يوسف كبيطي : حماية المتعاقد من خلال نظرية الظروف الطارئة ” التقاعس عن الوفاء بالالتزامات التعاقدية بسبب وباء كورونا نموذجا “
حماية المتعاقد من خلال نظرية الظروف الطارئة
” التقاعس عن الوفاء بالالتزامات التعاقدية بسبب وباء كورونا نموذجا “
مما لا شك فيه أن العقود بصفة عامة قد شرعت في مجال المعاملات من أجل إشباع حاجات الأفراد وتحقيق رغباتهم ومآربهم،على اعتبار أنها الوسيلة الفعالة التي يستطيع بها الفرد أن يحقق بعض مصالحه الاقتصادية والاجتماعية طالما أن مصلحته هاته لا تتعارض مع متطلبات النظام العام والأخلاق الحميدة.
ونظرا لأهمية العقود في تنظيم العلاقات بين الأفراد،فقد كانت محط اهتمام الشريعة الاسلامية منذ قرون خلت،إذ نصت هذه الأخيرة على ضرورة الوفاء بها –أي العقود – مصداقا لقوله تعالى ” وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم ” [1]،وقوله عز وجل ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ” [2]،نفس الشيء أكدته العديد من القوانين الوضعية التي سارت على نفس النهج الوارد في أحكام الشريعة الاسلامية لما للعقد من أدوار هامة وفعالة في تحقيق تبادل المنافع بطريقة عادلة تتفق مع السلوك الحضاري للفرد،وبالتالي المساهمة في تحقيق استقرار المعاملات التي تتم من خلاله سواء كانت مدنية أو تجارية …
وتخضع العقود بصفة عامة لقاعدة أساسية تتمثل في كون العقد شريعة المتعاقدين،والتي مفادها بأن كل ما اتفق عليه الأطراف في العقد هو الذي يجب الالتزام به ولا يجوز لأي طرف أن يخل به أو يطلب تعديله،وهذا ما أقرته غالبية القوانين الوضعية مثل التقنين المدني الفرنسي من خلال المادة [3]1134 والتي جاء فيها ما يلي ” أن الاتفاقات التي تمت على وجه شرعي تقوم مقام القانون بالنسبة إلى عاقديها ” نفس الشيء أكده المشرع المغربي ضمن مقتضيات الفصل 230 من ق.ل.ع.
ومن البديهي أن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين كالتزام قانوني لا يفرض على المتعاقدين فحسب،وإنما يفرض على القاضي الذي يجب عليه في حالة عرض نزاع بشأنه عقد أمامه أن يُعْمِلَ بنوده،وكأنه بصدد إعمال نصوص قانونية،وإلا عرض حكمه للنقض[4] ووجوب احترام مضمون العقد سواء من جانب أطرافه أو من جانب القضاء[5]،هو ما يعبر عنه في الاصطلاح عادة بالقوة الملزمة للعقد.
إلا أن هناك بعض الحالات قد تطرأ لظروف طارئة يستعصي معها على المتعاقد أن يوفي بالتزاماته كما تم الاتفاق عليها وداخل الأجل المضروب لها لأسباب خارجة عن إرادته ولا يد له فيها كما هو الشأن بالنسبة لوباء كورونا COVID 19 الذي لم يكن لا في البال ولا في الحسبان،الشيء الذي قد يجعل من تنفيذ العقد على الشكل المتفق عليه أمرا مرهقا[6]،وهو ما دفعنا إلى إثارة هذا الموضوع في هذه الفترة الحرجة مراعاة للأطراف المتعاقدة (الفئات الهشة ) والتي تضررت بشكل كبير من هذه الجائحة ،ومحاولة منا ل لفت انتباه المؤسسة التشريعية بإصدار نص تشريعي بخصوص نظرية الظروف الطارئة التي لها دور كبير في توفير حماية فعالة للمتعاقد المتقاعس عن الوفاء بالتزاماته لأسباب خارجة عن إرادته ، إلى جانب الفصل 269 من ق.ل.ع.م الخاص بالقوة القاهرة والحادث الفجائي.
وانطلاقا مما سبق يمكننا طرح الاشكالية التالية : محدودية نظرية الظروف الطارئة في تحقيق التوازن العقدي وأثرها على القوة الملزمة للعقد ؟ وهذه الاشكالية الرئيسية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية :
– ما المقصود بنظرية الظروف الطارئة ؟ وما هي الشروط الواجب توفرها لإعمال هذه النظرية ؟
– محدودية تأثير نظرية الظروف الطارئة على القوة الملزمة للعقد؟
كل هذه التساؤلات سنعمل على الاجابة عليها متبعين النهج الآتي :
المبحث الأول : ماهية نظرية الظروف الطارئة
المبحث الثاني : أثر نظرية الظروف الطارئة على القوة الملزمة للعقد
المبحث الأول : ماهية نظرية الظروف الطارئة
تعد فكرة الظروف الطارئة فكرة عريقة ضاربة في القدم،ولا بد من التوقف على جذورها لمعرفة المرجعية الأصلية لها برغم ما قيل في نشأتها الأولى كونها وليدة القضاء الإداري في فرنسا [7]ثم تسللت إلى الحقوق الخاصة[8]،وعلى العموم ليس لنظرية الظروف الطارئة تاريخ مستقل وإنما يتصل تاريخها بتاريخ الالتزام وتطور مفهومه وتأثير مبدأ العدالة فيه،فهي أثر من آثار هذا التطور ونتيجة لتغلب مبدأ العدالة على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين،ذلك أن نظرية الظروف الطارئة ترمي إلى إعادة التوازن في الالتزام التعاقدي،بحيث تضمن القانون الهندي القديم بعض حالات الضرورة نص عليها قانون مانو[9]والغاية منها تحقيق العدالة شأنه في ذلك شأن العديد من القوانين التي تبنت هذه النظرية كالقانون المدني الجزائري…،وهذا ما سنحاول تناوله في هذا المبحث
المطلب الأول : مفهوم الظرف الطارئ
الفقرة الأولى : تعريف الظرف الطارئ في ظل أحكام الفقه الإسلامي
لقد عرف الفقه الإسلامي نظرية الظروف الطارئة[10] أو كما سماها بالضرورة وكان السباق في وضع تعاليمها بإتقان متفان من خلال ما عرض على الفقهاء المسلمين من قضايا أوجدوا حلولها،إذ نجد أن الظروف الطارئة في الفقه الإسلامي تشمل مظاهر ثلاث وهي فسخ الإجارة للأعذار،الجوائح في بيع الثمار وتقلب النقود في عقدي البيع والقرض على الخصوص،كما عرفت الشريعة الإسلامية نظرية الظروف الطارئة قبل أن تعرفها القوانين الوضعية،وذلك لأن الشريعة الإسلامية قائمة على العدالة التي تعتبر من ركائزها الأساسية، فجميع أحكامها تهدف لتحقيق العدالة بين الأفراد سواء في الدنيا أو الآخرة، ولذا ليس بغريب أن تقر وتعترف الشريعة الإسلامية بهذه النظرية، فإذا تعارضت القوة الملزمة للعقد مع مبادئ العدالة والإنصاف فإن الشريعة الإسلامية لا تتوانى عن تطبيق العدالة وخاصة إذا كانت الظروف الطارئة على العقد غير متوقعة من قبل المدين وتتجاوز طاقته البشرية.
ويعتبر من أقدم الأبحاث[11] التي أكدت على اعتراف الشريعة الإسلامية بنظرية الظروف الطارئة ما قاله الفقيه الفرنسي الكبير ) ادوار لامبير( في المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد بمدينة لاهاي سنة 1932 حيث أكد على أن ” نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي تعبر بصورة أكيدة وشاملة عن فكرة يوجد أساسها في القانون الدولي العام في نظرية الظروف المتغيرة، وفي القضاء الإداري الفرنسي في نظرية الظروف الطارئة، وفي القضاء الانجليزي فيما أدخله من المرونة على نظرية استحالة تنفيذ الالتزام تحت ضغط الظروف الاقتصادية التي نشأت بسبب الحرب، وفي القضاء الدستوري الأمريكي نظرية الحوادث المفاجئة”، وهذا ما أكده أستاذنا السنهوري[12] في مقاله الذي دعا فيه إلى تنقيح القانون المدني المصري حيث قال ” أن نظرية الظروف الطارئة عادلة، ويمكن للمشرع المصري في تقنينه الجديد أن يأخذ بها استناد ا إلى نظرية الضرورة في الشريعة الإسلامية، وهي نظرية فسيحة المدى خصبة النتائج، تتسع لنظرية الظروف الطارئة ولها تطبيقات كثيرة، وقد أصبحت نظرية الضرورة من النظريات الأساسية في الشريعة الإسلامية وهي تتماشى مع أحدث النظريات القانونية في هذا الموضوع.
وعليه فإذا أبرم العقد في الفقه الإسلامي،صار ملزما لطرفيه فهو قانون المتعاقدين لا تصح إقالته أو تعديله إلا برضاهما المتبادل،فالعقد الذي انعقد بالتراضي لا يحله أو يغيره سوى التراضي،وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة : ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ” [13].
غير أن قاعدة منع الضرر- والضرر يجب أن يزال في الإسلام لأنه لا ضرر ولا ضرار – حملت جميع المذاهب الفقهية الإسلامية على التخفيف من شدة القوة الملزمة للعقد إعمالا لمبدأ الإحسان الذي أوصى به الله سبحانه وتعالى من خلال كتابه الحكيم،بحيث متى تغيرت الظروف أثناء تنفيذ العقد فنشأ عن ذلك ضرر جسيم للمدين،جاز فسخ العقد حينا أو إنقاص الثمن في أحيان أخرى عن طريق نظريتي العذر او الجوائح[14]
الفقرة الثانية : تعريف الظرف الطارئ من الجانب الفقهي
أمام صمت المشرع [15]عن إعطاء تعريف محدد للظرف الطارئ وتشخيصه سيتوجب علينا الإشارة إلى مختلف التوجهات الفقهية الرامية إلى وضع تعريف لهذه النظرية قصد تحديد معالمه في القوانين الوضعية فالأستاذ السنهوري يرى أن الظروف الطارئة تفترض الوضع الآتي ” عقد يتراخى وقت تنفيذه إلى أجل أو آجال، كعقد التوريد، ويحل أجل التنفيذ، فإذا بالظروف الاقتصادية التي كان توازن العقد يقوم عليها وقت تكوينه قد تغيرت تغيرا فجائيا لحادث لم يكن في الحسبان، فيختل التوازن الاقتصادي للعقد اختلالا خطيرا…[16] ،أما الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فيعرض للظروف الطارئة على الشكل التالي: ” هناك عقود يتراخى فيها التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال، ويحصل عند حلول أجل التنفيذ أن تكون الظروف الاقتصادية قد تغيرت بسبب حادث لم يكن متوقعا، فيصبح تنفيذ الالتزام شاقا على المدين مرهقا له إلى الحد الذي يجعله مهددا بخسارة فادحة[17]، الأمر الذي يجيز للقاضي أن يتدخل ليوزع تبعة هذا الحادث على عاتق الطرفين وبذلك يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول”.
أما الفقيهان كولان وكابيتان فيعرفان الظروف الطارئة على أنها تلك الأحداث التي تطرأ أثناء تنفيذ العقد، وهو عادة متتابع التنفيذ، بحيث يصبح بالنسبة للمدين أكثر إرهاقا مما توقعه عند التعاقد، بفعل تلك الظروف”، والأستاذ جوسران يعرفها بدوره على أنها تلك الظروف التي تعترف للقاضي بحق الأخذ بعين الاعتبار، أثناء العمل بالاتفاقات التعاقدية في الظرف أو الحدث غير المتوقع أو غير المنتظر الذي قد يحصل أثناء الاتفاق، ويكون من نتيجة هذه الظروف الخارجية وغير العقدية أن تخل بالتوازن العقدي، ويكون بالتالي من حق المدين أن يفرض على المتعاقد الآخر إما فسخ العقد وإما إعادة النظر به بإعادته إلى سابق توازنه[18].
فمن مختلف هذه التعريفات (وسواها) نستخلص أن الظرف الطارئ الذي من شأنه أن يؤدي إلى إعادة النظر في التعاقد هو الظرف الذي تتوافر فيه مجموعة الشروط سنحاول تناولها في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها في نظرية الظروف الطارئة
إن تطبيق نظرية الظروف الطارئة ، يبقى حلاً عمليا من أجل تعديل شروط العقد(تقاعس المدين عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية داخل الأجل المضروب لها)[19] بالنسبة لمجموعة من العقود،من قبيل العقود المرتبطة بالقروض السكنية والقروض الاستهلاكية[20] وعقود المقاولة … التي لم تعرف طريقها إلى التنفيذ، نتيجة التوقف الفجائي لبعض المقاولات ووقف الملاحة البحرية والجوية في إطار التدابير الاحترازية التي تقوم بها الجهات المختصة والرامية إلى محاربة وحصر تفشي فيروس كورونا الأمر الذي تطلب توافر عدة شروط،تناولتها العديد من الدول في تشريعاتها الوضعية، إلا أنه لا يوجد اتفاق تام بشأن هذه الشروط في تلك التشريعات، حيث تقوم بعض هذه التشريعات بتناول هذه الشروط بشكل موسع، بينما يتناولها البعض الآخر بشكل ضيق، الأمر الذي حذا بالفقه لتولي دوره في هذا الشأن باستنباط شروط هذه النظرية،وهذا ما سنحاول تناوله في هذا المطلب متبعين النهج الآتي:
الفقرة الأولى :الشروط الخاصة بالظرف الطارئ
يشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة توافر عدة شروط تتعلق بالظرف الطارئ ذاته وهي أن يكون استثنائيا وأن يكون عاما وأن يحدث بعد إبرام العقد وقبل تمام تنفيذه
أ – وجود ظرف طارئ استثنائي
يقصد بشرط الاستثنائية الذي أكدت عليه كل التشريعات المقارنة – وسواء الأوربية منها أو العربية – ألا تكون الواقعة المكونة للظرف الطارئ مألوفة،أي مما يقع في الأحول العادية .
وحسب بعض التوجهات الفقهية فإن معنى الاستثنائية ينصرف إلى ندرة وقوع الظرف الطارئ أو خروجه عما ألفه الناس حسب السير العادي للأمور[21] وهو الشيء الذي لمسناه في فيروس ” كورونا COVID 19″ الذي يستجيب لهذه الشروط، من حيث أنه استثنائي وغير مألوف بحيث لا يعترف بالحدود ولا يميز بين الأجناس البشرية ، حين استطاع أن يعزل دولا بأكملها عن بقية بلدان المعمور، ويفرض حجرا صحيا على الأفراد والجماعات، مما أثر على مستوى التشغيل والإنتاج على حد سواء، وانعكس سلبا على العلاقات التعاقدية، مما ينذر بمنازعات عديدة تتصل بتنفيذ الالتزامات المدنية والتجارية والإدارية ،والمواطن على اختلاف أطيافه يعيش ظرفا طارئا يقتضي منه الحيطة والحذر مع تكاثف الجهود لتجاوز هذه المرحلة الراهنة بسلام.
وفي الحقيقة فإن شرط الاستثنائية يمكن ربطه بشرط عدم التوقع الذي قد يغني عنه من الناحية القانونية.
ب – : أن يكون الظرف الطارئ عاما
لا يكفي أن يكون الظرف استثنائيا، وإنما ينبغي أن يكون هذا الحادث عاما وهذا بقصد عدم زعزعة القوة الملزمة للعقد،ويقصد بعمومية الحادث الاستثنائي ألا يكون خاصا بالمدين وحده، بل يجب أن يشمل طائفة من الناس، معنى هذا أن يكون الظرف شاملا لعدد كبير من الناس كأهل بلد أو دولة…
وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنه لا يشترط في الظرف أن يشمل جميع الناس،بل يكفي أن يكون المتعاقد قد شارك غيره من جمهور الناس في كونه ضحية الحادث الذي وقع، وتطبيقا لذلك فإذا شب حريق مثلا والتهم مدينة بأكملها يعد ذلك ظرفا طارئا، كذلك الحال بالنسبة للظرف الذي يلحق أضرارا بطائفة معينة من التجار يمكن ان نعتبره ظرفا طارئا على الرغم من أنه لم يشمل جميع الناس.
أما فيما يخص معيار عمومية الظرف الطارئ فقد ينصرف إلى الناحية الشخصية فيتحدد بعدد الأشخاص المتأثرين بهذا الظرف، وقد ينصرف إلى الإقليمية فيتحدد بمقدار أو عدد الأقاليم التي تأثرت بهذا الظرف، وقد يندمج العنصران معا في تحديد وصف العمومية.
وقد أخذت غالبية التقنينات العربية بشرط العمومية، إلا أن اشتراط صفة العمومية في الظرف الطارئ تنازعه اتجاهان في الفقه الوضعي، فقد ذهب البعض إلى القول بأن اشتراط المشرع صفة العمومية في الظرف الطارئ هو شرط مبرر، واستدلوا على ذلك بأن فكرة تعديل العقد بسبب الظروف الطارئة يمثل استثناء على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين لذلك يجب الحد من اعمالها لأنها تؤدي إلى هدم استقرار الروابط العقدية،وباشتراط صفة العمومية تتحقق هذه الغاية لأن المدين الذي تصيبه بعض التغيرات دون سواه يتحمل لوحده نتائجها ولا مجال لإعمال نظرية الظروف الطارئة.
أما البعض الآخر[22] ومن بينهم الأستاذ الفزاري ذهبوا إلى اعتبار شرط عمومية الظرف الطارئ شرط لا فائدة منه و أنه شرط غير عادل، و هذا لأنه يتعارض مع الأساس الذي تقوم عليه نظرية الظروف الطارئة وهو العدالة التي تهدف إلى رفع الإرهاق عن المدين، ولكن عندما قيد المشرع الحادث الاستثنائي بشرط العمومية فان ذلك يؤدي إلى عدم تحقق العدالة في الحالات التي لا يكون فيها عاما، وهذا ما دفع ببعض القوانين المدنية في بعض الدول و منها ايطاليا و بولونيا إلى عدم اشتراط صفة العمومية في الظرف الطارىء بل جعلت كل حادث استثنائي غير متوقع يؤدي إلى إرهاق المدين موجبا لتطبيق نظرية الظروف الطارئة[23].
يمكن القول من خلال الرأيين السابقين بأن الرأي الثاني هو الأنسب للأخذ به لأن اشتراط العمومية في الحادث الاستثنائي يتعارض مع الهدف من وضع نظرية الظروف الطارئة والأخذ بها، فعلى الرغم من قيام هذه الأخيرة على مبادئ أخلاقية كحسن النية و مبادئ العدالة والتي تقضي برفع الإرهاق عن المتعاقد المتضرر من وقوع هذه الظروف، فإن تقييد هذه الظروف بشرط العمومية يؤدي دون أدنى شك إلى تجاوز هذه المبادئ الأخلاقية.
ج : أن يقع الظرف الطارئ بعد توقيع العقد وقبل تمام تنفيذه
يشترط لتطبيق النظرية أن يقع الظرف الطارئ بعد إبرام العقد وقبل تمام تنفيذه والمقصود بتمام التنفيذ اكتمال التنفيذ،ذلك أن نظرية الظروف الطارئة تفترض أن العقد قد أبرم في ظروف معينة عادية،ثم تستجد بعد ذلك ظروف وحوادث مستقبلية لم تكن في الحسبان تجعل ذلك التنفيذ مرهقا من الوجهة الاقتصادية بالخصوص.
ومع ذلك فإن العقد إذا كان متراخي التنفيذ وطرأت مع ذلك حوادث استثنائية بعد إبرام العقد مباشرة،وإن كان ذلك لا يقع إلا نادرا،فليس هناك ما يمنع من تطبيق نظرية الظروف الطارئة[24]،ولربما هذا هو ما دفع ببعض التشريعات العربية بالخصوص إلى السكوت عن شرط التراخي.
فمن الملاحظ أنه ينذر في الحياة العملية أن ينفذ عقد – وبالخصوص إذا كان هذا العقد زمنيا – في نفس الظروف التي أبرم في ظلها،ذلك أن الظروف المحيطة بالأفراد ليست ثابتة،بل هي في حالة تغيير دائم ومستمر.
ففضلا عن تأثيرات الحروب المفاجئة والأزمات الاقتصادية المتلاحقة والثورات الاجتماعية العارمة والأوبئة،فإن تدفق تيار الزمن في حد ذاته يفسح مجالا عميقا لحدوث تحولات دائمة في الأشياء والقيم وفيما يقوم بينها من علائق.
فالقاعدة أن لا شيء في هذه الحياة يقوى على مناهضة تيار الزمن.
الفقرة الثانية : الشروط الخاصة بالمتعاقد
أ – أن المتعاقد ليس في وسعه توقع الظرف الطارئ
ويقصد بشرط عدم توقع المتعاقد للظرف الطارئ أنه ” لم يكن يعلم بأن واقعة معينة ستحدث أو أنها لن تحدث في وقت تنفيذ العقد، بحيث يكون من غير المعلوم أن حدوث هذه الواقعة أو عدم حدوثها سيترتب عليه خلق صعوبة في تنفيذ العقد إلى حد الإرهاق”[25]، ويتبين من خلال هذا التعريف أن هذا الشرط يعتبر شرطا هاما ومنطقيا في تطبيق نظرية الظروف الطارئة، إذ أن المدين الذي كان يتوقع حدوث الظرف الطارئ عند التعاقد ومع ذلك أقدم على التعاقد يكون قد ارتضى بالنتائج التي قد يسفر عنها هذا الظرف ، ومن ثم لا يلوم إلا نفسه، لأنه من غير المنطقي أن يسمح له بالمطالبة بتطبيق نظرية الظروف الطارئة عندما تصبح هذه النتائج حقيقة واقعية.
وبالتالي فإن عنصر التوقع يمكن تعريفه بأنه ” الظن السائغ المقبول المؤيد بمعطيات الواقع لاحتمال وقوع أو عدم وقوع حادث معين في المستقبل يجعل تنفيذ الالتزام مرهقا.
وعليه فإنه متى كان الحادث متوقعا أو يمكن توقعه فلا تطبق نظرية الظروف الطارئة،ولا يجوز للمدين التمسك بأحكام النظرية لأنه أمر متوقع.
ويعتبر مفهوم عدم التوقع بالنسبة للفعل أو الظرف أو الحادث الذي اعترض تنفيذ العقد هو مفهوم نسبي، بمعنى أنه لا يوجد عدم توقع مطلق، فقلما يوجد حدث يعتبر غير متوقع كليا، ولهذا فإن فكرة عدم التوقع لا تقدر بذاتها وإنما بعلاقتها بالظروف الأخرى المعاصرة للعقد، فكل عقد يحمل في طياته بعض المخاطر، وكل متعاقد حذر يقدر هذه المخاطر ويزنها عند إبرام العقد، فإذا قصر في ذلك فعليه أن يتحمل نتيجة تقصيره، أما إذا كان الظرف يفوق كل تقدير يمكن أن يتوقعه الطرفان المتعاقدان فهنا يتم تطبيق نظرية الظروف الطارئة.
ويتم إثبات توقع المدين ظرفا معينا إثبات الأمر ضمني وليس ظاهر، ومن ثم يدخل في اختصاص القاضي الذي يقوم باستنتاجه من خلال معيار موضوعي للتثبت من توقع المدين ظرفا معين أو عدم توقعه، والمعيار الموضوعي يقصد به أن قوامه الرجل المعتاد وليس معيارا ذاتيا أو شخصيا ، فلو أن حربا مثلا كانت وشيكة الوقوع عند إبرام العقد وكان الرجل المعتاد يتوقع اندلاعها فلا تعتبر في هذه الحالة ظرفا طارئا إذا ما اندلعت إلا بالنسبة للنتائج غير المتوقعة التي ترتبها حتى لو لم يكن المتعاقد ذاته يتوقع نشوبها.
ب: أن المتعاقد ليس في وسعه دفع الظرف الطارئ
أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة لا يتطلب فقط أن يكون الحادث أو الظرف الطارئ استثنائيا عاما لم يكن في الوسع توقعه، ولكن يتطلب أيضا فضلا عن ذلك أن تكون الظروف مما لا يستطيع المتعاقد تحاشيها أو دفعها عن نفسه أو التقليل من آثارها، فالحادث الذي يستطيع دفعه يستوي في شأنه أن يكون متوقعا أو غير متوقع، لأن المدين الذي لم يستطع دفع الظرف أو التقليل من آثاره، فإذا كان له القدرة على دفع الظرف الطارئ ولم يقم بذلك فإن المدين هنا يعتبر سيء النية، وهذا عكس الأساس القانوني لالتزام المدين بدفع الظرف الطارئ الذي يقوم على مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.
والتشريعات الوضعية التي أقرت نظرية الظروف الطارئة لم تنص صراحة على شرط عدم القدرة على دفع الظرف الطارئ، لأنها من الأمور البديهية التي تقتضيها طبيعة الفكرة التي تقوم عليها نظرية الظروف الطارئة.
ج: أن المتعاقد ليس له دخل في حدوث الظرف الطارئ
يشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة أن لا تكون هناك أية علاقة بين حدوث الظرف الطارئ والمتعاقدين من أي نوع سواء كانت عن عمد أو إهمال بين المتعاقد وحدوث الظرف الطارئ، أو أن يكون المتعاقد قد قصر في مواجهة أو دفع الخطر ببذل الجهود اللازمة لتوقي الظرف الطارئ أو توقي الآثار المترتبة عليه
وعليه فإن المتعاقد الذي يأتي فعلا عمديا وترتب عليه آثار تسيء لمركزه بقلب موازين العقد، لا يجوز له – نتيجة لذلك – أن يطالب بتطبيق النظرية، مثل من يحرق محصوله، ويشعل النار بمصنعه.
وبالتالي فإنه هذا الشرط يجب توافره لتطبيق نظرية الظروف الطارئة حتى لا يستفيد المتعاقد سيئ النية أو المهمل من سوء نيته أو إهماله، فالفرض أن هذا المتعاقد يستحق العقاب لا أن يكافأ على ذلك، كما أن إغفال هذا الشرط قد يدفع المتعاقد إلى اتخاذ أي إجراء من شأنه إحداث التغيير في ظروف إبرام العقد إضرارا بالمتعاقد الآخر متى كان من المقرر أن هذا المسلك لا يحول بينه وبين المطالبة بتطبيق نظرية الظروف الطارئة.
المبحث الثاني : أثر نظرية الظروف الطارئة على القوة الملزمة للعقد
المطلب الأول : ماهية القوة الملزمة للعقد
الفقرة الأولى : القوة الملزمة للعقد وفق مفهومها التقليدي
وفقا لمبدأ سلطان الإرادة فإن العقد الذي يتم تكوينه على نحو صحيح تكون له قوة ملزمة،ويستمد العقد قوته هذه من الإرادة بما لها من سلطان ذاتي[26]،فمن يرتبط بعقد ما ملزم بتنفيذ تعهداته مهما كلفه ذلك.
وبالرغم من الانتقادات التي لاقاها مبدأ سلطان الإرادة بسبب مغالاته في تقديس الفرد وإرادته فإن القانون المغربي بدوره لم يخل من آثار هذا المبدأ،حيث يشكل الفصل 230 من ق.ل.ع أساس نظرية سلطان الارادة عموما ومبدأ القوة الملزمة للعقد على وجه الخصوص،وهو ينص على أن : ” الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها،ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون “.
وهو نص مطابق في مراده وصيغته للفصل 242 من ق.ل.ع التونسي،وهذا الأخير مستمد في معناه ومبناه من الفصل 1134 من القانون المدني الفرنسي الذي ينص على أن : ” الاتفاقات التي تمت على وجه شرعي تقوم مقام القانون بالنسبة الى عاقديها،ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما المتبادل أو في الحالات التي يسمح بها القانون “، وقد جاء هذا الفصل الأخير كتتويج للأفكار الفلسفية والنظريات الاقتصادية والقانونية التي سادت في القرن الثامن عشر[27]،وكمكرس لمبدأ سلطان الارادة في القانون المدني الفرنسي.
وباستقراء الفصلين السابقين يتضح أن العقد الذي ينشأ على وجه صحيح يقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة التعاقدية فيما بين المتعاقدين[28]،وهذا ما يعبر عنه بالعقد شريعة المتعاقدين،ويقصد بهذه القاعدة أن الالتزام الناشئ عن العقد يعادل في قوته الالتزام الناشئ عن القانون،وبما أن الفرد لا يجوز له أن يتحلل من التزام فرضه القانون كذلك لا يجوز للمتعاقد أن يتحلل من التزام أنشأه عقد كان طرفا فيه[29] فالعقد يكون ملزما لأطرافه بما تضمنه من بنود،وعلى المتعاقدين أن يفيا بالالتزامات التي يرتبها هذا العقد كما لو كانت تستمد مصدرها من القانون.
فالعقد وإن لم تكن له عمومية القاعدة القانونية إلا أن له قوته الملزمة التي تجد مصدرا لها في الإرادة،والتي تمنع القاضي من تأويله أو تفسيره إلا من باب البحث عن حقيقة إرادة عاقديه (الفصل 462 ق.ل.ع)[30] فلا يجوز له إعمال مفهومه الخاص للعدالة محل إرادة الأفراد،بل هو ملزم بتطبيق العقد كما تم الاتفاق عليه لأن العدالة في احترام إرادة المتعاقدين[31].
وهكذا لا ينبغي لأحد المتعاقدين الانفراد بإلغاء العقد أو مجرد تعديل مقتضياته،فما تم إنشائه بإرادتين لا يمكن إلغائه أو تعديله بإرادة واحدة[32].
الفقرة الثانية : القوة الملزمة للعقد وفق مفهومها الحديث
يرى بعض الفقهاء الفرنسيين بأن ثمة حاجة قانونية ملحة إلى تجديد مفهوم القوة الملزمة للعقد يستوعب الأوضاع القانونية التي لا يسمح بها المفهوم التقليدي لهذه القوة الملزمة للعقد،ذلك أن هذا المفهوم بدى متناقضا مع كثير من الأوضاع القانونية المستجدة وعائقا أمام التوصل الى حلول لتحقيق التوازن العقدي الذي قد يختل في بعض العقود،ويعبر عن هذا العجز في المفهوم التقليدي كثرة الاستثناءات على القوة الملزمة للعقد في القانون المدني ومن هذه الاستثناءات تدخل القاضي لتعديل العقد في الظروف الطارئة وإقرار حق المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير[33].
من هنا حاول الفقيه غستان وغيره من الشراح ابتداع مفهوم حديث للقوة الملزمة للعقد وتجديد مفهومه التقليدي،ويتجلى هذا التجديد من خلال فكرتين الأولى فكرة (النافع والعادل في العقود)،والثانية تتمثل في فكرة (التوقعات المعقولة للدائن).
أ : فكرة النافع والعادل في العقود
ابتدع الفقيه غستان مفهوما حديثا للقوة الملزمة للعقد وبدأ يؤسس عليه قواعد وأحكام ناظمة للعقود في تكوينها وتنفيذها بعد أن رأى عجز مبدأ سلطان الارادة وما يتفرع عنه من قوة ملزمة للعقد عن تفسير الحالات والأوضاع التي تمثل خروجا على هذا المبدأ فذهب إلى أن العقد لا يستمد قوته الملزمة من إرادة المتعاقدين وما يتمتعان به من سلطان يحظر انهاءه أو تعديله إلا بتوافق هاتين الارادتين،وإنما يستمد قوته الملزمة من كونه نافعا وعادلا ومن خلال هاتين الفكرتين (المنفعة والعدالة) فك غستان الارتباط بين القوة الملزمة للعقد واستقلالية الارادة وربطها بعناصر موضوعية من خارج الجانب الارادي في العقد،وقد تم عرض هاتين الفكرتين على الشاكلة الآتية :
+ العقد إلزامي لأنه نافع ومفيد
يقر الفقيه غستان بأن هناك نوعين من المنفعة في العقود،منفعة شخصية لشخص بعينه ومنفعة عامة تحقق مصلحة للمجتمع بصورة عامة،والقانون لا يعطي للعقد قوة ملزمة لأنه يحقق منافع خاصة فقط بل لأنه ينتج عمليات نافعة اجتماعيا ويترتب على ذلك تبعية هذا العقد كأداة لتبادل القيم للنظام العام لارتباطه بالمصلحة العامة،كما أن الارادة الفردية تحتفظ بدورها لما تحققه من منافع اجتماعية فتبقى للأفراد سلطة السعي لتحقيق منافع شخصية وتبقى الارادة هي العنصر الاساسي في العقد لكن ليس بوصفها أساسا للقوة الملزمة للعقد لذا يجب تحليل إرادة المتعاقدين بشكل مرن فالالتزام الناشئ من اتفاق الارادتين يعد عقديا حتى لو لم يحدد هذا الاتفاق محتواه فليس من الضروري لوصف وضع قانوني بأنه عقد أن يكون قد تولد من حرية متساوية للمتعاقدين ،وعلى هذا الأساس لا يعتبر التفاوض معيارا للعقد فتكون عقود الاذعان عقودا رغم إنجازها وصياغة شروطها بإرادة منفردة لأحد المتعاقدين .
+ العقد إلزامي لأنه عادل
ويمضي غستان في شرح نظريته فيقول أن العقد لا يكون ملزما أيضا إلا إذا كان عادلا ويرى أن العدالة التعاقدية هذه هي عدالة تبادلية تصحيحية تهدف الى حفظ التوازن بين الذمم المالية،وتعطي كل متعاقد الجزء الذي يخصه،وعلى هذا تكون نظرية عيوب الارادة أداة لتطبيق العدالة التعاقدية ويتجلى ذلك أيضا في تخفيض الثمن المغالى فيه في العقود،ويكمل مبدأ العدالة التعاقدية مبدأ حسن النية الذي يهيمن على تكوين العقود وتنفيذها وذلك من خلال فرضه بعض الالتزامات التي ترمي إلى تحقيق العدالة التعاقدية كالالتزام بالاعلام وبعدم الغش[34].
ومن خلال ما سبق يتضح بأن غستان تشبع بإمكانية إنهاء العقد من جانب واحد في بعض العقود مؤسسا ذلك على فكرة العدالة التبادلية.
ب: فكرة التوقعات المعقولة والثقة المشروعة للدائن
حاول بعض الشراح تقديم مفهوم آخر للقوة الملزمة للعقد يمكن التوصل من خلاله إلى الاعتراف للمتعاقد بسلطة التصرف الانفرادي،ويقوم هذا المفهوم على المزاوجة بين العناصر الشخصية في العقد مثل الارادة والعناصر الموضوعية مثل السبب والتوازن العقدي ليتولد عن توليف العناصر العقدية مفهوم للقوة الملزمة للعقد مستمد من ثقة الدائن المشروعة وتوقعاته المعقولة في الالتزام والتي يتبناها القاضي لينظر للعقد على أنه عمل منطقي يتضمن العناصر الشخصية والموضوعية التي من شأنها أن تكمل بعضها البعض،فتنصاع الارادة وهي تمثل المفهوم الشخصي للالتزام لفكرة السبب وتعادل الأداءات كعناصر موضوعية،ومحصلة هذا الارتباط خضوع الارادة لمبدأ حسن النية في تكوين العقود وتنفيذها،وبهذا يبرر تدخل القاضي لتعديل العقد وتحقيق التوازن العقدي بين الأداءات التعاقدية[35].
وتجد هذه الفكرة جذورها في القانون السويسري فهو لا يأخذ في إبرام العقد بالإرادة الظاهرة ولا بالإرادة الباطنة وإنما يأخذ بثقة الدائن المخاطب بالتعبير وما يفهمه بحسن نية من هذا التعبير،وعلى هذا يبنى الالتزام العقدي على أساس الثقة المشروعة المتولدة لدى الدائن من التعبير المخاطب به.
وما يمكن ملاحظته على كلا الفكرتين المقدمتين كمفهوم حديث للقوة الملزمة للعقد أن كلا منهما حاولت تبني مفهوم معين للعقد الذي وقع عليه أثر التصرف الانفرادي،فالفقيه الفرنسي غستان عند ربطه القوة الملزمة للعقد بفكرة العدالة والمنفعة وهي عناصر موضوعية قد استند إلى مفهوم موضوعي للعقد أو الالتزام كما ان أنصار نظرية التوقع المعقول والثقة المشروعة للدائن المستمدة من مزج عناصر العقد الموضوعية والشخصية قد استندوا إلى الجمع بين مفهومي الالتزام الشخصي والموضوعي ذلك أن الالتزامات عموما تتنازعها نظريتان كما بينا نظرية موضوعية وأخرى شخصية وأن القوة الملزمة للعقد قد تتقيد بالعناصر الموضوعية عند تبني المفهوم الموضوعي للالتزام،فيقال أن هذه القواعد قد أخذت مفهوما حديثا كما رأيناه عند غستان،وقد تتقيد بعناصر شخصية عند تبني النزعة الشخصية التي هي الموطن الأصلي لمبدأ سلطان الارادة وللمفهوم التقليدي للقوة الملزمة للعقد فتتقيد هذه القوة الملزمة في ظل مجالها الرحب لصالح بعض المفاهيم كالانفرادية،ليجد بعد ذلك التصرف الانفرادي أساسه القانوني في مفهوم العقد الموضوعي أو الشخصي وليختلف معنى القوة الملزمة للعقد حسب تبني هذا المفهوم أو ذاك لاسيما وأن التشريعات الحديثة كالقانون المدني العراقي نجده قد جمع بين المفهومين،على اعتبار ان الجمع بينهما هو من يفسر نواحي الالتزام الموضوعية والشخصية،ويفسر بالتالي منح المتعاقد سلطة التصرف الانفرادي في العقد.
المطلب الثاني : تأثر القوة الملزمة للعقد بنظرية الظروف الطارئة
ما تنبغي الاشارة اليه هو أن الأزمات الاقتصادية المتوالية التي بدأت بوادرها تتكون منذ مطلع هذا القرن، قد تولد عنها عمليا نتيجتان الأولى موضوعية وعامة، تقوم على التأكيد على مبدأ يحاول الاقتصاديون تلافي حصوله، وهو مبدأ عدم الاستقرار الذي يسيطر على الحياة الاقتصادية عامة، والنقدية خاصة، والثانية نفسية وخاصة تتمثل في انعدام الثقة عند الأفراد في إمكانية حصول مثل ذلك الاستقرار أو الثبات الذي لابد من أن يترك انعكاسات هامة على صعيد التعامل.
ولعل الضحية الأولى لمبدأ التقلب الاقتصادي وعدم استقراره، هو من الوجهة القانونية مؤسسة التعاقد، وخاصة العقود التي يفصل بين تاريخ انعقادها وتاريخ تنفيذها فترة زمنية طويلة، فالثابت أن جميع العقود يدخل الزمن في تكوينها، سواء كعنصر جوهري من عناصره (كعقد المدة) أو كعنصر عرضي (كالعقود الفورية المؤجلة)، والتي هي عرضة لتأثيرات خارجية مستمرة من ارتفاع في الأسعار أو انخفاض ذريع في قيمة العملة وقدرتها الشرائية، مما قد يولد نتائج شاذة وخارجة عن المألوف تصيب التعاقد،وتكون سببا هاما في فقدان الأمان العقدي والاستقرار المطلوب على الصعيد القانوني.
إن الشك الذي تخلفه الأوضاع الاقتصادية غير الثابتة، والتخوف من اصطدام المتعاقد بظروف طارئة تخل بصورة فادحة في التوازن العقدي الذي يقصده من تعاقده، قد دفعت به إلى البحث عن وسائل فنية تمكنه من مجابهة تلك الظروف والأوضاع حال حصولها، وقد تم التوصل فعلا إلى خلق بنود وطرق اتفاقية تهدف أولا إلى توقي النتائج المحتملة التي قد تترتب على تلك التقلبات،وثانيا المحافظة على التوازن العقدي من أي خلل قد يصيبه،وخاصة من الظروف الاقتصادية والطارئة”[36].
وهي محاولة للتلطيف من صرامة مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي يتشدد في تنفيذ العقد وفق حالته الأصلية أثناء ابرامه،بغض النظر عن أي تغيير أو تحول في الظروف المحيطة به،ففتح المجال أمام القضاء للتدخل في الميدان التعاقدي لإعادة التوازن بين التزامات الأطراف المتعاقدة والذي تسببت فيه عوامل خارجة عن ارادتهم،وذلك عندما يكون من شأن تنفيذ هذه العقود على حالتها الأصلية أن يشكل خسارة كبيرة وفادحة لأحد المتعاقدين،أما الخسارة البسيطة المعقولة فهي لا تدخل ضمن نطاق تطبيق هذه النظرية حيث أن التوازن المطلق لا وجود له في العلاقات التعاقدية،وعلى هذا الأساس فنظرية الظروف الطارئة ليست في حقيقتها القانونية إلا صورة من صور إعادة النظر في العقود،تهدف الى تعديل هذه الأخيرة برد توازنها المفقود الى الحد المعقول[37].
وهناك من اعتبر أن أنصار مبدأ سلطان الارادة وقعوا في وهم عندما قرروا أن الاتفاق العقدي واجب التنفيذ،وهو غير قابل للتعديل إلا بتراضي عاقديه،لأن العقد شريعة المتعاقدين وأن العدالة هي العقد،استنادا للمبدأ الأصولي من قال عقدا قال عدلا،والقاضي في إطار ذلك لا يملك سلطة تعديل العقد[38].
ذلك أن الانتصار للارادة التعاقدية يقتضي التدخل قصد إعادة التوازن للعقد من خلال العمل على تعديله بما يحقق مصالح الطرفين معا[39] وعدم تحميل طرف دون آخر تبعات ما استجد من التطورات،وهذا هو منطق العدالة التعاقدية،فنظرية الظروف الطارئة تصلح التوازن عن طريق الأخذ بيد المتعاقد الضعيف أثناء تنفيذ العقد[40]،كما أن تعديل العقد بسبب عامل التغير تفرضه المشيئة العقدية التي ترفض صراحة أو ضمنا ثبات العقد وجموده بتحميل المدين وحده الأثر السلبي للتغيرات الفجائية التي قد تحصل،بحيث أنه ليس من العادل أن يتحمل المدين بمفرده خسارة فادحة ترتبت عن ارتفاع الأسعار وزيادة التكاليف جراء حوادث عامة واستثنائية لم يكن بإمكان المتعاقدين توقعها وقت الاتفاق،ووجه الاستغلال هنا يتجلى بمطالبة الدائن المدين بواجب التنفيذ رغم تبدل الأحوال دون مشاركته أو مقاسمته الخسارة المترتبة على الظروف الطارئة،[41] وعدم السماح للقاضي بتعديل العقد عند اختلال توازنه بشكل غير مألوف وبفعل الظروف الطارئة بشكل خاص من شأنه أن يكرس الاستغلال وانعدام العدالة في العلاقات التعاقدية[42].
وفي الحالة التي قد يقع فيها اختلال في العقد من جراء التحولات الاقتصادية غير المتوقعة ولم يكن بالإمكان توقعها من طرف المتعاقدين أثناء إبرام العقد ،كارتفاع الأسعار وما ينشأ عنه من عواقب تشكل بذاتها ظرفا طارئا رغم أن ذلك الارتفاع قد يعود بمصدره إما لصدور قانون يخفض من قيمة العملة أو بفرض ضريبة جديدة،أو يعود لظروف الحرب أو انتشار أوبئة كظروف طبيعية خفضت من نسبة العرض وزادت في نسبة الطلب،وهو الشيء الذي قد يجعل من تنفيذ العقد على أصله مضرا ضررا فادحا لأحد المتعاقدين ومرهقا له،يحق للمتضرر أن يلجأ الى القضاء قصد المطالبة بإعادة النظر في هذه الالتزامات المرهقة،وإعادة التوازن المفقود في العقد.
وإذا كان من شأن إعمال نظرية الظروف الطارئة في الميدان التعاقدي وتدخل القضاء لتعديل الالتزامات التعاقدية المرهقة وإعادة التوازن اليها،يشكل تعارضا مع مبدأ القوة الملزمة للعقد،فإن عدم إعمالها يعتبر إهدارا للعدالة المنشودة والمفترضة في جل العلاقات التعاقدية،حينما تنشأ ظروف استثنائية لم يكن بالإمكان توقعها من طرف المتعاقدين وبالتالي تحميل نتائجها لأحد طرفي العلاقة التعاقدية دون الآخر وهو الشيء الذي من شأنه أن يعطي نظره معاكسة عن هدف القانون كضامن للحقوق،فالخسارة أو الضرر الناجم عن ظروف استثنائية غير متوقعة يجب تحملها من قبل كافة أطراف العقد.
ومن وجهة نظرنا نرى بأنه إذا كانت غاية المشرع منح الاعتبار للقوة الملزمة للعقد،فإن عدم السماح للقاضي بتعديل شروط أو بنود العقد وفقا لنظرية الظروف الطارئة هو في الحقيقة ضرب للمبادئ التي تقوم عليها الارادة التعاقدية،لأنه قد يتم إبرام العقد في ظل ظروف اقتصادية معينة وهي التي فرضت أن يكون العقد على شاكلة معينة،لكن بعد استمرار العقد في الزمن تتغير الظروف الاقتصادية وتنتج حالة من عدم التوازن وتلحق ضررا فادحا بأحد المتعاقدين أثناء تنفيذ العقد،فلو افترضنا قيام هذه الظروف قبل إبرام العقد أو أثناءه لما تم العقد على هذه الشاكلة.
وعلى هذا الأساس فإذا كانت الارادة ذات اعتبار فإن ذلك يجب أن يؤدي إلى منح القاضي الصلاحية لتعديل العقد تبعا لتغير هذه الظروف وإن كان غيرا بالنسبة للعلاقة التعاقدية،نظرا لكون دوره يسعى إلى إقامة التوازن بين مصالح الأطراف.
وإذا كان المشرع المغربي لم يتطلع بعد للأخذ بهذه النظرية فإن ذلك يجب أن يتغير ،إذ ليس من المعقول التمسك المطلق بالقوة الملزمة للعقد في ظل المخاطر الكبيرة التي قد يتعرض لها أحد المتعاقدين والتي لا يد له فيها،لذلك ينبغي الأخذ بهذه النظرية ومنح القاضي سلطة تقديرية واسعة في هذا الشأن من أجل تكريس مبدأ العدالة التعاقدية،والحد من كل تعسف أو استغلال قد يطرأ على مختلف العقود المبرمة،وخاصة في بعض الحالات التي قد يكون فيها الضرر فاحشا أو مبالغا فيه،وبالتالي فلا يجوز التنصل من التعديل بدافع الحفاظ على استقرار المعاملات .
وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقر بأن الاستقرار الحقيقي لا يتأتى إلا بتحقيق توازن عقدي،ومساواة فعلية ما بين أطراف العقد،حتى لا يفقد القانون هدفه الأسمى والمتمثل بالأساس في إرساء عدالة تعاقدية،فتعديل العقد لظروف طارئة أو لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين، ولا يد لهم فيها لا يتنافى مع المبادئ التقليدية للعقد،وإنما هو تأكيد على الرغبة في تحقيق موازنة ما بين أطراف العقد،لذلك ينبغي فتح المجال للتدخل في تنظيم العقود وعموم العلاقات المدنية وإعطاء الأولوية لمصلحة المجتمع على مصلحة الأفراد،والتركيز في العقود على التوازن بين الحقوق والالتزامات المتولدة عنها وإبطال ما يخالف ذلك،وجواز تعديل العقد من قبل القضاء وبالشكل الذي يكفل تحقيق هذا التوازن،وتغليب صفة العلاقة القانونية على العلاقة العقدية،حيث يمكن القول بأن الالتزامات التعاقدية التي كانت تعتبر شريعة للمتعاقدين،تراجعت بفعل الارادة الخارجية التي أوجدت التزاما آخر في حقيقته شريعة مفروضة على المتعاقدين.
لائحة المراجع
- ¨ محمد الكشبور:نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة ” دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج”،الطبعة الأولى سنة 1993 .
- ¨ عبد المنعم فرج الصدة ،عقود الإذعان في القانون المصري،دراسة فقهية وقضائية مقارنة – كلية الحقوق – جامعة فؤاد الأول1946 .
- ¨ خميس صالح ناصر عبدا لله المنصوري :نظرية الظروف الطارئة وأثر ها في التوازن الاقتصادي للعقد (دراسة تحليلية في ضوء قانون المعاملات المدنية الإماراتي)،رسالة لنيل شهادة الماستر بجامعة الامارات العربية المتحدة،كلية القانون،قسم القانون الخاص،السنة الجامعية 2017.
- ¨ عبد الرزاق السنهوري:الوسيط في شرح القانون المدني الجديد،منشورات الحلبي الحقوقية،طبعة 1998، المجلد الأول من الجزء الأول.
- ¨ محمد شيلح،سلطان الارادة في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي،أسسه ومظاهره في نظرية العقد،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس أكدال الرباط،1983
- ¨ https://www.hespress.com/economie/463949.html
- ¨ محمد عبد الرحيم عنبر،الوجيز في نظرية الظروف الطارئة
- ¨ أسامة عبد الرحمان:نظرية العذر وآثارها على الالتزام التعاقدي،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في القانون الخاص،السنة الجامعية 1990 الدار البيضاء.
- ¨ محمد شيلح،سلطان الارادة في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي
جاك غستان: المطول في القانون المدني،تكوين العقد،ترجمة المنصور القاضي،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،طبعة 2،بيروت 2008
- ¨ عبد الرحمان أسامة : الظروف الطارئة بين النظرية والتطبيق
- ¨ سليمان المقداد،مركز الارادة في العقود،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،جامعة محمد الأول،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة،السنة الجامعية 2016-2017
- ¨ محمد بونبات،نظرية الظروف الطارئة بين الأخذ والرد في المغرب،سلسلة آفاق القانون العدد 3،المطبعة الوراقة الوطنية – مراكش-1999-2000.
[3] les conventions légalement formées tiennent lieu de loi à Ceux qui les ont faites
محمد الكشبور:نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة ” دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج”،الطبعة الأولى سنة 1993 ص 5[4]
[5] جاء في الفصل 128 من ظهير الالتزامات والعقود مايلي:
– ” لا يسوغ للقاضي أن يمنح أجلا أو أن ينظر إلى ميسرة، ما لم يمنح هذا الحق بمقتضى الاتفاق أو القانون.
– إذا كان الأجل محددا بمقتضى الاتفاق أو القانون، لم يسغ للقاضي أن يمدده، ما لم يسمح له القانون بذلك”.
: تنص الفقرة الثانية من الفصل 243 من نفس الظهير على أنه [6]
ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها”.
نشأت نظرية الظروف الطارئة في فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى، فقررها القضاء الإداري لأول مرة في حكم مجلس الدولة الصادر في 30[7]
يونيو1916، في قضية معروفة التزمت فيها شركة الغاز ببوردو الفرنسية بتوريد مادة الغاز بسعر معين، سرعان ما ارتفع سعرها تحت تأثير الحرب، فقرر مجلس الدولة بعد رفع النزاع أمامه بتعديل العقد، بما يتناسب والثمن الجديد في السوق، استنادا إلى أحكام نظرية الظروف الطارئة ،(للتوسع بخصوص هذه النقطة يمكن الرجوع الى محمد الكشبور،م س ،ص 102 وما بعدها).
فالمشرع المصري بعد أن قرر في الفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدنى، مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، نص في الفقرة الثانية من نفس المادة على إنه: ” إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن فى الوسع توقعها، وترتب عليها أن تنفيذ العقد، وإن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعا للظروف و بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك””
وهي نفس المقتضيات التي تؤكدها المادة 1467 من القانون المدني الايطالي،و نص عليها المشرع البولوني في المادة 269 من القانون المدني بقوله: ” إذا وجدت حوادث استثنائية،كحرب أو وباء أو هلاك المحصول هلاكا كليا، فأصبح تنفيذ الالتزام محوطا بصعوبات شديدة أو صار يهدد المتعاقدين بخسارة فادحة لم يكن المتعاقدان يستطيعان توقعها وقت إبرام العقد، جاز للمحكمة، إذا رأت ضرورة لذلك، تطبيقا لمبادئ حسن النية، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين،أن تعين طريقة تنفيذ الالتزام ، أو أن تحدد مقداره،بل وأن تقضي بفسخ العقد.”
وهبة الزحيلي ،نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي،دار الفكر،دمشق 1997،ص 297.[8]
حسني محمود عبد الدايم،الضرورة وأثرها على المسؤولية المدنية،دار الفكر الجامعي،الاسكندرية،2006 الطبعة الأولى،ص 62-65.[9]
للتوسع أكثر بخصوص تعريف النظرية من جانب الفقه الاسلامي يمكن الرجوع الى مرجع محمد الكشبور:نظريتا القوة القاهرة والظروف [10]
الطارئة،م س ،ص 108.
[11] خميس صالح ناصر عبدا لله المنصوري :نظرية الظروف الطارئة وأثر ها في التوازن الاقتصادي للعقد (دراسة تحليلية في ضوء قانون المعاملات المدنية الإماراتي)،رسالة لنيل شهادة الماستر بجامعة الامارات العربية المتحدة،كلية القانون،قسم القانون الخاص،السنة الجامعية 2017 ص 39.
عبد الرزاق السنهوري:الوسيط في شرح القانون المدني الجديد،منشورات الحلبي الحقوقية،طبعة 1998، المجلد الأول من الجزء الأول ص 714 [12]
الآية الأولى من سورة المائدة.[13]
يقول الله تعالى في الأية 90 من سورة النحل : ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان ” .[14]
المشرع المغربي لم يتناول بالذكر نظرية الظروف الطارئة في ظل مقتضيات ق.ل.ع.م على غرار العديد من التشريعات الوضعية[15]
كالمشرع الجزائري،والمصري والايطالي …
[16]– عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني ، م س ، الجزء الأول، ص 705.
[17]– فرج الصدة. مصادر الالتزام: المرجع السابق، ص 331.
[18]– مشار إليهم عند الأستاذ عبد السلام النرمانيني: نظرية الظروف الطارئة: ص 202.
المكري في عقد الكراء،بحيث أنه من الصعب جدا على بعض الأجراء الذين فقدوا عملهم بسبب هذا الوباء الفتاك أن يقوموا بأداء الوجيبة[19]
الكرائية داخل الأجل المتفق عليه،وبالتالي فإنه ينبغي على المكري أن يراعي هذه الظرفية الخارجة عن ارادة المكتري ومحاولة تفهم هذه الفترة الصعبة التي تعيشها بلادنا،ومحاولة استحضار بعض الأحكام الواردة في شريعتنا الإسلامية نخص بالذكر ما ورد في سورة البقرة الآية 280 ” إذا كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ” .
،تاريخ الزيارة 21/03/2020 على الساعة https://www.hespress.com/economie/463949.html انظر الموقع الالكتروني [20]
الحادية عشر وثلاثون دقيقة.
بحيث قدمت المجموعة المهنية لبنوك المغرب مقترحات من أجل دعم الأسر والمقاولات خلال الأزمة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا المستجد.
وقالت المجموعة إنها “واعية بخطورة الوضع الحالي الذي يواجهه المغرب بسبب وباء كوفيد 19″، مؤكدة رغبة أعضائها في دعم الاقتصاد الوطني بجميع مكوناته من أجل تدبير وتجاوز هذه الأزمة العالمية والتغلب عليها في أفضل الظروف الممكنة.
وقدمت المجموعة مقترحين يقضيان بتأجيل سداد القروض بالنسبة للأشخاص والمقاولات الصغرى والكبرى، لكنها وضعت في المقابل عدداً من المطالب لدى بنك المغرب.
وحسب وثيقة أصدرتها المجموعة، توصلت هسبريس بنسخة منها، فإن الأبناك المغربية تقترح أولاً تأجيل سداد القروض الاستهلاكية والعقارية لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، بناءً على طلب مكتوب بالنسبة للأشخاص.
وتشير الوثيقة إلى أن المدة سالفة الذكر قابلة للتجديد مرة واحدة، لكن طلب التأجيل الثاني يجب أن يكون معللاً.
محمد عبد الرحيم عنبر،الوجيز في نظرية الظروف الطارئة،ص 48.[22]
محمد عبد الرحيم عنبر،الوجيز في نظرية الظروف الطارئة،م س ،ص 48 وما بعدها. [23]
أسامة عبد الرحمان:نظرية العذر وآثارها على الالتزام التعاقدي،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في القانون الخاص،السنة الجامعية 1990[24]
الدار البيضاء،ص 286.
ولاشك أن الأوبئة عامة وفيروس كورونا على وجه الخصوص، يستجيب لهذا الشرط من حيث أنه استطاع أن يفرض حجرا صحيا على[25]
الجميع دون تمييز بين هذا وذاك، بشكل تعذر معه مزاولة الأنشطة المهنية والإنتاجية على الشكل المألوف أو المعهود.
محمد شيلح،سلطان الارادة في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي،م س ،ص 75.[27]
عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني،الجزء الاول،م س،ص 624 فقرة 411.[28]
تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 462 من ق.ل.ع على أنه ” عندما يكون للتأويل موجب يلزم البحث عن قصد المتعاقدين،دون الوقوف عند[30]
المعنى الحقيقي الحرفي للألفاظ ولا عند تركيب الجمل”.
عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني،الجزء الاول،م س،ص 625 فقرة 412.[32]
جاك غستان: المطول في القانون المدني،تكوين العقد،ترجمة المنصور القاضي،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،طبعة[33]
2،بيروت 2008،ص :30 -31.
جاك غستان: المطول في القانون المدني،تكوين العقد،مرجع سابق،ص 255. [34]
[35] P.HEBRAUD, Role respectif de la volonte et des elements objectifs dans les actes juridiques, Mélanges Maury,T.11 ,1960,p .419-433,J.HAUSER, objectivisme et subjectivisme dans l’acte juridique, LGDJ.1971 .
[36]– الأستاذ عبد الرحمان أسامة : الظروف الطارئة بين النظرية والتطبيق، المرجع السابق، ص 211.
سليمان المقداد،مركز الارادة في العقود،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،جامعة محمد الأول،كلية العلوم القانونية والاقتصادية [37]
والاجتماعية وجدة،السنة الجامعية 2016-2017،ص 292.
محمد بونبات،نظرية الظروف الطارئة بين الأخذ والرد في المغرب،سلسلة آفاق القانون العدد 3،المطبعة الوراقة الوطنية – مراكش-[38]
1999-2000 ،ص 12.
على الرغم من أنه في ذلك التدخل خروج عن المبدأ الأصولي الذي يقر بان ” العقد شريعة المتعاقدين “.[39]
عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني،الجزء الأول،م س ،ص 515.[40]
محمد بونبات،نظرية الظروف الطارئة بين الأخذ والرد والرد في المغرب،م س ،ص 57.[41]
[42] Mustapha El Gammal,L’adaptation du Contrat aux Circonstances Economiques,Etudes Comparé de Droit Civil,Tom 2,4éme Edition,1er Vol ,Obligation ,théorie Génerale,Paris en 1996,P :213 .