في الواجهةمقالات قانونية

اختلال التوازن الاقتصادي للعقد من خلال نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة

اختلال التوازن الاقتصادي للعقد من خلال نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة

مـقـدمـــــــــــة :

 

يهدف القانون إلى تحقيق العدالة ولا تتأتى هذه الغاية إلا بمسايرة ومواكبة  القواعد للضرورات الاجتماعية والاقتصادية التي تنصب عليها،و أهم ما يميز الحياة الاجتماعية والاقتصادية هو ضرورة التعاون الذي يتم عن طريق نظام العقد، الذي يعد  كأقدم رابطة اجتماعية تعبر عن التعاون بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، على نحو يجعله من أعظم ما ابتدعه الفكر البشري من أداوت للتعامل، وبذلك يعتبر العقد أهم مصدر من مصادر الالتزام، إذ أثبت أنه أداة قانونية يستحيل الاستغناء عنها في المجتمعات الحديثة ، حيث لازال العقد يمثل أداة رئيسية لتحقيق التبادل الاقتصادي بين الأشخاص في المجتمع مما يساهم في تداول السلع الخدمات وتوزيع الثروات وتنمية الموارد وإقامة العلاقات التجارية والاقتصادية والمالية على نطاق العالم بأسره، ومصدرا هاما للحقوق والالتزامات المتبادلة بينهم.

ونظرا للدور الهام المناط بالإرادة الحرة في التعاقد فقد تكرس لها السلطان الأكبر في إنشاء الروابط العقدية وترتيب آثارها ، إذ ساد مبدأ سلطان الإرادة أغلب العلاقات القانونية نتيجة  لازدهار وانتشار المذهب الفردي [1]وتمجيده لإرادة وحرية الفرد ومصالحه في المجتمع ، فكان يكفي لتكوين وإنشاء علاقة عقدية وتحديد آثارها أن يتطابق ويتوافق الإيجاب بالقبول ، وبذلك صارت الإرادة الحرة المستقلة مصدرا للالتزامات الناشئة عن العلاقات التعاقدية [2]، ومنه وجب احترام وتقديس حرية التعاقد والقوة الإلزامية الناتجة عنها.

إن مبدأ القوة الملزمة للعقد[3] من المبادئ المستنتجة من مبدإ سلطان الإرادة ، وهو بذلك من الآثار المترتبة عن التعاقد ، فإذا نشأ العقد صحيحا بأركانه وشروطه ترتبت عنه إلتزامات وأصبحت واجبة التقديس والتنفيذ ، لا يمكن التنصل منها أو المساس سواء بالنسبة لأطرافه أو بالنسبة للغير .

ولكن قد يحدث في مرحلة تنفيذ العقد أن تتغير الظروف الإقتصادية التي كان العقد يقوم عليها وقت تكوينه تغيرا فجائيا، بسبب قوة قاهرة أو حادث طارئ غير متوقع وقت إبرام العقد، ولم يكن لأي من المتعاقدين يدا في وقوعه، أدى إلى اختلال التوازن الإقتصادي للعقد اختلالا خطيرا بحيث أصبح تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي وفقا للشروط المتفق عليها مستحيلا أو يهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحدود المألوفة في المعاملات المالية الاعتيادية. فينجم عن هدا الاختلال عدم التوازن والتكافؤ والاختلال الدي ينتج عنه طرف ضعيف وطرف قوي ، ولإعادة هدا التوازن اعطى المشرع سلطة التدخل للقاضي لإعادة التوازن الاقتصادي للعقد المختل الناتج عن حوادث استثنائية ، ودلك عن طريق رفع الضرر عن المدين الذي صار التزامه مثقلا و مرهقا من جراء تبعات الحادث المفاجئ بين الدائن و المدين بغية تحقيق  العدالة التعاقدية.

فحينئذ يمكننا أن نتساءل ما مدى حماية المشرع لطرفي العلاقة التعاقدية ،في مواجهة أثر تغير الظروف الاقتصادية على العقد بسب الحوادث المفاجئة المتمثلة في القوة القاهرة و الظرف الطارئ؟وأي دور للتشريع و للقضاء في مجابهة أثر التغير و تحقيق التوازن بين أطراف العقد ؟

وللإجابة على هذه الاشكالية ارتأينا تناولها اعتمادا على التصميم التالي:

المبحث الاول  :  الاطار العام لنظريتي القوة القاهرة و الظروف الطارئة

المبحث الثاني :  أحكام نظريتي القوة القاهرة و الظروف الطارئة في تحقيق التوازن الاقتصادي        للعقد

 

 

المبحث الاول :  الاطــار العــام لنظــريتــي القـوة القـاهرة و الظــروف الطــارئــــة

 

تخضع جميع العقود لقاعدة عامة تتمثل في التزام الأطراف بتنفيذ ما ورد بها من التزامات، ولكن هذه القاعدة تصطدم بقاعدة أخرى وهي أن يكون هناك توازن بين التزامات الأطراف من الناحية الاقتصادية في مرحلة تكوين العقد وتنفيذه، ويتم مواجهة أي اختلال يصيب هذا التوازن فى مرحلة التعاقد عبر نظرية الإذعان، أما فى مرحلة التنفيذ فيتم مواجهته عبر نظريتين هما نظرية القوة القاهرة و نظرية الظروف الطارئة، وما يهمنا في هذا المجال هو الاستثناء الثانى المتعلق  بالقوة القاهرة  و بالظروف الطارئة أثناء التنفيذ.

وسوف نحاول من خلال هدا المبحث التعريف بالنظريتين (نظرية القوة القاهرة و نظرية الظروف الطارئة ) والتطرق الى الشروط الواجب توفرها لتطبيق كل واحدة منهما و اعطاء مقارنة حول أوجه التشابه و الاختلاف بينهما ودلك من خلال المطلبين الاتيين :

المطلب الأول : نظـريتـا القـوة القــاهرة والظـروف الطـارئـة تعريفهـما و شروطـهـمـا

تعد نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة استثناء على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وقد مرت النظريتان بتطور تاريخي الى أن وصلتا الى ما وصلتا اليه الان متكاملتا البناء وعامتا التطبيق.  وينبغي لتطبيق النظريتان  توافر عدة شروط منها ما يتعلق بالعقود التي يجوز تطبيقها عليها وهناك شروط أخرى تتعلق بالظرف الذي يؤدي إلى تطبيقهما فينبغي أن يكون استثنائياً، عاماً، ليس في الإمكان توقعه أو دفعه وأخيراً أن يجعل الالتزام مرهقاً.

وتقترب نظرية الظروف الطارئة من القوة القاهرة، لدرجة يصعب التمييز بينهما، إلا أنه يبقى لكل من النظريتين خصائص ذاتية ومقومات خاصة تجعل كل  نظرية قائمة بذاتها ولها عناصرها وملامحها القانونية التي تميزها عن غيرها.

لدا سنحاول من خلال هدا المطلب التعريف بنظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة  وتحديد شروطهما و المقارنة بينهما.

الفقرة الأولى : تعـريـف القــوة القــاهــرة شــروطـهـا

 

سنحاول  تحديد مفهوم القوة القاهرة ثم  نبين الشروط الواجب توفرها في الواقعة لكي تكتسب صفة القوة القاهرة.

أولا : تعـــريــف القــوة القـاهــرة

 

لقد عرف الفقيه الروماني ulpein القوة القاهرة بأنها “كل ما لم يكن في وسع الادراك  الادمي أن يتوقعه ، وإدا امكن توقعه ،فإنه لا يمكن مقاومته.”[4]

كما عرف البعض القوة القاهرةforce majeur  أو  الحادث الفجائي cas fortuit ، هي حادث لا يمكن توقع حصوله وغير ممكن دفعه ، أو التغلب عليه ، وهدا الحادث لا يكون منسوبا للمدين ، أي خارجيا عنه أو مستقلا عن ارادته ، و يكون من نتيجته استحالة تنفيذ الالتزام[5] .

وقد تضمن القانون المدني الفرنسي في تعديله  لسنة 2016 في مادته 1218 تعريفا للقوة القاهرة في اطار المسؤولية العقدية على أنه : ” يشكل قوة قاهرة ، في المسائل التعاقدية الحادث الذي لا يخضع لسيطرة المدين ، والدي لم يكن بالإمكان على نحو معقول توقعه عند ابرام العقد ، ولم يكن بالإمكان تفادي اثاره باتخاذ اجراءات مناسبة ، ويحول دون تنفيد العقد ….”

وقد تطرق المشرع المغربي للقوة القاهرة في الفرع الثاني من القسم الرابع من قانون الالتزامات و العقود، فتولى تعريفها بنفسه في الفصل 296 بأنها : “هي  كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف و العواصف و الحرائق و الجراد) وغارات العدو وفعل السلطة ، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام عملا مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين.”

ويعد هذا التعريف مشابها لما ورد في مجلة الالتزامات والعقود التونسية في مادتها 283[6] ، فنستشف من خلال الفصل 269 من ق.ل.ع أن المشرع المغربي وضع الاطار العام لنظرية القوة القاهرة بحيث بين لنا مفهومها ، وأعطانا امثلة عنها ، وقام بتحديد شروطها .

وتجدر الاشارة أن المشرع المغربي لم يفرق بين مصطلحي القوة القاهرة و الحادث الفجائي ، واعتبرهما كمترادفين يؤديان نفس المعنى.

ثانيا : شـــروط القــــوة القـــاهـــرة

 

يقصد بشروط تطبيق القوة القاهرة تلك الشروط التي تجد اساسها في النصوص التشريعة ، فمن خلال رجوعنا للتعريف السابق للقوة القاهرة يتبين لنا ان هناك ثلاث شروط اساسية لابد من توافرها مجتمعة في الحادث حتى يمكن وصفه بالقوة القاهرة وهي :

  • عدم التوقع : و يقصد بدلك ألا يكون بوسع المدين توقع حصول الحادث نظرا لأن الحادث غير اعتيادي و نادر الوقوع ، فالعبرة في تقدير عدم امكان توقع الحادث هي بوقت ابرام العقد ، فإذا كان متوقعا وقت إبرام العقد فلا يمكن وصفه بالقوة القاهرة ، ولا يمكن للمدين التذرع به للإعفاء من المسؤولية عدم التنفيذ [7] فعدم التوقع يقدر بمعيار موضوعي.
  • عدم القدرة على الدفع : عند ما نتحدث عن عدم إمكانية الدفع أو مقاومة القوة القاهرة نميز بين استحالة دفع الحادث من جهة واستحالة دفع نتائج الحادث بعد وقوعه من جهة ثانية ، وهدا يعني أن لا يكون في مقدور الشخص منع نشوء الواقعة المحدثة للقوة القاهرة ، وعدم امكانية التصدي للآثار المترتبة بعد تحققها ، فإذا امكن دفع الحادث ولو لاستحالة توقعه فلا يعد قوة قاهرة او حدثا فجائيا [8].
  • ألا يكون للمدين دخل في إثارة القوة القاهرة : الاصل ان القوة القاهرة تكون بسبب أجنبي ، ادن فلا بد أن يكون الحادث الذي يتصف بها خارجيا عن ارادة المدين ونشاطه أي مستقلا عنه ، و بالتالي لا يحق للمتعاقد أن يتحرر من التزاماته بفعل حادث تسبب في حدوثه[9] .

ادن لا يمكن الحديث عن تحقق القوة القاهرة للتخلص من المسؤولية العقدية إلا في حالة كان الحادث الذي يتذرع به المدين مستقلا عنه .

الفقرة الثانية : مفهـوم نظـرية الظــروف الطـارئــة و شـروطــهـا

 

تعتبر نظرية الظروف الطارئة من النظريات القانونية الحديثة  النشأة التي وضعت اسسها ومبادئها في الحرب العالمية الاولى، لكن المشرع المغربي لم يقم بتنظيم هده النظرية ضمن فصول قوانينه بنص تشريعي عام ينصح عليها صراحة ويبين شروطها و أثارها  ، و رغم دلك فالقضاء الاداري المغربي قد أخد بهده النظرية [10].

فنظرية الظروف الطارئة  تعالج اختلال التوازن الواقع أثناء تنفيذ العقد فهي تقوم بالوظيفة التي تقوم بها نظرية الاستغلال التي ترفع على المتعاقد الغبن الذي أصابه عند تكوين العقد.  وسنحاول من خلال هده الفقرة التعريف بنظرية الظروف الطارئة مع ذكر الشروط الواجب توافرها في الظرف  .

أولا : تـعريــف نـظـريـة الظــروف الطــارئـة

 

المقصود بالظرف أو الحادث الطارئ هو : ” كل حادث عام ، لاحق على تكوين العقد ، وغير متوقع الحصول على التعاقد ، ينجم عنه اختلال بين في المنافع المتولدة عن عقد يتواخى تنفيذه الى اجل او اجال ، ويصبح تنفيذ المدين لالتزامه كما أوجبه العقد يرهقه ارهاقا شديدا ويتهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف في خسائر التجار”[11].

وقد عرفها أسامة عبد الرحمان بأن : ” المقصود من النظرية في الاصطلاح اللغوي الحوادث التي تحدث فجأة ، و في الاصطلاح القانوني الحوادث الاستثنائية العامة غير المتوقعة و التي يترتب عن حدوثها صعوبة في تنفيذ الالتزام التعاقدي [12]

و تفترض نظرية الظروف الطارئة حسب الفقيه عبد الرزاق السنهوري  أن تكون هناك عقودا يتراخى فيها تنفيذ العقد إلى اجل أو أجال ويحصل عن حلول الأجل التنفيذ أن تكون الظروف قد تغيرت بسبب حادث لم يكن متوقعا لحدوثه فيصبح تنفيذ الإلزام شاقا على المدين ومرهقا له إلى الحد الذي يجعله مهددا بخسارة فادحة دون أن يبلغ درجة القوة القاهرة التي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا[13].

وقد تطرق المشرع الفرنسي بمقتضى تعديله للقانون المدني بموجب مرسوم 31-2016 بتاريخ 10/02/2016، الذي أورد فيه نصا جديدا هو نص المادة 1195 ،[14] الذي تضمن نظرية الظروف الطارئة مع ذكره لشروط  اعمالها، والاثار المترتبة عن توافرهده الشروط .

يتبين لنا من خلال هذه التعاريف أن نظرية الظروف الطارئة تعالج نتيجة حادث لا يكون للمتعاقدين يد فيه كالكوارث الطبيعية، وهذه الأخيرة تجعل تنفيذ العقد مرهقا بأحد المتعاقدين، اذ أنه في حالة تغير الظروف الإقتصادية التي تؤدي إلى إختلال أو فقدان التوازن بين الإلتزامات الناشئة عن العقد في ذمة طرفيه فان نظرية الظروف الطارئة تعالج هذا الإختلال.

ثانيا : شــروط نـظــريــة الظــروف الطـارئـة

عندما تجاوز القانون مبدأ القوة الملزمة للعقد باقراره لنظرية الظروف الطارئة لم يشأ أن يكون أي ظرف أو حادث مهما كان نوعه أو مصدره سببا لتطبيق هذه النظرية، و انما عمد إلى تقييد الظرف أو الحادث بشروط معينة لإمكان تطبيق النظرية و ندكر منها ما يلي :

  • أن يكون الظرف الطارئ حادثا استثنائيا : و المقصود بالحادث الاستثنائي داك الدي لا يندر حصوله ، ويخالف المعتاد و المألوف من الأمور[15]، فقد تكون هده الحوادث بفعل الطبيعية كالزلازل و البراكين و الفياضانات و انتشار الاوبئة أو حوادث بفعل الإنسان كالحروب والإضرابات و الثورات أو إجراءات تشريعية وإدارية كصدور قوانين جديدة تشمل في زيادة الأسعار أو فرض الضرائب .

لكن في الاونة الاخيرة  ظهرت أنواع جديدة للحوادث لم تكن من قبل نتيجة التطور التكنولوجي كالتلوث البيئي وانتشار الإشعاعات النووية وكدا الغازات السامة ،كلها ظروف طارئة تؤثر على تنفيذ الالتزامات التعاقدية.

  • أن يكون الظرف الطارئ عاما : و المقصود بالعمومية أن يمتد أثره الى كافة الناس أو الى طائفة معينة لها نفس طبيعة التعامل كمستوردي سلعة معينة .

فإذا كان الحادث خاصا بالمدين فلا يؤدي دلك الى تطبيق نظرية الظروف الطارئة مهما كان أثر هدا الحادث على التزامات المدين ، كأن يتذرع المدين بمرضه أو إفلاسه أو بموت   ابنه[16] .

  • أن يكون يكون الحادث غير متوقعا : يعد شرط عدم التوقع من الشروط الجوهرية لتطبيق هده النظرية ومفاد هذا الشرط أن لا يكون في وسع المتعاقد توقع الظرف الطارئ حين إبرام العقد، لأنه إذا كان قد توقع هذا الظرف أو كان في وسعه توقعه فليس له الحق في أن يطالب بتطبيق النظرية .

و تقدير شرط عدم التوقع  يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، بحيث يتخذ معيارا موضوعيا قوامه الرجل المعتاد ، و ليس معيارا ذاتيا قوامه نفس المتعاقد الذي يتمسك بالنظرية [17] .

  • أن يكون العقد متراخي التنفيذ : دلك أن طروء حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها[18] ، أي أن العقد قد قام ولم يتم تنفيذه بعد ، وأن الحادث وقع قبل هدا التنفيذ وترتب عليه اختلال التوازن الذي كان موجودا أثناء قيام العقد بين التزامات الطرفين ، ومقتضى دلك أن يكون هناك فاصلا زمنيا بين انعقاد العقد و تنفيذه .
  • أن يترتب على الحادث الاستثنائي أن يصبح تنفيد الالتزام مرهقا للمدين لا مستحيلا: وهدا ما يميز القوة القاهرة و نظرية الظروف الطارئة ، فبينما تؤدي الأولى الى استحالة تنفيذ الالتزام ، فإن الثانية لا تؤدي إلا إلى الارهاق في تنفيذه[19] .

والإرهاق المترتب على وقوع الظرف الطارئ معيار مرن يتغير بتغير الظروف، فما يكون مرهقاً لمدين قد لا يكون مرهقاً لمدين آخر، وما يكون مرهقاً لمدين في ظروف معينة قد لا يكون مرهقاً لنفس المدين في ظروف أخرى، ويكفي أن يكون تنفيذ الالتزام مهدداً للمدين بخسارة فادحة، فالخسارة المألوفة في التعامل لا تكفي فإن التعامل مكسب وخسارة[20] .

و تقدير الارهاق المهدد بخسارة فادحة يكون وفقا لمعيار موضوعي ، فلا يعتد فيه بشخص المدين وظروفه الخاصة ، و إنما يراعى فيه ما يجاوز الخسارة المألوفة في التعامل، كما ينظر فيه للصفة ذاتها بعيدا عن ظروف المدين الخاصة[21] .

*

المطلب الثاني: مقـارنـة بيـن نظريتـي الـقـوة القـاهـرة و الظـروف الطـارئـة

 

تعتبر القوة القاهرة من أكثر النظم القانونية اقترابا الى نظرية الظروف الطارئة ، ودلك بصورة يصعب معها التفرقة و التمييز أحيانا بينهما ، لدلك سأحاول من خلال هدا المطلب التمييز بين نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة ودلك عبر اعطاء صورة حول اوجه التشابه والاختلاف بين النظريتين.

الفقرة الأولى : أوجـــه التشـابــه بيـن الـنظـريـتـيـن

  • من حيث المنشأ: ويقصد به أن يكون الحادث المنشأ لنظرية القوة القاهرة هو نفسه المتسبب في خلق نظرية الظروف الطارئة ، بمعنى أن حادثا واحدا ينتج عنه تحقق النظريتين، فمثلا إذا قامت الحرب ونتج عنها اضطراب للموصلات في بعض الأماكن فإن تنفيذ الالتزام في حالة التعهد بتوريد مادة أو بضاعة معينة قد أصبح مرهقا للمورد، بمعنى أن المورد يستطيع نقلها ولكن بكلفة أعلى مما اتفق عليها في العقد، في هذه الحالة تعتبر الحرب ظرفا طارئا ، أما إذا انقطعت الموصلات كليا بسبب الحرب حيث توقف استيراد هذه المادة أو البضاعة توقفا كاملا فيكون محل الالتزام مستحيلا فتعتبر الحرب في هذه الحالة قوة قاهرة [22].
  • من حيث عنصر المفاجأة والحتم: و يشترك كلا من النظريتين في استحالة توقع الحادث استحالة مطلقة لا نسبية، بحيث يستحيل على أي شخص توقع الحادث[23] وقت إبرام العقد ولا يمكن دفعه أو مقاومته أو الاحتراز منه، بحيث لا يعتد بأثر القوة القاهرة القاهرة و نظرية الظروف الطارئة إلا بتحقق هادين العنصرين أي المفاجئة و الحتمية .
  • من حيث وقت الاعتداد : يعتبر وقت الاعتداد بكل من النظريتين، أن يكون الحادث قد وقع في الفترة اللاحقة على ابرام العقد وقبل الانتهاء من تنفيذه ، إذ المتفق عليه أن الواقعتين لا يترتب أثرهما القانونية على الالتزام العقدي إذا حدثا قبل ابرام العقد أو في وقت إبرامه أو بعد تنفيذه [24].

الفقرة الثانية  : أوجــه الاخـتــلاف بيــن النـظـريـتـيـن

تختلف نظرية الظروف الطارئة عن نظرية القوة القاهرة في مجموعة من الأوجه نذكرها كالأتي :

  • من حيث تنفيد الالتزام : يترتب على توافر الظروف الطارئة أن يكون تنفيذ الالتزامات العقدية مرهقا بحيث يؤدي لخسائر فادحة للمدين ولكن لا يصل إلى حد استحالة التنفيذ، أما بالنسبة للظروف القاهرة فإن تنفيذ الالتزام يكون مستحيلا[25] ، فالحرب مثلا إذا نتج عن قيامها أن يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا كما في حالة التعهد بالتوريد إحدى المواد أو السلع المستوردة من الخارج وبقيام الحرب انقطعت المواصلات بحيث توقف الاستيراد هذه المادة توقفا كاملا وبذلك انعدم وجود محل التزام وأصبح من المستحيل تنفيذه فإن الحرب في هذه الحالة تكون قوة قاهرة وأما إذا اقتصر اثر الحرب على اضطراب المواصلات و كان من الممكن أن توجد المادة ولكن بشكل نادر مما أدى إلى ارتفاع سعرها كانت الحرب في هاته الحالة ظرفا طارئا[26].
  • من حيث العلاقة بالنظام العام : نجد أن غالبية التشريعات لم تساو في الحكم بين نظرية الظروف الطارئة ونظرية القوة القاهرة فيما يتعلق بعلاقتهما بالنظام العام، ففي الوقت التي حظرت فيه تلك القوانين على الأطراف المتعاقدة الاتفاق مقدما على استبعاد تطبيق نظرية الظروف الطارئة ، نجد أنه يجيز اتفاق هدين الطرفين المتعاقدين على استبعاد حكم القوة القاهرة[27].
  • من حيث النتائج : يترتب على تطبيق نظرية الظروف الطارئة توزيع عبئ الظرف الطارئ بين المدين و الدائن حيث يرد الالتزام عند الحد المعقول، وأما بخصوص تطبيق نظرية القوة القاهرة فيترتب عنها انقضاء الالتزام وترفع عن المدين كافة المسؤولية الناشئة عن عدم التنفيذ ويتحمل الدائن وحده نتائج ذلك .

*

المبحث الثاني :  أحـكـام نظريتـي القـوة القـاهرة و الظـروف الطـارئـة في تـحـقـيـق الـتوازن الاقـتـصـادي  للـعـقــد

 

إذا اختل التوازن الإقتصادي للعقد في مرحلة تنفيذه نتيجة لقوة قاهرة أو لظروف طارئة غير متوقعة، وصار تنفيذ المدين لالتزامه المرهق وفقا للشروط المتفق عليها يهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحدود المألوفة في المعاملات المالية، حينئذ يصبح هذا المدين في حاجة إلى حماية تقيه العواقب الوخيمة للخسارة الفادحة، لأنه من غير المعقول ولا المقبول ترك المدين وحده يواجه مصيره ويتحمل بمفرده نتائج تلك الظروف غير المتوقعة. لذلك كان لا بد أن يتدخل المشرع، الذي أقر للقاضي سلطة التدخل لتعديل العقد الذي اختل توازنه الإقتصادي باعتباره طرفا محايدا ، يمكنه أن يوفر الحماية الكافية للتوازن الإقتصادي للعقد، أي حماية المتعاقد الذي أصبح ضعيفا في مرحلة تنفيذ العقد، وذلك برد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول عن طريق توزيع تبعة الحادث الطارئ بين المدين والدائن، وقد جعل المشرع القواعد المقررة لحماية الطرف الضعيف في العقد قواعد متعلقة بالنظام العام[28].

ادن يترتب عن هدا الاختلال في التوازن الاقتصادي للعقد نتيجة القوة القاهرة أو الظرف الطارئ مجموعة من الاثار والتي سنحاول التطرق اليها من خلال المطلبين الآتيين.

المطلب الأول : أثــــــر الــقـــوة القـــاهــرة

إذا كانت القوة القاهرة السبب الوحيد في وقوع الضرر فإنها تؤدي إلى نفي المسؤولية عن المدين، وذلك لأنها تؤدي إلى انقطاع علاقة السببية بين فعل المدين وبين الضرر. أما إذا اشتركت القوة القاهرة مع خطأ المدين في إحداث الضرر، فإن المدين يُسأل مسؤولية تامة عن ذلك الضرر، وذلك لأنه لا يمكن في مثل هذه الحالة تقسيم المسؤولية بين المدين وشخص آخر.

وتجدر الإشارة إلى أن القوة القاهرة يمكن أن تؤدي إما إلى الإعفاء من تنفيذ الالتزام نهائياً، وإما إلى وقف تنفيذ الالتزام حتى زوال الحادث.

الفقرة الاولى : أثـار الـقـوة القـاهــرة في  اطــار المسـؤوليــة الـعـقـديــة

بعد استيفاء الحادث  لشروط القوة القاهرة والتي سبق أن بيناها ، فقد نص المشرع على أثرين هامين في الفصل 268 من ق ل ع ،بحيث يؤدي انقضاء الالتزام التعاقدي الى اعفاء المدين من المسؤولية (الشرط الأول)، ولا يكون مسؤولا تجاه المدين عن عدم التنفيذ (الشرط الثاني).

أولا : استحالة التنفيذ

تؤدي القوة القاهرة الى انقضاء الالتزام التعاقدي ، متى كانت استحالة التنفيذ مطلقة[29] و نهائية ، الا انه قد تكون هده الاستحالة في بعض الحالات جزئية.

  • الاستحالة المطلقة : تجعل القوة القاهرة تنفيد الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة [30]، فإدا تحققت الشروط في الحادث وثبت أنه السبب الرئيسي الوحيد للقوة القاهرة وفيما وقع من ضرر فإن الالتزام ينقضي[31] ،  ادن لابد أن تكون الاستحالة تامة، يستحيل معها على المدين تفادي الحادث . كما يجب أن تكون هده الاستحالة عامة[32] بحيث لا تكون استحالة بالنسبة الى المدين وحده ، بل استحالة بالنسبة الى اي شخص يكون في  موقف المدين[33] .

فبمجرد توافر شروط  القوة القاهرة يتم انقضاء الالتزام، الا أنه لا وجود لمناع قانوني يمنع طرفي العقد من تأجيل الالتزام الدي بينهما ، شريطة عدم الاضرار بمصلحة الدائن وموافقته عليها[34] ، ودلك طبقا لمقتضيات الفصل 230 من ق.ل.ع[35].

كما أنه يمكن للمدين أن يطلب من قاضي الموضوع في بعض الحالات الخاصة  الحكم له بتأجيل تنفيد الالتزام  طبقا للفقرة الثانية من الفصل 243 ق.ل.ع[36]، بخصوص مهلة الميسرة، ودلك مع  مراعاة مصلحة الدائن دائما باعتباره صاحب حق في هذه الحالة.

و تجدر الاشارة الى أنه يترتب على استحالة تنفيد اللالتزام العقدي الناتج عن القوة القاهرة عدة اثار تابعة ندكرها كالاتي[37] :

– انقضاء الالتزامات التابعة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي بسبب القوة القاهرة .

– انتقال حقوق ودعاوى المدين إلى الدائن عند الاقتضاء.

– تطبيق قواعد الإثراء بلا سبب مشروع بخصوص ما أدي ولم يعد مستحقا نتيجة لانقضاء الالتزام بدون تنفيذه بسبب قوة قاهرة.

 

  • الاستحالة الجزئية : قد تؤدي القوة القاهرة الى الحيلولة دون الوفاء بالالتزام لمدة معينة من الزمن سواء كانت هده المدة طويلة أو قصيرة [38]، مما تجعل استحالة تنفيذ الالتزام لمدة زمنية مؤقتة ، كعقد التوريد أو عقد الايجار اللذان ينفدان خلال مدة معينة ثم يطرأ بعد دلك ما يعوق الاستمرار في هدا التنفيذ في فترة زمنية ما[39].

وقد تطرق المشرع المغربي لاستحالة التنفيذ الجزئية من خلال الفصل 336 من ق.ل.ع من خلال تنصيصه على أنه : “ادا كانت الاستحالة جزئية لم ينقض الالتزام الا جزئيا ، فإدا كان من طبيعة الالتزام أن لا يقبل الانقسام إلا مع ضرر للدائن ، كان له الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الالتزام في مجموعه …”

وقد تكون الاستحالة الجزئية استحالة جزئية كميا أو زمنيا بالشيء ، فالاستحالة الجزئية كميا بالشيء، هي التي تتناول الانتفاع من عين الشيء كما لو تمت مصادرة أو احتلال جزء أو مساحة من عقار ، دون أن يؤدي الى استحالة كلية من الانتفاع بالمأجور وفقا للوجهة المعد لها[40].

أما الاستحالة الجزئية زمنيا بالشيء ، هي الاستحالة الموقوفة في الزمن ، بحيث لا تستغرق مدة الايجار كاملة ، كمصادرة المأجور خلال فترة معينة من مراحل الكراء[41]. فبزوال هدا الطارئ تستأنف الالتزامات المؤجلة سيرها ويظل العقد ملزما للمدين.

ثانيا : الاعفاء من المسؤولية العقدية

تؤدي القوة القاهرة الى انقضاء الالتزام التعاقدي في العقود الملزمة للجانبين ويترتب عن هدا الانقضاء انقضاء التعويض ، بالتالي يعفى المدين بتعويض الدائن لعدم التنفيذ ، وقد يكون هدا الاعفاء اما كليا أو جزئيا .

  • الاعفاء الكلي من المسؤولية : يترتب عن انقضاء الالتزام التعاقدي بسب القوة القاهرة  الى انقضاء التعويض ، بحيث يعفى المدين من الالتزام بتعويض الدائن عن عدم التنفيذ ، وقد نص الفصل 268 من ق.ل.ع على أنه : ” لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه ، كالقوة القاهرة ، أو الحادث الفجائي أو مطل الدئن .”

وقد نصت أيضا المادة 215 من القانون المدني المصري على أنه :” إدا استحال على المدين أن   ينفد الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ، ما لم يثبت ان استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب اجنبي لا يد له فيه ، و يكون الحكم كذلك إدا تأخر المدين في تنفيذ التزامه .”

فمن خلال الفصل 268 من ق.ل.ع نستشف أن الاثر الاساسي للقوة القاهرة يتمثل في تحرير المدين من التزاماته بالتنفيذ و كدلك تحريره من التزامه بتعويض الضرر المترتب على عدم التنفيذ ، فيتم اعفاء المدين كليا من المسؤولية والتعويض للدائن[42] .

 

  • الاعفاء الجزئي من المسؤولية : ادا كانت القوة القاهرة تؤدي الى استحالة التنفيد جزئيا أي أنها لا تقتصر إلا على بعض التزامات المدين ، فإن المدين لا يعفى من المسؤولية إلا في حدود الاستحالة ، أما باقي الالتزامات فتظل على عاتقه ويكون ملتزما بتنفيدها [43].

ادا كانت القوة القاهرة مؤقتة ،و كانت الاستحالة المترتبة عليها استحالة مؤقتة ، فإنها لا تؤدي الى     اعفاء المدين من المسؤولية ، بل يقتصر أثرها على وقف تنفيد العقد الى حين زوال هده الحالة ، بحيث يستأنف العقد سريانه بعد زوال هده الاستحالة المؤقتة [44].

الفقرة الثانية : اثــار القــوة القـــاهــرة علــى المســؤوليـة الـتـقـصـيـريـة

عند استيفاء القوة القاهرة كافة شروطها وثبوتها فلا تنقضي الالتزامات في كلها أو في بعضها فحسب ، و إنما لا يسأل المدين عن التعويض لما وقع من ضرر، اد تنفى رابطة السببية بين أي خطأ من المدين ، وما وقع من دلك الضرر[45] .

فإذا كان السبب الوحيد في وقوع الضرر هو القوة القاهرة فإن علاقة السببية بين الخطأ والضرر تكون مفقودة وبالتالي لا تتحقق المسؤولية، كما لو هبت عاصفة فقلبت السيارة على أحد المارة فأصابته، وهذا ما أوضحته المادة 95 من ق ل ع، إذ اشترطت لعدم ترتب المسؤولية التقصيرية أن يكون الضرر حصل بفعل حادث فجائي أو قوة قاهرة لم يسبقها او يصاحبها فعل يؤاخذ به المدعى عليه[46].

أما ادا اشترك خطأ المدعى عليه  ، ولو أن استحالة تنفيذ الالتزام ترجع الى القوة القاهرة فيلزم المدين بالتعويض[47] وتكون مسؤوليته كاملة لان خطأه هو الذي يعتبر السبب في وقوع الضرر[48]  ، كمن يلتزم بتسليم شيء في موعد محدد فلم يقم بتسليمه بعد أن أعذره الدائن ثم هلك هدا الشيء تحت يده ،  فان هلاك الشيء يكون على المدين ، ولو كان هلاك الشيء قبل الإعدار على الدائن.

المطلب الأول : أثـر نـظريـة الظـروف الطـارئـة وسلطـة القـاضـي فـي تـحـقـيـق الـتـوازن

 

لقد أطلق المشرع يد القاضي في معالجة إختلال التوازن الإقتصادي للعقد ، الذي نتج عن تغير الظروف الإقتصادية التي أبرم العقد في ظلها. ذلك أن المشرع لم يحدد للقاضي الطريقة التي يرد بها الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول، أي لم يحدد له كيفية إزالة الإختلال في التوازن الإقتصادي للعقد بما يؤدي إلى رفع الإرهاق الواقع على أي من المتعاقدين. بل أعطاه حرية كبيرة، وسلطة واسعة في البحث عن حل يتوافق مع الإطار التشريعي، وفي نفس الوقت لا يخرج عن أهداف العقد. وفي هذا الشأن يكون للقاضي أن يختار الوسيلة التي يراها أكثر ملاءمة لتحقيق الهدف المتوخى من نظرية الظروف الطارئة وهو حماية المتعاقد الضعيف برد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول[49] وذلك إما عن طريق إنقاص إلتزامات المدين، وإما عن طريق زيادة التزامات الدائن، وإما عن طريق الأمر بوقف التنفيذ مؤقتا ودلك وفق مجموعة من الضوابط .

الفقرة الاولى : ضـوابـط سـلـطـة الـقـاضـي فـي تـعـديـل الـعـقـد

إن للعقد قوة ملزمة ، فلا يجوز تعديل شروط العقد الا باتفاق المتعاقدين ،لكن خروجا عن هده القاعدة أجاز القانون للقاضي سلطة التدخل ، نظرا للظرف الطارئ الذي زعزع الاستقرار الاقتصادي للمعاملات  وأرهق كاهل المدين ،ودلك عن طريق تعديل القاضي للعقد  باختياره الطريقة المناسبة ، وهدا يعتبر خروجا عن حدود وظيفته و سلطته ، وحتى لا تكون هده السلطة طليقة وبدون قيود فقط أحاط التشريع سلطة القاضي بمجموعة من القيود و الضوابط التي تضمن عدم تحكم القضاة في كيفية رد الالتزام المرهق، ونجملها كالاتي :

أولا : مراعاة القاضي للظروف المحيطة بالدعوى

تظهر أهمية هدا الضابط بالنسبة للقاضي في كون الظروف المحيطة بقضية ما تختلف عن الظروف المحيطة بقضية أخرى ، فقد تتغير نفس الظروف بتغير ظروف الزمان و المكان ومن عقد لآخر ، مما يجعل لكل قضية ظروفها الخاصة ، لدا يتعين على القاضي أن لا يهمل أي ظرف من الظروف المحيطة بالقضية المراد النظر فيها و أن يعطي لكل ظرف الاهتمام والعناية  للوصول الى الحل الصائب و المناسب للقضية ، وعلى ضوء هده الظروف قد يتبين للقاضي أن ينقص من التزامات المدين أو الزيادة في الالتزامات المقابلة للالتزام المرهق[50] ، أوأن يمنح أجلا لوقف تنفيذ العقد ، أو يقضي بعدم تطبيق النظرية متى تبين له أن هناك تماطل أو تقصير من طرف المدين في التنفيذ.

ادن فعلى القاضي وهو بصدد رد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ، أن يراعي  الظروف المحيطة باللالتزام التعاقدي ، لأن هده الظروف هي من ساهمت في إضفاء صفة الإرهاق على الالتزام[51] .

ثانيا : قيام القاضي بالموازنة بين مصلحة الطرفين

تتجلى أهمية هدا المبدأ بالنسبة  للقاضي بقيامه بتوزيع الظرف الطارئ بعد مراعاة مصلحة الطرفين و الموازنة بين مصلحتهم ، بحيث تقوم نظرية الظروف الطارئة على معيار العدالة و الذي  يقضي بإعادة التوازن للعقد الذي اختل بسب هدا الظرف الطارئ.

فالعقد وقت انعقاده تم على أساس الموزانة بين مصالح الطرفين فكل متعاقد يهدف إلى تحقيق مصلحة معينة فارتبط بالمتعاقد الأخر لتحقيق مصلحته ، لكن تغير ظروف العقد ترتب عنها اختلال الموزانة في تعديل المصالح التي أصبحت في ظلها غير متكافئة ، لأن نتيجة للظروف أصبح طرفا العلاقة التعاقدية أحدهما رابحا والأخر خاسرا ، ففي الوقت الذي ستلحق أحدهما خسارة فادحة فإنه يتحقق للأخر ثراء فاحش، الشيء الذي يستوجب إجراء موازنة بين مصلحة الطرفين لتوزيع عبئ الخسارة عليها [52].

وعليه فالقاضي يجب ألا يرفع الإرهاق كله عن كاهل المدين ليلقي به على عاتق الدائن لوحده ، وإنما ينبغي أن يتوخى الدقة في توزيع  العبء الطارئ بين المتعاقدين بإجراء موازنة بين مصلحة طرفي العقد.

ثالثا :  رد القاضي الالتزام المرهق الى حدود المعقول

من بين الضمانات التي يستفيد منها المتعاقدين هو رد الالتزام الى الحد المعقول بحيث يضمن لكل منهما عدم امكانية الفسخ[53] من قبل القاضي لأنه مقيد  برد الالتزام الى الحد المعقول ، وضابط المعقولية تتضح أهميته في تقييد سلطة القاضي في توزيع العبء الناتج عن الظرف الطارئ على طرفي العقد [54].

وعليه فتحديد القاضي  للإرهاق يقدر بمعيار موضوعي لا شخصي ،ودلك بالنظر إلى الصفقة محل التعاقد ولا مجال لإدخال الظروف الخاصة بالمدين فيه.

الفقرة الثانية : طـبـيعـة سـلـطـة الـقـاضـي فـي تـعـديـل الـعـقـد

 

يمكن للقاضي تبعا للظروف أن يوازن بين مصلحة الاطراف وأن يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ، فالأصل أن القاضي لا يملك سوى أن يفسر عبارات العقد الغامضة وأن يحدد نطاقها في الحدود التي رسمها القانون ، كما لا يجوز له تعديل ما اتفق عليه الاطراف .

أما في حالة الحوادث الطارئة فانه يحق للقاضي في اطار سلطة التقديرية الواسعة   رد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ، بحيث يستطيع بموجبها القاضي اختيار الطريقة التي يزيل بها الارهاق عند تنفيذ الالتزام [55]، وذلك إما عن طريق إنقاص التزامات المدين، وإما عن طريق زيادة التزامات الدائن ، وإما عن طريق الأمر بوقف التنفيذ مؤقتا.

أولا: ما يدخل في نطاق سلطة القاضي في تعديل العقد

 

  • تعديل العقد عبر انقاص الالتزام المرهق : قد يرى القاضي أن الوسيلة الانجع لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول و تعيد التوازن العقدي الى الطرفين هي انقاص هذا الالتزام إلى الحد الذي يخفف فيه الإرهاق عن المدين[56]، فإذا فعل ذلك أصبح المدين ملزما بتنفيذ التزامه بالمقدار الذي عينه له القاضي ، فإذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه المعدل جاز للدائن طلب فسخ العقد مع التعويض ، والإنقاص قد ينصب على الكم ودلك بإنقاص مقدار ما يقدمه المدين للدائن ، وقد ينصب على الكيف[57] كأن يقدم المدين للدائن نفس الكمية المتفق عليها ولكن من صنف أقل جودة[58]، وفي جميع الحالات فإن الغاية من الإنقاص هي التقليص من الخسارة الفادحة التي أصبحت تهدد المدين ، ومعنى ذلك أن المدين سيتحمل وحده الخسارة المألوفة ، بينما يحاول القاضي أن يوزع عبء الخسارة الفادحة غير المألوفة بين المدين والدائن.
  • تعديل العقد بالزيادة في الالتزام المقابل للالتزام المرهق : قد يختار القاضي إنقاص الالتزامات لكنه يرى أنه ليس له أي جدوى في إعادة التوازن الاقتصادي للعقد، لدا قد يلجأ الى تعديل العقد بوسيلة أخرى هي زيادة الالتزام المقابل للالتزام المرهق ، بحيث يتم الزيادة في الالتزام المقابل على عاتق المدين ، فيتحمل الدائن جزء من الزيادة غير المتوقعة في السعر الشيء محل الالتزام ، أما المدين فيتحمل الزيادة المألوفة المتوقعة التي لا تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا بالنسبة اليه[59].

وهدف القاضي من هده الوسيلة هو تحقيق نوع من التوازن الاقتصادي بين اللالتزامات التي يرتبها العقد على الطرفين المتعاقدين ، وليس الزيادة في التزامات الدائن بما يعوض على المدين كل العبء الناشئ عن الظرف الطارئ.

ومثال دلك أنه إدا التزم صاحب محطة للوقود بتوريد كميات من الوقود لشركة خاصة بنقل الركاب بسعر 5 دراهم للتر الواحد ثم ارتفعت الاسعار بسبب الحرب بحيث اصبح سعر اللتر 20 درهما ، هنا يجوز للقاضي أن يزيد في السعر الذي تلتزم بدفعه شركة النقل.

والملاحظ إلى أن رد القاضي للالتزام إلى الحد المعقول فيما يتعلق بإنقاص الالتزام المرهق أو بزيادة الالتزام المقابل لا يكون إلا بالنسبة إلى الحاضر، أي إلى الوقت الذي يوجد فيه أثر الظرف الطارئ ، ولا شأن له بالمستقبل لأنه غير معروف ، فإن زال أثر هذا الظرف ولم تنته مدة العقد بعد عادت إلى العقد قوته الملزمة[60].

  • تعديل العقد عن طريق وقف تنفيده : قد يرى القاضي أن خير وسيلة لرد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول هي وقف التنفيذ إلى حين زوال أسباب اختلال التوازن الإقتصادي بين المتعاقدين الراجعة إلى أسباب مؤقتة ، فكلما رأى القاضي أن أسباب اختلال التوازن العقدي بين طرفي الرابطة العقدية أسباب وقتية أو زمنية يقدر لها الزوال فإنه يقرر وقف تنفيذ العقد حتى تزول تلك الأسباب أو الحوادث الطارئة وهذا إذا لم يكن في هذا الوقف ضرر جسيم يلحق المتعاقد الآخر[61].

مثال ذلك أن يتعهد مقاول بإنجاز مبنى في أجال محددة ثم ترتفع أسعار مواد البناء ارتفاعا باهظا نتيجة لحادث طارئ ، وهنا قد يحكم القاضي بوقف تنفيذ التزام المقاول وذلك بعد أن يتضح لدي أن ارتفاع الأسعار سيزول قريبا وذلك حتى يتسنى للمقاول تنفيذ التزام دون إرهاق إذا لم يكن في هذا الوقف ضرر جسيم يلحق صاحب البناية[62].

 ثانيا  : مـا يـخـرج عـن نـطـاق السـلـطة الـتـقديريـة للقـاضـي (الفسخ)

أجاز المشرع للقاضي سلطة التدخل لإعادة التوازن الاقتصادي للعقد عن طريق تعديل العقد بإنقاص الالتزام المرهق أو زيادة الالتزام المقابل للالتزام المرهق ، أو سلطة وقف التنفيذ الالتزامات المرهقة ، فإنه لا يجوز أن يقضي بفسخ العقد .

لقد نصت غالبية التشريعات الوضعية بعدم جواز فسخ العقد للظروف الطارئة حيث يقول الفقيه السنهوري انه لا يجوز

فسخ العقد ، فالالتزام المرهق يبقى ولا ينقص ولكن يجب رد الالتزام الى الحد المعقول فتوزع بذلك تبعة الحادث بين الدائن والمدين[63]، كما يرى الاستاد سمير تناغو : “أن القاضي لا يملك الا تعديل العقد ، فهو لا يملك فسخ العقد …. “[64]

 

وعلى خلاف التشريعات العربية فنجد أن القوانين المدنية الأجنبية كالقانون البولوني أجاز للقاضي فسخ العقد إذا رأى ضرورة لذلك، أما القانون الايطالي فقد أعطى للقاضي سلطة فسخ العقد لمصلحة المدين،على أن يكون للمتعاقد الآخر الحق في أن يدرأ طلب الفسخ بأن يعرض تعديلا لشروط العقد بما يتفق مع العدالة[65]، ولقد رتب القانون الانجليزي على الظروف الطارئة فسخ العقد بقوة القانون وبدون حاجة لصدور حكم قضائي بذلك[66].

ادن فللقاضي سلطة تعديل العقد فقط دون الفسخ فالغاية من الظروف الطارئة ازالة الارهاق لتحقيق توازن العقد بين الطرفين دون ازالته .

إلا أنه يرى بعض الفقه أنه يمكن للقاضي فسخ العقد للظروف الطارئة بناء على طلب الدائن وحده، واستندوا في ذلك إلى أنه حينما يقوم القاضي بتعديل الالتزام، ولكن يرى الدائن أن ذلك مجحف في حقه، فإن للدائن في هذه الحالة الخيار بين أن يقبل ما يراه  القاضي، سواء كان إنقاص الالتزام المرهق أو زيادة الالتزام المقابل أو وقف تنفيذ العقد ، أو أن يختار فسخ العقد دون تعويض ، وأنه يتعين على القاضي إن طلب الدائن الفسخ أن يجيب طلبه على اعتبار أنه لا محل لأن يفرض عليه تعديل الالتزام إذا كان يؤثر التخلي عن الصفقة ، لا سيما أن فسخ العقد لا يصيب المدين بأي ضرر بل سيكون هذا في صالحه حيث يعفيه من الخسارة المترتبة على الظرف الطارئ إعفاء كاملا[67].

 

تجدر الإشارة إلى أن سلطة المحكمة في تعديل شروط العقد في حالة تطبيق نظرية الظروف  الطارئة تعد من النظام العام حيث لا يجوز للأطراف الاتفاق على استبعادها  . وبناءا على دلك لا يمكن للأطراف أن يستبعدوا مقدما تطبيق النظرية بتضمين العقد شرطا لمنع القاضي من استعمال سلطة التعديل ، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف دلك [68].

9

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المصادر

– عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الحديد ، مصادر الالتزام ، المجلد الاول ،دار النهضة العربية.

– ادريس العلوي العبدلاوي : النظرية العامة للالتزام ، نظرية العقد ،الجزء الأول ،مطبعة النجاح الجديدة ، طبعة الاولى ، 1996.

– مأمون الكزبري : نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي ،الجزء الاول، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة الثانية 1979

– حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية  ،مطبعة دار المعارف القاهرة، الطبعة الثانية 1989.

– محيي الدين اسماعيل علم الدين : النظرية العامة للالتزام ، الجزء الثاني ،مطبعة ايزيس، طبعة 1988.

– سمير تناغو : مصادر الالتزام ، مكتبة الوفاء القانونية، الإسكندرية ،مصر ، الطبعة الاولى ، 2009.

– محمد الكشبور: نظام التعاقد ، ونظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة ، طبعة الاولى ، 1993.

– محمد حسن قاسم : القانون المدني ، الالتزامات ، المصادر ، العقد ، المجلد الثاني ، منشورات الحلبي ، الطبعة الاولى ، 2018.

 

– محمد محي الدين إبراهيم سليم: نظرية الظروف الطارئة بين القانون المدني والفقه الإسلامي  دار المطبوعات الجامعية ; الإسكندرية سنة 2007.

 

– خالد بني أحمد :الفرق بين القوة القاهرة والظروف الطارئة : دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، المجلة الاردنية في الدراسات الاسلامية ، العدد 2،   2006.

– محمد رشيد قباني : نظرية الظروف الطارئة في الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، مجلة المجمع الفقهي الاسلامي ، السنة الثانية- العدد الثاني.

– محمد السناري: الضوابط القانونية لتطبيق نظرية الظروف الطارئة في مجال العقود، دار النهضة العربية – القاهرة  سنة 1998.

– حمدي محمد اسماعيل سلطح ، القيود الواردة على مبدأ سلطان الارادة في العقود المدنية ، دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ،  2007.

– نبيل ابراهيم سعد ، النظرية العامة للالتزام ، منشورات الحلبي ، طبعة الاولي ، 2004.

– سليمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات، المجلد الأول، نظرية  العقد والإرادة المنفردة، الطبعة الرابعة، 1987 م.

 

الفهرس

 

مقدمة : 2

المبحث الاول :  الاطار العام لنظريتي القوة القاهرة و الظروف الطارئة 3

الفقرة الأولى : تعريف القوة القاهرة شروطها 4

أولا : تعريف القوة القاهرة 4

ثانيا : شروط القوة القاهرة 5

الفقرة الثانية : مفهوم نظرية الظروف الطارئة و شروطها 5

أولا : تعريف نظرية الظروف الطارئة 5

ثانيا : شروط نظرية الظروف الطارئة 6

المطلب الثاني: مقارنة بين نظريتي الظروف الطارئة و القوة القاهرة 8

الفقرة الأولى : أوجه التشابه بين النظريتين. 8

الفقرة الثانية  : أوجه الاختلاف بين النظريتين. 8

المبحث الثاني :  أحكام نظريتي القوة القاهرة و الظروف الطارئة في تحقيق التوازن الاقتصادي للعقد 9

المطلب الأول : أثر القوة القاهرة 10

الفقرة الاولى : أثار القوة القاهرة في  اطار المسؤولية العقدية 10

أولا : استحالة التنفيذ 10

ثانيا : الاعفاء من المسؤولية العقدية 11

الفقرة الثانية : اثار القوة القاهرة على المسؤولية التقصيرية 12

المطلب الأول : أثر نظرية الظروف الطارئة وسلطة القاضي في تحقيق التوازن. 13

الفقرة الاولى : ضوابط سلطة القاضي في تعديل العقد 13

أولا : مراعاة القاضي للظروف المحيطة بالدعوى. 13

ثانيا : قيام القاضي بالموازنة بين مصلحة الطرفين. 14

ثالثا :  رد القاضي الالتزام المرهق الى حدود المعقول 14

الفقرة الثانية : طبيعة سلطة القاضي في تعديل العقد 14

أولا: ما يدخل في نطاق سلطة القاضي في تعديل العقد 14

ثانيا  : ما يخرج عن نطاق السلطة التقديرية للقاضي (الفسخ) 16

لائحة المصادر 18

 

– سمير تناغو : مصادر الالتزام ، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية،مصر ، الطبعة الاولى ، 2009 ص 2. [1]

عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الحديد ، مصادر الالتزام ، المجلد الاول ،دار النهضة العربية ،ص87-88. –[2]

[3]– نص الفصل230 من ق ل ع المغربي بما يلي : ” الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون.”  أنه متى أُبرم العقد صحيحا بأركانه وشروطه صار شريعة للمتعاقدين ، لا يجوز نقضه ولا تعديله من قبل أحد المتعاقدين أو القاضي أو المشرع إلا باتفاق جديد من قبل طرفيه أو وفقا للأحوال التي ينظمها القانون ، وإلا ترتبت جزاءات عن الإخلال بهذه القوة الملزمة العقدية.

– حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية،مطبعة دار المعارف القاهرة، الطبعة الثانية 1989 ص 391. [4]

— محمد حسن قاسم : القانون المدني ، الالتزامات ، المصادر ، العقد ، المجلد الثاني ، منشورات الحلبي ، الطبعة الاولى ، 2018، ص 258. [5]

[6] – عرف المشرع التونسي القوة القاهرة في الفصل 283 من محلة الالتزامات و العقود التونسية على أنها : ” القوة القاهرة التي لا يتيسر معها الوفاء بالعقود هي كل ما لا يستطيع الإنسان دفعه كالحوادث الطبيعية من فيضان ماء وقلة أمطار وزوابع وحريق وجراد أو كغزو أجنبي أو فعل الأمير. ولا يعتبر السبب الممكن اجتنابه قوة قاهرة إلا إذا أثبت المدين أنه استعمل كل الحزم في درئه. وكذلك السبب الحادث من خطأ متقدم من المدين فإنه لا يعتبر قوة قاهرة.”

[7] – محمد حسن قاسم : القانون المدني ، الالتزامات ، المصادر ، العقد ، المجلد الثاني ، منشورات الحلبي ، الطبعة الاولى ، 2018، ص 264

-عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الحديد ، مصادر الالتزام ، المجلد الاول ،دار النهضة العربية ،ص 876[8]

                                                                                                                          – محمد حسن قاسم : مرجع سابق، ص 269[9]

-محمد الكشبور: نظام التعاقد ، ونظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة ، طبعة الاولى ، 1993 ، ص 102و 103[10]

– محمد رشيد قباني : نظرية الظروف الطارئة في الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، مجلة المجمع الفقهي الاسلامي ، السنة الثانية- العدد الثاني ص 131[11]

– محمد الكشبور: مرجع سابق ، ص 105، اورده بالهامش[12]

– عبد الرزاق السنهوري: مرجع سابق ، ص 634[13]

[14] – نصت المادة 1195 من القانون المدني الفرنسي بمقتضى تعديل 10/02/2016 ،على أنه : “إدا حدث تغير في الظروف ، غير ممكن التوقع عند ابرام العقد ، ترتب عليه أن صار التنفيذ ، بالنسبة لأحد الأطراف ، مكلفا إلى حد مبالغ فيه ، ولم يكن هدا الطرف قد  قبل تحمل نتيجة هدا التغير ، فيمكن لهدا الأخير أن يطلب من المتعاقد معه إعادة التفاوض بشأن العقد ، على أن يستمر في تنفيذ التزاماته خلال إعادة التفاوض .

في حالة رفض إعادة التفاوض ، أو فشله ، يمكن للأطراف الاتفاق على فسخ العقد اعتبار من تاريخ ووفق الشروط التي يحددونها ، أو الطلب من القاضي أن يقوم بتطويع العقد . وفي حالة عدم الاتفاق ، خلال مدة معقولة ، يمكن للقاضي ، بناء على طلب أحد الأطراف ، تعديل العقد ، أو انهائه اعتبارا من التاريخ ووفق الشروط التي يحددها.”

-ادريس العلوي العبدلاوي : النظرية العامة للالتزام ، نظرية العقد ،الجزء الأول ،مطبعة النجاح الجديدة ، طبعة الاولى ، 1996 ، ص 622[15]

– محمد حسن قاسم : مرجع سابق ، ص 68[16]

– ادريس العلوي العبدلاوي : مرجع سابق ، ص 623[17]

– عبد الرزاق السنهوري: مرجع سابق ، ص 644[18]

– سمير تناغو : مصادر الالتزام ، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية،مصر ، الطبعة الاولى ، 2009 ، ص  122[19]

– عبد الرزاق السنهوري: مرجع سابق ، ص 645[20]

– محمد حسن قاسم : مرجع سابق ، ص 71[21]

-محمد السناري: الضوابط القانونية لتطبيق نظرية الظروف الطارئة في مجال العقود، دار النهضة العربية – القاهرة  سنة 1998 ص 81[22]

– سمير تناغو :  مرجع سابق ، ص 252[23]

[24]– خالد بني أحمد :الفرق بين القوة القاهرة والظروف الطارئة : دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، المجلة الاردنية في الدراسات الاسلامية ، العدد 2،   2006 ص .6

– عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ،ص 644[25]

– محمد السناري : مرجع سابق ،ص 81[26]

–  خالد بني أحمد : مرجع سابق ص 7.[27]

[28] – محمد محي الدين إبراهيم سليم: نظرية الظروف الطارئة بين القانون المدني والفقه الإسلامي  دار المطبوعات الجامعية ; الإسكندرية سنة 2007 ص 421 .

[29] -محيي الدين اسماعيل علم الدين : النظرية العامة للالتزام ، الجزء الثاني ،مطبعة ايزيس ، طبعة 1988 ص 459. ” وهده الاستحالة قد تكون مادية او معنوية ، ويستوي فيها الناس كافة ، فكل شخص قي مثل موقف المدين يستحيل عليه تنفيد التزامه .”-

[30] – جاء في قرار للمجلس الأعلى :”… ان الحكم المطعون فيه عندما اعتبر أن نقصان الواقع في المحصول الفلاحي راجع الى الجفاف التي أصابت السنة الفلاحية و أن هدا السبب الاجنبي لم يكن في الوسع دفعه ولا توقعه يكون القوة القاهرة التي تعفي من تنفيد الالتزام بتمامه …” قرار الغرفة الادارية بتاريخ 14 يوليوز 1972. منشور بمجلة المجلس الاعلى . العدد 25 ، ص 189 و ما بعدها . أورده الاستاد محمد الكشبور : مرجع سابق ص 67.

[31] – حسين عامر وعبد الرحيم عامر: مرجع سابق ص 394-395.

محمد الكشبور : مرجع سابق ،ص 67-[32]

-عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ، ص 879.[33]

– محمد الكشبور : مرجع سابق ص69. [34]

[35] – ينص الفصل 230 من ق.ل.ع على أنه :” الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ”

[36] – تنص الفقرة الثانية من الفصل 243 من ق.ل.ع على أنه : ” ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها .”

– محمد الكشبور : مرجع سابق ص 71-72. [37]

– حسين عامر وعبد الرحيم عامر : مرجع سابق ، ص 399. [38]

– محمد الكشبور : مرجع سابق ص 73.[39]

– محمد الكشبور : مرجع سابق ص 73 [40]

– محمد الكشبور : مرجع سابق ص73 [41]

– محمد حسن قاسم :  مرجع سابق ، ص 282 .[42]

– حسين عامر وعبد الرحيم عامر : مرجع سابق ص 399[43]

 – محمد حسن قاسم :  مرجع سابق ، ص 285 . [44]

– حسين عامر وعبد الرحيم عامر : مرجع سابق ص 401-402 [45]

– مأمون الكزبري : نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي،الجزء الاول، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة الثانية 1979 ص 418 [46]

– حسين عامر وعبد الرحيم عامر : مرجع سابق ص 402 [47]

– مأمون الكزبري : مرجع سابق ، ص 418[48]

– عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ، ص 645[49]

– محمد محي الدين ابراهيم سليم : مرجع سابق 433-434. [50]

– سمير تناغو : مرجع سابق ص 163.[51]

–  محمد محي الدين ابراهيم سليم : مرجع سابق ، ص434  [52]

[53] – “سلطة القاضي في حالة الظرف الطارئ تقتصر على تعديل العقد على النحو السابق بيانه ، ولا يمتد الى الفسخ ” نقض مدني بتاريخ 12/12/1983 اورده محمد حسن قاسم : مرجع سابق ، ص83.

[54] – حمدي محمد اسماعيل سلطح ، القيود الواردة على مبدأ سلطان الارادة في العقود المدنية ، دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ،  2007 ، ص 246.

– نبيل ابراهيم سعد ، النظرية العامة للالتزام ، منشورات الحلبي ، طبعة الاولي ، 2004 ،ص 226.[55]

– عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ص 648 .[56]

[57]– ” الانقاص قد ينصب على ناحية الكم كما قد ينصب على ناحية الكيف، غير أن بعض الفقه يعارض الانقاص المنصب على الكيف لأن فيه تغيير لمحل الالتزام وفيه تلاعب بمقدار العقد وتغيير من جوهر الالتزام  على عكس ما اتفق عليه الطرفان، ولأنه ليس من مصلحة الدائن الحصول على صنف أقل من الصنف المتعاقد عليه لأن نوعية السلعة قد تكون مقصودة لذاتها”، للمزيد من التفصيل أنظر محمد محي الدين ابراهيم سليم، المرجع السابق، ص  442-443 .

– عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ص 648 .[58]

[59]– سليمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات، المجلد الأول، نظرية  العقد والإرادة المنفردة، الطبعة الرابعة، 1987 م. ص 532-533.

– عبد الرزقاء السنهوري : مرجع سابق ، ص 648.[60]

– سمير تناغو : مرحع سابق ص 164. [61]

-محمد محي الدين ابراهيم سليم : مرجع سابق ص 447-448.[62]

– عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ص 648.[63]

– سمير تناغو : مرحع سابق ص 168[64]

– عبد الرزاق السنهوري : مرجع سابق ص .648[65]

– محمد محي الدين ابراهيم سليم : مرجع سابق ص451. [66]

-محمد حسن قاسم : مرجع سابق ص 82-83.[67]

[68] – مصطفى الجمال، رمضان محمد أبو السعود، نبيل إبراهيم سعد، مصادر و أحكام الالتزام، دراسة مقارنة، منشورات الحلبي ، بيروت ، لبنان ،2006 ص 202

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى