الأثر الإجرائي للواقع والقانون أمام محكمة النقض – تقرير حول مناقشة رسالة الماستر في القانون الخاص من اعداد الباحث : اسكسو محمد
تقرير من إعداد الطالب اسكسو محمد
ناقش الطالب محمد اسكسو رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، تخصص قانون المنازعات، بالكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية بتاريخ 29/12/2022، حول موضوع “الأثر الإجرائي للواقع والقانون أمام محكمة النقض”، حيث تكونت لجنة المناقشة من الدكتورة فاطمة الزهراء علاوي رئيسة ومشرفة، والدكتور يونس الصالحي مشرفا، والدكتور محمد حمزة بولحسين عضوا، والدكتور عبد اللطيف الكالعي عضوا.
وقد تناول الموضوع نقطة إجرائية متميزة تتمثل في الفصل بين مسائل الواقع ومسائل القانون أمام محكمة النقض، إضافة إلى نقطة أساسية وهي الرقابة التي تمارسها هذه الأخيرة على محاكم الموضوع خصوصا في المادة المدنية، وقد تطرق إلى تعريف الأثر الإجرائي باعتباره كل ما يترتب عن الإجراءات التي يوجبها قانون المسطرة المدنية وغيره من القوانين الإجرائية، من جزاءات سواء كانت إيجابية أو سلبية، وتبعا لذلك تراقب المحكمة اتخاذ الإجراءات الصحيحة وترتب أثار البطلان أو الصحة. وارتباطا بذلك فقد عالج الموضوع إشكالية محورية تتمثل في إقامة نوع من المقارنة بين وظيفة قاضي الموضوع وقاضي النقض عند الفصل في النزاع، أو بصيغة أخرى التمييز بين ما يدخل في صلب الواقع وهو من إطلاقات السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، وما يندرج ضمن مسائل القانون تراقبه محكمة النقض وتحديد الأثر الإجرائي المترتب على ذلك.
وقد انطلاق الموضوع من القاعدة العامة المعمول بها في المادة المدنية، بكون محكمة النقض هي محكمة قانون لا واقع بحيث أن مناقشة الوقائع أمامها غير مقبول، وعلى إثر ذلك تم طرح إشكالية رقابة محكمة النقض لقاضي الموضوع في مجال القانون من خلال العديد من الموضوعات ذات الصلة بالقانون، من قبيل الرقابة على الظهائر الملكية، وقواعد الفقه الإسلامي، والعرف والقانون الأجنبي، وتم الخلوص إلى أن محكمة النقض وإن كانت محكمة قانون فإن درجة الرقابة تتفاوت من موضوع لأخر.
تم عالج أيضا السلطة التقديرية لقاضي الموضوع وعلاقتها برقابة محكمة النقض، إذ أن تتبع نشاط قضاة الموضوع من طرح النزاع أمامهم إلى حين الفصل فيه، يعد من أصعب الموضوعات الإجرائية، لأنه تمت تداخل كبير بين الواقع والقانون في هذا الصدد، فإن كان طرح النزاع على القاضي وإعمال قواعد الإثبات من المسائل الواقعية التي يستقيل بها قاضي الموضوع دون أي معقب عليه من طرف محكمة النقض، فإنه حال الانتقال إلى تكييف هذا الواقع وإنزال حكم القانون ننتقل إلى مسائل القانون التي تراقبها محكمة النقض، وتنقض كل حكم يخالف ذلك.
لكن هذا لا يعني بأن التكييف مسألة قانونية، لأنه في كثير من الأحايين نجد أن محكمة النقض تترك لقاضي الموضوع سلطة تكييف العديد من المفاهيم، وعليه فإن مسألة تحديد الواقع والقانون أمام محكمة النقض، وكذلك فصل الواقع والقانون في الدعوى مسألة صعبة لعدم وجود أي معيار لذلك، وتتعقد المسألة حينما تتم مقاربة ذلك من زاوية تحديد الأثر الإجرائي.
أما فيما يخض الإشكالية الثانية فلقد حاول الموضوع أن يقلب القاعدة ويناقش مسالة الرقابة التي تمارسها محكمة النقض على قضاة الموضوع في مجال الواقع، وهي في الحقيقية إشكالية لا وجود لأي تأطير تشريعي لها، بل تم الاتفاق في جل التشريعات على أن محكمة النقض هي محكمة قانون وليس واقع، وبالتالي ينحصر اختصاصها في نقض الأحكام المخالفة للقانون فقط، دون الخوض في المسائل الواقعية، لكن ومع ذلك فلقد أفرزت الممارسة القضائية بعض الحالات التي تمتد فيها رقابة محكمة النقض إلى بعض اختصاصات قضاة الموضوع من جهة، أي بعض الحالات التي تبت فيها محكمة النقض كمحكة موضوع، تم رقابتها على قضاة الموضوع في مجال الواقع من جهة ثانية.
وهكذا فإنه على مستوى وسائل النقض نجد البعض منها لها علاقة بقاضي الموضوع، وذلك من قبيل انعدام التعليل الواقعي للحكم القضائي، فمحكمة النقض عندما تراقب الأساس الواقعي للحكم، فإنها تراقب واقع الدعوى من حيث مدى كفاية الأسباب الواقعية للحكم التي، أو بعبارة أخرى يجب على قضاة الموضوع حالة إعمالهم لسلطتهم التقديرية واستخلاص الواقع تعليل ذلك بشكل يضمن رقابة محكمة النقض.
ارتباطا بذلك فإن محكمة النقض وإعمالا لدورها الإنشائي للقواعد القانونية، فقد أسست تقنية جديدة تتمثل في استبدال التعليل الواقعي والقانوني، وذلك حالة كون المنطوق صحيحا، وذلك تفاديا لهدر الزمان القضائي، وفي الختام تم إيراد بعض أسباب الطعن بالنقض التي لها ارتباط وثيق بواقع الدعوى.
وعليه فإن الملاحظ بأن الأثر الإجرائي المترتب عن مسائل الواقع والقانون أمام محكمة النقض، غير واضح المعالم بعد، ويرجع السبب في ذلك إلى أن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في المادة المدنية تتسع وتضيق وفقا لمجموعة من المحددات القانونية، إذ أن قاضي الموضوع في علاقته بمحكمة النقض غير محددة، ففي بعض الأحايين قد تقول محكمة النقض أن ذلك مسألة قانون، وفي أحايين أخرى تقول بأن ذلك مسألة واقع، أي أن هناك نوع من عدم الاستقرار في هذا المجال، هذا بالإضافة إلى غياب معيار عام لتحديد مسائل القانون ومسائل الواقع أمام محكمة النقض، على الرغم من أن محكمة النقض أنيط بها مهمة توحيد الاجتهاد القضائي لمحاكم الموضوع.