سلسلة الابحاث الجامعية و الأكاديميةفي الواجهةمقالات قانونية

SRM : الشركات الجهوية متعددة الخدمات ”قـراءة في البنية والوظيفة” – سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية الاصدار رقم 53 لسنة 2024

من انجاز محسن المنديلي , المدير المسؤول الدكتور مصطفى الفوركي

 

 

 

 

تحتل اللامركزية مكانة متميزة في تطوير المؤسسات السياسية والإدارية، في كل الدول البسيطة منها والمركبة، وقد عرف مسلسل تطورها بالمغرب محطات عديدة، تدرج فيها إسناد الصلاحيات والاختصاصات لمجالس الجماعات الترابية ورؤسائها، حيث كان الهدف من ذلك الاستجابة لتطلعات وحاجيات المواطنين، التي ما فتئت تتغير بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام، وتغير أنماط العيش بشكل خاص.

ولعل المكانة المتقدمة التي أصبحت تحظى بها هذه الجماعات في كل من الدستور والتنظيم الترابي المغربيين، لخير دليل على تقدير الدولة لخصوصيات المجال الترابي وحاجياته، واعتبارها شريكا للدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا محيد عنه.

وفي هذا الجانب أصبحت الجماعات تدبر عدد مهم من المرافق المحلية، التي لا طالما راجعت الدولة باستمرار الأساليب والأدوات المستخدمة في مجالات إدارة هذه المرافق، حيث حظيت مجالات التدبير بمكانة متميزة في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، من خلال رافعات محاوره الاستراتيجية، والتي من بينها التركيز على جودة الخدمات، إعادة تأهيل المرفق العام والاستفادة من نموذج رابح- رابح في أساليب التدبير بين القطاعين العام والخاص.

وقد أفرد القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، لائحة ليست بحصرية، لمجموعة متنوعة من المرافق والتجهيزات العمومية التي تختص الجماعات بإحداثها وتمتلك سلطة تقديرية واسعة في اختيار الأسلوب المناسب لإدارتها.

وحيث عرفت أساليب التدبير تطورا واضحا، فكلما أبان أسلوب عن محدوديته إلا وفكرت الدولة في أسلوب جديد يراعي التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها في مجتمع يتطور باستمرار. فأسلوب التدبير المباشر كان هو السائد لما يتيحه هذا الأخير من إمكانات واسعة للسلطة المشرفة على المرفق، من خلال إدارته بنفسها وبإمكانياتها الذاتية، لتظهر بعده أساليب أخرى متعددة أهمها: المؤسسة العمومية، أسلوب الامتياز، التدبير المفوض، اتفاقيات الشراكة والتعاون، عقود الشراكة مع القطاع الخاص إضافة إلى إمكانية إحداث شركات التنمية التي ينحصر غرضها في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية والتجارية.

وعلى الرغم من غنى أساليب تدبير هذه المرافق وتنوعها. فقد أفرد المشرع سبلا قانونية أخرى تروم إرساء قواعد مهمة للتآزر والتعاضد والتكافل بين الجماعات الترابية؛ الهدف منها التدبير الجيد للموارد المالية والبشرية واللوجيستيكية، وتبادل الخبرات -خصوصا- فيما يتعلق بالمرافق الشبكاتية كتدبير توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل. وذلك عبر آلية إحداث مجموعات الجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات التي يٌهدف من خلالها إنجاز الأعمال المشتركة ذات الفائدة العامة لهذه المجموعات.

وبالنظر لأهمية المرافق العمومية المحلية في الاستجابة للحاجيات العمومية جعلت الدولة في برامجها الحكومية، ومختلف الوثائق الموجهة للسياسات العمومية. أهدافا كبرى تهدف من خلالها التقليص من حدة الفوارق المجالية والاجتماعية، تحقيق المساواة بين المواطنين وكذا توفير خدمات عمومية جيدة ومتاحة للجميع؛ بغية الرقي بالتدبير العمومي إلى مستوى التطلعات.

وفي سياق التحولات الهامة التي كرسها دستور 2011 فيما يخص مشروع الجهوية المتقدمة، دسترة مبادئ اللامركزية ومبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية. عززت الدولة مسلسل اللامركزية من خلال القانون التنظيمي للجماعات، بالتنصيص على اختصاصاها في ميدان توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل وقطاع الإنارة العمومية.

وفي إطار تطوير مرافق التوزيع السالفة الذكر، عملت الدولة على إطلاق العديد من الأوراش الإصلاحية الكبرى، في مقدمتها ورش إصلاح قطاع الكهرباء من خلال القانون رقم 48.15 المتعلق بضبط الكهرباء، ورش إصلاح المؤسسات العمومية وأوراش مختلفة لمواجهة التحديات البيئية والتغيرات المناخية، وكلها أوراش تهدف من خلالها إلى استدامة الطاقة الكهربائية والماء الصالح للشرب بالبلاد.

وأخيرا لتطوير تدير هذه المرافق، قام المشرع من خلال القانون رقم 83.21 بإحداث شركات جهوية متعددة الخدمات «SRM» التي ستكون موضوع هذا البحث، كأسلوب جديد لتدبير مرافق التوزيع والإنارة العمومية، إن هذا الأسلوب يمكن اعتباره شكلا متطورا من أساليب الشراكة العمومية بين أشخاص القانون العام، في أفق تطوير هذه الشراكة لتشمل أشخاص القانون الخاص بعد عشر سنوات من الآن.

وبداية قبل الخوض في هذا الموضوع، لابد من القيام بتحديد مفاهيمي لهذه الشركات، قصد تمييزها عن باقي الشركات الأخرى.

إن عبارة شركات يعرفها ظهير الالتزامات والعقود من خلال فصله 982، على أنها ”عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا، لتكون مشتركة بينهم، بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها”.

أما عبارة جهوية، فتحيل على اختصاص هذه الشركات داخل مجال ترابي محدد في كل جهة على حدي، الأمر الذي سينتج عنه إحداث 12 شركة جهوية.

في حين عبارة تعدد الخدمات، يهدف من خلالها المشرع المغربي إلى تبني مبدأ معروف في علوم الاقتصاد والتدبير[1]، يفهم منه أن إمكانية إضافة خدمات أخرى في غرض هذه الشركات سيبقى مفتوح وفق إرادة المشرع، فالإنارة العمومية -على سبيل المثال- هي اختصاص مدرج بالقانون مع إشارة القانون لجوء الشركات إلى تدبيرها عند الضرورة -عند الإقتضاء- بعد الترخيص لها بذلك، من طرف الجماعات صاحبة الاختصاص عبر أجهزتها التداولية.

وفي نفس سياق تعريف هذه الشركات، يحدد لنا القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة، 4 أنواع من شركات المساهمة العامة والتي تتمثل فيما يلي:

– شركات الدولة: وهي الشركات التي تملك هيئات عامة مجموع رأسمالها؛

– الشركات التابعة العامة: وهي الشركات التي تملك هيئات عامة أكثر من رأسمالها؛

– الشركات المختلطة: وهي الشركات التي تملك هيئات عامة 50 % من رأسمالها على الأكثر؛

– المقاولات ذات الامتياز: المقاولات المعهود إليها بتسيير مرفق عام بمقتضى عقد الامتياز تكون فيه للدولة صفة السلطة المتعاقدة.

وبالتدقيق في هذه المادة، نجد أن الشركات الجهوية متعددة الخدمات في صيغتها الحالية فهي أقرب لشركات الدولة. أمام غياب أي نص قانوني صريح ينص على نسبة مساهمة القطاع الخاص، لتحديد ما إذا كانت ستصنف في إطار الشركات التابعة العامة أو الشركات المختلطة، ويمكن اعتبارها أيضا أنها شركات ذات الامتياز، ما إذا اعتبرنا عقد التدبير بمثابة عقد امتياز.

فبالرجوع إلى عقد الامتياز، نجد أنه عقد إداري تبرمه أشخاص القانون العام لإدارة مرفق عام وطني أو محلي مع شخص ذاتي أو معنوي، عاما أو خاصا للإدارة مرفق موضوع العقد بأمواله وعماله وتحت مسؤوليته، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على عقد التدبير الذي يربط مجموعة الجماعات الترابية بحلولها محل صاحب المرفق (الجماعات) مع الشركات الجهوية متعددة الخدمات.

وبالنظر في ميثاق المساهمين للشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء سطات للتوزيع (الملحق 03)، نجد أن كل من الدولة، مجموعة الجماعات الترابية الدار البيضاء سطات للتوزيع، مجلس جهة الدار البيضاء سطات والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مؤسسين أساسيين لهذه الشركة.

ومنه فإن الشركات الجهوية متعددة الخدمات، شركات للدولة ذات الامتياز معهود إليها تسيير مرافق عامة محلية تتمثل في مرافق توزيع الكهرباء، توزيع الماء الصالح للشرب، خدمات التطهير السائل والإنارة العمومية –عند الإقتضاء- وتمتلك هيئات عامة مجموع رأسمالها.

وفي جانب آخر تنص المادة الثانية من القانون رقم 83.21 المتعلق بهذه الشركات، على أن تنظيمها وتسييرها يخضع لقواعد القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، وهي شركات تجارية بحسب شكلها وكيفما كان غرضها حسب نفس القانون المنظم لها.

لنخلص في النهاية أنه بالإضافة إلى أنها شركات عامة تسعى لتجويد خدمات عمومية محلية، فإن شكلها تجاري مما ستخضع معه لقواعد مدونة التجارة والقانون المتعلق بشركات المساهمة في جانب تنظيمها وتسييرها.

والذي ينظم علاقة هذه الشركات -بالجماعات- عبر مجموعة الجماعات الترابية للتوزيع هو عقد التدبير، الذي يشبه إلى حد كبير عقود الامتياز وينص على المقتضيات الأساسية التالية:

–  موضوع العقد، مدته، مداره وأهدافه الأساسية؛

– نظام أموال المرفق (أموال الرجوع وأموال الاسترداد)؛

– حقوق وواجبات صاحب المرفق وبالخصوص تلك التي تتعلق بتنظيم

المرفق ومراقبته؛

– حقوق وواجبات الشركة؛

– البرنامج التوقيع للاستثمار وأهدافه بالنسبة لقطاعات التوزيع؛

– مقتضيات مالية (مخطط تمويل الاستثمار، الموارد المالية)؛

– نظام إبرام الصفقات والعقود؛

– التعريفات وشروط تعديلها وتغييرها؛

– نظام المستخدمين؛

– مراقبة تدبير الشركة؛

-العقوبات والجزاءات والتعويضات المطبقة على الشركة؛

-مقتضيات حول فسخ العقد بسبب إخلال الشركة؛

– المراجعة الدورية لعقد التدبير؛

– ومقتضيات إنهاء العقد.

ولا بد من الإشارة أن هذه الشركات ستدبر وفق مميزات القانون العام، في جانب عقودها وقراراتها بمناسبة تدبيرها للمرافق غرض إحداث الشركات، لتصبح معه هذه الشركات وسيلة قانونية فريدة من نوعها تجمع بين مقتضيات القانون العام والخاص، في التدبير العمومي.

أهمية الموضوع:

تتمثل أهمية الموضوع في كون أن شركات المساهمة، أضحت النموذج الأمثل لتدبير بعض المرافق العمومية، مما يسهل معه تظاهر جهود المتدخلين في شكل شركة، وتعبيرا على المكانة الهامة التي تحظى بها هذه الشركات (شركات المساهمة) في الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي تمارسها الدولة والجماعات الترابية.

إشكالية الموضوع:

جاءت الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وفق المادة 15 من القانون رقم 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات، كبديل عن أسلوب المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والوكالات المستقلة للتوزيع، في توزيع الماء الصالح للشرب، والكهرباء، وخدمات التطهير السائل.

ومنه نطرح الإشكالية التالية: كيف عمل المشرع المغربي على تأطير الشركات الجهوية متعددة الخدمات لتجاوز مشاكل طرق التدبير السابقة؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة الفرعية الآتية:

–              ما أهم الأساليب المعتمدة في تدبير المرافق العمومية المحلية لقطاع التوزيع والإنارة العمومية؟

–              ما أهداف الشركات الجهوية متعددة الخدمات واهم خصائصها؟

–              ما هي بنية هذه الشركات الجهوية متعددة الخدمات؟

–              كيف يمكن لأساليب وامتيازات السلطة العامة الحفاظ على خصوصيتها؟

–              ما هي أهم مبادئ الحكامة المعتمدة في تسيير هذه الشركات؟

–              وما هي الأجهزة الرقابية التي تراقب عمل هذه الشركات؟

المنهج المتعمد:

وللإجابة عن هذه الإشكالية والأسئلة الفرعية، فإننا سنعتمد –المنهج الوظيفي– من خلال التركيز على دراسة الوظائف التي تؤديها الشركات الجهوية متعددة الخدمات، في المرافق العمومية – المحددة في غرض هذه الشركات-.

خطة البحث:

وبناء على ما سبق، ستتم الإجابة على مختلف الإشكالات التي يطرحا الموضوع بالاعتماد على التصميم التالي:

الفصل الأول: أساليب تدبير المرافق العمومية المحلية وتأسيس الشركات

الجهوية متعددة الخدمات.

الفصل الثاني: مميزات الشركات الجهوية متعددة الخدمات ومراقبتها.

ولقد تناولنا في هذا البحث من خلال الفصل الأول طرق تدبير المرافق العمومية المحلية السابقة وبعض مظاهر محدوديتها، مع تبيان أهداف وخصائص الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وأيضا الوقوف على مختلف الأجهزة التي ستستفيد منها هذه الشركات في إطار القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.

أما الفصل الثاني فخصصناه إلى الامتيازات التي تتمتع بها هذه الشركات، وهي امتيازات مستمدة من القانون العام كإصدار القرارات الإدارية، إبرام العقود الإدارية ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة. و التطرق لبعض انتظارات المرتفقين منها، وكذا خضوعها لنظام رقابي متعدد ومتشعب يفرض على أشخاص القانون العام والهيئات التابعة لهم تمارسه السلطة الحكومية المكلفة بالمالية والمحاكم المالية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى