بحوث قانونيةقانون الشغل

مسطرة فصل الأجير لارتكابه خطأ جسيم

مقـدمــة:

في ظل تطور آليات الإنتاج وسيادة التكنولوجيا الصناعية وحلولها محل القوة اليدوية فإن الحصول على منصب شغل أصبح أكثر صعوبة وتعقيد سواء من حيث الخبرات المطلوبة في الأجير أو من حيث التنافسية الكبيرة حول كل منصب شغل من قبل أعداد كبيرة من العاطلين أضف إلى هذا وذاك التوجهات المتنامية لكبريات الشركات العالمية ولصغارها في تسريح أعداد كبيرة من العمال في إطار مساعيها لإعادة الهيكلة المنبنية على التقليص من النفقات لأقصى حد ممكن  لضمان نسب عالية من التنافسية وتحقيق الاستمرارية في جني الأرباح وفي خضم مناخ اقتصادي عالمي ميال للركود بما يعني فرص محدودة للشغل فإن الفصل عن العمل سيكون ذا واقع كبير على الأجير ويأخذ الفصل الذي يتعرض له الأجير صورتين الصورة الأولى صورة الفصل التأديبي  الذي يتخذه المشغل في حق الأجير المرتكب الخطأ الجسيم والصورة الثانية الفصل التعسفي الذي يقوم فيه المشغل بفصل الأجير ولو لم يرتكب أي خطأ ونظرا للتعويضات التي يكون المشغل ملزما بأدائها للأجير في الحالة الثانية فإن أغلب المشغلين يتحينون الفرص أو يخلقونها لإيقاع الفصل التأديبي على الأجراء الراغبين في الاستغناء عن خدماتهم.

ومن هذا المنطلق فإن الفصل التأديبي سيكون لا شك أشد واخطر عقوبة يمكن أن تلحق الأجير المخل بالتزاماته القانونية أو الاتفاقية أو المخل بقواعد الانضباط داخل أماكن العمل.

ونظرا لخطورة هذه العقوبة التأديبية على الحياة المهنية للأجير فقد أحاطها المشرع المغربي بجملة من الضمانات ورسم طريقا إجرائيا واجب الاتباع لتوقيع عقوبة الفصل التأديبي في سعي لبلورة المفهوم الجديد للأجير المحمي.

لمحاولة الإحاطة بموضوع الفصل التأديبي يتوجب علينا الإجابة على مجموعة من الإشكاليات المرتبطة به:

-ما هي طبيعة الخطأ المرتكب من طرف الأجير المخول للمشغل فصله تأديبيا؟

-ما هي طبيعة المسطرة الواجب تباعها لفصل الأجراء؟

-والى أي حد توقف المشرع المغربي في بسط الحماية القانونية للأجير الذي تعرض للفصل

-أو ما مدى إلزامية احترام المسطرة؟

سنحاول إعطاء فكرة حول  مفهوم الخطأ الجسيم مادام هناك عرض آخر سنتناول الموضوع بتفصيل.

إن المشرع لم يعرف الخطأ الجسيم لا في النظام النموذجي ولا في مدونة الشغل الجديدة، وفي غياب هذا التعريف تطرح صعوبة تحديد مفهوم دقيق له مما يفرض على القضاء إعمال سلطته التقديرية في تكييف الخطأ المنسوب للأجير هل هو خطأ جسيم مبرر للفصل أم هو يسير يمكن للمشغل أن يصدر في حقه العقوبات التأديبية الأخرى المنصوص عليها في المادة 37 من م.ش مع احترام مبدأ التدرج.

ونظرا للأهمية البالغة في تحديد هذا المفهوم ذهب الفقه في الرأي الغالب إلى أنه إخلال العامل بواجبه المهني أو بقواعد المقاولة إنه الخطأ الذي يستحيل قبول الأجير بعده في المؤسسة. وقد عرفت محكمة النقض الفرنسية الخطأ الجسيم بأنه الخطأ الذي يجعل من المستحيل استمرار علاقة العمل بين المشغل والأجير المخطئ ولو أثناء مهلة الإخطار.

La faute grave de la salarié est celle qui rend impossible de maintien du travailleur dans l’entreprise, même pendant la durée du préavis. Cass-soc 14 juin1691 bul civil 1961 N° 639 p 507.

أما في إطار التشريع المغربي فرغم أنه لم يعط تعريفا للخطأ الجسيم إلا أنه حدد بعض الحالات اعتبرها نماذج عن الأخطاء الجسيمة أوردها في المادة 39 من مدونة الشغل على سبيل المثال لا الحصر.

وبقراءة في الأخطاء المنصوص عيها بالمادة 39 من م.ش ومقارنتها بالأخطاء الجسيمة 14 التي نص عليها الفصل السادس من ظ 48 نجد أن المشرع في المدونة قيد بعض الأخطاء التي كانت عامة ومنها ، وحصر السبب في ارتكاب جنحة ماسة بالشرف والأمانة أو الآداب العامة على أن يصدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية.

ثم أضافت المدونة للسكر صفة العلنية والسب الفادح، وحذفت بعض الأخطاء التي كان منصوصا عليها في الفصل 6 من النظام النموذجي وهي مثلا ترك العمل عمدا وبدون مبرر، وهدف المشرع هنا من حذفها هو الحد من قرارات الفصل التي يبررها المشغل بالمغادرة التلقائية للأجير والتي يسهل عليه إثباتها لكونها واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود. إلا أن المدونة احتفظت بخطأ آخر وهو المنصوص عليه في الفقرة 10 وهو رفض العامل إنجاز شغل من اختصاصه عمدا وبدون مبرر ودققت هذا الخطأ بإضافة كلمة عمدا. ثم حذفت المدونة التأخير عن العمل بدون مبرر كخطأ جسيم وعوضته بالتغيب المتكرر لأكثر من 4 أيام أو 8 أنصاف يوم خلال 12 شهرا والأجير إذا أثبت التغيب بمبرر يجعل تغيبه مبررا والفصل تعسفيا ثم حذفت المدونة المس بحرية العمل ويرجع ذلك إلى المطالبة بحذف الفصل 288 من القانون الجنائي المتعلق بمعاقبة كل من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد، وأصبح يتمثل هذا الفعل في الفقرة 16 من الفصل 39 من مدونة الشغل.

وما يلاحظ من جديد في مدونة الشغل أن المشرع ربط بعض الأفعال بالنتائج التي يمكن أن تترتب عنها في تكييف أخطاء على أنها جسيمة أي أنها ترتبط بالنتيجة التي أدت إليها ومدى خطورتها، بحيث -مثلا- يجب أن ينتج عن إفشاء السر المهني ضرر للمقاولة أو أن عدم مراعاة تدابير حفظ الصحة والسلامة أدى إلى خسارة وترتب عنه ضرر بتجهيزات ومعدات المؤسسة، وقد أضافت المدونة بعض الأخطاء التي اعتبرتها جسيمة كتعاطي مادة مخدرة والتحريض على الفساد. وهذا التوجه الجديد كذلك قد يطرح عدة إشكالات على مستوى التطبيق إذ قد يحصل التحريض على الفساد من زميل للأجيرة وليس للمشغل الصفة في رفع الدعوى، ويمكن أن يكون التحريض على الفساد من أجير لمشغلته، إلا أن الأكثر شيوعا هو التحريض من قبل المشغل ضد الأجيرة نظرا لمركزه وسلطته عليها. ففي حالة مغادرة الأجيرة للعمل بعد أن ثبت تحريضها على الفساد يكون الفصل تعسفيا وموجبا للتعويض.

إلا أن أبرز جديد حملته مدونة الشغل في هذا الباب هو أن المشرع لم يقتصر على ذكر الأخطاء الجسيمة للأجير فقط كما في ظهير 48 بل أضاف مادة مستقلة وهي المادة 40 والتي عددت أربع حالات للأخطاء الجسيمة الصادرة من المشغل وهي: السب الفادح – استعمال أي نوع من العنف أو الاعتداء الموجه ضد الأجيرة – التحرش الجنسي – التحريض على الفساد. واعتبرت هذه المادة مغادرة الأجير لشغله بسبب أحد الأخطاء الواردة في هذه المادة في حالة ارتكاب المشغل لإحداها بمثابة فصل تعسفي.

المبحث الأول: قواعد وإجراءات التأديب في حالة ارتكاب خطأ جسيم

إذا كانت المادة 39 قد حددت الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف الأجير، فإن المادة 61 نصت على أنه :”يمكن فصل الأجير من الشغل، دون مراعاة أجل الإخطار ودون تعويض عن الفصل ولا تعويض عن الضرر عند ارتكابه خطأ جسيما”.

لكن نظرا لكون الفصل عن العمل كعقوبة تأديبية، يعتبر جزاءا خطيرا يلحق الأجير المخالف، لأنه يحرمه نهائيا من عمله لدى المؤسسة أو المقاولة المشغلة جاءت مدونة الشغل الجديدة بمجموعة من الأحكام التي من شأنها إطلاع أو إخبار الأجير بالعقوبة التي تم اتخاذها في حقه، فنصت على وجوب الاستماع إلى الأجير لتمكينه من الدفاع عن نفسه وتحرير محضر في الموضوع (المطلب الأول) تبليغ مقرر الفصل لكل من الأجير ومفتش الشغل (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الاستماع الى الأجير وتحرير محضر

يعتبر قرار فصل الأجير قرار خطير تترتب عنه آثار وخيمة بالنسبة للعامل على وجه الخصوص حيث يفقد الأجير في هذه الحالة شغله وأجره ما ينعكس سلبا على حياته الخاصة وعلى حياة عائلته وقد يبقى في حالة بطالة، ولكل هذه الأسباب أدخلت مدونة الشغل عنصرا وقاعدة جديدة تقضي بضرورة الاستماع إلى الأجير قبل فصله لارتكابه لخطأ جسيم وفي هذه المرحلة سيدافع الأجير عن نفسه وذلك كأن ينفي التهمة الموجهة إليه أو أن يرد الفعل الصادر عنه إلى عوامل خارجية عن إرادته مثل القوة القاهرة وقد جاء في المادة 62 من المدونة ما يلي:

-يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي يتبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه….”

إن الاستماع إلى الأجير يمكنه من الدفاع عن نفسه وهو أمر لم يكن موجودا في القانون القديم بحيث كان الأجير يتسلم فقط قرار فصله كما يبعث هذا القرار إلى مفتش الشغل، لكن نلاحظ أن المدونة قد أحسنت حينما وضعت هذه القاعدة أو هذه المسطرة أو أوجبتها بحيث يجب على المشغل قبل أن يقدم على اتخاذ قرار فصل الأجير استدعاء الأجير للاستماع إليه وقدي يقتنع المشغل بدفاع الأجير فيعدل عن فصله ويغفر له خطأه ونعتقد أن كل العناصر التي تسمح بإقناع المشغل متوفرة لأن المادة 62 تنص صراحة على أن الأجير يقدم دفاعه أمام المشغل وذلك بحضور مندوب الأجراء أو بحضور الممثل النقابي بالمقاولة وهكذا فإن الدور الذي يقوم به هنا مندوب العمال أو المندوب النقابي هو مؤازرة لأجير لم يلحق ضررا بالمقاولة وان الضرر الذي خلقه هذا الفصل أو الخطأ ليس كبيرا بالمقاولة مع الخدمات النوعية التي قدمها الأجير حتى يتم النظر في قضية فصل الأجير في وقت وجيز فقد نص الفصل 62 المذكور بأن الاستماع إلى الأجير حسب المسطرة المذكورة يتم داخل أجل لا يزيد عن 8 أيام ابتداء في اليوم الذي يتبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إلى الأجير أي بعد التأكد من ثبوت الفعل المرتكب من قبل الأجير لكن في حالة عدم استماع المشغل للأجير داخل أجل 8 أيام كما لو استمع إليه بعد مرور أجل شهرين من ارتكاب الخطأ الجسيم فهل يمكن اعتبار الفصل تعسفيا؟ في هذه الحالة فإن عدم مراعاة القيد الزمني للتأديب يرتب أثرا، ذلك فإذا ما ثبت للقضاء استطالة الفترة لزمنية بين تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم وتاريخ الاستماع إلى الأجير فإن المشغل يكون قد تنازل عن حقه في الفسخ خصوصا وأن الفقرة الأولى من المادة 62 قد جاءت بصبغة الوجوب وحددت أجل 8 أيام للاستماع إليه من طرف المشغل ابتداءا في تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم.

  وفي هذا المنحى فإن المشرع الفرنسي تمسك بالقيد الزمني حتى في الحالة التي تكون فيها المخالفة المنسوبة للأجير لها وصف الجريمة وقيد سلطة صاحب العمل بممارسة السلطة التأديبية بما لا يزيد عن شهرين من تاريخ علمه بالمخالفة.

وهناك في الفقه من اعتبر أن عدم  استماع المشغل للأجير بعد مضي أكثر من 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الخطأ الجسيم دون استدعائه لإبلاغه بما هو منسوب إليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه يسقط المتابعة في حقه.

وفي هذا الإطار ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط في الملف الاجتماعي رقم 1058/2005/15 الصادر بتاريخ 17/10/2006 أن عدم الاستماع للأجير داخل اجل 8 أيام من تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم يشكل خرقا لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل ذلك انه متى ثبت استطالة الفترة الزمنية من تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم وتاريخ الاستماع إليه لمدة تفوق 8 أيام فإن ذلك يعتبر دليلا لعدم اقتناع المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل يستحق عليه المساءلة التأديبية ويعتبر في هذه الحالة قد تنازل عن حقه في الفسخ وأن عدم تحريك إجراءات التأديب داخل 8 أيام الواردة في المادة 62 يسقط المتابعة في حقه وذلك بصرف النظر عن نطاق ومدى الفعل أو الأفعال المنسوبة إليه مادامت أن هذه المادة قد جاءت بصيغة الوجوب.

كما أن عدم الاستماع للأجير داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 62 قد يؤدي الى مفاجئته بتوجيه التهمة إليه ويعجز عن إثبات براءته[1].

وقد تطلبت المدونة الجديدة للشغل تحرير محضر بعد الاستماع الى الأجير، غايته إثبات احترام المسطرة المذكورة ويقوم بعملية كتابة هذا المحضر إدارة المقاولة التي يشتغل بها هذا الأجير، ويتم التوقيع عليه من طرف كل من المشغل والأجير المرتكب للخطأ على أن تسلم نسخة منه إلى هذا الأخير، وفي هذا الصدد نصت الفقرة الثانية من المادة 62 على ما يلي : يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الأجير.

إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل.

والملاحظ أن هاته المادة لم تبين محتوى هذا المحضر، تاركة تقدير ذلك إلى الأطراف الحاضرة في لجلسة المخصصة للاستماع إلى الأجير وهكذا يمكن أن يتضمن هذا المحضر طبيعة الفصل المنسوب إلى الأجير وتاريخ ارتكابه، وكذلك وسائل إثبات ارتكاب ذلك الفصل مثل الشهود مثلا، وكذا الوسائل الواردة في دفاع الأجير  والنقط المثارة من طرف مندوب الأجراء أو الممثل النقابي والموقف النهائي للمشغل إلى غيرها من العناصر التي قد تعتبر أساسية في نظر الأطراف. [2]

ونخلص إلى أن المدونة حاولت توفير أكبر قدر من الحماية للأجير في بداية مسطرة الفصل التأديبي وذلك أثناء الاستماع إلى الأجير لكن ما يلاحظ مثلا  في القانون الفرنسي ان الأجير المعني بالفصل يقوم باختيار أحد الأجراء من بين زملائه الذين يعملون  معه داخل المقاولة لمؤازرته، ولم ينص القانون الفرنسي هنا أن الأجير يؤازر بالذات من قبل مندوب العمال أو من طرف الممثل النقابي.

وفي حالة عدم احترام هذه المسطرة من طرف المشغل فإن قرار الفصل الذي يتخذه في حق الأجير يكون قرارا باطلا والفصل الذي يتعرض له الأجير يكون فصلا تعسفيا لأن المادة 62 المذكورة أوجبت على المشغل وألزمته بسلوك هذه المسطرة قبل الإقدام على فصل الأجير.

المطلب الثاني: تبليغ مقرر الفصل

الفقرة الأولى: تسليم الأجير قرار الفصل

بالرجوع إلى المادة 62 من مدونة الشغل نجدها أقرت نفس لقواعد الواردة في الفقرة التاسعة من الفصل السادس من النظام النموذجي سنة 23/10/1948 والتي تنص على: “صاحب العمل الذي ينوي إعفاء عامل بسبب خطأ جسيم يجب عليه أن يخبره في ظرف 48 ساعة من وقت معاينة الخطأ وبواسطة رسالة مضمونة وأن يسلمه علاوة على ذلك نسخة من الرسالة  يدا بيد….” إلا أن مقتضيات هذا الفصل وإن كانت تفرض على المشغل الذي يريد طرد أي من أجرائه لاقترافه خطا جسيما، أن يخبره بواسطة رسالة مضمونة بالإضافة إلى تسليمه نسخة من الرسالة يدا بيد، فإن الفقرة الأولى من المادة 63 من مدونة الشغل اكتفت بإلزام المشغل بأحد الإجراءين فقط، إما تسليم قرار الفصل إلى الأجير المعني يدا بيد، أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل[3].

لكن على المستوى يطرح تطبيق هاته المادة مجموعة من المشاكل مثلا قد يدفع المشغل  بكون أجير رفض تسليم مقرر الفصل ويدلي بإشهاد صادر عن شاهدين عاينوا واقعة الرفض ويلتمس إجراء بحث واستدعاءهما لإثبات هذه الواقعة، فهل المحكمة تكون على صواب حينما تستجيب لهذا الملتمس وتعتبر أن المشغل قائم بالإلتزام الذي يقع على عاتقه أم ترفض هذا الملتمس بعلة أنه في  حالة رفض الأجير تسلم المقرر فإنه تبقى للمشغل إمكانية إشعاره بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ القرار المذكور، كما يطرح الإشكال أيضا بالنسبة للتبليغ بواسطة رسالة مضمونة في الحالة التي يرجع فيها الإشعار بالتوصل بملاحظة غير مطلوبة او قد يتعذر استلامها فهل يكون المشغل قد امتثل للمادة 63 بمجرد توجيهه للرسالة المضمونة ولا شان له بعد ذلك في الأسباب التي تحول دون تسلم الأجير لهذه الرسالة.

ومن جهة أخرى هل الوسيلتين المذكورتين واردتين على سبيل الحصر أم على سبيل المثال؟ لعل التأكيد الذي كان يتضمنه الفصل السادس من النظام النموذجي لسنة 1948 في فقرته التاسعة بخصوص توصل الأجير بصفة قانونية بمقرر الطرد كان يشكل جوابا على هاته المشاكل المطروحة، لكن مادام أن المشغل في ظل المدونة الجديدة أصبح محيزا في تبليغ مقرر الفصل بينه إحدى الوسيلتين المشار إليهما أعلاه يكون له كامل الحق  في استعمال الوسيلة التي يراها  مناسبة. من جهة ثانية فالمشغل له الحق في استعمال وسائل أخرى لبلوغ الهدف وهو توصل الأجير بالرسالة ومنها مثلا التبليغ عن طريق عون قضائي نظرا لكون المشرع لم يشترط طريقة خاصة للتبليغ  بلا نص صراحة في المادة 63 من المدونة أن تبليغ رسالة الطرد أو مقرر الفصل يمكن أن يكون يدا بيد مضيفا “بوصل” بمعنى أن يسلم الأجير وصلا عن تسلمه مقرر الفصل يثبته توصله به مادام الغاية من التبليغ هو وصول العلم للأجير بمقرر الفصل في الأجل المحدد ليتمكن من الطعن فيه[4] وبالرجوع  إلى النظام النموذجي نرى أن المشرع أكد على جملة من الشكليات في مقرر الفصل ومنها أجل 48 ساعة التي أثارت عدة إشكاليات وتساؤلات حول بدء هذه المدة هل هو تاريخ علم المشغل بالخطأ؟ أم من تاريخ التثبت من وقوعه؟

وفي هذا الصدد سار المجلس الأعلى إلى اعتبار أن أجل 48ساعة لتوجيه المشغل رسالة الفصل المنصوص عليها قانونا لا ينطلق من تاريخ علم المشغل بالواقعة وإنما من تاريخ تثبته من ارتكابها[5]. أما بالنسبة لمدونة الشغل في المادة 63 قد حسمت النقطة القانونية وبوضوح وهو اعتماد أجل 48 ساعة ابتداءا من تاريخ اتخاذ مقرر الفصل ويبقى عبء إثبات مبرر الفصل على عاتق المشغل ومع ذلك نلاحظ إغفال المشرع التنصيص عن الجزاء المترتب عن عدم احترام هذا الأجل -48 ساعة- فاتحا المجال مرة أخرى للاجتهاد القضائي وهذا ما يتضح من احد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى والذي يستفاد منه أن المشغل بعث رسالة الفصل بعد فوات اجل 48 ساعة أي بعد مدة 24 يوما من تاريخ فصله ليثبت لديها أن المشرع لتنصيص عن الجزاء المترتب عن عدم احترام هذا الأجل -48 ساعة- فاتحا المجال مرة أخرى للاجتهاد القضائي وهذا ما يتضح من احد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى والذي يستفاد منه أن المشغل بعث رسالة الفصل بعد فوات أجل 48 ساعة أي بعد مدة 24 يوما من تاريخ فصله، وثبت لديها أن المشغل لم يقم بإشعار الأجير برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل لفصله من العمل إلا بعد مرور 24 يوما من تاريخ فصله ولم يثبت أنه سلم رسالة الفصل للأجير يدا بيد داخل الأجل القانوني المحكمة لم تكن بحاجة لمناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير  مادام المشغل لم يحترم المسطرة القانونية[6].

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 63 إذا كانت قد نصت على أجل 48 ساعة لتبليغ الأجير  مقرر الفصل نجد المشرع قد استثنى من أحكام هذا الفصل الأجيرة الحامل حيث خصها بحماية خاصة وذلك من خلال المادة 159 “غير أنه يمكن للمشغل إنهاء العقد إذا أثبت ارتكاب المعينة بالأمر خطأ جسيما أو للأسباب الأخرى القانونية للفصل شرط ألا تبلغ الأجيرة قرار الإنهاء  أثناء فترة توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادتين 154 و 156 أعلاه ولا يكون لهذا الإنهاء أي أثر خلال تلك الفترة.

وفي الختام ننويه إلى ان المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل الجديدة أغفل التنصيص عن الإجراءات المترتبة عن عدم احترام هذه القواعد حيث نسجل غياب  أي إجراء في القانون عن عدم توجيه مقر الفصل من المشغل للأجير.

الفقرة الثانية : توجيه نسخة من قرار الفصل إلى مفتش الشغل

يتم توجيه نسخة من مقرر الفصل[7] إلى مفتش الشغل حينما تكون العقوبة هي الفصل وكذا توجه إليه رسالة الاستقالة وذلك حسب مقتضيات المادة 64 من مدونة الشغل فمن خلال قراءتنا لهذه المادة نلاحظ أن لمشرع لم ينص على أجل محدد يتم فيه توجيه  قرار الفصل إلى مفتش الشغل في حين أن مدونة الشغل حددت الأجل الذي يتم فيه إخبار الأجير.

وبالرجوع إلى النظام النموذجي[8] 23-10-1948 في فصله السادس كان يحدد هذا الأجل في ثمانية أيام، ويوجب توجيه نسخة من قرار الفصل إلى مفتش الشغل ابتداءا من إثبات الخطأ المنسوب إلى الأجير، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا  قام المشرع بإلغاء اجل إعلام مفتش الشغل؟

ونعتقد على أنه حبذت لم يتم التنصيص على هذا الأجل لأن ذلك يسهم في ضبط مسطرة فصل الأجير لارتكابه لخطأ ذلك أنه يسهل على الأجير الإثبات أمام المحكمة في حالة ما إذا لم يتم احترام هذا لأجل ولكن للأسف لم تنص عليه مدونة  الشغل الجديدة.

إذا كان المشرع أغفل التنصيص على أجل توجيه نسخة من قرار الفصل، فهل إخبار مفتش الشغل بهذا الفصل ضروري  وفي حالة عدم الإلتزام بإخباره من قبل المشغل فهل يكون فصل الأجير فصلا تعسفيا؟ وذلك بناء على عدم توجيه نسخة من قرار الفصل إلى مفتش الشغل يجعل المسطرة معيبة وباطلة[9] وهذا ما يمكن فهمه من خلال صياغة الفصل 64 التي أوجبت أن يتضمن قرار فصل الأجير أسباب هذا القرار وكذا تاريخ الاستماع إلى الأجير كما يجب إرفاق ذلك بمحضر الاستماع ودفاعه عن نفسه بحضور مندوب العمال أو الممثل النقابي، وبالتالي فإنه لا بد من توجيه نسخة من قرار الفصل إلى مفتش الشغل مدام انه قد تم إخبار الأجير وهذا ما سبق للمجلس الأعلى أن أكد عليه في بعض القرارات[10] :”على رب العمل إذا أراد أن يفصل العامل لارتكابه لخطأ جسيم ان يخبره بذلك بواسطة رسالة وأن يبلغ إلى مفتش الشغل نسخة منها”.

وجاء  في قرار آخر[11] “إن المحكمة لا تلجأ إلى البحث في سبب الطرد إلا بعد التأكد من سلامة مسطرة الإنذار بالطرد”

إن إخبارمفتش الشغل يكون فقط في حالة طرد الأجير من عمله معنى ذلك أن هذا الإخبار غير واجب في الحالة التي يتعرض فيها الأجير لعقوبة أخرى غير الطرد مثل الإنذار أو التوبيخ أو التوقيف المؤقت عن العمل لأن المادة 64 من المدونة تنص  صراحة على توجيه نسخة من قرار الفصل أو الاستقالة الى مفتش الشغل  ويلاحظ بذلك أن المشرع ورغبت منه بإخباره بأقصى العقوبات التي يتعرض لها الأجير وهي الطرد النهائي[12] من العمل.

وكذلك يلاحظ أن المشرع لم يأتي في المادة 64 على ذكر شيء عن الإجراءات التي يتخذها مفتش الشغل بعد إخباره بطرد الأجير، وهنا يمكن طرح التساؤل التالي هل يمكن لمفتش الشغل أن يقوم بإجراء محاولة الصلح بين كل من الأجير والمشغل؟

وفي هذه المسألة يرى[13] الدكتور الحاج الكوري أن تدخل مفتش الشغل في قضية فصل الأجير حين ارتكابه لخطأ والقيام بمحاولة الصلح بين المشغل والأجير وقد تسفر هذه إلى التوصل إلى حلول إيجابية ترضي طرفي النزاع كإرجاع الأجير إلى شغله وتفادي إجراءات التقاضي أمام المحاكم، الشيء الذي يحدوا بنا إلى التأكيد على أهمية توجيه نسخة من مقرر الفصل إلى مفتش الشغل الذي يملك صلاحية القانونية بالقيام بمحاولة الصلح في مجال النزاعات الشغل الفردية وطلك بمقتضى المادة 532 من مدونة الشغل.

المسطرة الخاصة للفصل

لقد استطاع المشرع المغربي إضافة حالات جديدة في المسطرة الخاصة للفصل التأديبي حيث تعتبر هذه المسطرة الآلية التشريعية لحماية الأجير إما لصفة فيه أو بالنظر للوضعية الصعبة التي يوجد عليها وما يلاحظ على أن المشرع بعد أن كان يقتصر في ضل تشريع الشغل السابق على حماية مندوب الأجراء والمرأة الحامل فإنه قد أضاف الممثل النقابي وطبيب الشغل وعليه سوف نتناول كل حالة ببعض من التفصيل .

  مندوب الأجراء والممثل النقابي

تنص المادة 457 من مدونة الشغل على أنه :” يجب إن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء أصليا كان أم نائبا موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقل المندوب ونائبه من مصلحة إلى أخرى أو من شغل إلى آخر وإلى توقيفه عن شغله او فصله عنه “.

ويتضح من خلال المادة أعلاه إن المشرع قد قرر حماية خاصة لمندوب الأجراء وذلك يجعل الفصل في حقه من طرف المشغل موضوع مقرر يوافق عليه مفتش الشغل بل أكثر من ذلك فقد امتدت هذه الحماية لتشمل حتى قدماء مندوبي الأجراء خلال ستة أشهر من تاريخ انتدابه ونفس المقتضى ينطبق على المرشح للانتخابات مندوبي الأجراء.

وقد كانت استشارة مفتش الشغل محط اهتمام جل الفقه بحيث تكونت أراء مختلفة حول إلزاميتها إلى أن جاء المجلس الأعلى بقرار عدد 585 للصادر بتاريخ 2 / 07/ 1982 والذي أكد من حلاله المجلس على أن أحد رأي مفتش الشغل هو مجرد  رأي استشاري سرعان ما غير رأيه واستقر على أن وأي مفتش الشغل في فصل مندوب الأجراء هو إلزامي [10] .

نفس النهج اتجه فيه المشرع المغربي في حماية الممثل النقابي في المادة 472 واعتبر أن الممثل النقابي يستفيد من نفس الحماية التي يتمتع بها مندوب الأجراء.

وبالنسبة للتشريع المقارن فنجد المشرع التونسي قد اتجه نفس الاتجاه الذي سار فيه المشرع المغربي وذلك بأن أقر في الفصل 166 من مجلة الشغل التونسية على أنه   ” كلما اعتزم المؤاجر طرد عضو رسمي أو مناوب للعملة باللجنة الاستشارية للعمل التونسية للمؤسسة أو نائب رسمي أو مناوب للعملة فإنه يتعين عليه عرض ذلك على تفقدية الشغل المختصة ترابيا ويكون ذلك بالنسبة للأعضاء اللحية الاستشارية للمؤسسة بعد أخذ رأي هذه الأخيرة ويبدي متفقد الشغل رأيه معللا في أجال لا يتجاوز 10 أيام من تاريخ تعهده.. نفس الاتجاه سار عليه المشرع الجزائري وإقر مسطرة خاصة للمندوب النقابي ( المادة 52 ) .

ونشير في الأخير إلى أن هذه المسطرة الخاصة لا تعفى عن سلوك المسطرة العامة للفصل التأديبي واحترام المواد 62 وما بعدها .

 

طبيب الشغل والمرأة الحامل

لقد أقر المشرع المغربي من خلال المادة 313 من ق 65-99 على أنه يجب أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاده في حق طيب الشغل موضوع قرار يوافق عليه العون المكلف فتفتيش الشغل بعد أخر رأي الطبيب مفتش الشغل “.

وعليه نجد إن المشرع قد أقر حماية خاصة جديدة بالنسبة لطبيب الشغل وهذه الحماية لم يكن معمولا بها في ظل تشريع الشغل السابق

أما المرأة الحامل دفعت طبيعتها الصعبة المشرع بأن يفرد لها خصوصية بهدف حمايتها ومراعاة وضعها وهكذا فمن خلال المادة 159 فنجد أنه يمكن فصل المرأة الحامل – الأجيرة- وهي في فترة الحمل مع إمكانية فعل ذلك دون تسلمها مقر الفصل.

ومنه نجد أن المرأة الحامل رغم تنصيص المشرع على عدم فصلها إذا أثبت حملها بشهادة طبية سواء أثناء الحمل أو بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعيا كما أنه لا يمكن إنهاء العقد أثناء فترة لوقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس مثبت بشهادة طبية .

لكن إذا أثبت المشغل ارتكاب الأجيرة الحامل لحظا جسيم يمكنه إنهاء عقد  شغلها  شرط عدم تبليغها مقرر الإعفاء.

ولذلك نجد أن المرأة الحامل قد أفراد لها المشرع حماية نسبة إذا كانت في فقرة الحمل.

 

المبحث الثاني: الجزاءات والحماية القانونية في حالة خرق المسطرة

المطلب الأول: جزاء مخالفة اجراءات التاديب

راينا بان المشرع المغربي ومن خلال المادة 62 وومابعدها؛ يوجب على المشغل الذي يريد استعمال سلطة تأديبية،احترام جملة من الإجراءات التي أوردتها المواد المذكورة بشان ممارسة هذه السلطة التأديبية،ومما لاشك فيه أن هده الإجراءات قد وردت على نحو آمر بغرض تحقيق نوع من التوازن بين السلطة التأديبية التي يمارسها المشغل منفردا داخل المشروع وبين حق الاجير المعاقب تاديبا في معرفة ما هو منسوب إليه من إتاحة الفرصة للدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه وتسليمه مقرر العقوبة التأديبية في اجل 48 ساعة من تاريخ اتحاده متضمنا السبب أو الأسباب المبررة له وتاريخ الاستماع إليه، فضلا عن اجل 90 يوما لرفع دعوى الفصل أمام المحكمة المختصة يترتب على ذلك أن عدم احترام هده القواعد الاجرائة بتوقيع الجزاء التهديبي يهدر الغاية من القواعد الآمرة التي تنص عليها مما يستوجب بطلان الجزاء التأديبي وما يترتب على ذلك من محو لكافة أثره.

وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل نجدها تطرح إشكالا فيما يخص مسالة هل مسطرة الاستماع إلى الأجير تبقى مسالة إلزامية أم اختيارية؟

نستشف من خلال المادة62 ان المشرع لم يترتب أي جزاء والحال أن الفقرة الأولى قد جاءت بصيغة الوجوب وألزمت المشغل بإتاحة الفرصة للأجير من اجل الدفاع عن نفسه والاستماع اليه وان ما يؤكد صيغة الوجوب هو ما نصت عليه مقتضيات المادة 64  وكدا الفقرة الرابعة من المادة 37 نستنتج من خلال ماسبق أن صيغة النص جاءت معيبة لوجود تناقض في الفقرة الأولى من المادة 62التي جاءت بصيغة الوجوب والفقرة الأخيرة حيث خولت إمكانية لجوء الأطراف إلى مفتش الشغل في حالة إذا رفض احد الأطراف إجراء أو إتمام هده المسطرة ويستشف من خلال دلك أنها لم ترتب أي جزاء،والحال أن هناك تناقضا بين الفقرة الأولى والفقرة الأخيرة من المادة المذكورة.

وكان على المشرع أن يعمل على أن تكون الفقرة الأولى منسجمة مع الفقرة الأخيرة أن يخول المشغل إمكانية الاستماع إلى الأجير عوض النص عليها بصيغة الوجوب . الإشكال المطروح كيف سيتعامل القضاء  مع مقتضيات المادة 62من مدونة الشغل في صيغتها الحالية،هل ستعتبر مسطرة الاستماع إلى الأجير امن طرف المشغل مسطرة اختيارية وان عدم إثارة الأول لها ان تخول للأجير إمكانية اللجوء لمفتش الشغل قصد إجراءها أم سيعتبرها مسطرة إلزامية من النظام العام تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها مادام ان صياغة النص جاءت بصيغة الوجوب ام انه في حالة عدم احترام المشغل لمقتضيات لمادة 62 وما يليها فهل المحكمة لا يمكن ان تثيرها من تلقاء نفسها مادام ان الأجير لم يتمسك بها؟

ليفتح المجال هنا امام الاجتهاد  القضائي الذي جاء متضاربا هذا الخصوص فهناك قرارات اعتبر فيها القضاء اللجوء الى مفتش الشغل في حالة رفض احد الطرفين إجراء او لإتمام المسطرة إلزامية ومن ذلك القرار الاستئنافي 2006.

 كما جاء في قرار آخر: حيث أنه بغض النظر عن ثبوت الخطأ من عدمه فغن الأجير قد احترم المسطرة المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل  وتوجه إلى مفتش الشغل، إلا أن المشغلة لم تحترم المقتضيات القانونية الواجبة التطبيق بعد أن تمسك بها الأجير وحيث أنه لا يمكن تطبيق المادة 61 بمعزل عن مقتضيات المواد 62 و 63 و 64 من نفس المدونة مما جعل الفصل الذي نعرض له ألأجير من نازلة الحال فصلا تعسفيا يستحق معه التعويضات الناتجة[14] عن الفصل التعسفي في حين اعتبر في بعض القرارات الأخرى هذا الإجراء غي ملزم للطرفين..

المطلب الثاني: الحماية القانونية للأجير بعد الفصل

كما هو معلوم فإن الأجير يعتبر الحلقة الضعيفة في علاقة الشغل القائمة بين كل من المشغل والأجير وبالتالي فقد أتى المشرع من خلال بعض فصول مدونة الشغل كالفصل 65 بحماية للأجير بعد فصله من العمل حيث أنه إذا أي الأجير انه تعرض لعقوبة تعسفية او أنه لم يرتكب أي مخالفة تبرر العقوبة التي تعرض لها فإنه يمكن له في هذه الحالة اللجوء الى المحكمة المختصة للمطالبة بحقوقه وإذا كانت العقوبة التي اتخذت في حق الأجير هي الفصل فإنه يتعين على الأجير أن يرفع دعواه  في أجل 90 يوما من تاريخ توصل الجير بقرار الفصل.

وقد جاء في المادة 65 من المدونة في هذا الموضوع ما يلي ” يجب تحت طائلة سقوط الحق رفع دعوى الفصل أمام المحكمة المختصة في أجل 90 يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل يجب النص على الأجل المذكور أعلاه في مقرر الفصل الوارد في المادة 63 أعلاه “.

وحول حماية ألأجير بعد فصله من العمل يمكن إبداء  الملاحظات القانونية التالية:

1-إذا رفع الأجير المفصول من عمله دعوى أمام المحكمة للنظر في قضية فصله فإن المحكمة لا يحق لها أن تنظر إلا في أسباب الفصل الواردة في قرار الفصل الذي تم تسليمه إلى الأجير أو إرساله إليه عن طريق البريد المضمون وهكذا مثلا فإذا ورد في رسالة الفصل هذه أن سبب الفصل هو الغياب المتكرر للأجير فإن المحكمة لا يحق لها أن تنظر في سبب آخر يثيره المشغل وينسبه إلى الأجير وهو السرقة مثلا أو تعاطي مادة مخدرة أو عرقلة حرية العمل ويلاحظ هنا أن هذه القاعدة التي احتفظت بها المدونة وردت في الفصل 6 من النظام النموذجي الصادر سنة 1948 بحيث أشار هذا الفصل صراحة إلى أن المحكمة التي تنظر في النزاع لا تعتبر سوى الأسباب التي ذكرها المشرع  في رسالة الطرد.

2-يلاحظ أن المادة 65 من المدونة قد حددت أجل رفع دعوى الفصل في 90 يوما ابتداءا من تاريخ توصل الأجير بقرار فصله من العمل واعتبرت هذه المادة أن هنا الأجل هو أجل سقوط وأكدت هذه المادة أن هذا الأجل يجب أن يتم الإشارة إليه في قرار الفصل الذي يسلم إلى لأجير أو يبعث له بواسطة البريد المضمون ولكن يلاحظ أن المدونة نصت  في مادة أخرى هي المادة 395 على أجل آخر يتعلق بتقادم الحقوق الناتجة عن علاقات الشغل إذ جاء في المادة المذكورة ما يلي:

“تتقادم بمرور سنتين كل الحقوق الناتجة عن عقود الشغل الفردية وعن عقود التدريب من أجل الإدماج المهني وعن عقود التدرج المهني وعن الخلافات الفردية التي لها علاقة بهذه العقود أيا كانت طبيعة هذه الحقوق سواء كانت نابعة عن تنفيذ هذه العقود أو عن إنهائها”.

وهكذا فإن الأجل المحدد في المادة 65 هو أجل سقوط لا ينقطع ولا يتوقف لأي سبب من الأسباب وذاك على خلاف أجل التقادم المحدد في المادة 395 الذي ينقطع أي يبدأ احتسابه من جديد نتيجة  لكل مطالبة قضائية أو غير قضائية  يكون لها تاريخ ثابت ومن شانها أن تجعل المدين في حالة مطل لتنفيذ التزامه ولو رفعت أمام قاضي غير مختص أو قضى ببطلان لعيب في الشكل أو نتيجة لقبول الدين في تفليسه المدين أو نتيجة لأي إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين الفصل 381 ق ع.

3-يلاحظ كذلك أن الفصل 6 من النظام النموذجي الصادر سنة 1948 ينص على أنه يجوز للأجير الذي يتوصل برسالة الطرد أو الفصل أن يرفع إلى المحكمة وذلك في ظرف سهر واحد ابتداء من يوم توصله برسالة الطرد أو تسلمه نسخة منها وهكذا فقد أحسنت المدونة الجديدة للشغل بتمديدها لأجل رفع دعوى الفصل وتحديدها هذا الأجل في 3 أشهر (90 يوما) وذلك لأن الأجير الذي يوجد في هذه الوضعية قد يتقدم باعتذار إلى مشغله عن الخطأ الذي ارتكبه يوضح فيه ظروف ارتكاب ذلك الخطأ وقد يأخذ المشغل هذا الاعتذار بعين الاعتبار فيسمح برجوع الأجير إلى عمله وقد يتدخل مندوب العمال أو الممثل النقابي مرة ثانية في هذا النزاع فينجح في إقناع المشغل بالعدول عن قراره وأن الظروف  الخاصة بالأجير لا تسمح له بأن يتعرض للبطالة وهكذا فخلال هذا الأجل المحدد في 90 يوما قد تحدث بعض المفاجآت السارة بالنسبة للأجير ويتم التصالح مع المشغل وعدم اللجوء إلى المحاكم.

4-يلاحظ أن المدونة قد سارت في منحى جديد فيما يخص اجل رفع دعوى الفصل أمام المحاكم المختصة بحيث يلاحظ أن الفصل 65 من المدونة صريح في اعتبار أجل 90 يوما م لرفع هذه الدعوى أجل سقوط أي أن الأجير إذا لم يرفع دعواه داخل هذا الأجل يسقط حقه وهنا يظهر أن المدونة قد خالفت ما كان ينص عليه الفصل 6 من النظام النموذجي لسنة 1948، الذي يقضي بأن الأجير يجوز له أن يرفع دعواه للمحكمة المختصة داخل أجل شهر ابتداء من تاريخ توصله برسالة الطرد فالمشرع هنا  لم ينص على أن أجل شهر هو أجل حاسم او اجل سقوط وهذا هو ما كان يسمح للمحاكم بصفة عامة بقبول الدعاوى التي ترفع في هذا الشأن وذلك رغم تسجيلها بعد مضي أجل شهر المنصوص عليه في الفصل 6 المذكور وفي هذا الموضوع يقول بعض الأساتذة:”يلاحظ أنه ليس هناك أي أجل تسجيل الدعوى الرامية إلى المنازعة في أسباب الفسخ والمطالبة بالتعويض ما عدا اجل التقادم المشار إليه آنفا وذلك باعتبار أن ما ينص عليه الفصل 6 من قرار 23 اكتوبر 1948 من ضرورة تسجيل الدعوى داخل أجل شهر يعتبر بدون جزاء وأن نفس الشيء يقال بالنسبة للمأجورين الفلاحين باعتبار أن الفصل 11 من ظهير 24 أبريل 1973 لا يترتب أي جزاء على عدم التسجيل[15] الدعوى داخل أجل شهر من تاريخ التوصل برسالة الطرد وان الاجتهاد القضائي أكد هذا الاتجاه في عدة قرارات تتضمن بأن الدعوى تعتبر مقبولة رغم تسجيلها بعد مضي الشهر وقد ذهب إلى أكثر من ذلك حينما تعتبر أن قضاء الموضوع غير ملزم بالجواب على الدفع الذي عسى أن يثار أمامه في هذا الشأن “قرار المجلس الأعلى عدد 42 بتاريخ 27/1/1982 ملف الاجتماعي عدد 85100 قضاء المجلس الأعلى عدد 32 ص 97. [16]

 

لائـحــة المـراجــع:

الكتب الخاصة:

1-مدونة الشغل مع النصوص التطبيقية، الطبعة الأولى، العدد 10 إعداد وتقديم أمحمد الفروجي

2-“بشر العلوي “الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي” طبعة 2007.

3-“الحاج الكوري”، مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65 أحكام  عقد الشغل، طبعة 2004

4-“عبداللطيف خالفي”، الوسيط يف مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الأول الطبعة 2004.

5-“محمد مهد جرندي”، الطرد التعسفي للأجير في ظل مدونة الشغل والقضاء المغربي الطبعة 2 سنة 2007.

الكتب المتخصصة:

1-مدونة الشغل بعد سنتين م التطبيق، نظمتها وزارة العدل بتعاون مع وزارة التشغيل والتكوين المهني العدد 9 سنة 2007.

قرارات المجلس الأعلى:

-محمد الاستئناف بالرباط، ملف اجتماع رقم 1058/2005/15 صادر بتاريخ 17/10/2006.

-قرار عدد 1106 عن الغرفة الإجتماعية المجلس الأعلى بتاريخ 10/12/2002  ملف 991/2001 غير منشور

-قرار عدد 730 المجلس الأعلى صادر بتاريخ 06/04/2005 ملف 26/05/2005 غير منشور

-قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 9 مارس 1987 ملف اجتماعي عدد 8589/86

-قرار المجلس الأعلى بتاريخ 17 مارس 1958 ملف اجتماعي عدد 6206/85

-قرار المجلس  عدد 42 بتاريخ 27/1/1982 ملف اجتماعي عدد 85100 قضاء المجلس الأعلى عدد 32.

-ملف ابتدائي عدد 8844/05 ملف استثنائي عدد 4363/06 حكم بتاريخ 7 نوفمبر 2006 يغر منشور

-قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء قرار عدد 6325/2005 بتاريخ 22/6/2006

 

الـفـهــرس

مقدمة:…………………………………………………………………………1

 

المبحث الأول: قواعد إجراءات التأديب في حالة ارتكاب خطأ جسيم……………………4

المطلب الأول: الاستماع الى الأجير وتحرير محضر……………………………..4

المطلب الثاني: تبليغ مقرر الفصل…………………………………………….7

        الفقرة الأولى: تسليم الأجير قرار الفصل…………………………………7

        الفقرة الثانية: توجيه نسخة من قرار الفصل الى مفتش الشغل……………..9

المبحث الثاني: الجزاءات والحماية القانونية في حالة خرق المسطرة………………….14

المطلب الأول: جزاء مخالفة إجراءات التأديب…………………………………..14

المطلب الثاني: الحماية القانونية للأجير بعد الفصل……………………………..15

الخاتمة:…………………………………………………………………………19

لائحـة المراجع:…………………………………………………………………20

الفـهــرس:…………………………………………………………………..21

 


[1] -الدكتور عبداللطيف خالفي

[2] -الحاج الكوري مرجع سابق ص 288.

[3] -الوسيط في مدونة الشغل “الجزء الأول علاقات الشغل الفردية الطبعة لأولى سنة 2004 ص 452-453.

[4] -الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي بشرى العلوي الطبعة الأولى سنة 2007 ص 48.

[5] -قرار عدد 1106 صادر عن الغرفة الاجتماعية للمجلس لأعلى بتاريخ 10/12/2002 ملف 991/2001 غير منشور

[6] -قرار عدد 730 عن الغرفة الاجتماعية للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 06/04/2005 ملف 26/05/2005 غير منشور

[7] -المادة 64  تنص على :”توجه نسخة من مقرر الفصل أو رسالة الاستقالة الى مفتش السغل”

ويجب أن يتضمن الفصل الأسباب المبررة لاتخاذه وتاريخ الاستماع إليه مرفقا بالمحضر المشار إليه في المادة 62 من مدونة الشغل…”

[8] -محمد سعد جرندي / الطرد التعسفي للأجير في ظل مدونة الشغل والقضاء المغربي –  الطبعة الثانية سنة 2007.

[9] -الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65 أحكام عقد الشغل طبعة 2004 ص 290.

[10] -قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 9 مارس 1987 الملف الاجتماعي عدد 8589/86 المصدر الحاج الكوير في المرجع السابق.

الهامش 1 الصواب يوسف: القواعد القانونية المنظمة للإجراءات إنها عقد الشغل في حالة الخطأ الجسيم مع تقييم قانوني المدلول الخطأ في ضوء النصوص القانونية والعمل القضائي : الندوة لثانية للقضاء الاجتماعي: 1979 ص 153.

[11] -قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 17 مارس 1958 الملف لاجتماعي عدد 6206/85 المصدر السابق

[12] – لمعلومات أكثر انظر عبداللطيف خالفي ” الوسيط يف مدونة الشغل الجزء الأول علاقات الشغل الفردية

[13] -الحاج الكوري المرجع السابق ص 293

 

 

[14] -قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء عدد 6325/2005 يناير 22/6/2006 غير منشور.

[15] -قضاء المجلس الأعلى عدد 55 السنة 22 يناير 2000 ص 279.

[16] -الأستاذ عبدالوهاب  بن سيد (محام بهيئة الرباط) “الفسخ التعسفي لعقد الشغل وآثاره” مجلة رسالة المحاماة دجنبر 1995 عدد 11/12/9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى