في الواجهةمقالات قانونية

قراءة في نظام تسوية النزاع أمام غرفة التجارة الدولية بباريس

سميرة خزرون

باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الخاص

كلية الحقوق فاس

 

قراءة في نظام تسوية النزاع أمام غرفة التجارة الدولية بباريس

 

تعد غرفة التجارة الدولية International Chambre of Commerce  ‘ICC ‘ بباريس منظمة غير حكومية تهدف إلى خدمة قطاع الأعمال والتجارة الدوليين، بحيث تعمل على صياغة القواعد والمعايير التي يتفق عليها عالميا وللشركات أن تعتمدها كما يمكنها إدراجها ضمن عقودها الملزمة.

ومن الأدوار البارزة للغرفة اعتمادها التحكيم والوساطة كأسلوبين لفض نزاعات التجارة الدولية عبرها، بحيث يتسمان والحالة هاته “من خلال الغرفة” بكونهما إطارين مؤسساتيين يهدفان إلى تسوية النزاع مع إتاحة الخيار للأطراف في عدة جوانب على المستوى الإجرائي.

ووفقا لنظام الغرفة فتختص محكمة التحكيم الدولية باعتبارها جهاز تحكيم مستقل تابع لغرفة التجارة الدولية (المادة 1) بإدارة إجراءات التحكيم في حين تسند للمركز الدولي للتسوية الودية للنزاعات إدارة إجراءات الوساطة.

وتتشكل هذه المحكمة من رئيس ونواب رئيس وأعضاء وأعضاء مناوبين، كما تساعدها في عملها  الأمانة العامة  للمحكمة تحت إشراف أمينها العام؛ ونظرا للطابع السري لعملها فتقتصر جلساتها على أعضائها وعلى الأمانة العامة وفقا للفقرة الثانية من المادة الأولى من قواعد التحكيم للغرفة.

وفي الآتي نلقي نظرة على  الآليتين المهمتين للغرفة في تسويتها للنزاعات المعروضة أمامها المتمثلان في التحكيم (أولا) والوساطة(ثانيا).

ـــ أولا: التحكيم وفقا لقواعد الغرفة:اختصاص هيئة التحكيم و خصوصية دور المحكمة

جدير بالاشارة أن قواعد التحكيم  لسنة 2012 تم تعديلها سنة 2017، بحيث سرى العمل بها ابتداء من مارس من ذات السنة. ومن أهم المستجدات –وفقا لديباجة قواعد 2017 -استحداث إجراء معجل من أجل عملية تحكيم انسيابية مع تقليل الأتعاب، اذ ينطبق هذا الاجراء تلقائيا إلا اذا قرر الأطراف عكس ذلك، في الدعاوى التي لا يتجاوز المبلغ محل المنازعة فيها مليوني دولار أمريكي.

وعن دور المحكمة فهي لا تفصل في النزاعات بنفسها، إلا أنها تدير الفصل في النزاعات التي تتولاها هيئات التحكيم وفقا للقواعد المعمول بها لدى غرفة التجارة الدولية بباريس، فتؤكد قواعد التحكيم وفقا للغرفة على شرط استقلالية أعضاء هيئة التحكيم عن الأطراف المعنية بالتحكيم بحيث تنص على توقيع المحكم قبل تعيينه إقرارا يبين قبوله ومدى تفرغه وحياده واستقلاليته طبقا للفقرة الثانية من المادة 11 من القواعد.

وبعد تشكيل الهيئة يثار التساؤل حول القواعد القانونية واجبة التطبيق من طرفها؟

الاجابة وفق شقين:

  • على مستوى موضوع النزاع ، فللأطراف الحرية في الاتفاق على القواعد القانونية الواجب على هيئة التحكيم تطبيقها؛ وفي حالة عدم وجود اتفاق تطبق الهيئة القواعد التي تراها ملائمة وفقا للفقرة الأولى من المادة 21 من قواعد الغرفة.
  • على مستوى الاجراءات أمام هيئة التحكيم فتخضع لقواعد الغرفة إلا في حالة خلوها(القواعد) من النص المطلوب، فتخضع الاجراءات حينها لأي قواعد متفق عليها من الأطراف أو مقررة من قبل الهيئة في حالة عدم اتفاق الأطراف سواء أكانت هناك إشارة من عدمها إلى قواعد إجرائية لقانون وطني واجبة التطبيق على التحكيم طبقا لمقتضيات المادة 19 من القواعد.

ويبرز دور المحكمة مثلا على مستوى تعيين هيئة التحكيم بحيث تقوم بهذا التعيين في حال عدم قيام الأطراف بذلك ؛ إضافة الى أنه وكسمة جديدة من قواعد الاجراء المعجل للمحكمة أن تعين محكما منفردا حتى ولو نص اتفاق التحكيم على غير ذلك.

كما يلاحظ أن حالة تعدد الأطراف تعد من بين المستجدات التي أدخلتها غرفة التجارة الدولية في نظامها الخاص بالتحكيم بحيث يتعين على الطرف الذي يرغب في ضم طرف إضافي الى التحكيم أن يتقدم بطلب تحكيم ضد ذلك الطرف الى الأمانة العامة .

كذلك للمحكمة بناء على طلب أي من الأطراف أن تضم دعوتين تحكيميتين أو أكثر من الدعاوى الجارية وفقا للقواعد في دعوى تحكيمية واحدة وفقا للمادة العاشرة من قواعد التحكيم للغرفة.

وحتى تتم العملية التحكيمية بنزاهة ينبغي أن يتحلى المحكم بالحياد والاستقلالية ، وإلا جاز للطرف المعين تقديم طلب التجريح؛ وفي حالة استبدال محكم يبقى طبعا للمحكمة السلطة التقديرية في متابعة الإجراءات الأصلية لتعيين المحكمين أو استبعادهم.

جدير بالذكر أيضا أن الغرفة وهي تنظر في النزاعات المعروضة امامها تبت في جميع النزاعات سواء الناشئة عن عقد التحكيم أو المتعلقة به، وفقا لما هو منصوص عليه في البند النموذجي الخاص بتحكيم الغرفة.فبمجرد نشوء نزاع حول العقد الذي تم تضمينه بند التحكيم، يلتزم كل طرف بتقديم طلب تحكيم الى الأمانة العامة وللطرف الآخر الحق في الجواب عليه وإبداء ملاحظاته أو طلبات مضادة.

ـــ ثانيا:المركز الدولي للتسوية الودية للنزاعات: دور الوساطة

يختص هذا المركز بإدارة الوساطة بموجب قواعد غرفة التجارة الدولية الخاصة بالوساطة لسنة 2014 ، والنزاع يسوى عبر مسطرة خاصة بالوساطة.

وباستقراء الأحكام العامة للوساطة وفقا لهذه القواعد يلاحظ اتسامها بالشمولية بحيث تعرضت لمعظم المراحل الموضوعية والشكلية التي تستدعيها عملية الوساطة ، وفي اطار ضمان الشفافية على مستوى النزاعات المعروضة أمام المركز تنص قواعد الوساطة على  تنافي مهنة الوسيط مع بعض المهن بحيث لا يجوز له ممارستها سواء أثناء مزاولة مهمة الوساطة أو قبل ذلك ، وهو ما أوردته بوضوح الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 10 من نظام قواعد الوساطة الخاصة بالغرفة اذ نصت على لا يجوز للوسيط أن يمارس أو يكون قد سبق له أن مارس كقاض أو محكم أو خبير أو ممثل لأحد الأطراف أو مستشار له في أي إجراءات قضائية أو تحكيمية أو ما شابهها فيما يتعلق بالنزاع الذي يكون أو كان موضوع اجراءات تسوية عن طريق الوساطة، اضافة إلى عدم جواز إدلائه بشهادة في أي إجراءات قضائية أو تحكيمية أو ما شابهها ما لم يتفق جميع الأطراف كتابيا على خلافها.

عموما وبالاطلاع على الأحكام العامة لفض النزاعات أمام غرفة التجارة الدولية بباريس سواء على مستوى القواعد المنظمة للتحكيم أو الوساطة يحسب لها شمولية القواعد القانونية المنظمة سواء للشق الموضوعي أو الاجرائي ، وهو ما يفسر ريادة هذه المؤسسة في حسم النزاعات التجارية الدولية ، خاصة كون الوسائل البديلة لفض النزاع اصبحت تشكل عدالة مقنعة على مستوى تسوية النزاعات بمختلف سياقاتها نظرا لما يثبته الواقع من نجاح التجارب المعتمدة لها.

لنسجل في هذا المقام  أن النجاح الفعال لإعمال هذه الآليات سواء في المجال التجاري أو غيره (الديبلوماسي، الأسري،…) رهين بالتكريس التشريعي الشمولي( لمختلف الاجراءات ومراحل تسوية النزاع) والمتخصص  عبر مراعاة مجال النزاع فما ينطبق على النزاع التجاري مثلا القائم على مبدأ رابح رابح لا يستوي إسقاطه على النزاع الأسري ذي الخصوصية  الانسانية  الاجتماعية.

المراجع المعتمدة:

  • قواعد الوساطة لغرفة التجارة الدولية بباريس لسنة 2014.
  • قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية بباريس لسنة 2017.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى