في الواجهةمقالات قانونية

الأمن القانوني والقضائي في المادة الجنائية

 

عبد الحليم الزوبع        ايمن العساتي

                              

طلبة باحثين في سلك ماسترالعلوم الجنائية

 والدراسات الأمنية ( طنجة).

 مقال: الأمن القانوني والقضائي في المادة الجنائية.

 

مقدمـــــة

يعتبر موضوع الأمن القانوني والقضائي من بين أهم المواضيع المطروحة في الساحة القانونية فهو أحد الوظائف الدولة الحديثة ومقياس أصيل في تحديد مدي تمتع الدول بالديمقراطية وخطوة أولا في بناء دولة الحق والقانون وسيادة ثقافة حقوق الإنسان والحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام عموما والشأن القضائي على وجه الخصوص ومن أهم الأليات ، تشجيع الإستثمار وتحقيق الإستقرار.

إن الزمن القضائي هو بمثابة الضامن الذي يعطي لكل فرد من اجل تصريف الحرية والذي يخوله الثقة في المؤسسات القضائية لأنها تجعل سيادة القانون فوق كل اعتبار  وبهذا الشأن  يعد الأمن القانوني والقضائي من أكثر المفاهيم تداولا في المجالين القانوني والقضائي حاليا لاسيما عندما يتعلق الأمر بتقييم النظام القانوني أو قضائي معين أو عند نقد مسار وضع القاعدة القانونية سواء من طرف المشرع أو من قبل الإجتهاد القضائي ، فكثيرا ما يوجه النقد الأنظمة القانونية والقضائية على أساس عدة عوامل تتعلق بالأخص بتضخيم النصوص القانونية أو عدم إستقرار القوانين نتيجة تغيرها المتكرر بعلة مقتضيات النظام العام او زعزعة إستقرار المعاملات بفعل توسيع مجال المراقبة القضائية أو التراجع عن إجتهاد قضائي مستقل وتبني إجتهاد جديد بأثر رجعي في الزمن الى غير ذلك من العوامل الكثيرة التي تؤدي الى خلخلة التوقعات الفردية المعنيين بالقانون ،لا سيما عندما يتعلق الامر بتنظيم بعض المجالات الجديدة في استعمال التكنولوجيا الحديثة كالتعاقد الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني المحفوفين بمخاطر ما لم تكن مألوفة من قبل ، بحيث يشكل كل ذالك مس بالأمن القانوني.

لقد تزايد الإهتمام بمبدأ الأمن القانوني والقضائي بفعل ما يعرفه العالم المعاصر من تطورات متلاحقة سواء على الصعيد السياسي أو الإقتصادي او الإجتماعي بشكل أصبحت معه هذه التحولات توحي بعدم الإستقرار في الحياة البشرية وأصبح على القانون والقضاء مواجهة تحديات جديدة دون تاثير سلبي مع الحفاظ على دور هذه المؤسسات كعامل استقرار لأن ما ينتج عن القانون والقضاء مواكبة مستجدات الحياة المعاصرة ولذالك أصبح مبدأ الأمن القانوني وما يتفرع عنه كالثقة المشروعة واستقرار المعاملات في صلب اهتمامه بفضل ما يوفره هذا المبدأ للأفراد والفاعلين القانونيين والإقتصاديين من حماية لإستقرار الإطار القانوني والقضائي اللذين يتعاملون في مجاله ويتعاقدون من خلال قواعده، وهذا ما يدفعنا لطرح الإشكالية التالية.

كيف يعمل التشريع الجنائي على توفير الأمن القانوني والقضائي ؟ وما أهم الإشكالات التي يطرحها هذا الموضوع ؟

سنعمل على مقابة هذه الإشكالية من خلال مبحثين أساسين.

المبحث الأول: الأمن القانوني و القضائي على ضوء السياسة الجنائية

يعرف الأمن القانوني بأنه عملية وليست مجرد فكرة تشد في توفير خالة من الاستقرار في العلاقات والمراكز القانونية، وذلك من خلال إصدار تشريعات متطابقة مع الدستور ومتوافقة مع مبادئ القانون الدولي، غايتها إشاعة ثقة وطمأنينة بين الأطراف العلاقات القانونية من أشخاص القانون العام والخاص بحيث يجب على التشريع إن لا يتسم بالمفاجئات والاضطراب، أو تضخم في النصوص.

الأمر الذي قد يزعزع الحقوق والحريات الأساسية. ولتحقيق هذا الأخير لبدئ من وجود أمن قضائي الذي يتجلى في توفير الأمن والضمانات للمتقاضين أمام المؤسسات القضائية ولهذين المفهومين المتكاملين عدة تجليات تظهر بصورة واضحة في التشريع الجنائي المغربي وهذا ما سنتناوله من خلال مطلبين أساسيين:

المطلب الأول: مفهوم الأمن القانوني والقضائي

إذا كان مبدأ الأمن القانوني قد شاع منذ مدة طويلة وتركزت حوله مجموعة من المفاهيم والأفكار فإن مصطلح الأمن القضائي، أصبح يطرح بدوره عدة مفاهيم وتطورات خاصة على مستوى الدول السائرة في طريق النمو التي تعمل على تطوير قضاها من أجل تعزيز فرصها في جلب الاستثمار.

وفي سبيل الإلمام بالموضوع سنعمل على تحديد مفهومي الأمن القانوني (الفقرة الأولى) و الأمن القضائي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الأمن القانوني

يعتبر الأمن القانوني أحد أهم مقومات الدولة القانونية القائمة على السيادة القانون ومؤدى هذا المبدأ أن تلتزم السلطات العمومية بضمان قدر من الثبات للعلاقات القانونية وحد أدنى من الاستقرار للمراكز القانونية كي يتمكن الأشخاص من التصرف باطمئنان على هدا، من القواعد والأنظمة القانونية القائمة بأعمال وترتيب أوضاعهم على ضوئها دون التعرض لتصرفات مباغثة تهدم توقعاتهم المشروعة وتزعزع استقرار أوضاعهم القانونية فهذا المفهوم لم يكن معروفا في القدم حيث لم تكن مقومات الدولة الحديثة قائمة فلم يكن يوجد حقوق لا مراكز قانونية ففي عصر النهضة الأوربية حاول الفقهاء فصل فكرة الحق عن القانون وكان أرسطو هو أول من أشار إلى ازدواجية الانضمام القانوني بين الحق والقانون من خلال نظرية القانون الطبيعي.

ومع بداية القرن العشرين وجدت نظريات فقهية توصلت إلى نظام قانوني يكون أساس فكرة الإلتزام الذي تصدره السلطة هو عبارة عن مجموعة من الأوامر والنواهي أما الحق هو التزام يقع على عاتق شخص ما بعدم مساسه بحق شخص آخر أما الفقيه بول روبي الذي فصل فيه بين القاعدة القانونية والمراكز القانونية فالأولى تتميز بالعمومية والتجريد أما الثانية أي المراكز القانونية فهي قد تتناول المراكز الشخصية أو الخاصة والمراكز الموضوعية وعلى هذا الأساس بدأت تظهر بوادر فكرة الأمن القانوني.

أيضا فيما يخص النظريات الفلسفية التي ارتبطت بظهور القاعدة القانونية فهي عملت على تحديد معالم وعناصر فكرة الأمن القانوني والتي تتمثل في فلسفتين:

-فلسفة  القانون الطبيعي: التي تؤكد أن القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية تحكم كذلك العلاقات الإجتماعية.

-فلسفة العقد الاجتماعي: التي رأى فلاسفتها أن الملكية الفرعية وما تتح عنها من تصادمات دفع هنا بالأفراد إلى التفكير في إبرام عقد فيما بينهم وسمي بالعقد الإجتماعي يمكن القول أن مصطلح الأمن القانوني مرتبط إرتباطا كبيرا بالقاعدة القانونية و بنشأتها ومذاهبها المختلفة فهو لا ينفصل تاريخيا عن مقومات بناء دولة القانون التي تأتي في مقدمتها القاعدة القانونية.

لكن فظهور فكرة الأمن القانوني كمصطلح قانوني فقد ظهر لأول مرة في سنة 1961 في ألمانيا حيث أكدت المحكمة الفدرالية الألمانية الدستورية هذا المبدأ، ثم بعد ذلك أصبح مبدأ عالمي حيث أصدرت محكمة العدل الأوربية قرارها بخصوص هذا المبدأ في سنة 1962 [1]كما تناول المجلس الأوربي لحقوق الإنسان في قراراته موضوع الأمن القانوني وضرورة أن يكون النص القانوني قابلا للتوقع وكذلك وضوح القاعدة القانونية[2].

أما بالنسبة للنظام الدستوري والقانون المغربي فقبل دستور فاتح يوليوز 2011 نجده لم يتضمن أية إشارة صريحة للأمن القانوني وان كان قد أشار إلى مجموعة من المفاهيم التي قد تساهم في تحقيقه خاصة الفصل 4 من الدستور لسنة 1996 ” عدم رجعية القوانين ” وبقي الشأن كما عليه في الدستور الحالي لكنه جعل حماية الأمن القانوني من المهام الملقاة على عاتق القاضي، بموجب الفصل 117 من الدستور إلى جانب تطبيق القانون وحماية الحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم.

أما القانون الفرنسي باعتباره المرجع الأساسي للقانون المغربي فهو كذلك لا يوجد   الأمن القانوني بين نصوص التشريع والدستور الفرنسيين كما أن المجلس الدستوري الفرنسي يرفض صراحة الإعتراف  بدستوريته ويتأكد ذلك بشكل ملموس من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري الفرنسي التي تؤكد أن المجلس لا يعترف به كمبدأ دستوري، وتكرس من جهة مجموعة من المبادئ والقواعد التي تسعى في تحديد معالم الأمن القانوني من ذلك الأثر الرجعي للقوانين والتأكيد على ضرورة وضوح القاعدة القانونية وورودها في شكل قواعد معيارية[3].

إن تحديد مفهوم الأمن القانوني بشكل جامع ومانع أمر صعب نظرا لكونه مصطلح متعدد الظواهر ومتشعب المعاني وواسع الدلالات وأن حضوره يكون دائما مستمرا في جميع مناحي الحياة إلا أنه بعض الفقهاء حاولوا قياسه على مبدأ الثقة المشروعة وآخرون حاولوا تقديم تعريف له على أساس المكونات اللغوية واللفظية.

فقد عرفه المجلس الدولة الفرنسية، بأن الأمن القانوني يقتضي أن يكون المواطنون دون كبر عناء، في مستوى تحديد ما هو مباح وما هو ممنوع من طرف القانون المطبق للوصول إلى هذه النتيجة، ويتعين أن تكون القواعد المقررة واضحة ومفهومة وألا تخضع في الزمان إلى تغييرات متكررة أو غير متوقعة[4].

كما أشارت محكمة العدل الأوربية في اجتهاد قضائي بخصوصه حيث ثم الإقرار بمبدأ الثقة المشروعة والتي تعد عنصر من عناصر الأمن القانوني وقرارات أخرى على أنه يجب أن يكون القانون قابلا للتوقع ومفهوم مع ضرورة وضوح القاعدة القانونية، كما تطرق مجموعة من الفقهاء للأمن القانوني على سبيل المثال xavier lagard حيث قال إن حديث رجل القانون عن إنعدام الأمن القانوني يشبه حديث طبيب الأمراض النفسية عن الضغط النفسي فالإحساس بالضغط النفسي في علم النفس كإنعدام الأمن القانوني في علم القانون وكلاهما أمر حتمي الوقوع في الحياة اليومية ولكنهما إذا تجاوزا الحدود المعقولة تحولا إلى حياة مرضية[5].

فمن  خلال ما سبق يمكن أن نعرف الأمن القانوني ، على أنه هو حق كل فرد في الشعور بالأمان من القانون أو القاعدة القانونية وحقه في استقرارها وعدم تعرضها للتغيير المفاجئ عليها،  وأنه نظام قانوني للحماية يهدف إلى تأمين ودون مفاجآت حسن تنفيد الالتزامات على الأقل، أو الحد من عدم الوثوق في تطبيق القانون، ولهذا المفهوم العام للأمن القانوني نجد ما يسمى بالأمن الجنائي والذي يمكن تحديد بالنظر إلى ضرورة إيجاد الطمأنينة في العلاقة بين الفرد والسلطات العامة في الدولة، من خلال الطابع الذي لا يأخذه وهو ضرورة عدم المساس بحريات الأفراد مما يولد نواة نحو الإستقرار ثم التنمية، فبمعنى آخر الأمن الجنائي يتولى عن طريق تحقيق أمر ينفي المجتمع ، أي تحديد صور السلوك التي يحظرها القانون والتي تستطيع أن تكون على مقدار من التطور بما يواكب مستجدات المجتمع ، أيضا وضع فلسفة واضحة تمنع الأفراد من اقتراف الجرائم في المجتمع من خلال بيان دقيق للأهداف المطلوبة للعقوبة[6].

أيضا لابدا الإشارة إلى العناصر التي يتمحور حولها مفهوم الأمن القانوني، من بينها مبدأ رجعية القاعدة القانونية الذي يعد من أهم مقومات دولة القانون وتحقيقا لمبادئ العدل سواء تم النص عليه صراحة في الدستور أم لا، مبدأ تقييم  الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية حيث  الحكم بعدم دستورية قانون صادر في فترة زمنية معينة يمكن أن يمس بمبدأ الأمن القانوني للأشخاص ونظرا لجسامة الضرر الناتج عن الحكم بعدم دستورية قانون صدر في فترة ما هذا الأمر الذي دفع ببعض المفكرين إلى التأكيد على ضرورة وضع مجموعة من الضوابط لتحديد الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية[7].

وفي الأخير يمكن القول أن الأمن القانوني بالرغم من الأهمية الكبيرة التي يحضا بها على المستوى الوطني والدولي أصبح مطلبا ضروريا وأساسيا لتكرسي دولة القانون وكذا الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته التي لا تتم إلا بتعزيز مبدأ الأمن القانوني والذي يقوم على جعل النظام القانوني السائد نظام مرنا وفعالا في نفس الوقت يهدف إلى حماية الحقوق ويعزز  الشعور والأمان والاستقرار.

الفقرة الثانية: مفهوم الأمن االقضائي

لا يحظى مصطلح الأمن القضائي بنفس الدراسة التي حظي بها مبدأ الأمن القانوني فهل هذا راجع إلى كون الأمن القانوني يستغرق الأمن القضائي ويحتويه أم، أن ذلك راجع لحداثة إستعمال المصطلح لا سيما في الدول السائرة في طريق النمو؟

ويزيد التساؤل عمقا عندما يتبين أن بعض الدول تستعمل مبدأ الأمن القضائي للدلالة على قوة خاصة  تابعة لوزارة العدل، مكلفة بتنفيذ الأحكام القضائية (فيتنام) هذا يعني أن  للأمن القضائي نظاما مبتكرا، للمساعدة القضائية (كندا) أو أنه يقصد به المجموعات المكلفة بحراسة المحاكم.

ويبدو من خلال الإستعمال الشائع لمصطلح الأمن القضائي، أن هناك ارتباطا وثيقا بين المفهومين، إذ غالبا ما يضاف إلى الأمن القضائي، فيقال، الأمن القانوني وثيقا بين المفهومين ، من أجل الدلالة على أمرين:

اقتران  مبدأ الأمن االقانوني بالأمن القضائي.

إبراز الطابع الحمائي للقضاء في حرصه على تطبيق القانون وحماية الحقوق.

إن المهمة الحمائية للقضاء هي الجانب الطاعن في النظرة إلى الأمن القضائي ولذلك يتم التركيز في هذا الخصوص على المتطلبات التي تكفل للقضاء، قيامه بتلك المهمة على الوجه المطلوب، حتى يكون في مستوى المهام المنوطة به في المجتمع المعاصر، ولا مكتمل هذه المتطلبات إلا بتوفير مقومات تضمن حسن سير القضاء، كاستقلالية وجودة أحكامه، وسهولة الولوج إليه، وحسن إدارته، ومقومات تبعث الثقة في المؤسسة القضائية والاطمئنان إلى ما ينتج عنها، وهي تقوم بمهمتها في تطبيق القانون على ما يعرض عليها من قضايا أو ما تجتهد بشأنه من نوازل.

هذا مع تحقيق ضمانات جودة أداءها، وعلى العموم بمجريات عملها القضائي.

إن القاعدة القانونية كأدات للضبط والتنظيم تميز عادة بطابعها الرافعي.

من المنازعات، ولكن يمكن كذلك وهذا الاقتضاء إثارتها أمام القضاء لتلعب دورها، كقاعدة لحل النزاع بين الأطراف، وهذا يبرز دور القضاء الهام في حماية مبدأ الأمن القانوني.

وتتجلى أهمية دور القضاء في حماية مبدأ الأمن القانوني في تعبئة القضاء بمختلف فروعه، للقيام بهذا الدور، سواء أكان قضاء عاديا، أو إداريا، أو دستوريا بل وحتى قضاء مجموعة من الدول، كما هو الحال بالنسبة للمجموعة الأوربية. حيث يقوم القاضي الأوربي بدور هام في صيانة مبدأ الأمن القانوني لذلك فالأمن القضائي ينبغي فهمه من وجهتين أساسيتين:

أنه يعتبر حاجزا وقائيا لفائدة الأشخاص ضد تجاوزات بعضهم البعض من جهة وحائلا دون تجاوز الإدارة ضد هؤلاء الأشخاص من جهة أخرى[8].

كما أنه يشكل حماية للسلطات العمومية ضد الدعاوي الكيدية وتعسفات المتقاضين[9].

إن المستفيد من دور القضاء بهذا الخصوص هو المتقاضي بصفة خاصة والنظام القانوني المعني بصفة عامة، ومن أهم تجليات هذه الفائدة ذات الطابع الجماعي شيوع الثقة، والاستقرار، المعاملات والاطمئنان إلى فعالية النصوص القانونية والوثوق بالقانون والقضاء في النهاية وأن أي خلل في قيام القضاء بمهامه في هذا المجال، تكون له آثار سلبية تتجلى في ضعف الثقة في المؤسسات القضائية[10].

بل والتأثر السلبي على الاستثمار الذي أصبح يفرض بحدة سيادة الأمن القانوني في ميدان الأعمال، لأن نجاح المقاولة، وإن كان يعتمد على منطق اقتصادي فإن القضاء يلعب دورا كبيرا في دعم هذا النجاح[11].

المطلب الثاني: تجليات الأمن القانوني والقضائي في التشريع الجنائي المغربي

كما سبق الذكر فإن مفهومين الأمن القانوني والقضائي هم مفهومين متكاملين لا يمكن الإستغناء أحد عن الآخر فالأمن القانوني يؤمن الحق لصاحبه وللأمن القضائي وجد لحماية هذا الحق والإعتراف به من خلال توفير مجموعة من الضمانات القانونية والقضائية، التي تتمظهر في التشريع الجنائي المغربي (الفقرة الأولى) إلى جانب تجليات الأمن القضائي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تجليات الأمن القانوني

يهدف مبدأ الأمن القانوني إلى حماية الأفراد من الآثار الثانوية السلبية للقانون،لا سيما عدم الانسجام، أو تعقد القوانين وأنظمة أو تعديلها المتكرر، بما يختلف ذلك من انعدام للأمن القانوني ويتعين لقيام المبدأ تحقيق عدة متطلبات في القانون حتى يتكرس الأمن القانوني على أرض الواقع وإن أهم هذه المتطلبات الواجب توافرها، ومن بين تجليات الأمن القانوني وهي كالتالي:

أولا: تمكين الفرد بالدفع بعدم دستورية القوانين

يعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين مظهر من مظاهر المساواة أمام القانون بحيث يعد آلية جديدة في منظومتها القانونية، حيث تم تنصيص عليه في الفصل 133 من الدستور المغربي الهدف منه هو تمكن المواطنين من المساهمة في تنقيح المنظومة التشريعية وتظهير ترسانة القانونية إما قد يشوبها من مقتضيات غير دستورية عن طريق الرقابة البعدية على القوانين المنشورة بالجريدة الرسمية والسارية المفعول والدفع بعدم الدستورية، وهو عبارة عن وسيلة قانونية تخول لأطراف الدعوى إمكانية إزاحة أي قانون يمس بحقوقهم أو حرياتهم التي يضمنها لهم الدستور ومن خلال الفصل 133 المشار إليه أعلاه يتضح أن الدستور المغربي خول للمحكمة الدستورية صلاحية البث في كل الدفع المتعلق بعدم دستورية القانون وذلك حفاظا على الحقوق والحريات الأفراد.

ثانيا: ضمانات الإجرائية تفتش المنازل نمودجا

نص المشرع المغرب على مجموعة من الضمانات الإجرائية التي تعد كأهم تجلي من تجليات الأمن القانوني للفرد، المنصوصة عليها ضمن مجموعة من المواد التي يكون الغاية منها خصوصا في مرحلة البحث والتحقيق والحفاظ على بعض الحقوق والحريات.

وحماية حرمة المنازل من الانتهاك أورد المشرع المغربي مجموعة من الإجراءات الكفيلة لتحقيق الأمن القانوني وهذا ما نصت عليه المادة 62 من ق م ج التي أفادة أنه لا يمكن الشروع في تفتش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليلا إلا إذا طلب ذلك رب المنزل أو وجهت صفات من داخله أو في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون إلى جانب المادة السالفة الذكر نجد المادة 79 ق م ج التي تنص كذلك أنه لا يمكن دخول المنازل وتفتشها وحجز ما بها من أدوات الاقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجرى العملية في منزله.

ثالثا: الضمانات الموضوعية كتجلي من تجليات الأمن القانوني

نجد المشرع المغربي كرس مجموعة من الضمانات القانونية التي تعد مظهر من مظاهر الأمن القانوني، ومن بين تجليات الأمن القانوني نذكر منها على سبيل المثال، قانون رقم[12]103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حيث تضمن هذا القانون عقوبات زجرية جديدة وأقر مجموعة من التعديلات على فصول القانون الجنائي عن طريق تغييره وتتميمه بحيث عاقب على مجموعة من الأفعال التي كانت خارج نطاق التجريم، كالضرب والإداء التي تتعرض إليه المرأة بكل أشكاله هذا ما نص عليه الفصول 400- 401 من ق ج م كذلك عاقب على الاختطاف والاحتجاز في الفصل 436 وطرد من بيت الزوجية وأيضا عمل المشرع المغربي على توسيع نطاق الحماية فيما يخص مفهوم التحرش الجنسي بحيث أن مفهوم الحماية لم يبقى حصري على الجانب الواقعي وإنما تعدى ذلك وامتدى إلى التحرش الافتراضي كل هذه التجليات ما هو إلى تكريسا للأمن القانوني.

الفقرة الثانية: تجليات الأمن القضائي

إن مفهوم الأمن القضائي يظل تحققه رهنا بتفعيل المبادئ الأساسية المنصوص عليه في الميثاق العالمي للقضاء (بنغلور) التي من أهمها تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكمتها وفي هذا الصدد نجد أن القضاء المغربي قام بتعزيز لهذا المبدأ وذلك استنادا لمجموعة من المستجدات المؤطرة للعمل القضائي.

أولا: اعتماد نظام معلوماتي

بحيث نجد أن النظام المعلوماتي المعتمد من طرف النيابة العامة فيما يخص المصالحة المركزية  s@j1الذي أطلقته وزارة العدل وهو نظام يتم من خلاله تدبير الملفات وتبسيط روابطه المستعملة والذي يظم أربع محاور، المحور الأول الذي خصص لتدبير الملفات الرائجة كذلك تكثيف الملف وتعيين المستشار المقرر وتعيين أول جلسة أما بخصوص المحور الثاني خصص لتتبع الجلسات وتدبيرها والمحور الثالث خصص لتدبير الإجراءات بخصوص لائحة الملفات المحالة على الشعبة ولائحة الملفات المحالة على النيابة العامة من طرف الشعبة وتتبع الإستدعاء، والمحور الرابع خصص لتدبير الأحكام والمقررات الذي يهم تتبع الأحكام ولائحة الملفات.

ومن بين المحاكم التي أخذت بهذا النظام ( محكمة الاستئناف بوجدة كنموذج) بحيث نجد أن كتابة الضبط قامت بتجهيز قاعة كبيرة مجهزة بجميع الوسائل الألوجستيكية  لإنجاح هذا الورش الإصلاحي للقضاء المغربي، وتم تثبت هذه الإعدادات المعلوماتية في قاعدة البيانات الاستئنافية بوجدة[13].

تم الاعتماد على هذا النظام المعلوماتي في سنة 2013 وأيضا تم الأخذ به في القسم الجنحي بالمحكمة الابتدائية بالعرائش سنة 2012 وقد ساهم هذا في اختزال عدد السجلات المعتمدة، والاقتصار على سجل واحد على كل نوع من القضايا، وكذلك تقلص حجم الموارد البشرية العاملة على مستوى هذا القسم، وإلى جانب هذا تم تفعيل موقع الإلكترونيWWW.STPILORACHE.MA كآلية رقمية الهدف منها تسهيل الحصول على المعلومات وتكريس مبدأ التواصل البناء كذلك البوابة الإلكترونية الخاصة بطلب السجل العدلي[14].

ثانيا: تفعيل آليات الصلح كبديل للدعوى العمومية

ويعتبر الصلح في المادة الجنائية من أهم البدائل التي أتة بها السياسة الجنائية المعاصرة كبديل للدعوى العمومية وهو آلية من آليات فض النزاعات بين الأطراف، وبمعنى أخر هو اتفاق بين أطراف النزاع بأن يتنازل أحدهم عن إدعائه.

حيث نجد أن المشرع الجنائي خول اقتراح هذا الإجراء، إما من قبل الأطراف أو وكيل الملك، حيث نجد أن المشرع الجنائي نص في المادة 41 [15] من ق م ج على ما يلي يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية، وكل ما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بالغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم.

يمكن للأطراف اقتراح تضمين الصلح بينهما على وكيل الملك بعدها يقوم هذا الأخير بتضمين الصلح المستوفي لكل شروطه في محضر وإحالته على رئيس المحكمة الابتدائية للمصادقة عليه، ويمكن كذلك لوكيل الملك أن يقوم باقتراح على الأطراف وذلك في حالة عدم حضور المشتكي أمامه ووجود تنازل كتابي وعدم وجود المشتبه فيه في هذه الحالة يمكن لوكيل الملك تضمين الصلح داخل محضر.

ثالثا: ضمانات المحاكمة العادلة

ضمانات قبل المحاكمة: بهذا الخصوص نجد المشرع المغربي خول للمتهم مجموعة من الضمانات المحاكمة العادلة عبر مراحل بداية بالبحث التمهيدي وصولا للمحاكمة نجد أن مرحلة البحث التمهيدي تنطوى على مجموعة من الضمانات التي استمدة روحها من مجموعة من المبادئ المنصوص عليها في الدستور التي تكرس هذه الغاية جاءت المادة 66 [16]من قانون مسطرة الجنائية بمجموعة من ضمانات بحيث نجد أن ضباط الشرطة القضائية ملزميين بالتقيد بها ومنها إطلاع المتهم وإشعاره بكيفية يفهمها على دواعي وأسباب اعتقاله والأفعال المنسوب إليه أهمها الحق في الاتصال بأحد أقربه، الحق في المعاملة الإنسانية وعدم اللجوء إلى تعذيبه، وكذلك الحق في التزام الصمت وأيضا الإستعانة بترجمان إذا كان ضابط الشرطة القضائية لا يحسن لغة المتهم خاصة إذا كان المعنى بالأمر أصم  أو أبكم.

وحقه في الإطلاع على المحضر قبل التوقيع، كذلك له الحق في الاتصال بمحامي في إطار المساعدة القضائية أما فيما يتعلق بمرحلة التحقيق الإعدادي التي تتوسط بين  مرحلة البحث التمهيدي ومرحلة المحاكمة والتي يقوم بها قاضي التحقيق من بين هذه ضمانات المخولة ضمنها نذكر حق المتهم في عدم إدلاء بأي تصريح عند مثوله أول مرة أمام قاضي التحقيق إلا بحضور محامي ذلك لتجنب انتزاع الاعتراف بالضغط والإكراه، وحقه في اختيار محامي يؤازره والاتصال به بكل حرية، وهذا ما نصت عليه المادة 73 و 74 من ق م ج وكذلك الحق في التعرف على الأفعال المنسوبة إليه.

ضمانات أثناء المحكمة: هي ضمانات متعددة وكثيرة يكمن الغاية منها في الحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية، وسعيا للوصول إلى محاكمة عادلة تراعي فيه كافة الشروط المنصوصة عليها قانونا من أبرزها تسريع إحالة المتهم على هيئات الحكم ومحاكمته أمام محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة وتمكينه من حق الدفاع عن نفسه، وأيضا نفس الحق في المحاكم وسماع ما يدور بها من مناقشات ومرافعات ، ومن أجل تزكية هذه الضمانات كان إلزاما أن تتم إجراءات المحاكمة بشكل شفوي تمكن المتهم من الالمام  بالأدلة المقدمة ضده كحق الاستماع للشهود داخل الجلسة كذلك تمكن الاستعانة بالترجمان إذا كان لا يدرك له العمل في المحكمة.[17]

المبحث الثاني: إشكالية الأمن القانوني والقضائي في التشريع الجنائي المغربي

ما من شك أن كل التشريعات تتوفر على السلطتين التشريعية والقضائية منها النظام المغربي الا ان هذا لا يعني قيام العدالة وتحقيق دولة الحق والقانون التي يسود فيها القانون وتحمى فيها الحقوق والحريات العامة بعد إقرارها دستوريا.

وبما أن مفهوم الأمن القانوني والقضائي هما مفهومين فلسفيين تبقى معرفة حدود هذا الأمن نسبية لكل تشريع وقضاء، بما يحققه من حماية للمواطنين وبذلك يبقى كل من الأمن القانوني والقضائي يعرفان عدة إشكاليات، سنتناولها على التوالي في المطلب الأول (إشكالية الأمن القانوني) والمطلب الثاني (إشكالية الأمن القضائي).

المطلب الأول: إشكالية الأمن القانوني.

يعرف الأمن القانوني المغربي إشكالات متعددة تتنافى مع أهدافه بشكل عام، من بين هذه الإشكاليات التضخم التشريعي (الفقرة الأولى) وعدم وضوح أو عسر فهم النص القانوني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التضخم التشريعي

يقصد بالتضخم التشريعي وجود عدد كبير من القوانين المتشابهة غير محددة الصياغة القانونية والتي تختلف المحاكم في تفسيرها في قضايا مشابهة[18].

التعدد التشريعي بصفة عامة والتشريع الجنائي بصفة خاصة يعرف تضخما كثيرا في النصوص بشكل أصبح الجميع يلاحظه بما في ذلك الفقهاء والأكاديميون والقضاة والمحامون وغير ذلك، الشيء الذي يكاد يفقد غاية القانون الجنائي من خلال تقرير العقاب في مستوى جرائم بسيطة بحيث أصبح يتدخل القانون الجنائي في الحد الأدنى وبذلك تقييد أكثر لحرية الأفراد.

وقد بدأت الظاهرة تستفحل بشكل كبير مع بداية الألفية الثالثة الجديدة وذلك تزامنا مع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي اجتاحت العالم وبذلك المغرب.

فمنذ إصدار المشرع الجنائي المغربي لقانون 03.03 المتعلق بالإرهاب والقوانين الأخرى مثل الاتجار بالبشر ، غسل الأموال، مناهضة التعذيب الهجرة الغير المشروعة ومؤخرا قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء وغير ذلك من القوانين، هنا يتبين أن المشرع الجنائي المغربي عرف طفرة نوعية وتضخم في إصداره لهذه التشريعات التي تتسم بالزجر، والتضخم التشريعي قد يكون نتيجة للسياسة الجنائية السائدة بالدولة بحيث تكون سياسة عقابية وزجرية، وأحيانا أخرى يرجع السبب إلى تعدد مصادر القوانين مثل سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، لذلك يكون التشريع نتيجة حتمية ” للإتفاقية الدولية في مجال معين”، وكذا الصياغة التشريعية والقانونية غير السليمة وليست مبنية  على القاعدة الثلاثية للمحكمة الأوربية في تقنيات التجريم وهي التحديد والتوقعية والولوجية ، فالأول يعني أن تكون المصطلحات المستعملة دقيقة وواضحة، بسيطة وسهلة لكي تكون في متناول فهم الناس، والثانية تعني معرفة وتوقع الآثار الجنائية المرتبطة بسلوك الفرد. أما الولوجية  في العلم بالعناصر التكوينية لكل الجرائم لكي يتمكن المواطن من تشكيل سلوكاته طبقا للنصوص الجنائية.

ينجم عن تضخم القواعد القانونية سلبيات عدة ينبغي الحد منها، ومن بين هذه السلبيات، تعارض النصوص القانونية وتزاحم حقوق الأفراد، يؤدي كثرة النصوص إلى انعدام الأمن والاستقرار الذي يعد من غايات المشرع مع تفويت التي هي غاية أخرى للمشرع.[19]

الفقرة الثانية: عسر فهم القانون

أكثر المظاهر شيوعا في التشريعات غير الجيدة اللبس والغموض وصعوبة الفهم الذي يكتنف النصوص إما لكونها صيغت بعبارات غير دقيقة أو لكونها تضخمت كلمات لها مرادفات عدة دون أن تتبعها كلمات أخرى تشير إلى المعنى المقصود، فحسب المحكمة الأوربية فإن من شروط التجريم هو التحديد أي أن المصطلحات المستعملة يجب أن تكون دقيقة وواضحة وبسيطة وسهلة.

بالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي نجد أن المشرع الجنائي أورد عبارات فضفاضة، فمثلا الفصل 218-1 من القانون الجنائي، يعتبر عملا إرهابيا الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص، فكيف يمكن للقاضي التمييز بين السرقة باستعمال سلاح والعنف عند إلقاء القبض على شخص متلبس بها وفي الشارع العام وعدم إدراجها كقضية إرهابية، وأيضا ذكره أو استعماله في نصوص كثيرة مصطلح النظام العام، مع ترك السلطة التقديرية للقاضي في إعطاء تعريف لهذا المصطلح، فما المقصود به ؟.

ويتعين لقيام مبدأ الأمن القانوني تحقيق عدة متطلبات على أرض الواقع من بينها سهولة فهم النصوص القانونية واستيعابها من قبل المخاطبين بها.

وعلى هذا، فإن الأمن القانوني يتطلب مناخا قانونيا سليما، بدءا من جودة إعداد وتحرير القاعدة القانونية إلى تطبيقها وتنفيذها على الوجه المطلوب.

وبذلك فعسر فهم القانون يكون من المخاطر التي تهدد الأمن القانوني[20] مما يؤدي إلى عدم الطمأنينة لدى الأفراد.

وتعد الصياغة التشريعية من المسائل الفنية الضرورية لإنشاء القاعدة القانونية وفق أسس ومبادئ سليمة خالية من التعقيد والشوائب وسهلة الفهم بالنسبة لكافة المتعاملين مع النص القانوني ويجب على النصوص التي تصدر أن تكون متوقعة من الأفراد.

فالنصوص القانونية الواضحة والدقيقة تجعل المتلقي والمخاطب من شأنه فهم  بسهولة مكانة من النص، وكذا يقيد السلطة التقديرية لمطبق النص من تفسيره بشطط وتعسف.

والغموض لا يكون فقط في تعدد المعاني أيضا في تعارض النصوص، قد يكون المعنى واضحا في المعجم لكن خلال وضعه في السياق العملي أو التنفيذ يصطدم النص بالواقع فيحدث غموض، مثلا حق الإضراب منصوص عليه دستوريا لكن في نفس الوقت يقابله مفهوم استمرارية المرفق العام.

وقد تقتضي طبيعة الموضوع الذي يعالجه المشرع أن يتحاشى التعرض لأدق التفاصيل فيه لما يتميز به من  الاتساع والدقة، وقد يتعمد المشرع ذلك أيضا لما تقتضيه أمور سياسية أو اجتماعية فيبتر النص أو يصوغه بلغة  مهمة ويترك للقضاء استخلاص المعنى عند حدوث الواقعة، أو ما يطلق عليه عند القانونين بقاعدة التجريم على بياض.

المطلب الثاني: إشكالية الأمن القضائي

لا يخفى أن تحقيق الأمن القانوني والقضائي تواجهه مجموعة من الإشكاليات والصعوبات على مستويين، تضارب الأحكام والقرارات القضائية التي تطرح مجموعة من العراقيل التي قد تؤدي أو تحدث ضررا جسيما بحقوق وحريات المتقاضين والتأثير على مصداقية الأحكام و القرارات وعلى ثقة المواطنين بالقضاء (الفقرة الأولى) أما على مستوى تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية فهو بدوره يطرح مجموعة من الإشكاليات (سيتم ذكرها من خلال (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تضارب الأحكام والقرارات القضائية

إن تضارب الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن قضاة الحكم سواء تعلق الأمر بالأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية أو القرارات الصادرة عن كل محاكم الاستئناف والنقض تطرح لنا مجموعة من الإشكالات تنعكس بشكل أو بأخر على جودة العمل القضائي بالأساس ويمكن حصر هذه الإشكالات في اختلاف قضاة في تفسير وتأويل النصوص القانونية وكذلك الاختلاف في تكييف القضايا المعروضة أمامهم وحيث نجد هذا الاختلاف في بعض الأحيان من محكمة إلى أخرى وكذلك داخل نفس المحكمة، وهذا ينعكس على جودة الأحكام والقرارات الصادرة عنها[21].

إلى جانب ذلك نجد أيضا بعض القضاة حينما يلجئون إلى تفسير بعض النصوص القانونية قد يبتعدون عن إرادة المشرع خاصة في المادة الجنائية التي تقتضي فيها القاعدة ربط الواقعة بالنص وعدم اللجوء إلى القياس والتوسيع في تفسير النص و الذي قد يؤدي إلى خلق عقوبات وجرائم جديدة تمس بحقوق وحريات الأفراد.

بالإضافة إلى إشكالية صياغة وتحرير الأحكام القضائية من قبل قضاة المحاكم.

الفقرة الثانية: إشكالية تنفيذ الأحكام

إن معايير المحاكمة العادلة وإحترام القضاء في دولة من الدول يعبر عن مدى تقدم هذه الدولة ومدى تطورها وهنا تكمن أهمية تنفيذ الأحكام لما يترتب عنها من أثار بالغة خلال مراحل التقاضي، فبدون التنفيذ تصير الأحكام عديمة الجدوى ويفقد الناس ثقتهم في القضاء، كما أن هبة القضاء تتوقف على تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، والحكومة المغربية مثل نظيرتها الفرنسية ما فتئت تدعو إلى ضرورة الالتزام بقرارات القضاء ومراعاة الأحكام القضائية النهائية التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به أو ذلك بالعمل على تنفيذها سواء صدرت ضد الدولة أو ضد احد  الأجهزة أو المؤسسات التي تتولى الوصاية عليها طبقا لما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس (خلال ترأس افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء حيث أكد أنه من البديهي أن لا يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمن لهيئاته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية يجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الإنصاف وفورية البث والتنفيذ وسريان مفعولها على من يعنيهم الأمر، ومن  منطوق نص الخطاب فإن مسطرة تنفيذ الأحكام القضائية تواجهها مجموعة من الصعوبات تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة لفائدة المتقاضين ويمكن حصر بعض منها في الآتي:[22]

تعطيل استفادة المتقاضين من الحقوق المتوفرة لفائدتهم بواسطة القانون إذ يتبين أن لتفعيل الأثر القانوني والواقعي المقرر بموجب حكم قضائي يقتضي توظيف كل الوسائل القانونية لتنفيذها ومن جملتها تسخير القوات العمومية، وكذلك أعوان السلطة القضائية.

وهنا يبرز تمظهر الأمن القضائي الذي يتطلب تتبع تنفيذ الأحكام أو المقررات القضائية الصادر عن المحاكم.

كذلك هناك إشكالية متعلقة بعدم تكليف قاضي تتبع تنفيذ الأحكام رغم وجوده على أرض الواقع وهذا يطرح لنا إشكالية أخرى وهو تراكم الملفات التي تتطلب تصفية ملفات قديمة قبل النظر فيها وذلك نتيجة  قلة الموارد اللازمة منها ما يتعلق بما هو قانوني كسلوك المساطر الفرعية والكيدية لعرقلة التنفيذ، وعدم وضوح منطوق بعض الأحكام، استعمال عبارات عامة وفضفاضة، اللجوء إلى طلب مهلة استرجاعية الشيء الذي يتحول في أحيان كثيرة إلى مصدر لإفراغ عملية تنفيذ الأحكام من محتواها أو تأمين عملية التنفيذ[23].

الصعوبات البشرية، النقص في عدد أعوان التنفيذ و المفوضين القضائيين بكثير من محاكم المملكة، وكذلك أشارت بعض التقارير إلى الانخراط الضعيف لهؤلاء في تصفية ما بأيديهم من ملفات و كذا ضعف وسائل العمل إن لم يكن انعدامها في بعض المحاكم خاصة التي يمتد نفوذها  الترابي للبوادي و المناطق الوعرة جغرافيا.

عدم توفير المعلوميات في تنفيذ الملفات والاقتصار على الوسائل اليدوية وبالتالي فإن مسطرة تنفيذ الأحكام تبقى ضرورية لبناء دولة الحق و القانون، وتحقيق الأمن القضائي، والتي تعد بدورها ضمانات أساسية لتطبيق وسيادة الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة والأساسية .[24]

 

 

خاتمـــــــــــــــة

يشكل الأمن القانوني والقضائي العمود الفقري لكل دولة ديمقراطية، و دولة الحق والقانون، من خلال إلتزام السلطات العمومية بضمان قدر من ثبات العلاقات القانونية، و بالتالي تكون الطمأنينة لدى الأفراد.

كذلك الأمن القضائي بمبادئه الأساسية؛ الإستقلالية و جودة الأحكام و كذلك سهولة الولوج إليه بالإضافة إلى ضمانات المحاكمة العادلة، تشكل الحماية للفرد على المستوى القضائي و شعوره بالثقة في القضاء، ومنه فإن استقرار القانون يؤدي بشكل حتمي إلى استقرار القضاء أيضا، مما يبرز لنا العلاقة المتينة بين المفهومين.

فالتغيير المفاجئ في القوانين كل مرة يعتبر من الإشكاليات التي تهدد الأمن القانوني   وكذلك التضخم الذي أصبح تعرفه معظم التشريعات و سوء صياغة هذه القوانين و غير ذلك، و بالتالي و بشكل حتمي يؤدي إلى الاشكال على المستوى القضائي.

وذلك ما يهدد ديمقراطية الدول و يؤثر في ثقة الأفراد بدولهم، لذا يجب تنقح و العمل ما أمكن من أجل تحسين أمنهم القانوني والقضائي.

لائحة المراجــع

[1] – عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي

2- Roi MBULI Philippe et soulas de Russel Dominique nature et racines de principe de sécurité

– Décision n 2000- 435, 7 Décembre 2000, Cité par olivier, D de 3  homathe

4- تقرير مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 24 مارس 2006 منشور بالموقع الإلكتروني لمجلس الدولة www.conseil- Etat, FR.

5- عبد الرحمان اللمتوني، الإجتهاد القضائي والأمن القانوني

6- عادل علي المانع، الأمن القانوني الجنائي مفهومه وأسسه مجلة الأمن والحياة الجزء المتعلق بالعدالة الجنائية.

– Cathy Romand la agitation Familiale.   7

 

8 –  الخطاب الملكي محمد السادس بمناسبة عيد العرش 30 يوليوز 2007.

 

8 – Voir CGEM- LIVRE IBLANK Rourenforcor et consolides le dynamisme de dynamisme de l’économie marocain 2007.

 

11 – قراءة  في قانون رقم 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء.

 

12- مداخلة حول موضوع الأمن القضائي بين التأصيل والتنزيل على ضوء النظام القضائي المغربي ندوة العلمية التي نظمتها نقابة هيئة المحامين بطنجة، المعنونة ب: المحامات والأمن القضائي والقانوني وذلك يوم الخميس 11 ماي 2017 بالمحكمة الابتدائية بالعرائش ابتداء من الساعة الخامسة مساءا.

 

15- ممدوح حسين، أزمة القوانين المصرية، وسيل مواجهتها- مقال منشور في الانترنيت، متاح على موقع

WWW.EGY NEUS. NET

 

16- عبد الكريم صالح عبد الكريمkعبد الله فاضل حامدk تضخم القواعد القانونية التشريعية مجلة جامعة لكريت للعلوم القانونية السنة السادسة العدد 23- 2014.

 

17- عبد المجيد غميجة مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، الدار البيضاء 28 مارس 2008- عرض مقدم في ندوة.

 

18- تحرير القرارات القضائية، أشغال الأيام الدراسية  14- 20 أبريل 2004 مع ملحق خاص بقرارات المجلس الأعلى العدد 10-50-2005.

 

19- محمد قصري، تنفيذ الأحكام الإدارية، مجلة المعيار العدد 29 .

 

 

 

 

[1] – عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، مجلة الملحق القضائي العدد 42 الصادرة بتاريخ 28 مارس 2008 ص 4.

[2] – Roi MBULI Philippe et soulas de Russel Dominique nature et racines de principe de sécurité Juridique op cit p 89.

[3] – Décision n0 2000- 435, 7 Décembre 2000, Cité par olivier, D de homathe

[4] – تقرير مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 24 مارس 2006 منشور على الموقع الإلكتروني لمجلس الدولة www.conseil- Etat, FR.

[5] – عبد الرحمان اللمتوني: الاجتهاد القضائي والأمن القانوني: مجلة الملحق القضائي العدد 43 ماي 2002 ص 12.

[6] – عادل علي المانع: الأمن القانوني الجنائي مفهومه وأسسه مجلة الأمن والحياة الجزء المتعلق بالعدالة الجنائية العدد 248 مارس 2003 ص 2.

[7] – رفعت عبد السيد: مبدأ الأمن القانوني دار النهضة العربية، القاهرة 2011 ص 12.

[8] – Cathy Romand la agitation Familiale- OP. cit. p.190.

[9] – جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش 30 يوليوز 2007، ويأتي القضاء في طليعة القطاعات ذات الأسبقية في المرحلة المقبلة، فالعدل بما هو قدر أساس للملك قيام دولة حق وقانون و المساواة أمامه، ودعامة للتنمية ولتشجيع الاستثمار، لذا يتعين على الجميع التجنب لتحقيق إصلاح شمولي، والقضاء وتعزيز استقلالية أللذي له نجد ضامنون هدفنا ترسيخ التنمية في العدالة، وضمان الأمن القضائي اللذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة، وسيلتان صيانة حرمة القضاءـ وأخلاقياته، ومواصل تأهيله وتحديثه وهيكلة موارده بشرية ومادية وإطار قانوني عصريا.

[10] – وبهذا الصدد فإن قضية OTREAU بفرنسا حاضرة بانعكاساتها السلبية على المؤسسة القضائية الفرنسية.

[11]  – Voir CGEM- LIVRE IBLANK Rourenforcor et consolides le dynamisme de dynamisme de l’économie marocain 2007 P 74.

[12] – قراءة  في قانون رقم 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء.

[13] – مداخلة حول موضوع الأمن القضائي بين التأصيل والتنزيل على ضوء النظام القضائي المغربي ندوة العلمية التي نظمتها نقابة هيئة المحامين بطنجة، المعنونة ب: المحامات والأمن القضائي والقانوني وذلك يوم الخميس 11 ماي 2017 بالمحكمة الابتدائية بالعرائش ابتداء من الساعة الخامسة مساءا ص 14.

[14] – أنظر نفس المداخلة ص 16-17.

[15] – لتوسع أكثر راجع المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربية.

[16] – أنظر المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية.

[17] – أنظر ديباجة قانون المسطرة الجنائية.

[18] – ممدوح حسين، أزمة القوانين المصرية، وسيل مواجهتها- مقال منشور في الانترنيت، متاح على موقع

WWW.EGY NEUS. NET

[19] – عبد الكريم صالح عبد الكريم ، عبد الله فاضل حامد- تضخم القواعد القانونية التشريعية مجلة جامعة لكريت للعلوم القانونية السنة السادسة العدد 23- 2014 ص 159.

[20] – عبد المجيد غميجة مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي- الدار البيضاء 28 مارس 2008- عرض مقدم في ندوة.

[21] – تحرير القرارات القضائية، أشغال الأيام الدراسية ( 14- 20 أبريل 2004 مع ملحق خاص بقرارات المجلس الأعلى العدد 10-50-2005.)

[22] – محمد قصري: تنفيذ الأحكام الإدارية، مجلة المعيار العدد 29 ص 36.

[23] – جريدة الصباح العدد 1030 نشر يوم 19 -12- 2012.

[24] – محمد الهيني إشكالية تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية (الحلقة الأولى).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى