في الواجهةمقالات قانونية

الآليــــات القانونية لتــأهيل المقاولات لمواجهة التحديـــــات

الآليــــات القانونية لتــأهيل المقاولات لمواجهة التحديـــــات

المقدمة

إن التحولات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية أترث بشكل عميق على الأنظمة القانونية بصفة عامة وقانون الأعمال بصفة خاصة، حيث أنه انتقل التشريع من التجريد والقواعد العامة إلى التنميط والقواعد الخاصة نظرا لاختلاف الرهانات والأهداف الاقتصادية. [1]

في ظل هذا التطور أصبح التشريع يستهدف الاستثمار من خلال تكريس مبدأ الأمن القانوني والاقتصادي، وذلك عبر تحسين مناخ الأعمال والتنصيص على آليات قانونية مختلفة تدخل في دائرة قانون الأعمال وتخدم مصالح المقاولات.

من هذا المنطلق تحدد الإشكالية الأساسية لهذا الموضوع، والمتمثلة في مدى نجاعة الترسانة القانونية في تأهيل المقاولات لمواجهة التحديات ومواكبة تطور الظاهرة الاقتصادية؟

يترتب عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات من قبيل:

ما هي الآليات القانونية التي تشجع الاستثمار على مستوى إنشاء المقاولات ومنح الائتمان ؟

ما هي الحلول التي سنها المشرع لإنقاذ المقاولات؟ وما مظاهر تأثير جائحة كورنا كوفيد 19 على التشريع؟

من أجل دراسة وتحليل هذه الإشكالية والتساؤلات، ارتأينا تناول الموضوع وفق الشكل التالي :

المطلب الأول: الآليات القانونية المحفزة للاستثمار

المطلب الثاني: الآليات القانونية المنقذة للمقاولات

 

 

 

 

 

المطلب الأول: الآليات القانونية المحفزة للاستثمار

يتسم قانون الأعمال بتعدد النصوص التشريعية، معظمها تتوجه نحو تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمار اعتماد على آليات قانونية تخدم السرعة والائتمان سواء على مستوى الإنشاء (الفقرة الأولى)، أو على مستوى منح الائتمان (الفقرة الثانية)، بل وحتى العلاقات بين المهنيين (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: الآليات القانونية لتأهيل المقاولات على مستوى الإنشاء

في إطار مواكبة قانون الأعمال للنظم المعلوماتية وبسط المرونة على مستوى إحداث المقاولات، تم سن قانون رقم 88.17[2] المتعلق بإحداث المقاولات بطريقة الكترونية، حيث خول للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية بتدبير منصة إلكترونية ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة بها لحساب الدولة.

وبالعودة إلى مقتضيات المادة 2 من القانون السالف الذكر، فإنه تباشر وجوبا عبر المنصة الالكترونية جميع الإجراءات القانونية المتطلبة لإحداث المقاولات والتقييدات اللاحقة المتعلقة بها في السجل التجاري، وكذا إجراءات نشر البيانات والوثائق المتعلقة بها طبقا للتشريع الجاري به العمل.

وبالتالي يهدف هذا القانون إلى اعتماد الطريقة الالكترونية كوسيلة لتبسيط الإجراءات المتعلقة بإحداث المقاولات وتجاوز التحديات، وتم تقليص الآجال المتعلقة بمختلف مراحل إحداث المقاولات لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي.

وفي هذا الإطار وتجاوبا مع قانون رقم 88.17 أعلاه، ولأجل ملائمة مهام المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية مع الاختصاصات التي أسندت إليه، تمت إضافة مهام جديدة للمكتب بمقتضى القانون رقم 87.17 المغير والمتمم للقانون 13.99 القاضي بإحداث المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية من قبيل: إمساك السجل التجاري المركزي الالكتروني…؛

في ذات الصدد وتناسقا مع القانونين السابقين، جاء القانون رقم 89.17 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، بمجموعة من الأحكام المتعلقة بالسجل التجاري الالكتروني.

ولابد أن نشير إلى القانون رقم 89.17 المتعلق بالتوطين الذي اعتمده المشرع نتيجة التحديات التي كانت تعيق مرحلة إنشاء المقاولات فيما يخص إيجاد مقر للمقاولة.

وبالتالي يسمح القانون 89.17 للتجار والمقاولين تثبيت عنوان المقر سواء بمحل السكنى أو لدى أحد شركات التوطين، مما يشجع المقاولات التي بدأت في نشاطها عبر منحها عنوانا موجها للاستعمال في التعامل مع الأغيار.

وعليه نقول أن هذه الترسانة التشريعية المتتابعة قد أحسن المشرع صنعا عند وضعها، وخير دليل هو ما اتخذته الدولة من إجراءات وتدابير احترازية لمواجهة تفشي وباء كورونا ” كوفيد 19″ بدء من إعلان حالة الطوارئ الصحية بمقتضى المرسوم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ، وكذا المرسوم رقم 2.20.293 الخاص بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي هذا الوباء.

وخلال هذه الظرفية يتم الاعتماد على الرقمنة من أجل التواصل بين الإدارات وبالتالي التواصل حتى بين المقاولات والإدارات المعنية بالقوانين السالف ذكرهما.

الفقرة الثانية: الآليات القانونية لتأهيل المقاولات على مستوى الائتمان

يعتبر الائتمان عصب التجارة، إذ الغالب أن العمليات التجارية تعقد لأجل،[3] وتتعدد تقنيات الائتمان التجاري وأهمها:

أولا – العقود البنكية: نظمت مدونة التجارة العقود البنكية في القسم السابع ابتداء من المادة 487 إلى غاية المادة 544، فالبنوك تمارس نشاطها في إطار منح الائتمان للزبناء سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فأما العمليات البنكية المباشرة نجد الحساب البنكي وبالضبط الحساب بالاطلاع الذي يعتبر العقد الإطار، حيث أنه تمارس في إطاره جميع العمليات البنكية من قبيل القرض والخصم وفتح الاعتماد بشقيه البسيط والمستندي الذي تنظمه الأعراف البنكية والقواعد الموحدة.

وأما العمليات البنكية غير المباشرة فهي تقنيات ائتمانية من خلالها يتم تسهيل المعاملات التجارية وذلك بواسطة الائتمان البنكي بالتوقيع الذي لا يحتاج ضخ النقود من أجل التنفيذ، فهذا ما فرضه عالم المال والأعمال من الثقة وتوفير الوقت، وكمثال نجد خطاب الضمان لدى أول طلب والكفالة البنكية وأخيرا عقد حوالة الديون المهنية التي تعتبر وسيلة من أجل تفويت الديون، حيث أنها عبارة عن عقد بين المهني والمؤسسة البنكية حيث تدعم هذه التقنية عامل الثقة بين المحال له والأبناك من التخفيف من أصول حصيلتها والتخلص من مخاطر الديون عن طريق تفويتها إلى مؤسسة بنكية أخرى، واستجابة للظروف المحيطة بالتجارة ومنها السرعة، فإن هذه العملية تمكن المحيل بتفويت ديون متعددة في مستند واحد   عوض التفويت الأحادي. [4]

ثم عقد شراء الفاتورات المنصوص عليه في المادة 5 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

ثانيا- قانون الضمانات المنقولة: يتضمن هذا الأخير مقتضيات مغيرة أو متممة أو ناسخة لقانونين أساسيين في الترسانة التشريعية وهما الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون الالتزامات والعقود والقانون رقم 95.15 المتعلق بمدونة التجارة.

ويروم القانون أعلاه تحقيق أهداف تتعلق بتسهيل ولوج المقاولات إلى مختلف مصادر التمويل المتاحة عبر تقديم الضمانات المنقولة المتاحة لديها.

بالإضافة إلى تعزيز الحرية التعاقدية من أجل تحقيق الأمن القانوني التعاقدي.

لهذه الغاية أرسى هذا القانون مجموعة من المبادئ مع هيمنة الرهن الحيازي من جهة وتوسيع مجال الرهن بدون حيازة من جهة أخرى ليشمل كافة أنواع المنقولات.

حيث جاء القانون 21.18 بمقتضى يساير الظاهرة الاقتصادية ومميزات التجارة وهو رهن الأموال المستقبلية،[5] كما يسمح بإنشاء ضمانات منقولة لضمان ديون غير محددة المبلغ أو تلك التي يمكن أن تتغير مع مرور الوقت، شريطة إمكانية تحديد سقف المبلغ من هذه الديون. [6]

كما سن القانون على مقتضى جديد وهو رهن الدين سواء الحيازي أو بدون حيازة كرهن الدين الناتج عن الصفقة العمومية، ثم نظم القانون البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية ،[7] علما أن له صور في بعض النصوص القانونية من قبيل المادة 705[8] من مدونة التجارة.

وقد أحدث هذا القانون السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة مما يسمح لهذا الأخير بتجميع كافة المعلومات المرتبطة بالأموال المرهونة وإشهار الرهون بدون حيازة وكذا التقييدات والتشطيبات وهو ما سيشجع أصحاب الأموال المدخرة على تمويل المقاولات حيث ستتوفر لهم صورة متكاملة لوضعية المقاولة.

كما أن القانون تنبه لمسألة تحقيق الضمانة نظرا للصعوبات التي تعترض الدائنين من أجل تحقيق ضماناتهم، فقد تم استحداث آليات قانونية تحفيزية جديدة تسمح بتيسير عملية التحقيق،[9] و منها إمكانية التملك القضائي للدائن عند عدم الأداء والذي يخول للدائن الحصول على المال المرهون بأمر من المحكمة، كما يمكن تحقيق الضمانة بواسطة آليات تعاقدية جديدة لا تستلزم اللجوء إلى القضاء، كالتملك الرضائي عند عدم الوفاء وكذا البيع بالتراضي.

ثالثا- الزيادة في الرأسمال: أوجد المشرع هذه التقنية المالية حينما تواجه المقاولة صعوبات، فتلجأ إلى التمويل الذاتي عن طريق الزيادة في الرأسمال كما جاء في المادة 183 من القانون 95.17 [10] على أنه “يمكن تحرير الأسهم الجديدة بإحدى الطرق التالية:

  • تقديم حصص نقدية أو عينية.
  • إجراء مقاصة مع ديون الشركة المحددة المقدار والمستحقة.
  • إدماج احتياطي أو أرباح أو علاوات إصدار في رأس المال.
  • تحويل سندات القرض.

رابعا- الاندماج:  أوجد المشرع كذلك هذه التقنية والهندسة المالية ونص عنها في المادة 222 من القانون 17-95 حيث قال: “يمكن لشركة ما أن تضمها شركة أخرى أو أن ستترك في تأسيس شركة جديدة عن طريق الاندماج..”، فالاندماج يعتبر آلية للتركيز الاقتصادي من أجل الزيادة في حجم الاستثمارات.

ويساهم في إعادة تأهيل المقاولات وخاصة الصغرى والمتوسطة وخاصة لمواجهة المنافسة الوطنية والدولية، وقد حصل في المغرب سنة 2010 العديد من العمليات الإدماج التي طالت كمقاولات متخصصة في التكنولوجيا الحديثة تمهيدا لإدراجها في بورصة القيم بالدار البيضاء ومواجهة المنافسة الدولية.[11]

 

الفقرة الثالثة: الآليات القانونية لحماية العلاقات بين المقاولات (المهنيين)

من الآليات القانونية التي سنها المشرع لحماية المجال الأعمال نجد قانون حرية الأسعار والمنافسة رقم 104.12 وقانون الملكية الصناعية والتجارية 13-23.

أولا: القانون رقم 12-104 المنظم لحرية الأسعار والمنافسة

من أهداف هذا القانون ضمان حرية الولوج إلى الأسواق دون أي حاجز، وضمان حرية الأثمان عن طريق التنافس الحر، حيث تبنى المشرع حرية الأسعار باستثناء المادة 3 التي تحدد بعض القطاعات التي تتدخل فيها الدولة كالماء والكهرباء، وحسب المادة 4 يمكن أن يكون بصفة مؤقتة نتيجة أزمة أو كارثة، وهذا ما نلاحظه الآن في التدابير المتخذة من قبل الدولة في ظل جائحة كورونا كوفيد 19، حيث حدد سعر الكمامات ومواد التعقيم، ثم المادة 61 التي تمنع الامتناع عن البيع أو تقديم خدمة ماعدا إذا كان الطالب سيء النية.[12]

وتوجب الإشارة إلى أن عقود التوزيع رغم أنها غير منظمة تشريعيا إلا أنها مكرسة قضاءً وعرفا على عكس التشريع الفرنسي في قانون تحديث الاقتصاد، والقضاء الفرنسي كذلك الذي يعتبر الكثير من الشروط بين المهنيين تعسفية وهو ما يسمى بعدم التوازن المؤثر.[13]

وقد تنبه القانون رقم 12-104 إلى ظاهرة التركيز الاقتصادي فنص على ضرورة تبليغ كل عملية تركيز قبل انجازها إلى مجلس المنافسة إذا تحققت بعض الشروط القانونية.

ثانيا: القانون رقم 23.13 المنظم للملكية الصناعية والتجارية

إن الملكية الصناعية هي الحقوق الواردة في براءات الاختراع وتصاميم تشكل الدوائر المندمجة وتسميات المنشأ، وهذه من المستجدات الأخيرة لسنة 2014، ثم العلامات التجارية والاسم التجاري…، هذه الحقوق وضع لها المشرع آليات لحمايتها كما نجد ذلك في المواد 30 إلى 5-50 التي تمتع الاختراع بالحماية القانونية عندما يستصدر عنه صاحبه براءة من مكتب الملكية الصناعية فتخول لصاحبه حماية لمدة 20 سنة من تاريخ إيداع طلب البراءة،[14] وحسب المادة 185 من القانون أعلاه فإن لضحية أعمال المنافسة غير المشروعة أن يقيم دعوى مدنية لوقف تلك الأعمال، إضافة إلى المطالبة بالتعويض إذا كان موجبا، أو دعوى التزييف التي لا تشترط حصول الضرر، لهذا السبب استعمل المشرع صيغة “التعويض إذا كان موجبا”.[15]

 

 

المطلب الثاني: الآليات القانونية المنقذة للمقاولات

يتميز قانون الأعمال عن القوانين الأخرى من حيث أهدافه وارتباطه بالوقائع، حيث نكاد أن نقول أنه يعتمد على سوسيولوجية  القاعدة القانونية، من خلال تنظيم العلاقات الاقتصادية والتجارية، وحرصا من المشرع على الحفاظ على النسيج الاقتصادي ونشاط المقاولات من خلال إنقاذها من الصعوبات أقر مجموعة من الآليات القانونية على مستوى قانون رقم 17-73 المنظم لمساطر صعوبات المقاولة    (الفقرة الأولى)، كما أنه دائم التدخل أثناء الحالات الاستثنائية والصعبة اقتصاديا وعينه على الظاهرة الاقتصادية كما هو الحال للتدابير المتخذة في هذه الظرفية الاستثنائية التي فرضها وباء كوفيد19 (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: قانون 73.17 كآلية قانونية لإنقاذ المقاولات

تدخل المشرع وفق المداخل العامة في قانون الالتزامات والعقود من قبيل الفصل 231، ذلك من أجل تطوير النظام العام الاقتصادي، فنظم قانون 17-73 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة الذي يعد تطبيقا لنظرة الميسرة أو ما يسمى بالأجل القضائي (الفصل 243 من ق ل ع).

ومن المبادئ التي يقوم عليها الكتاب الخامس من مدونة التجارة نجد:

أولا: وقف ومنع المتابعات الفردية ووقف سريان الفوائد

خلافا للقواعد العامة فنظام معالجة صعوبات المقاولة قد عطل المتابعات الفردية وجعل العلاقة الفردية تؤطر جماعيا، حيث جاء في المادة 686 على أنه ” يوقف حكم فتح المسطرة و يمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور…”.

فكل دعوى رامية إلى الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال أو الاستمرار فيها أو دعوى رامية إلى فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال، تدخل في دائرة وقف المتابعات الفردية.

و قد أكد القضاء المغربي،[16] أن بمجرد فتح المساطر القضائية في مواجهة المقاولة المدينة، يصبح مستحيلا تحقيق الرهن ويصبح عديم الأثر كل إجراء يرمي لذلك.

إضافة إلى ذلك تدخل المشرع على مستوى المادة 662 من ذات القانون فنص على أنه “يوقف حكم فتح المسطرة سريان الفوائد القانونية والاتفاقية وكذا كل فوائد التأخير وكل زيادة”.

ثانيا: الآليات القانونية المحفزة لإنقاذ المقاولة ماليا

إن البحث عن ممولين ومقرضين جدد بهدف إنقاذ المقاولة المتعثرة سيكون ضربا من العبث في ظل نظام قانوني يعتمد على القواعد العامة، حيث لن يقدم أحد على مساعدتها وهي على هذه الحالة، خاصة أن استعادتها لعافيتها أمر مشكوك فيه، فكان لزاما التفكير في آلية قانونية تحفيزية تدفع هؤلاء للمغامرة ومنح ثقتهم لها بما يجعلهم خارج دائرة المنافسة مع الدائنين الآخرين.

و بالتالي تم إقرار نظام امتياز الامتياز كتحفيز للائتمان على مستوى مسطرة المصالحة في المادة 558 ومسطرة الإنقاذ في المادة 565 ومسطرة التسوية في المادة 590، ثم مسطرة التصفية القضائية من خلال  المادة 652.

فالمشرع احترم تراتبية المساطر أعلاه لترتيب أصحاب امتياز الامتياز، مما يعني أنه إذا تقدم دائن لمنح ائتمان للمقاولة في مسطرة المصالحة، فإنه يكون ذو أسبقية على الدائن الذي نشأ دينه خلال مسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية.

و الرأي فيما نعتقد أن هذا المقتضى الأخير قد لا يحفز الممولين على منح ائتمانهم للمقاولة التي خضعت لمسطرة المصالحة أو الإنقاذ وهي أمام مسطرة التسوية القضائية.

وحسب المادة 565 من مدونة التجارة، فاستفادة الدائن من حق الأسبقية تتوقف على توفر ثلاثة شروط أساسية؛ فيجب أولا أن ينشأ الدين بعد صدور الحكم بفتح المسطرة، كما يجب أن ينشأ بصفة قانونية كشرط ثاني، وأخيرا يجب أن يرتبط بحاجيات المسطرة أو بنشاط المقاولة.[17]

ثالثا: جزاء عدم التصريح بالديون

حماية للنظام العام الاقتصادي خرج المشرع عن المبدأ العقد شريعة المتعاقدين من حيث الاتفاقات، فنص في المادة 720 من مدونة التجارة على أنه ” يجب تقديم التصريح بالديون داخل أجل شهرين..”، في حالة عدم التصريح خلال الأجل المقرر رتب المشرع جزاء صارما، يتمثل في سقوط حق الدائن في المطالبة بدينه.

رابعا: فرض آجال موحدة

أمام غياب الطابع القضائي للمصالحة بما لا يجعل الانضمام إليها أمرا إلزاميا للدائنين، فإنه وفيما يخص أولئك الذين رفضوا أن يكونوا جزءا من هذا الاتفاق لا يعني أنهم بامتناعهم عن المشاركة أنهم سيحصلون بالضرورة على ديونهم في أجالها، حيث أجاز القانون المغربي لرئيس المحكمة أن يحدد لهم آجال أخر حسب ما تقتضيه مصلحة المقاولة الخاضعة للمصالحة، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 556 من مدونة التجارة على أنه ”… وأن يمنح المدين آجالا للأداء وفق النصوص الجاري بها العمل فيما يخص الديون التي لم يشملها الاتفاق، وفي هذه الحالة وجب إخبار الدائنين غير المشمولين بالاتفاق والمعنيين بالآجال الجديدة”.[18]

الفقرة الثانية: وباء كوفيد 19 كمظهر للتدخل التشريعي لتعديل بعض القوانين الخاصة

إن تدخل الدولة من أجل ضبط آثار جائحة كورونا كوفيد 19 بمقتضى المرسوم رقم 292-20-2 بتاريخ 23 مارس 2020، والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، و المرسوم 293-20-2 بتاريخ 24 مارس 2020، والمتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، قد نتج عنه أزمة اقتصادية على المستوى الوطني مما جعل الحكومة تتدخل باَليات اقتصادية لمواجهة هذا العجز، حيث قدمت لجنة اليقظة الاقتصادية بوضع العديد من الإجراءات السوسيو اقتصادية للتخفيف من تداعيات الجائحة وإنعاش مختلف القطاعات الاقتصادية منها:

أ- ضمان أكسجين: يهدف إلى تمكين المقاولات التي عرفت خزينتها تدهورا بسبب انخفاض نشاطها الحصول على موارد استثنائية للتمويل، ويغطي 95٪ من القرض، ويستهدف هذا الإجراء المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغرى جدا التي لا يتعدى رقم معاملاتها 20 مليون درهم.

ب- تأجيل التصريحات الضريبية وأداء الضرائب من 31 مارس إلى نهاية يونيو 2020: بإمكان الشركات التي يقل رقم معاملاتها عن 20 مليون درهم أن تستفيد من تأجيل التصريحات الضريبية وأداء الضرائب، باستثناء الضريبة على القيمة المضافة والتي يجري خصمها من المصدر.

أما على مستوى التشريع فالحكومة المغربية أقدمت على تعديل بعض القوانين من أجل امتصاص صدمات الأزمة الاقتصادية وهي كالتالي:

  • مقترح قانون يقضي بتتميم الكتاب الخامس من خلال إضافة لمادة واحدة (المادة 574 مكررة) التي أقل ما نقول عنها أنها تعبر عن أزمة تشريعية، لأن القاعدة القانونية تتميز بالعمومية والتجرد، في حين نلاحظ أن المقترح أعلاه يضع شرط الضرر المتعلق بأزمة كورونا كوفيد 19، لكي يستفيد التاجر من مسطرة الإنقاذ في حالة توقف عن الدفع. وبالتالي عدم إرساء رؤية واسعة تشمل جميع الأزمات كيفما كانت سواء تلك التي تعاني منها المقاولة حاليا أو مستقبلا.

ثم نقول أنه ما الغاية من هذا المقترح أعلاه إن كانت النتيجة يمكن تحقيقها عبر سلك إجراءات مسطرة التسوية القضائية التي يمكن أن تمنح السلطة لرئيس المقاولة بمتابعة تسييره، بل أبعد من ذلك فمخطط الاستمرارية يمتد إلى أجل 10 سنوات على عكس مسطرة الإنقاذ 5 سنوات فقط.

  • مقترح قانون متمم للقانون [19]16 في مادته 26، حيث أضاف القوة القاهرة كسبب يمنع المكتري من أداء الوجيبة الكرائية حسب مدلول الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود، ولا يمكن الحكم بالإفراغ بناء عليه، إضافة إلى منح أجل سنة بعد انتهاء القوة القاهرة من أجل الأداء.

لكن في اعتقادنا ألا يمكن الاعتماد فقط على مقتضيات قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر الشريعة العامة لكل ما ليس منظما بنص خاص؟

لأننا إذا اعتمدنا على هذا التوجه التشريعي سنكون أمام التنصيص على قواعد عامة في قوانين خاصة، مما يؤدي إلى تأزيم القواعد العامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نرى أنه كان يجب على المشرع اعتماد نظرية الظروف الطارئة في هذه الحالة كما فعل المشرع الفرنسي سنة 2016 في المادة 1195 من القانون المدني وفق شروط محددة تتمثل في  أن يقع حادث خارجي عن طرفي العقد وأن يصبح التنفيذ مرهقا ثم أن لا يتم الاتفاق مسبقا على التنفيذ كيفما كانت الظروف.[20]

و نذكر في هذا الصدد ما توجه إليه الأستاذ عبد الرحيم شميعة،[21] حيث أقر أن القوة القاهرة لا تعد سبب للإعفاء من أداء وجيبة الكراء، كما أكد ذلك بقوله أن القضاء الفرنسي ومحكمة النقض المغربية أكدت أن القوة القاهرة لا تأثير لها على الالتزام بأداء مبلغ من المال.

  • القانون رقم 20.27: تناسقا مع الإجراءات والتدابير التي تم الإعلان عنها لفائدة المقاولات خلال مدة حالة الطوارئ الصحية وبالنظر إلى التقييد بالحد من الاجتماعات تطبيقا لإجراءات الحجر الصحي، إضافة إلى مواجهة الشركات صعوبات على مستوى انعقاد هيئاتها التداولية من أجل حصر الحسابات المتعلقة بالسنة المالية 2019، علما أن المادة 50 من القانون رقم 17-95 المتعلق بشركات المساهمة تنص على إلزامية انعقاد المجلس الإداري بالحضور الفعلي للأعضاء من أجل التداول في القوائم التركيبة السنوية كما أن انعقاد بعض الجمعيات العامة للمساهمين أو حاملي سندات القرض خلال فترة الحجر الصحي ضرورة من أجل اتخاذ قرارات مهمة والترخيص لبعض عمليات التمويل المطروحة في سوق الرساميل.

و بالرجوع إلى المادتين 110 و111 من القانون رقم 17-95 نجدهما تنصان على إمكانية انعقاد الجمعيات العامة عبر وسائل الاتصال بالصوت و الصورة، وعلى إمكانية التصويت بالمراسلة بواسطة استمارة طبقا للمادة 131 مكررة، لكن هذه الإمكانية مشروطة بإدراجها للنظام الأساسي، وبالتالي الشركات التي لا تتوفر على هذه الإمكانية ستكون مداولاتها عن بعد قابلة للبطلان.

و بالتالي استثناء من مقتضيات المواد 50 و110 و111، فإن القانون رقم 27-20 أعطى الحق للشركات في الدعوة لانعقاد مجالسها الإدارية، خلال فترة حالة الطوارئ الصحية عبر وسائل الاتصال بالصوت و الصورة.

  • القانون رقم 20-30 المتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية والنقل الجوي

في البداية كان العقد السياحي يعتمد على الحرية التعاقدية ومبدأ سلطان الإرادة “دعه يعمل دعه يمر” أما بعد جائحة كورونا كوفيد 19 وما خلفته من آثار سلبية على النسيج الاقتصادي تدخل المشرع نزولا لرغبة الظاهرة الاقتصادية عبر مداخل قانون الالتزامات والعقود (الفصل 231)،[22] فنص على القانون 20-30 المتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية والنقل الجوي فنص على أنه يطبق هذا القانون بأثر رجعي على العقود التي تم إنشاؤها وأن القاضي مقيد وليست لديه السلطة التقديرية في تحديد حالة الاستحالة من أجل فسخ العقد كما في الفصل 335[23] من قانون الالتزامات و العقود.

و بالتالي تم إعفاء المهني من مبدأ العقد شريعة المتعاقدين فأصبحت سلطة الفسخ بإرادة منفردة مع تقديم وصل للدين للدائن.

 

 

خاتمة

إن القواعد القانونية كالأدوية، يجب عدم الإكثار منها حتى لا تؤدي إلى آثار عكسية، و أن لا يتم استعمالها إلا بعد تشخيص دقيق للواقع المراد معالجته.[24]

و عليه أقترح بعض الحلول العملية قد تساهم في تأهيل المقاولات لمواجهة التحديات؛

– الاعتماد على قانون تسنيد الأصول وإصدار السندات أو صكوك سيادية في السوق المالية من أجل توجيه سياسة الادخار نحو سياسة الاستثمار.

– على المشرع أن يضع قواعد سوسيولوجية تلائم الواقع الحاضر والمستقبلي من أجل سن قواعد قانونية عامة ومناسبة لحل جميع الأزمات الاقتصادية.

– الإرادة السياسية الحقيقية والاعتماد على التجربة الفرنسية على سبيل المثال وضع خلية رصد المقاولات في وضعية صعبة.

– إعادة النظر في اعتبار جائحة كوفيد 19 بمثابة قوة قاهرة، لأنه ما المانع الذي يحد من تنفيذ المهني التزاماته تجاه المتعاقد الآخر، هل فعلا جائحة كوفيد 19، أم فعل الأمير؟

و في الأخير لا بد من القول أننا لا نعيش أزمة تشريع بقدر ما نعيش أزمة خوصصة التشريع.

 

 

الفهرس

 

المقدمة 1

المطلب الأول: الآليات القانونية المحفزة للاستثمار. 2

الفقرة الأولى: الآليات القانونية لتأهيل المقاولات على مستوى الإنشاء. 2

الفقرة الثانية: الآليات القانونية لتأهيل المقاولات على مستوى الائتمان. 3

الفقرة الثالثة: الآليات القانونية لحماية العلاقات بين المقاولات (المهنيين) 6

المطلب الثاني: الاّليات القانونية المنقذة للمقاولات.. 8

الفقرة الأولى: قانون 73.17 كآلية قانونية لإنقاذ المقاولات.. 8

الفقرة الثانية: وباء كوفيد 19 كمظهر للتدخل التشريعي لتعديل بعض القوانين الخاصة 10

خاتمة 14

الفهرس.. 15

 

[1]– أستاذنا أدريوش سفيان، الأمن القانوني في المجال العقاري، أشغال الندوة الوطنية المنظمة يومي 25 و 26 نونبر 2016، بعنوان العقار والاستثمار، الطبعة الأولى 2017، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الجزء الأول، الصفحة : 185.

[2]-ظهير شريف رقم 1.18.109 صادر في جماده الأولى 1440( 9 يناير 2019) بتنفيذ القانون رقم 88.17 المتعلق بإحداث المقاولات بطريقة إلكترونية ومواكبتها.

[3]– فؤاد معلال، شرح القانون التجاري الجديد، الجزء الأول، دار الأفاق المغربية، الطبعة الخامسة، 2016، الصفحة : 17.

[4]-إدريس بوجطاط، حوالة الديون المهنية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2007/2008، الصفحة : 10.

[5] – الفصل 1174 من قانون الالتزامات والعقود.

[6]– الفصل 1175 من قانون الالتزامات والعقود.

[7]– الفصول من 21-618 إلى 26-618 من قانون الالتزامات والعقود.

[8]  تنص المادة 705 من مدونة التجارة على انه” يمكن أيضا استرداد البضائع المبيعة تحت شرط الأداء الكامل للثمن مقابل نقل ملكيتها، إذا كانت هذه البضائع موجودة بعينها وقت فتح المسطرة. هذا الشرط الذي يمكن أن يرد في محرر ينظم مجموعة من العمليات التجارية المتفق عليها بين الأطراف، يجب أن يكون متفقا عليه كتابة على الأكثر حين التسليم”.

[9]– الفصل 1218 من قانون الالتزامات والعقود.

[10]– قانون رقم 17-95 المتعلق بشركات المساهمة الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.96.124 صادر في 14 من ربيع الآخر 1417 (30 أغسطس 1996).

[11]– عزالدين بنستي، الشركات  في القانون المغربي، الطبعة الأولى سنة 2014، ص 176.

[12]– فؤاد معلال، شرح القانون التجاري الجديد – الجزء الأول- نظرية التاجر والنشاط التجاري، دار الآفاق المغربية، طبعة 5 سنة 2016، ص 265.

[13]– يوسف محمد شندي، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية –ابحاث المؤتمر السنوي الدولي الخامس- ص 242.

[14]– فؤاد معلال، مرجع سابق، ص 292.

[15]– فؤاد معلال، مرجع سابق، ص 249.

[16]– أمر صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء عدد 2239 بتاريخ 25/12/2005 ملف عدد 1994/5 مجلة المحاكم القضائية المغربية عدد 101 ص 185.

[17]– أستاذنا سعيد الروبيو، مساطر صعوبات المقاولة، السنة 2019-2018، دون ذكر المطبعة، ص 63.

[18]– عبد الرحيم شميعة، شرح أحكام نظام صعوبات المقاولة في ضوء القانون 73.17، مطبعة سجلماسة، 2018، الصفحة، 87.

[19]  ظهيرشريف رقم 1.16.99 صادر في 13 من شوال 1337(18 يوليو 2016) بتنفيذ القانون رقم 16-49 المتعلق بالكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي او الحرفي، الجريدة الرسمية عدد 6490- 7 ذو القعدة 143 الموافق ل 11 اغسطس 2016.

[20]– أشرف جابر، الإصلاح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد، أبحاث المؤتمر السنوي الرابع، القانون أداة للإصلاح و التطوير، 10/9 مايو 2017 ص 323

[21]–  سبل إنقاذ المقاولات في ظل أزمة التشريع زمن جائحة كورونا ، مقال منشور في مجلة قانون الأعمال الإلكترونية ، تاريخ الإطلاع 19/06/2020

[22]– ينص الفصل 231 من ق ل ع المغربي :” كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل ايضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون، أو العرف أو الانصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته ” .

[23]– الفصل 335 ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا استحالة طبيعة أو قانونية، بغير فعل المدين أو خطأه، وقبل أن يصير في حالة مطل.

[24]– أستاذنا سفيان ادريوش، م.س، الصفحة: 206.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى