابلة للقسمة ام غير قابلة لها.

غير أنه لا مجال للشفعة إذا وقع البيع بالمزاد العلني وهو ما تقضي به المادة 302 التي تنص على أنه إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الأجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذ ما بالشفعة وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا للخلاف والجدل الفقهي الذي ظل قائما لسنين طوال ويكون قد حدد بشكل واضح نطاق الشفعة.

الفقرة الثانية : المشفوع له

المشفوع به هو الثمن  الذي يؤديه الشفيع للمشفوع منه عند الشفعة مقابل حصوله على النصيب المشفوع.

وواضح أنه بعد أن تم حصر مجال الشفعة في م ح ع الجديدة في الملك المشاع الذي ينتقل عن طريق البيع دون المعاوضة لم يعد مجال للحديث في عناصر المشفوع به عن الشفعة بالقيمة ( العوض غير المالي ) وإنما فقط البحث باعتباره محل التزام المشتري في عقد البيع حسب المادة 478 ق ل ع ، وهو ما تؤكده لنا المادة 292 م ح ع التي تتحدث عن أداء الثمن، وبذلك فهذه المادة تكون قد قيدت العبارة الأخيرة الواردة في الفصل 974 ق ل ع والتي جاء فيها ” يسري نفس الحكم في حالة المعاوضة” لذا يرى أنه لم يعد لهذه العبارة أي تبرير ، والتي سيتم تجميد ها لأن النص الخاص يقيد العام وعلاوة على الثمن يجب على الشفيع تأدية مصروفات العقد اللازمة والمصروفات  الضرورية النافعة عند الاقتضاء وهو ما تقضي به المادة 292 م م ع وواضح أن المصروفات الواجب تأديتها هي المصروفات التي تطلبها المشفوع لإزالة الحفاظ عليه في حدود المعقول ، اما مصاريف الزينة والشرف فلا يلزم الشفيع بأدائها.

هذا وبعد تناول القواعد الموضوعية ، ما داعت القواعد الأجرائية.

 

المبحث الثاني : القواعد الإجرائية للأخذ بالشفعة

بالرغم من توفر مختلف الشروط الموضوعية للأخذ بالشفعة فإن الشفيع ملزم باتباع محموعة من المساطر والإجراءات لكي يمارس هذا الحق بصفة قانونية علاوة على ضرورة احترامه للآجال القانونية التي تختلف من حالة إلى أخرى، فكيف ذلك؟

المطلب الأول، الإجراءات اللازمة لممارسة حق الشفعة

تعد اهم اجراءات ممارسة حق الشفعة، إعلان الشفيع عن رغبته في الاخذ بها بالإضافة إلى إيداع العرض العيني الحقيقي بصندوق المحكمة وعلاوة على رفع دعوى المصادقة على العروض العينية وتنفيذها .

الفقرة الأولى: الإعلان عن الرغبة في الأخذ بالشفعة

نصت المادة 306 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” يجب على من يرغب في الاخذ بالشفعة أن يقدم طلبا إلى رئيس المحكمة الابتدائية المختصة يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة ويطلب فيه الإذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا” فأول إجراء يقوم به طالب الشفعة إذن هو الإعلان الصريح من طرفه عن رغبته في الاخذ بالشفعة المعبر عنه بطلب إلى رئيس المحكمة ( م 148) يأذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا على المشتري مقابل شفعة الحصة التي اشتراها ، كما يتم تبليغ المشتري برغبة الشفيع هذه في الغالب عن طريق إنذار يوجهه عون كتابة الضبط إليه، يوقع ذلك بعد إثبات طالب الشفعة  بيع الحصة المطلوب شفعتها إذا كان العقار غير محفظ ، اما إذا كان العقار محفظا يتعين عليه إثبات تقييد البيع بالرسم العقاري”.

وتجدر الإشارة إلى ان إعلان رغبة الشفيع في ممارسة الشفعة يجب ان يوجه إلى المشتري وليس من الضروري توجيهه إلى البائع لأن الخصم الحقيقي للطالب الشفعة هو المشتري وليس البائع . كما يتعين احترام الآجال القانونية (التي سنتطرق إليها لاحقا) أما إذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ فلا يحتد بطلب الشفعة إلا إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب من التحفيظ المتعلق به .

وهكذا إذا توصل المشتري بالإعلان وقبل العرض العيني الحقيقي حرر عون كتابة الضبط في ذلك محضرا فيسلم الشفيع الثمن المعروض عليه بشكل معجل 3 ايام وبذلك تنتهي إجراءات الشفعة عند هذه المرحلة.

أما في حالة رفض المشتري المشفوع منه العرض العيني ، أيضا يحرر عون كتابة الضبط محضرا في ذلك، وبالتالي يكون طالب الشفعة مضطرا إلى الانتقال إلى مرحلة الايداع العيني للثمن والمصروفات الأخرى لمواصلة إجراءات الشفعة.

الفقرة الثانية: الإيداع العيني للثمن ومصروفات العقد

إذا رفض المشتري تمكين الشريك من الشفعة أثر رفضه للعرض العيني الحقيقي يتعين على طالب الشفعة إيداع الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد لدى صندوق المحكمة الابتدائية موطن العقار موضوع الشفعة وهذا ما يستفاد من المادة 306 من مدونة الحقوق العينية وهو إجراء سابق على رفع الدعوى ويعتبر من الإجراءات الأساسية التي لا غنى للشفيع عنها وذلك تحت طائلة سقوط حقه في الشفعة.

كما تجدر الإشارة إلى ان إيداع الثمن وتوابعه بصندوق المحكمة يكون داخل أجل 3 أيام من تاريخ عدم قبول المشفوع منه بعد عرضه عليه عرضا حقيقيا داخل الاجل المذكور، وهذا ما يستشف من الفصل 974 من ق ل ع الذي نص على أنه يلزمه أن يدفع ما عليه معجلا وعلى الأكثر خلال 3 أيام ، فإن انقضى هذا الأجل لم يكن لمباشرة حق الشفعة أي أثر.

هذا ويجب أن يشمل الإيداع ثمن البيع والمصروفات الظاهرة للعقد فبالنسبة لثمن البيع فهو الثمن المنصوص عليه صراحة في العقد بشكل مبدئي ولكن يطرح التساؤل حول مدى إمكانية وضع الشفيع لثمن أقل من الثمن المنصوص عليه في العقد إذا كان ينازع في قيمته معتبرا أنه ليس بالثمن الحقيقي الذي بيع به العقار .

فقد قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أحد قراراتها ما يل ي:

حيث أن طالبة الشفعة لم تضع في صندوق المحكمة جميع الثمن المكتوب في رسم الشراء وإنما وضعت 10 آلاف درهم فقط وكان الواجب عليها أن تضع جميع ما هو مكتوب في الرسم ثم تنتظر ما تقرره المحكمة في تحديد الثمن إذن فالشفيع ملزم بأداء الثمن الذي بيع به العقار كاملا حتى وإن كان ينازع في مقداره.

أما بالنسبة لمصروفات العقد فهي المصروفات الظاهرة له من قبيل اتعاب تقرير العقد ورسوم التسجيل واجرة الوكيل او السمسار وغيرها… وهذه المصروفات يتعين إيداعها بصندوق المحكمة إذا لا يكفي إيداع الشيء فقط.

كما يمكن أيضا إلى ثمن البيع مصروفات العقد أيضا التحسينات التي يجريها المشتري على العقار المطلوب شفعته وذلك إذا لم ينازع الشفيع في قيمة التحسينات او وجودها وإلا فهو يلزم بايداعها إلا بعد إثبات وجودها .

وبعد إيداع الشفعي الثمن وتوابعه بصندوق المحكمة الذي يجب أن يكون داخل أجله القانوني الذي سنتناوله لاحقا يحصل على محضر إيداع ومن تم فإن له مواصلة إجراءات الشفعة عبر رفع دعوى من اجل المصادقة على العروض العينية واستحقاق الشفعة.

الفقرة الثالثة: دعوى المصادقة على العروض العينية واستحقاق الشفعة

وتسمى دعوى الشفعة وهي تخضع على غرار باقي الدعاوى إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية باستثناء أنها تكون متوقفة على الإجراءات السالفة الذكر ويطرح التساؤل حول أجال رفع دعوى الشفعة وحول مدى إمكانية رفع الدعوى بعد مرور الأجل القانوني 15 فقد قضى المجلس الاعلى في أحد قراراته حيث إنه فيما يتعلق بممارسة حق الشفعة داخل الأجل القانوني فإن العبرة بالتاريخ الذي يعبر فيه الشفيع عن رغبته في الشفعة مع إيداعه الثمن والمصاريف بين يدي كتابة الضبط لعرضها على المشفوع منه، وليست العبرة بتاريخ أقامة دعوى المصادقة على ذلك العرض العيني، كما ان إلغاء الدعوى شكلا لعدم الإدلاء ببعض الوثائق يترك الباب مفتوحا أمام المدعى لإقامة الدعوى من جديد.

أما بالنسبة لأطراف الدعوى فالمدعي هو الشفيع الذي يجب أن يتوفر فيه أهلية التصرف ، اما إذا كان محجورا عليه فيرفع الدعوى نائبه الشرعي أو القانوني، أما المدعى عليه فهو المشتري وليس البائع لأنه هو الذي سينتزع الملك منه ” وذلك خلافا للتشريع المدني المصري الذي الزم الشفيه رفع الدعوى الشفعة على البائع والمشتري  لأن الشفيع يحل محل المشتري فيما له وما عليه اتجاه البائع.

اما المحكمة المختصة، محليا فهي محكمة موقع العقار وموضوع طلب الشفعة عملا بالفصل 28 من قانون المسطرة المدنية باعتبار أن دعوى  الشفعة هي دعوى عقارية بامتياز.

وهكذا في حالة رفض المشتري عرض الشفيع يقوم هذا الأخير برفع دعوى إلى المحكمة الابتدائية يطلب فيها الحكم بصحة العرض والإيداع والاستحقاق شفعة ما اشتراه المشفوع منه، وإذا أصدر حكم نهائي بالمصادقة على العروض العينية فإن الشفيع يتملكه الحصة المشفوعة وهذا ما اكدته المادة 307 من مدونة الحقوق العينية التي نصت على أنه إذا تم التراضي على الأخذ بالشفعة أو حكمت بها المحكمة فإن الشفيع يتملك الحصة المبيعة مع مراعاة مقتضيات الظهير الشريف المتعلق بالتحفيظ العقاري.

وعلى هذا الأساس إذا تعلق الأمر بعقار محفظ فإن الشفيع ملزم بإشهار حق الملكية الناتج عن الشفعة بواسطة تقييد بالرسم العقاري داخل أجل 3 أشهر من صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به. والأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به هي التي لا يجوز الطعن فيها بطرق الطعن العادية من تعرض واستئناف وإن كان يجوز الطعن فيها بطرق الطعن غير عادية. ومن هنا يطرح التساؤل حول مدى إمكانية وقف تنفيذ الحكم استحقاق الشفعة وقف التقيد بالرسم العقاري إذا تم الطعن فيها بالنقض بناء على الفصل 361 من ق م م ؟ فالقول من هو عدم خضوع التقيد بالرسم العقاري للفصل 361 باعتبار ان الشفعة لا تدخل ضمن قضايا التحفيظ، وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالقنيطرة في قرارها الذي جاء فيه ” حيث إن القرار باستحقاق الشفعة هو قرار حضوري نهائي وأنه ينفذ بقوة القانون حتى في حالة الطعن بالنقض لأنه لا يدخل ضمن حالات الفصل 361 من ق م م الذي يوقف الطعن بالنقض التنفيذ.

وعلى العموم فممارسة حق الشفعة يعرف شفوعا في الآجال، فلقد أوجد المشرع ثلاثة أجال لممارسة حق الشفعة أجل الشهر وأجل السنة وأجل الأربع سنوات .

المطلب الثاني: الآجالي المقررة لأخذ بالشفعة

 

الفقرة الأولى: أجل 30 يوما ( شهر )

إن أجل 30 يوما محدد بمقتضى الفصل 304 من مدونة الحقوق العينية حيث نص على أنه يمكن للمشتري بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ، ان يبلغ نسخة من عقد شرائه إلى من له حق الشفعة ولا يصح التبليغ إلا إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها ويسقط حق هذا الأخير إن لم يمارسه خلال أجل 30 يوما كاملة من تاريخ التوصل.

يتعين أن يتضمن التبليغ تحت طائلة البطلان بيانا عن هوية كل من البائع والمشتري مع بيان عن الحصة المبيعة وثمنها والمصروفات ورقم الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ أو مراجع عقد التفويت.

فهذا النص يشترط توافر شروط معينة لتقييد حق الشفيع بأجل 30 يوم وتتجلى هذه الشروط في :

1- ان يقوم المشتري بتقييد حقوقه بالرسم العقاري إذا تعقل الأمر بعقار محفظ أو بإيداعها بمطلب التحفيظ إذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ

2- ان يقوم بعد ذلك بتبليغ نسخة من العقد الذي اكتسب به حقوقه من له الحق في ممارسة وذلك وفق مختلف أشكال التبليغ الرسمية ويجل أن يتم هذا التبليغ إلى جميع الشركاء ليسري أجل 30 يوما في حقهم كما أن مدونة الحقوق العينية الجديدة اشترطت أن يكون هذا التبليغ شخصيا للشفيع مكرسة بذلك توجهات محكمة النقض حيث نص أحد قراراتها على ضرورة التبليغ الشخصي حيث لا يسري لأجل لممارسة حق الشفعة إلا إذا وقع التبليغ إلى الشفيع شخصيا فلا يكفي التبليغ الذي يقع في موطنه لأقربائه أو خدمه.

3- إن التبليغ يجب ان يكون لاحقا لتقييد الحق بالرسم العقاري او إيداعه بمطلب التحفيظ بحيث لا ينتج أثره إذا تم قبل ذلك.

4- إن التبليغ يجب أن يتم من طرف المشتري دون غيره، فلا يعتد بالتبليغ الحاصل من طرف البائع لأنه فقد صفته كمالك للعقار المراد استشفاعه.

5- إذا قام المشتري بهذا التبليغ فإن من له حق الشفعة أن يمارس هذا الحق خلال 30 يوما الموالية للتبليغ وإلا سقط حقه، وممارسة هذا الحق لا تحضر في معزل الرغبة باسترداد الحصة المبيعة بل ينبغي أن تكون هذه الرغبة محجوبة بالعرض العيني لثمن البيع المذكور في العقد وللتكاليف المترتبة عنه.

والواقع أن اجل 30 يوما جاء كبديل لأجل 3 أيام المنصوص عليه في المادة 31 من ظهير 2 يونيو 1915 هذا الأجل الأخير كان يطرح مجموعة من الإشكالات تتجلى في كونه قصيرا جدا الامر الذي يجعل الشفيع تحت رحمة المشتري إذا ما فاجأه بالتبليغ حيث يتوجب عليه ممارسة الشفعة خلال وقت قصير جدا إذن فالتوجه الجديد لمدونة الحقوق العينية المتعلق بالآجال جاء مراعيا لمصلحة الشفعاء.

الفقرة الثانية : أجل السنة

أجل السنة منصوص عليه أيضا في الفصل 304 من مدونة الحقوق العينية ويكون في حالة عدم قيام المشتري بالتبليغ المشار إليه سابقا، أما حالاته فتتجلى في :

–       مضي سنة كاملة من تاريخ التقييد إذا كان العقار محفظا

–       مضي سنة كاملة من تاريخ الإيداع إذا كان العقار في طور التحفيظ

–       مضي سنة كاملة على العلم بالبيع إذا كان العقار غير محفظ

ومن الواضح ان أجل سنة جاء كبديل لأجل الشهرين المنصوص عليه في الفصل 32 من ظهير 2 يونيو 1915 الذي نص على أنه في حالة ما إذا لم يقم المشتري بهذا التبليغ فغن حق الشفعة يتقادم بمرور شهرين ابتداء من تاريخ العقد إذا حرر بمحضر الشركاء.

كما يلاحظ ان مدونة الحقوق العينية قد تجاوزت الإشكال الذي كان يطرح بخصوص الفصل 32 من ظهير 1915 بالنسبة للعقارات المحفظة حيث كان ينص هذا الفصل على تحديد اجل ممارسة حق الشفعة في حالة شهرين ابتداء من تاريخ إبرام العقد وليس من تقييده بالرسم العقاري مما كان يثير نقاشا فقهيا وقضائيا وعلاوة على ذلك فالفصل 304 لم يشترط بالنسبة للعقارات المحفظة حضور الشركاء بمجلس العقد إذ يكفي تقييده بالرسم خلافا للفصل 32 وهذا ما يفسر تمديد الاجل من شهرين إلى سنة .

اما بالنسبة للعقارات غير المحفظة فقد اشترط قانون 08-39 ان يعلم الشركاء بالبيع ليسري أجل السنة المسقط لحق الشفعة وإذا لم يتحقق العلم بالبيع فينبغي أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد

الفقرة الثالثة: أجل أربع سنوات

كما رأينا إذا تعلق الامر بعقار غير محفظ فبمضي سنة على العلم بالبيع يسقط حق الشفعة أما إذا لم تحقق العلم بالبيع فبمضي 4 سنوات من تاريخ إبرام العقد يسقط هذا الحق وبذلك يكون قانون 08-39 قد وضع حدا للإشكال المتعلق بالعقار غير محفظ في حالة عدم ثبوت العلم بالبيع الأمر الذي يجعل المشتري دائما مهدد من طرف الشفيع بممارسة حق الشفعة.

وبذلك يكون المشرع المغربي قد كرس توجهات المجلس الاعلى ( محكمة النقض ) الذي حدد الفترة التي يجب أن يجعل فيها العلم حيث أصدر قرارا يحدد فيه الفترة التي يجب أن يقع فيها العلم في ثلاث او أربع سوات بحيث إذا لم تمارس الشفعة خلال هذه المدة تسقط حقه فيها وذلك حتى لا يبقى المشفوع منه تحت رحمة علم الشفيع ولا وضعية معلقة وغير معروفة

 

المراجع المعتمدة

الكتب

البكاي المعزوز المختصر في المسطرة المدنية ، مطبعة سجلماسة بدون طبعة، 2009-2010.

عبدالعزيز توفيق ، قضاء المجلس الاعلى في الشفعة، خلال أربعين سنة ، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى ، 1999

عبدالرحمان الشواربي، أحكام الشفعة والقسمة في ضوء القضاء والفقه، دار الفكر العربي ، الطبعة الثانية ،  1995.

محمد محبوبي ، الشفعة في الفقه والتشريع المغربي مطبعة الكاتب العربي، دمشف الطبعة الاولى، 1993

محمد خيري ، قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي دار النشر للمعرفة الطبعة الخامسة ، 2009

سليمان الحمزاوي ، أحكام الشفعة والصفقة ، دار النشر للمعرفة ،  1983.

النصوص القانونية

–       قانون الالتزامات والعقود المغربي

–       قانون المسطرة المدنية المغربي

–       القانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير رقم 178-11-1 بتاريخ 22 نوفمبر 2011

–       قانون التحفيظ العقاري

المواقع الإلكترونية

محمد خيري، الشفعة وأجالها بين العقار المحفظ والغير محفظ وفي طور التحفيظ

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى