إستراتيجية تدبير الموارد المائية في المغرب: بين إكراهات الندرة ومتطلبات الأمن المائي المستدام – فخار عبد الواحد

إستراتيجية تدبير الموارد المائية في المغرب: بين إكراهات الندرة ومتطلبات الأمن المائي المستدام
فخار عبد الواحد
طالب باحث بسلك الماستر
ملخص:
يعتبر الماء أحد المقومات الأساسية و الضرورية لاستمرار الحياة على وجه الأرض، حيث أن الإنسان كانت تربطه علاقة عضوية وطيدة بالماء منذ زمن بعيد، كما أنه سبب من الأسباب الرئيسة في ميلاد مجموعة من الحضارات على مدار تاريخ البشرية.ونظر للأهمية البالغة التي تكتسيها الموارد المائية خاصة في وقتنا الراهن لارتباطه بمختلف الأنشطة الإقتصادية و الإجتماعية، عمل المغرب منذ زمن بعيد على اتباع مجموعة من الإستراتيجيات المتنوعة و المختلفة للحفاظ على الثروة المائية و تنميتها عبر تقنين طرق استغلاله و كيفية تدبيره من خلال منظومة متكاملة من القواعد القانونية و التدبيرية. و مع التغيرات المناخية و الديمغرافية التي عرفتها المملكة المغربية في هذه الأونة الأخيرة، فرض عليها إعادة النظر في أساليب و استراتيجية تدبيرها للمورد المائي لمواجهة تداعيات الندرة المائية، التي هي نتاج لمجموعة من المهددات البشرية والطبيعية. و هذا ما نلاحظه من خلال تبنيه لاستراتيجيات حديثة تتماشى مع التطورات التكنولوجية و الصناعية التي عرفها العالم ككل بغية تحقيق الأمن المائي كوجه من أوجه التنمية المستدامة.
الكلمات المفتاحية: الندرة المائية، الأمن المائي ، التنمية المستدامة، تدبير الموارد المائية.
Abstract:
Water is considered one of the basic and necessary components for the continuation of life on Earth, as man has had a close organic relationship with water since ancient times, and it is also one of the main reasons for the birth of a group of civilizations throughout human history. Given the great importance of water resources, especially at the present time, due to its association with various economic and social activities, Morocco has long worked to follow a set of diverse and different strategies to preserve and develop water wealth by regulating the methods of its exploitation and how to manage it through an integrated system of legal and administrative rules. With the climatic and demographic changes that the Kingdom of Morocco has experienced recently, it has been forced to reconsider its methods and strategy for managing water resources to confront the repercussions of water scarcity, and this is what we notice through its adoption of modern strategies in line with the technological and industrial developments that the world has experienced as a whole in order to achieve water security as an aspect of sustainable development. Keywords: Water scarcity, water security, sustainable development, water resource management.
مقدمة
تعد مسألة المياه من أكثر المسائل إثارة للخلافات و الصراعات إثارة للخلافات و الصراعات، فهي ليست مسألة اقتصادية و اجتماعية أو تنموية و لكنها مسألة استراتيجية[1]، إن العديد من المنظمات الدولية الحكومية و غير الحكومية، و الندوات العلمية الوطنية و الدولية أكدت جميعها على الدور الإستراتيجي للماء في التنمية الشاملة و المتكاملة و المستدامة للبلدان، خاصة و أن تطبيق مبدأ التنمية المستدامة يقتضي تحسين معرفتنا بتأثير أفعالنا على البيئة مع الإستخدام الأمثل لمواردنا الطبيعية، و بالخصوص مورد الماء[2].
لا شك في أن مشكلة المياه تتصدر اليوم لائحة المشاكل التي تطرح في ما يتعلق بمستقبل المجتمعات المختلفة و كذلك مستقبل البشرية جمعاء، إنها مشكلة تجمع اليوم المخاوف الأكثر شيوعا التي قد تنتاب الإنسان. وتعد المنطقة العربية من أكثر المناطق شحا بالمياه، إذ يحل 19 بلد عربيا من أصل 22 دون العتبة السنوية للشح في موارد المياه المتجددة، و قدرها 1.000 متر مكعب للفرد، و يحل 13 بلدا دون عتبة الشح المائي المطلق، وقدرها 500 متر مكعب للفرد في السنة، ما يعني أن نحو 392 مليونا من سكان المنطقة العربية يعيشون في بلدان تعاني من شح مائي أو شح مائي مطلق[3].
و حيث أن الماء من أهم عناصر الحياة، كان لا بد من تقوية استراتيجيات التخزين المائي و الحفاظ على أمنها، ووضع الخطط الإرشادية طويلة الأمد للحفاظ على نسبة الإحتياطات المائية لدى الدول، ووضع هذه الإستراتيجيات ضمن منظومة تسمى بالأمن المائي[4]. حيث أن هذا الأخير هو التنمية المائية، و بغير التنمية لا يكون الأمن. و أساس التنمية المائية هو المياه. فمن ملك المياه فقد ملك الأمن. و تزداد أهمية الأمن المائي خطورة من منظور النمو السكاني و العجز الغدائي و تزايد الحاجة إلى المياه[5].
يتوفر المغرب الذي يقع ضمن المجال المتوسطي على موارد مائية مهمة، و يوجد في وضعية مريحة مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى، لكن مياهه غير كافية، و تتوزع بشكل غير متكافئ بين مختلف الجهات و الأحواض المائية داخل المملكة. و يعتبر الماء في المغرب محورا أساسيا في عمليات التنمية و الأنشطة الإقتصادية رهينة به حيث تتعدد استعمالات الماء في الفلاحة لأجل تحقيق الأمن الغدائي، و يستهلك هذا القطاع أزيد من 80% من حجم الموارد الوطنية و الكميات المتبقية تستغل في الأنشطة الصناعية و السياحية و الإستعمالات المنزلية. ويزداد الضغط على الموارد المائية، و يعود الطلب المتزايد إلى النمو الديمغرافي الذي تعرفه المملكة، و إلى النمو الإقتصادي و التطور الحضري الواسع الذي ينجم عنه الزيادة في انجاز المنشات السكنية و كذلك ارتفاع المستوى المعيشي للفرد و الذي يتطلب استهلاكا أوسع للماء[6].
وبالنظر للحاجات المتزايدة عليه في العالم الحديث فقد بات من الضروري العمل على الصعيد العالمي من أجل اتخاد جل التدابير الممكنة للحفاظ على هذه المادة الأساسية لبلوغ أهداف التنمية المستدامة باعتبار أن الماء هو الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.
و يمكن اعتبار سنة 1967 الإنطلاقة الحقيقة للسياسة المائية بالمغرب عقب خطاب أرفود الذي أعلن خلاله جلالة الملك الراحل الحسن الثاني عن انطلاق سياسة بناء السدود لسقي المليون هكتار في أفق سنة 2000. و دعم هذا التوجه المخطط الخماسي1986-1972 الذي ركز على بناء السدود و القيام بالتجهيز الهيدروفلاحي للأراضي، مما شكل بداية انطلاق الإصلاحات المتتالية التي عرفها المغرب في مجال التدبير المائي.
وعمل المغرب على اتخاد عدة تدابير استباقية للحفاظ على الثروة المائية منذ مدة من الزمن عبر مجموعة من الإستراتيجيات التي عمل عليها الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله إلى يومنا هذا، عبر العمل على الحفاظ على المورد المائي من خلال سياسة إنشاء السدود. كما عمل الملك محمد السادس على قيادة مختلف الأوراش و البرامج الإستراتيجية الوطنية للتدبير المندمج لموارده المائية على المدى المتوسط والبعيد، وإطلاق أوراش أخرى تهم الاقتصاد في الماء، كمشاريع تحلية مياه البحروتجميع مياه الأمطاروإعادة استعمال المياه المستعملة.
ومن أجل الإحاطة بالموضوع من الجانب المفاهيمي لا بد أن نفكك بنية العنوان للتعرف على كل مصطلح على حدى ومنها ما يلي:
الاستراتيجية:
تعرف الإستراتيجية بأنها عبارة عن نمط استجابة المنظمة لعوامل التأثير في البيئة التي تعمل فيها و هي بهذا تربط بين موارد المنظمة و التحديات و المخاطر التي تفرضها البيئة الخارجية[7].
و بمعنى أخر فهي عبارة عن تصور لما يجب أن يكون عليه مستقبل الشيء. و إذا ربطنها بتدبير الموارد المائية فإن تحيلنا على مختلف التصورات و التدابير المتخدة لتحقيق الهدف المخطط له و هو الأمن المائي المستدام. أي أنها الإطار المرشد للإختيارات و تتصل بمجال القرارات الهامة في الدولة.
الموارد المائية:
يقصد بها مختلف أشكال المياه العذبة التي توجد في الأوساط الطبيعية و يستطيع الإنسان الإنتفاع بها إلا أنه لا يستطيع استغلالها كلها.
الماء: مادة حيوية مكونة من أوكسيجين و هيدروجين في أشكالاها الثلاث السائلة و الصلبة و الغازية[8].
الندرة المائية: هي مشكلة تتمثل في ازدياد رغبات الأفراد و حاجتهم الغير المحدودة للموارد المائية في مجال جغرافي يتسم بمحدودية هذه الموارد، أي غياب الموارد المائية الكافية لتلبية كل حاجيات ورغبات الأفراد.
الأمن المائي المستدام:
يعرّف الأمن المائي بأنه: تحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه بصفة مستدامة وفق المعدلات المتعارف عليها [9].
وهناك من نظر إلى مفهوم الأمن المائي على أنه: وضعية مستقرة لموراد المياه يمكن الاطمئنان إليها، حيث يستجيب فيها عرض المياه للطلب عليها. [10]
والبعض الآخر عرفه بأنه: الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان، أي أنه يعني تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كماً ونوعاً، مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير.[11]
أما الاستدامة المائية فهي تتعلق أساسا بضمان حق الإستفادة من هذا المورد للأجيال المستقبلية، باعتباره الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.
إشكالية الموضوع:
إن هذا العمل المتواضع يسعى للكشف عن الاستراتيجيات التي اتخدها المغرب للحفاظ على استدامة الموارد المائية في ظل تفاقم أزمة الندرة المائية، و التي كانت و لا زالت من صلب اهتمام المغرب. على اعتبار أن الموارد المائية لا تخص قطاعا واحدا دون غيره وانما هي أساس كل المشاريع و البرامج التنموية في مختلف المجالات، لذا وجب تظافر جهود كافة المتدخلين لتنمية العرض المائي بشكل مستدام حفاظا على هذا المورد الثمين للأجيال المستقبلية. وتبعا لكل هذه التغيرات فقد أضحى تدبير الموارد المائية أهم الإنشغالات وأكبر الأولويات بالنسبة لكل دول العالم خاصة منها الدول التي تعاني من ندرة المياه وتدهور جودتها. بالإضافة إلى ارتفاع كلفة توفير الكميات الضرورية منها من أجل تلبية احتياجات الساكنة من الماء الشروب والإستهلاكات الفلاحية و الصناعية و السياحية والمنزلية. وظروف توفير خدمات الماء تشكل أحد العناصر الضرورية لكل تنمية اجتماعية واقتصادية وبيئية ترابيا ووطنيا.
فإلى أي حد استطاع المغرب التخفيف من تداعيات الندرة المائية عبر البرامج و الإستراتيجيات الجديدة التي اتخدها في ظل المتغيرات المناخية و متطلبات الأمن المائي المستدام؟.
الاسئلة الفرعية:
ما هي أهم المداخل التي اعتمد عليها المغرب لتدبير الموارد المائية؟
ما هي الاستراتيجيات التي اتخدها المغرب للحفاظ على الثروة المائية؟
ما هي الإكراهات المرتبطة بتدبير الموارد المائية؟
و ما الحلول المناسبة لتحقيق الأمن المائي بالمغرب؟
فرضيات الدراسة:
- القانون 36.15 المتعلق بالماء لم يستطع التنبؤ للمتغيرات الإقتصادية و المناخية الحالية.
- عمل المغرب في الاونة الاخيرة على اتخاد مجموعة من التدابير الاستباقية للحد من ندرة المياه و تحقيق الأمن المائي.
- تعدد الفاعلين يؤدي إلى تداخل الإختصاصات و عدم تحديد المسؤوليات بشكل واضح و بالتالي غياب الفعالية في الأداء.
- الامن المائي هو الغاية التي تسعى إليها الدولة في كل الأوراش الإستراتيجية التي تقوم بها.
تصميم الدراسة:
المحور الأول: مرجعيات تدبير الموارد المائية بالمغرب
المحور الثاني: استراتيجيات ضمان الاستدامة المائية بالمغرب
المحور الأول: مرجعيات و مهددات تدبير الموارد المائية بالمغرب
يستند التدبير الجيد للموارد المائية بالمغرب عى مجموعة من التوجيهات و المرجعيات ( الفقرة الاولى) التي تمنح مشروعية التدخل لكل الفاعلين في هذا المجال، بهدف مواجهة و تجاوز كل المهددات المرتبطة بالماء( الفقرة الثانية) و التي تؤثر على استدامته.
يستند التدبير الجيد للموارد المائية بالمغرب عى مجموعة من المرجعيات القانونية و المؤسساتية التي تمنح مشروعية التدخل لكل الفاعلين في هذا المجال، بهدف مواجهة و تجاوز كل الإكراهات المرتبطة بالماء و التي تؤثر على استدامته.
الفقرة الاولى:المرجعيات القانونية و المؤسساتية
أولا: المرجعية القانونية:
- على مستوى دستور 2011
إن دستور 2011[12] باعتباره أسمى قانون في البلاد يضع المرجعية العامة للتشريع في مختلف المجالات و من بينها المجال المائي، حيث جاء في الفصل 31 من دستور2011 على أن الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل الممكنة لتيسير أسباب استفادة المواطنات و المواطنين، على قدم المساواة من مجموعة من الحقوق و من بينهم الحق في الحصول على الماء و العيش في بيئة سليمة، و التنمية المستدامة و التي تشمل بدورها قطاع الماء.
إن هذا التنصيص الدستوري على الحق في الحصول على الماء يؤكد على أن الدولة مسؤولة على ضمان التدبير الجيد و المستدام للموارد المائية باعتبارها حق من الحقوق الدستورية للمواطنين.
- المواثيق والمعاهدات الدولية
تعتبر الاتفاقيات والمواثيق الدوليين التي صادق عليها المغرب بمثابة اطر مرجعية يلتزم المغرب باحترامها وتنفيذها، ومن اهم الاتفاقيات والمواثيق التي صادق عليها المغرب في قطاع الماء تذكر:
أهداف الألفية للتنمية
انخرط المغرب في اهداف الألفية للتنمية التي ترمي الى الهدف السابع منها الى ادماج مبادئ التنمية المستدامة في السياسات والبرامج الوطنية، والعمل على انعكاس التوجه الحالي المتمثل في تبذير الموارد البيئية. ويرمي هذا الهدف الى التخفيض الى النصف في افق 2015 من نسبة الساكنة التي لا تتوفر على ولوج مستدام الى التزود بالماء الصالح للشرب وخدمات التطهير الاساسية لكل.
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب:
لقد اعترفت الجمعية العامة للامم المتحدة بالحق في الماء الصالح للشرب والصحي والنقي بصفته حقا اساسيا لا مناص منه للممارسة الكاملة للحق في الحياة ولكل حقوق الانسان سنة 2010 وهو حق يترتب على الحق في مستوى العيش الكافي وهو منصوص عليه في المعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد اتاح مؤتمر الامم المتحدة حول البيئة والتنمية المنعقد في ري ودي جانيرو سنة 1992 الى نشوء وعي دولي بالمشاكل البيئية الملائمة الأمر الذي افضى الى مجموعة من القرارات الرامية إلى تدبير أمثل للبيئة والتي صادق المغرب عليها، منها:
. الاتفاق الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية 1992
. اتفاق محاربة التصحر والجفاف
. الاتفاقات والبروتوكولات التي لها علاقة بالماء
. بروتوكول كيوطو المتعلق بالاتفاق الإطار حول التغيرات المناخية 1997
كما تتكون الترسانة القانونية للماء بالمغرب من مجموعة من القوانين والنصوص التطبيقية التي احدثت تغييرا عميقا على مستوى التشريع الخاص بالماء ومن اهم هذه القوانين:
- على مستوى القانون 36.15
جاء القانون 36.15 بعدة مقتضيات قانونية تحدد قواعد تدبير الموارد المائية خاصة ما يتعلق منها بالجانب المسطري و الاجرائي لاستغلال الملك العمومي المائي، و المؤسسات المتدخلة في تدبير هذا المورد و طرف و أساليب تثمينه و تنميته و كل ما يتعلق بالجزاءات المترتبة على المخالفات المرتبطة بالمجال المائي. تعتبر وكالة الحوض المائي في دائرة نفوذها المتدخل الرئيسي في تدبير موضوع الماء حسب مقتضيات المادة 80 من القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء كما يمكن لوكالة الحوض المائي القيام بشراكات مع الادارت والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية.
يرتكز هذا القانون على مجموعة من المبادئ الأساسية كالملكية العامة للماء، وحق جميع المواطنات والمواطنين في الولوج إلى الماء والعيش في بيئة سليمة، وتدبير الماء طبق ممارسات الحكامة الجيدة التي تشمل المشاركة والتشاور مع مختلف الفاعلين ، والتدبير المندمج واللامركزي الموارد المياه مع ترسيخ التضامن المجالي، وحماية الوسط الطبيعي وتطوير التدبير المستدام مع اعتماد مقاربة النوع فيما يخص تنمية وتدبير الموارد المائية
- القوانين التنظيمية للجماعات الترابية
كما تجدر الإشارة أن هناك مجموعة من القوانين الأخرى التي تتقاطع مبدئيا مع قانون الماء من حيث مسؤولية تدبير و تثمين الموارد المائية و منها القانون التنظيمي 111.14[13] المتعلق بالجهات، الذي أقر في المادة 91 المتعلقة بالاختصاصات المشتركة بين الجهات و الدولة في المحافظة على الموارد المائية، بالإضافة إلى المادة 94 بخصوص الإختصاصات التي يمكن للدولة أن تنقلها للجهات و من بينها الطاقة و الماء و البيئة، مما يحيلنا على أن الجهات تعتبر شريك الدولة في تدبير الموارد المائية. بالاضافة إلى القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات و الأقاليم [14]112.14 الذي منح اختصاص مشترك مع الدولة في المادة 86 يتعلق بتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، و اختصاص منقول من الدولة إلى العمالات و الأقاليم في المادة 89 مرتبط بحداث و صيانة المنشات المائية الصغيرة و المتوسطة خاصة في المجال القروي. نفس الشيء بالنسبة للقانون التنظيمي 113.14[15] المتعلق بالجماعات الذي منح صلاحية إحداث وصيانة المنشات المائية الصغيرة و المتوسطة بموجب المادة 90 من نفس القانون، في إطار الاختصاصات المنقولة للجماعات من طرف الدولة.
و قد أوصى تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2024 بما يلي:
- بخصوص الإطار القانوني والمؤسساتي:
وإلى غاية مارس،2024 لم يتم إصدار سوى تسعة (09) نصوص تنظيمية لا تغطي جميع الجوانب التي أحال عليها المشرع (70) إحالة في القانون المتعلق بالماء رقم 36.15 ولاسيما تلك التي تم تناولها لأول مرة، والمتعلقة أساسا بشروط وكيفيات إبرام عقود التدبير التشاركي، وإعداد ومراجعة مخططات تدبير الخصاص في الماء، ووضع النظام المعلوماتي المتعلق بالماء. كما لم يتطرق القانون المذكور إلى بعض الجوانب الجوهرية، والمرتبطة خاصة بتحلية المياه، والإفتحاص الدوري لشبكات جر وتوزيع المياه الصالحة للشرب، وتأطير تدخل الجمعيات في إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب، لا سيما في الوسط القروي.
ثانيا: المرجعية المؤسساتية
تناط مهمة تدبير الماء بالمغرب الى مجموعة من المتدخلين ويمكن تقسيم الفاعلين الى مستويين مركزي وجهوي محلي
- المؤسسات المركزية
مؤسسة الحكومة:
يشكل مجال تدبيرالماء، مجالا حيويا لتدخل مجموعة من الأجهزة الحكومية من قطاعات وزارية مختلفة حيث أنيطت بهذه القطاعات الوزارية مجموعة من الأدوارالرئيسية في تدبيرالموارد المائية ببلادنا.
و طبقا للفصل 92[16] من الدستور فإن الحكومة كجهاز مكلف تحت سلطة رئيسها تتداول في السياسات العمومية و السياسات العامة و من بينها المسألة المائية، وقد عملت الحكومة على تسريع تنفيذ البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020 ـ 2027، والرفع من الغلاف المالي من 115 مليار درهم إلى 143 مليار درهم. ولهذه الغاية كثّفت لجنة القيادة اجتماعاتها من أجل تحيين مكونات البرنامج، خصوصا محور تطوير العرض المائي لما له من أهمية قصوى في ظل التغيرات المناخية القاسية التي تعرفها بلادنا.
وزارة التجهيزوالماء:
يعهد للوزارة الوصية على القطاع مجموعة من المهام الأساسية في مجال تدبير الماء بالمغرب منها إعداد إستراتيجية الوزارة في ميدان تهيئة المنشآت التي تدخل ضمن مجال إختصاصات الوزارة والسهر على تنفيذها، وتتبع التوجهات العامة المتعلقة بمجال الوصاية على المؤسسات العمومية التي تعمل في ميدان المياه، وكذلك وضع نهج تدبيري لمجموع البنيات التي تشتمل عليها المديرية العامة، كفيل بتحديد الأهداف المنشودة وكذا الوسائل الواجب توفرها لتحقيق هذه الأهداف، وفق مقاربة تروم تعزيز فعالية ونجاعة الأداء، بالإضافة إلى ممارسة مهام القيادة والتنظيم والتنسيق والتواصل والرقابة فيما يتعلق بتدبيرالمشاريع والمهام المتعلقة بالماء في بلادنا كما يعهد إلى وزارة التجهيزوالماء القيام بالدراسات والأشغال اللازمة لإستكشاف الموارد المائية وتحسين مستوى تدبيرها، زيادة على هذا إنجازالدراسات الضرورية لإعداد وثائق التخطيط المائي وتنسيق إعداد المخطط الوطني للماء، ومراقبة وتتبع عمل شرطة المياه في حدود إختصاصاتها بالإضافة إلى فحص وصيانات ومراقبة سلامة المنشآت التي تتواجد تحت وصاية الوزارة[17].
المجلس الاعلى للماء والمناخ
وهو عبارة عن هيئة استشارية وتم احداثه بتعليمات ملكية سامية من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، سنة 1981 للانكباب على وضع الإطار التشريعي للماء وتخصيص الدورة الثانية لتدارس إشكالية التزويد بالماء الصالح للشرب، ويقوم المجلس الأعلى للماء والمناخ، الذي تمت مأسسته في إطار قانون الماء رقم 10-95، بوضع التوجهات العامة للسياسة الوطنية في مجال الماء وإبداء رأيه حول الاستراتيجية الوطنية لتحسين المعرفة بالمناخ والمخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية بالأحواض المائية. وقد أعطى المشرع الإمكانية لتبدي هذه الهيئة رأيها في مواضيع أخرى لها صلة بالسياسة المائية بالمغرب.
المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب
هو مؤسسة عمومية انشئ سنة 1963 يتكلف بتحديث وتوسيع شبكات وانتاج وتوزيع المواد الكهربائية والهيدروليكية ومكافحة الهدر وتنفيذ ادوات وتقنيات جديدة لتوفير المياه والكهرباء، وهو عامل اساسي في قطاع مياه الشرب والصرف الصحي في المغرب وهو يضمن تخطيط و انتاج وتوزيع موارد المياه بالمغرب.
- المؤسسات الجهوية:
على المستوى الجهوي بوكالات الاحواض المائية مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية مكلفة بتفعيل تدبير لامركزي ومندمج ومتشاور عليه للموارد المائية لكل واحد من الاحواض المائية الكبرى) وعلى المستوى الاقليمي بمرافق المياه
وكالات الاحواض المائية
تعتبر وكالات الأحواض المائية مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ويناط لها انجاز القياسات والابحاث والقيام بالدراسات الضرورية لتقييم وتتبع وتطور حالة الموارد المائية على مستوى الكم والجودة بالاضافة الى اعداد المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة للموارد المائية والمخططات المحلية لتدبير المياه والتدبير المندمج للموارد المائية ومراقبة استعمالها وكذا منح الترخيصت والامتيازات لاستعمال الملك العمومي الماني.
تعتبر المكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي مؤسسات عمومية خاضعة لوصاية وزارة الفلاحة والصيد البحري ومسؤولة عن إدارة الموارد المائية المخصصة للاستعمال الفلاحي داخل دائرة نفوذ المكاتب، واستنادا إلى المادة 22 من المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة منح التراخيص والإمتيازات المتعلقة بالملك العام المائي السالف الإشارة إليه، تمارس المكاتب الجهوية للالستثمار الفلاحي نفس الإختصاصات الموكلة لوكلات الحوض المائي، خصوصا المتعلق منها بمنح التراخيص لجلب الما، المعد للسقي داخل مناطق نفوذها[18].
هذه المادة المذكورة أعلاه ألزمت مديري المكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي بتوجيه نسخ من قرارات الترخيص بجلب الماء لأغراض فلاحية المتخذة من طرفها إلى مدير وكالات الحوض المائي، و إلى الوزارة المكلفة بالماء .
الجماعات الترابية
تناط بالجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث وداخل دائرة ترابها مهام تقديم الخدمات للمواطنين والمواطنات والمؤسسات العمومية والخصوصية على حد سواء. وتتجلى اخصاصاتها في مجال الماء فيما يلي:
كما تجدر الإشارة أن هناك مجموعة من القوانين الأخرى التي تتقاطع مبدئيا مع قانون الماء من حيث مسؤولية تدبير و تثمين الموارد المائية و منها القانون التنظيمي 111.14[19] المتعلق بالجهات، الذي أقر في المادة 91 المتعلقة بالاختصاصات المشتركة بين الجهات و الدولة في المحافظة على الموارد المائية، بالإضافة إلى المادة 94 بخصوص الإختصاصات التي يمكن للدولة أن تنقلها للجهات و من بينها الطاقة و الماء و البيئة، مما يحيلنا على أن الجهات تعتبر شريك الدولة في تدبير الموارد المائية. بالاضافة إلى القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات و الأقاليم [20]112.14 الذي منح اختصاص مشترك مع الدولة في المادة 86 يتعلق بتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، و اختصاص منقول من الدولة إلى العمالات و الأقاليم في المادة 89 مرتبط بحداث و صيانة المنشات المائية الصغيرة و المتوسطة خاصة في المجال القروي. نفس الشيء بالنسبة للقانون التنظيمي 113.14[21] المتعلق بالجماعات الذي منح صلاحية إحداث وصيانة المنشات المائية الصغيرة و المتوسطة بموجب المادة 90 من نفس القانون، في إطار الاختصاصات المنقولة للجماعات من طرف الدولة.
إن تدخل الجماعات الترابية في تفعيل سياسة الدولة في قطاع الماء يعتبر بين المستجدات التي جاء قانون الماء و المتعلقة بالتدبير التشاركي لقطاع الماء خاصة على المستوى الترابي في ظل التوجه نحو تكريس مبادئ و مقومات الجهوية المتقدمة بالمغرب.
إن رأي المجلس الاقتصادي و الإجتماعي و البيئي يرمي إلى صياغة توصيات عملية، بهدف دعم تلك الحكامة، والإستفادة القصوى من العمل المشترك ما بين مختلف الفاعلين المؤسسيين العاملين في هذا القطاع، ومواجهة تحديات التنمية بالمملكة في سياق من الندرة المتفاقمة للموارد المائية. بذلك فإن أهم أهداف هذا الرأي تتعلق بما يلي:
– تحسين التنظيم المؤسسي للقطاع والإرتقاء به، من أجل ضمان تدبير مندمج والمركزي حقيقي للقطاع؛
– دعم دور الهيئات التشاورية على مختلف المستويات (الوطني والجهوي والمحلي)
– تأهيل الترسانة التشريعية والتنظيمية؛
وأخيرا، تحديد أهم إجراءات ومداخل التحسين في مجال التخطيط وتعبئة وتوزيع وثمين وحماية الموارد المائية وتمويل هذا القطاع[22].
الفقرة الثانية : المهددات الطبيعية و البشرية للأمن المائي بالمغرب
للندرة المائية أسباب عديدة يمكن جمعها في: العوامل الطبيعية- سلوكات الأفراد كالتبذير و التلويث- الإستهلاك الزائد الذي يؤثر على المصادر. و مهما اختلفت أسباب الندرة المائية فإن أثارها خطيرة على الأرض و على الإنسان، تتبعها مشاكل اجتماعية، اقتصادية و حتى سياسية. و يبقى الإنسان في كثير من الأحيان هو العامل الأساسي في إحداث هذه الندرة و في إمكانية تفاديها، من خلال أن هذه الندرة هي حقيقة طبيعية لكن إدراكات مقدار ونوعية الماء هي دائما جزء من علاقة الإنسان و مواقفه اتجاه بيئته[23].
أولا: المهددات الطبيعية:
تشمل التحديات المناخية مجموعة من المشكلات التي تؤثر على موارد المياه على مستوى عدد من مناطق العالم بشكل كبير.
طرحت التغيرات المناخية مجموعة من التحديات لدى مختلف دول العالم، و إذا كانت الدول الصناعية هي المتسبب الرئيسي في هذه الظاهرة. فإن الدول النامية و منها دول شمال افريقيا هي الأكثر تضررا منها، خاصة و أن هذا الإقليم يتميز بارتفاع درجات الحرارة و قلة سقوط الأمطار، وعدم توفير مياه سطحية منتظمة[24].
يعاني المغرب من خطر التغير المناخي، شأنه في ذلك شأن باقي دول شمال إفريقيا التي تقع في إحدى أكثر المناطق المهددة بخطر الجفاف، و ترددا للحالات الهيدروليجية الأكثر تطرفا كالفيضانات و الجفاف الحاد، و بالتالي نتج عن ذلك ندرة في الموارد المائية، و تدهورا للنظم الإكولوجية و هجرة السكان من الأرياف نحو المدن. وتعرض المغرب لعدة حالات الجفاف خلال العقود الماضية 1994-1995 و 2000-2001 و 2020-2024. مما انعكس سلبا على الإقتصاد الوطني، بسبب تقلص الإنتاج الزراعي و تراجع الأنشطة المرتبطة بالقطاع الفلاحي[25].
إن واقع التغيرات المناخية في المغرب يجعلنا نتسائل عن أهم الإجراءات التي يمكن اتخادها للتخفيف من هذه الظاهرة التي تشكل تهديدا لحياة الكائنات الحية داخل المغرب، فكيف يمكن التخفيف من حدة هذه التقلبات المناخية في ظل التطورات التكنولوجية التي يعرفها العالم؟
ثانيا: المهددات البشرية:
إن التغيرات المناخية لا يمكن أن نفصلها عن السلوكيات البشرية لما لهم من ارتباط، حيث أن هذه الأخيرة هي التي تحدد مسارها سواء نحو الأفضل أو الأسوء حسب النمط الإستهلاكي و الإنتاجي المتبع.
و نتيجة لتزايد الأنشطة البشرية الغير معقلنة منذ الثورة الصناعية إلى اليوم، أصبحنا نجني ثمار هذه التأثيرات خلال السنوات الأخيرة مما نتج عنها خلخلت نظام الحياة الطبيعية و البشرية[26].
إن هذه الأنشطة ليست بالرئيسية أو تلك الضرورية للعيش المستدام بل هي أنشطة اقتصادية تساهم في تطوير اقتصاد بعض الأفراد، حيث نجد في بعض المناطق ظاهرة إحداث الأثقاب المائية دون الحصول على موافقة السلطات المختصة، إضافة إلى عدم الأخد بعين الإعتبار خصوصية المنطقة في الإستثمارات الفلاحية، فمثلا نجد أن الإستثمار الفلاحي في مجال زراعة أشجار النخيل في جهة درعة تافيلالت يؤثر على الفرشة المائية رغم أن المنطقة تتميز بمناخ شبه صحراوي مما يهدد مواردها المائية و يهدد كذلك المجال الواحي باعتباره إرث مشترك لساكنة تلك المناطق تستعين بها لممارسة بعض الأنشطة الفلاحية التقليدية لضمان عيشها و استمرارها. مما قد ينتج عنه مستقلا ظاهرة الهجرة من الأرياف نحو المدن وهذه الظاهرة ستشكل اختلال في التوازن المجالي الديمغرافي.
كما نجد مختلف الأنشطة الاخرى كغسل السيارات بدون استحضار الندرة المائية مما يجعل استهلاك الموارد المائية في هذا النشاط غير منظم و يتم بطريقة عشوائية تؤدي إلى تبدير المياه، بالاضافة إلى الإفراط في استعمال المياه داخل الحمامات بدون أية مراقبة من طرف السلطات المختصة. كما أن إنشاء و تجهيز المسابح داخل المنازل يساهم بشكل كبير في استغلال المياه بشكل مفرط.
إن الممارسات البشرية السلبية في المجال المائي متعددة و متنوعة يمكن إرجاع أسبابها إلى غياب الوازع الديني و الأخلاقي الذي يدعوا إلى عدم الإسراف في استعمال المياه. بالإضافة إلى عدم الوعي بالأثار المستقبلية لظاهرة الندرة المائية. مما يتطلب ضرورة العمل المشترك لتوعية المواطنين و المواطنات بأهمية المحافظة و تثمين الموارد المائية و زجر كل المخالفات في المجال المائي.
المحور الثاني: الحلول المبتكرة لضمان الاستدامة المائية بالمغرب
إن وضعية الموارد المائية بالمغرب عرفت تناقص شديد في المخزون المائي في وقت تزايد الطلب على هذا المورد الثمين، نتيجة للتزايد السكاني الكبير و ما يقابله من متطلبات تحقيق التنمية المستدامة.
كل هذا يتطل إيجاد السبل الكفيلة و البديلة للإستغلال العقلاني للموارد المائية من خلال تبني استراتيجية فعالة من شأنها المحافظة على هذه الموارد و الحرص على استخدامها بشكل يضمن تحقيق متطلبات الأمن المائي المستدام.
فما هي ملامح الإستراتيجية التي تبنتها الحكومة المغربية لإدارة الموارد المائية بما يضمن استدامتها؟
الفقرة الاولى: المداخيل التدبيرية لمواجهة الندرة المائية
إن السياسة المائية الوطنية الحديثة ترتكز على إجراءات جديدة لمواجهة تداعيات الأزمة المائية من خلال العمل على التكيف مع التغيرات المناخية و تحديث الإطار التنظيمي و المؤسساتي لتدبير الموارد المائية، و العمل على حماية و تنمية الموارد المائية. وهذا لن يتأتى إلا من خلال العمل على تنزيل مختلف البرامج التي دعى إليها جلالة الملك محمد السادس، بكل مسؤولية و تفان في العمل و استحضارا للمصلحة الوطنية، مع التسريع في تنزيل البرامج و الأهداف المسطرة وفقا لمبادئ النجاعة و الفعالية.
و في ظل توالي سنوات الجفاف عمل المغرب على تنزيل مجموعة من البرامج التي ترمي إلى تحقيق الأمن المائي المستدام وهي:
الربط بين الأنظمة المائية
أطلقت الحكومة برنامج الربط بين الأنظمة المائية والأحواض المائية، حيث تم الشروع في الربط بين الحوضين المائيين لسبو وأبي رقراق عبر إنجاز الشطر الاستعجالي المتمثل في تحويل المياه بصبيب يقدر بـ 15 مترا مكعبا في الثانية، وذلك في مدة قياسية بلغت 10 أشهر بكلفة قدرها 6 مليارات درهم. وقد مكّن هذا المشروع من تأمين حاجيات ساكنة محور الرباط الدار البيضاء التي تناهز 10 ملايين نسمة.
كما أنه ولتأمين احتياجات ساكنة طنجة الكبرى ونواحيها من الماء الشروب والتي تقدر بـ 1.3 مليون نسمة، تم الشروع في إنجاز مشروع الربط بين سد واد المخازن وسد دار خروفة بكلفة تناهز 840 مليون درهم في مدة لا تتجاوز 10 أشهر. وسيمكن هذا المشروع كذلك من توفير مياه السقي لمساحة تقدر بـ 21 ألف هكتار.
تحلية المياه
جعلت الحكومة مشاريع تحلية مياه البحر ضمن أولوياتها في قطاع الماء، إذ عملت على التسريع من وتيرة إنجاز محطات تحلية مياه البحر والرفع من القدرة الإنتاجية للبعض منها وإحداث محطات أخرى جديدة، حيث تطور حجم المياه المنتجة من 46 مليون متر مكعب سنويا في 2021 إلى 284 مليون متر مكعب سنويا حاليا بعد إدخال الشطر الأول لكل من محطات أكادير والجرف الأصفر وآسفي والعيون ومحطة الكركارات في الخدمة.
إنجاز السدود
عملت الحكومة على تتبع أشغال 18 سدا كبيرا، من بينها 14 سدا من أصل 22 سدا مبرمجا في البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020 ـ 2027، مع العمل على تسريع وتيرة إنجاز هذه السدود من خلال تقليص مدة الأشغال المتعلقة بها.
إلى ذلك، تم إنجاز أربعة سدود كبرى، وهي سد تيداس، وسد تودغا، وسد أكدز، وسد فاصك بسعة تخزينية تصل إلى 866 مليون مكتر مكعب، وقد بدأت عملية ملء حقينة هذه السدود الأربعة.
تحسين جودة المياه ومحاربة التلوث وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة
خصصت الحكومة منذ سنة 2022 مبلغا ماليا قدره 3.6 مليار درهم لتمويل البرنامج الوطني للتطهير السائل المندمج وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، بهدف الرفع من نسبة الربط بشبكة التطهير السائل في المراكز الحضرية والقروية، ولتطوير استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف.
وبهذا الخصوص، تم استعمال 32 مليون متر مكعب في السنة كحجم للمياه العادمة المعالجة في سقي المساحات الخضراء، ومن المرتقب الوصول إلى 100 مليون متر مكعب في السنوات القادمة.[27]
الإستمطار الصناعي
إن المغرب عملت على اتخادات اجراءات استباقية لمواجهة تداعيات الجفاف، عبر العمل على إطلاق عمليات الإستمطار الصناعي ابتدء من نونبر إلى أبريل من كل سنة، عبر تقنية تلقيح السحب بالمناطق التي تعرف شحا في التساقطات، من أجل رفع نسبة الأمطار أو الثلوج. في إطار سعيها لإيجاد حلول بديلة لشح التساقطات المطرية التي تعرفها المملكة.
الفقرة الثانية: المداخل الثقافية و السوسيولوجية لتدبير الموارد لمائية
يعتبر الماء من أكبر رهانات المستقبل، خصوصا في المجالات الإقتصادية و الإجتماعية و البيئية، فأي تنمية عمادها الماء، وفقا لهذا المنظور، فإن المحافظة على هذا المورد من خلال ترشيد استخدامه بشكل فعال يتوافق مع متطلبات التنمية المستدامة لن يتحقق إلا من خلال انتهاج سياسة مائية تتضمن تغيير جدري في كافة المجالات و حماية الموارد المائية من كافة المخاطر للحفاظ عليها للأجيال القادمة.
و لضمان استدامة الموارد المائية بالمغرب لا يجب فقط الإهتمام بالجانب المرتبط بالبنية التحتية، و انجاز المشاريع ذات الصلة مثل إنشاء السدود و الربط بين الأحواض المائية…. بل يجب على الدولة الاعتماد على مجموعة من المداخيل الأخرى لتنمية العرض المائي و ضمان استدامته. فإشراك المجتمع المدني و تعزيز حضوره في مجال تدبير الماء و ميدان البيئة و التنمية المستدامة، يتعين أولا وقبل كل شيء تفعيل اختصاصاته القانونية و تنزيل أدواره الدستورية في مختلف الميادين و خاصة في مجال البيئة و التنمية المستدامة و التي تم اقرارها بمقتضى دستور 2011 وتكريسها ضمن مقتضيات العديد من النصوص القانونية البيئية التي أفردت مقتضيات محددة تتحدث عن دور المجتمع المدني في المجال البيئي وذلك حتى قب صدور دستور2011[28].
و بالتالي يجب تفعيل دور جمعيات المجتمع المدني في التحسيس و التوعية المرتبطين بحماية الملك العمومي المائي. بالإضافة إلى إشراكهم في مجال تدبير الموارد المائية، عبر القيام بعملية التحسيس و التوعية بأهمية الحفاظ على الماء و ترشيد استعمالها من خلال القيام بحملات توعوية وبرامج و ندوات تهتم بموضوع الماء بالإضافة إلى دعم البرامج التوعية في الوسائط الإعلامية لتغيير سلوكهم ومواقفهم و قيمهم، كمدخل سوسيولوجي. نظرا لأن الاستغلال العشوائي و المفرط له تبيعاته مستقبلا.
إن التأمين الثقافي و السوسيولوجي للموارد المائية يهدف إلى لضمان سلامة التعامل مع الموارد المائية عموما، حيث أن مسألة خلق ثقافة شعبية مائية أصبحت ضرورة تفرضها ظروف النمو السكاني الكبير وما يسببه من ضغط على الموارد المائية، و بالتالي قد يكون من المفيد تدريس الأمن المائي و تعميمه في الخطاب الديني و السياسي….إلخ[29].
مما لا شك فيه أن التدبير الجيد و المحكم للموارد المائية يتطلب من الفاعلين سواء على المستوى المركزي او الترابي مضاعفة الجهود لزجر كل المخالفات المرتبطة بالملك المائي العمومي، ووضع حد لكل التصرفات التي تهدد استدامة المياه في المغرب. و هذا الأمر لن يتأتى إلأ مع تفعيل أليات الحوار و التشاور و التنسيق مع مختلف الهيئات سواء الرسمية أو غير الرسمية الوطنية منها أو الأجنبية.
خلاصة
يتضح لنا من خلال ما سبق على أن الموارد المائية تلعب دورا مهما في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية لأي دولة في العالم، مما يستلزم الحفاظ عليها و تنميتها بشكل يضمن استدامتها. و هذا ما عملت عليه المملكة المغربية عبر تبنيها لمختلف البرامج و الإستراتيجيات المتنوعة، و التي تهم الحاضر و المستقبل لمواجهة تداعيات الجفاف و الندرة المائية التي شهدتها في السنوات الأخيرة و تمهيدا لتحقيق الأمن المائي مستقبلا.
- رواء زاكي يونس الطويل، أزمة المياه و الأمن المائي بالوطن العربي، مطابع دار ابن الأثير للطباعة و النشر جامعة الموصل، الطبعة الأولى: 1430 ه/ 2009م، ص. 3. ↑
- أحمد تي، استراتيجية إدارة الموارد المائية في الجزائر- الواقع و المأمول، مجلة الدراسات الإقتصادية و المالية، العدد الثامن_المجلد الأول،ص.78. ↑
- اجتماع رفيع المستوى حول ندرة المياه ضمن الدورة الثالثة عشر للمجلس الوزاري العربي للمياه، الاثار الاقتصادية الحالية لندرة المياه في المنطقة العربية، 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ص.1. ↑
- أيمن و هدان، الأمن المائي، مطبعة أمجد للنشر و التوزيع، الطبعة العربية 2015م، ص.5. ↑
- رواء زكي يونس الطويل، مخاطر الأمن المائي العربي و خيارات التنمية المائية للقرن الحادي و العشرين، مطبعة دار زهران للنشر و التوزيع،2009، الطبعة الأولى، 1431ه-2010م، ص.7. ↑
- ادريس الحافيظ، الموارد المائية، الإمكانات و التدبير و التحديات، الطبعة الثانية-2021 (طبيعة مزيدة و منقحة) بدون دكر المطبعة، ص.2. ↑
- عمر أحمد عثمان المقلي، الإدارة الإستراتيجية، مطابع العملة، الخرطوم، السودان، 2003، ص.28 ↑
- قانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، الصادر بتنفيده الظهير الشريف رقم1.16.113 صادر في 6 ذي القعدة 1437/ 25 أغسطس 2016، الجريدة الرسمية عدد 6494، ص.6305. ↑
- زين الدين عبد المقصود غنيمي، الطاقة البديلة ومنظومة الأمن القومي لدولة الكويت ودول الخليج العربية:دراسة تحليلية تقويمية ، الكويت:مركز البحوث والدراسات الكويتية،2008 ، ص45. ↑
- منذر خدام ، الأمن المائي العربي: الواقع والتحديات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2001 ، ص21. ↑
- مشكان محمد العور، “صناعة الأمن المائي…وجهة نظر”، ورقة بحثية قدمت إلى ندوة الأمن المائي، دبي، 14/02/2008 ، الإمارات العربية المتحدة: مركز البحوث والدراسات بأكاديمية شرطة دبي،2008، ص212. ↑
- دستور 2011 الصادر بتنفيذه الظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432، الموافق ل 29 يوليو 2011، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432، الموافق ل 30 يوليو سنة 2011، ص:3608. ↑
- القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.15.83 بتاريخ 20 من رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص.6585. ↑
- القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات و الأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.15.84 بتاريخ 20 من رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص.6585. ↑
- القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.15.83 بتاريخ 20 من رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص.6585. ↑
- الفصل 92 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011. ↑
- حفيظي سهام , سياسة تدبير الماء في المغرب بين الإطار القانوني والتدخل المؤسساتي , مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونيةّ، عدد3، السنة 2024،ص 14 ↑
- مرسوم 2.23.310 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.19.67 صادر في 11 من شعبان 1440 (17 أبريل 2019)بتطبيق القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للإستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للإستثمار، ↑
- القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.15.83 بتاريخ 20 من رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص.6585. ↑
- القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات و الأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.15.84 بتاريخ 20 من رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص.6585. ↑
- القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.15.83 بتاريخ 20 من رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص.6585. ↑
- رأي المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي، الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية للتنمية المستدامة، رقم15/2014، ص.5. ↑
- حداد شفيعة، معضلة ندرة المياه و أثرها على الأمن الإنساني، دفاتر السياسة و القانون، العدد 19 جوان2018، ص.596. ↑
- فضيل ابراهيم مزاري، الشح المائي و انعكاساته على الأمن الغدائي في دول شمال افريقيا،مجلة السياسة العالمية، المجلد (7)، العدد (2)، السنة 2023، ص.434 ↑
- ادريس الحفيظ، أثر التغيرات المناخية على الموارد المائية بحوض ملوية،مقال منشور في المؤلف الجماعي، الموارد الطبيعية بالمغرب التشخيص، الإستغلال و اليات الحماية، مطبعة قرطبة وجدة، ص.28 ↑
- زهرة الذهابي، المسألة المناخية واستراتيجيات تدبير الموارد الطبيعية بالمغرب: التشخيص و البدائل المستدامة، مجلة العلوم الإنسانية و الطبيعية، المجلد 2، العدد 4، ص.29 ↑
- الموارد المائية.. رؤية طموحة وحلول مبتكرة لتدبير أزمة ندرة المياه، https://alhoukouma.gov.ma/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%B7%D9%85%D9%88%D8%AD%D8%A9/ تم الإطلاع عليه بتاريخ 12/11/2024 على الساعة21:15 ↑
- ميمون خراط، المجتمع المدني و رهانات المحافظة على الماء و ترسيخ الحكامة البيئية على ضوء الدستور الجديد، منشورات مجلة العلوم القانونية-سلسلة الدراسات الدستورية و السياسية، العدد 3،ص.128 ↑
- منذر خدام، الأمن المائي العربي الواقع و التحديات، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى: بيروت، شباط/ فبراير2001. ص.231 ↑