مقالات قانونية

تعليق على قرار صادر عن محكمة النقض في موضوع الافراغ

 

محمد رياض، طالب باحث بكلية الحقوق مراكش

 

قرار صادر من محكمة النقض، عدد 345 صادر بتاريخ 02/07/2013 . منشور بالعدد الاخير من مجلة القضاء والقانون (164 لسنة 2014.

تتلخص وقائع القضية في أن القرار المطلوب نقضه الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط ، أن السيد .. تقدمبمقال أمام المحكمة الابتدائية بسلا عرض فيه أنه كان متزوجا بالمدعى عليها وأن الطلاق بينهما تم بتاريخ 24/05/2009 و بعد  انتهاء العدة رفضت مغادرة بيت الزوجية وعمدت الى تغيير معالمه بإحداث غرف جديدة قصد كرائها للغير, والتمس من المحكمة الحكم على المدعى عليها بإفراغها, واجابت المدعى عليها انها تتواجد بالمحل بصفة قانونية وبمقتضى عقد موافقة مبرم من المدعي نفسه , وبعد تمام الاجراءات أصدرت المحكمة حكمها بإفراغ المدعى عليها من المحل موضوع الدعوى.
طعنت المدعى عليها في الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف بالرباط مركزة في استئنافها على ان تواجدها بالمحل مستند على التزام أبرمه المدعي (المستأنف عليه) يسمح لها باستغلال الشقة دون قيد ولا شرط حتى الممات ولم يشترط فيه استمرار العلاقة الزوجية وان ما اعتبرته المحكمة من انتهاء سبب الالتزام بحصول الطلاق هو تعليل خاطئ سيما انه لم يطعن في الالتزام ولم يناقشه , وبعد تمام الاجراءات أصدرت المحكمة حكما قضى بالغاءالحكم المستأنف والحكم بعد التصدي برفض الطلب.قدم المدعي (المستأنف عليه) طعنا بالنقض ضد القرار الاستئنافي وعاب على القرار الاستئنافي خرقه للفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود , لكن محكمة النقض رفضت الطلب بعلة أن '' الثابت بمقتضى الفصل 424 من قانون الالتزامات والعقود ان الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده او المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها يكون لها نفس قوة دليل الورقة الرسمية في مواجهة كافة الاشخاص على التعهدات التي تتضمنها وذلك ما لم يطعن فيها بسبب الاكراه أو الاحتيال او التدليس او الصورية او الخطأ المادي , وانه بمقتضى الفصل 18 من نفس القانون فان الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت منه بمجرد وصولها الى علم الملتزم له, ولما كان كذلك وكان البين من أوراق الملف ان الطاعن التزم بمقتضى عقد عرفي بتمكين المطعون ضدها من استغلال الشقة المدعى فيها الى حين مماتها, وان الالتزام المذكور لم يطعن فيه بسبب من الأسباب المشار اليها وبالتالي يبقى منتجا لاثاره, فان المحكمة لما عللت قرارها بأن بقاء المطلوبة على قيد الحياة يبقى معه الالتزام قائما بشأن استغلال الشقة ولو حصل الطلاق تكون قد عللت قرارها تعليلا كافيا وتبقى الوسيلة على غير أساس ''.

تعليق :

لقد استطاع القرار أعلاه أن يحسم في عدة نقاط قانونية و قضائية مهمة ، و التي كان من المنتظر أن يسفر التطبيق الميداني لنصوص القواعد العامة عن ظهور نماذج لحالاتها ، فالأمر يتعلقبجملة من النقط التي كانت عالقة ،و التي يمكن صياغتها على شكل التساؤلات التالية :

– هل يحق للمدعى عليها البقاء في بيت الزوجية بمقتضى عقد موافقة مبرم من المدعي نفسه  قبل انهاء الرابطة الزوجية بطلاق ، على اعتبار أن المستأنف عليه كان قد سمح لها باستغلال الشقة دون قيد ولا شرط حتى الممات ولم يشترط في الالتزام استمرار العلاقة الزوجية أو انتهائها ؟

 

-هل هذا الالتزام باعتباره ورقة عرفية معترف بها ممن يقع التمسك بها ضده او المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها  لها نفس قوة دليل الورقة الرسمية في مواجهة كافة الاشخاص على التعهدات التي تتضمنها ؟ هل الطعن في هذه الورقة بسبب الاكراه أو الاحتيال او التدليس او الصورية او الخطأ المادي يفقدها حجيتها القانونية ؟ وما هي القيمة القانونية  الالتزامات الصادرة من طرف واحد ؟

 

أولا : حول حجية الورقة العرفية في مواجهة من صدرت عنه

بمفهوم المخالفة للفصل 418 من قانون الالتزامات و العقود ،يمكن القول بأن المحرر العرفي أو الورقة العرفية هي تلك التي يقوم بتحريرها الأفراد فيما بينهم دون تدخل الموظف العمومي. و هذه الأوراق العرفية على نوعين:

  – أوراق عرفية معدة للإثبات تكون موقعة ممن هي حجة عليهم؛

–  أوراق غير معدة للإثبات ولكن القانون يجعل لها حجية في الإثبات إلى مدى معين.

ولا يشترط في صحة الورقة العرفية المعدة للإثبات إلا توقيع من هي حجة عليه. التوقيع الذي يكون عادة بالإمضاء ، ويجوز أن يكون بالختم أو ببصمة الأصبع. فالتوقيع إذا هو دلالة خطية وتعبير صريح عن الإرادة بالتراضي على مضمون العقد، لذلك فهو يوضع عادة في آخر الورقة حتى يكون منسحبا على جميع البيانات المكتوبة الواردة فيها[1]. أما إذا كان العقد مذيلا بالبصمة فإنها لا تشكل إمضاءا يلزم صاحبه ولا تكتسب قوة إثباتية[2]. وإنما يصح اعتمادها كبدايـة حجـة يتعين تقويتها بالشهادة أو القرائن القوية لتكتسب قوتها الثبوتية.فالورقة العرفية تستمد حجيتها من التوقيع وحده، وبذلك فالورقة العرفية غير الموقعة لا تصلح للإثبات إلا إذا كانت مكتوبة بخط المدين.

و يمكن أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بخط المدين أو بخط أي شخص أخر شرط أن تكون موقعة من المدين ، وله أن يكتبها بأية لغة كما يجوز أن تكون الكتابة باليد أو بالطباعة.و نشير هنا إلى أن الفصول من 433  الى 439 من قانون الالتزامات و العقود قد نصت على بعض أنواع المحررات غير المعدة للإثبات جعلت لكل منها حجية وفقا لشروط خاصة منصوص عليها قانونا،  منها الرسائل والبرقيات ودفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية والتأشير على سند الدين[3].

أما بخصوص حجية الورقة العرفية ، فقد       نص الفصل 424 من ق ل ع على أن:

 " الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها وذلك في الحدود المقررة في الفصلين 419 و 420 عدا ما يتعلق بالتاريخ كما سيذكر فيما بعد".

و في نفس الاتجاه يذهب المشرع المصري ، حيث تنص تنص المادة 14 من قانون الإثبات على أنه :

" يعتبر المحرر العرفي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة" .

و هكذا اتجهت محكمة النقض المصرية هي الأخرى في كثير من الأحكام تبين فيها حجية الورقة العرفية بما دون فيها من بيانات ما لم ينكر المدعى عليه ما نسب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة .

" إن المادة 394/1 من القانون المدنى إذ تقضى باعتبار الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من إمضاء أو ختم أو بصمه فإنها تكون قد جعلت الورقة العرفية حجة بما دون فيها على من نسب إليه توقيعه عليها إلا إذا أنكر ذات الإمضاء أو الختم الموقع به وكان إنكاره صريحا فان هو اقتصر على إنكار المدون بالورقة كله أو بعضه فان لا يكون قد أنكر الورقة العرفية بالمعنى المقصود فى هذه المادة ولا نتبع في هذا الإنكار إجراءات تحقيق الخطوط المقررة في قانون المرافعات وإنما تبقى للورقة قوتها الكاملة في الإثبات مما تتخذ بشأنها إجراءات الادعاء بالتزوير[4]".

 

ثانيا : الزامية الالتزامات في إطار الفصل 18 من قانون الالتزامات و العقود المغربي

ينص الفصل 18 من قانون الالتزامات و العقود المغربي على أنه :

"الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت منه بمجرد وصولها إلى علمالملتزم له."

إن تحليلنا لمضامين هذا الفصل يفرض علينا بالضرورة الاجابة على الأسئلة التالية :

ما المقصود بالتصرف القانوني الانفرادي ؟ وكيف يمكن للإرادة المنفردة ترتيب أثار قانونية بصفتها مصدر لهذا التصرف؟ وكيف يكون القانون مصدر مباشر للالتزام؟

  • الإرادة المنفردة في قانون الالتزامات و العقود :

بالرجوع الى قانون الالتزامات و العقود يتضح أن موقف المشرع المغربي هو نفسه موقف الفقه السائد ، فهو في الفصل الأول اعتبر العقد المصدر الأول للالتزام ، و اتبعه بالتصريحات الأخرى الصادرة عن الإرادة قاصدا بذلك الارادة المنفردة . و لذلك كانت مصدرا للالتزام لكنه مصدر استثنائي أو ثانوي[5].

ويظهر ذلك ايضا من خلال بعض التطبيقات الخاصة التي تطرق لها هذا القانون بنصوص خاصة، بعد ان قرر في الفصل14 من قانون الالتزامات و العقود مبدأ عام بنصه على أن :

"مجرد الوعي لا ينشئ التزاما."

و لا يفوتنا هنا أن نستحضر بعض التطبيقات لهذا المبدأ من خلال سواء تعلق الأمر بالوعد بالجائزة كما هي منظمة في الفصول 15 و 16و 17من ق ل ع . كما أن الإرادة المنفردة قد تكون مصدرا لوجود حق عيني مثل الوصية ؛ فالموصي عندما يوصي بجزء من أمواله لآخر فإنه يتصرف انفراديا و رغم أن الوصية لا تنفذ بحق الموصي له إلا بعد قبوله إلا أن ذلك لا يمنع من أن ترتب الوصية آثرها القانونية ..وغيرها من التطبيقات المتعددة لهذا المبدأ .

نشير هنا كذلك الى أنه تسري على الإرادة المنفردة الأحكام الخاصة بالعقد ، عدا ما تعلق منها بوجود ارادتين . و على هذا الأساس يجب أن تتوفر في التصرف الذي تنشئه الإرادة المنفردة الشروط التالية :
ـ أن يصدر تصرف الإرادة المنفردة عن إرادة جدية ترمي إلى إنشاء الالتزام.
ـ أن يكون لالتزام المتصرف سبب، وأن يكون الدافع إلى التصرف مشروعاً، كما يجب أن يكون له محل.
ـ أن يكون المتصرف بإرادته المنفردة، متمتعاً بالأهلية اللازمة لذلك، فلا تُعَدُّ تصرفات المجنون جنوناً مطبقاً صحيحة لفقدانه أهلية التصرف.

كما يجب أن تكون إرادته خالية من أي عيب من العيوب التي تعتريها أحياناً، كالإكراه والغلط والتدليس والغبن ؛فلا يعدّ صحيحاً تصرف الإرادة المنفردة الصادر تحت وطأة الإكراه مثلاً[6] .

و نشير أيضا الى أن جل التشريعات العربية المقارنة ذهبت في نفس الاتجاه ؛ من حيث الاعتداد بالالتزامات الصادرة عن إرادة منفردة وإلزاميتها في مواجهة من صدرت منه[7].

 

 


[1] أنظر عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد 2، الاثبات، ص 114 وما يليها .

[2]المعطي الجبوجي ،القواعد الموضوعية و الشكلية للإثبات ص 61.

[3]ادريس العلوي العبدلاوي : وسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي ، ص90 – 95.

[4]نقض4/2/1967 مجموعة المكتب الفنى سنة 18 ص760

[5]انظر مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي ، الجزء الأول مصادر الالتزامات طبعة 1962.

[6]أنور سلطان : مصدر الالتزام في القانون المدني الأردني . الطبعة الأولى ، ص295

[7]انظر مثلا المادة 253 من القانون المدني الأردني التي نصت على انه إذا كان التصرف تمليكا فلا يثبت حكمه للمتصرف إليه إلا بقبوله . أو القانون المدني الفلسطيني الذي نص في المادة  175 على أنه: يجوز أن يلتزم الشخص بإرادته المنفردة دون على قبول المستفيد في كل موضع يقرر فيه القانون ذلك..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى