في الواجهةمقالات قانونية

أناس أنجار : إدماج الأمازيغية بين النص القانوني والواقع

من إعداد :أناس أنجار

 باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري

إدماج الأمازيغية بين النص القانوني والواقع

مقدمة :

تشكل  الأمازيغية بشكل عام ركن أساسي من أركان الحضارة الإنسانية التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا منذ القدم، وتعد واقع وحقيقة تاريخية ثابتة لا غبار عليها، ففي بلادنا  مرت قضية الأمازيغية بعدة محطات منذ سنوات الستينات ومازالت، فعلى المستوى الوطني لا شك أن مواكبة منظمات المجتمع المدني بديناميتها وبعض الأحزاب السياسية وكذا تفاعل الخطب الملكية، ساهمت بشكل مباشر في لم الهوية المغربية بدسترة الأمازيغية وإخراج قانون تنظيمي يهم تفعيلها في مناحي الحياة العامة، أما على الصعيد الدولي انخرط المغرب في الركب الدولي بتوقيعه على اتفاقيات دولية مرتبطة باحترام التعدد الثقافي واللغوي، والمعلوم أن الدستور المغربي يعتبر المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية، والدولة ملزمة على ملاءمة التشريعات معها.

كما أن نفس الدستور يتأسس على قيم ومبادئ ثابتة تنص صراحة على منع التمييز على أساس المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي، فالسياق الوطني والدولي والأحداث المرتبطة  بهما كان لها الدور في وصول الأمازيغية إلى هذه المرحلة، والاعتراف بها بشكل صريح في دستور2011 الذي نص في فصله الخامس على أن الأمازيغية  لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون اسثتناء، كما حث هذا الأخير على إخراج قانون تنظيمي إلى حيز الوجود يهدف إلى تحديد مراحل تفعيل اللغة وكيفيات إدماجها في مناحي الحياة العامة، كما نص أيضا على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية مهمته على وجه الخصوص حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية.

 

 

فبعد مسيرة شاقة، صادق البرلمان بمجلسيه على مشروع القانون التنظيمي وأقرت المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام الدستور ليصبح بعد نشره في جريدة رسمية قانون تنظيمي ساري المفعول ، فبالرجوع إلى مقتضياته نجده يعرف الأمازيغية باعتبارها مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللساني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة، عموما فالمرحلة الحالية تستوجب العمل الجاد والإرادة السياسية لدمج الأمازيغية من طرف الفاعلين المعنيين وملائمتها رغم الإكراهات والتحديات المطروحة، ردا للاعتبار للغة والناطقين بها وترسيخا للهوية الوطنية المغربية بمختلف مكوناتها، ارتباطا بالموضوع يمكن طرح التساؤل التالي: هل الإطار القانوني وحده سيساهم في إدماج الأمازيغية أم أن القضية تحتاج أيضا إلى إرادة سياسية مع إصلاحات هيكلية جذرية؟

أولا: مقتضيات القانون التنظيمي لتفعيل الأمازيغية .

يهدف القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية إلى إدماج هذه اللغة في مجال التعليم وفي مجال التشريع والعمل البرلماني، مجال الإعلام والاتصال، وكذا في مختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني، وفي الإدارات وسائر المرافق العمومية وأيضا في مجال التقاضي.

بخصوص مجال التعليم نص القانون التنظيمي على تفعيل اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين سواء بالقطاعين العام والخاص، كما مكن من إحداث بمؤسسات التعليم العالي وحدات للبحث المتخصص في اللغة والثقافة الأمازيغيتين، كما أشار أيضا إلى دمج الأمازيغية في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية .

أما في مجال التشريع والعمل البرلماني نص على إمكانية استعمال اللغة الأمازيغية في أشغال الجلسات العمومية واللجان البرلمانية مع توفير الترجمة الفورية من اللغة الأمازيغية وإليها وكذلك إصدار نسخة من الجريدة الرسمية باللغة الأمازيغية كما نص على إدماجها أيضا في مجال الإعلام والاتصال سواء العمومية والخاصة، المرئية والمسموعة، المكتوبة والرقمية وكذا توفير الدعم اللازم من طرف الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري للقنوات التلفزية والإذاعية الأمازيغية هذا من جهة، من جهة أخرى ترجمة الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين وكذلك نقل الجلسات التشريعية مصحوبة بترجمة إلى الأمازيغية.

كما تطرق القانون التنظيمي لإدماج اللغة الأمازيغية في مختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني عبر تشجيع الدولة ودعم للإبداعات والانتاجات الأمازيغية والمهرجانات الفنية والثقافية الأمازيغية، ثم أكد على كتابة البيانات بالأمازيغية إلى جانب اللغة العربية في القطع والأوراق النقدية والطوابع البريدية وأختام الإدارات والوثائق الرسمية .

نص كذلك على استعمال الأمازيغية بالإدارات وسائر المرافق العمومية عبر التزام هذه الأخيرة بتوفير بنيات للاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية وتوفير الموارد البشرية المؤهلة للتواصل بالأمازيغية مع المواطنين، إدماج اللغة الأمازيغية في الفضاءات العمومية عبر استعمالها في اللوحات وعلامات التشويرالمثبتة داخل الإدارات والمرافق العمومية والسفارات والطرق والمطارات والموانئ والفضاءات العمومية، إدماج الأمازيغية في مجال التقاضي حيث يحق للمواطن الناطق بالأمازيغية طلب التقاضي باللغة الأمازيغية في مختلف مراحل الحكم من خلال توفير ترجمة مجانية .

على العموم يمكن اعتبار الأساس القانوني  المشكل من الدستور كأسمى قانون والقوانين التنظيمية الداعمة لتفعيل الأمازيغية مكسب مهم، حيث اعتبرته بعض منظمات المجتمع المدني من المكتسبات المهمة وثمنت ما جاء فيه، في حين عارضته منظمات أخرى وعبرت بكونه لا يستجيب لتطلعاتها، كما تجدر الإشارة إلى أن القانون التنظيمي رقم 26.16 أوجد ثلاث مدد زمنية مرتبطة بالتفعيل، الأولى تتطلب 5 سنوات، وبعض المقتضيات تتطلب 10 سنوات للتفعيل، وأخرى تتطلب مرور 15 سنة لتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي بجميع مواده على الصعيد الوطني.

ثانيا: عوائق أجرأة القانون التنظيمي للأمازيغية ومتطلبات الإدماج

بعدما ظل القانون التنظيمي للأمازيغية حبيس البرلمان لثمان سنوات وبعد هدر زمني ومخاض عسير تم إخراج القانون التنظيمي رقم 26.16 إلى حيز الوجود، عبر المصادقة عليه من طرف مجلسي البرلمان ثم إقراره من طرف المحكمة الدستورية باعتباره مطابق لأحكام الدستور ومقتضياته.

من المنتظر أن يواجه تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية عدة تحديات، ففي مجال التعليم تعرف المنظومة التعليمية مشاكل عويصة  أنهكت الدولة بمخططات واستراتيجيات لم تؤت ثمارها، كون المغرب يحتل مراتب متأخرة عالميا حسب مؤشر جودة التعليم، فالدولة المغربية إلى اليوم لازالت تحاول تجويد والنهوض بهذا القطاع المهم والذي يحظى بعناية خاصة لدى العديد من الدول المتقدمة، كما يعد حلقة أساسية لتقدم الدول وازدهارها، وارتباطا بالموضوع فالتراجع الذي تعرفه المنظومة التعليمية  سيؤثر سلبا على تفعيل الأمازيغية وإدماجها والنهوض بها، وقد يحتاج لمدة أطول لأجرأتها ،خاصة مع وجود مشاكل  نقص الموارد البشرية المؤهلة ومشاكل لوجيستيكية، لذا يمكن القول أن نجاح المنظومة التعليمية بالمغرب بالموازاة مع أجرأة الأمازيغية في التعليم رهين بسياسات عمومية ناجعة وفعالة .

أما بخصوص استعمال الأمازيغية بالإدارات وسائر المرافق العمومية فمن المعلوم أن واقع الإدارة المغربية والأعطاب التي تعاني منها سيؤثر بشكل أو بآخر في التفعيل، فكيف لإدارة مثقلة بالأعطاب المتنوعة دمج الأمازيغية بالشكل المطلوب وتوفير مختلف الموارد اللازمة، بالتالي هذا يعد رهان آخر يستوجب العمل الجاد والإرادة الحقيقية مع تطبيق مبادئ وروح الدستور.

عموما إن إيجاد حلول عملية لمختلف المشاكل والإكراهات التي تعيق تفعيل الأمازيغية كلغة خصوصا مع الأعطاب الموروثة خاصة في قطاع التعليم والإدارة العمومية المغربية وباقي المؤسسات المعنية، يتطلب إرادة سياسية وجهود جبارة لمختلف الفاعلين، إلى جانب إعمال مبادئ الشمولية والإنصاف والمساواة والتدرج الفعلي المعقلن، وضمان التقائية وتناسق السياسات العمومية للقطاعات الوزارية المعنية بما يضمن النجاعة، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لترسيمها فكل ذلك من شأنه ارتقاء باللغة الأمازيغية كلغة رسمية واضطلاعها بوظيفتها إلى جانب اللغة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى