ياسين الكعيوش
باحث بسلك الدكتوراه
جامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية الحقوق- فاس.
لقد أثار هذا الموضوع فضولي العلمي، لكونه نادرا ما يطرح نظريا ضمن الحديث عن طرق انحلال ميثاق العلاقة الزوجية وأسباب فسخها، بالرغم من أن الموضوع واقعيا له أهميته في ظل مجتمع شبه محافظ، يربط فيه الزوج عفاف المرأة وإخلاصها بالعذرية، وإن كان هذا الواقع قد يكون عكس ذلك أحيانا.
فالزوج حين يجد زوجته ليلة الزفاف غير عذراء، يعتبر هذه الحالة خيانة في حقه وضرب لكرامته، فيشك في مسار حياة الزوجة لكتمانها الأمر، وبالتالي يجد الزوج نفسه أمام خيارين : فإما أن يكتم الأمر مع محاولة النسيان، أو يلجأ إلى انفصام العلاقة الزوجية بطريقة أو بأخرى، على اعتبار أن المرأة غير عفيفة، لكن العفاف فيه نظر داخل مجتمع يدعي العصرنة، تحررت فيه المرأة تحت غطاء الاتفاقيات الدولية … ولا أخوض في هذا النقاش حتى نركز على الموضوع بدقة، وهو هل عدم عذرية الزوجة تتيح للزوج فسخ عقد الزواج ؟؟
أولا : موقف مدونة الأسرة من ادعاء الزوج عدم عذرية الزوجة.
إن عقد الزواج الذي يبرم في إطار المواد 10 و 11 و 13 من مدونة الأسرة، عقد صحيح مستوفي لجميع أركانه وشروطه، ولا يدخل في صحته وجود البكرةla virginité ، يعني ذلك أن العقد لا يفسخ إلا إذا اشترط الزوج على الزوجة شرط فاسخ يقضي بتوفرها على العذرية، مادامت مدونة الأسرة أعطت الحق الاشتراط بعض الشروط حسب المادة 47.
ولاشك أن الزوج في هذه الحالة يؤسس طلب إنهاء العلاقة الزوجية على عبارة “” عدم عذرية الزوجة “” ويفضل اللجوء إلى فسخ عقد الزواج بدلا من الاعتماد على الطلاق، تفاديا للتبعات المادية المترتبة على هذا الأخير ( الطلاق ).
وبالرجوع إلى المادتين 60 و 61 نجدهما تنصان على الزواج القابل للفسخ، وهو الزواج الذي لم تتوفر في صداقه الشروط الشرعية (كأن يكون الصداق من المحرمات أو غير محدد مقداره …) المادة 60.
كما تنص المادة 61 على إمكانية فسخ العقد إذا كان أحد الأزواج مريضا، أو قصد الزوج بالزواج تحليل زوجة مطلقة طلاق ثلاث أو إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه…
وبالرغم من أن المادة 63 تخول إبطال الزواج في حالة التدليس إذا ما تم اللجوء إلى الحيل أو الكتمان قصد حمل أحد المتعاقدين على قبول الزواج، بحيث لولا الكتمان ما تعاقد الطرف الآخر، لكن كتمان الزوجة لفقدان عذريتها لا تدخل في نطاق المادة 63. وبالتالي عدم اعتبار انتفاء العذرية سبب للفسخ عقد الزواج. وحتى التطليق للعيب المنصوص عليه ضمن مقتضيات المادة 107 غير متاح، إلا في حالة وجود عيب مانع من المعاشرة الزوجية، أو أمراض خطيرة …إلخ.
لكن في ظل غياب النص القانوني، فان القضاء الأسري المغربي يعتمد على المادة 400 التي تنص”” كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى الفقه المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام والمساواة والعدل والمعاشرة بالمعروف “”.
وبالرجوع إلى المذهب المالكي نجد أنه يتيح إمكانية الطلاق فقط، حماية أكثر للزوجة من التعسف، والتي تستفيد من المستحقات المادية في حالة الطلاق بدل الفسخ، كما ان الحمل الذي قد ينتج عن ليلة الدخول يلحق بالزوج. ويقول ابن عاصم :
“” والزوج حيث لم يجدها بكرا — لم يردها إلا باشتراط عذرا “”
“” ما لم يزيل عذريتها نكاح — فالرد مستباح “”
ومعنى هذين البيتين أن الزوج إذا لم يشترط العذرية على الزوجة قبل إبرام العقد، فإن وجدت بلا عذرية فالزواج لا يبطل ويعد زواجا صحيحا مستكملا لأركانه.
أما إذا اشترط الزوج على الزوجة العذرية أثناء إبرام العقد ولم يجدها كذلك، فله الحق في إبطال عقد الزواج.
مما يتضح أن فقهاء الشريعة الإسلامية قطعوا الطريق أمام الزوج لإنهاء العلاقة الزوجية، إلا عن طريق الطلاق الذي يرتب أثار مادية ومستحقات للزوجة.
لهذا نلاحظ أن مدونة الأسرة لم تدرج أية إشارة لصفات المرأة الجوهرية كالقانون الفرنسي، ولم تتحدث عن مسألة عدم العذرية كسبب لفسخ العقد، لكن أعطت للأزواج إمكانية اشتراط بعض الشروط وفق المادة 47 وبالتالي فإن العذرية تدخل ضمن هذه المادة . وفي حالة عدم اشتراط العذرية فالفقه المالكي يقضي بعدم فسخ عقد الزواج، وبالتالي يبقى أمام الزوج الطلاق فقط.
ثانيا : موقف القضاء والقانون المدني الفرنسي .
بالرغم من كون فرنسا من الدول الديمقراطية المتشدقة بالحرية الفردية وحقوق الإنسان، واستباحت الجنس بكافة أنواعه وألوانه، فإنها تحترم في بعض الأحيان الإرادة الفردية للأشخاص حينما يرغب التمسك بالقانون.
فخلال سنة 2004 تقدم مواطن فرنسي بطلب إبطال عقد الزواج على أساس خداعه من طرف الزوجة بالتدليس في كونها عذراء وعفيفة، لكن ليلة الزفاف اكتشف العكس، واعترفت له بربطها علاقات جنسية سابقة. فقام بطردها من بيت الزوجية معتبرا أن الحياة بدأت بالخداع الأمر الذي ينافي الثقة المتبادلة بين الزوجين، والتي من المفروض أن تكون شرطا أساسيا في إطار الارتباط بينهما. فالتمس لهذه العلة الحكم بإبطال عقد الزواج، واستند طالب إبطال عقد الزواج على الفصل 180 من القانون المدني الفرنسي الذي ينص “” أن الغلط في الشخص آو في صفته الأساسية يمكن للزوج أن يطالب بإبطال الزواج “”.
طبقا لهذا الفصل استجابت “المحكمة الفرنسية بليل” ([1]) لطلب الزوج بإبطال عقد الزواج مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
فالمحكمة الفرنسية اعتبرت أن العذرية ليست ركن من أركان عقد الزواج، وإنما صفة جوهرية ومزية أساسية في الزوجة من جهة، و كتمان الزوجة لعدم عذريتها يشكل كذب على الزوج الذي لم يكن عالما بفقدان الزوجة لإحدى مزاياها التي على أساسها تعاقد. وإمكانية إبطال عقد الزواج على أساس العذرية “” حق للزوج وحده”” إذ لا يمكن للزوجة أن تتقدم بدعوى مماثلة، لان العذرية لا تفترض إلا في الأنثى، حسب تعليل المحكمة. لكن مثل هذا الحكم هو إجحاف في حق المرأة خصوصا في مجتمع علماني يبيح العلاقات الجنسية خارج الزواج وفقا للقانون، وبالتالي يضرب في صميم المساواة بين الزوجين والحرية الفردية التي لطالما يتبجحون بها في المحافل الدولية.
فكيف يمكن اعتبار عذرية الزوجة مزية في قانون دولته لا تعترف بالمفهوم الأخلاقي للعفة، والحال ان الارتباط المثلي وإنجاب الأطفال خارج نطاق الزواج لا يطرح مشكلة أخلاقية، ولا يتنافى مع النظام العام لدولة علمانية، في حين نجد مدونة الأسرة المغربية وبالرغم من كون المجتمع مسلما ، لم تنص مطلقا على هذا الأمر، تفاديا على ما اعتقد فتح باب فسخ عقد الزواج بناء على مفاهيم مغلوطة قد تؤدي إلى ارتفاع طلبات انفصام العلاقة الزوجية تعفي الزوج من تحمل مصاريف الطلاق. وان كان زوج قد يصيب في ادعائه لكون الزوجة غير عفيفة، فان زوج أخر قد يخطئ والزوجة بريئة من ذلك . لأن البكارة عند المرأة حسب علماء الطب هناك حالات تكون غير موجودة خلقيا، ما لم يتم فقدانها لسبب خارج عن إرادتها ودون علمها.
[1] حكم مدني عدد 316 / 2004 منشور بمجلة دالوز عدد 7 -2008 ، ص 56