مقالات قانونية

إشكاليات التوقيع غير المطابق على الشيك

recover-accounting-files

 

تعليق على حكم

         إشكاليات التوقيع غير المطابق على الشيك

 

                                                                       الأستاذ الحسين زعرض

                                                                              محام بهيئة طنجة

 نشرت مجلة المرافعة 1 حكما صادرا عن ابتدائية أكاد ير قضى ببراءة ساحب شيك 2  رفض البنك المسحوب عليه صرفه لعدم مطابقة التوقيع الذي يحمله مع التوقيع المودع لدى البنك 3 وقد دل الحكم بتعليق يؤكد الاتجاه الذي سار فيه الحكم موضوع التعليق .والحكم والتعليق عليه إذ يسيران في نفس الاتجاه فانهما يثيران معا الملاحظات ذاتها على أننا سنتجاوز بالمناسبة وهي شرط النقطة / الأشكال التي بت فيها الحكم وزكاه التعليق إلى جوانب أخرى ذات الصلة بالموضوع : فقد يضر الساحب لسبب أو لأخر إلى توكيل غيره للتوقيع نيابة عنه مما يثور معه تساؤل حول مدى المسؤولية الجنائية للوكيل عن توقيع شيك لا رصيد له .كما أن التطورات التقنية الحديثة أفرزت أنماطا جديدة من التوقيع لعل أهمها ما يسمى بالتوقيع المعلوماتي أو الكهروبي وهذا ما يطرح أشكالا حول اعتبار هذا النوع من التوقيع صحيحا يضاف إلى أن الشيك المنعدم الرصيد قد يظهر من طرف المستفيد أو الحامل إلى الغير فهل يسال المظهر بدوره عن إصدار شيك بلا رصيد . ثم أن الساحب قد لا يؤدي قيمة الشيك قبل إصدار الحكم في الدعوى العمومية ضده بإصدار شيك دون رصيد فهل تختص المحكمة الجنحية بالحكم في إطار الدعوى المدنية التابعة على الساحب بأداء قيمة الشيك هكذا يرتسم منهاج تناول الموضوع بإيجاز شديد وذلك ست فقرات على النحو التالي:

1.حول التوقيع

   لا خلاف في أن توقيع الساحب على الشيك من أهم الشروط الشكلية الواجب توفرها لا كتساب هذا الصك /الورقة صفة شيك فبدون التوقيع يعتبر مجرد ورقة عادية لا قيمة لها من الوجهة القانونية ولا يلتفت إليها في التعامل . أو هي مجرد مشروع شيك  ذلك أن التوقيع هو الذي يثبت صدور الشيك عن السحب وموافقته على البيانات التي يتضمنها سواء منها المتعلقة بالمبلغ أو المستفيد أو الحامل أو المسحوب عليه .

   وبالرغم من أن ظهير 39 لم يحدد مكانا معينا للتوقيع فان المادة 426 ق.ل.ع وكذا العرف البنكي تفرضان وروده في اسفل الصك بعد الكتابة للدلالة على الموافقة على كل ما جاء به من بيانات .

ويجب دائما أن يطون التوقيع بيد الساحب نفسه وان لم يكن هو محرر البيانات الأخرى على انه لا يجوز التوقيع بالة الكتابة أو الخاتم أو الطابع .

  ويجب أن يكون التوقيع دوما مطابقا مع التوقيع المحفوظ لدى البنك ولهذا يثير التوقيع المغاير أشكال حول مدى جواز اعتباره الشيك الذي يحمله خاليا من التوقيع.

2.التوقيع الغير المطابق

    من الصعب اعتبار الشيك الحامل لتوقيع غير مطابق للنموذج الغير المودع من طرف الساحب لدى البنك المسحوب عليه من قبيل الشيك الخالي من التوقيع والذي ليست له بالتبعية أية قيمة قانونية.

  وبالمقابل لا يمكن اعتباره شيكا سليما يتعين على البنك صرف قيمته إن وجدت الشيء الذي ينبغي معه البحث عن الحل القانوني المناسب .جرى الصرف البنكي على أن يودع الساحب نموذجا لتوقيعه لدى البنك على أساس أن هذا الأخير لا يقبل إلا الشيكات الحاملة لتوقيع مطابق لذلك النموذج وإلا يسحب الأول عليه أي على البنك إلا شيكات موقعة بتوقيع مطابق ومن ثم ينشا هناك اتفاق ضمني بين الطرفين مؤداه ان على البنك أن يصرف فورا كل شيك قدم إليه مستوفيا لسائر الشروط الأخرى ويحمل توقيعا مطابقا مادام الرصيد موجودا وكافيا وقابلا للتصرف فيه وبالمقابل لا يصرف تحت مسئوليته أي شيك لا يتطابق توقيعه مع النموذج المحفوظ لديه .ولذلك تخصص الابناك عادة موظفا أو عدة موظفين للتأكد من مطابقة التوقيعات.

   وعليه إذا كان من حق بل ومن واجب البنك رفض صرف أي شيك غير مطابق للتوقيع فانه لا يبدو مقبولا اعتماد الحكم في قضائه بالبراءة من جنحة أصدر شيك بغير رصيد على هذا العنصر فقط ذلك أن الأمر يتطلب بالضرورة تمييزا بين سوء أو عدم ضبط التوقيع الناتج عن تسرع أو سهو الساحب فقط وبين تعمد تغيير التوقيع الذي ينطوي على سوء نية رغبة في التحايل على انعدام الرصيد للإفلات من العقاب.

  ولعل المعيار الوحيد والحاسم هو وجود أو عدم وجود الرصيد لدى المسحوب عليه . إذا كان الأصل في المواد الجنائية أن عبء الإثبات يقع أساسا على النيابة العامة فان فقه القانون يستثني في هذا المضمار ما يتعلق بعلاقة الساحب بالبنك لأنها تعتبر من الأمور الشخصية التي يفترض علم الساحب بها كمقدار رصيده ونموذج توقيعه إلى جانب خضوعها للسر المهني من جهة البنك يضاف إلى ذلك أن عدم مطابقة التوقيع يعد عيبا خفيا في الشيك لا سبيل أمام المستفيد أو الحامل إلى اكتشافه على حين أن الساحب بتوقيعه الشيك على نحو يخالف النموذج المتفق عليه مع البنك يعتبر محلا بمضمون الاتفاق الضمني بينهما بشان التوقيع يجب أن يتحمل هو لا المستفيد أو الحامل نتيجة هذا الإخلال .

  وعليه يمكن القول بان عبء إثبات وجود الرصيد وكفايته وقابليته للتصرف فيه يقع على عاتق الساحب ووجود الرصيد مسالة واقع تثبت بكافة الوسائل  القانونية المعتمدة في الإثبات أمام القضاء الجنائي بغض النظر عن قيمة الشيك على انه من الناحية العملية تعتبر شهادة البنك أو كشف الحساب أهم هذه الوسائل .

  هكذا ففي نازلة مماثلة عابت محكمة النقض المصرية على الحكم المطعون فيه أمامها قصوره لعدم البحث في مسالة وجود أو انتفاء الرصيد قائلة:( لما كان البين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمنها تحقيقا لوجه الطعن أن محامي الطاعن قدم مذكرة بدفاعه أو دعت ملف الدعوى ضمنها إن البنك أفاد بعدم تطابق التوقيع دون بحث أمر رصيد الطاعن كما تقدم بملف الدعوى بحافظة بها خطاب صدر من البنك ثابت فيه أن سبب رفض البنك صرف الشيك موضوع هذا الطعن يرجع إلى عدم مطابقة التوقيع للنموذج المحفوظ لدى البنك وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لما أثاره المدافع عن الطاعن ولم يبحث أتمر رصيده في المصرف وجودا وعدما واستيفائه شرائطه بالرغم من انه دفاع جوهري كان يتعين على الحكم أن يمحصه ويقول كلمته فيه فان الحكم بقعوده عن مواجهة هذا الدفاع يكون مشوبا بقصور يعيبه ويوجب نقضه والإحالة ) 4.

3. التوقيع بواسطة وكيل

  الأصل أن كل شخص ثبت له حق أو رفض يستطيع ممارسته بنفسه أو بواسطة غيره ما دام هذا الحق مما تجوز فيه النيابة وعلى هذا لا يوجد ما يمنع الساحب من توكيل غيره 5 وكالة عامة أو خاصة بشيك معين .وحينئذ يجب على الوكيل توقيع الشيك بإمضائه هو على أن يذكر صفته كوكيل وان يتم أخطار البنك مسبقا باسم الوكيل ونموذج توقيعه مما يثور معه تساؤل عن المسؤولية الجنائية لكل من الساحب والوكيل في حالة إصدار شيك من طرف وكيل .من المتفق عليه انه إذا اصدر الوكيل شيكا وهو يعمل بعدم وجود رصيد لدى المسحوب عليه اعتبر مرتكبا لجريمة إصدار شيك بغير رصيد أما وحده أو مع الأصيل بوصفه شريكا إذا كان هو الأخر عالما بالإصدار بانعدام الرصيد .وقد تقوم الجريمة بحق هذا الأخير فقط بوصفه فاعلا أصيلا لا شريكا . علما إذا كلف وهو علم بفقدان الرصيد لديه وكيله الذي لا علم له بحالة الرصيد بإصدار شيك .

4.التوقيع المعلوماتي

   يفترض التوقيع وجود سند مكتوب غير أن التطور الحضاري الحديث افرز أنماطا جديدة من أساليب التعامل نتج عنها تقلص دور التعامل بالورق وحلت محله تقنيات وأساليب جديدة خاصة في مجال البنوك مع انتشار الشبابيك الاطوماتيكية مما أدى إلى ظهور نمط جديد من التوقيع أطلق عليه التوقيع المعلوماتي أو الكهروبي وهو توقيع يطرح أشكالا جديدة على مستوى الإثبات خاصة وانه لا يوجد في هذه الحالة سند مكتوب وهكذا ففي الوقت الذي يتمسك رجال الابناك بهذا النوع من التوقيع ويعتبرونه أدق واسلم واكثر أمنا من التوقيع اليدوي يتردد القضاء في فرنسا بين قبول وعدم قبول هذا النوع من التوقيع 6.

5.التظهير

  إذا اصدر الساحب شيكا لا رصيد له إلى المستفيد فقام هذا الأخير بدوره بتظهيره للحامل فهل يعتبر المظهر بدوره مرتكبا للجريمة إما بوصفه فاعلا أصيلا أو بصفته شريكا مع الساحب؟

  يتفق فقه القانون واجتهاد القضاء على أن جريمة إصدار شيك بغير رصيد هي جريمة الساحب وحده وتنه هو الذي ينشئ أو يخلق أداء الوفاء (الشيك) وهو الذي يضعها (الإصدار) في التداول.

  ويترتب على ذلك أن التظهير وهو لا يكون ألا لاحقا للإصدار تتوافر فيه عناصر جريمة الإصدار لا بالأصالة ولا بالاشتراك ولو كان المظهر علما بعدم وجود الرصيد إذ لا يتصور الاشتراك أو المساهمة في جريمة بعد تمامها .

6.المطالبة بقيمة الشيك أمام القضاء الزجري

 جرت العادة لدى المحاكم الزجرية على أن حامل الشيك كطرف مدني يطلب الحكم الساحب بأداء مبلغ الشيك وقد يتقدم بطلب تعويض أيضا وقد استقرت المحاكم على قبول الطلبين معا استنادا إلى المادة 49ظهير39 واستجابة لمبررات عملية لعل في مقدمتها مراعاة مصلحة العدالة ذاتها وكذا مصلحة المستفيد والساحب في آن واحد.

 غير انه من وجهة نظر الأحكام القانونية الصرفة النظمة للدعوى المدنية التابعة يبدو من الصعب قبول اختصاص القضاء الزجري للحكم في الطلبات المدنية المتعلقة بأداء قيمة الشيك رغم نص المادة 49 المذكورة نظرا لافتقار هذا الاختصاص إلى المبرر الأساسي آو العلة الأساسية وهي التبعية التي تعني وتستلزم في هذا المضمار نشوء الدعوى المدنية التابعة عن نفس الفعل المكون للجريمة .بمعنى آخر وحدة الفعل الذي تنشا عنه الدعوتان ذلك أن قيمة الشيك هي عبارة عن دين سابق على وقوع الجريمة وغير مرتب بالتالي عنها ومن تم فدعوى المطالبة باسترداد قيمة الشيك أمام المحكمة الزجرية لا تتوفر على هذا الشرط الجوهري.

  وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية :استقر قضاء محكمة النقض على أن قيمة الشيك ليست تعويضا عن جريمة إعطاء شيك دون أن يكون له رصيد .بل هي عبارة عن دين سابق على وقوع الجريمة وغير مترتب عليها بما تنتفي معه ولاية المحاكم الجنائية في الحكم به 7.

  وعلى العكس من ذلك تعتبر المطالبة بالتعويض أمام المحاكم الزجرية عن الضرر اللاحق بالمستفيد أو الحامل نتيجة عدم قابلية الشيك للصرف متوفرة على سائر الأركان القانونية للدعوى المدنية التابعة .وفي ذلك تقوم محكمة النقض المصرية أيضا :متى كان يبين الاطلاع على الأوراق أن المدعي بالحقوق المدنية لم يؤسس دعوى المدنية على المطالبة بقيمة الدين المثبت بالشيك موضوع وإنما أسسها على المطالبة بتعويض الضرر الناتج عن عدم قابلية الشيك للصرف .وقد انتهى الحكم إلى القضاء بهذا التعويض باعتباره ناشئا هن الجريمة التي أدان الطاعن بها فان ما يثيره الطاعن في طعنه من منازعة حول انتفاء الضرر الذي قضى به الحكم استنادا إلى اتفاق لاحق باستبدال الدين الذي اعد الشيك للوفاء به وتقسيطه على آجال مختلفة بموجب سندات اذنية لا يكون له محل طالما أن هذه النازعة لا تدل بذاتها عن انتفاء الضرر المترتب على عدم الوفاء بالشيك في ميعاد استحقاقه .ويكون بذلك قد توافر للدعوى المدنية كافة أركانها القانونية من خطا وضرر ورابطة سببية .8 والجدير بالإشارة أن النيابات العامة تتمسك دوما بضرورة تقديم اصل الشيك المنعدم الرصيد ربما لضرورة عملية الحيلولة دون تقديم عدة شكايات في نفس الموضوع .والواقع أن الفقه القانوني والاجتهاد القضائي مستقران على أن عدم تقديم اصل الشيك لا اثر له على قيام الجريمة إذ يكفي تقديم صورة منه.بل إن عدم وجود الشيك بعد ثبوت انعدام الرصيد الكافي والقابل للتصرف لا ينفي قيام الجريمة مادامت هناك أدلة قانونية اطمأنت إليها المحكمة كان يعترف الساحب بإصداره شيكا لا رصيد له وقت الإصدار .الذي هو وقت إخراج الساحب بإرادته الحرة الشيك من حيازته القانونية وطرحه للتداول .

   والخلاصة أن عدم مطابقة التوقيع الذي يحمله الشيك للنموذج المودع لدى البنك نتيجة اتفاق ضمني بينه وبين الساحب لا يشكل دليلا على انعدام الرصيد ولا على وجوده مما كان يتعين معه على المحكمة البحث في هذه المسالة قبل إصدار حكمها وإذ لم تفعل فان حكمها يكون مشوبا بالقصور ومبينا على غير اليقين ومن المبادئ البديهية أن الأحكام لا تبنى على الاحتمال فقد يعمد الساحب إلى تغيير توقيعه تحايلا على القانون لعدم وجود رصيد لديه كافة وقابل للتصرف مما تكون معه تبرئته والحالة هذه بمثابة مكافأة له على تحايله ويفرغ الحماية التي أرادها القانون للشيك من محتواها بما يؤدي إلى ضياع حقوق المستفيدين أو الحاملين وفقدان الثقة المفترضة في الشيك ويضر بالتالي باستقرار المعاملات 9 وقد يكون سوء التوقيع وبنفس الدرجة من الاحتمال ناتجا عن سهو أو تسرع الساحب مما تكون معه إدانته والحال أن لديه رصيدا كافيا وقابلا للتصرف من قبيل ظلم العدالة وهو غير مقبول مادام لم يكن له من سبب سوى تسرع المحكمة وعدم قيامها بما كان يجب عليها من البحث والتحقيق للوصول إلى حقيقة الرصيد وجودا وعدما بما يؤدي الى فقدان الثقة بالعدالة وهي نتيجة أسوا واخطر من فقدان الثقة بالشيك ذاته وقديما قيل لا عدل بغير حق ولا حق بغير تحقيق.

           وبعد فالله الحجة البالغة وهو ولي التوفيق.      

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى