أساليب وممارسات الدول: مداخل يمكن أن تمس بالقيمة القانونية والإجرائية لتشريعها ومصداقية مؤسساتها – الدكتور : أشخلف عبد الله دكتور في القانون الدولي، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط “المغرب”
أساليب وممارسات الدول: مداخل يمكن أن تمس بالقيمة القانونية والإجرائية لتشريعها ومصداقية مؤسساتها
State méthodes and practices : Entries that could affect the légal and procédural value of its legislation and the credibility of its institutions
الدكتور : أشخلف عبد الله
دكتور في القانون الدولي، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط “المغرب”
ملخص:
تسلط هذه الدراسة الضوء على بعض الحالات التي تكون سببا وجيها في تجاوز المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان بعض القواعد القانونية المنصوص عليها في التشريع الوطني، وهذه الحالات تحدث في غالب الأحيان نتيجة اعتماد الدولة أو مؤسساتها أساليب وممارسات لا تنسجم مع روح ومضمون القواعد القانونية الوطنية، أو في حالة تعبيرها عن عدم تفعيل الإجراءات المسطرية أو تجاوزها. وهذه الحالات تسمح للمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان بحقها في عدم اعتماد قواعد التشريع الوطني، لأن هذه القواعد لم تطبق أو لم تفعل بالشكل الذي يمكن أن يحقق العدالة والإنصاف، وهذه الحالات تؤدي إلى نتيجة طبيعة وهي قبول المؤسسات الدولية ادعاءات أصحاب المصلحة باعتبارها ذات وجاهة وموضوعية بناء على عدم احترام الدولة قانونها وإجراءاتها التشريعية. وفي نفس الوقت يمكن للمؤسسات الدولية عدم اعتماد تقارير أو قرارات بعض المؤسسات الوطنية إذا تأكد بأن الأخيرة لا تخضع لمعيار الموضوعية أو الش فافية والنزاهة، أو إذا تأكد لديها أن عمل هذه المؤسسات يخضع لتوجيهات ذات طبيعة سياسية أو مصلحية، مما يجعل عملها قابلا لعدم الاعتماد نتيجة فقدان مصداقية هذه المؤسسات حتى وإن أنجزت عملها بالشكل المنصوص عليه في التشريع الوطني.
الكلمات المفتاحية: رقابة المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان، أساليب وممارسات المؤسسات الوطنية، مصداقية المؤسسات، تجاوز التشريع الوطني.
abstract :
The present paper sheds light on situations that constitutes a valid reason for international human rights institutions to bypass domestic legislations. These cases often occur as a result of the state or its institutions (a) adopt methods and practices that are not consistent with national laws in force, (b) or in the case where the procedures are violated or exceeded. Thus, these cases allow international human rights mechanisms to disregard national legislations which do not achieve justice and equity. Faced with this situation, international human rights mechanisms adopt the stakeholders’ allegations as objective and credible allegations, supported by the state’s violation of its legislation in force. At the same time, international institutions may not approve the reports or decisions of some national institutions if it is found that the latter is not subject to the criterion of objectivity, transparency and integrity, or if it is determined that the work of these institutions is subject to directives of whatever nature, which makes their work subject to non-accreditation as a result of the loss of credibility of these institutions. Even if its work has been carried out in accordance with the provisions of national legislation.
Keywords: monitoring by international human rights mechanisms, methods and practices of national institutions, credibility of institutions, bypassing
مقدمة:
أصبحت الدول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وصياغة ميثاق الأمم المتحدة، ونشأت المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان، وصياغة الاتفاقيات الدولية المعنية باحترام وحماية حقوق الإنسان، أمام وضع دولي جديد يسمح للمكونات السابقة بمراقبة الوضعية الحقوقية داخل حدود هذه الدول بشكل دوري ومستمر، وممارسة الرقابة على عمل مؤسساتها الوطنية، وإصدار التوصيات والقرارات، وإعداد التقارير.
يخضع الوضع القانوني والإجرائي للدول لقواعد ومفاهيم ومبادئ وقيم ومناهج لا تساير ما كان يسمح به القانون الدولي العام التقليدي، حيث ظهر لحيز الوجود بعد الحرب العالمية الثانية قانونا جديدا اعتبر في البداية فرعا من فروع القانون الدولي العام، إلا أن الكثير أصبحوا يعتبرونه قانونا دوليا مستقلا بذاته، وهذا الأخير هو القانون الدولي لحقوق الإنسان، على اعتبار أن كثير من قواعد القانون الأخير إما أنها متناقضة تماما مع قواعد القانون الدولي العام[1]. وإما أنها تعتمد مناهج ومفاهيم ومقاربات وسياسات لا تنسجم مع ما هو متعارف علية في القانون الدولي العام[2]، ومن بين أبرز ما أثر في هذا التحول هو حصول الفرد على الشخصية الدولية، بحيث أصبح مخاطبا ومعنيا بقواعد القانون الدولي، بعدما كان مخاطبا بالتشريع الوطني وخاضعا لسيادة الدولة بشكل كامل، وهذا المركز الذي حصل عليه الفرد سمح للمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان بالتدخل لحمايته. وجعلت هذه الوضعية الجديدة جميع الأساليب والممارسات والتشريعات والسياسات المعتمدة من طرف المؤسسات الوطنية تحت مجهر المعايير والمبادئ والقيم المتعارف عليها دوليا، بعدما كرست الأخيرة في كثير من الإعلانات والاتفاقيات الدولية، وكذلك بعدما خضعت لمناقشات ذات الطبيعة الفقهية والأكاديمية والفلسفية، وستقر عليها جل أراء الباحثين والمعنيين بدراسة حقوق الإنسان، وحظيت بالقبول والاستحسان من قبل المجتمع الدولي والعالمي. لذلك فإن الحديث عن تقييم أساليب وممارسات المؤسسات الوطنية لم يعد ينظر إليه تدخلا في الشؤون الداخلية، وإنما هو جزء من ولاية المؤسسات الدولية الحقوقية، التي لها الاختصاص لمراقبة مدى احترام وحماية الدول لحقوق الأفراد والجماعات وذلك من خلال عدة آليات منها: رصد الخروقات، إجراء التحقيقات، القيام بالزيارات، إعداد التقارير، تلقي الشكاوى الفردية، تتبع وتنفيذ التوصيات والقرارات… وهذه الوضعية القانونية والإجرائية ذات الطابع الدولي أنشأت مؤسسات دولية وعززتها بآلية الرقابة على عمل المؤسسات الوطنية، وعلى كشف عيوب التشريع التي يمكن أن تظهر في النص القانوني أو في الجانب الإجرائي، أو في أساليب وممارسات ومناهج وسياسات المؤسسات الوطنية.
إشكالية الدراسة:
تمتع الهيئات الدولية لحقوق الإنسان بحق ممارسة الرقابة على عمل المؤسسات الوطنية، وبحقها في السهر على حسن تطبيق وتنفيذ القانون الوطني، وباختصاصها في إعداد التقارير، وبإنجاز التحقيقات، وبإصدار التوصيات والقرارات لأجل جعل ممارسات وأساليب المؤسسات الوطنية منسجمة مع المبادئ والقيم المتعارف عليها دوليا، يقودنا لطرح الإشكالية التالية: متى تصبح أساليب وممارسات المؤسسات الوطنية سببا في فقدان مصداقيتها وحيادها وشفافيتها، وماهي الحالات التي يفقد فيها التشريع الوطني قيمته القانونية والإجرائية؟
الإشكاليات الفرعية:
يتفرع عن الإشكالية الرئيسية السابقة بعض الإشكاليات الفرعية ومنها:
- متى يتحول الانتهاك الجسيم من الصفة المعزولة إلى الصفة الممنهجة؟ وكيف تساهم الدول في ذلك؟
- هل قرارات وتقارير الهيئات الدولية يمكن أن تغير الوضع القائم؟
- هل الهيئات الدولية مرحلة استئنافية أو مؤسسات رقابية؟
- كيف يؤثر تفاعل الدولة الطرف أو المعنية على صورتها وتصنيفها الدولي؟
- هل السيادة في مجال حقوق الإنسان مصدر قوة أو ضعف بالنسبة للدول الأطراف والمعنية؟
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تثير مسألة في غاية الأهمية والحساسية بالنسبة للدول التي لا تراعي احترام وحماية حقوق الإنسان الاهتمام الواجب، لأن الوضع الحقوقي للدول لم يعد من شؤونها الداخلية، بعدما أصبح يحظى بالاهتمام الدولي، ويترتب عن هذا الوضع الجديد ضرورة أن تحسب لخطوات الدول والمؤسسات حسابات دقيقة حتى لا تتهم بأنها تخرق حقوق الإنسان، لأن خرق وانتهاك الأخيرة لها ثمن باهض يمكن أن يفقد الدول مصداقيتها أمام مواطنيها وباقي المكونات الدولية، ويخلق متاعب حقيقة للنظم السياسية إلى حد لجوء المجتمع الدولي إلى استعمال القوة في حالة وقوع الانتهاكات على نطاق واسع.
مناهج الدراسة:
تتطلب الدراسة استقراء مجموعة من القواعد القانونية الوطنية والدولية ومحاولة تحليلها على ضوء إجراء مقارنات ورصد مجال الاختلاف والالتقاء بهدف وصف طبيعة العلاقة بين هذه القواعد القانونية والوصول إلى النتائج الموضوعية التي تحدد مجال الإخفاق والنجاح، من خلال وضع المقارنات السابقة على معايير ومؤشرات قابلة للقياس لتقييم الأساليب والممارسات المعتمدة.
خطة الدراسة:
- المحور الأول: اعتماد المفهوم الواسع لمبدأ السيادة مدخلا أساسيا لوقوع الانتهاكات والخروقات
- المحور الثاني: أساليب وممارسات الدول التي تسهم في التقليل من القيمة القانونية لتشريعها الوطني
- المحور الثالث: مصداقية المؤسسات الوطنية خاضعة لرقابة المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان
- المحور الرابع: عدم الرد على استفسارات المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان تسليما بوقوع الانتهاكات
المحور الأول: اعتماد المفهوم الواسع لمبدأ السيادة مدخلا أساسيا لوقوع الانتهاكات والخروقات
كثر الحديث عن تفسير مبدأي السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهناك أراء فقهية ودراسات عديدة تناولت الموضوع بشكل مستفيض، لكن هذا الموضوع مازال يثير تساؤلات وتأويلات عديدة لم يتم حسمها نظريا وواقعيا. حيث هناك من يرى أن المبدئين يعتبران من الثوابت التي لا يمكن المساس بهما ولا يحتملان التغير والتأويل، بالمقابل هناك من يرى أنهما مشمولان بضرورة التغيير حسب موقع تفعيل المبدئين، وحسب التطور عبر الزمني لفلسفة وثقافة الحقوق والحريات الأساسية، وحسب طبيعة المواضيع المفعلة فيها هاذين المبدئين. لذلك سوف لن نعرج على الاجتهادات الفقهية، التي تحكمت فيها سياقات محددة، ولن نثير مختلف المواقف التي عبر عنها الباحثين، بل سنتناول مبدأ السيادة من خلال علاقته بالقانون الدولي العام كمبدأ ذو تفسير واسع، وعلاقته بالقانون الدولي لحقوق الإنسان الخاضع للتفسير الضيق. وإن التمييز بين حقل القانون الدولي العام المحكوم بالعلاقات الدولية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان المحكوم بالحقوق والحريات الأساسية يعتبر مدخلا رئيسيا لتوضيح الصورة وتحديد المجالات وتأطير الخلافات.
أولا: مفهوم السيادة في إطار القانون الدولي العام والعلاقات الدولية
ارتبط مبدأ السيادة في فترة ما قبل ميثاق الأمم المتحدة بضرورة وجود دول مستقلة، وشرعية ممارسات تمييزية وغير قانونية، رغم أن القضاء الدولي والتحكيم الدولي خلص في تلك الفترة إلى مجموعة من الاستنتاجات –يحكم القانون الدولي العلاقات بين الدول المستقلة[3]– وكذلك – احترام السيادة الإقليمية بين الدول المستقلة هي أحد القواعد الأساسية للعلاقات الدولية[4]– وأيضا -أن السيادة في العلاقات فيما بين الدول تعني الاستقلال[5]– إن هذه الفترة جاءت في سياق كان المجتمع الدولي يحتكم لبعض القواعد التي تجاوزها التاريخ والممارسة حاليا وأصبحت غير معتمدة. لذلك يمكن دراسة السيادة من خلال ميثاق الأمم المتحدة ومن خلال القانون الدولي لحقوق الإنسان.
- السيادة المطلقة في ميثاق الأمم المتحدة
يقر ميثاق الأمم المتحدة بمجموعة من المواد ذات الصلة بشكل مباشر أو غير مباشر بمبدأ التمتع بالسيادة وبالمساواة فيها[6]، حيث أقر بإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام مبدأ السيادة، بهدف تقرير المصير ولغاية حفظ السلم والأمن الدوليين، وأن الهيئة تقوم على المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء[7]، لذلك منع الميثاق استعمال القوة في العلاقات الدولية بشكل لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة[8]، وشدد على ضرورة حماية تقرير المصير بهدف اكتساب الدولة لحقها في السيادة على أراضيها[9]، ورفع الوصاية على الأراضي المحررة من قيد الاستعمار[10].
يستشف من خلال مواد الميثاق الخاصة بمبدأ السيادة أن الأخيرة تعتبر معيارا لقدرة الدولة على ممارسة صلاحياتها وإمكانياتها وطاقاتها بمعزل عن أي تأثير كيفما كان نوعه، وهذا سوف يقودنا إلى القول بأن الدولة المستقلة لها سيادة مطلقة في علاقتها بالدول والكيانات الدولية، وهذه السيادة تمارس بنوع من الندية في علاقتها بالأقران من الدول والكيانات الدولية. لذلك أجاز الميثاق المعاملة بالمثل كما أجاز اللجوء إلى استعمال القوة في حالة الاعتداء[11]، كنوع من الدفاع الشرعي. بدورها خلصت محكمة العدل الدولية في قضية مضيق “كورفو” سنة 1949 في أن “السيادة بحكم الضرورة هي ولاية الدولة في حدود إقليمها ولاية انفرادية ومطلقة، وان احترام السيادة الإقليمية فيما بين الدول المستقلة يعد أساسا جوهريا من أسس العلاقات الدولية[12]“، وبذلك يمكن القول بأن ممارسة السيادة بالمفهوم المطلق جائز في إطار العلاقات الدولية والقانون الدولي العام، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الحقوق المتداخلة والمتقاطعة بين الدول والكيانات الدولية. وهذا يسمع بالقول بأن الدول مطالبة باحترام الشؤون الداخلية للدول خصوصا ما يتعلق بتقرير المصير، سواء تعلق الأمر بالثروات الطبيعة أو الحدود الجغرافية أو اختيار النظام السياسي أو الدخول في علاقات مع الدول الأخرى.
- السيادة المقيدة في ميثاق الأمم المتحدة
يعتبر ميثاق الأمم المتحدة أول وأكبر وثيقة دولية ملزمة للمجتمع الدولي، نصت بصراحة على ضرورة حماية حقوق الإنسان[13]، وارتبطت هذه الحماية بتحقيق السلم والأمن الدوليين، وأكدت على خلق مؤسسات وآليات دولية تسهر على هذه الحماية كقصد أساسي من مقاصد الأمم المتحدة، وفرضت ضرورة تعاون الدول مع هذه الآليات كنوع من الالتزام الدولي. وهذه الآليات سميت في ما بعد بالآليات غير التعاقدية، لأن الدول لم تتعاقد بشأنها بشكل مباشر، لكن بنود الميثاق قد ألزم الدول بالتجاوب والتفاعل معها انطلاقا من مبدأ حسن النية وتفعيلا لضرورة حماية الأمن والسلم الدوليين اللذان يقومان على أساس حماية حقوق الإنسان، لذلك أصبحت الدول المستقلة التي تتمتع بالسيادة المطلقة في إطار العلاقات الدولية مطالبة بالتعامل بشكل مختلف مع مبدأ السيادة في علاقتها بالأفراد والجماعات، حيث لم تعد الدول قادرة على خرق الحقوق والحريات الأساسية بدعوى حقها في ممارسة السيادة أو تضرعها بتفعيل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وإنما أصبحت الدول مطالبة بالتعامل مع مبدأ السيادة في إطاره الضيق والذي يحاول الفصل بين سيادة الدول عن الأشياء وسيادتها على الأشخاص والأفراد، حيث أصبح من غير الممكن أو المسموح اعتبار الأفراد جزء من ممتلكات الدولة، لأن الأخيرة أنشأت بغرض خدمة الأفراد وليس العكس، وإن العقد الاجتماعي الجديد أصبح يتجه نحو قداسة الفرد وليس قداسة الدولة. وإن الفرد لم يعد ذو بعد وطني بل أصبح في إطار القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ذو بعد دولي، بمعنى أنه يمكن أن يحظى برعاية وحماية دولية بغض النظر عن جنسيته أو انتمائه العقائدي أو السياسي أو الاجتماعي، لذلك أصبح المجتمع الدولي لا يسمح للدول بارتكاب الانتهاكات الجسيمة ضد الأفراد دون محاسبة أو رقابة، ولقد تعزز ذلك بنشأة المنظومة الحمائية الدولية والمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان.
ثانيا: حدود السيادة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان والمنظومة الحمائية الدولية
تعرض مبدأ السيادة لهزات ارتدادية متتالية بعد صياغة ميثاق الأمم المتحدة، خصوصا عندما قرر المجتمع الدولي والعالمي عقد مجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وعززها بنشأة مجموعة من الآليات ذات الطبيعة الرقابية والشبه القضائية، والتي تسهر على حماية الحقوق والحريات الأساسية من خلال وضع حد لوقوع الانتهاكات الجسيمة والممنهجة. هذه الخطوات اعتبرت طفرة نوعية بخصوص الحد من تفعيل مبدأ السيادة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
- مركز السيادة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
دخل المجتمع الدولي في عملية تقنين الحقوق والحريات الأساسية منذ سنة 1965 بعد صياغة أول اتفاقية دولية ملزمة للدول، وقبل ذلك كان المجتمع الدولي قد وضع أمام الدول معايير وقواعد لإدارة الحرب من خلال صياغة أوقاف جنيف سنة 1949[14]. وبعد ذلك عقدت عدة اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان تتضمن حقوقا عامة ومواضيعية وفئوية، واللافت في هذه الاتفاقيات أنها أنشأت لجان دولية أوكلت لها عدة مهام واختصاصات، على رأسها عملية رصد وتنفيذ الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقيات وتنزيل بنودها في التشريعات الوطنية للدول، واسند إلى هذه اللجان كذلك حق ممارسة الرقابة على ممارسات المؤسسات الوطنية. وهذه الممارسة الدولية جعلت الدول تقبل بشكل تدريجي التدخل في شؤونها الداخلية. وفي هذا الإطار عبر الأمين العام للأمم المتحدة السابق السيد “كوفي أنان” في المشروع الذي طرحه على الجمعية العامة في دورتها (54) على أن السيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية التي تعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة ولكن تتعلق بالأفراد أنفسهم، وهي تعني الحريات الأساسية لكل فرد والمحفوظة من قبل ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فهو يدعو إلى حماية الوجود الإنساني للأفراد وليس حماية الذين ينتهكونها. وبهذا التوجه يكون “كوفي أنان” قد سمح للمؤسسات والهيئات الدولية لحقوق الإنسان للقيام بواجبها الرقابي من خلال تدخلها بغرض وضع حد لجميع أنواع الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان بشكل عام. ولقد تحققت هذه الغاية بعدما أوكلت الأمم المتحدة مهمة الحماية إلى المؤسسات الدولية ذات الاختصاص والولاية.[15]
بفضل عمل هذه المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان أصبح معيار اعتماد السيادة بالمفهوم الواسع والغير المقيد مؤشرا حقيقيا على وجود بيئة تسودها الانتهاكات والخروقات، مما يعني أن تقييم الوضعيات الحقوقية داحل الدول الأطراف والمعنية خاضع لعدة معايير ومقاييس منها تقييد السيادة عندما يتعلق الأمر بحماية الحقوق والحريات الأساسية.
- الانخراط في المنظومة الحمائية الدولية تسليما بالسيادة المقيدة وبحق التدخل الإنساني
صادقت عدة دول غير مصنفة ديمقراطية على عدة اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان، كما قبلت بالإجراءات المنبثقة عن هذه الاتفاقيات التي تعتبر قبولا بممارسة الرقابة على ممارسات المؤسسات الوطنية، وهذا القبول الإرادي بهذه الرقابة هي في الواقع القبول باعتماد التفسير المقيد لمبدئي السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بعدم اعتماد تفعيل مبدأ المعاملة بالمثل في القضايا ذات الارتباط بحقوق الأفراد. إلا أن الواقع أثبت وقوع الدول في الغالب في تناقض بين استحسان فكرة حماية حقوق الإنسان والانخراط في المنظومة الحمائية الدولية، وبين الالتزام الفعلي بما تمليه هذه الأخيرة من شروط ترى فيها الدول مساسا بمبدأ السيادة ومبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية. وإن هذا الإخفاق في التوفيق هو السبب الرئيس وراء تتلقى الدول كما هائلا من التوصيات المتعلقة بالانتهاكات والخروقات التي تتضمنها التقارير الدورية لهذه المؤسسات الدولية[16]، وجل هذه التوصيات تتمحور حول عدم انسجام التشريعات الوطنية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، أو وجود ما يثبت وقوع الانتهاكات الجسيمة والممنهجة، والتي يتم تأكيدها بفضل الجهود التي تنجزها هذه المؤسسات الدولية بشكل انفرادي أو في إطار التعاون والتنسيق مع الأفراد والمنظمات الوطنية أو الدولية المعنية بالحماية.
قبول الدول بالرقابة الدولية[17] هو أعلى تعبير عن الأخذ بالسيادة بالمفهوم المقيد، والذي يعنى ضرورة التنازل عن جانب من هذه السيادة عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الإنسان والجهود المبذولة لوضع حد لوقوع الانتهاكات الجسيمة والممنهجة. تفاعل الدول بشكل إيجابي مع المنظومة الحمائية الدولية هو تسليما باعتبار الحقوق والحريات الأساسية ملكا مشتركا للإنسانية لا ينبغي انتهاكها، وهو في نفس الوقت قبولا بتقييد مبدأي السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا الأمر يفرض على المؤسسات الوطنية العمل وفق ما يمليه القانون الدولي لحقوق الإنسان وما تستوجبها المنظومة الحمائية الدولية. مما يعني أن مبدأ السيادة أصبح محاصرا بمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وبضرورة حماية الكرامة الإنسانية كأولوية عن القوانين والتشريعات الوطنية، وكذلك عن السيادة الوطنية التي ينبغي أن تتأسس على مبدأ حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد والجماعات.
المحور الثاني: أساليب وممارسات الدول التي تسهم في التقليل من القيمة القانونية لتشريعها الوطني
يمكن أن يثير هذا العنوان نوعا من الاستغراب، لأن الدول عندما تصيغ تشريعها فهي تحرص في نفس الوقت على احترامه. إلا أن الحديث عن تقليل الدول من قيمة تشريعها لا يثار على المستوى الداخلي، وإنما يثار عندما يوضع هذا التشريع في ميزان المعايير والمبادئ والقيم التي تعتمدها المنظومة الحمائية الدولية.
أولا: مبررات تجاوز المؤسسات الدولية الشبه القضائية للتشريعات الوطنية
الدول لها سلطة وسيادة صياغة تشريعها الوطني بما يتوافق مع مصالحها وسياساتها وأهدافها، وهذه الأخيرة ترتبط بشكل وثيق بالخصوصيات والقيم الاجتماعية الوطنية. إلا أن الدول بشكل عام والدول الأطراف في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان بشكل خاص ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار انسجام منظومتها التشريعية مع التزاماتها الدولية، خصوصا الدول التي تنص دساتيرها على قاعدة سمو القانون الدولي على التشريعات الوطنية[18]، أو التي تكون قد صادقت على نظام الشكاوى الوارد في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، لأن هذه المصادقة يترتب عنها قبول الدول بتلقى التظلمات من الأفراد والجماعات عندما تستنفذ جميع سبل الطعن الداخلية. وهذا الإجراء لا يعتبر مرحلة استئنافية بل هو التزام دولي يقتضي مراجعة[19] إجراءات وقرارات المؤسسات الأمنية والقضائية في حالة وجود شك حول تفعيل ضمانات المحاكمة المنصفة. وعدم تفعيل هذه الضمانات يمكن أن يكون نتيجة وجود تشريع غير منسجم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما يمكن أن يكون نتيجة عدم تفعيل التشريع رغم انسجامه مع القانون الدولي، مما يجعله تشريعا مجوف المضمون. وفي هذا الإطار يمكن للهيئات الدولية الشبه القضائية تجاوز التشريع الوطني إذا تبين أنه غير مفعل في الممارسة والواقع أو أنه لا يترك أثرا قانونيا.
- حالات عدم تفعيل القانون الوطني
رفضت اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب ادعاء الحكومة المغربية المتعلق برفض الشكاوى المقدمة إليها بناء على عدم طعن أصحاب المصلحة في قرار رئيس الحكومة المغربية بخصوص قضايا التسليم، والواقع أن القانون المغربي ينص على حق الأفراد الطعن في قرار رئيس الحكومة كنوع من الإجراءات القضائية، سيما أن الالتماسات الفردية المقدمة إلى اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب لا تقبل إذا لم تستنفذ سبل الطعن الداخلية، والمادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية[20] يعتبر من هذه السبل، مما يعني أن الحكومة المغربة من الزاوية القانونية يعتبر طلبها صحيحا، حيث يحق لها طلب رفض الالتماسات الفردية التي لم تعتمد هذا الإجراء. إلا أن اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب كان لها رأي مخالف في عدة التماسات بحيث أنها قبلت النظر في التظلمات التي لم تعتمد هذا الإجراء رغم أنه يعتبر من السبل الطعن الداخلية، والسبب وراء ذلك هو أن الحكومة المغربية قامت بالتوقيع على تسليم بعض أصحاب الشكاوى الفردية الذين اعتمدوا هذا الإجراء قبل أن تصدر الغرفة الاستئنافية بمحكمة النقض قراراها في موضوع الطعن[21]. وهذا الأسلوب من القبل الحكومة يعتبر مسا مباشرا بالقيمة القانونية والإجرائية لحق الأفراد في الطعن في قرار رئيس الحكمة المغربية، وبذلك تكون الدول هي المسؤولة على تجويف مضمون تشريعها الوطني. وفي حالات أخرى فإن الحكومات لا ترد على استفسارات اللجنة بخصوص دور الإجراءات الواردة في القانون الوطني في تثبيت حقوق الأفراد. وفي هذا الإطار ترى اللجنة المعنية بأن الدولة الطرف التي لم توضح كيف يمكن للطعن في قرار المحاكم الوطنية أن يؤثر في تسليم أصحاب الشكاوى، وتبين كذلك الأثر الإيقافي للإجراء الطعن لا يمكنها التشبث بعدم توظيف الإجراءات المسطرية الوطنية. سيما إذا سكت القانون الوطني عن الطابع الإيقافي للطعن، واكتفت المؤسسات بالإشارة إلى الحالات الاستثنائية لرفع دعاوى الطعن بالتراجع، وعدم ضرب الدولة الطرف أمثلة ملموسة على السوابق القضائية التي توضح الطبيعة الإيقافية للطعن بالتراجع. فإن ذلك من شأنه تجاوز الإجراءات المنصوص عليها في القانون الوطني المتعلقة بسبل الطعن الداخلية، حيث تعتبر في هذه الحالة غير فعالة وغير منصفة حتى وإن كان التشريع الوطني ينص عليها. لذلك يكون توظيف القانون والإجراءات غير منسجم مع مضامين القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومع ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، ومع المعايير المعتمدة من قبل المنظومة الحمائية الدولية. وهذا الاستنتاج يعتبر بمثابة ضوء أخضر لتجاوز التشريع الوطني من قبل الهيئات الدولية الشبه القضائية.
- حالات عدم احترام الآجال القانونية وغياب الإنصاف في التشريع الوطني
تنظر اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب في أي بلاغ فردي ما لم تتأكد من أن صاحبه استنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة. بيد أن هذه القاعدة لا تنطبق إذا ثبت أن اللجوء إلى سبل الانتصاف المحلية قد استغرق وقتا يتجاوز الحدود المعقولة أو أن من المستبعد أن يحقق إنصافا فعالا للفرد المدعى أنه ضحية، بعد إجراء محاكمة عادلة. وفي هذا الإطار خرجت اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب بخلاصة أن صاحب الشكوى السيد “لخضر قليل” الذي قدم الالتماس ضد الجزائر قد استنفد سبل الانتصاف المحلية لأن الدولة الطرف تجاوزت كثيرا الوقت المعقول لتحقيق العدالة في قضية صاحب الشكوى[22]: فقد انقضت خمس وعشرون سنة تقريبا منذ الأحداث ذات الصلة، ومنذ إثارته ادعاءات بالتعذيب لأول مرة، ولم يفتح مع ذلك أي تحقيق بشأنها. وهذا يتعارض مع التزامات الدولة الطرف[23] المتعلق بضمان فتح تحقيق فوري ومستقل ومحايد كلما كانت هناك أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بارتكاب عمل من أعمال التعذيب. كما خلصت اللجنة كذلك إلى أن باقي طرق الانتصاف الممكنة أثبتت عدم فعاليتها، لأن ميثاق السلام والمصالحة الوطنية يحظر اللجوء إلى العدالة في الجرائم التي ارتكبها أفراد قوات الدفاع والأمن خلال فترة “المأساة الوطنية”. وما يؤكد استنتاجات اللجنة هو عدم اعتراض الحكومة الجزائرية على ادعاء عدم استنفاذ جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة، ولم تثر أيضا أيا من معايير قبول الالتماس الأخرى المنصوص عليها في المادة 113 من النظام الداخلي للجنة[24]. وهذا الأمر هو تأكيد من جانب الحكومة الجزائرية على خرقها للقوانين والإجراءات الوطنية، مما يفتح المجال على ادعاء أن القوانين المطبقة غير عادلة ومنصفة كما أن مضمونها يعتبر مجوفا وفارغا ودون أثر قانوني أو إجرائي.
ثانيا: الدور الرقابي للمؤسسات الدولية الشبه القضائية على الإجراءات المسطرية الوطنية
قد يبدوا تجاوز المؤسسات الدولية الشبه القضائية للتشريع الوطني في حالات معنية نوعا من المس المباشر بالقيمة القانونية والإجرائية للتشريع الوطني، كما يمكن أن يكون مسا كذلك بسيادة الدولة، إلا أن الرقابة التي تتمتع بها المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان هي حصيلة التقدم الحاصل في مجال حقوق الإنسان، وهي نتيجة تموقع الحقوق والحريات الأساسية فوق جميع التشريعات الوطنية بما فيها الدستورية، إضافة لتمتع الفرد بالشخصية الدولية التي كانت في السابق حصرا على الدول والمنظمات الدولية، وإن احتلال الفرد لهذا المركز يؤهله بأن يحظى بحماية دولية، وذلك من خلال المؤسسات الدولية التي لها ولاية على الانتهاكات التي ترتكبها الدول ضد الأفراد، وإن هذه الحماية المعهودة لهذه المؤسسات الدولية، أصبحت تحظى بقبول الدول الأطراف وغير الأطراف[25]، بحيث أصبح انتهاك حقوق الإنسان من المسائل التي تتحرك من أجلها الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن[26].
إن إصدار الدول للإعلانات الخاصة[27] بإجراء الشكاوى الوارد في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، أو المصادقة على البروتوكولات الملحقة بهذه الاتفاقيات[28]، هو تعتبر عن إرادة الدول في حق الأفراد والجماعات برفع الشكاوى الفردية ضد هذه الدول الأطراف إلى المؤسسات الدولية الشبه القضائية، وبذلك تكون رقابة هذه الأخيرة مشروعة ومقبولة، مما يسمح لهذه المؤسسات بمراجعة قرارات المؤسسات القضائية الوطنية والتي تكون نهائية ومكتسبة لصفة قوة الأمر المقضي به، وهذه المؤسسات الدولية لا تمارس هذه الولاية من منطلق أنها محاكم استئنافية، ولكن من موقعها الرقابي الذي ينصب بالأساس على الجانب الإجرائي في حالة وجود ما يفيد أن قرارات القضاء الوطني غير عادلة أو أنها مخالف لقواعد العدالة بما فيها خرق ضمانات المحاكمة المنصفة أو مخالفة المبادئ والقيم المتعارف عليها دوليا، وفي حالات كثير تثير الهيئات الدولية مخالفة المؤسسات الوطنية للتشريع الوطني والقانون الدولي.
من جانب أخر إن الدول غير الأطراف في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان لا يمكنها أن تفلت من رقابة المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان، إذا علمنا أن هناك آليات دولية غير تعاقدية يمكنها أن تتلقى بلاغات فردية من الأفراد والجماعات ضد الدول المعنية، وهذه الآليات يمكنها أن تصدر قراراتها بخصوص هذه البلاغات وتطالب الدول بتصحيح الوضع القائم أو إعادة المحاكمة بغرض إنصاف الضحايا أو حتى مطالبة الدولة بإصلاح تشريعها الوطني وجعل ممارسات وأسالب مؤسساتها الوطنية منسجمة ومتوافقة مع ما هو متعارف عليه لدى المنظومة الحمائية الدولية
المحور الثالث: مصداقية المؤسسات الوطنية خاضعة لرقابة المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان
تكسب المؤسسات الوطنية مصداقيتها من التشريع الوطني، بحيث كلما كانت هذه المؤسسات دستورية، ومنشأ بحكم القانون وبمقتضاه إلا واكتسبت هذه المؤسسات صفة الشرعية والمصداقية، ويعتبر هذا الشرط أساسي لأنه يسمح لجميع الأطراف والمكونات سواء كانت داخلية أو خارجية التعامل مع هذه المؤسسات الوطنية بنوع من الثقة والتقدير باعتبارها مؤسسات حامية لحقوق المرتفقين وذات أهلية مهنية لتمثيل الدولة وباقي المكونات الاجتماعية. إلا أن هذا الشرط يمكن ألا يكون كافيا إذا كان الدستور وباقي القوانين لا تعبر عن الرغبة الحقيقية لجميع المواطنين، أو أن هذه المؤسسات لا تخضع لمبدأ سيادة القانون، أو أنها لا تمتثل للمبادئ المتعارف عليها دولية كالاستقلالية والحياد والشفافية. لذلك أنشأ المجتمع الدولي مجموعة من الآليات بغرض ممارسة نوعا من الرقابة على أساليب وممارسات المؤسسات الوطنية لأجل تصحيح مصار عمل هذه المؤسسات.
أولا: الأساليب والممارسات الدالة عن فقدان المؤسسات الوطنية لاستقلاليتها
قد تكرس الدول بعض الممارسات التي تمس باستقلالية مؤسساتها، وذلك من خلال التدخل في عملها واختصاصاتها وتوجيهها وجه مخالفة لما تنص عليه التشريعات والإجراءات الوطنية، أو مخالفة لما هو متعارف عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي هذا الإطار خلصت اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب في قرارها بخصوص الالتماس الذي قدمه السيد (ل. أ) ضد الحكومة الجزائرية بأنه يتعين على الدولة الطرف أن تكفل لصاحب الشكوى عدم تعرضه للتعذيب وأن تنظر في دعواه بنزاهة وعلى وجه السرعة. سيما أن الدولة الطرف لم تقدم أي مبرر لعزوفها عن اتخاذ إجراءات بخصوص التهديدات التي وجهت إلى صاحب الشكوى منذ عام 2009، وما تلاها من أعمال عنف مارسها ضده المفتش العام في يناير 2011. كما استمرت التهديدات ضد صاحب الشكوى وأسرته بعد وصوله إلى فرنسا، وامتنعت الدولة الطرف عن الإدلاء بأي تعليق في هذا الصدد، على الرغم من طلب اللجنة لها بضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة صاحب الشكوى وأسرته، وإعلام اللجنة بالتدابير المتخذة في هذا الصدد[29]. وبشكل عام فإن التزام الدول الصمت تجاه الأسئلة والاستفسارات في إطار الردود يعتبر تسليما بوجاهة ادعاءات أصحاب الشكاوى، وفي نفس الوقت هو تأكيد على غياب الاستقلالية والنزاهة والشفافية لدى المؤسسات الوطنية، وغياب قدرتها على تفعيل القانون أو اتخاذ قرار منسجم مع التشريع الوطني.
كما خلصت اللجنة كذلك في قرارها المتعلق بالالتماس المقدم من طرف السيد ” راشد جعيدان ” ضد الحكومة التونسية إلى أن قضاء الدولة الطرف أصدر قرارا بسجن صاحب الالتماس لمدة 26 سنة استنادا إلى محضر كان قد وقعه تحت التعذيب. ورغم تبليغه مرارا عما حصل له، لم تتحقق السلطات من ادعاءاته ولم تعتبر اعترافاته لاغية. ولم تقدم الدولة الطرف أي حجة قادرة على دحض هذا الادعاء. علما بأن الصيغة العامة لأحكام المادة 15 من الاتفاقية تنبع من الطبيعة المطلقة لحظر التعذيب وتلزم كل دولة طرف بالتأكد مما إذا كانت التصريحات المستند إليها في دعوى ما تدخل ضمن اختصاصها قد انتزعت تحت التعذيب أم لا. والدولة الطرف، بعدم إجرائها التحقيقات اللازمة وباستنادها إلى هذه التصريحات في الدعوى المرفوعة على صاحب البلاغ، تكون قد انتهكت التزاماتها بموجب المادة السابقة[30]. كما أن الدولة الطرف حرمت صاحب الالتماس من رفع دعوى جنائية وبذلك حرم صاحب الالتماس من الإجراءات القانونية المقررة للحصول على تعويض عن الأضرار المادية وغير المادية الناجمة عن جرائم خطيرة مثل التعذيب. وأن الضحية لم يستفد من أي تدابير لإعادة التأهيل من الآثار البدنية والنفسية الشديدة التي لا يزال يعاني منها والتي تثبتها بشكل قاطع الفحوصات الطبية. وهذه الأساليب والممارسات المعتمدة من قبل المؤسسات الوطنية تثبت بأن هذه المؤسسات فاقدة للاستقلالية والقدرة على تفعيل ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، مما يعنى أنها غير ذات مصداقية لتحقيق الغرض المنشود من نشأتها والمتعلق باحترام وحماية الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة والإنصاف.
ثانيا: الأساليب والممارسات المؤدية لفقدان مصداقية المؤسسات الوطنية
التمييز بين الانتهاكات من المسائل ذات الأهمية القصوى، لأن عدم التمييز يمكن أن يؤدي إلى مسائلة الدول بشكل مباشر، وهذا يثير ليس مسؤولية بعض مؤسسات الدولة ولكنه يثير شبهات حقيقة على الدولة والنظام السياسي برمته، لأن الانتهاكات المعزولة رغم أنها في بعض الأحيان تكون جسيمة وخطيرة وماسة بحياة الأفراد وسلامة أجسادهم ونفوسهم وعقولهم، إلا أنها تحاصر في زاوية ضيقة وينظر إليها باعتبارها تحت سيطرة الدولة عندما تتدخل الأخيرة وتعلن براءتها منها وفي نفس الوقت تأمر بفتح تحقيق حولها وتأمر بتقديم المتورطين فيها إلى العدالة ومحاسبتهم بشكل يحقق العدالة والإنصاف للجميع ويعود الاعتبار للكرامة الإنسانية، وهذا النوع من الانتهاكات يكون صادرا من بعض الأشخاص القائمين على إنفاذ القانون بشكل منفصل تماما على السياسة العامة للدولة أو عن السياسات العمومية أو برامج المؤسسات. علما أن الدولة يمكنها أن تكون مسؤولة على الانتهاكات الحاصلة من خلال ثلاث أساليب: (إما بالأمر المباشر، أو من خلال التشجيع، أو إذا سككت الدولة عن هذه الانتهاكات). مما يعنى أن الدولة التي تدعي احترام وحماية حقوق الإنسان تكون مطالبة بمحاسبة المتورطين وفي نفس الوقت مطالبة بإدانة هذه الانتهاكات. لكن الدولة الأقل ديمقراطية تقوم في غالب الأحيان بالدفاع عن مؤسساتها الوطنية حتى وإن ثبت تورطها في وقوع الانتهاكات، وفي هذه الحالات تعتقد هذه الدول أنها تحمي مؤسساتها إلا أنها تحول الانتهاك من صفته المعزولة إلى الانتهاكات الممنهجة، وهذه الصفة الأخيرة تعتبر عاملا مهما يمكن أن يمس بمصداقية الدولة والمؤسسات، ويمكن كذلك أن يكون عاملا سلبيا في التصنيف الذي تقوم به المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان، سيما أن الأخير لها ولاية رقابية على المؤسسات الوطنية من خلال اعتماد عدة قواعد ومعايير ومؤشرات التي يمكن أن تكشف عن مدى خضوع ممارسات وأساليب المؤسسات الوطنية لما تنص عليه القوانين الدولية وتتعامل به المنظومة الحماية الدولية.
- إخفاء الحقائق سبيل للمس بمصداقية المؤسسات الوطنية
أصبح حقوق الإنسان ذات اهتمام دولي، وهذا الوضع يسمح بفتح تحقيق في جميع الممارسات التي تنهجها المؤسسات الوطنية، خصوصا بعد نشأت المجتمع الدولي لمجموعة من المؤسسات الدولية والتي أوكل لها عدة اختصاصات وولايات تتعلق بإجراء التحقيق وتقصى الحقائق، والقيام بالزيارات الميدانية، وتلقي الشكاوى من الأفراد والجماعات، والتدقيق في المستندات والأدلة، وإجراء الفحوصات الطبية، كل هذه الإجراءات يمكنها أن تكشف عن جانب مهم من الخروقات التي تعتمدها المؤسسات الوطنية ضد الحقوق والحريات الأساسية. وفي هذا الإطار فقد طالب السيد “علي عراس” المتهم في إطار الإرهاب الحكومة المغربية بإجراء فحص طبي نتيجة ادعاءه بتعرضه للتعذيب على يد الشرطة القضائية[31]، ولقد استجابت الحكومة لطلب المتهم بعد مرور وقت طويل نتيجة رفض المحكمة لطلبه لعدة مرات[32]، إلا أن الفحص الطبي الذي أجراه الفريق الذي كان يتكون من ثلاثة أطباء مغارية أكد أن صاحب البلاغ لم يتعرض لأي تعذيب من أي نوع كان. إلا أن الأخير طعن في الفحص الطبي الوطني وطالب بفحص طبي دولي، ولقد تأتى له ذلك بعد أن زاره المقرر الخاص بالتعذيب في سجن تفلت 2 القرب من العاصمة الرباط، وأجرى فحصا بدنيا خارجيا[33]. واستنتج الطبيب الشرعي أن معظم الآثار التي لاحظها المقرر الخاص كانت مطابقة لادعاءات صاحب البلاغ، مثل الحروق بسبب السجائر، والضرب على أخمص القدمين، والتقييد الحاد ثم التعليق من الأيدي، والصعق الكهربائي في موضع الخصيتين. وبالإضافة إلى ذلك، لاحظ أن الوصف الذي قدمه صاحب البلاغ للأعراض التي شعر بها عقب سلسلة أعمال التعذيب وسوء المعاملة التي تعرض لها كانت مطابقة تماما للادعاءات، وأن الممارسات الموصوفة والأساليب المتبعة على حد قوله من قبل الموظفين الذين كانوا يمارسون هذه الأعمال تتقاطع مع بيانات وادعاءات شهود آخرين قابلهم المقرر الخاص في أماكن احتجاز أخرى ولا يعرفهم السيد علي عراس[34].
خطورة الأمر في هذه السابقة القضائية لا تكمن في تعرض شخص معين للتعذيب فقط، لكن الأخطر هو تعرض المؤسسة المكلفة بالفحص الشرعي لفقدان المصداقية، حيث أصبح من الممكن التشكيك في جميع الفحوصات التي أنجزتها في الماضي وفي الحاضر وكذلك في المستقبل، لذلك يبغى أن تحرص الدول والمؤسسات على احترام التشريعات والإجراءات وكذلك المعايير المعتمدة لأجل حماية المصداقية، لأن وقوع انتهاك جسيم ومعزول يمكن أن يكون عاديا حتى لدى الدول الديمقراطية، لكن أن تساهم المؤسسات بسوء نية في إخفاء الحقائق وإثبات العكس يعتبر من المسائل التي تفقد الثقة وتأكد الشكوك وتسحب المصداقية.
- عدم تقديم المساعدة القضائية والتنصل من تحقيق العدالة يفقد مصداقية المؤسسات الوطنية
أصبحت بعد المؤسسات الوطنية في بعض القضايا الحساسة عاجزة عن تقديم المساعدات التي يقتضيها التشريع الوطني وفي بعض الأحيان عاجزة عن القيام بواجبها المهني والإنساني، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا في الحالات التي تفقد فيها المؤسسات الوطنية القدرة على القيام بواجبها المهني والإنساني والأخلاقي، خصوصا إذا فقدت الاستقلالية بشكل يشل جميع اختصاصاتها وولايتها وصلاحياتها نتيجة تدخل سلطة أخرى وفرض رأيها على السلطة المختصة. وفي هذا الإطار فقد رفضت كل من المحاكم الوطنية الجزائرية المعنية، ووكيل الجمهورية بمحكمة ورقلة، والنائب العام للمحكمة، وكذلك وزارة العدل، الاستماع أو الرد عن الشكاية التي تقدم بها المواطن الجزائري السيد (ه. ب)، وذلك بعد أيام قليلة من إطلاق صراحه بعد أن عرض على التحقيق وتم تعذيبه بطريقة وحشية من قبل وحدات أمنية عسكرية، حيث ذاق خلالها جميع أنواع التعذيب. ولقد أخبر المدعي العام بعد أن اجتمع بصاحب الالتماس يوم 28 نوفمبر 2011 بأنه لن يتخذ أي إجراء لأن الأمر يتعلق بالأمن العسكري[35]. ولقد رفع صاحب الالتماس دعوى استئناف أخيرة إلى المدعى العام يوم 28 يناير 2012 يطلب فيها فتح تحقيق إلا أنه لم يتلق ردا عن رسالته إلى حدود اليوم، مما يعنى أن السلطات القضائية المكلفة بحماية حقوق الإنسان غير مستقلة، وأنها تتلقى الأوامر من السلطة التنفيذية بطريقة تشل بشكل تام عمل واختصاصات وصلاحيات السلطة القضائية خصوصا في القضايا الحساسة ذان الطبيعة الأمنية والسياسية[36]. وما يؤكد هذا الاستنتاج هو سكوت الدولة المعنية عن هذه الانتهاكات وعدم ردها عن الأسئلة والاستفسارات الموجهة من قبل المؤسسات الدولية الشبه القضائية.
المحور الرابع: عدم الرد على استفسارات المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان تسليما بوقوع الانتهاكات
لا ترد عدد من الدول المعنية أو الأطراف على أسئلة أو استفسارات المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان، ربما يحدث ذلك لأنها لا تدري عواقب وتداعيات عدم الرد عن هذه الاستفسارات، وربما تعتقد أنها تحتفظ بحق عدم الرد سيما أنها ذات سيادة مطلقة. إلا أن هذا الاعتقاد وأي خلفية أخرى لا تحمل سوى متاعب للدول، لأن الأخيرة مطالبة بالرد على جميع الأسئلة والاستفسارات، ومطالبة بتقديم الأدلة الدامغة عن أجوبتها وعدم الاكتفاء بالنفي الرسمي، إن كانت صادقة في ادعاءاتها وإن أرادت أن تحصل على صورة حسنة.
- سكوت الدول مؤشر دال عن مسؤوليتها في وقوع الانتهاكات
لا يجوز للدول السكوت عندما تكون معنية بشكل من الأشكال بموضوع يتعلق بخرق أو انتهاك حقوق الإنسان، لأن السكوت يعتبر شكل من الأشكال الدالة عن مشاركة الدولة في وقوع الانتهاك، مما يرتب المسؤولية الجنائية، فالقاعدة المتعامل بها من طرف المنظومة الحمائية الدولية تقوم على أساس أن الدول في وضع يسمح لها بالوصول إلى الحقيقة، لأنها تمتلك الموارد البشرية المؤهلة، والإمكانيات المادية والتقنية، ولها علاقات أمنية واسعة مع مختلف الدول والكيانات الفاعلة الوطنية والدولية. لذلك فإن عبء إثبات الاتهام يقع على عاتق الدول وليس الأفراد. وهذا ما يجعل سكوت الدول عن الاتهامات الموجه إليها نوعا من الإقرار بأمر الواقع والاعتراف بالحقائق الواردة في ادعاءات أصحاب المصلحة، وفي هذا الإطار يمكن أن نلاحظ أن جل الدول المصنفة غير ديمقراطية أو أقل ديمقراطية تسكت عن كثير من الادعاءات التي يسوقها أصحاب الشكاوى عندما يقدمونها إلى الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي أو إلى اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب حيث هناك حالات لا يمكن حصرها[37]. إن سكوت الدول عن الادعاءات لا يعفيها من المسؤولية خصوصا في مجال حقوق الإنسان الذي لا يسمح بتفعيل مبدأ السيادة بالمفهوم الواسع، ولا يسمح بعدم الاكتراث، كما أنه يلزم الدول بالتفاعل الإيجابي، وإلا اعتبر ذلك دليلا عن مسؤولية الدول عن الانتهاكات موضوع الادعاءات.
- عدم رد الدول عن الاستفسارات يعتبر تسليما بوجاهة ادعاءات أصحاب الشكاوى
لا ترد كثير من الدول على استفسارات وأسئلة الهيئات الدولية الشبه القضائية عندما يقدم ضدها شكاوى من الأفراد تتضمن ادعاءات بوقوع الانتهاكات. وربما تعتقد هذه الدول بحقها في عدم الرد، وهذا لا يتوافق مع ما تقتصيه قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، أو ربما تعتقد بأنها تقوم بتهميش واستصغار مخرجات قرارات المؤسسات الدولية الشبه القضائية وولايتها الشبه القضائية، وهذا بدوره خطأ فاضح لا تستشعر خطورته الدول المعنية إلا بعدما تجد نفسها محرجة أمام المنتظم الدولي أثناء حضورها في المحافل الدولية، وعند تقديمها طلب الحصول على العضوية في المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، أو عندما تعتزم طلب الاقتراض من المؤسسات الدولية المالية والنقدية[38]، أو في حالة فحص وضعيتها الحقوقية خصوصا عند حلول موعد الاستعراض الدوري الشامل، أو عند تقديم التقارير الدورية للهيئات التعاقدية[39]، أو عندما تنجز وزارة الخارجية الأمريكية تقارير تتعلق بحالة حقوق الإنسان لدى الدول المعنية[40]، أو أثناء إنجاز الاتحاد الأوربي لبعض التقارير الخاصة ببعض الدول[41]، أو عندما تصدر المحاكم الإقليمية أو الدولية أو بعض الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة بعض القرارات المتعلقة بالدول ذات المناطق المتنازع عليها وغيرها من المسائل ذات الحساسية المفرطة[42]. عند ذلك تجد الدول التي لا تعري الاهتمام لرقابة المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان نفسها مثقلة بكم هائل من التهم والادعاءات التي لا تخدم مصالحها الداخلية والخارجية، ولا تساهم في حل المشاكل العالقة. لذلك يمكن أن نلاحظ بأن بعض الدول المصنفة من القوى العظمى يمكنها أن تعلن الحرب على الدول الأخرى لكنها لا يمكن أن تترك المجال باتهامها بخرق حقوق الإنسان أو انتهاكها، لأن انتهاك حقوق الإنسان أصبح يتعلق بشكل مباشر بمصداقية الدولة وبمصداقية نظامها السياسي ومؤسساتها[43]، لذلك ينبغي أن تكون أساليب وممارسات المؤسسات الوطنية منسجمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومتوافقة مع المبادئ والقيم المتعارف عليها دوليا، حتى لا تفقد المؤسسات الوطنية مصداقيتها ووزنها ومكانتها في أعين المواطنين والمنظمات الحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية، وبأن تنال الاحترام من قبل المجتمع الدولي وفي ذلك ضمانة لحل كثير من المشاكل التي يمكن أن تمس باستقرار الدول ووحدة أراضيها، ومصالها بين الأمم.
خاتمة:
ترتبط الأساليب والممارسات المفضية لوقوع الانتهاكات بشكل مباشر بالفساد المستشري داخل المؤسسات، وهذه الأخيرة عندما توظف من قبل القائمين على إنفاذ القانون لتحقيق المصالح الشخصية، تصبح أداة للقمع والاستبداد، وذلك بهدف إسكات المعارضين وأصحاب الحقوق، وهذا الأسلوب هو الذي يفرز الانتهاكات بشكل واسع، سيما أن التشريع بدوره سوف يكون أداة يسخر لتحقيق المصالح الشخصية مما يجعله قانونا فاقدا للقيمة القانونية والإجرائية، ومجوف المضمون. ولقد كان هذا الأسلوب في السابق خارج أية رقابة، إلا أنه بنشأة المنظومة الحمائية الدولية، أصبح يتعرض للتقييم من خلال وضعه على عدة معايير، وعرضه على عدة مبادئ وقيم متعارف عليها دوليا، وإن ولاية المنظومة الحمائية الدولية بعد قيامها بواجبها تجاه تقييم أساليب وممارسات الدول يمكنها أن تتجاوز التشريع الوطني الغير مفعل، أو أن تبين عيوب أساليب وممارسات المؤسسات الوطنية، وهذا الأمر يقلل من القيمة القانونية والإجرائية للتشريع الوطني، وفي نفس الوقت يعتبر ممارسات المؤسسات غير قانونية مما يؤثرا سلبا على مصداقيتها. وهذا ما أظهره البنك الدولي حين عبر عن أن هناك علاقة حاسمة بين مؤسسات العدالة والأمن القوية وخلق فرص العمل وتخفيف دورات العنف. وهذه هي الحال بالتأكيد في مجتمعات الصراع وما بعد الصراع حيث تكون القيادة على مستوى الدولة والرؤية الواضحة والأهداف الشاملة حاسمة بالنسبة لإصلاح العدالة والأمن. وعلى النقيض من ذلك، فإن غياب القيادة أو وجود مقاومة للإصلاح من قبل أصحاب المصلحة الرئيسيين غالبا ما يشكل عقبات كبيرة أمام التنمية المجدية أو الأمن المستدام.[44] لذلك ينبغي على الدولة والمؤسسات أخذ الاعتبارات التالية في الحسبان في جميع السياسات العمومية والبرامج المعتمدة:
- ضمان تطبيق التشريع الوطني بشكل سليم يحقق العدالة والإنصاف، يتطلب العمل وفق مفهوم دولة سيادة القانون، ودولة الحقوق والحريات الأساسية.
- ضمان اعتماد المؤسسات الوطنية أساليب وممارسات سليمة يتطلب خضوعها للمعايير والمبادئ والقيم المتعارف عليها دوليا.
- عدم رد الدولة على استفسارات الهيئات الدولة، طريق معبدة لإصدار قرارات سلبية ضد الدولة الطرف أو المعنية
- عدم الرد الدولة على ادعاءات أصحاب الشكاوى بشكل دقيق ومعلل دال على غياب احترامها وحمايتها لحقوق الإنسان
- النفي الرسمي للادعاءات من قبل الدولة دون تقديم الأدلة، يثبت عجز الدولة ويثبت كذلك مسؤوليتها على الانتهاكات
- فقدان استقلالية المؤسسات عامل أساسي لفقدانها المصداقية والنزاهة والشفافية
- عدم تفعيل التشريع الوطني بشكل سليم مدخل أساسي لفقدان الثقة لدى المواطنين، وغياب الأمن القانوني والقضائي والمؤسساتي
المراجع:
الكتب:
- عبد القادر القادري: القانون الدولي العام: مكتبة المعارف، الرباط، 1984
القوانين الوطنية والدولية:
- دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
- القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3 نوفمبر 1993).
- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1984
- ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945
تقارير وقرارات المؤسسات الدولية:
- قرار الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، البلاغ رقم 85\2018 بشأن السيد توفيق بوعشرين، ضد الحكومة المغربية، الوثيقة: A/HRC/WGAD/2018/85
- قرار اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، الالتماس الفردي رقم 736\2016 بشأن السيد “لخضر قليل” ضد الحكومة الجزائرية، الوثيقة: CAT/C/72/D/736/2016
- قرار اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، الالتماس رقم 654\2015 بشأن السيد ” راشد جعيدان ” ضد الحكومة التونسية الوثيقة: CAT/C/61/D/654/2015
- تقرير المقرر الخاص بالتعذيب المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، السيد: خوان إ. منديس، الصادر بتاريخ 30 أبريل 2013. الوثيقة: A/HRC/22/53/Add.2
- قرار الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، البلاغ رقم 25\2013 بشأن السيد “علي عراس” ضد الحكومة المغربية، الوثيقة: A/HRC/WGAD/2013/25
- قرار اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، الالتماس رقم: 525\2012 بشأن السيد (ر. أ. ي) ضد الحكومة المغربية، الوثيقة: (CAT/C/52/D/525/2012
- قرار اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، الالتماس رقم 531\2012 بشأن السيد (ل. أ) ضد الحكومة الجزائرية، الوثيقة: CAT/C/57/D/531/2012
- قرار اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، الالتماس رقم 494\2012 بشأن السيد (ه. ب) ضد الحكومة الجزائرية، الوثيقة: CAT/C/55/D/494/2012
- قرار اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، الالتماس رقم 477\2011 بشأن السيد “علي عراس ” ضد الحكومة المغربية، الوثيقة: CAT/C/52/D/477/2011
- تقرير البنك الدولي، حول التنمية في العالم: الصراع والأمن والتنمية، 2011، رقم النظام القياسي الدولي لترقيم الكتب (ISBN): 978-0-8213-8500-5
- قرار الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، البلاغ رقم 46\2005 بشأن السيد “صدام حسين التكريتي” ضد العراق والولايات المتحدة الأمريكية الوثيقة: A/HRC/4/40/Add.1
المراجع الأجنبية:
Kofi A.Annan : La question de l’intervention, Déclaration du Secrétaire générale, publié par le département de L’information des Nations Unies, New York, Janvier 2000.
[1] مثلا يعتبر مبدأ المعاملة بالمثل من قواعد القانون الدولي العام، إلا أن المبدأ مرفوض مطلقا في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.
[2] لا يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول في إطار القانون الدولي العام، إلا أنه يسمح بالتدخل الإنساني في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
[3] قضية اللوتيس لعام 1927.
[4] قضية مضيق كورفو لعام 1949.
[5] تحكيم قام به الفقيه ماكس ويبر في قضية لاس بالماس عام 1928.
[6] الفقرة 2 من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945.
[7] الفقرة 1 من المادة 2 المرجع أعلاه.
[8] الفقرة 4 من المادة 2 المرجع أعلاه.
[9] المادة 55 من المرجع أعلاه.
[10] المادة 78 من المرجع أعلاه.
[11] المادة 51 من المرجع أعلاه.
[12] د. عبد القادر القادري: القانون الدولي العام: مكتبة المعارف، الرباط، 1984 .
[13] انظر ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ومواده 1 و55 و56 و57 و59 و63.
[14] في سنة 1949 صاغ المجتمع الدولي أربعة اتفاقيات دولية تهم تنظيم الحرب: الأولى تتعلق باتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى
بالقوات المسلحة في الميدان، والثانية تتعلق بالجرحى والمرضى والمنكوبون في البحار، والثالثة تتعلق بحماية أسرى الحرب، والرابعة بحماية المدنيين والأعيان المدنية.
[15] Kofi A.Annan : La question de l’intervention, Déclaration du Secrétaire générale, publié par le département de
L’information des Nations Unies, New York, Janvier 2000.
[16] المقصود من التوصيات تلك التي تشير إلى وقوع الانتهاكات الجسيمة أي الماسة بالسلامة الجسدية والنفسية والعقلية. لأن طبيعة هذه الانتهاكات تدل بأن الدول المعنية لم تقطع بعد مع الممارسات التي تفضي لوقوع الجرائم والتي تخلق ضحايا ومعاقين ومرضى…
[17] هذه الرقابة تمارسها الهيئات الدولية لحقوق الإنسان باعتبارها مؤسسات دولية شبه قضائية وتصدر قرارات ضد الدول. وهب على نوعين الرقابة التي تمارسها الهيئات الدولية التعاقدية “اللجان المنبثقة من الاتفاقيات الدولية” والتي تمارسها الهيئات الدولية غير التعاقدية ” اللجنة الاستشارية -الإجراءات الخاصة” وهاذان الإجراءان الأخيران تابعان للمجلس الدولي لحقوق الإنسان.
[18] انظر الفقرة الأخيرة من ديباجة دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
[19] هذه المراجعة لا تنصب على التحقيق، ولا على إثبات الجريمة أو نفيها، ولا على مدة العقوبة، وإنما تنصرف للبحث عن مدى توافق الإجراءات والتشريعات المعتمدة وممارسات المؤسسات الوطنية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومع المبادئ والقيم المتعارف عليها دوليا.
[20] القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3 نوفمبر 1993)، ص .2168
[21] انظر الفقرتان (6-3) و (6-4) من الالتماس الفردي رقم: 525\2012 بشأن السيد (ر. أ. ي). الوثيقة: (CAT/C/52/D/525/2012).
[22] أنظر الفقرة (7-5) من الالتماس الفردي رقم 736\2016 بشأن السيد “لخضر قليل ضد الحكومة الجزائرية، الوثيقة: CAT/C/72/D/736/2016
[23] المادة 12 من الاتفاقية الدولية المعنية بمناهضة التعذيب
[24] انظر الفقرة (7-6) من الالتماس رقم 736\2016 مرجع سابق.
[25] أصبحت جميع الدول مطالبة بحماية واحترام حقوق الإنسان حتى وإن لم تصادق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وهذا الالتزام تفرضه قواعد ميثاق الأمم المتحدة وكذلك المؤسسات الدولية الحقوقية وعلى رأسها المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي يتلقى البلاغات الفردية من الأفراد والجماعات ضد الدول رغم حالتها الاتفاقية.
[26] تدخل مجلس الأمن في كل من صريبا، والعراق، وليبيا، بسبب وقوع الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، رغم أن بعضها جاء بدوافع سياسية.
[27] هذا الإجراء يتعلق بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965، والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب لسنة 1984، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1991، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006.
[28] هذه البروتوكولات هي: البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق المرأة، والبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل. والبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق الأشخاص في وضعية الإعاقة.
[29] انظر الفقرة (8-5) من الالتماس رقم 531\2012 بشأن السيد (ل. أ) ضد الحكومة الجزائرية، الوثيقة: CAT/C/57/D/531/2012
[30] انظر الفقرة (7-13) من الالتماس رقم 654\2015 بشأن السيد ” راشد جعيدان ” ضد الحكومة التونسية الوثيقة: CAT/C/61/D/654/2015
[31] انظر الالتماس رقم 477\2011 بشأن السيد “علي عراس ” ضد الحكومة المغربية، الوثيقة: CAT/C/52/D/477/2011
[32] إن الادعاءات بالتعرض للتعذيب وسوء المعاملة قد أثارها صاحب البلاغ في فبراير 2011 لدى وزارة العدل التي دعته إلى تقديم شكوى جنائية. وقد جرت تحريات أولية في هذه الشكوى قامت بها مصالح الشرطة القضائية بناءً على طلب المدعي العام، لكن نتائج هذه التحريات لم تسمح للمدعي العام بفتح تحقيق. وبناءً على إصرار صاحب البلاغ، أمرت النيابة في ديسمبر 2011 باتخاذ تدابير، وذلك بعقد جلسة استماع جديدة لدى الشرطة القضائية وإجراء فحص طبي شرعي. وأُبلغ صاحب البلاغ في أبريل 2012 بما جرى تجميعه من معلومات تبعا لذلك.
[33] انظر الفقرة 11 من تقرير المقرر الخاص بالتعذيب المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملـة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، السيد: خوان إ. منديس، الصادر بتاريخ 30 أبريل 2013، ص، 7. الوثيقة: A/HRC/22/53/Add.2
[34] انظر الفقرة (7-1) من الالتماس رقم 477\2011 مرجع سابق.
[35] انظر الفقرة (6-7) من الالتماس رقم 494\2012 بشأن السيد “ه. ب) ضد الحكومة الجزائرية، الوثيقة: CAT/C/55/D/494/2012
[36] انظر الشكاوى الفردية المقدمة إلى اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب وإلى الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي ضد الدول العربية.
[37] انظر على سبيل المثال الوثائق التالية: CAT/C/55/D/494/2012. CAT/C/72/D/736/2016. A/HRC/WGAD/2012/40.
A/HRC/WGAD/2018/85. A/HRC/WGAD/2013/25…
[38] يضع كل من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات المالية، شروطا على الدول الراغبة في الحصول على الاقتراض تتعلق بضرورة احترام وحماية حقوق الإنسان.
[39] جميع هذه التقارير تقوم بالإشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان بشكل عام، كما تشير إلى عدم تعاون الدول مع الهيئات الدولية، وتشير إلى مكامن الخلل في أساليب وممارسات المؤسسات مع ذكر أسماء الضحايا وفي بعض الأحيان أسماء الجلادين أو صفتهم، والخروقات التي اعتمدت وغيرها من الممارسات الحاطة بالكرامة الإنسانية بشكل خاص.
[40] تحظى تقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان باهتمام كبير من قبل الدول التي توجه لها تهم بانتهاك حقوق الإنسان، لأمن من شأن ذلك حرمان هذه الدول من بعض الامتيازات أو خوف من إحراجها أمام المتنظم الدولي.
[41] على سبيل المثال أدان البرلمان الأوربي يوم الخميس 19 يناير 2023 المملكة المغربية بغالبية 356 صوتا مقابل 32 اعتراضا و42 امتناعا، على أساس عدم احترام حرية التعبير وحرية الإعلام”، و”ضمان محاكمات عادلة للصحافيين المعتقلين”. ولقيت هذه الإدانة ردود فعل قوية. ونفس الجهة أدانت الجزائر يوم 11 ماي 2023 بغالبية 536 نائباً مقابل اعتراض 4 نواب وامتناع 18 نائباً بنفس التهمة السابقة.
[42] سنويا تنتظر كل من الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية قرارات مجلس الأمن الخاصة بالصحراء المغربية بنوع من التوتر الكبير، لأن هذه القرارات لها دور أساسي في مصير منطقة الصحراء التي تعتبر بالنسبة للبلدين معركة وجود. وجزء مهم من مضمون هذه القرارات يتعلق باحترام وحماية حقوق الإنسان في هذه المنطقة. وهذا يستوجب الحذر الشديد في التعامل مع الحقوق والحريات الأساسية لأن من شأن ذلك حسب قواعد القانون الدولي أن يثبت أحقية الطرف الذي يطالب بالانفصال. لذلك أصبح المغرب يعطي أهمية كبيرة لتنمية مناطق الصحراء وفي نفس الوقت يحاول ألا ينتهك حقوق المواطنين لكي يثبت للعالم أنه صاحب قضية عادلة.
[43] في إطار رد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على ادعاء انتهاكها حقوق الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي قدم شكوى فردية إلى الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي ادعت أن القوة متعددة الجنسيات في العراق تتولى الاحتجاز المادي لصدام حسين بموجب ترتيبات بين هذه القوة وبين وزارة العدل العراقية، بيد أنه يخضع للسلطة القانونية لمحكمة عراقية. وبالتالي، ترى حكومة الولايات المتحدة أن حكومة العراق هي أفضل من يوضح الأسس القانونية لاحتجازه. وهذا فيه تملص مباشر من المسؤولية علما أن الفاعل الحقيقي في مجريات الاعتقال والمحاكمة هي الحكومة الأمريكية، لكن الأخيرة تجنبا لاتهامها بخرق حقوق الإنسان قامت بتحميل الدولة العراقية المسؤولية، انظر الفقرة 14 من البلاغ رقم 46\2005 بشأن السيد “صدام حسين التكريتي” ضد العراق والولايات المتحدة الأمريكية الوثيقة: A/HRC/4/40/Add.1
[44] البنك الدولي، تقرير التنمية في العالم: الصراع والأمن والتنمية، 2011، رقم النظام القياسي الدولي لترقيم الكتب (ISBN): 978-0-8213-8500-5.