مقدمــــــة
قديما قال أرسطو بأن أطراف النزاع يفضلون التحكيم عن القضاء، لأن المحكم يرى العدالة بينما القاضي لا يعتد إلا بالتشريع.
وفي الواقع فإن العصر الحالي يثبت صحة مقولة أرسطو بعد مئات السنين، بدليل تزايد لجوء الخصوم إلى التحكيم لحل نزاعاتهم، وذلك بالنظر إلى المزايا العديدة التي يوفرها التحكيم مقارنة مع القضاء، إذ في بيئة التحكيم يستطيع الأطراف خلق قانونهم المسطري الذي يتقاضون وفقه، وهو ما لا يتأتى للأطراف في حالة لجوئهم إلى القضاء، إذ سيكونون ملزمين بالتقاضي وفق الإجراءات المسطرية المحددة من قبل المشرع والمطبقة من طرف قضاء الدولة.
إلا أن اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم يعد أول خطوة في سبيل إعمال قواعد التحكيم كوسيلة بديلة عن القضاء لتسوية المنازعات. وهو ما فرض على جل التشريعات أن تنظمه وفق قواعد خاصة تختلف من دولة لاخرى.
كما أن الحديث عن التحكيم لا يتأتى دون الحديث عن الجهاز القائم بالمهمة التحكيمية، وعن أطراف هذه العلاقة بصفة عامة. حيث فرضت غالبية التشريعات مجموعة من الشروط الواجب توافرها سواء في أطراف النزاع الذي سيعرض على التحكيم، وكذا بالنسبة للجهاز الذي سيقوم بإعمال قواعد التحكيم بغية تسوية النزاع القائم بين الاطراف .
انطلاقا مما سبق فقد ارتأيت تناول هذا الموضوع وفق الخطة التالية:
المبحث الأول : اتفاق التحكيم.
المبحث الثاني: شروط التحكيم.
المبحث الأول : اتفاق التحكيم.
من القواعد المرسخة في مجال التحكيم أوله اتفاق، ووسطه إجراء وآخره حكم. إلا أن أهم عنصر من هذه العناصر الثلاث يتمثل في الاتفاق، والذي عرفه مشروع مدونة التحكيم في مادته الثالثة بأنه عقد التحكيم أو شرط التحكيم. وعليه سنتناول شرط التحكيم في مطلب أول على أن نخصص المطلب الثاني لتناول عقد التحكيم.
المطلب الأول : شرط التحكيم.
فرض المشرع المغربي ضرورة احترام مجموعة من الشروط الموضوعية والشكلية اللازمة لصحة شرط التحكيم (الفقرة الأولى). كما أن هذا الأخير يثير عدة إشكاليات خاصة ما يتعلق بتفسيره واستقلاليته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مضمون شرط التحكيم.
يعرف شرط التحكيم، بأنه ذلك الشرط الذي يرد في العقد باتفاق الطرفين عند التعاقد وقبل حدوث أي نزاع بإحالة كل ما يثور بينهم من نزاعات أو خلافات على محكم سواء تعلق الأمر بتنفيذ العقد أو تفسيره[1].
أما بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية نجده ينص في الفصل 309 على أنه: “يمكن للأطراف أن يتفقوا في كل عقد على عرض المنازعات التي تنشا بصدد تنفيذ هذا العقد على المحكمين”.
وعليه فإن أول ملاحظة تثيرها قراءة هذا الفصل تكمن في انه تطرق فقط إلى تنفيذ العقد دون باقي الحالات الأخرى، وخاصة ما يتعلق بتفسير العقد[2].
وقد يبدو حسب الفصل309 ق م م أنه من الضروري إدراج شرط التحكيم في العقد نفسه، إلا أن الحقيقة خلاف ذلك، إذ ليس هناك ما يمنع من إدراج شرط التحكيم إما بالعقد نفسه أوفي عقد أو ورقة مستقلة، ولو اتخذت شكل فاتورة أو رسالة سواء عند التعاقد، أو في وقت آخر شريطة أن يتم ذلك قبل وقوع النزاع.
إلا أن الإشكال الذي يثار في هذا الصدد يتعلق بكيفية إثبات شرط التحكيم إذا تم إدراجه في ورقة مستقلة.
لحل هذه الإشكالية فإن بعض الفقه[3] يميز بين الأعمال والعقود التجارية، والتي يمكن إثبات شرط التحكيم فيها بكل الوسائل، وبين الأعمال والعقود المدنية، والتي لا يمكن الإثبات في ظلها إلا بالوسائل المدنية. وذلك بخلاف المشرع الفرنسي الذي لا يجيز شرط التحكيم في المواد المدنية.
كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن شرط التحكيم أثار جدلا فقهيا كبيرا بفرنسا من حيث صحته، خاصة وأن المادة 1006 القانون المدني الفرنسي توجب ضرورة تحديد النزاع في اتفاق التحكيم إضافة إلى أسماء المحكمين وإلا كان باطلا.[4]
وبالتالي فإن هذا الشرط الأساسي لا يمكن توافره في شرط التحكيم طالما أنه يتعلق بنزاع مستقبلي واحتمالي. إلا أنه سرعان ما تم تجاوز هذا الخلاف عندما أصدر المشرع الفرنسي قانونا بإجازة شرط التحكيم في المواد التجارية بتاريخ 31 يوليوز 1952.
وإذا كان شرط التحكيم جائزا سواء كان التحكيم مدنيا أو تجاريا، فإن الفصل 309 ق م م ألزم الأطراف بضرورة احترام شرط التحكيم لمجموعة من البيانات، إذ نجده ينص على أنه ” يمكن لهم- أي الأطراف- أن يعينوا علاوة على ذلك مسبقا وفي نفس العقد إذا تعلق بعمل تجاري محكما أو محكمين. ويتعين في هذه الحالة أن يكون شرط التحكيم مكتوبا باليد وموافقا عليه بصفة خاصة من لدن الأطراف تحت طائلة البطلان”.
كما أن الفصل 308 ق م م يوجب تحديد موضوع النزاع وأجل صدور الحكم التحكيمي تحت طائلة البطلان، وأما في حالة عدم تحديد هذا الأجل، فإن المحكمين يستنفذون صلاحيتهم بعد مرور 3 أشهر من تاريخ تبليغ تعيينهم (المادة 29 من المشروع مددتها إلى 6 أشهر).
إلا أن الإشكال الذي يثيره الفصل 309 يتعلق بتحديد نطاق الكتابة باليد[5]. وقد أثير التساؤل حول ما إذا كان ينبغي كتابة الشرط التحكيمي بمجمله بخط اليد، أم يتم الاقتصار على الفقرة المتعلقة بتعيين المحكمين. إلا هذا الإشكال تم حسمه من طرف الاجتهاد القضائي، حينما قضى بأن الكتابة باليد تقتصر فقط على الجزء المعين للمحكمين[6]، لأن الهدف من ذلك هو حماية الطرف الأمي. أما في مجال التحكيم المدني فإنه لا يسوغ التعيين المسبق للمحكمين وذلك بمفهوم المخالفة للفصل 309 ق م م.
إضافة إلى ما سبق فإن شرط الكتابة باليد يثير عدة إشكاليات تتعلق بما إذا كان يتم الاكتفاء بخط يد أحد المتعاقدين أم يشترط خط يد المتعاقدين معا. لحل هذه الإشكالية يرى بعض الفقه[7]، أنه يمكن كتابة الشرط بخط يد الغير، شريطة الموافقة عليه من قبل الأطراف. أما إذا كان العقد رسميا فإن كتابة الشرط تسند إلى الموثق، وبعد ذلك يوافق الأطراف عليه، زيادة على توقيع العقد الأصلي. أما بالرجوع إلى مشروع مدونة التحكيم فنجدها قد حسمت الأمر، حيث نصت المادة 9 على أنه” يجب أن يحرر اتفاق التحكيم كتابة سواء بواسطة عقد رسمي أو عرفي بواسطة محضر ينجز أمام الهيئة التحكيمية”. وبذلك فإنها لم تعد تشترط ضرورة كتابة شرط التحكيم بخط اليد، وهو ما يسمح بأن يجد التحكيم مصدره إما في الفاكس أو التلكس أو في البريد الإلكتروني. وذلك بخلاف المشرع المصري الذي لا يسمح بإثبات شرط التحكيم بالمراسلات أو غيرها من وسائل الإثبات المقررة في القانون التجاري[8].
أما النتيجة التي تترتب عن اتفاق التحكيم، فتكمن في لجوء الأطراف إلى التحكيم لتسوية نزاعاتهم، بدل اللجوء إلى القضاء. أما إذا خالف أحد الأطراف شرط التحكيم ولجأ إلى القضاء. فعلى الطرف الآخر أن يطلب من المحكمة أن تقضي بعدم القبول وفق ما نصت عليه المادة 21 من مشروع مدونة التحكيم والتي حسمت الخلاف الذي كان مطروحا حول طبيعة هذا الدفع. هل هو دفع بعدم الاختصاص، أم دفع بعدم القبول.
إلا أن شرط التحكيم يثير إشكالية أخرى تتعلق بما إذا كان يمنع من اللجوء إلى رئيس المحكمة لطلب اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية أم لا؟
في سبيل حل هذه الإشكالية اتجه بعض الفقه[9] إلى سلب الاختصاص من قضاء الدولة لاتخاذ الإجراءات الوقتية مستندا في ذلك إلى أنه لا مجال للحديث عن قضاء الدولة بعد تكوين هيئة التحكيم. أما الاتجاه الثاني[10] فيسمح بتدخل قضاء الدولة في أوقات عدم إنعقاد هيأة التحكيم ضمانا لعنصر السرعة.
أما على مستوى التشريعات العربية، فإن كل من المشرع المصري والمشرع التونسي يخولان لقضاء الدولة اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفيظية ما لم يتفق الأطراف على منح هذا الاختصاص للمحكمين[11].
وأمام غياب أي نص في هذا الإطار بالنسبة للمشرع المغربي فإنه لا مانع من الاقتضاء بما ذهب إليه المشرع التونسي والمصري.
وفي ختام هذه الفقرة أشير إلى أن شرط التحكيم قد تم تضمينه في عدة عقود أبرمتها بعض المؤسسات المغربية لتسوية نزاعاتها في إطار علاقاتها مع بعض الهيئات الأجنبية ومثال ذلك: المكتب الشريف للفوسفاط ocp في إطار علاقاته مع الهند، إذ قضى شرط التحكيم باللجوء إلى المسطرة المنظمة من طرف المركز الدولي لتسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمار فيما يخص مشروع الجرف الأصفر. فضلا عن شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين شركة ليديك والمجموعة الحضرية للدار البيضاء[12].
الفقرة الثانية: تفسير شرط التحكيم واستقلاليته:
سنتطرق إلى شرط التحكيم، قبل الحديث عن استقلاليته.
أولا: تفسير شرط التحكيم:
يخضع تفسير شرط التحكيم للقواعد العامة في التفسير، ومنها أنه إذا كانت عباراته واضحة فلا يجوز الانحراف عنها بحجة تفسير العقد. أما إذا كان هناك محل لتفسير شرط التحكيم فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التعامل السابق والأعراف[13]. أما إذا كان هناك شك فإنه يفسر لمصلحة المدين ومع ذلك فقد اتجهت بعض أحكام القضاء إلى القول بأن الإحالة إلى التحكيم هي خروج عن الأصل[14]، لذلك يجب تفسير شرط التحكيم تفسيرا ضيقا . فمثلا إذا نص شرط التحكيم على أنه يتعلق بتنفيذ العقد، ففي هذه الحالة لا يطبق هذا الشرط على فسخ العقد.
إلا أن هذه المقتضيات وإن كانت تصح بالنسبة للتحكيم الداخلي، فإن بعض الفقه[15]. يقول بصعوبة تطبيق ذلك على التحكيم الدولي. حيث يميل إلى تفسير شرط التحكم تفسيرا واسعا. بما يمنح الاختصاص لهيئة التحكيم فمثلا إذا نص العقد في أحد أحكامه على منح الاختصاص للقضاء، بينما نص في حكم آخر على الإحالة إلى التحكيم، فإنه يعتد ببند الإحالة إلى التحكيم، وليس ببند الإحالة إلى القضاء، كما أنه إذا تم الاتفاق على إحالة النزاع إلى غرفة التجارة الدولية بسويسرا، فإنه يحكم بصحة هذا الشرط بالرغم من عدم وجود تلك الغرفة في جنيف وإنما في باريس.
ثانيا: استقلالية شرط التحكيم:
تثير فكرة استقلالية شرط التحكيم عدة إشكاليات خاصة ما إذا كان بطلان العقد الأصلي يستتبعه بطلان التحكيم، وما يركز هذه الإشكالية هو تضارب واختلاف الحلول التي جاء بها كل تشريع.
فوفقا للنظرية التقليدية في بعض الأنظمة القانونية[16]، نجدها تقول بأنه إذا تعرض العقد الأصلي للبطلان أو الفسخ فإن ذلك يطبق على شرط التحكيم أيضا باعتباره تابعا له وجزءا منه.
أما موقف النظرية الحديثة فيميل إلى أن شرط التحكيم مستقل عن العقد الأصلي، وعليه فإن بطلان هذا الأخير لا يستتبعه بطلان شرط التحكيم طالما أن سبب البطلان لم يلحق الشرط ذاته[17].
وأساس هذا الاتجاه ينطلق من واقع عملي، هو أن سبب شرط التحكيم وهدفه في آن واحد هو تسوية النزاع عن طريق التحكيم بدل القضاء. وبالتالي فإن النزاع ستتم تسويته في جميع الأحوال، ولا مانع أن تتم عن طريق التحكيم ما دام أن هيئة التحكيم ستفصل فيه وفقا للقانون الواجب التطبيق. وعليه ستقضي مثلها مثل القضاء الرسمي ببطلان العقد مع تطبيق الآثار المترتبة عن ذلك من تعويض، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل العقد. أما إذا أصاب البطلان شرط التحكيم أيضا فإن العقد يكون باطلا برمته.
والعكس صحيح أيضا، إذ قد يتعرض شرط التحكيم للبطلان أما العقد الأصلي فيبقى صحيحا، ومثال ذلك أن يكون الشخص الذي أبرم العقد غير مخول له بإحالة النزاع إلى التحكيم، مع تخويله فقط الحق في إبرام العقد الأصلي. ففي هذه الحالة يصيب البطلان شرط التحكيم فقط دون العقد الأصلي.
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المصري كرس هذه القاعدة من خلال المادة 23 من قانون التحكيم المصري، والتي تنص على أنه: “يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب عن بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أثر على شرط التحكيم الذي يبقى صحيحا في ذاته”. وهو نفس الموقف الذي صار عليه المشرع البحريني والتونسي والعماني.في حين لم تتضمن مجموعة المرافعات الفرنسية ولا قانون المسطرة المدنية المغربي نصا صريحا يكرس مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، باستثناء الحالة التي يخولان فيها لهيئة التحكيم أن تبث في دفع أحد الأطراف ببطلان اتفاق التحكيم، أو ما يسمى باختصاص الاختصاص[18] ، والذي استنتج منه البعض أنه يشمل كذلك مبدأ استقلال شرط التحكيم.
المطلب الثاني: عقد التحكيم . *مشارطة التحكيم*
عقد التحكيم هو اتفاق الخصوم على عرض نزاع قائم أو نشأ بينهم على حكم أو هيئة تحكيمية بدلا من عرضه على مؤسسة قضائية رسمية تابعة للدولة.[19]
ويشترط في عقد التحكيم كغيره من العقود مجموعة من الشروط الموضوعية والشكلية (الفقرة الأولى)، كما أنه بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية ومشروع مدونة التحكيم، نجد أنهما حصرا مجاله في بعض المسائل دون أخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شروط صحة عقد التحكيم .
فرض المشرع المغربي لصحة عقد التحكيم ضرورة توافر الشروط الموضوعية العامة لصحة العقود، كما اضاف إلى ذلك ضرورة احترام مجموعة من الشروط الشكلية التي لا غنى عنها لصحة عقد التحكيم. وقد حصرها في ضرورة كتابة عقد التحكيم وتعيين المحكمين وموضوع النزاع وأجل صدور الحكم التحكيمي. وهو ما سنتطرق إليه في النقط التالية:
أولا: الكتابة. وقد نص على هذا الشرط الفصل 307 من ق م م[20] الذي جاء فيه: “يتعين إبرام عقد التحكيم كتابة”، إلا أن الإشكال الذي يثيره هذا الفصل يتعلق بما إذا كانت الكتابة تعد شرط إثبات أم أنها شرط صحة.
في هذا الإطار يرى بعض الفقه[21] أن شرط الكتابة في عقد التحكيم يعد شرط انعقاد يترتب على تخلفه بطلان الاتفاق بطلانا مطلقا، لأنه بدون الكتابة لا يمكن إدراج باقي الشروط اللازمة لانعقاد عقد التحكيم. ومع ذلك فإن المشرع لن يتشدد في شرط الكتابة ولغتها وشكلها، وعليه يمكن أن يأتي عقد التحكيم في شكل محضر يقام أمام المحكم، أو بوثيقة أمام موثق أو عدلين أو في سند عرفي، أو أن يكتب بخط اليد أو بأية طريقة، بما في ذلك تعيين المحكمين لأن المشرع لم يوجب كتابة هذا التعيين بخط اليد إلا في حالة التعيين المسبق، أما التعيين في عقد التحكيم فيجوز ألا يكون بخط اليد، وذلك إعمالا لمفهوم المخالفة للفصل 309 ق م م.
ويكاد المشرع المغربي ينفرد في اعتبار الكتابة شرط انعقاد لعقد التحكيم، بخلاف عدة قوانين مقارنة والتي تجعل عقد التحكيم رضائيا وتعتبر الكتابة مجرد شرط إثبات[22].
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي أغفل الإشارة إلى تاريخ عقد التحكيم رغم أهمية هذا الأخير، خاصة في الحالة التي يكون فيها العقد عرفيا، حيث تتأثر حقوق الغير بثبوت هذا التاريخ، فضلا عما لتاريخ العقد من أهمية في احتساب أجل التحكيم [23].
ثانيا: تعيين المحكمين. ألزم الفصل 308 من ق م م تحت طائلة البطلان الأطراف بضرورة تعيين المحكمين في عقد التحكيم. إلا أنه يمكن الاكتفاء بذكر صفته أو منصبه فقط[24]، كأن يقال عميد كلية الحقوق بوجدة، أو رئيس غرفة التجارة بالجديدة، أو أستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق بوجدة.
إلا أن تعيين المحكمين في عقد التحكيم يطرح إشكاليتين لا بد من الإجابة عنهما، وهما هل يشترط أن يكون المحكم مغربيا أم يجوز أن يكون أجنبيا؟ وهل يشترط أن يكون شخصا طبيعيا أم يجوز أن يكون شخصا اعتباريا؟
على مستوى الفقه المقارن[25] نجده يجيز أن يكون المحكم أجنبيا شريطة أن يطبق القانون الوطني. اما على مستوى التشريع فإن المادة 324 من القانون الصومالي ل 28 يونيو 1974 تشترط أن يكون المحكم صوماليا. أما القانون الفرنسي لسنة 1980 فيشترط أن يكون المحكم شخصا طبيعيا.
أما على مستوى الفقه المغربي[26] فيرى ضرورة أن يكون المحكم مغربيا، مستندا في ذلك إلى أن القضاء بعد الاستقلال أسس على ثلاثة مبادئ جوهرية، وهي التوحيد والتعريب والمغربة، وهي مبادئ تشمل التحكيم كما تشمل القضاء.
أما إذا حدث وعين المحكم الأجنبي باتفاق الأطراف في التحكيم الداخلي، فإن حكمه لا يكون باطلا وإنما يعتبر حكما أجنبيا يسري عليه ما يسري على الأحكام الأجنبية.
أما بالنسبة للتحكيم الذي يقوم به الشخص الاعتباري فإنه يكون صحيحا شريطة أن يكون من يمثله مغربيا. أم المؤسسة التحكيمية فإنها تقوم بتنظيم التحكيم والإشراف عليه وفقا لنظامها[27].
ثالثا: تحديد موضوع النزاع.
ألزم الفصل 308 من ق م م الأطراف بضرورة تحديد موضوع النزاع في عقد التحكيم تحت طائلة البطلان. وهو نفس الموقف الذي سار عليه كل من المشرع المصري والفرنسي، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 16 فبراير 1971 بأن: “التحكيم هو طريق استثنائي قصره المشرع على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين، ولهذا أوجب المشرع أن يتضمن تعيين موضوع النزاع أو يتحدد هذا النزاع أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم”[28].
إلا أن الإشكال الذي يثيره تحديد موضوع النزاع يتعلق بما إذا كان يشترط تحديد موضوع النزاع بشكل تفصيلي أم بصورة عامة فقط؟.
لحل هذه الإشكالية يرى بعض الفقه [29] أنه لا يشترط البيان التفصيلي لموضوع النزاع، لأن ذلك سيكون موضوع المرافعات والمستندات المقدمة أمام الهيئة التحكيمية، وإنما يكفي أن يقال مثلا توزيع الأرباح، تفسير العقد أو غيرها، شريطة أن يكون واضحا بالنسبة للهيئة التحكيمية ولأطراف العقد.
رابعـا: تحديد أجل صدور الحكم التحكيمي. تساهل المشرع بخصوص هذا الشرط بدليل أنه لم يرتب البطلان على تخلفه وإنما خول للمحكمين إصدار حكمهم داخل أجل ثلاثة أشهر من تبليغ تعيينهم عندما يغفل الأطراف تحديد هذا الأجل.
إلا أنه بالرجوع إلى مشروع مدونة التحكيم نجد أنه رفع من مدة ثلاثة أشهر إلى ستة اشهر، كما سمح بتمديد الأجل الاتفاقي أو القانوني باتفاق الأطراف أو بأمر من رئيس المحكمة بناء على طلب أحد الأطراف أو بطلب من المحكمين.
الفقرة الثانية: نطاق عقد التحكيم.
من الشروط الجوهرية التي جاء بها الفصل 306 م ق م م نجد أنه منع التحكيم في بعض المسائل، وهي الهبات والوصايا المتعلقة بالأطعمة والملابس والمساكن، والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم، والمسائل الماسة بالنظام العام.
والملاحظ أن تفسير هذا النص يثير عدة مشاكل حول مفهوم النظام العام الذي يتطور بتطور الظروف[30]، كما أنه معيار غير واضح ويشوبه اللبس والإبهام، وأمام تعدد المسائل الخارجة عن نطاق التحكيم التي جاء بها ف 306، فإن بعض الفقه[31] يرى أنه كان على المشرع المغربي أن يتجنب أسلوب التعداد، ويقتصر على إخراج المسائل المتعلقة بالنظام العام، على اعتبار أن جميع المسائل الواردة في الفصل 306 هي من النظام العام.
إضافة إلى ذلك فإن الفصل 306 يثر إشكالية ما إذا كانت هذه المسائل واردة على سبيل المثال أم على سبيل الحصر.
بالرجوع إلى الفصل 306 نجده يستعمل كلمة “وخاصة” مما يعني أن هذه المسائل إنما هي واردة على سبيل المثال، وبالتالي فإن التحكيم لا يشمل باقي المسائل الأخرى المتعلقة بالنظام العام ولو كانت غير واردة في الفصل 306. أما بالرجوع إلى مشروع مدونة التحكيم، فنجد أنه قلص من نطاق المسائل التي لا يجب فيها التحكيم، إذ أخرج من مجال الأحوال الشخصية النزاعات ذات الطابع المالي،و التي أصبحت بذلك داخلة في نطاق المسائل التي يجوز فيها التحكيم. وإذا كان الفصل 306 يمنع التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام، فإن مشروع مدونة التحكيم استثنى من ذلك النزاعات التي تنتج عن العلاقات الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو التجاري أو المالي والتي تخضع للتحكيم الدولي.[32]
كما أنه وبالرجوع إلى المادة 5 من المشروع نجد أنها وسعت من نطاق التحكيم عندما سمحت باللجوء إلى التحكيم سواء تعلق النزاع بعلاقة تعاقدية أو غير تعاقدية.
المبحث الثاني: شروط التحكيم.
لا يكون اتفاق التحكيم صحيحا إلا إذا توفرت مجموعة من الشروط الواجب توافرها في المتحكمين (المطلب الأول). كما أن الحكم التحكيمي لا يعد صحيحا إلا إذا كان صادرا عن محكم تتوفر فيه مجموعة من الشروط التي تمنحه هذه الصفة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الشروط الخاصة بالمحتكمين.
يشترط في المحتكم أو طالب التحكيم أن يكون متمتعا بالأهلية (الفقرة الأولى). وأن يملك حق التصرف في موضوع النزاع (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الأهلية.
ينص الفصل 306 من ق م م أنه “يمكن للأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية أن يوافقوا على التحكيم…”. وهو نفس التوجه الذي سار عليه الفصل 1125 من القانون المدني الفرنسي. ويستوي أن يكون المحتكم شخصا طبيعيا أو اعتباريا شريطة أن يكون متوفرا في الحالة الأخيرة على الشخصية المعنوية، مما يترتب عنه استبعاد شركات المحاصة في مجال التحكيم لكونها لا تتوفر على الشخصية المعنوية.
كما تجدر الإشارة إلى أن التحكيم الذي يبرمه أو يوافق عليه القاصر يكون باطلا سواء كان فاقد الأهلية كالصغير غير المميز أو ناقصها كالسفيه، ما لم يكن مأذونا له أو مرشدا، أو باشر ذلك بواسطة نائبه القانوني، إلا أن هذا التدخل الأخير يثير بعض الإشكاليات منها:
إذا كانت المادة 240 من مدونة الأسرة لا تخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور ما لم تتجاوز 200 ألف درهم، فإن الفصل 11 من ق ل ع يمنع الأب والوصي والمقدم من التصرف في أموال القاصر التي يديرها ما لم يحصل على إذن من القاضي المختص.
وأمام هذا التناقض بين مقتضيات مدونة الأسرة، و ق ل ع لا يسعنا إلا أن نؤكد أولوية تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة نظرا لكونها نص خاص يقدم على النص العام. كما أن ذلك سيفتح المجال أمام الأباء للموافقة على التحكيم لفائدة أبنائهم القاصرين دون قيد أو شرط.
أما الإشكالية الثانية التي يثيرها شرط الأهلية، فتتعلق بأهلية الدولة والجماعات المحلية لإبرام اتفاقات التحكيم.
لقد تضاربت موافق الفقه و التشريع لحل هذه الإشكالية مما أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الأول يمنع الدولة والجماعات المحلية من اللجوء إلى التحكيم، وهذه هي حالة المشرع التونسي والفرنسي، إلا أن هذا الأخير، وبعد تعديل 9 يوليوز 1975 سمح للمؤسسات العمومية التجارية والصناعية باللجوء إلى التحكيم.
أما المشرع الجزائري فلا يسمح للدولة والمؤسسات العمومية بأن تلجأ إلى التحكيم إلا في إطار العلاقات بين هذه المؤسسات.[33] أما الاتجاه الثاني، وهو اتجاه المشرع المصري فيجيز للدولة والمؤسسات العامة اللجوء إلى التحكيم ولكن أمام هيئات خاصة منشأة لهذا الغرض، والتي تنظر إضافة إلى ذلك النزاعات الدولية بين المؤسسات العمومية والأشخاص الطبيعيين والمعنويين، سواء كانوا وطنيين أم أجانب شريطة أن يقبلوا اللجوء إلى التحكيم بعد وقوع النزاع.
أما الاتجاه الثالث والذي يمثله القانون الأردني، فيسمح للدولة والمؤسسات العمومية باللجوء إلى التحكيم[34].
أما في المغرب فإن الأساس القانوني الذي يمنع الدولة من اللجوء إلى التحكيم حسب بعض الفقه[35]، يكمن في أن الفصل 9 من ق م م يوجب تبليغ النيابة العامة بكل القضايا التي تتعلق بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية. وهو ما يعني أن النيابة العامة لا تستطيع مراقبة النزاعات التي تهم أشخاص القانون العام لأنها تكون معروضة على التحكيم.
وفي مقابل هذا الرأي، يميز البعض الآخر[36] بين تدخل الدولة أو الجماعات المحلية بشأن الأملاك العامة، والتي لا يسوغ فيها للدولة أن تلجأ إلى التحكيم، وبين تدخلها بخصوص أملاكها الخاصة والتي يسوغ لها أن تلجأ بشأنها إلى التحكيم لأنها ستكون بمثابة شخص عادي يخضع للقواعد العامة شأنها شأن الأفراد. ويبدو أن هذا الاتجاه الأخير هو الاتجاه المنطقي، وذلك لأن لجوء الدولة إلى التحكيم أصبح شيئا لا بد منه خاصة في مجال العقود الدولية.
الفقرة الثانية: ملكية التصرف في الحق موضوع التحكيم .
بالرجوع إلى الفصل 306 من ق م م نجده ينص أنه” يمكن للأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية أن يوافقوا على التحكم في الحقوق التي يملكون التصرف فيها”.
انطلاقا من هذا الفصل فإنه لا بد لصحة اتفاق التحكيم من أن يكون المحتكم مالكا لحق التصرف في موضوع التحكيم، ومن تم يستثنى من ذلك الحارس سواء كان قضائيا أو إتفاقيا والمودع عنده[37]. والمحكوم عليه بالتصفية القضائية نظرا لأنه يكون خاضعا لنظام غل اليد الذي ينقل سلطة الإدارة والتصرف والتقاضي إلى السنديك.
إلا أن الإشكال الذي يثار في هذا الصدد يتعلق بمدى إمكانية إبرام اتفاق التحكيم بواسطة الوكيل العام.
في هذا الإطار يرى بعض الفقه[38]، أن إبرام اتفاق التحكيم من طرف الوكيل العام يجعل العقد باطلا بطلانا نسبيا لمصلحة الأصيل، إذ يزول هذا البطلان بإجازة الأصيل للاتفاق الذي أبرمه الوكيل العام، كأن يتكلم الأصيل أمام المحكم دون تحفظ ، أما إذا كان الحاضر أمام المحكم هو الوكيل العام، فإن تكلمه في الموضوع لا يصحح الأوضاع إلا بإجازة الأصيل الصريحة أو الضمنية.
كما يثير شرط ملكية التصرف في الحق موضوع التحكيم إشكالية أخرى تتعلق بما إذا كان مدير الشركة يحتاج إلى توكيل خاص أم لا لإجراء التحكيم، على اعتبار أن المدير لا يملك حق التصرف في أموال الشركة.
لحل هذه الإشكالية يتعين الرجوع إلى عقد الشركة أو إلى النظام الأساسي لمعرفة الاختصاصات المخولة للمدير أو المتصرف ،أما في حالة سكوتهما فلا بد من التمييز بين حالتين:[39]
-
حالة ما إذا كان المدير أو المتصرف شريكا، حيث يجوز له إبرام اتفاق التحكيم لأنه يملك في هذه الحالة حق الإدارة والتصرف، عملا بالفصل 1023 من ق ل ع الذي جاء فيه “للشريك المكلف بالإدارة بمقتضى عقد الشركة أن يجري برغم معارضة باقي الشركاء كل أعمال الإدارة. بل كل أعمال التصرف الداخلة في غرض الشركة”.
-
حالة ما إذا لم يكن المدير شريكا، ففي هذه الحالة لا يجوز له إبرام اتفاق التحكيم لأنه يكون بمثابة وكيل يلزمه الحصول على إذن أو وكالة خاصة.
المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالمحكمين.
بالرجوع إلى ق م م نجد أنه سكت عن تحديد الشروط الواجب توافرها في المحكمين، وهو ما لم يتلافاه مشروع مدونة التحكيم، والذي لم يتطرق سوى لشرط التمتع بالحقوق المدينة.
وفي مقابل هذا الموقف السلبي للمشرع المغربي، نجد أن بعض التشريعات عمدت إلى تحديد الشروط الواجب توافرها في المحكمين، ومن ذلك المادة 508 من قانون المرافعات السوري التي جاء فيها لا يصح أن يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية. وفي نفس الإطار تسير المادة 16 من قانون التحكيم المصري لسنة 1994 والتي تنص على أنه “لا يجوز أن يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد إليه باعتباره”.
وأمام هذا الفراغ على مستوى التشريع المغربي فإننا نصادف مجموعة من الإشكاليات منها:
أولا: هل يمكن أن يكون المحكم امرأة: بالرجوع إلى بعض التشريعات المقارنة نجد أنها حسمت المسألة حينما سمحت للمرأة بأن تكون محكما. وهو ما نصت عليه المادة 16 الفقرة الثانية من قانون التحكيم المصري والتي جاء فيها :”لا يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك”.
ومن جانبنا فإننا نرى أنه لا مانع من أن تتولى المرأة مهمة التحكيم طالما كانت متوفرة على الأهلية والكفاءة اللازمة لذلك. خاصة وأنها تستطيع مزاولة مهمة القضاء فكيف لا نسمح لها بمزاولة مهمة التحكيم.
ثانيا: مدى جواز أن يكون المحكم من غير ذوي الخبرة بموضوع النزاع:
لقد تضاربت الآراء الفقهية لحل هذه الإشكالية، بين من يجيز ذلك ومن يمنعه. حيث يقول البعض[40]، بعدم اشتراط أن يكون المحكم عالما بالقانون ولو كانت المسألة المعروضة عليه قانونية، وبالتالي لا يشترط أن يكون المحكم متخصصا في المسألة المتنازع عليها والمعروضة عليه.وفي مقابل هذا الاتجاه يرى البعض الآخر أنه لا مناص من أن يكون المحكم من ذوي الخبرة في موضوع النزاع المعروض عليه، مما يغنيه عن اللجوء إلى الاستعانة بالخبراء حتى يحقق مصلحة الأطراف. وهذا ما نصت عليه المادة 4 من نظام التحكيم السعودي التي جاء فيها “يشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة، حسن السير والسلوك…”
ومن جانبنا نرى أنه من اللازم أن يكون المحكم من ذوي الخبرة حتى يحقق الغاية الأساسية من التحكيم والتي تكمن في حل النزاع بسرعة وبطريقة ترضي الأطراف، ونعتقد أنه لا يتأتى ذلك إلا إذا كان المحكم من ذوي الخبرة في موضوع النزاع وإلا فإن الأطراف سيفضلون القضاء على التحكيم المفتقد للخبرة.
ثالثا: مدى جواز تحكيم القضاة.
بالرجوع إلى بعض التشريعات المقارنة ومنها التشريع المصري، نجد أنها تمنع كأصل عام القضاة من مزاولة مهمة التحكيم ولو بدون أجر وحتى وإن لم يكن النزاع معروضا على القضاء. وفي نفس السياق يرى بعض الفقه[41] أنه لا يمكن تحكيم محكمة بكاملها، أو تحكيم رئيس المحكمة تحت طائلة البطلان. وذلك لأن المحكمة تصدر أحكاما ذات قوة وحجية ولا تعتمد على أي أمر اخر لتنفيذ أحكامها. وبالتالي لا يمكنها أن تنحدر فتصدر حكما لا يمكن تنفيذه إلا باستصدار أمر ولائي من رئيس المحكمة.
أما على مستوى التشريع المغربي وأمام الفراغ القانوني في هذا الإطار، فلا مانع من أن يتولى القاضي مهمة التحكيم ما لم يوجد نص خاص يمنعه من ذلك. وإن كان بعض الفقه يرى بأن الزج بالقضاة في التحكيم يبعدهم عن رسالتهم وواجباتهم، وهو ما يستوجب تدخل المشرع لسد هذا الفراغ بنصوص صريحة تضمن الاستقرار وتحمي الدولة[42].
ومن جانبا نرى أنه من الأفضل إبعاد القضاة عن نطاق المهمة التحكيمية وأن يكتفوا بالمهمة الملقاة على عاتقهم من قبل الدولة للفصل في المنازعات القضائية ما لم يتفق الأطراف على اختيار القاضي ليقوم بدور المحكم شريطة عدم وجود ما يمنع ذلك
خاتمـــة
بالرغم من الإنتقادات الموجهة للتحكيم كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات التجارية، فإن الواقع الملي يكشف بشكل واضح عن ازدياد اللجوء إليهأ خاصة في العقود الدولية، حتى أنه يمكن أن نجزم أن الأصل في تسوية المنازعات الناشئة عن هذه العقود هو التحكيم، وأن اللجوء إلى القضاء هو الاستثناء. ومن هنا ازداد الاهتمام به في مختلف الدول سواء في مجال التشريعات أو إنشاء مراكز التحكيم أو عقد الندوات والمؤتمرات الخاصة به. مما يدعو إلى التفكير في العمل على تنميته وتطويره وإزالة العقبات التي تحول دون تنفيذ الحكم التحكيمي.
إلا أن أبرز تحد يثيره التحكيم يتعلق بما يسمى بالتحكيم الافتراضي، أو ما يسمى بالتحكيم بواسطة الأنترنت، خاصة وأن مشروع مدونة التحكيم لم يتطرق إليه. وهو ما يدفعنا للتساؤل عن كيفية حل المشاكل التي تترتب عن إعمال قواعد هذا النوع من التحكيم. وهل سيكون مشروع مدونة التحكيم قادرا على حل الإشكاليات التي سيطرحها مستقبلا ؟ أم أننا سنكون بحاجة لصدور مدونة خاصة بالتحكيم الإلكتروني ؟ …
تم بحمد الله وحسن توفيقه
لائحة المراجع
-
أحمد شكري السباعي: التحكيم التجاري في النظام القانوني المغربي. مجلة الاجتهاد القضائي في المادة التجارية والضمانات القانونية للاستثمار. العدد 2 سنة 2002
-
أحمد شكري السباعي: الوسيط في قانون التجارة المغربي والمقارن. دار النشر المعرفة
-
عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية. المطبعة والوراقة الوطنية. الطبعة الثانية مراكش 2003
-
أحمد أبو الوفاء: التحكيم الاختياري والإجباري. منشأة المعارف. الإسكندرية الطبعة الخامسة. سنة 2000.
-
ليلى بنجلون: التحكيم التجاري في القانون المغربي والتشريعات العربية. مجلة دفاتر المجلس الأعلى. العدد2 . سنة 2002.
-
محمود السيد عمر التحيوي: التحكيم في المواد المدنية والتجارية. دار الجامعة الجديدة للنشر. الإسكندرية. سنة. 1999
-
محمود السيد عمر التحيوي: أركان الاتفاق على التحكيم وشروط صحته. دار المطبوعات الجامعية. الإسكندرية. سنة 2001
-
محمود هاشم: النظرية العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية. طبعة 1990
-
علي بركات: خصومة التحكيم في القانون المصري والمقارن. دار النهضة العربية طبعة 1966.
-
عبد اللطيف مشبال: القاضي الوطني والتحكيم التجاري الدولي. مجلة دفاتر المجلس الأعلى العدد 2 سنة 2002.
-
عز الدين الكتاني: التحكيم وآفاقه على ضوء الواقع المغربي. مجلة الاجتهاد القضائي في المادة التجارية والضمانات القانونية للاستثمار. العدد 2 سنة 2002.
-
حمزة حداد: اتفاق التحكيم التجاري الدولي: مقال منشور في موقعlac.com
-
عبد المجيد غميجة : قراءة في مشروع مدونة التحكيم ندوة بعنوان الطرق البديلة لتسوية المنازعات. منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية الطبعة الأولى. العدد 2 سنة 2004.
-
محمد الوكيلي: تحكيم البنك الدولي لتسوية خلافات الاستثمار بين دولة وشخص خاص أجنبي . أطروحة لنيل دكتوراه الدولة. نوقشت بالرباط. سنة 1982.