في الواجهةمقالات قانونية

مدى تطبيق المادة السادسة من مرسوم 23 مارس 2020 على آجال مدونة الشغل

 

“مدى تطبيق المادة السادسة من مرسوم 23 مارس 2020 على آجال مدونة الشغل”

بقلم الدّكتورة أمينة رضوان

باحثة في العلوم القانونية

أدّى تفشي فيروس كورونا -كوفيد 19- الذي اكتسح العالم وقتل البشرية إلى اتخاذ حكومات الدول مجموعة اجراءات استباقية و احترازية من أجل وقاية شعوبها عدوى هذا الوباء، وهكذا أعلنت جلّ دول العالم عن فرض “حالة الطوارئ” الصحية في البلاد بسبب الهلع و الخوف الذي فرضه الفيروس القاتل.

ولخطورة هذا الفيروس صدر في المغرب مرسوم بقانون رقم 2.20.292  صادر بتاريخ 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و اجراءات الاعلان عنها، و مرسوم رقم 2.20.293  صادر بتاريخ 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني المغربي لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” (1) .

ونصّت المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم  2.20.292  أعلاه على أنّه: “يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها. و يستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة. تستثنى من أحكام الفقرة الأولى أعلاه آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، و كذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية و الاعتقال الاحتياطي”

وكإجراء مواكب لذلك أعلنت وزارة الداخلية المغربية، في بلاغ رسمي مساء اليوم الخميس 19/03/2020، عن فرض “حالة الطوارئ” الصحية في البلاد، وفرض حظر التجول ، للحد من تفشي “فيروس كورونا”، من 20/03/2020  إلى 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء، و الذي تم تمديده بعد ذلك عبر مرحلتين، وجاء في البلاغ:” حفاظا على صحة وسلامة المجتمع المغربي، وفي سياق التحلي بحس المسؤولية وروح التضامن الوطني، وبعد تسجيل بعض التطورات بشأن إصابة مواطنين غير وافدين من الخارج بفيروس “كورونا المستجد”، تقرر إعلان “حالة الطوارئ الصحية” وتقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020 على الساعة السادسة مساء لأجل غير مسمى، كوسيلة لا محيد عنها لإبقاء هذا الفيروس تحت السيطرة. حالة الطوارئ الصحية لا تعني وقف عجلة الاقتصاد، ولكن اتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين، من خلال اشتراط مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة، وفق الحالات التي تم تحديدها كما يلي: – التنقل للعمل بالنسبة للإدارات والمؤسسات المفتوحة، بما فيها الشركات والمصانع والأشغال الفلاحية، المحلات والفضاءات التجارية ذات الارتباط بالمعيش اليومي للمواطن، الصيدليات، القطاع البنكي والمصرفي، محطات التزود بالوقود، المصحات والعيادات الطبية، وكالات شركات الاتصالات، المهن الحرة الضرورية، ومحلات بيع مواد التنظيف. وفي هذا الصدد، فإن التنقل يقتصر على الأشخاص الضروري تواجدهم بمقرات العمل، شريطة أن يتم تسليمهم شهادة بذلك موقعة ومختومة من طرف رؤساءهم في العمل.

– التنقل من أجل اقتناء المشتريات الضرورية للمعيش اليومي في محيط مقر سكنى المعني بالأمر، أو تلقي العلاجات الضرورية أو اقتناء الأدوية من الصيدليات.

يتعين على كل مواطنة ومواطن التقيد وجوبا بهذه الإجراءات الإجبارية، تحت طائلة توقيع العقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي.

وستسهر السلطات المحلية والقوات العمومية، من أمن وطني ودرك ملكي وقوات مساعدة، على تفعيل إجراءات المراقبة، بكل حزم ومسؤولية، في حق أي شخص يتواجد بالشارع العام.

وإيمانا بضرورة تظافر جهود الجميع، وجب التأكيد على مسؤولية كل مواطن لحماية أسرته وحماية مجتمعه، من خلال الحرص على التزام الجميع بالتدابير الاحترازية والوقائية وقواعد النظافة العامة لمحاصرة وتطويق الفيروس.

وإذ تؤكد السلطات العمومية أن كل الوسائل متوفرة لضمان إنجاح تنزيل هذه القرارات، فإنها تطمئن المواطن من جديد على أنها اتخذت كل الإجراءات للحفاظ على مستويات التموين بالشكل الكافي، من مواد غذائية وأدوية وجميع المواد الحيوية والمتطلبات التي تحتاجها الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين“.(2)

وقد تضمن القانون رقم  99-65 بمثابة مدونة الشغل المغربية عدة آجال يستفيد منها طرفا العلاقة الشغلية المشغل و الأجير. و من هنا نتساءل عن مدى تطبيق المادة السادسة من مرسوم 23 مارس 2020 على آجال مدونة الشغل؟ و ذلك من خلال تقسيم هذا البحث إلى مطلبين كالآتي:

  • المطلب الأول: ماهية الأجل القانوني في التشريع المغربي.
  • المطلب الثاني: مدى تأثير المادة السادسة من مرسوم 23 مارس 2020 على الآجال المنصوص عليها في مدونة الشغل.

المطلب الأول

ماهية الأجل القانوني في التشريع المغربي

الأَجَلُ في اللغة: غايةُ الوقت في الموت وحُلول الدَّين ونحوِه‏. والأَجَلُ: مُدَّةُ الشيء‏. وجاء في محكم كتابه العزيز: “ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أَجله” أَي حتى تقضي عدّتها‏.
‏‏والتأْجيل: تحديد الأجل، وفي التنزيل: كتاباً مؤجلاً‏. (3)

واصطلاحا عرفه الرازي بأنه “الوقت المُوقّت المضروب لانقضاء الأمد أو المهلة”(4) كما عرفه الألوسي بأنه “غاية لزمان ممتد عينت لأمر من الأمور، و قد يطلق على كل ذلك زمان” (5)

وفي المفهوم القانوني يعتبر الأجل وصف من أوصاف الالتزام، و هو أمر مستقبلي محقق الوقوع يترتب على وقوعه نفاذ الالتزام أو انقضاؤه .

و قد عالجه التشريع المغربي من خلال الباب الثاني من القسم الثاني من الكتاب الأول من قانون الالتزامات و العقود ، و أطره بالفصول من 127 الى 139.

ويلزم أن يكون لكل التزام أجل معين، و أنه عند عدم تحديد أجل للوفاء بالالتزام فإنه يتعين تنفيذه حالا مالم ينتج الأجل من طبيعة الالتزام أو من طريقة تنفيذه أو من المكان المعين لهذا التنفيذ، و في كافة الأحوال يحدّد القاضي أجلا للوفاء بالالتزام (6)

والأجل نوعان: أجل واقف و أجل فاسخ، و قد ألحق المشرع آثارهما بآثار الشرط الواقف و الشرط الفاسخ (7)

و يبدأ سريان الأجل من تاريخ العقد، ما لم يحدد المتعاقدان أو القانون وقتا آخر، و في الالتزامات الناتجة من جريمة أو شبه جريمة يبدأ سريان الأجل من يوم الحكم الذي يحدد التعويض الواجب على المدين أداؤه. (8) و هكذا فاليوم الذي يبدأ منه العدّ لا يحسب في الأجل، و الأجل المقدّر بعدد من الأيام ينقضي بانتهاء يومه الأخير، (9) و عندما يكون الأجل مقدرا بالأسابيع أو بالأشهر أو بالسنة، يكون المقصود بالأسبوع مدة سبعة أيام كاملة، و بالشهر مدة ثلاثين يوما كاملة، و بالسّنة مدة ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما كاملة. (10) و إذا وافق حلول الأجل يوم عطلة رسمية، قام مقامه أول يوم من أيام العمل الذي يأتي بعده (11)

وقد نص المشرع على مجموعة آجال في قوانين الشكل وفي قوانين الموضوع التي تتخللها نصوص شكلية ، وألزم باحترامها تحت طائلة ضياع حق المستفيد منها، ونظرا لفرض حالة الطوارئ الصحية كإجراء وقائي لما يمر منه العالم اليوم إثر تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 فإنه كان لا بد من إحاطة الآجال المنصوص عليها في هذه القوانين بحماية كافية. و من هنا نص المشرع المغربي على المادة السادسة من مرسوم بقانون رقم  2.20.292  المذكور أعلاه، و التي أوجبت إيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها. فما مدى تطبيق هذه المادة على الآجال المنصوص عليها في مدونة الشغل.

المطلب الثاني

مدى تأثير المادة السادسة من مرسوم 23 مارس 2020 على الآجال المنصوص عليها في مدونة الشغل.

جاء القانون رقم 99-65 بمثابة مدونة الشغل بمجموعة من الآجال القانونية يجب احترامها سواء من طرف الملزم بها أو المستفيد منها، وهي تعتبر بمثابة ضمانة تحفظ  حقوق الأجير و المشغل على حد السواء. و من ذلك نذكر الآجال المتضمنة للإجراءات الشكلية التي يجب على المشغل احترامها عند فصله الأجير من العمل (فقرة أولى) و تلك الاجراءات المسطرية الواجب احترامها عند فصل الأجراء لأسباب تكنولوجبة أو هيكلية أو اقتصادية و إغلاق المقاولات (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى

الآجال المتضمنة للإجراءات الشكلية التي يجب على المشغل احترامها عند فصله الأجير من العمل

أوجب المشرع على المشغل احترام الشكليات المتعلقة بفصل الأجير ، و الأمر سيّان سواء كان الفصل تعسفيا أو مبررا ، و هذه الشكليات هي ما احتوتها المواد من 62 إلى 65 من مدونة الشغل. وتتمثل هذه الشكليات في الآتي:

أولا: الاستماع إلى الأجير.

استهل المشرع المغربي الفقرة الأولى من المادة 62 من مدونة الشغل بصيغة الوجوب، لمّا ألزم المشغل قبل فصل الأجير الذي صدر منه خطأ جسيم، إتاحة له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه، وذلك في إطار جلسة يستمع فيها المشغل إلى أجيره فيما صدر عنه من أخطاء، وهو ما يشكل بدوره فرصة لهذا الأخير للدفاع عن نفسه بخصوص الخطأ أو الأخطاء المنسوبة إليه.  وحرصا على تفعيل مسطرة الاستماع إلى الأجير وتحقيق الهدف المنشود منها فقد أوجب المشرع كذلك أن يكون الاستماع إلى الأجير بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه. وهو ما يطرح إشكالية غيابهما أثناء هذه المسطرة وأثره على صحة المسطرة. وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها  (12) أن : «استماع المشغل إلى الأجير في غياب مندوب الأجراء يشكل خرقا لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل»، وهو ما أكدته محكمة النقض بدورها في قرار (13) لها جاء فيه: «لكن لئن كانت الطالبة قد استمعت للمطلوب قصد مواجهته بالخطأ المنسوب إليه طبقا لمقتضيات المادة 62 وما يليها من مدونة الشغل، فإنه وكما جاء في تعليل القرار المطعون فيه، ما دام هذا الاستماع لم يتم بمحضر ممثل نقابي أو مندوب للعمال يختاره الأجير بنفسه، وكما تنص على ذلك المادة المذكورة، وأن ما ورد بالوسيلة من أن كلا من بوخنيف حفيظ وعبد الواحد خبوش اللذين حضرا جلسة الاستماع لهما بهذه الصفة إذ لا يشير هذا المحضر إلى أن أحدهما كان يشغل مهمة ممثل نقابي أو مندوب للعمال خلافا لما ورد بالوسيلة… وأنه في ظل عدم احترام هذه المسطرة بجميع مقتضياتها، فإن المحكمة تكون في غنى عن إجراء بحث للتأكد من الخطأ الجسيم المنسوب للأجير (المطلوب)… وهو ما انتهى إليه القرار المطعون فيه وعن صواب ويبقى ما بالوسيلة لا سند له».

وفي نظرنا فإن هذا الإجراء يكون واجبا على المقاولات الكبرى والمتوسطة استيفاءه، ما دام أن تشريع الشغل يفرض عليها وجود مثل هذه المؤسسات بها. أما بالنسبة للمقاولات الصغرى التي لم تستف شروط وجود مثل هذه المؤسسات فإن قيامها بفصل أجير من أجرائها بدون حضور المندوب أو الممثل النقابي، يجعل إجراءها صحيحا وسليما وغير مرتب لخرق مسطرة الفصل. إلا أن الواقع أبان أن وجود هاتين المؤسستين أو إحداهما – في كثير من الأوضاع – أثناء الاستماع إلى الأجير لا يفيد هذا الأخير في شيء، إذ لا يعدو هذا الإجراء أن يكون إلا شكليا.

ومن نواقص هذه المسطرة أن مدونة الشغل لم تبين الطريقة التي يمكن من خلالها أن يدعو المشغل أجيره للاستماع إليه. لذا كان عليه اقتداء بنظيره الفرنسي أن يحمّل المشغل واجب استدعاء الأجير، وأن يكون هذا الاستدعاء متضمنا موضوع اللقاء حتى يتمكن هذا الأخير من إعداد أوجه دفاعه (14).

وقد حددت المادة 62 من المدونة أجل الاستماع إلى الأجير في أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه. ليطرح السؤال حول المقصود بهذا التاريخ: هل هو تاريخ اكتشاف الخطأ أو التاريخ الذي يثبت فيه للمشغل هذا الخطأ؟

في هذا الإطار ذهبت محكمة النقض في قرار لها (15) أن التاريخ المعتد به هو تاريخ تشبث المشغل بارتكاب الخطأ الجسيم من طرف الأجير. جاء في القرار: «حيث تبين صحة ما عابته الطالبة على القرار المطعون فيه، وذلك أنه لما كان الائتمان والثقة والمصداقية من العناصر الأساسية التي تحكم علاقة الأجير بمؤسسة البنك الذي يعمل به… وأن محكمة الاستئناف عندما خلصت إلى أن الأجير كان موضوع طرد تعسفي من طرف مشغلته ورتب على ذلك الأثر القانوني بعلة أنه رغم علمها بكون الأجير مساهم في شركة سنبلا لم تقم بفصله إلا بعد مضي سنة ونصف… وعملا بمقتضيات الفصل 6 من النظام النموذجي الصادر بتاريخ 23/10/1948 فإن أجل 48 ساعة الذي حدده المشرع لكي يوجه رسالة الطرد إلى أجيره لا يبدأ من تاريخ إبلاغ المشغل ارتكاب الأجير لواقعة معينة وإنما يسري ذلك الأجل من الوقت الذي يتأكد فيه المشغل ويثبت لديه أن أجيره ارتكب خطأ اعتبره جسيما يبرر طرده».

إذن فإن مقتضى الأجل جاء بصيغة الوجوب، وهو دليل على عدم تجاوزه لأجل ثمانية أيام من التاريخ المذكور، وفوات الأجل دون لجوء المشغل إلى استدعاء أجيره للاستماع إليه يعتبر إما دليلا على اقتناع المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل يستحق عنه المساءلة التأديبية، وإما دليلا على عدم أهمية المخالفة المقترفة من طرفه. وهو ما يشكل سقوطا للمتابعة في حق الأجير، وهذا بصرف النظر عن نطاق ومدى الفعل أو الأفعال المنسوبة إليه، حتى لا يفاجأ الأجير بعد ذلك بتوجيه التهمة إليه بعد مدة طويلة، فيعجز عن إثبات براءته (16).

وتجدر الإشارة إلى أن الاستدعاء الذي يوجهه المشغل إلى الأجير من أجل الاستماع إليه ومواجهته بالخطأ المنسوب إليه لا يعد منتجا لآثاره القانونية إلا إذا أرفق بما يفيد توصل الأجير به بالبريد المضمون أو بأي وسيلة تبليغ أخرى. وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار لها (17) ورد فيه : «لكن من جهة أولى فإن الاستدعاء الموجه إلى المطلوب من قبل الطالبة من أجل الاستماع إليه ومواجهته بالخطأ المنسوب إليه، طبقا لما تنص عليه المادة 62 من مدونة الشغل، هذا الاستدعاء لا يعتبر منتجا لآثاره القانونية إلا إذا أرفق بما يفيد توصل الأجير به (المطلوب) بالبريد المضمون أو بأية وسيلة أخرى. ومن تم فلا يكفي الإدلاء بما سمي بورقة الحضور التي لا تحمل توقيع المطلوب لإثبات تغيبه عن جلسة الاستماع إليه وعدم احترامه لهذه المسطرة بل إنه في حالة توصل الأجير بالاستدعاء للحضور لجلسة الاستماع إليه وتغيبه فإن المشغلة ملزمة قانونا بتطبيق مسطرة الفصل من العمل إلى نهايتها والمنصوص عليها بالمادة 62 وما يليها من مدونة الشغل وهو أمر لم يتم في النازلة مما يعتبر معه الطرد الذي تعرض له المطلوب يكتسي طابع التعسف وهو ما انتهى إليه القرار والوسيلة لا سند لها»

وإجراءات الاستماع إلى الأجير يجب أن تتوج بمحضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة، يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه إلى الأجير (18). والأمر لا يخلو من فرضيتين: إما قبول الطرفين إتمام مسطرة الاستماع. وإما رفض إجراء هذه المسطرة بالمرة أو رفض إتمامها إن هما وافقا الدخول فيها بداية. ونبدأ بالحالة الأخيرة، حيث تنبه المشرع إلى مثل هذه الفرضية لما نص في الفقرة الأخيرة من المادة 62 من المدونة إلى أنه : «إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل» وهذا الإجراء وجوبي، حيث يتعين على طرفي العلاقة الشغلية اللجوء إلى العون المكلف بتفتيش الشغل عندما يرفض أحدهما إجراء أو إتمام هذه المسطرة. أما بالنسبة للفرضية الأولى فإنه كما سبق وقلنا فإن هذه المسطرة تتوج بتحرير محضر في الموضوع. وإذا كان المشرع لم يحدد موضوع ومضمون هذا المحضر، فإن مضمونه ينحصر في كل ما راج في جلسة الاستماع، وبالأخص البحث في طبيعة الخطأ المنسوب إلى الأجير وطبيعته وتاريخ ارتكابه وبيان أوجه دفاع الأجير عن كل ذلك.

 

 

– ثانيا : تبليغ مقرر الفصل إلى الأجير.

إن المقصود من إجراء جلسة بين المشغل والأجير حول طبيعة الخطأ المنسوب إلى هذا الأخير، هو دفاعه عن نفسه حتى إذا اقتنع المشغل بذلك خرج الطرفان بحل للمشكل يكون مرضيا للجميع. لكنه في كثير من الحالات تكون هذه الجلسة هي عبارة عن إجراء شكلي لاحترام فصل الأجير، متى علمنا يقينا أنه في جميع الحالات إن لم نقل كلها يفوض المشغل من ينوب عنه في مثل هذه الجلسات، وأن هذا النائب يتشبث بجسامة الخطأ الذي قد يكون ارتكبه الأجير. وعليه فإنه بعد الاستماع إلى الأجير واقتناع المشغل بارتكابه للخطأ الجسيم، يكون لازما عليه كإجراء ثاني من إجراءات هذه المسطرة تبليغ مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل، أوبواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل ثمانية أيام وأربعين ساعة من تاريخ اتخاذ مقرر الفصل (19).

وبتحديد المشرع طريقة تبليغ الأجير بمقرر فصله، يكون قد أغلق الباب أمام المشغلين الذين يدعون أنهم بلغوا الأجير بهذا المقرر بصفة شفوية. بل إن المشرع حتى لما اعتد بطريقة التبليغ يدا بيد فإنه اشترط ضرورة وجود وصل يثبت ذلك. وهو ما قضت به محكمة النقض في قرار لها (20) اعتبرت فيه أن للمشغل الخيار بين طريقتين لتسليم مقرر الفصل التأديبي إلى الأجير إما بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو تسليمه المقرر يدا بيد مقابل وصل، أما عدا ذلك فلا يعتد به قانونا كالتبليغ بالعقوبة التأديبية شفويا في المجلس التأديبي.

وإذا كان المشرع المغربي لم يحدد أجلا معينا يتقيد به المشغل من أجل إصدار قراره بفصل الأجير من العمل الذي تبين له أنه ارتكب خطأ جسيما، فإن المشرع الفرنسي (21) ألزم المشغل انتظار يوما كاملا ابتداء من تاريخ استدعاء الأجير للمحادثات معه. وهذا توجه محمود منه توخى منه تهدئة خاطر المشغل ومساعدته على اتخاذ قراره بعيدا عن حالة الغضب التي قد يكون عليها جراء تلفظ الأجير بعبارات غير مستساغة (22).

ثالثا: تسليم مقرر الفصل إلى مفتش الشغل.

زيادة في الضمانات المحاطة بمسطرة الفصل، ألزم المشرع ضرورة تبليغ الفصل ليس فقط إلى الأجير وإنما أيضا إلى العون المكلف بتفتيش الشغل عن طريق توجيهه نسخة من مقرر الفصل (23) ، والملاحظ بأن إعلام مفتش الشغل بمقرر الفصل لم ينظمه المشرع بكيفية واضحة، ذلك أنه من جهة أولـــى لم يحدد الطريقة التي توجه بها نسخة من مقرر الفصل إلى مفتش الشغل لإعلامه بفصل الأجير، كما أن نفس المادة لم تقيد المشغل بقيد زمني لهذا الإعلام، وهو خلاف لما كان معمول به في إطار الفصل السادس من قرار 23 أكتوبر 1948 الملغى، والذي كان يوجب على المشغل إخبار العون المكلف بالتفتيش بمقرر فصل الأجير في ظرف ثمانية أيام ابتداء من ثبوت الخطأ المنسوب للأجير. ومن جهة ثانية لم ينص المشرع على التدابير المزمع اتخاذها من طرف ذلك العون بعد إبلاغه بمقرر الفصل المذكور. وهنا نؤكد أن ما يمكن أن يقوم به المفتش هو محاولة إجراء تصالح بين طرفي العلاقة الشغلية. وهذا الإجراء كسابقه يعتبر ضروريا تحت طائلة بطلان مسطرة الفصل. وهذا ما سبق أن أكدته محكمة النقض في قرار لها (24) جاء فيه: «على رب العمل إذا أراد أن يفصل العامل لارتكابه خطأ أن يخبره بذلك بواسطة رسالة وأن يبلغ إلى مفتش الشغل نسخة منها».

ولا يفوتنا القول في هذا المقام أن مقرر الفصل يجب أن يتضمن الأسباب المبررة لاتخاذه وتاريخ الاستماع إليه (25) ، باعتباره يشكل المصدر الوحيد للمحكمة للنظر في أسباب وظروف فصل الأجير لخطأ جسيم. كما أنه يجب أن يشار في ذلك المقرر إلى أن أجل رفع دعوى الفصل أمام المحكمة الابتدائية المختصة هو أجل تسعين يوما من تاريخ توصل الأجير به (26) .

ونؤكد هنا أن مسطرة الفصل تعتبر مسطرة آمرة، لأنها جاءت بصيغة الوجوب، وكل خرق لها يغني المحكمة عن البحث في طبيعة الخطأ الجسيم المدعى به من طرف المشغل، ما دام أن ذلك الخرق المسطري يضفي على الفصل الصبغة التعسفية.

وبهذا نقف على أن المشرع في تشريع الشغل حدّد شكليات معينة يجب احترامها لفصل الأجير من الشغل، متخللة بآجال تعتبر من النظام العام، وعلى الملزم بها احترامها تحت طائلة ضياع حقه ، باعتبار أنها آجال مسطرية مؤطرة بفترة زمنية محددة، و نسجل هنا أن هذه الآجال تخضع لوقف الآجال المنصوص عليه في المادة السادسة من المرسوم أعلاه المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، ويأتي ذلك إذا استعصي احترامها بسبب حالة الحظر الصحية التي فرضتها بلادنا منذ العشرون من مارس من هذه السنة أمام الصعوبة التي يجدها المشغل عند تفعيل مسطرة الاستماع الى أجيره داخل أجل ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي ارتكب فيه الفعل المنسوب إليه في ظل الحجر الصحي، كما تبرز هذه الصعوبة كذلك عند الاستعصاء على المشغل تسليم مقرر العقوبة أو مقرر الفصل إلى العامل سواء يدا بيد  مع ما يصاحب ذلك من احتمال العدوى بفيروس كورونا أو بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل ، مع استحضار أن كل الوسائل التي تسهل ذلك معطلة بحكم أنها تدخل ضمن الوسائل و المهن التي فرض عليها التوقف للسبب نفسه، و أنه يصعب بالتالي احترام المدة المقررة لذلك و هي ثمانية و أربعين ساعة ، و قس على ذلك النسخة من مقرر الفصل أو رسالة الاستقالة التي يجب أن توجه إلى العون المكلف بتفتيش الشغل. و عليه فإنه متى استعصى على المشغل القيام بهذه الاجراءات الشكلية وفق الآجال المحددة في تشريع الشغل فإنه سيستفيد من ضمانة وقف هاته الآجال إلى حين انتهاء الحجر، و أنه يسهل من جانبه إثبات المبررات التي منعته من استيفاء المسطرة بآجالها خلال الوقت المحدد ما دام أن الفصل كان في زمن الحجر الصحي.

الفقرة الثانية

الآجال المتضمنة لإجراءات فصل الأجراء  لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولات

إن المشغل الذي ينوي الفصل الاقتصادي لأجرائه عليه التقيد بمجموعة من الإجراءات المتضمنة لآجال، وإلا عدّ الفصل تعسفيا من جانبه، فمرحلة البت في طلب الفصل الاقتصادي، تشكل أخطر المراحل التي يمر منها هذا النوع من أنواع الفصل، وذلك لكون القرار الذي ينجم عنه يتوقف عليه ضمان استقرار علاقات الشغل، ويحكم مصير الأجراء الذين يشملهم الفصل، ونظرا لكون قرار الإذن يمس جوانب متعددة، أمنية واقتصادية واجتماعية (27) فإن المشرع المغربي ألزم المشغل بإشراك ممثلي الأجراء، بتبليغهم واستشارتهم والتفاوض معهم، بل إنه ذهب أبعد من ذلك حينما حدد للمشغل المذكور العناصر التي يجب عليه الأخذ بها لاختيار الأجير أو الأجراء المرشحين للفصل، تضمنتها المادة 71 من مدونة الشغل. وعلى العموم فبخصوص إجراءات الفصل لأسباب اقتصادية، فإنها تتجلى كالآتي.

أولا – تبليغ مندوبي الأجراء أو لجنة المقاولة والممثلين النقابيين واستشارتهم والتفاوض معهم (28)

نصت المادة 66[1] من مدونة الشغل على أنه : «يجب على المشغل في المقاولات …والذي يعتزم فصل الأجراء… لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها، أو لأسباب اقتصادية، أن يبلغ ذلك لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل، وأن يزودهم في نفس الوقت بالمعلومات الضرورية التي لها علاقة بالموضوع، بما فيها أسباب الفصل وعدد وفئات الأجراء المعنيين والفترة التي يعتزم فيها الشروع في الفصل، ويجب عليه أيضا استشارتهم والتفاوض معهم من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل، أو تخفف من آثاره السلبية، بما فيها إمكانية إعادة الإدماج في مناصب شغل أخرى…»

إذن، فقد نصت مدونة الشغل على إلزام المشغل بالتفاوض معهم، من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل أو الإغلاق، أو تخفض من آثارهما السلبية، بما في ذلك إمكانية إعادة الإدماج في مناصب شغل أخرى، طبقا للفقرتين الأولى والثانية من مدونة الشغل، وأن من مستجدات المدونة في هذا المجال إلزام المقاولة بتحرير محضر بنتائج الاستشارات والمفاوضات السالفة، موقع من الأطراف المعنية، مع تسليم نسخة منه لمندوبي الأجراء وتوجيه نسخة أخرى إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 66 من مدونة الشغل.

ولم يحدد المشرع طريقة أو كيفية التبليغ هل عن طريق البريد المضمون أم العادي أم التبليغ بأية وسيلة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة، وهي إخبار مندوب الأجراء والممثلين النقابيين برغبة المشغل في الفصل وأنه مادام أن المشرع لم يحدد طريقة معينة للتبليغ، فعبء إثبات ذلك سيقع على عاتق المشغل لإثبات أنه قام بهذا الإجراء المسطري، الذي تكون الغاية منه هو محاولة إيجاد حلول إيجابية لتفادي الفصل.

وعلى العموم، فالفصل لأسباب اقتصادية يشكل خطرا على الأجير، لهذا أشرك المشرع الأجراء من خلال ممثليهم في هذه العملية، حتى يتسنى لهم تفادي هذا الفصل، حيث أصبح بإمكانهم التدخل قبل تبليغهم من طرف مشغلهم بالصعوبات التي تمر منها المقاولة
أو المؤسسة، باستشارتهم في الصعوبات التي تعرقل سير المؤسسة. ومن تم فإنه أصبح لممثلي الأجراء دورين مزدوجين: أولهما وقائي، وثانيهما عملي، هذا وإن الدور الوقائي يتم الشروع فيه أثناء سريان المؤسسة بتفادي ومنع فصل الأجراء بالوسائل المتوفرة لدى تمثيلية الأجراء في المقاولة .

 

 

ثانيا – تقديم الطلب أمام المندوب الإقليمي المكلف بالشغل

يتوقف فصل الأجراء لأسباب اقتصادية كذلك على تقديم طلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، حيث يكون الطلب مرفقا بجميع الإثباتات الضرورية وبمحضر المشاورات والتفاوض مع ممثلي الأجراء، وهذه الإثباتات تتمثل في:

– تقرير يتضمن الأسباب الاقتصادية التي تستدعي تطبيق مسطرة الفصل،

– بيان حول الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة،

– تقرير يضعه خبير في المحاسبة أو مراقب في الحسابات.

ويجب على المندوب الإقليمي المكلف بالشغل أن يجري كل الأبحاث التي يعتبرها ضرورية، وأن يوجه الملف داخل أجل لا يتعدى شهرا واحدا من تاريخ توصله بالطلب، إلى أعضاء لجنة إقليمية يرأسها عامل العمالة أو الإقليم لدراستها والبت فيها داخل أجل أقصاه شهران.

ثالثا – الحصول على إذن عامل العمالة أو الإقليم واحترام عناصر الفصل لكل فئة مهنية من الأجراء

إلى جانب إجراء تبليغ ممثلي الأجراء واستشارتهم والتفاوض معهم، هناك إجراءين آخرين، يتمثلان في ضرورة الحصول على إذن عامل العمالة أو الإقليم، وكذلك احترام معايير الفصل لكل فئة مهنية من الأجراء حتى لا يوصف الفصل الذي يقدم عليه المشغل بالتعسفي.

وسوف نعالج هذين الإجراءين الأخيرين على التوالي:

– أ/ الحصول على إذن عامل العمالة أو الإقليم.

أصبح للإدارة دور في مسطرة الفصل الاقتصادي، مع اختلاف أهمية هذا الدور باختلاف الأنظمة التشريعية، وقد اختار المشرع المغربي أسلوب «الإذن الإداري» سواء في ظـل مرسوم 14/08/1967 الملغى (29) أو من خلال مدونة الشغل، حيث نصت المادة 67 من هذه المدونة على وجوب الحصول على إذن (30) يجب أن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم، في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، ويكون طلب الإذن مرفقا بجميع الإثباتات الضرورية وبمحضر المشاورات والتفاوض مع ممثلي الأجراء، زيادة على مجموعة من الوثائق والإثباتات الأخرى ، وذلك داخل أجل شهر من تاريخ توصل المندوب الإقليمي بالطلب ويوجه الملف إلى لجنة إقليمية يرأسها عامل العمالة أوالإقليم، والذي سيكون عليه اتخاذ أحد الموقفين التاليين :

* الموقف الأول : المنح الصريح للإذن بالفصل أو الإغلاق داخل أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم المشغل لطلب الحصول على ذلك الإذن إلى المندوب المكلف بالشغل.

* الموقف الثاني : رفض منح الإذن بالقرار داخل الأجل المذكور.

وفي الحالتين معا، يجب أن يكون القرار الصادر عن العامل معللا (31) ومستندا على الخلاصات والاقتراحات التي توصلت إليها اللجنة الإقليمية.

ويترتب على عدم احترام مسطرة الفصل جعل هذا الأخير تعسفيا. جاء في قرار محكمة النقض أنه (32) : «لا حق للمشغل أن يقوم بفصل العمال بسبب تخفيض الإنتاج إلا بعد استئذان السلطة الإدارية وحصوله على الإذن بذلك، ويعتبر فصل العمال الذي لم يراع فيه الإجراء المذكور فصلا تعسفيا».

وتجدر الملاحظة أن الحصول على الإذن يجب أن يكون قبل إقدام المشغل على الفصل، وإلا اعتبر الفصل تعسفيا، حتى ولو حصل ذلك الإذن بعد فترة من الفصل، جاء في قرار المحكمة أعلاه (33) : «لما ثبت لدى محكمة الموضوع أن الطرد الجماعي للعمال تم قبل الحصول علـى الترخيص الإداري بذلك واستخلصت عن صواب أن الطرد الذي تم على هذا النحو يعتبر طردا تعسفيا مما تكون معه المحكمة قد بنت قضاءها على أساس سليم. إن استخلاص الصبغة التعسفية للطرد يدخل في نطاق السلطة التقديرية لقضاة الموضوع ولا رقابة عليهم في ذلك إلا من حيث التعليل».

وفي الأخير نتساءل عن طريقة طلب الحصول على إذن العامل كإجراء لابد منه يقوم به المشغل؟

برجوعنا إلى المواد من 66 إلى 71 من مدونة الشغل المتعلقة بالفصل المذكور، لم نعثر على أي مقتضى يهم طريقة الحصول على ذلك الإذن، بخلاف ما كان معمولا به في مرسوم 14/08/1967 الملغى الذي كان ينص على ما يلي : «إن طلب إعفاء المستخدمين دون تعويضهم بغيرهم كلا أو بعضا يوجه في رسالة مضمونة مشفوعا بجميع الإثباتات المقيدة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل الذي سلمه مذيلا برأيه إلى العامل». وفي اشتراط المشرع توجيه طلب إعفاء الأجراء في شكل رسالة مضمونة الوصول، تسهيلا لعملية الإثبات وخاصة ما يتعلق بتحديد تاريخ الإرسال، الذي يعتبر مسألة ضرورية لحساب أجل رد السلطات العمومية هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تدخل مفتشية الشغل في طلب الفصل وهو ما لم يتأت في مدونة الشغل، يسجل غياب تلك المفتشية سواء أثناء الفصل أو الإغلاق. لهذا ندعو المشرع بإشراك مفتشية الشغل عند الفصل الاقتصادي للأجراء، نظرا لتعدد الآثار التي تنجم عن الفصل وتجاوزها للإطار الاقتصادي إلى الاجتماعي (34).

بعد استيفاء إجراءي تبليغ ممثلي الأجراء واستشارتهم والتفاوض معهم، وكذلك الحصول على إذن عامل العمالة أو الإقليم، يلتزم المشغل بإجراء ثالث يكمن في احترام عناصر الفصل لكل فئة مهنية من الأجراء، حتى تكتمل مسطرة الفصل الاقتصادي، وبالتالي يصبح فصل الأجراء مبررا. فما هو مضمون هذا الإجراء الأخير ؟

-ب/ احترام عناصر الفصل لكل فئة مهنية من الأجراء

بعد أن كان المشغل يتمتع بحرية واسعة في اختيار الأجير أو الأجراء المرشحين للفصل الاقتصادي، عمد المشرع إلى وضع عناصر لاختيار هؤلاء الأجراء، الشيء الذي أدى إلى الحد من حرية ذلك المشغل.

وإذا كانت أغلب التشريعات قد حاولت التوفيق بين البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي، فإن التشريع الألماني ركز على البعد الأخير فقط في عملية الفصل الاقتصادي للأجراء، إذ نص على أنه : «إذا أنهيت خدمة أجير بسبب ضرورات قاهرة تتصل بالنشاط الذي تقوم المؤسسة على استغلاله، فإن الإنهاء لن يكون مبررا من وجهة النظر الاجتماعية متى لم تراع بقدر كافي، عند اتخاذ المشغل لقراره الاعتبارات الاجتماعية …. وذلك ما لم تفرض مصلحة المنشأة، بسبب ضرورات ذات طبيعة فنية أو اقتصادية أو ضرورات ذات طبيعة فنية أو اقتصادية أو ضرورات أخرى مشروعة، استمرار شغل أجير محدد أو بعض الأجراء لوظائفهم» (35). وتبعا لذلك يجب اختيار الأجير المرشح للفصل طبقا للعناصر الاجتماعية، وعلى هذا الأخير أن يقيم الدليل على الوقائع الدالة على الإنهاء إذا لم يكن مبررا من وجهة النظر الاجتماعية.

ونص المشرع المغربي في المادة 71 من مدونة الشغل على ثلاثة عناصر للفصل الاقتصادي، تتمثل في الأقدمية، القيمة المهنية، والأعباء العائلية. و أن هذه الأخيرة جاءت على سبيل المثال.

وبهذا فإن المشرع المغربي نص على ثلاثة إجراءات يتم اعتمادها من أجل فصل الأجراء لأسباب اقتصادية.

و نستنتج ممّا سبق أن تشريع الشغل المغربي حدد مجموعة اجراءات شكلية تحمل بين طياتها آجال محددة ، و على المشغل الذي يعتزم فصل أجرائه لأسباب اقتصادية احترامها و إلاّ عدّ فصله للأجراء تعسفيا . وهنا لا بد أن نستحضر حالة الحجر الصحي و ما يواكبها من اجراءات كثيرة قد تصعّب من مهمة المشغل في هذا الصدد. و بالأخص فيما يتعلق بالآجال كما هي محددة أعلاه، من قبل إعلام المشغل لمندوبي الأجراء و الممثلين النقابيين بالمقاولة قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ فتح مسطرة الفصل، وأجل شهرين كحد أقصى المتعلق بالإذن الذي يجب أن يسلمه عامل العمالة أو الاقليم من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الاقليمي، بالإضافة إلى الأجل المحدد في شهر من تاريخ توصل  هذا الأخير بالطلب من أجل اجراء الأبحاث التي يعتبرها ضرورية. و كل هاته الآجالات لا شك قد يصعب على المشغل و الملزمين بها استيفائها في ظل الحجر الصحي. و هنا متى ثبتت الصعوبة في احترامها فإنها تخضع للوقف المنصوص عليه في المادة السادسة من المرسوم بقانون أعلاه، و لا تستمر في السريان إلا بعد رفع الحجر الصحي.

وخلاصة القول فإن مدونة الشغل المغربية كغيرها من القوانين الحديثة و المستجدة تضمنت قواعد الموضوع و قواعد الشكل، و أن هذه الأخيرة تضمنت آجالات قانونية، يجب احترامها و إلا اعتبر الفصل الذي يقوم به المشغل سواء في إطار الفصل التأديبي أو الفصل الاقتصادي تعسفيا في حالة خرق أحد هذه الآجال أو كلها، و أنها تسري عليها مقتضيات المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292  الصادر بتاريخ 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و اجراءات الاعلان عنها و التي تقضي بإيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها على أن يستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.

 

 

 

الهوامش

  • مرسومين صادرين بالجريدة الرسمية السنة التاسعة بعد المائة عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020).
  • أنظر الموقع:

https://www.elbotola.com/article/2020-03-19-20-40-650.html

  • https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%84/
  • الرازي ، فخر الدين محمد بن عمر – التفسير الكبير- بيروت: دار الكتب العلمية – ط الأولى – س 1421 _ ج.14 – ص 56.
  • الألوسي ، أبو الفضل شهاب الدين- روح المعاني في تفسير القران العظيم و السبع المثاني، بيروت: دار احياء التراث، د. ت- ج. 20 –ص 37.
  • الفصل 127 من ق. ل. ع.
  • الفصل134 من ق. ل. ع.
  • الفصل130 من ق.ل.ع.
  • الفصل130 من ق.ل.ع.

(10) الفصل 132 من ق.ل.ع.

  • الفصل 133 من ق.ل.ع.
  • – قرار ع 5225 بتاريخ 17 أكتوبر 2006 في الملف الاجتماعي ع. 201/2006/5. قرار غير منشور
  • – قرار ع 426 بتاريخ 15 أبريل 2009 في الملف ع 822/5/1/2008. منشور بنشرة قرارات المجلس الأعلى المتخصصة. ع7. م س. ص 87 وما يليها.
  • ذ. التجاني أحمد الزاكي. إجراءات إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة من طرف المشغل. الندوة الجهوية التاسعة بعنوان “عقود العمل و المنازعات الاجتماعية من خلال اجتهادات المجلس الاعلى” بتاريخ 05/06 يوليوز 2007. مطبعة الأمنية الرباط 2007. ص 275.
  • قرار ع. 1106 بتاريخ 10 دجنبر 2002 في الملف الاجتماعي ع. 991. غير منشور.
  • ذ. عبد اللطيف خالفي. الوسيط في مدونة الشغل. ج1: علاقات الشغل الفردية – ط1 – المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش 2004 – ص448.
  • – قرار ع. 1061 بتاريخ 12 نونبر 2008 في الملف الاجتماعي ع. 69/5/1/2008. قرار غير منشور.
  • – الفقرة الثانية من المادة 62 من م. ش.
  • – الفقرة الأولى من المادة 63 من م. ش.
  • – قرار ع.426 بتاريخ 15 أبريل 2009 في الملف ع.822/5/1/2008. قرار غير منشور
  • – جاء في المادة L14-122 من قانون العمل الفرنسي ما يلي:

«Que la lettre qui notifie le licenciement pour motif disciplinaire au salarié, doit être envoyée au plus tard un mois après la date du premier entretien préalable »

  • ذة. زهرة أيوب. مسطرة الاستماع للأجير على ضوء العمل القضائي. رسالة لنيل ددع م المتخصصة في المهن القضائية. جامعة محمد الخامس السوسي الرباط. س ج 2007/2008. ص 42.
  • – الفقرة الأولى من المادة 64 من م.ش .
  • – قرار بتاريخ 09 مارس 1987 في الملف الاجتماعي ع. 8589/86. أشار إليه يوسف الصواب. القواعد القانونية المنظمة لإجراءات إنهاء عقد الشغل في حالة الخطأ الجسيم مع تقييم لمدلول الخطأ في ضوء النصوص القانونية والعمل القضائي. الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي. 1979 ص 153.
  • – الفقرة الثانية من المادة 64 من م. ش.
  • – الفقرة الأخيرة من المادة 65 من م. ش.
  • ذ. الصديق بزاوي .م س.ص 55.
  • – لم يميز المشرع المغربي ما بين مصطلحي«الإستشارة» و«الإخبار»، وكذلك الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي،غير أن القضاء الفرنسي حاول إقامة الفرق بينهما سعيا منه لتحديد المقصود من الاستشارة الفعلية، لكنه لم يذهب إلى حد وجود فارق زمني ما بين هاتين المرحلتين.
  • كان هذا النوع من الفصل يخضع للقواعد العامة الخاصة بإنهاء عقد العمل غير محدد المدة، وقد أعاد المشرع المغربي تنظيم الفصل الاقتصادي بمقتضى ظهير 31/10/1940، الذي يعد أول نص مغربي ينظم الفصل الاقتصادي، من تم أصبح المشغل ملزما بإتباع إجراءات مسطرية محددة، تنحصر في ضرورة استصدار موافقـة السلطــات الإدارية المختصة عند كل إغلاق كلي أو جزئي للمؤسسة أو المقاولة، وكذا عند كل فصل كلي أو جزئي للأجراء، ليعوض هذا الظهير بالمرسوم الملكي المؤرخ في 14/08/1967، الذي حافظ على نظام الإذن الإداري، مع العلم أنه لم يأت بمستجدات، إلى أن صدرت مدونة الشغل المغربية.

ذة. فاطمة حداد. الاعفاء لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية و إغلاق المقاولات (دراسة مقارنة). أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص. جامعة الحسن الثاني عين الشق. كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالدار البيضاء. السنة الجامعية 2004/2005. ص 8.

  • – أخضع مشرعنا المغربي «الفصل الاقتصادي» إلى مسطرة خاصة لا علاقة لها بالإنهاء العادي لعقد الشغل غير محدد المدة، إذ ألزم المشرع المشغل بضرورة الحصول على إذن إداري قبل القيام بفصل الأجراء، وهو ما يمثل رقابة عليه.

ذة.فاطمة حداد. م.س. ص 10.

  • – فيما يتعلق بتعليل القرارات الإدارية، فإن هناك ظهيرا شريفا صادرا بتاريخ 23/07/2002، بتنفيذ القانون رقم 03-01، بخصوص إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية، ويقضي بأن القرارات السلبية يجب أن تكون معللة فبالأحرى القرارات الإيجابية، وهذا من شأنه أن يمنح لكل من له مصلحة الطعن في القرار الإداري داخل أجل شهرين، طبقا للفصل 360 من ق.م.م، كما أحال عليه المرسوم نفسه، تبعا للمادة 6 منه والمادة 23 من القانون رقم 90-41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية.
  • – قرار محكمة النقض. ع 201. مؤرخ في 16/06/1971. مشار إليه في مجلة قضاء المجلس الأعلى .ع 25. س 5 /5/1980 – ص من 170 إلى 173- كما نشر بمجموعة قرارات المجلس الأعلى – المادة المدنية ج.1- س 1966 -1982. ص من 523 إلى 525 .
  • – بتاريخ 02/03/1989 في الملف الاجتماعي ع.01/27/1986. قرار غير منشور.
  • ذ. الصديق بزاوي – قانون الشغل / الفصل لأسباب اقتصادية – دار النشر المغربية – عين السبع الدار البيضاء .1999 – شص 52 وما يليها.
  • ذ. الصديق بزاوي. م س. ص76.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى