الأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية في التشريع الموريتاني – محمد عبد الرحمن أحمدو ولد أبُّو
الأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية في التشريع الموريتاني
محمد عبد الرحمن أحمدو ولد أبُّو
دكتور في القانون
الملخص
تتعلق هذه الدراسة بالاحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية والعقوبات المقررة لكل من الفاعل الأصلي للجريمه والمشارك والمساهم فيها. وما دامت المساهمة في الجريمة تعني المشاركة في تنفيذها فأن كل المشاركين في تنفيذ الجريمة يعتبرون مساهمين أصليين لأنهم قاموا بالدور الرئيسي في تنفيذ الجريمه. أما إذا كان المشارك أو المساهم في الجريمه لم ينفذ الجريمه بشكل مباشر لكنه ساهم في تنفيذها بتوفير وسائل في ارتكاب الجريمه كمن يعير سيارته للمجرم وهو يعلم أنه سيرتكب بها جريمة أو وفر السكن للمجرمين أو قام بتقديم هبات ومساعدات بهدف تنفيذ الجريمه فإن المشارك أو المساهم في هذه الحاله يعتبر مساهما بالتبعيه وقد تطرقنا في هذه الدراسه لتعريف أنواع المساهمه والعقوبات المقرره لكل منها طبقا للقوانين الموريتانيه.
Astract
This study addresses the specific provisions regarding criminal participation and the penalties assigned to each role: the main perpetrator, accomplice, and accessory in a crime. Since participation in a crime involves contributing to its execution, all individuals involved in carrying out the crime are considered principal contributors, as they played a central role in its commission. However, if an accomplice or accessory did not directly commit the crime but assisted in its execution by providing means for the crime—such as lending their car to the criminal with knowledge of its intended use, offering shelter to the criminals, or providing gifts or assistance aimed at facilitating the crime—then the accomplice or accessory is considered an accessory by association. This study examines the definitions of different types of participation and the penalties prescribed for each, according to Mauritanian law.
تمهيد:
الجريمة كنشاط إجرامي قد يرتكبها شخص بمفرده دون مساهمة من أحد معه في تنفيذ الجريمة فيكون الشخص الذي ارتكب الجريمة هو الفاعل الأصلي للجريمة ويسمى فاعلا وحيدا أو فاعلا أصليا فيتوفر في حقه الركن المادي والمعنوي للجريمة ويكون مسئولا عنها.
غير أن الجريمة قد تقع من طرف عدة أشخاص يتعاونون فيما بينهم على ارتكابها فيصدر عن كل منهم فعل أو عدة أفعال بهدف تحقيق الواقعة الإجرامية، فهي بالنسبة لهم مشروع إجرامي موحد بينهم ويساهم كل منهم بدور معين من أجل تحقيق مشروعهم الإجرامي ويكون كل منهم مسئولا عنه جنائيا؛ ولهذا تفترض المساهمة الجنائية وحدة الجريمة وتعدد الجناة، مما يعني أن المساهمة الجنائية تستلزم تدخل أكثر من جان في ارتكاب جريمة واحدة، لذلك تعرف المساهمة الجنائية أو ما يطلق عليه بعض الفقه الاشتراك الإجرامي
بأنها: الحالة التي ترتكب فيها جريمة واحدة من قبل شخصين أو أكثر بالتوافق بينهم على توزيع الأدوار بينهم من أجل ارتكابها بشرط أن تكون هذه الجريمة يمكن أن تقع من أي فرد منهم[1]، مما يعني أن ارتكاب عدة أشخاص لجرائم مختلفة لا تترتب عليه المساهمة الجنائية إذ يشترط في المساهمة الجنائية ارتكاب شخصين أو أكثر لجريمة واحدة وذلك بتقسيم الأدوار بينهم والاتفاق على تنفيذ الفعل الإجرامي، وفي هذه الحالة يعتبر كل من شارك في تنفيذ الجريمة مساهما في تنفذها[2] وتترتب عليهم المسؤولية الجنائية ويعاقبون بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي للجريمة؛ طبقا لما أشار له المشرع الموريتاني في المادة 53 من القانون الجنائي.
تتجلى الأهمية النظرية لهذا الموضوع في تسليط الضوء على الاحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية فى التشريع الموريتاني؛ وكذا التمييز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية؛ وكذا العقوبات المقررة للمساهمين في الجريمة؛ مع بيان حدود المسئولية الجنائية لكل من الفاعل الأصلي والمساهم في الجريمة….
أما الأهمية العلمية لهذا الموضوع فتتجلي فيما يلي:
- مساعدة القضاء والجهات المختصة في تحديد المسئولية الجنائية للمساهم الأصلي والمساهم التبعي في الجنايات والجنح التي تكون فيها مساهمة جنائية بين عدة فاعلين في الجريمة الواحدة،
كما ستساعد هذه الدراسة في تحديد الأساس القانوني للمساهمة الجنائية؛ وكذا الجزاءات المترتبة على المسؤولية الجنائية في الجرائم المرتكبة من طرف عدة فاعلين ( المساهمة الجنائية)
- تساعد هذه الدراسة في التفرقة بين دور الفاعل الأصلي والمساهم التبعي في الجريمة ؛ وحدود المسئولية الجنائية لكل منهما.
وفي هذا الصدد سنحاول طرح الإشكال التالي:
إلى أي حد وفق المشرع الموريتاني في معالجة الأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية؟
لتتفرع منه الأسئلة التالية:
ما هي المساهمة الجنائية وما هي أنواعها؟
وما هي الطبيعة القانونية للمساهمة الجنائية؟ وما هي الآثار المترتبة علي المساهمة في الجريمة؟
فضل الباحث أن يعتمد في هذه الدراسة على المنهج التحليلي؛ حيث سيتم تحليل الأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية في التشريع الموريتاني استنادا على النصوص القانونية التي تتعلق بهذه الدراسة مع الإجابة على تساؤلات الدراسة والرجوع إلى الدراسات السابقة والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع.
بناء على هذا المنهج الذي اعتمدنا في دراسة وتحليل الأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية في التشريع الموريتاني؛ فإن معالجة الإشكالية الرئيسية والتساؤلات الفرعية المرتبطة بها ستكون وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: مفهوم المساهمة الجنائية
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية للمساهمة الجنائية
المبحث الأول: مفهوم المساهمة الجنائية
تقوم المساهمة الجنائية على ثلاثة أركان هي وحدة الجريمة وتعدد الجناة ووقوع الجريمة فعلا، فالمساهمة الجنائية تتحقق في الحالات التي يرتكب فيها أكثر من شخص جريمة واحدة أو أكثر بشرط توافقهم وتنفيذهم للجريمة بشكل جماعي ومتفق عليه؛ مما يعني أن الجريمة المرتكبة من شخص واحد لا تتحقق بها المساهمة الجنائية ولو تعددت جرائمه، ففي هذه الحالة نكون أمام تعدد الجرائم وليس المساهمة الجنائية.
كما أن تعدد الجناة وتعدد جرائمهم لا يعتبر مساهمة الجنائية ما دام كل منهم نفذ جريمته بشكل مستقل حتى ولو ارتكبوا هذه الجرائم في نفس المكان والزمان أو كان باعثها مشتركا كما هو الحال بالنسبة للجرائم التي تقع أثناء المظاهرات.
وفي هذا الصدد سنتطرق لأنواع المساهمة الجنائية في المطلب الأول لنتطرق في المطلب الثاني لعناصر المساهمة الجنائية.
المطلب الأول: أنواع المساهمة الجنائية (صور المساهمة في الجريمة)
رجحت أغلب التشريعات العربية كفة النظام التقليدي الذي يميز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية نظرا لأن هناك فروق جوهرية بين الفاعل الأصلي والشريك من الناحيتين (المادية والمعنوية) يمكن التمييز من خلالها بين الفاعل الأصلي والمساهم في الجريمة.
فالمعيار الشخصي يعتمد على إرادة المساهم لأن المساهم الأصلي – حسب هذا المعيار- هو من توافرت في نيته أن يكون فاعلا أصليا، حيث يرى نفسه أنه من قام بالأفعال الجوهرية للجريمة.
أما من اتجهت إرادته إلى مجرد المساعدة في تنفيذ الجريمة فهو شريك أي مساهم تبعي، غير أن هذا المعيار يؤخذ عليه أنه يصعب فيه التمييز بين المساهم الأصلي والمساهم التبعي لأن نية المساهم في الجريمة يصعب إدراك حقيقتها فهي أمر داخلي؛ بينما المعيار الموضوعي يعتمد أنصاره على طبيعة الفعل المرتكب فالمساهم الأصلي هو من يقوم بالفعل الأكثر خطورة أي يرتكب عملا من أعمال التنفيذ المادي للجريمة.
أما المساهم التبعي فيكون فعله أقل خطورة؛ وفي هذا الصدد سنتطرق للمساهمة الجنائية الأصلية في الفقرة الأولى، لنتطرق في الفقرة الثانية المساهمة التبعية.
الفقرة الأولى: المساهمة الأصلية
يقصد بالمساهمة الأصلية ممارسة الشخص للدور الرئيسي في ارتكاب الجريمة؛ فإذا قام بالدور الرئيسي في الجريمة شخص واحد أطلق عليه الفاعل الأصلي للجريمة؛ وكذلك الأمر إذا قام عدة أشخاص بتنفيذ الجريمة فإنه يطلق عليهم الفاعلين الأصليين؛
ومما يحسن التنبيه إليه في هذا الصدد أن المساهمة الأصلية ثلاثة أنواع فقد يكون الجاني هو الفاعل المباشر؛ كما أنه قد يكون الفاعل شخصا محرضا على ارتكاب الجريمة؛ أو فاعلا معنويا وهو من يأمر شخصا عديم الاهلية بفعل أمر مجرم.
1 – الفاعل المباشر: يقصد بالفاعل المباشر ذلك الشخص الذي يقوم بتنفيذ الجريمة بطريقة مباشرة.
2 – المحرض هو الشخص الذي يحرض شخصا آخر على ارتكاب الجريمة ويحمله على ارتكابها؛ ونظرا لخطورة ما يقوم به المحرض من تحريض للآخرين على ارتكاب الجرائم فقد أخضع المشرع الموريتاني لنفس الأحكام التي تطبق على الفاعل المباشر؛ وقد تطرق المشرع الموريتاني لوسائل التحريض في القانون الجنائي حيث ذكر وسائل التحريض على سبيل المثال في المادة 54 من القانون الجنائي في حين أن الفاعل المعنوي لم يحدد الأساليب التي يقوم بها.
3 – الفعل المعنوي: قد يلجأ المجرم في بعض الأحيان إلى ارتكاب الجريمة بطريقة غير مباشرة فيأمر شخصا ليس مسئولا جنائيا ليقوم بتنفيذ الجريمة نيابة عنه؛ ويسمى الفاعل الأصلي في هذه الحالة بالفاعل المعنوي أو الذهني كما يطلق عليه بعض الفقه الفاعل الجبان.
الفقرة الثانية: المساهمة التبعية أو الثانوية ( المشاركة)
يقصد بالمساهمة التبعية أو ما يعرف بالاشتراك في الجريمة أن يقوم شخص أو عدة أشخاص بمساعدة مادية أو معنوية للفاعل الأصلي؛ لذا فإن دور الشريك في الجريمة يكون مختلفا عن دور الفاعل الأصلي؛ حيث يقوم الفاعل الأصلي بتنفيذ الجريمة أو جزء من ما دياتها، في حين يكون دور الشريك ثانويا ومتمثلا في مساعدة الفاعل الأصلي[3] أو إيوائه دون أن يشارك في التنفيذ الفعلي للجريمة؛ ويتضح ذلك من خلال صور المشاركة في الجريمة التي يمكن إجمالها في الحالات التالية:
- أمر الشخص بارتكاب الجريمة[4] ؛
- التحريض على ارتكاب الجريمة ويجب أن يكون هذا التحريض بدفع المحرَض على تنفيذ الجريمة[5] ؛
- المساعدة في ارتكاب الجريمة: وذلك بتقديم وسائل[6] تساعد في تنفيذ الجريمة بغض النظر عن نوعيتها أسلحة كانت أو أدوات أو أي شيء يساعد في تنفيذ تلك الجريمة[7]؛
- إيواء الأشرار الذين يمارسون اللصوصية[8] أو العنف ضد الدولة أو الأمن العام أو الأشخاص[9].
جدير بالذكر أن المساهمة الثانوية ( المشاركة) في حد ذاتها تعتبر أعمالا تحضيرية كما رأينا في صور المشاركة المذكورة أعلاه؛ ولا يعاقب عليها لذاتها؛ إلا أن هذه الأعمال إذا انتهت بارتكاب الفاعل الأصلي للجريمة أو الشروع فيها؛ ففي هذه الحالة تدخل أعمال الشريك في دائرة التجريم ويعاقب على فعله الذي يعتبر مشاركة في الجريمة[10]؛ ولو لم تقع الجريمة التي كانت هدف المتآمرين على ارتكاب الجريمة[11].
وفي هذا الصدد نص المشرع الموريتاني في المادة 54 من القانون الجنائي على أنه: (يعاقب كمشاركين في فعل موصوف بأنه جناية أو جنحة كل من تسببوا في وقوعه بتقديم هدايا أو وعود أو تهديدات أو بتجاوز السلطة أو باستعمال المكائد أو الحيل أو أعطوا تعليمات لاقترافه؛ وكذلك كل من يعينون أو يساعدون الفاعل أو الفاعلين في الوقائع التي أعدت للجريمة أو سهلتها أو ساعدت في إنجازها مع العلم بذلك؛ وذلك دون إخلال بالعقوبات الخاصة التي ينص عليها هذا القانون ضد مرتكبي المؤامرات أو المحرضين الرامية إلى الإخلال بالأمن الداخلي أو الخارجي للدولة ولو في الحالة التي تكون فيها الجناية التي كانت هدف المتآمرين أو المحرضين لم تقع فعلا).
المطلب الثاني: عناصر المساهمة الجنائية
يعاقب المشرع على الجريمة عندما تكتمل أركانها بغض النظر عن من قام بها ؛ فقد يرتكب الجريمة شخص واحد أو عدة أشخاص ، إلا أن الجريمة عندما ترتكب من طرف عدة أشخاص بشرط اتفاقهم وتنسيقهم على ارتكابها نكون أمام مساهمة جنائية، غير أن المساهمة الجنائية حتى تقوم عناصرها يجب أن تكون الجريمة الواحدة مرتكبة من طرف عدة أشخاص وتجمع بين هؤلاء الأشخاص رابطة معنوية واحدة لتنفيذ الجريمة؛ ولذلك تقتضي المساهمة الجنائية وجود عنصرين هما: وحدة الجريمة وتعدد الجناة وسنتطرق لهما في الفقرتين التاليتين:
الفقرة الأولى: وحدة الجريمة
تقوم وحدة الجريمة على وحدتين أساسيتين هما الوحدة المادية للجريمة والوحدة المعنوية للجريمة.
أولا: الوحدة المادية للجريمة
تتحقق الوحدة المادية للجريمة بمساهمة فعل كل مساهم في تحقيق نتيجة واحدة لتتم بها الجريمة.
ثانيا: الوحدة المعنوية للجريمة
تتحقق الوحدة المعنوية للجريمة بقيام رابطة ذهنية تجمع بين المساهمين في الجريمة بهدف تحقيق مشروع إجرامي واحد وذلك بالتنسيق بينهم أي باتفاق بينهم على قيام كل منهم بدور معين في تنفيذ الجريمة.
فإذا تحقق هذان العنصران تقوم المساهمة الجنائية لمجموعة من الجناة في جريمة واحدة.
جدير بالذكر أن أدوار المساهمين في الجريمة قد تكون متساوية، كما أنه قد يكون لواحد من المجرمين دور رئيس في تنفيذ الجريمة؛ ويكون دور بقية المساهمين دور ثانوي في تنفيذ العمل الإجرامي ( الجريمة)، وفي هذه الحالة يصنف الفاعلون على أن من بينهم فاعل أصلي وفاعل تبعي[12].
الفقرة الثانية: تعدد الجناة
يقصد بتعدد الجناة ارتكاب جريمة واحدة من طرف عدة أشخاص ولهذا اختلف الفقه في إمكانية تحديد دور كل مساهم في الجريمة وهو ما نتج عنه ظهور عدة آراء.
أولا: نظام التوحيد بين المساهمين
يرى أنصار هذا المذهب أنه ليس من المنطق أن نميز ونفرق بين أفعال الجناة لأن كل مساهم مسئول جنائيا مسؤولية كاملة باعتباره فاعلا للجريمة؛ مما يعني أن أنصار هذا المذهب استبعدوا التفرقة بين الفاعل الأصلي والشريك، وقد تعرض أنصار هذا المذهب لعدة انتقادات[13] من بينها: أن هذا المذهب يتعارض مع أهداف المعاملة العقابية التي تحدد معاملة كل شخص على أساس دوره وخطورته الإجرامية[14].
ثانيا: ضرورة التمييز بين الفاعل والشريك في المساهمة الجنائية
اعتمدت أغلب التشريعات هذا المذهب الذي يؤكد ضرورة التمييز بين الفاعل والشريك في الجريمة لأنه ليس من المنطقي أن يتساوى من يقوم بدور رئيس في تنفيذ الجريمة مع من يقوم بدور ثانوي فيها وعلى هذا الأساس فإن المساهمين في الجريمة ينقسمون إلى فئتين هما:
- فاعلين أو مساهمين أصليين؛
- شركاء أو فاعلين تبعيين
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية للمساهمة الجنائية
سنتطرق في هذا المبحث للشروط الخاصة بتحقق المساهمة الجنائية؛ في المطلب الأول، لنتطرق في المطلب الثاني للآثار المترتبة على المساهمة الجنائية في المطلب الثاني.
المطلب الأول: شروط تحقق المساهمة الجنائية
تتحقق المشاركة في الجريمة بتوافر مجموعة من الشروط؛ ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى شروط تتعلق بالفعل المجرم وسيتم التطرق لها في الفقرة الأولى؛ إضافة إلى مجموعة من الشروط تتعلق بالمساهم في الجريمة، وسنتطرق لها في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: الشروط الخاصة بالفعل المجرم ( الجريمة)
يشرط الفقه في تحقق المساهمة الجنائية في الفعل المجرم مجموعة من الشروط يمكن إجمالها فيما يلي:
- أن تكون الجريمة التي قام بها الفاعل الأصلي جناية أو جنحة[15]؛ فإن كانت مخالفة فإن المشارك لا يعاقب على أساس المشاركة في المخالفة.
- ضرورة وجود علاقة بين الفعل الذي قام به المشارك وتنفيذ الجريمة التي نفذها الفاعل الأصلي .
- أن تكون الجريمة التي قام بها الفاعل الأصلي لها عقوبة محددة.
الفقرة الثانية: الشروط الخاصة بالمجرم
يشترط في تحقق المساهمة الجنائية أن تتوفر في المساهم في الجريمة مجموعة من الشروط من أهمها:
- ضرورة علم المشارك بما ينوي الفاعل الأصلي القيام به[16]من أفعال مجرمة[17].
- أن تكون هناك عقوبة مقررة للفاعل الأصلي؛ فإذا عدل الفاعل الأصلي عدولا اختياريا أو أعفي الفاعل الأصلي من العقاب فإن المشارك يلحقه ذلك الإعفاء[18].
المطلب الثاني: الآثار المترتبة على المساهمة الجنائية
بعدما تطرقنا في المطلب الأول للشروط الخاصة بالمساهمة الجنائية سنتطرق في هذا المطلب للآثار المترتبة على المساهمة الجنائية وذلك من خلال بيان العقوبات المقررة للمساهمين في الجريمة في الفقرة الأولى؛ لنتطرق في الفقرة الثانية لتأثير الظروف المشددة والمخففة على عقوبة المساهمة الجنائية.
الفقرة الأولى: العقوبات المقررة على المساهمين في الجريمة
حدد المشرع الموريتاني العقوبات المقررة للمساهمين في الجريمة سواء كانوا فاعلين أصليين؛ أو مساهمين في الجريمة أو فاعلين معنويين حيث نص المشرع في المادة 53 من القانون الجنائي[19] على أن عقوبة المشارك هي نفسها عقوبة الفاعل الأصلي في حالة ارتكاب جناية أو جنحة,
الفقرة الثانية: تأثير الظروف المشددة والمخففة على عقوبة المساهمة الجنائية
نص المشرع الموريتاني في المادة 59 من القانون الجنائي على أنه: (( لا عذر ولا تخفيف في جناية أو جنحة إلا في الحالات والظروف التي ينص القانون فيها على أن الواقعة قابل للعذر أو يأذن فيها بتطبيق عقوبة أخف)).
كما نص في المادة 53 من القانون الجنائي على أن عقوبة المشارك هي نفسها عقوبة الفاعل الأصلي في حالة ارتكاب جناية أو جنحة, حيث ورد في المادة أعلاه: (( إن المشاركين في الجنايات أو الجنح يعاقبون بنفس العقوبة التي يعاقب بها مرتكبو الجناية أو الجنحة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك))
و من خلال ما ورد في المادة 53 من القانون الجنائي أعلاه يمكننا أن نستنتج ما يلي:
- أن عقوبة المشارك هي نفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي
- يتأثر الشريك بالظروف المشددة والمخففة.
- لا يتأثر الشريك بالظروف الشخصية العائدة لشخص الجاني ( الفاعل الأصلي) والتي يقتضي توافرها التشديد أو التخفيف من العقوبة أو إلغاؤها ما دامت لم تتوفر في الشريك شخصيا.
خاتمة:
بناء على ما تقدم توصل الباحث في هذه الدراسة المتعلقة بالأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية في التشريع الموريتاني إلى مجموعة من النتائج وقد أشفعناها بمجموعة من الاقتراحات يمكن ذكر أبرزها على النحو التالي:
أولا: النتائج
نظم المشرع الموريتاني الأحكام الخاصة بالمساهمة الجنائية في القانون الجنائي في مواد قليلة وبشكل موجز ومجمل.
جعل المشرع الموريتاني عقوبة المساهمين التبعيين هي نفسها العقوبة المقررة للفاعل الأصلي.
المساهمة الأصلية لا تتصور إلا في الجنايات والجنح دون المخالفات.
أن المساهم التبعي ( الشريك) لا يتأثر بالظروف الشخصية العائدة للجاني.
يشترط في قيام مسؤولية الشريك علمه بعزم وإصرار الجاني ( الفاعل الأصلي) على ارتكاب الجناية
يتأثر الشريك بالظروف المشددة والمخففة.
ثانيا: الاقتراحات
نقترح على المشرع الموريتاني تعديل النصوص الجنائية التي تنظم أحكام المساهمة في الجريمة؛ خاصة ما يتعلق منها بحالات إعفاء المشارك في الجريمة والتمييز بين دوره الثانوي ودور الفاعل الأصلي للجريمة.
ذكر حالات المساهمة الجنائية وتحديد العقوبات المقررة لكل منها
تحديد عقوبات تتناسب مع دور كل من الفاعل الأصلي والشريك في الجريمة.
جعل عقوبة المساهم التبعي ( الشريك) تتناسب مع دوره في تنفيذ الجريمة
المراجع:
أولا: الكتب
فوزية عبد الستار: ” شرح قانون العقوبات القسم العام” – النظرية العامة للجريمة- دار النهضة العربية ( دون ذكر الطبعة وتاريخ النشر).
منصور رحماني: “الوجيز في القانون الجنائي العام” دار الهدى الجزائر الطبعة الثانية 2005 .
نجم محمد صبحي: ” قانون العقوبات – القسم العام- النظرية العامة للجريمة” دار الثقافة للنشر والتوزيع –عمان الأردن؛ الطبعة الأولى؛ 2007.
ثانيا: المقالات
ختير مسعود: ” المساهمة الجنائية في جرائم الامتناع” مجلة دفاتر السياسة والقانون؛ العدد العاشر يناير 2014.
ضياء نعيم الصفدي” المساهمة الجنائية في الجرائم غير العمدية” ( دراسة خاضعة لأحكام التشريع الفلسطيني) مجلة الدراسات والبحوث القانونية؛ العدد: 1، 2023
ثالثا: القوانين:
- الأمر القانوني رقم 162-83 الصادر بتاريخ 9 يوليو 1983؛ المتضمن القانون الجنائي الموريتاني.
[1] ضياء نعيم الصفدي” المساهمة الجنائية في الجرائم غير العمدية” ( دراسة خاضعة لأحكام التشريع الفلسطيني) مجلة الدراسات والبحوث القانونية؛ العدد: 1، 2023
[2] فوزية عبد الستار: ” شرح قانون العقوبات القسم العام” – النظرية العامة للجريمة- دار النهضة العربية ( دون ذكر الطبعة وتاريخ النشر) ص: 328
[3] ختير مسعود: ” المساهمة الجنائية في جرائم الامتناع” مجلة دفاتر السياسة والقانون؛ العدد العاشر يناير 2014 ص: 294
[4] المادة 54 من القانون الجنائي
[5] المادتان 104- 83 من القانون الجنائي.
[6] المادة 54 من القانون الجنائي
[7] نجم محمد صبحي: ” قانون العقوبات – القسم العام- النظرية العامة للجريمة” دار الثقافة للنشر والتوزيع –عمان الأردن؛ الطبعة الأولى؛ 2007 ، ص: 98
[8] المادة 55 من القانون الجنائي
[9] الفقرة قبل الأخيرة من المادة 54 من القانون الجنائي
[10] حدد المشرع الموريتاني في المادة 54 من القانون الجنائي الأحكام الخاصة بالمشاركة في الجريمة حيث نص على أنه: ((يعاقب كمشاركين في فعل موصوف بأنه جناية أو جنحة كل من تسببوا في وقوعه بتقديم هدايا أو وعود أو تهديدات =أو بتجاوز السلطة أو باستعمال المكائد أو الحيل أو أعطوا تعليمات لاقترافه؛ وكذلك كل من يعينون أو يساعدون الفاعل أو الفاعلين في الوقائع التي أعدت للجريمة أو سهلتها أو ساعدت في إنجازها مع العلم بذلك؛ وذلك دون إخلال بالعقوبات الخاصة التي ينص عليها هذا القانون ضد مرتكبي المؤامرات أو المحرضين الرامية إلى الإخلال بالأمن الداخلي أو الخارجي للدولة….))
[11] الفقرة الأخيرة من المادة 54
[12] نجم محمد صبحي؛ مرجع سابق؛ ص: 100
[13] ختير مسعود؛ مرجع سابق؛ ص: 296
[14] منصور رحماني: “الوجيز في القانون الجنائي العام” دار الهدى الجزائر الطبعة الثانية 2005؛ ص: 134
[15] يمكن الرجوع للفقرة الأولى من المادة 53 من القانون الجنائي الموريتاني
[16] المادة 55 من القانون الجنائي
[17] المادتان 54-55 من القانون الجنائي
[18] منصور رحماني؛ مرجع سابق؛ ص: 138
[19] نص المشرع الموريتاني في المادة 53 من القانون الجنائي على ما يلي: (( إن المشاركين في الجنايات أو الجنح يعاقبون بنفس العقوبة التي يعاقب بها مرتكبو الجناية أو الجنحة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك))