في الواجهةمقالات قانونية

فض المنازعات التجارية بين الوساطة والتحكيم في ضوء القانون والقضاء

” فض المنازعات التجارية بين الوساطة والتحكيم في ضوء القانون والقضاء”

أنس المدن

باحث بماستر القانون المدني والأعمال بطنجة

مقدمة :

عرف العالم في العقود الأخيرة إلى بروز ما يصطلح عليه بأزمة العدالة، وذلك نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعرفها العالم، وكذلك لعدم قدرة القضاء على مواكبة هذه التطورات، ومن هنا، عملت جل التشريعات المقارنة على البحث عن وسائلة جديدة بدلا للقضاء حتى تتمكن من مسايرة ركب التنمية والتطور الذي فرضته المتغيرات الجديدة لهذا العصر.

ورغبة من المغرب في مسايرة الركب العالمي في ظل ظرفية متميزة بتداخل اقتصاديات مختلفة نتيجة عولمة الأسواق، فقد عمل المشرع المغربي على غرار التشريعات المقارنة على إعادة النظر في المنظومة القانونية المتعلقة بالوسائل البديلة لحل المنازعات لمسايرة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المغرب، والرقي إلى مستوى الحداثة القانونية من أجل تحقيق العدالة وإرساء دولة القانون والمؤسسات.

واستجابة لما دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله[1] ، تمت المصادقة على قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية، بعدما تم نسخ وتعويض أحكام الباب الثامن من القسم الخامس من ق.م.م بقانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، وبموجب هذا القانون، نظم المشرع المغربي التحكيم بنوعيه الوطني والدولي، بالإضافة إلى مشروع القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية,  استجابة لتطلعات المستثمرين والتجار.

فالوسائل البديلة أو السلمية أصبحت تكتسي أهمية كبرى لكونها تمثل مجموعة من الأدوات القانونية لحسم النزاع بشكل متميز عن المقتضيات والمساطر القضائية أمام المحاكم، كما تساهم في خلق عدالة منصفة وسريعة في الزمان والمكان، وذلك إما عن طريق الصلح أو الوساطة أو التحكيم، سواء كانت نزاعات مدنية أو تجارية…إلخ.

وبهذا حق لنا طرح الإشكالية الآتية:

  • إلى أي حد ساهم القانون 08.05 ومشروع القانون 95.17 من تكريس عدالة إرادية بعيدة عن تعقيدات القضاء الرسمي من خلال مؤسستي التحكيم والوساطة الإتفاقية ؟

وارتأينا الإجابة عن هذه الإشكالية وفق التصميم التالي:

      المبحث الأول: التحكيم التجاري في مجال المنازعات التجارية < التحكيم قضاء >

      المبحث الثاني: الوسائل البديلة لتسوية المنازعات التجارية = الوساطة = نموذجا =

 

المبحث الأول: التحكيم التجاري في مجال المنازعات التجارية < التحكيم قضاء >

تكاد تجمع مختلف التشريعات على أن التحكيم قضاء خاص[2], ويراد بالتحكيم  حسب الفصل 306 من القانون 08.05  القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية ” حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم” وهو نفس التعريف الذي تضمنه مشروع القانون رقم 95.17 كذلك المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية, والذي سارت عليه المحاكم بمختلف  درجاتها في أحكامها وقراراتها[3]. ولبيان مدى أهمية  التحكيم في ميدان المنازعات التجارية نرى أنه من اللازم التطرق لأهم أنواعه ومدى أهميته على مستوى التجارة الدولية (المطلب الأول), ثم الحديث عن المسطرة المتبعة بخصوصه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أنواع التحكيم التجاري ومدى أهميته  في عقود التجارة الدولية

أولا: أنواع التحكيم التجاري

 

أ: التحكيم التجاري الداخلي:

أولا لا بد من الإشارة إلا أن وتجدرالإشارة إلى أن تكييف التحكيم لا يخضع أبدا لرغبة الأطراف .

ويكون التحكيم  داخليا متى كانت المنازعة محددة داخل التراب الوطني (انتفاء صبغة المد والجزر).[4]

ب: التحكيم التجاري الدولي:

قام المشرع المغربي في الفصل 40-327[5] من قانون رقم 08.05 بتعريف التحكيم الدولي، مؤكدا أنه يعد كذلك كل تحكيم يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون

لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج، وأضاف في الفقرات الموالية من هذا

الفصل الحالات التي يكون فيها التحكيم  دوليا.

من هذا التعريف، يظهر أن ثمة معيارين للقول بدولية التحكيم: الأول بتعلق بكون المصالح التي لجأ فيها إلى التحكيم تجارية دولية، والثاني يكمن في توافر أطرافه على موطن أو مقر بالخارج.[6]

ومن ثم فإن المشرع المغربي قد سار على نفس النهج الذي تبناه المشرع الفرنسي من خلال المادة 1492 من ق.م.م الجديد، الذي اعتبر أنه “يعتبر دوليا التحكيم الذي يمس مصالح التجارة الدولية, هذا المعيار له طبيعة اقتصادية: طبيعة النشاط الإقتصادي المعني, وطابعه فوق الوطني transnational الذي يحدد الوصف الدولي للتحكيم.[7]

ثانيا: التحكيم قضاء أصيل للتجارة الدولية

إذا كان التحكيم سمة من السمات التي تطبع العصر الحاضر لأهميته في العلاقات التجارية بصفة عامة, فإنه في العلاقات التجارية الدولية = بصفة خاصة = من أهم الوسائل المجدية والفعالة التي تساهم في تنشيط التجارة الخارجية واستقرارها واستتبابها, فلا يكاد يخلوا من عقود التجارة الدولية من التنصيص على أن كافة المنازعات الناشئة عن العقد أو تنفيذه تفض عن طريق التحكيم, وأن النادر منها الذي لا يحتوي على شرط التحكيم يتفق أطرافه حينما يثور النزاع على اللجوء إلى التحكيم لحسمه.

ومن هنا أمكن القول بأن التحكيم قضاء أصيل للتجارة الدولية, والطريق المعتاد لتسوية نزاعاتها والوسيلة الوحيدة الملائمة لمعطياته, وذلك كله يرجع في الغالب إلى غياب الدولة العالمية, وبالتالي إلى إنعدام جهة قضائية دولية, ومن تم كان التحكيم هو المنهج الأمثل لحل الخلافات المتعلقة بالتجارة الدولية, إذ أن أصحاب هذه العلاقات يذعنون ويخضعون لما تمليه عليهم قرارات التحكيم.

ولذلك فإن هناك من الفقه من جعل التحكيم والقضاء الإستعجالي في مرتبة واحدة بالنظر إلى أن هاتين المؤسستين تهدفان إلى سرعة البت في المنازعة المثارة بين الأطراف.[8]

وتجدر الإشارة إلى أن التحكيم التجاري الدولي لا ينتصب منافسا لأي قضاء رسمي ولا يزاحم أية مؤسسة قضائية رسمية بل يساعد القضاء في حل المنازعات بطريقة سريعة وفعالة, مما حدا بالبعض إلى اعتباره قضاء أصيلا على خلاف التحكيم التجاري الداخلي الذي يسلب من القضاء الرسمي للدولة بعضا من اختصاصاته.

المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية المتبعة  في التحكيم  التجاري

أولا: أشكال الإتفاق على التحكيم التجاري

خول المشرع المغربي للأطراف شكلين من أجل سلوك مسطرة التحكيم:

أ_ عقد التحكيم: “وهو الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية”[9]. ويشترط لقيام عقد التحكيم شروط موضوعية هي نفس شروط وأركان[10] العقد بصفة عامة, وأخرى شكلية إذ نص الفصل 315 من ق.م.م على أنه ” يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان[11]:

1- تحديد موضوع النزاع؛

2- تعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها.

يكون العقد لاغيا إذا رفض محكم معين فيه القيام بالمهمة المسندة إليه.

ب_ شرط التحكيم: وقد عرفه الفصل 316 من نفس القانون بكونه ” الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور”.

ولصحة شرط التحكيم لابد من استيفاءه للشروط الواردة في الفصل [12]317 أدناه:

“يجب، تحت طائلة البطلان :

– أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الاتفاق الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه، بشكل لا لبس فيه؛

– أن ينص في شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين وإما على طريقة تعيينهم”.

ثانيا: حكم المحكمين.

يتبع الأطراف المحكمون في مسطرة التحكيم التجاري أثناء النظر ففي النزاع الآجال والإجراءات المقررة بالنسبة للمحاكم الإبتدائية  أو التجارية بحسب طبيعة النزاع المعروض على هيئة التحكيم , وذلك حفاظا على حقوق الأطراف, لكون هذه الإجراءات تتعلق بضمانات أساسية لا يجوز التنازل عنها إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك.[13]

ثالثا: طرق الطعن في الأحكام التحكيمية

لا تقبل الأحكام التحكيمية بأي حال من الأحوال الطعن بالطرق العادية طبقا للفصل 327.34 من ق.م.م.

وهكذا فإنه يمكن أن يكون الحكم الصادرعن الهيئة التحكيمية موضوع إعادة النظر طبقا للشروط المقررة في الفصل 402 من نفس القانون, كما يمكن أن يكون قابلا لتعرض الغير الخارج عن الخصومة مع احترام الفصول 303 و 304 و 305 من ق.م.م.[14]

وقد أجاز المشرع المغربي أن يكون الحكم التحكيمي موضوع الطعن بالبطلان وحدد حالاته وذلك في الفصل 327.36.[15] ويعتبر الطعن بالبطلان من النظام العام أي أن المحكمة تثيره من تلقاء نفسها وذلك إذا تضمن ما يخالف النظام العام بالمغرب, أو إذا كان موضوع النزاع في المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم.[16]

رابعا: منح الصيغة التنفيدية للأحكام التحكيمية

 

أ_ مسطرة منح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيميةالوطنية في المادة التجارية

إن حكم المحكم الصادر داخل المغرب في الميدان التجاري لا يصبح نافذ المفعول, إلا بإعطائه الصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة التجارية المختصة والتي ينفذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو الرئيس اللأول لمحكمة الإستئناف التجارية إذا كان النزاع التجاري معروضا على محكمة الإستئناف التجارية وتم عرضه على المحكمين بناء على اتفاق الأطراف.[17]

وفي هذا الإطار, يودع طلب تذييل حكم المحكمين بالصيغة التنفيذية من لدن أحد المحكمين, ولا يصدر الرئيس أمره إلا بعد التأكد من أن حكم المحكمين غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام أو مشوب بخرق شكليات التحكيم.

كما أن إختصاص رئيس المحكمة التجارية بهذا الشأن يخضع لنفس الشروط المضمنة في الفصل 320 وما يليه من ق.م.م[18].

ب_ مسطرة منح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية الدولية في المادة التجارية :

وقد أكدت محكمة النقض = المجلس الأعلى سابقا = على أن: < المقررات التحكيمية الأجنبية تخضع فيما يهم صيرورتها قابلة للتنفيذ بالمغرب إلى أحكام الفصل الثالث من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 المصادق عليها من طرف المغرب بمقتضى ظهير 1960/02/19 التي تجعل تنفيذ المقرر التحكيمي الأجنبي خاضعا لقواعد المسطرة المتبعة في التراب المستدل فيه بالمقرر, مما يدل على إسناد الإختصاص في هذه الحالة للقانون الوطني موضوع الفصل 320 من ق.م.م, وأن أجل الإيداع موضوع الفصل 320 يهم التحكيم الداخلي والدولي[19]>.

 

 

المبحث الثاني: الوسائل البديلة لتسوية المنازعات التجارية = الوساطة = نموذجا =

تعد الوساطة الإتفاقية إحدى الوسائل الجديدة التي أدخلها المشرع في مجال تسوية النزاعات, ويلعب الوسيط  دورا أساسيا في تسهيل إبرام صلح ينهي النزاع بين الأطراف, بخلاف المحكم الذي يملك سلطة اتخذ القرار والحسم في النزاع.

وللإحاطة بهذا النظام ارتأينا تحديد مفهوم الوساطة الإتفاقية, ثم توضيح العلاقة الرابطة بينها وبين السلطة القضائية (المطلب الأول), ثم الإنتقال للحديث عن المسطرة المتبعة في الوساطة وإبراز الدور البارز الذي يلعبه الوسيط لحسم النزاع (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية الوساطة الإتفاقية وعلاقتها بالقضاء

أولا: مفهوم الوساطة الإتفاقية

بالرجوع للقانون 08.05 السالف الذكر نجده نظم الوساطة الإتفاقية < دون القضائية >, ويقصد باتفاق الوساطة ” اتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد [20].”

وانطلاقا من هذا التعريف يظهر أن اتفاق الوساطة قد يتم بعد نشوء النزاع وفي هذه الحالة يسمى عقد الوساطة, أو يترتب على الإتفاق الأصلي بين الأطراف ويسمى شرط الوساطة[21].

وعقد الوساطة هو ” الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع ناشئ بعرض هذا النزاع على وسيط.

يمكن إبرام العقد المذكور ولو أثناء دعوى مرفوعة أمام المحكمة.[22]

أما شرط الوساطة فهو الإتفاق الذي يتفق من خلاله أطراف عقد على عرض النزاع الذي قد ينشأ بينهم على وسيط, ويجب أن يكون شرط الكتابة متوفرا إما في الوثيقة الأصلية أو في وثيقة تحيل عليه, وتعيين الوسيط، وذلك كله تحت طائلة البطلان.

 

 

ثانيا: السلطة القضائية والوساطة الإتفاقية أية علاقة

تتمثل هذه العلاقة في النقط التالية:

الأولى: إذا عرض على محكمة ما نزاع اتفق في شأنه على الوساطة تعين عليها وجوبا التصريح بعدم اختصاصها ما لم تستنفذ في شأنه مسطرة الوساطة أو ما لم يكن اتفاق الوساطة باطلا، و تتقيد المحكمة بنفس الشيء إذا كان النزاع غير معروض بعد على الوسيط، و يجوز لها في هذه الحالة أن تحدد بناء على طلب الطرف المدعي المدة القصوى التي تراها للشروع في الوساطة تحت طائلة بطلان الاتفاق، غير أن المشرع لا يجيز للمحكمة في الحالتين إثارة عدم اختصاصها تلقائيا ( الفصل 54-327).

الثانية: إذا تم إبرام الوساطة خلال مسطرة جارية أمام المحكمة، حيث يرفع إلى علم المحكمة داخل أقرب الآجال و يترتب عليه وقف المسطرة إلى حين استنفاذ مسطرة الوساطة الاتفاقية ( الفقرة الأخيرة من الفصل 57-327).

الثالثة : إن القضاء هو الذي يمنح عقد الصلح المبرم بين الطرفين القوة الإلزامية، حيث إنه يكون قابلا للتذييل بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختصة محليا للبت في موضوع النزاع( الفصل 69-327).

المطلب الثاني: إجراءات الوساطة وأهمية  دور الوسيط  في فض المنازعة

أولا: إجراءات الوساطة

أ_ إستدعاء الأطراف:

إن الدور الرئيسي للوسيط هو إيجاد حل تفاوضي للمنازعة وأن ذلك لا يتأتى إلا بعد استدعاء أطراف النزاع أمامه, وفي هذا الصدد نص الفصل 327-67  في فقرته الثانية على أنه ” يجب على الوسيط، فور قبوله المهمة المسندة إليه، أن يخبر بذلك الأطراف في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل أو بواسطة مفوض قضائي”.

ب_ البحث والقيام بإجراء تحقيق:

إن حضور أطراف النزاع بصفة شخصية أمام الوسيط سيساعد هذا الأخير على إزالة الحواجز النفسية لا سيما عند وجود خلاف ناتج عن تعارض مصالح الطرفين, وعلى ضوء هذا الإجتماع الحاصل بين الأطراف أمام الوسيط, فإنه يستمع لهما شخصيا ليتمكن من تقريب وجهات نظرهم  (الفصل 327-68), كما يجوز له بعد موافقة الأطراف الإستماع إلى أي شخص من الأغيار يكون تدخله مفيدا (الفصل 327-68 الفقرة الثانية), كما يجوز له بناء على شرط اتفاق الطرفين كذلك الإلتجاء إلى أية خبرة تكون مقيدة في النزاع أو الخلاف موضوع الوساطة (الفصل 327-68 الفقرة الثالثة).

ج_ أجل الوساطة: إن مدة الوساطة يجب أن لا تتعدى أجل ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل فيه الوسيط مهمته ويمكن تمديد هذا الأجل باتفاق الأطراف[23], وذلك تماشيا مع خصوصيات المنازعات التجارية التي ترتكز على عنصري السرعة والإئتمان.

د_ سند الصلح:

إن وثيقة الصلح هي المرحلة الأخيرة من عملية الوساطة الناجحة, حيث يدون فيها الوسيط كتابة ما توصل إليه الأطراف من حلول, ويتعين أن يوقع وثيقة الصلح كل من الوسيط وأطراف النزاع[24]. ويكتسي الصلح المتوصل إليه قوة الشيء المقضي به طبقا للفقرة الأولى من الفصل 327-69.

ثانيا: الوسيط مفتاح حل المنازعة

يمكن لكل شخص توفرت فيه المواصفات المطلوبة في الوسيط أن يمارس هذه المهمة, وقد يكون الوسيط شخصا طبيعيا (كخبير قضائي أو محامي مثلا) أو شخصا معنويا (مركز الوساطة), ويقوم الوسيط بالترتيبات اللازمة للوساطة بما في ذلك:

  • ضمان الالتزام بقواعد السلوك المهني في كافة مراحل الوساطة.
  • صياغة الاتفاق وتقديمه للاعتماد من جانب الأطراف وإعداد الصيغة النهائية للتوقيع  أو إدراج أي تعديلات متفق عليها.
  • تيسير الاتفاق فيما يخص تاريخ ومكان وميعاد بدء الوساطة.
  • تنظيم تبادل المستندات بين الأطراف والوسيط.
  • قراءة مستندات طرفي النزاع قبل الوساطة.
  • التواصل مع أي ممثل لكل طرف قبل الوساطة للمساعدة في الإعداد لها.
  • إعداد وحضور أي جلسات سابقة للوساطة وفق البنود المتفق عليها بين الأطراف[25].

وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن الوسيط ليس قاضيا أو حكما، بل هو عنصر محايد تتمثل وظيفته في تيسير المفاوضات بيت الأطراف, ومساعدتهم علة إيجاد حل يناسبها[26]

 

خاتمة :

 

وختاما لا بد من الإشادة بالدور الذي يلعبه القضاء التجاري في تشجيع الاستثمار سواء بالنسبة للمواطنين أو الأجانب من خلال تنصيص المشرع على ترسانة قانونية حديثة تهدف إلى تحديث المنظومة القانونية و القضائية. و في هذا الإطار أحدث المشرع المغربي مؤسسة التحكيم كقضاء خاص يساعد القضاء الرسمي في مهمته  لفض النزاعات, وكذا مؤسسة الوساطة الاتفاقية التي تعد من أهم الوسائل البديلة لحل المنازعات التجارية , و قد تم الوقوف على أهميتها من خلال الحديث عن دورها في حل المنازعات التجارية في ظرف وجيز و بمساطر غير معقدة.

وقد حاولنا من خلال هذا الموضوع الإحاطة بمختلف جوانب مؤسستي التحكيم و الوساطة الإتفاقية, ووقفنا عند الاجتهادات القضائية الحديثة الصادرة عن محكمة النقض ومحاكم الموضوع حيث كرست هاته الاجتهادات مجموعة من القواعد التي من شانها توحيد هذا الاجتهاد من أجل الرفع من مستوى العمل القضائي التجاري .

وبالرغم من كل الإيجابيات والمكاسب السالفة الذكر, يمكن القول بأن وسيلتي التحكيم والوساطة لازالت تعترضها العديد من المشاكل القانونية والواقعية منها ما يتعلق بالفاعلين الاقتصاديين أنفسهم ومنها ما يتعلق بالمحكمين ومراكز التحكيم والوساطة ومنها ما يتعلق بدور القضاء كمساعد وداعم للتحكيم أو بمدى السلطات الممنوحة للمحكمين، أو بالقيود التي تحد من هذه السلطات فضلا عن محدودية التحكيم والوساطة عبر الآليات الرقمية.

لذلك فنحن نرى أنه يتعين سن مجموعة من الإجراءات المواكبة والمصاحبة لدعم مراكز الوساطة والتحكيم وتسهيل ولوج المتقاضين لخدماتها وتعزيز ثقة الناس في الأدوار المنوطة بها.

 

 

لائحة المراجع :

الكتب :

  • الدكتور مصطفى بونجة والدكتورة نهال اللواح: التعليق على قانون التحكيم في ضوء الفقه والقضاء,مطبعة الأمنية, الرباط, الطبعة الأولى 2019.
  • الدكتور مصطفى بونجة والدكتورة نهال اللواح: التحكيم في المواد التجارية الإدارية والمدنية, مطبعة الأمنية ,الرباط, الطبعة الأولى 2015.
  • عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية, مطبوعات المعرفة, مراكش, الطبعة الخامسة 2008.
  • عبد الرحيم بحار: القضاء التجاري والمنازعات التجارية, مطبعة النجاح الجديدة, الدار البيضاء, الطبعة الأولى, 2014.
  • محمد المجدوبي الإدريسي: المحاكم التجارية بالمغرب, شركة بابل للطباعة, الطبعة الأولى 1998.

الرسائل الجامعية :

  • أسماء عبيد: التحكيم في التشريع المغربي, رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص, جامعة محمد الخامس, كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بسلا.

المجلات والدورات التكوينية :

  • مصطفى التراب: نظرات حول القضاء المستعجل, مجلة الملحق القضائي, العدد 36, مارس 2003.
  • العرض الكامل لدورة تكوينية في موضوع التحكيم التجاري والوسائل البديلة لحل المنازعات للدكتورة نهال اللواح و الدكتور مصطفى بونجة 2019-2020.

القوانين ومشاريع القوانين :

  • قانون المسطرة المدنية, ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 , بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974).
  • ظهير 1913 بمثابة قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
  • القانون 08.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية.
  • مشروع القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.

 

الخطب الملكية :

  • خطاب السمو الملكي بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكادير في 29 يناير 2003.

[1] – حيث جاء في خطاب لسموه بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكادير في 29 يناير 2003: (… تجسيدا لنهجنا الراسخ للنهوض بالاستثمار، وتفعيلا لما ورد في رسالتنا الموجهة لوزيرنا الأول في هذا الشأن، فإننا ندعوا حكومتنا لمواصلة الجهود، لعصرنة القضاء، بعقلنة العمل، وتبسيط المساطر وتعميم المعلوميات).

بالموازات مع ذلك، أكد جلالته على ضرورة تنويع المساطر التوافقية، حيث أشار جلالته إلى ذلك في خطاب المشار أعلاه: (يجب تنويع التسوية التوافقية، لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري، الوطني والدولي، ليستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته، ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي).

كما جاء في خطاب آخر بتاريخ 20 غشت 2009 بتطوان أنه: [يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح….].

[2] – د.مصطفى بونجة ودة. نهال اللواح: التحكيم في المواد التجارية الإدارية والمدنية, مطبعة الأمنية,الرباط, الطبعة الأولى 2015, ص1.

[3] – قرار محكمة الإستئناف التجارية بالدر البيضاء,رقم 2008/3289, بتاريخ 2008/06/24.أيضا قرار المجلس الأعلى,عدد129,بتاريخ 2010/01/28,في الملف عدد: 2009/3/3/896, أوردهما د.مصطفى بونجة ودة.نهال اللواح: التعليق على قانون التحكيم في ضوء الفقه والقضاء,مطبعة الأمنية,الرباط,الطبعة الأولى 2019, ص28و29.

[4] – العرض الكامل لدورة تكوينية في موضوع التحكيم التجاري والوسائل البديلة لحل المنازعات للدكتورة نهال اللواح ود.مصطفى بونجة, 2019-2020,ص31.

[5] – نص الفصل 327-40 على أنه : “يعتبر دوليا، حسب مدلول هذا الفرع، التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج.

يعتبر التحكيم دوليا إذا :

  • كان لأطراف اتفاق التحكيم وقت إبرام هذا الإتفاق مؤسسات بدول مختلفة؛

2- أو كان أحد الأمكنة التالي بيانها واقعا خارج الدولة الموجودة بها مؤسسات الأطراف :

أ) مكان التحكيم عندما يكون منصوصا عليه في اتفاق التحكيم أو معينا بمقتضى هذا الإتفاق؛

ب) كل مكان يجب أن ينفذ فيه جزء مهم من الالتزامات المترتبة على العلاقة التجارية أو المكان الذي تربطه أكثر بموضوع النزاع صلة وثيقة؛

3- أو كان الأطراف متفقين صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم يهم أكثر من بلد واحد.

== لأجل تطبيق مقتضيات الفقرة 2 من هذا الفصل، يطبق ما يلي :

أ) إذا كان لأحد الأطراف أكثر من مؤسسة، فإن المؤسسة الواجب اعتمادها هي المؤسسة التي تربطها صلة وثيقة باتفاق التحكيم أكثر من غيرها؛

ب) إذا لم تكن لأحد الأطراف أية مؤسسة قام مقامها محل سكناه الاعتيادية”.

[6] – عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية,مطبوعات المعرفة,مراكش,الطبعة الخامسة 2008,ص327.

[7] – د.مصطفى بونجة ودة.نهال اللواح: التعليق على قانون التحكيم في ضوء الفقه والقضاء, مرجع سابق, ص262.

[8] – مصطفى التراب: نظرات حول القضاء المستعجل, مجلة الملحق القضائي,العدد 36, مارس2003, ص3و5.

[9] – الفصل 314 من قانون المسطرة المدنية.

[10] – راجع الفصل الثاني من قانون الإلتزامات والعقود المغربي.

[11] – وهو ما أكدته محكمة الإستئناف التجارية في قرارها رقم 2006/2259, الصادر بتاريخ 2006/04/25, ملف رقم4/2005/3634, أورده د.مصطفى بونجة ودة.نهال اللواح: التعليق على قانون التحكيم في ضوء الفقه والقضاء, مرجع سابق, ص 56.

[12] – وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها عدد 338/1, الصادر بتاريخ 5/9/2013,في الملف التجاري عدد 1220/3/1/2012, أورده د.مصطفى بونجة ودة.نهال اللواح: التعليق على قانون التحكيم في ضوء الفقه والقضاء, مرجع سابق, ص62.

[13] – عبد الرحيم بحار: القضاء التجاري والمنازعات التجارية,مطبعة النجاح الجديدة, الدار البيضاء,الطبعة الأولى, 2014, ,ص44 و45.

[14] – راجع الفصلين 327-35 و 327-34 من ق.م.م.

[15] – ينص الفصل 327-36 من ق.م.م :

“رغم كل شرط مخالف، تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقا للقواعد العادية أمام محكمة الاستئناف التي صدرت في دائرتها.

== ويكون تقديم هذا الطعن مقبولا بمجرد صدور الحكم التحكيمي. ولا يتم قبوله إذا لم يقدم داخل أجل 15 يوما من تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية.

لا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات الآتية:

1- إذا صدر الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو إذا كان اتفاق التحكيم باطلا، أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم؛

2- إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية أو مخالفة لاتفاق الطرفين؛

3- إذا بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها، أو بتت في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود هذا الاتفاق، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل الغير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها؛

4- إذا لم تحترم مقتضيات الفصلين 23-327 (الفقرة 2) و24-327 فيما يخص أسماء المحكمين وتاريخ الحكم التحكيمي والفصل 25-327؛

5- إذا تعذر على أي من طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغا صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر يتعلق بواجب احترام حقوق الدفاع؛

6- إذا صدر الحكم التحكيمي خلافا لقاعدة من قواعد النظام العام؛

7- في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية التي اتفق الأطراف على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع…”

[16] – أسماء عبيد:التحكيم في التشريع المغربي,رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص,جامعة محمد الخامس,كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بسلا,ص61.

[17] – وهو ما أقره الفصل 327-31 في فقرته الثالثة والرابعة.

[18] – محمد المجدوبي الإدريسي: المحاكم التجارية بالمغرب, شركة بابل للطباعة, الطبعة الأولى 1998, دون ذكر المطبعة, 138.

[19] – قرار عدد 60 بتاريخ 2000/01/19, في الملف التجاري عدد 98/709, منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ,العدد56 , ص425.

[20] – الفصل 327-56 من ق.م.م.

[21] – عبد الكريم الطالب, مرجع سابق, ص 327.

[22] – الفصل 327-59 من ق.م.م.

[23] – راجع المادة 94 من مشروع القانون 96.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية / وكذا الفصل 327-65 من ق.م.م.

[24] – جاء في الفقرتين الخامسة والسادسة من الفصل 327-68 من ق.م.م: “ويحرر ذلك في وثيقة صلح تتضمن وقائع النزاع وكيفية حله وما توصل إليه وما اتفق عليه الأطراف على الشكل الذي يضع حدا للنزاع القائم بينهم.

يوقع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح الذي توصل إليه.

[25] – هناك نموذج مغربي للوساطة (مثال الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM).

[26] – عبد الرحيم بحار, مرجع سابق, ص68.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى