أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد علىدعوى التعويض أمام المحكمة المدنية
أثر حكم البراءة في تهمةالقتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية إذا بنى الحكم علىنفي الخطأ
(لصاحب العزة زكي بك خير الأبوتيجى رئيس النيابة لدى محكمة النقضالدائرة المدنية)
1 – أثر القضاء الجنائي على المدني وحكمته وأساسهالقانوني: قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء المحكوم بهأمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب والأخصام في كلتاالدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو الفعل الجنائي أوالجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر كذلك في الدعوىالمدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات المدنية منالمتهم. ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون المدني التيتنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب. ولكن مصلحةاجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لاتتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكامالجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه ممايبعث على الاضطراب وهياج الأهالي أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلىأن من نسب إليه التهمة لم يرتكب جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجناياتبإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً. لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضيالمدني أن يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعةأخيرة جزء (2) بند (493) صفحة (459)). أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسينص في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أننظر الدعوى جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوباحترام الحكم الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره. ولو أنالقانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قدأصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة منمحكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتابمرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825) وما بعده). وهذا بعد أن ترددتالمحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ (انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكمالمدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقضالصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)). ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل بها في مصر طالما أنهذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده ولأنه لم يرد أي نص فيالقوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في مقالة الأستاذ مرقص بكفهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)). هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًاللشارع المصري ليفصح عن هذا المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاصبإصدار قانون تحقيق الجنايات المختلط في المادة (19) ما يأتي:
(إذا استلزمالفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قدارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعاتالمتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوىولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة بالمواد الجنائية – ويوقف الفصل في الدعوىالمدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائيًا). ويلاحظ أن البحث فيهذا المقام مقصور على نوع واحد من الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكامالبراءة الصادرة من المحاكم الجنائية في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلىأن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجنيعليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلايتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوتالتهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.
2 – رأيالفقه في فرنسا وبلجيكا: قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيينفالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح – مؤداه أن حكمالبراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوىالتعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث فيالجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لهاأن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأالجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قديكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث القتلخطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني ومع ذلكيجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا. ومن أنصارهذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة (470) بند (769) مكرر ومرلان تحتعنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند (486) وما بعده وماتيجان تحت عنواندعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء ( بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.
3 – الرأي الثاني: مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهمفي تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم فيالفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذاالفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2) طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النصالوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوباتأهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائيأن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساسأنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامهوالأخذ بما حكم به. ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء (2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320) عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديدشامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ المدنيمهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لايدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغللمحكمة المدنية أن تسمع دعوى التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة – ويقول سافاتييه في مجلة دالوز سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني فيالخطأ الجنائي الذي هو أساس جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًاومضطردًا ويقول جارسون في شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسيبند (16) بأن نص هاتين المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أوالخطأ لا يستطيع القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص