ظاهرة الأخبار الزائفة المرتبطة بفيروس كورونا المستجد:”كوفيد 19″ في ضوء القانون المغربي
ظاهرة الأخبار الزائفة المرتبطة بفيروس كورونا المستجد:”كوفيد 19″
في ضوء القانون المغربي
الإشاعات والأخبار الكاذبة ليست أمرًا جديدًا، فهي موجودة منذ الأزل، لكن الأمر المستجدّ في يومنا هذا هو مدى سرعة وسهولة مشاركة المعلومات على نطاق واسع، سواءً كانت معلومات صحيحة أو خاطئة. [1]
منذ الإعلان عن انتشارفيروس “كورونا” المستجد – في أواخر دجنبر من سنة 2019 بمدينة ووهان الصينية – والشائعات المرتبطة به في تزايد على الصعيدين العالمي والوطني، إلا أن حدة الشائعات الوطنية تزايدت منذ الإعلان عن أول حالة إصابة بالمملكة المغربية في مارس 2020؛ وهو ما دفع السلطات المغربية المختصة إلى التفاعل مع الموضوع خصوصا بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية[2] – محذرة كل مروجي الأكاذيب والإشاعات بالعقوبات الزجرية. وذلك باستغلال وضعيتي الترقب والخوف من المرض لدى المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل كسب أكبر عدد ممكن من المتتبعين واللايكات، انطلاقا من نشر عناوين وصور وفيديوهات تهويلية عن المرض المستجد، أو نشر أخبار زائفة عن إجراءات وهمية لبعض المؤسسات العمومية؛ وهو ما يؤثر على العديدين بشكل سلبي، خصوصا المصابين بأمراض نفسية”.[3]
وتكمن خطورة الأخبار الزائفة في انتشارها السريع بين الناس عبر تطبيقات وسائط التواصل الاجتماعي (واتساب، فيسبوك، إنستغرام…)، هذه التطبيقات التي يتوفر عليها جميع شرائح المجتمع، المتعلمين وغير المتعلمين، خاصة الذين لا يحسنون التعامل معها.
قبل التطرق إلى الموضوع كان لزاما طرح مجموعة من الأسئلة للإحاطة بالموضوع من قبيل، هل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إثارة الخوف والهلع خلال أزمة كورونا ؟ وإلى أي حد استطاع القانون والقضاء المغربي الحد من انتشار الأخبار الزائفة ؟
للإحاطة بهذا الموضوع ورصد إشكالاته، ارتأينا معالجته من خلال التطرق للمحورين الآتيين :
أولا: دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار الزائفة.
ثانيا: التدابير الزجرية المتخذة للحد من الأخبار الزائفة.
أولا: دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار الزائفة.
أدى تزايد الاعتماد المتبادل بين الدول وتطور وسائل الاتصال والمواصلات، إلى أن أصبح العالم معها عبارة عن قرية صغيرة تسمح بانتقال سريع لعدوى بعض الأوبئة والأمراض الخطيرة بين مختلف المناطق، وسمح بتفشي الأمراض العابرة للحدود والتي تتعاطى معها وسائل الإعلام ، دون فواصل زمانية أو قيود وحواجز والتي فرضت تبني مقاربات فهم المخاطر بنشر الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي. وتطرح المسألة هنا عنصرا مهما في كيفية تأطير المواد الإعلامية بتوجيه الأحداث والعمل على إحداث أوضاع مختلفة للواقع وتأثير قدرة عرضها في وسائل الإعلام على نقل الرسائل وفي الوقت نفسه فهمها واستيعابها وكيفية التعامل معها.[4]
إن خطورة الأخبار الزائفة تكون أكثر تأثيرا حينما تثير الفزع والخوف بين الناس، كما هو الشأن في حالة نشر وتداول أخبار غير صحيحة تتعلق بالأمراض المُعدية، مثل فيروس كورونا المستجد منسوبة للغير؛ لاسيما إلى مؤسسات رسمية، مثل الوزارة المكلفة بالصحة والوزارة المكلفة بالتعليم، وحيث يقوم بنشر هذه الأخبار أشخاص لا يمارسون مهنة الصحافة، ولا علاقة لهم بوسائل الإعلام الرسمية التي لها ضوابط قانونية مثل قانون الصحافة والنشر وقانون الاتصال السمعي البصري.
لذا وجب أولا و قبل كل شيء تحديد مفهوم الشائعة و الأخبار الزائفة أو المضللة و كذا كيفية التصدي لها.
- الأخبار الكاذبة: هو مصطلح يستخدم لوصف الأخبار غير الدقيقة أو المفبركة، لكن لا يصف مصطلح “الأخبار الكاذبة” بدقة الالتباس بين المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة وإساءة استخدام المعلومات، ويستخدمه غالبا الاستبداديون المتعسفون وآخرون للتقليل من قيمة الخطاب الحقيقي الذي لا يعجبهم عبر خلطه مع الروايات الكاذبة. [5]
- المعلومات المضللة: هي معلومات كاذبة يتم إنشاؤها عمدا للتسبب في ضرر لشخص أو جماعة اجتماعية أو منظمة أو دولة، ولا تتكون المعلومات المضللة دائما من أكاذيب صريحة، بل يمكن أن تكون حقائق فصلت من سياقها الأصلي أو حقائق دمجت مع معلومات كاذبة. وتعد النية هي السمة المميزة بين ما يشكل المعلومات الكاذبة أو المعلومات المضللة.
تقدم الدوافع التي تدفع الجهات المعنية إلى إنشاء وإنتاج المعلومات المضللة ومشاركتها رؤية إضافية لفهم هذه الظاهرة، وهذه الدوافع يمكن فصلها إلى أربع فئات:مالية وسياسية واجتماعية ونفسية يمكن أن تستخدم كل من الجهات السياسية الحكومية وغير الحكومية المعلومات المضللة كوسيلة للتلاعب بآراء أو وجهات نظر من يستهدفونهم.[6]
توجد جهات فاعلة قد تنشر معلومات مضللة مدفوعة بدوافع غير سياسية مثل الترفيه أو الرغبة في زيادة الربح. وتقدم الإعلانات على الإنترنيت الآن حافزا ماديا لإنشاء معلومات مضللة يمكن مشاركتها بسرعة واجتذاب مرور مستخدمين لموقع إلكتروني معين، قد يكون التلاعب بالآليات الداخلية الموجودة في شبكات وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم محتوى خوارزميات ومعلومات معينة لحشد الانتباه ويكون ذلك من خلال شركات أو جهات مستقلة تسعى وراء تحقيق أرباح أكثر من المرور الإلكتروني للمستخدمين[7]. هناك جهات فاعلة أخرى مستقلة تكون مدفوعة بدوافع أخرى مغايرة؛ مثل فرصة الترويج لموضوعات شخصية أو سعيا للشهرة أو حتى ببساطة لإغضاب الناس[8].
قد يتساءل البعض، مــن أيــن يبــدأ الأمر؟ يكفــي فقــط أن ينشــر أحدهــم خبــراً عبــر إحــدى منصــات التواصــل الاجتماعي، يحمــل معلومــة كاذبــة حــول إحــدى القضايــا التــي تشــغل بال المواطنين، أو حــول شــخصية مثيــرة للجــدل، لتبــدأ الشــائعة بالانتشار كالنــار فــي الهشــيم، ويقبــل كثيــرون علــى تداولهــا، دون البحــث عــن مصدرهــا فــي معظــم الأحيان، فالأخبار الكاذبــة تكتســب مــع الوقـت قـوة تتماسـك حتـى أمـام حملات التكذيــب التــي تنطلــق فيمــا بعــد ضدهــا، ربمــا لأن الكــذب دومــاً يحمــل مــن الإثارة أضعــاف مــا تحملــه الحقيقــة. اســتطاعت منصــات التواصــل الاجتماعي إتاحــة المعلومــات والأخبار للجميــع، ولهذا أصبحت مصـدرا رئيســا للشــائعات والأخبار الكاذبــة ممــا حتــم تأســيس مبــادرات للحــد منهــا، كمبـادرات بعـض الجهـات التي اتجهت إلى تأســيس صفحــات علــى مواقــع التواصــل الاجتماعي هدفهــا التحقـق مـن الأخبار وتصحيحهـا إذا مـا تطلـب الأمر ذلك، إلا أن المشـكلة تكمــن فــي أن جهــود هــذه الصفحـات غيـر موحـدة فقد كانــت المبــادرات أكثــر اتسـاعاً وتوحـدت الجهـود، ففـي مــارس/آذار 2018 أعلنــت شــركة ”غوغــل“ العالميــة التــي تمتلــك موقــع ”يوتيــوب“، عــن مبــادرة أســمتها ”مبــادرة أخبــار غوغــل“، بحســب مــا أورده موقــع صحيفــة ”نيويــورك تايمــز“ فــي تقريرهــا، ّ حيــث صــرح كبيــر مســؤولي الأعمال فــي ”غوغــل“ فيليــب شــندلر بــأن الأخيرة تعتــزم إنفــاق 300 مليــون دولار علــى مــدار الســنوات الثلاث المقبلــة، فـي مبـادرة منهـا لدعـم الصحافة الموثوقـة، كخطـوة لمكافحـة وباء انتشـار المعلومـات الخاطئـة وغير الموثــوق بهــا عبــر الإنترنت.[9]
منــذ العقــود الماضيــة وحتــى اليــوم، ظهــرت أنــواع وأشــكال عــدة مــن الأخبار الكاذبــة، تســتخدم لأهــداف وأجنــدات عــدة. فقــد قدمــت دراســة أجراهـا أديسـون تانـدوك وتشـنغ وي ليــم وريتشــارد لينــغ عــام 2017 ونشــرتها مجلــة ”ديجيتــال جورناليــزم“، مراجعــة للدراســات التــي اســتخدمت مصطلــح ”الأخبار الكاذبــة. وتعتمــد هــذه الأنواع فــي أساســها علــى القــدرة والتلاعب فــي الدمــج بيــن الحقيقــة والتضليــل، فالأخبار الكاذبــة لا تشــمل فقــط الكــذب واختلاق الخبــر، وإنمــا تشــمل أيضـا اسـتخدام الحقائـق الناقصـة والمشـوهة للوصـول إلـى هدفهـا. الأخبار المفبركة هــي الأخبار التــي تكــون مبنيــة علــى تزييــف الحقيقــة وهدفهــا التضليــل والتشــويه، ومقاصدهــا غالبــاً مــا تكــون سياســية، كمــا يصعــب تمييــز فبركتهــا. و تمتــاز بسـرعة الانتشار، كأن تنشـر صورة لمجموعــة مــن المعتقليــن أثنــاء اعتــداء رجــال الأمــن والجنــود عليهـم، تـم تصويرهـا فـي ليبيـا أو ســوريا، علــى أنهــا نتيجــة مســيرة احتجاجيــة فــي الضفــة الغربيــة أو قطــاع غــزة. ومــن أمثلــة ذلــك أيضــا، أنــه خــلال الانتخابات الرئاســية الأميركية لعــام 2016 ، ُ نشــر خبــر مفــاده أن ”البابــا فرانســيس يدعــم دونالــد ترامــب“، وقــدر عــدد مشــاركات هــذا المنشــور عبــر الفيســبوك وحــده بــ30 مليــون مشــاهدة.[10]
و في المغرب مثلا كانت إشاعات حول عقد اجتماع بمقر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لاتخاذ قرار بخصوص سير ما تبقى من السنة الدراسية . أو انه سيتم قريبا فتح الحدود واستئناف الرحلات مع الدول التي نجحت في تدبير جائحة فيروس كورونا بشكل جيد كما راجت صورة مروجة على شبكات التواصل الاجتماعي تعلن ، نقلا عن مصدر بوزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية ، عن فتح المساجد الجمعة المقبلة .
إن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن “الأخبار الزائفة”، لا يُمكن وقفها بالمرة أو الحدّ منها، فهي كسائر الجنح أو الجرائم، يُقلّل منها القانون لكن لن يُنهيها، إلا أنه لمّا تستفحل حالة معينة وتستحيل إلى ظاهرة سهلة الفعل دون أخذٍ في الحُسبان لعواقبها فإنه يتعيّن تشديد العقوبة في شأنها، هذا ما سنحاول التطرق له في الفقرة الثانية من خلال معرفة دور القانون و القضاء في الحد من انتشار الأخبار الزائفة للحفاظ على الأمن العام.
ثانيا: التدابير الزجرية المتخذة للحد من الأخبار الزائفة
مما لا شك فيه، أن مواقع التواصل الاجتماعي، قلصت المسافات، وأذابت الحدود بين بلدان العالم أجمع، فقد اتخذ كثيرون من الأخبار والمعلومات التي تبثها، موجهاً، ومرشداً لهم، دون تحري الدقة والمصداقية، والوقوف على المزيف منها من الحقيقي، والشائعة من الواقع.
خصوصاً أن المتتبع للشائعات التي تروجها هذه المواقع، يجد أنها باتت تطال قطاعات حساسة، كالقطاع الصحي والأمني والمناخي والاقتصادي، والأخطر، هو انسياق أفراد المجتمع خلف هذه الأكاذيب، بل والمساهمة في نشرها وتداولها، عن عدم دراية ووعي في التعامل معها.
ومع انتشار فيروس كورونا المستجد على مستوى العالم، زادت الشائعات بشأنه، ما شكل قلقاً إضافياً للمجتمع، خاصة أنها تزرع بذور الشك، وتتسبب بتكدير الرأي العام، وبث الرعب في النفوس.[11]
وفي هذا الإطار نجد في القانون المغربي أنّ نشر الأخبار الزائفة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون كما هو مبين في المادة 72 من القانون 88-13 المتعلق بالصحافة و النشر الذي ينص على أنه: “يعاقب بغرامة من 20.000 إلى 200.000 درهم كل من قام بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل نبأ زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلقة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس، بأية وسيلة من الوسائل ولا سيما بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية و إما بواسطة المكتوبات والمطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية و إما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم، أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية..) وترتفع هذه العقوبة إلى (100.000 إلى 500.000 درهم إذا كان للنشر أو الإذاعة أو النقل تأثير على انضباط أو معنوية الجيوش) وهي نفس الغرامة المفروضة على كل التهم بالتحريض على ارتكاب الجرائم …. أو الإشادة بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية ، أو جرائم الإبادة الجماعية أو جرائم الإرهاب، أو التحريض على الكراهية أو التمييز “.
يتبين من الفصل المذكور أعلاه أن هذه الجريمة خاصة بمن لهم صفة صحافي و بما أن المواطن العادي أصبح فاعلا في نشر و توزيع و بث الأخبار الزائفة التي قد يكون متأكدا او غير متأكد من صحتها و التي قد يؤدي الانتشار و التداول السريع لها بفعل الإمكانيات التي تتيحها الأجهزة الذكية و وسائل التواصل الاجتماعي أن يتسبب بخلل في النظام العام و الأمن العام و أن يخلق الهلع داخل المواطنين و في حالة ارتكاب أي مواطن لهذا الفعل الإجرامي من خلال نشر خبر زائف عبر أي وسيلة كانت لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن العقوبات المقررة في مواجهته تفوق تلك التي خصصت للصحافي في الفصل 72 من قانون الصحافة التي تقتصر على العقوبات المالية فقط لأن المواطن العادي في حالة نشره لأخبار زائفة كيفما كانت وسيلة ذلك سيتعرض لعقوبات سالبة للحرية و عقوبات مالية، وهذا ما أكدت عليه مقتضيات الفصل 447-1 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه:” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة مالية من 2000 إلى 20000 درهم كل من قام عمدا و بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية, بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال و معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها…”.[12]
يُلاحَظ أن المشرّع، ما دام يُشرع في باب الحقوق والحريات، فقد حرص على إحاطة الموضوع بصرامةٍ، حتى لا يتحول التصدي للأخبار الزائفة ذريعةً لكبح حرية التعبير، فقد اشترط أربع شروط ليكون الخبر زائفاً.
1- سوء النية؛
2- أن تكون وقائعه غير صحيحة؛
3- أن تُخلّ بالنظام العام أو تُثير الفزع بين الناس؛
4- العلانية.
كما يُلاحظ أن المشرع، في توصيفه لشرط العلانية، حدد مختلف الوسائل التي تُحقّقه، من الخطب والصياح إلى أي وسيلة تُستعمل لهذا دعامة إلكترونية، وبذلك يكون يوجّه الجهة الموكول لها تطبيق القانون إلى إعمال هذه الأحكام مهما كانت الوسيلة ما دامت تحقق شرط العلانية، لاسيما وأن وسائل الاتصال لا تنفكّ عن التطور”.[13]
وفرض تطور البيئة التكنولوجية على المشرع المغربي تحديات كبيرة و إذا كانت اهتمامات المشرع لمواكبة هذا التطور نتيجة الضغوط التي مارستها العولمة، فان ضغط الاستعجال يضطره في كل حين إلى تقنين جوانب من المعاملات ذات الصلة بهذا التطور في العديد من المجالات إضافة إلى إصدار قوانين خاصة لمكافحة الجريمة المعلوماتية. إذن فأهمية الترسانة القانونية التي راكمها العمل التشريعي طرحت على الفاعل العمومي تحديات كبيرة و مستجدة بفعل تنامي موجة الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي و تطبيقات الاتصال الفوري و تعاظم دورها على التأثير السلبي على جهود التعبئة الوطنية التي رسمت لها السلطات المغربية رزمة من التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كرونا المستجد ولم تفلح تحذيرات مسؤولي السلطات العمومية و القضائية في الحد من الترويج للإشاعة و الأخبار الزائفة التي بلغت حدا كبيرا من الخطورة حيث عمدت إلى فبركة بيانات و وثائق رسمية و نسبتها إلى سلطات عمومية ما أضر كثيرا بأمن و استقرار المجتمع إلى الحد الذي توضحت معه الحاجة إلى تشريعات جديدة.[14]
و في هذا الإطار صادق المجلس الحكومي، على مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، قدمه وزير العدل ويتضمن المشروع الجديد عددا من المستجدات والمقتضيات الجديدة، تتمثل أساسا في التنصيص على ضمان حرية التواصل الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وباقي الشبكات المماثلة، شريطة عدم المساس بالمصالح المحمية قانونا. وينص المشروع الذي يصد الـFake News على الإحاطة بمختلف صور الجرائم المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لاسيما تلك التي تمس بالأمن العام والنظام العام الاقتصادي، ونشر الأخبار الزائفة والسلوكيات الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي للأفراد، وكذا بعض الجرائم التي تستهدف القاصرين. كما حث مشروع القانون على “التنصيص على الالتزامات الواقعة على عاتق مزودي خدمات شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع مسطرة فعالة وشفافة للتصدي للمحتويات الإلكترونية غير المشروعة”.ويقر مشروع القانون، الذي أضافته الأمانة العامة للحكومة، بشكل مستعجل، إلى جدول أعمال المجلس الحكومي، “جزاءات إدارية في مواجهة مزودي خدمات شبكات التواصل المخلين بالالتزامات الواقعة على عاتقهم”.وأكد وزير العدل أن إعداد مشروع هذا القانون جاء في سياق “التدابير القانونية والمؤسساتية التي تقوم بها المملكة المغربية لمكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية، وتقوية آليات مكافحتها دون المساس بحرية التواصل الرقمي باعتباره صورة من صور ممارسة حرية التعبير المكفولة دستوريا”. وأضاف المسؤول الحكومي ذاته أن النص يستهدف “سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكيات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، من قبيل نشر الأخبار الزائفة وبعض السلوكيات الإجرامية الماسة بشرف واعتبار الأشخاص أو القاصرين، خاصة في مثل الظرفية الاقتصادية التي يعرفها العالم، وتعيشها بلادنا، والمرتبطة بتفشي فيروس ‘كورونا'” المستجد. ويستهدف هذا المشروع، وفق المصدر ذاته، “ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع القوانين المقارنة والمعايير المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد مصادقة بلادنا على اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية بتاريخ 29 يونيو 2018”.[15]
فقد أكد المجلس الحكومي أن المشروع جاء لضمان حرية التواصل الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوح و باقي الشبكات المماثلة، شريطة عدم المساس بالمصالح المحمية قانونا. كما حاول هذا المشروع على “الإحاطة بمختلف صور الجرائم المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لاسيما تلك التي تمس بالأمن العام والنظام العام الاقتصادي، ونشر الأخبار الزائفة والسلوكات الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي للأفراد، وكذا بعض الجرائم التي تستهدف القاصرين”. ومن المواد التي جاء بها المشروع :” التنصيص على الالتزامات الواقعة على عاتق مزودي خدمات شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع مسطرة فعالة وشفافة للتصدي للمحتويات الإلكترونية غير المشروعة وإقرار جزاءات إدارية في مواجهة مزودي خدمات شبكات التواصل المخلين بالالتزامات الواقعة على عاتقهم”.[16]
كما ساهم القضاء المغربي في ظل هذه الظرفية الاستثنائية التي يمر منها بالتصدي لمختلف الأفعال الجرمية المخلة بحالة الطوارئ الصحية المتعلقة بنشر الأخبار الزائفة و التشهير وكل الجرائم ذات الطابع الإلكتروني الماسة بالنظام العام الصحي، وهو ما جرى به العمل بالنيابات العامة على مستوى المملكة فإن كل خرق للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في مرسوم قانون الطوارئ فإن هؤلاء الأشخاص يتم وضعهم بالحراسة النظرية تحث إشراف النيابة العامة المختصة، ومتابعتهم بفصول القانون الجنائي والمادة 4 من المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية نظرا لارتباط أغلب الأفعال المرتكبة بجرائم أخرى معاقب عليها بعقوبة أشد، ذلك لتكريس الطمأنينة بمختلف مكونات المجتمع وأيضا من أجل تحقيق الأمن العام وتجسيد روح التعاون بين السلطات العامة والمواطنين بهدف مواجهة الجائحة والالتزام بالتدابير الاحترازية التي وضعتها السلطات المغربية حيث كانت قد حكمت المحكمة الإبتدائية، بمدينة الدار البيضاء، بالحبس سنة نافذة، في حق صاحبة قناة على موقع (يوتيوب) المسمات بـ“مي نعيمة البدوية”، بعد اتهامها بنشر محتويات زائفة بواسطة الأنظمة المعلوماتية، تنفي فيها وجود وباء كورونا المستجد (كوفيد-19). .[17]
وخلاصة القول شكلت جائحة كورونا كوفيد 19، فترة ذهبية لرواج الأخبار الزائفة والشائعات الإلكترونية بالنظر إلى تطور التقنيات التي جعلت العالم قرية صغيرة،فآلاف الوسائل الإعلامية غير الرسمية تتولى نشر الشائعات، في صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي، من شأنها خلق البلبلة والزيادة في التهويل؛ نظرا إلى عدم اشتراط التأكد من المعلومة قبل نشرها، وغياب الرقابة على مايكتب. وإذا كان في دنيا النبات طفيليات تلتف حول النبتة الصالحة، لتفسد نموها، فإن مروجي الشائعات والأخبار الزائفة أشد وأذكى؛ لما يقومون به من خلخلة البنية التحتية للمجتمع، لأنهم مرضى نفسانيون، ترسب الغل في أعماقهم، فلا يستريحون حتى يفسدوا ويؤذوا، ساعين في الأرض بالفساد للبلاد والعباد.
[1] مقال: أخلاقيات التعامل مع الإنترنت: كيف أكشف الأخبار الكاذبة وأتعامل مع الشائعات؟ https://www.for9a.com/learn
[2] مرسوم قانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة هذه الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها صادر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 23 مارس 2020، .
[3] مقال :“شائعات” تحوّل “فيروس كورونا” إلى سوق للأخبار الزائفة بالمغربhttps://www.hespress.com/medias/461880.html بتاريخ الخميس 05 مارس 2020
[4] مقال: أزمة كورونا بين الاستقطاب الافتراضي وصناعة الأخبار الزائفة لشرقي خطري https://www.hespress.com/
[5] Commission High Level Group on Fake News and Online Disinformation, “A Multi-Dimensional Approach to Disinformation: Report of the Independent High-Level Group on Fake News and Online Disinformation,” 12صفحة 2017 في ن
[6] Tim Hwang, Digital Disinformation: A Primer, The Atlantic Council, 2017 سبتمبر في نشر http://www. atlanticcouncil.org/images/Digital_Disinformation_Primer_web_0925.pdf.
[7] Caroline Jack, Lexicon of Lies, 4-3 صفحة.
[8] مقال: دعم سالمة المعلومات والخطاب السياسي المدني, المعهد الديمقراطي الوطني ص 5-6. https://www.ndi.org/.
[9] مقال : الأخبار الكاذبة ومواقع التواصل.. حرب حقيقية أم وهم دعائي؟ل أحمد مدحت بمجلة الصحافة ص 24-26عدد 13 ربيع 2019.
[10] مقال :ستة أنواع لألخبار الكاذبة يف العصر الرقمي لعمر أبو عرقوب بمجلة الصحافة ص 21عدد 13 ربيع 2019.
[11] مقال: شائعات «كورونا» خرافات أخطر من انتشار الفيروس ; https://www.albayan.ae/
[12] مقال:جريمة نشر أخبار زائفة لخالد الإدريسي محامي بهيئة الرباط https://www.radiotetouan.ma/
[13] مقال: موقف المُشرّع والقضاء المغربي من الأخبار الزائفة لسعيد تمام https://www.hespress.com
[14] مقال: شبكات التواصل الاجتماعي و معضلة الأخبار الزائفة :مقدمات لنقد التوجهات التشريعية المغربية في مجال تقنين الفضاء العمومي الافتراضي للدكتور مصطفى بنعلي, مغرب القانون, https://www.maroclaw.com/
[15] مقال: الحكومة تُقر قانوناً جديداً لردع سلوكات المغاربة على “فايسبوك لعبد الرحيم العسري, https://www.hespress.com/
[16] مقال: بسبب كورونا”.. ها تفاصيل قانون جابتو الحكومة كايهدد حرية استعمال مواقع التواصل الاجتماعي , https://www.goud.ma/
[17]مقال: ” دور القضاء في التصدي للأخبار الزائفة في ظل حالة الطوارئ الصحية لابـراهـيـم اشـويعـــر, مجلة القانون و الأعمال الدولية.