بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

آليات التعاون الجنائي الدولي في مكافحة جريمة غسل الأموال – الدكتور أحمد محمد حسن الجسمي



آليات التعاون الجنائي الدولي في مكافحة جريمة غسل الأموال

International criminal cooperation mechanisms to combat the crime of money-laundering

الدكتور أحمد محمد حسن الجسمي

أستاذ مساعد – كلية الشرطة أبوظبي

لتحميل الاصدار كاملا 

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

الملخص

تعد جريمة غسل الأموال من الجرائم المنظمة، والتي تتطور مع تطور المجتمع الدولي، فضلًا عن ذلك فإنها من الجرائم المنظمة عبر الوطنية، تمتد بين العديد من الدول، تمارسها عصابات الجريمة المنظمة، مما لا شك فيه أن تكثيف الجهود بين الدول من خلال نقل المعلومات بشأنها تساعد في الحد من تطورها، وعليه يتطلب التعاون بين الأنظمة الأمنية للدول فيما بينها ومن ناحية أخرى بينها وبين المنظمات الأمنية الدولية والإقليمي.

ويهدف هذا البحث إلى بيان دور التعاون الأمني الجنائي بين الأجهزة الأمنية للدول والمنظمات الدولية والإقليمية مثل الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) والشرطة الجنائية الأوروبية (يوروبول)، وبيان دور دولة الامارات العربية المتحدة في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر وتعاونها مع المنظمات الأمنية الدولية والإقليمية، لاسيما الإنتربول واليوروبول.

الكلمات الدالة:

التعاون الجنائي الدولي، الجريمة المنظمة عبر الوطنية، منظمة الشرطة الجنائية الأوروبية

Abstract:

Money-laundering is an organized crime, which is evolving as the international community develops, Moreover, they are transnational organized crimes, spanning many States, Practiced by organized crime syndicates, there is no doubt that the intensification of efforts between States through the transmission of information on them helps to limit their development, It therefore requires cooperation between States’ security systems and between them and international and regional security organizations.

This research aims to demonstrate the role of criminal security cooperation between States’ security agencies and international and regional organizations such as INTERPOL and the European Criminal Police (EUROPOL), and the role of the United Arab Emirates in combating the crime of human trafficking and its cooperation with international and regional security organizations, particularly INTERPOL and EUROPOL.

Keywords:

International criminal cooperation, transnational organized crime, European Criminal Police Organization

مقدمــــــــة

مما لاشك فيه، تعد جريمة غسل الأموال من الجرائم المنظمة المرتبطة بالجرائم المنظمة الأخرى كالمخدرات والإرهاب والاتجار بالبشر،والتي بطبيع الحال مخاطرها تتجاوز الحدود الوطنية، وعليه لا يمكن لاى دولة بمفردها مواجهة هذه الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.

وفضلا على ذلك تزيد خطورتها اذا ارتكبت من قبل عصابات إجرامية منظمة، ومن ثم تنتقل آثارها إلى دول أخرى.

ونتيجة لذلك، أصبح التعاون الجنائي الدولي بين الأجهزة الأمنية الداخلية للدول والمنظمات الامنية الدولية والإقليمية المعنية في مكافحة الجريمة المنظمة مطالبا دوليا.

وعلاوة على ذلك، مع التطور التكنولوجي والتقني الهائل الذي سهل الاتصال والتواصل بين العصابات الاجرامية العالمية التي تعمل عبر الحدود الوطنية، لم تعد هذه الجريمة تشكل خطرا أمنيا، إنما تهدد الاقتصاد العالمي ايضاً.

ومؤدي ذلك، أصبحت الدول والمنظمات الأمنية الدولية والإقليمية بحاجة لبذل مزيدا من الجهد والتعاون لأجل مكافحة هذه الجريمة.

أهداف البحث:

يهدف هذا البحث إلى بيان كيفية التصدي لجريمة غسل الأموال من خلال تناول أهمية تبادل البيانات والمعلومات الأمنية بين سلطات انفاذ القانون في الدول والمنظمات الدولية والإقليمية في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال، لتعزيز تبادل أفضل الخبرات والممارسات المعمول بها للتصدي لهذه الجريمة، مع تناول المبادرات والإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات في مكافحة جريمة غسل الأموال.

أهمية البحث:

تبدو أهمية هذا البحث في طبيعة جريمة غسل الأموال وارتباطها بشكل مباشر بالجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية وإضفاء صفة المشروعية للأموال المتحصلة من تلك الجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية كالمخدرات والإرهاب والاتجار بالبشر، وخطورتها على الاقتصاد الوطني والعالمي، فقد تتطلب هذه الجريمة تكثيف الجهود بين الدول من خلال نقل المعلومات بشأنها للحد من تطورها، وهذا يتطلب التعاون بين سلطات انفاذ القانون في الدول والمنظمات الدولية والإقليمية في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال، وذلك من خلال ابرام اتفاقيات ثنائية أو جماعية لتبادل البيانات والمعلومات الأمنية، كما يتطلب على الصعيد الداخلي وضع تشريعات لتسهيل عملية نقل البيانات والمعلومات، والتي قد تتصل أحيانا بسيادة الدول مما يزيد من إشكالات تنسيق الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة العالمية الحديثة.

إشكالية البحث:

تبدو إشكالية هذا البحث في ارتباط جريمة غسل الأموال بالجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية وعجز الحدود الوطنية في منع دخول آثارها إلى إقليمها، بحيث اصبح من الضروري تكثيف الجهود بين الدول والمنظمات الأمنية الدولية لمكافحتها والحد من آثارها، وفي مقابل ذلك أن تنوع وسائل غسل الأموال وتعدد أساليب ارتكاب جريمة غسل الأموال، من أهم الصعوبات التي تواجه الدول في كشف هذه الجريمة ومرتكبيها، ولذلك ينبغي التعرف على أساليب ارتكابها ووضع الآليات اللازمة بين الدول والمنظمات الأمنية للتصدي لها.

منهجية البحث:

نظرا لخصوصية البحث وتعدد جوانب جريمة غسل الأموال التي اتطرق لها خلال تناولي لهذا الموضوع، وبهدف وصف المشكلة ومعرفة أسبابها وعواملها، ولإثراء موضوع البحث ومحاولة الإلمام بمختلف جوانب أثر تبادل البيانات والمعلومات الأمنية بين الأجهزة الشرطية والمنظمات الدولية المعنية بمكافحة جريمة غسل الأموال، فسوف اعتمد منهج الوصفي التحليلي عند تناولي لموضوع البحث.

المبحث الاول

ماهية جريمة غسل الأموال

مصطلح غسل الأموال بدأ في مجال الجريمة، أساسا من خلال خلط الأموال القذرة المتحصلة من جرائم أخرى كالمخدرات وتجارة الأسلحة والاتجار بالبشر، مع الأموال المشروعة المتحصلة من النشاطات الاقتصادية قانونا التي تمارسها العصابات الاجرامية في شكل أنشطة اقتصادية قانونا.

فضلًا عن ذلك، الاتجاهات العالمية للجريمة المنظمة عبر الوطنية اتجهت إلى نقل أنشطتها للدول التي تعاني من ضعف الدولة في بسط سيادتها على جميع أجزاء إقليمها، والجيد بالإشارة بأن لم تقتصر الاتجاهات الحديثة للجريمة المنظمة إلى نقل أنشطتها إلى تلك الدول إنما بدأت تعمل عبر الانترنت كوسيلة اتصال سريعة وسهولة العمليات المصرفية عبر شبك الانترنت مقارنة بالنقل التقليدي للأموال.

وبطبيعة الحال، فقد أدى تطور المجتمع العالمي في مجال النقل والاتصال إلى تحول الجريمة بشكل عام إلى العالمية ولم تعد الحدود الوطنية تستطع منع الجريمة من الانتشار والدخول من دولة الى دولة أخرى، بحيث أصبحت العصابات الاجرامية تتخذ من الجريمة المنظمة عبر الوطنية مجالا خصبا للربح، وفي المقابل سعيا من هذه العصابات الإفلات من المطاردة القانونية، فقد بدأ البحث عن طرق قانونية لإضفاء المشروعية على أموالها القذرة، وذلك نظرا لحداثة جريمة غسل الأموال كجريمة منظمة عبر الوطنية وتعقيد مكافحتها والقضاء عليها لعدم وجود آثار مادية مباشرة مرتبطة بها مقارنة بالجرائم المنظمة الأخرى.

ومن هذا المنطلق وفي اطار بحث ظاهرة غسل الأموال وآليات مكافحتها ولكي نستطيع الوصول إلى مصادرها وأساليب ارتكابها والجهود المبذولة لمكافحتها داخليًا وعالميا، فلابد أن نبين ماهية غسل الأموال وعليه سنتناول ظاهرة غسل الأموال في هذا المبحث من خلال الآتي:

المطلب الأول

مفهوم غسل الأموال

بما أن ظاهرة غسل الأموال تشكل خطرا حقيقيا للاقتصاد العالمي، لاسيما على اقتصاد الدول النامية التي تشكل البيئة السهلة للعصابات الاجرامية، فقد يجلى هذا في التعريفات المتعددة التي وضعها الفقه القانوني لبيان ماهية جريمة غسل الأموال، حيث تركزت على بيان الجانب الاقتصادي لها مع بيان الجانب القانوني، وقد يرجع السبب في تركيز الفقه القانوني علي بيان التأثير الاقتصادي لجريمة غسل الأموال إلى التأثير المباشر لهذه الجريمة على الاقتصاد العالمي.

ففي مستهل الحديث لابد من ذكر بأن التعريفات الفقهية تتعدد بتعدد اتجاهات الدول والقانون الدولي في تحديد ماهية جريمة غسل الأموال، حيث انقسمت الآراء الفقهية بشأن تعريف جريمة غسل الأموال إلى تعريفات ضيقة التي ربطت جريمة غسل الأموال بجريمة المخدرات على سبيل الحصر، وتعريفات أخرى توسعت في ربط جريمة غسل الأموال بجميع الأموال القذرة المتحصلة من جميع اشكال الجريمة المنظمةعبر الوطنية، لذا نقتصر تناولنا لبيان ماهية جريمة غسل الأموال على التعريف الموسع لجريمة غسل الأموال.

فقد ذهب جانب من الفقه القانوني في تعريفه لجريمة غسل الأموال بأنها:”عملية تستهدف اكتساب الأموال الناتجة عن الأنشطة الاجرامية، أو غير المشروعة، صفة الشرعية، وإدخالها في النشاط الاقتصادي للدولة”.

وكما عرفت جريمة غسل بأنها:”تلك الأموال التي يقوم من خلالها الأشخاص بايداع أموال تم الحصول عليها بعمليات غير قانونية وتحويلها واخفائها والقيام بعمليات تهدف إبعادها من مصدرها لاعادة خالصها الى السوق كأموال نظيفة”.

وذهب جانب آخر من الفقه في تعريفه لجريمة غسل الأموال بأنها:”عملية أو عمليات اقتصادية ومالية مركبة يهدف مرتكبها إلى إضفاء صفة المشروعية من حيث الظاهر على أموال متحصلة من أنشطة إجرامية، بإخفاء المصدر الاجرامي لهذه الأموال، مما يتيح للجناة الانتفاع بها وإدخالها في دائرة التعامل الاقتصادي والمالي والقانوني”.

ولابد من الإشارة بأنه عرف فريق العمل المالي الدولي (فات)(FAAT) جريمة غسل الأموال بأنها عبارة عن:” تحويل الممتلكات مع العلم بأن مصدرها جريمة بهدف إلغاء أو إخفاء الأصل غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص مشترك في ارتكاب تلك الجريمة لتجنب العواقب القانونية لأعماله وإلغاء أو إخفاء الطبيعة الحقيقية ومصدر ومكان وحركة وحقوق أو ملكية الممتلكات مع العلم إن مصدرها جريمة وامتلاك أو إستخدام ممتلكات مع العلم مصدرها جريمة أو من شخص ساهم في ارتكابها.

وقد عرفت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000، في المادة السادسة الفقرة الأولى بأن جريمة غسل الأموال هي:”تحويل الممتلكات أو نقلها، مع العلم بأنها عائدات جرائم، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي الذي تأتت منه على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته؛ إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأنها عائدات جرائم”.

وقد عرف الاتحاد الأوروبي جريمة غسل الأموال بأنها:”نقل أو تحويل الملكية المستمدة من جرائم خطيرة لأغراض التستر عليها أو إخفاء المصدر غير الشرعي لتلك الملكية، أو لغرض مساندة أي شخص يرتكب هذه الأعمال.

ونافلة القول من خلال تناولنا لماهية جريمة غسل الأموال، نرى أن جريمة غسل الأموال تعد تحديا حقيقيا لاتقل خطورتها عن الجرائم المنظمة الأخرى على الاقتصاد والامن الدوليين، بل إنها تعد حلقة من حلقات الجريمة المنظمة عبر الوطنية حيث ترتبط بالجرائم المنظمة عبر الوطنية الأخرى، ومن ناحية أخرى قد تربط في بعض الحالات بين الجرائم المنظمة عبر الوطنية كما هو الحال في عملية غسل الأموال المتحصلة من الجرائم المنظمة كالمخدرات أو الاتجار بالبشر لتمويل جرائم الإرهاب.

المطلب الثاني

الجرائم المرتبط بجريمة غسل الأموال (جريمة المخدرات انموذجا)

في البداية كانت تتعامل مع جريمة غسل الأموال في إطار مكافحة الاتجار بالمخدرات، ومنع وصول الأموال القذرة المتحصلة من الاتجار بالمخدرات إلى الاقتصاد العالمي، وقد بدأ هذا التوجه عام 1988، عندما أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية فيينا المعنية بمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية(اتفاقية فيينا 1988), والتي تعد الوثيقة الدولية الأولى قد تطرقت إلى مخاطر استغلال المتحصلة من المخدرات وتحويلها الى أموال مشروعة من خلال مشاريع اقتصادية قانونية, وأثر هذا النشاط على اقتصاد الدول.

ووفقا لتقديرات خبراء الاقتصاد، فإن عائدات جريمة غسل الأموال سنويا تقدر بحوالي تريليون دولار، وتتصدر الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات، النسبة الأعلى.

واستنادا إلى ما سبق، فإن القضايا والمشكلات المرتبطة بجرائم الاتجار في المخدرات كثيرة ومتعددة، فهناك الجانب القانوني وسلطات انفاذ القانون في الدول وجانب اخر تأثير جرائم الاتجار في المخدرات والجرائم المرتبطة بها على اقتصاد الدول والذي بدوره يترتب على الجانب الأمني في الدول، فهناك عصابات إجرامية عبر الوطنية، لها القدرة والسيطرة على سلطات انفاذ القانون في بعض الدول النامية، فعلى سبيل المثال فقد تم اعتقال رئيس بنما السابق مانويل نورييغا من قبل الولايات المتحدة بتهمة جريمة تهريب المخدرات وغسل الأموال المتحصلة منها.

وتماشيا مع ما تم ذكره، فإن جريمة غسل الأموال في البداية ظهرت في مجال جرائم المخدرات وثم اتسع نطاقها في الفترة الأخيرة، وأصبحت في صدارة الأنشطة الإجرامية 
الخطيرة على المستوى الدولي، وزاد الاهتمام الدولي في شأنها لارتباطها بعصابات 
الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

ووفقا للاحصائيات الدولية والإقليمية تتصاعد هذه الظاهرة بشكل متنامي وخاصة على مستوى العالم العربي، الامر الذي يتطلب بذل الجهود واتخاذ الإجراءات الكفيلة للوقاية منها ومكافحتها، فقد جاء حجم جريمة غسل الأموال من عمليات الاتجار بالمخدرات بما يعادل 688مليار دولار أمريكي سنويا وفق لاحصائيات صندوق النقد الدولي التي قدرت عمليات غسل الأموال مابين 590مليار إلى 1.5 تريليون دولار أمريكي سنويا أي ما يعادل %5-2 من إجمالي دخل الناتج العالمي.

والجدير بالذكر جاءت الجهود الدولية لمكافحة جرائم غسل الأموال من خلال وضع نصا خاصا ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بمكافحة المخدرات المذكورة أعلاه سلفا، لتجريم عمليات غسل الأموال الناتجة عن متحصلات جرائم المخدرات، وحث الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات كافية لمكافحة غسل الأموال المرتبطة بجرائم المخدرات.

وفضلا عن ذلك تقع جريمة غسل الأموال المرتبطة بجرائم المخدرات من خلال العمليات التي تقوم بها عصابات الاتجار بالمخدرا ت لإخفاء مصدر الأموال القذرة المتحصلة من الاتجار بالمخدرات وجعلها كأنها مشروعة، بحيث يختفي الرابط بين جريمة الاتجار بالمخدرات والأموال المتحصلة منها، وبهذا فإن جريمة غسل الأموال، جريمة تابعة لجرائم المخدرات.

ولا مناص من القول بأنه ترجع أيضا أهمية مكافحة غسل الأموال العائدة لجرائم الاتجار في المخدرات، إلى تأثير الأموال المغسولة من الاتجار بالمخدرات على الاقتصاد والامن العالميين، حيث تحتاج العصابات المنظمة عبر الوطنية التي تعمل في مجال الاتجار بالمخدرات، وتسهيلا للعملياتهم غير المشروعة، ونظرا لما يمثله غسل الأموال من الخطورة من حيث القدرة على بسط نفوذهم بين سلطات انفاذ القانون في الدول وإفلات مرتكبي جرائم المخدرات، فقد بسطت الكارتيلات الكولمبية والمكسيكية المنظمة بدرجة عالية من التجهيز والتمويل، نفوذهما بين سلطات انفاذ القانون والاقتصاد في كولومبيا والمكسيك ومواصلة اعمالهما في الولايات المتحدة الامريكية من داخل السجون في كولومبيا والمكسيك، فقد أدت المعلومات الاستخباراتية بان الاخوان جلبرتو وميجل رودريجيز كانا يواصلان إدارة اعمالهما في أمريكا من داخل سجنهما في كولومبيا، وكذلك في المكسيك نظرا لوجود الحدود البرية الطويلة المشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية، توغلت عصابات المخدرات بصورة كبيرة في أوساط الساسة الفاسدين،حيث تم اغتيال المرشح الرئاسي، وضباط الشرطة أحدهم يدعى فرديركو بينيز بعد ما ابلغ أصدقائه في كارتيل المخدرات رفض مبلغ الرشوة الذي يدفعونه وهو 100الف دولار امريكى وطالب بالمزيد.

المبحث الثاني

الآليات الدولية والإقليمية في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال (الإنتربول واليوروبول انموذجا)

وانطلاقًا مما سلف، فقد تبين بأن جريمة غسل الأموال جريمة ذات طابع عبر الوطنية ترتكبها عصابات إجرامية عالمية عبر الحدود الوطنية، من خلال أنشطة إجرامية متطورة تسهل عبور الأموال القذرة بين الدول واستغلالها في مشاريع اقتصادية مشروعة قانونا وادماجها في الاقتصاد العالمي مما لا شك فيه تشكل عمليات غسل الأموال خطرا داهما على الاقتصاد العالمي، مما يتطلب جهودا تتعدي الحدود الجغرافية للدول في سبيل مكافحتها والحد من انتشارها في المجتمع الدولي.

وحيث من الثابت أن جريمة غسل الأموال، جريمة منظمة عبر الوطنية، مما لا شك فيه أن تكون مكافحتها أيضا ذات طابع دولي، ومن هذا المنطلق يسعى المجتمع الدولي إلى توحيد إجراءات مكافحة جريمة غسل الأموال على الصعيد التعاون الدولي وإيجاد منظومة عالمية متكاملة لمكافحتها، وذلك خلال تحقيق التعاون والتبادل بين الدول، ووصولا الى تحقيق العدالة الجنائية وتخطي الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي في مكافحة جريمة غسل الأموال.

ولتوضيح ذلك ونظرا لأهمية الآليات الدولية والإقليمية في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال فقد رأينا التركيز على دور منظمة الانتربول(الشرطة الجنائية الدولية) كأهم آلية دولية في مكافحة الجرائم المنظمة الدولية، ودور منظمة اليوروبول (الشرطة الجنائية الأوروبية) كأهم منظمة إقليمية في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال خاصة أن سلطات انفاذ القانون في دولة الامارات قد أبدت رغبتها الواضحة في التعاون معها حيث انظمت في الفترة الماضية الى شبكة AMON التي تعمل كشبكة تشغيلية لمكافحة غسيل الأموال.

المطلب الأول

دور منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) في مكافحة جريمة غسل الأموال

يعد التعاون الأمني الدولي في مجال تبادل المعلومات عن عمليات غسل الأموال بين الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة جريمة غسل الأموال من أهم وسائل التعاون الدولي لمكافحتها والاساس الذي تنبني عليه المواجهة الشاملة لها.

ولكن من ناحية أخرى المصالح المرتبطة بجريمة غسل الأموال وإضفاء صفة المشروعية للاموال القذرة المتحصلة من الجرائم المنظمة الأخرى، وقدرة العصابات الاجرامية العالمية في تطوير أسلوب ارتكابها للجريمة ونقل الأموال المتحصلة منها، فقد أدى إلى ظهور التطورات الهائلة في ابتكار أساليب متطورة لإخفاء مصدر الأموال غير المشروع وإدخالها في دائرة الشرعية.

وبما أن أنشطة الأجرام المنظم غالبا ما تكون عابرة للحدود الوطنية، وعليه الدول لوحدها لاتستطيع منع ارتكاب الجريمة المنظمة عبر الوطنية على إقليمها، فمن هنا تظهر أهمية التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

والجدير بالذكر، إن التطور التكنولوجي والتقني السريع على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي لابد أن يصاحب التطور ذاته ميدان الجريمة، وبما أن أصبح العالم ساحة مفتوحة أمام المجرمين، فالجريمة بفضل هذا التطور الهائل أصبحت ترتكب في آن واحد في اكثر من دولة، إذ نشاط المجرم لم يبقى حبيسا في دولته أو دولة معينة، إنما تجاوز الحدود الوطنية، الامر الذي يتطلب من الأجهزة المعنية بمكافحة الجريمة أن تتطور مع تطور الجريمة في ايجاد الحلول المناسبة لمكافحتها.

وعلاوة على ذلك، العولمة أزالت الحدود بين الدول، ونتيجة لذلك تطورت الجريمة أيضا عبر الوطنية، أي الجريمة التي تجاوزت الحدود الوطنية للدول بحيث أصبحت الأجهزة الشرطية الوطنية بمفردها عاجزة عن مكافحتها ومنع وقوعها، ومن هذا المنطلق فقد اصبح التعاون الأمني لمحاربتها يتطلب وجود جهاز امني دولي مشترك يعني بتأمين هذا التعاون، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء منظمة شرطية عالمية لتمنية التعاون الشرطي الدولي بين الدول دون المساس بسيادتها وتؤمن تبادل المعلومات والأخبار الشرطية على الصعيد العالمي للأجهزة الشرطية الوطنية.

ومن هناء تم إنشاء الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) في بروكسل عام 1948م، لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وقد اعتمدت منظمة الشرطة الجنائية لمحاربة الجريمة المنظمة آليات للتواصل وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء والمنظمة، منها نظام يسمى (ICIS) و هو نظام تكنولوجي رقمي عالي الدقة يحتوي على قاعدة بيانات لصور الاعتداءات الجنسية على الأطفال، والأسلحة المسروقة والمهربة، والبصمات الوراثية DNA، وقاعدة لبيانات المركبات المسروقة وقاعدة لبيانات الجوازات المفقودة أو المسروقة، بحيث أصبحت الطلبات المستعجلة للدول الأعضاء في ميدان البحث والتحقيقات الجنائية سهلة الوصول بالنسبة للأجهزة الأمنية للدول الأعضاء.

وهكذا يتبين دور الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) في مكافحة جريمة غسل الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة عبر الوطنية، على تنسيق الجهود بين الأجهزة الأمنية للدول الأعضاء وتبادل المعلوماتو وذلك وفقا للنص المادة الثانية من القانون الأساسي لمنظمة الشرطة الدولية (الانتربول) بأن: تأمين وتنميــة التعــاون المتبادل على أوسع نطــاين بـــين كافــــــة ســــــلطات الشــــــرطة الجنائيــــــة، في إطــــــار القــــــوانين القائمة في مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

وبناء على ذلك تهتم الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر الدول والتي تعد من الأهم الجرائم التي ترتبط بها جريمة غسل الأموال.

وحرصا من منظمة الشرطة الدولية (الانتربول) في تفعيل دورها الهام في مجال مكافحة الجريمة عبر الوطنية، فقد استحدثت عام 1993 إدارة “فوباك” بهدف جمع المعلومات المتعلقة بغسيل الأموال، و اجراء دراسات تتعلق بمدى جدوى التعاون الدولي في ملاحقة الأموال المتحصلة من الجريمة.

المطلب الثاني

دور منظمة الشرطة الجنائية الأوروبية (اليوروبول) في مكافحة جريمة غسل الأموال

في واقع الأمر نظرا لموقعها الجغرافي، تعاني الدول الأوروبية من آثار جريمة غسل الأموال على اقتصادها وأمنها، وعلاوة على ذلك، فإن النظام السياسي السائد في الدول الأوروبية المبني على الديموقراطية والحق في الخصوصية، قد ساهما في انتشار جريمة غسل الأموال في أوروبا، الامر الذي يتطلب من الاتحاد الأوروبي بذل جهود كبيرة للحد من الجريمة المنظمة عبر الوطنية والمرتبطة بجريمة غسل الأموال.

وفي هذا الإطار، فقد أصدر المجلس الأوروبي المعني بتحويل الأموال واخفاء المصادر الاصلية للاموال عام 1980م، توصيات تتعلق بالإجراءات التأكد من هوية العملاء والتعاون مع منظمة الانتربول والمؤسسات المصرفية حول تبادل المعلومات والبيانات ومراقبة تحويلات الأموال.

وأضف على ذلك، فقد أبرمت دول مجلس الاتحاد الأوروبي اتفاقية ستراسبورغ لعام 1990 بشأن مكافحة غسل الأموال، التي تضمّنت حصر الأفعال التي يجب تجريمها بوصفها جرائم غسل أموال، والتزام الدول الأعضاء بوضع تشريعات مناسبة بمكافحة جريمة غسل الأموال والحد منها، والتعاون فيما بين الدول الأطراف في مجالات البحث وجمع المعلومات لتعقب العائدات المتحصلة من الجريمة وضبطها ومصادرته.

وتماشيا مع ما تم ذكره، ترجع أهمية هذه الاتفاقية في إلزام الدول الأعضاء على وضع قانون مكافحة غسل الأموال يتضمن التدابير الكافية لمصادرة الأموال المتحصلة من الجرائم، وليس مجرد حث الدول على وضع قانون مكافحة غسل الأموال.

وفي عام 1992م، وبهدف دعم التعاون الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي في مكافحة الجريمة المنظمة والجرائم المرتبطة بها، فقد اتفقت الدول الأوروبية على انشاء وحدة أمنية إقليمية مختصة بمكافحة الجريمة في الاتحاد الأوروبي تحت مسمى الشرطة الجنائية الأوروبية (اليوروبول) والتي تعد وكالة انفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي و الجهاز الأمني الاوروبي الموحد في مكافحة الجريمة المنظمة.

ونظرا لخطورة جريمة غسل الأموال وارتباطها بالجرائم المنظمة عبر الوطنية وإدراكاً لمخاطر عمليات غسل الأموال وسعيا لتعزيز التعاون المشترك بين أعضاء الشرطة الجنائية الأوروبية في مجال منع ومكافحة جريمة غسل الاموال، وتبادل المعلومات والخبرات بين الأعضاء لتسهيل عملية مكافحة جريمة غسل الأموال، وتقديم الدعم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتصدي للجريمة بكافة أشكالها وصورها، فقد عُقدت الشرطة الجنائية الأوروبية (اليوروبول) مؤتمرا في دبلن عام 2002، بمشاركة ممثلو جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبعض الدول المتقدمة إلى جانب اليوروبول ويوروجست(وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية)، بهدف تقديم توصيات تتناول موضوع تحديد وتعقب وضبط أرباح الجريمة.

وكانت إحدى التوصيات التي انبثقت عن المؤتمر هي النظر في إنشاء شبكة الكترونية غير رسمية من الاتصالات ومجموعة تعاونية في مجال تحديد الأصول الجنائية واستردادها، واتفق الحضور في المؤتمر على تسمية هذه الشبكة Camden Assets Recovery Inter-Agency Network، و قد أصبحت هذه الشبكة أداة رئيسية لإنفاذ القانون في استهداف عصابات الجريمة المنظمة ومكافحة غسل الأموال المتحصلة منها. ومن المتوقع أن تعمل هذه الشبكة على تحسين التعاون الدولي بين وكالات إنفاذ القانون والأجهزة القضائية ، والتي بدورها ستوفر خدمة أكثر فعالية.

وعلى المستوى التطبيقي العملي، تعمل شبكة كارين الالكترونية من خلال أربع تصنيفات لمصادرة الممتلكات أو الحجر عليها دون الانتظار لحين اصدار حكم الإدانة على المتهمين، التصنيف الأول يرتبط بالمصادرة أو الحجز على الأموال بعد وفاة المدعي عليه وقبل صدور حكم الإدانة النهائي، لتعذر حضور المتهم أمام القضاء، والتصنيف الثاني يتيح المصادرة أو الحجز على جميع الأموال المتهم المرتبطة بجريمة غسل الأموال وغير المرتبطة بها لحين صدور الحكم البات في القضية المعروضة أمام القضاء، بينما أجاز التصنيف الثالث مصادرة أموال المشتبه فيهم بارتكاب جريمة غسل الأموال مدنيا اذا لم تتوافر الأدلة الجنائية الكافية لرفع الدعوى الجنائية على المشتبه فيهم، والتصنيف الأخير لشبكة كارين الالكتروني يرتبط مع الثراء الفاحش غير المبرر من خلال المقارنة بين ممتلكات المشتبه فيهم والدخل الذي يحصلون عليه.

وفضلا عن ذلك، وسعيًا من الاتحاد الأوروبي في تعزيز التعاون الدولي بين أعضاء الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فقد اجتمع في 26 و 27 يناير 2012، أكثر من 100 خبير في مجال مكافحة غسل الأموال من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي وهي أستراليا وجورجيا وأيسلندا وإسرائيل والاتحاد الروسي وسويسرا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية في مدينة براغ عاصمة جمهورية التشيك، وقد اتفقوا على إطلاق شبكة جديدة تسمى AMON (شبكة تشغيلية لمكافحة غسيل الأموال).

واستخلاصا لما سبق، نظام أمون (AMON) عبارة عن شبكة دولية تعني بتبادل المعلومات في قضايا غسل الأموال بصورة مباشرة بين المحققين في الدول الأعضاء في نظام أمون، وهدفها الرئيسي هو تعزيز وتحسين الأطر القانونية القائمة للتعاون الدولي في هذا المجال، وتتخلص الأهداف الأساسية لنظام أمون (AMON) في تعزيز التفاعل الإيجابي بين الأعضاء وتبادل المعلومات عبر قنوات آمنة وإنشاء شبكة عمل مهنية متطورة في مجال مكافحة غسل الأموال وخلق مجالات مشتركة مع الدول من خلال الأمانة العامة لنظام أمون في منظمة الشرطة الجنائية الأوروبية.

المبحث الثاني

دور دولة الامارات العربية المتحدة في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال

تعد دولة الامارات العربية المتحدة عامة وإمارة دبي خاصة مركزا ماليا للمؤسسات المالية العالمية التي تتأخذ مدينة دبي مقراً رئيساً لها، الأمر الذي يتطلب من المشرع الاماراتي اتخاذ نهجاً موسعاً في مكافحة جريمة غسل الأموال.

ومن هذا المنطلق فقد اهتمت دولة الامارات العربية المتحدة بمكافحة جريمة غسل الاموال، حيث أنضمت إلى مجموعة العمل المالي فاتف (FATF) و مجموعة مينا فافت (MENA FATF) ، ونتيجة لتلك الجهود فقد منحت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها عام 2018 م، دولة الامارات العربية المتحدة المركز الأول بين الدول العربية في شفافية منظومة مكافحة الفساد وتبييض الأموال ومحاربة الجريمة المنظمة.

ولعله من المفيد أن نؤكد دور المشرع الاماراتي في المجال التشريعي حيث أصدر المشرع الاماراتي عام 2002م القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2002 في شأن تجريم غسل الأموال، والمرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لسنة 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.

و من ناحية أخرى، سعيًا من دولة الامارات في مواكبة تطور الجريمة المنظمة عبر الوطنية وجريمة غسل الأموال المرتبطة بها فقد نظمت “المؤتمر الثامن للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة غسل الأموال”.

وعلاوة على ذلك، فقد تعهدت الإمارات العربية المتحدة بمواصلة اتخاذها لكافة التدابير اللازمة بما في ذلك تبني وتنفيذ أفضل الممارسات وأحدث الأنظمة العالمية لمكافحة العلاقة بين الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي، بما في ذلك عبر مكافحة غسيل الأموال وتعزيز أمن الحدود بهدف الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وذلك أثناء المناقشة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن الدولي، برئاسة “بيرو”، حول “الصلات القائمة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة، في إطار البند المدرج على جدول أعمال المجلس المعنون “الأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين” .

وتجدر الإشارة بأنه تقوم اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة، في حماية النظام المالي الإماراتي عبر تطبيق أحدث الأنظمة العالمية، وتجهيز وحدات الاستخبارات المالية بالمعدات والخبرات اللازمة لتكون قادرة على تحليل التعاملات المشبوهة والتحقيق فيها، ونتيجة لذلك تعد الإمارات العربية المتحدة أول دولة في منطقة الخليج تقوم بتدشين برنامج “goAML” لجمع وتحليل المعلومات المالية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وفضلًا عن ذلك ، تعد الإمارات العربية المتحدة من الدول المؤسسة لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تلعب دوراً هاماً في تبادل المعلومات بين وحدات الاستخبارات المالية لمكافحة تمويل الإرهاب في المنطقة.

ولابد من الإشارة إلى دور المصارف المالية في المجال المالي و الاقتصادي عالميا كونها أداة الربط المالي بين الشركات التجارية عبر الحدود الوطنية، فقد تستخدم الشبكات الاجرامية، البنوك كأداة لنقل أموالها القذرة بين الدول أو في دولة مقرها.

وفي هذا الإطار، تحرص التشريعات الوطنية على دعم سياستها الجنائية في تجريم غسل الأموال بسياسة موازية للاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة المخدرات وغسل الأموال، للوقاية من وقوع جرائم غسل الأموال، ومكافحة تهريب الأموال القذرة من خلال المصارف المالية.

وفي مقابل ذلك، فقد تواجه مكافحة جريمة غسل الأموال مع أهداف وغايات القانون في التشريعات الوطنية، والتي تكمن في حماية حقوق افراد المجتمع ومصالحهم، قد يكون تحقيق هذه الغاية في مجال المعاملات المالية من خلال تقرير مبدأ السرية كوسيلة قانونية لحماية حقوق افراد المجتمع ومصالحهم، وقد تصل عقوبة إفشاء المعلومات المالية إلى الحبس والغرامة والعزل من المهنة المصرفية.

وعليه، نجد أن حرصا من المشرع الاماراتي على مبدأ السرية المصرفية، فقد نص في المادة (106)من القانون الاتحادي رقم (10) بشأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية على سرية جميع المعلومات المالية لعملاء البنوك،وكما نص في الفقرة الثانية من المادة رقم (29) من القانون المذكور أعلاه على لحبس والغرامة والعزل من المهنة المصرفية.

ومن هذا المنطلق، حرصا من المشرع الاتحادي الإماراتي على مواكبة تطور الأساليب الاجرامية في تهريب الأموال غير المشروعة، والتصدي لظاهرة غسل الأموال، فقد سعى إلى الحد من انتشار جريمة غسل الأموال في القطاع المصرفي، دون انتهاك خصوصية الافراد المالية، من خلال أصدار المشرع الاماراتي المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2018 بتجميد الأموال المشتبه بها.

وتماشيا مع توجه المشرع الإماراتي في مكافحة جريمة غسل الأموال وعدم المساس بمبدأ سرية المعلومات المصرفية، فقد فوض المصرف المركزي، كجهة رسمية مخولة بالرقابة على أنشطة المصارف في دولة الإمارات العربية المتحدة وفقا للمادة رقم 5 فقرة 1 من المرسوم المذكور أعلاه، حيث نص بأن:”للمحافظ أو من يقوم مقامه أن يأمر بتجميد الأموال التي يشتبه بها لدى المنشات المالية لمدة لا تزيد على 7 أيام وفقا للقواعد والضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا المرسوم بقانون، وتكون قابلة للتمديد من قبل النائب العام أو من يفوضه”.

والجدير بالذكر، تأسست اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة في سنة 2000 بهدف حماية النظام المالي ومكافحة التمويل غير المشروع. وتقوم اللجنة الإشراف على سياسات وجهود مواجهة غسل الأموال من خلال الارتقاء بكفاءة وفعالية إطار مواجهة غسل الأموال والالتزام المستمر بالمعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتماشيا مع تم ذكره، خول المشرع الاماراتي وفقا لنص المادة 11 من المرسوم بقانون المذكور أعلاه المحافظ بتولي رئاسة اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.

وإن دل ذلك على شيءٍ فإنما يدل على أهمية مواجهة جريمة غسل الأموال، من خلال اغلاق طرق تحويل الأموال القذرة المتحصلة من جرائم المخدرات عبر المصارف في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونشير في هذا الشأن على دور اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة التي تتضمن المصرف المركزي والجهات الاتحادية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال منها وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة(أبوظبي-دبي).

وعلى المستوى الأمني، تختص وزارة الداخلية وفقا لنص المادة (6) من مرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2019، بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (12) لسنة 1976م في شأن قانون قوة الشرطة والامن، بمكافحة الجرائم وضبط مرتكبيها والمحافظة على الامن العام وحماية الأرواح والممتلكات، ومن هذا المنطلق وبما أن غسل الأموال جريمة جنائية ترتبط بجرائم جنائية أخرى كالمخدرات والاتجار بالبشر، فإن دور وزارة الداخلية في مكافحة جريمة غسل يكمن في دورين، الآول يتمثل في الطرق الوقائية لمنع وقوعها في إقليم الدولة، والثاني ضبط مرتكبيها بعد وقوعها.

مما لاشك فيه، فأن وزارة الداخلية متمثلة في القيادات الشرطية والإدارات المعنية بمكافحة الجريمة المنظمة وبهدف رفع مستوى الأداء في العمل الشرطي، وتعزيز الوعي الأمني لدى أفراد مكافحة الجريمة، وزيادة قدرتهم في مكافحتها، تنظم دورات تخصصية في مجال الوقاية من الجريمة وضبط مرتكبيها، ونشير في هذا الشأن دورة ” مكافحة تبييض الأموال ” التي نظمها معهد تدريب الشرطة في القيادة العامة لشرطة عجمان بالتعاون مع الشرطة القضائية الفرنسية، وفضلا عن ذلك دور الأجهزة الأمنية في ضبط مرتكبي جريمة غسل الأموال، فعلى سبيل المثال اسقطت شرطة دبي شبكة دولية لغسل الأموال في عملية أطلق عليها مسمى قضية السرطان، حيث تمكنت شرطة دبي وبالتعاون مع المصرف المركزي ووحدة مكافحة غسل الأموال والتنسيق والمتابعة مع الاجهزة الامنية في عدة دول اوروبية وآسيوية من القاء القبض على افراد الشبكة التي كانت تتواجد في اكثر من 20 دولة والتحفظ على اموالها في تلك الدول والتي بلغت نحو 28 مليار دولار.

وكذلك عقدت وزارة الداخلية ورشة عمل افتراضية بعنوان “عمليات غسل الأموال المعقدة” بمشاركة الضباط المعنيين بمكافحة غسل الأموال بالوزارة والوحدات التنظيمية المختصة، بهدف رفع كفاءتهم وتطوير قدراتهم، وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة للتعرف على ماهية جرائم غسل الأموال وخطورتها، ونشر الوعي بقضايا غسل الأموال المعقدة.

وتماشيا مع ذلك، فقد انضمت وزارة الداخلية عام 2021م، الى الشبكة الاوربية “أمون” المختصة بالجرائم المالية التي تناولنا دورها في المطلب الأول من المبحث الأول.

كما وقعت القيادة العامة لشرطة دبي اتفاقية شراكة تعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، تم بموجبها اعتماد دبلوم دولي متخصص في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفقاً لمعايير ومنهجية الأمم المتحدة بهذا الشأن، لتأهيل خبراء وطنيين دوليين في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال.

ويتضح مما تقدم، أن وزارة الداخلية بدولة الامارات تقوم ببذل جهد كبير في سبيل الوقاية من جريمة غسل الأموال وضبط مرتكبيها على الصعيد الدولي.

الخاتــــــــــــمة:

تمثل جريمة غسل الأموال مشكلة دولية تعاني منها دول العالم، تمارسها عصابات إجرامية عالمية بهدف إضفاء صفة المشروعية على الأموال القذرة العائدة لجرائم أخرى كجرائم المخدرات والاتجار بالبشر وتجارة الأسلحة، حيث تعرض الباحث لموضوع البحث من خلال تناوله لماهية جريمة غسل الأموال وآليات مكافحتها على الصعيدي الدولي والإقليمي مع بيان جهود دولة الامارات دولة الامارات العربية المتحدة في مجال التعاون الجنائي الدولي.

النتائج

  1. تعد جرائم غسل الاموال جرائم مالية واقتصادية لها مخاطر اجتماعية وسياسية.
  2. تشكل جرائم غسل الاموال تحديا امنيا امام المنظمات الدولية التخصصة في مكافحة الجريمة.
  3. تبنت الامارات العربية تلمتحدة منظومة تشريعية للحد من تداعيات جرائم غسل الاموال.
  4. توظف التنظيمات الاجرامية الاموال القذرة في ارتكاب العديد من الجرائم المنظمة.
  • التوصيات
  1. نظرا لأهمية شبكة كارين الإلكترونية التابعة لمنظمة الشرطة الجنائية الأوروبية(اليوروبول) في مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة عبر الوطنية دون الانتظار لحين صدور حكم الإدانة على المتهمين، فإننا نرى الانضمام دولة الإمارات العربية المتحدة ودول المنطقة إليها يساهم في دعم التعاون الجنائي الدولي لمكافحة جريمة غسل الأموال.
  2. التركيز على الجانب التوعوي في المجتمع من خلال إعداد مواد توعوية لبيان خطورة جريمة غسل الأموال على الاقتصاد الوطني وأمن الدولة.
  3. تشجيع الباحثين للاهتمام بدراسة أسباب انتشار جريمة غسل الأموال في العصر الحالي.
  4. تدريب العاملين في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال من خلال التركيز على طرق مكافحة جريمة غسل الأموال عبر الحدود الوطنية.

    المراجع العربية:

  5. عبدالفتاح سليمان، مكافحة غسل الأموال، دارالكتب القانونية، المحلة الكبرى، مصر، 2005
  6. حمدي محمد محمود حسن، السياسة الجنائية لمواجهة جريمة غسل الأموال، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، طبعة 1، 2016
  7. نادر عبدالعزيز شافي، جريمة تبيض الأموال، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، ط2،2005
  8. أروى فايز الفاعولي وإيناس محمد قطيشات، جريمة غسيل الأموال، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2002
  9. بيتر ليلي، الصفقات القذرة، مجموعة النيل العربية، القاهرة، مصر، ط1، 2005
  10. خالد سليمان، تبيض الأموال، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2004
  11. شريف سيد كامل، مكافحة جرائم غسل الأموال في التشريع المصري، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، ط1، 2002
  12. عادل عكروم، جريمة تبيض الأموال، دارالجامعة الجديدة، مصر، 2013
  13. ليندا بن طالب، غسل الأموال وعلاقته بمكافحة الإرهاب، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر، 2001
  14. محمود كبيش، السياسة الجنائية في مواجهة غسل الأموال، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2001
  15. مخلص إبراهيم المبارك،غسل الأموال التجريم والمكافحة، جمهورية سوريا العربية، دمشق، دار عكرمة، ط2، 2004
  16. مصطفي العدوي، الاتجار بالبشر ماهيته وآيات التعاون الدولي لمكافحته، جمهورية مصر العربية، القاهرة، بدون ناشر، 2014
  17. نائل عبدالرحمن صالح، جريمة غسل الأموال، دار وائل للنشر، الأردن، ط1، 2002.

القوانين والاتفاقيات:

  • اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000
  • اتفاقية ستراسبورغ لعام 1990 بشأن مكافحة غسل الأموال
  • اتفاقية فيينا المعنية بمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية
  • صندوق النقد الدولي 12IMF فبراير 2001
  • القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2002 في شأن تجريم غسل الأموال
  • القانون الأساسي لمنظمة الشرطة الدولية (الانتربول)
  • لقانون الاتحادي رقم (10) بشأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية على سرية جميع المعلومات المالية لعملاء البنوك
  • مرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2019، بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (12) لسنة 1976م في شأن قانون قوة الشرطة والامن
  • المرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لسنة 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة
  • المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2018 بشأن تجميد الأموال المشتبه بها

 

المواقع الالكترونية

  • https://namlcftc.gov.ae/ar/
  • https://uaeun.org/ar/الإمارات-تتعهد-بمواصلة-تبني-أفضل-المم/
  • https://www.ajmanpolice.gov.ae/MoB/NDetail.php?NID=X78PIDUwqgA=
  • https://www.alkhaleej.ae/2009-05-09/شرطة-دبي-ومكافحة-غسل-الأموال-تحييد-السهم-وأسر-السرطان/اقتصاد-محلي/اقتصاد-أرشيف-الإقتصاد
  • https://www.bbc.com/arabic/40091579
  • https://www.carin.network
  • https://www.dubaipolice.gov.ae/wps/portal/home/mediacenter/news/newsdetails/2641?lang=ar
  • https://www.europol.europa.eu/newsroom/news/international-anti-money-laundering-operational-network-amon-launched
  • https://www.europol.europa.eu/sites/default/files/documents/carin-manual.pdf
  • https://www.europol.europa.eu/sites/default/files/documents/carin_manual_sep2018.pdf
  • https://www.moi.gov.ae/ar/media.center/news/04042101.aspx
  • https://www.transparency.org/ar/news/cpi-2019-middle-east-and-north-africa
  • https://www.un.int/uae/ar/news
  • https://www.wam.ae/ar/details/1395302811858
  • www. Interpol.int/public

    www.Europol.Europa.eu

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى