الأمن العمومي بالمغرب بين هاجس الحماية و سطوة كورونا – محمد الملكي. باحث في العلوم القانونية
الأمن العمومي بالمغرب بين هاجس الحماية و سطوة كورونا
محمد الملكي. باحث في العلوم القانونية
يعتبر الأمن العمومي اساس استقرار كل دولة، فاذا ما نظرنا الى الدولة ككيان مستقبل عن الآمن، نجدها عبارة عن مرتع للفوضى و الخراب، اما في حال ما نظرنا اليها من زواية الآمن فنكون امام دولة تضمن الطمأنينة لأشخاصها و تحفظ حقوقهم و ممتلكاتهم.
وقد جاء في محكم الكتاب العزيز أن النبي إبراهيم عليه السلام لما خرج بزوجته هاجر وإبنه إسماعيل إلى مكة المكرمة، دعا ربه، قائلا : ” رب اجعل هذا بلدا آمنا. أكد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، على أهمية الأمن في حياة الناس ، فجعله قرين القوت والصحة ، فقال عليه الصلاة والسلام : “من أصبح آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده طعام يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا.
و للأمن دور رائد في المجال الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي، فمن الناحية الاقتصادية نجد أنه اساس تطور اقتصاد الدول فعن طريقه يستطيع المستثمر ان يضع مشاريعه بدون خوف او تردد، نظرا للامن الذي تكتسيه تلك الدولة باعتباره يستطيع ان يضمن حقوقه في حال التعدي على تلك المشاريع او ممتلكاته، اما من الناحية الاجتماعية نجد ان الاشخاص لا يستطعون العيش في دولة الخطر فيها قائما َ و حياتهم مهددة ، اما من الناحية السياسية فإستقرار النظام السياسي يجعل من الدولة تستقطب سياحا من مختلف الدول نظرا للآمن الذي يظفي كيانها، غير ان الظرفية التى يعيشها العالم المغرب خاصة على اثر وباء كورونا فرض على الجهاز الامني ان يكون اكثر يقظة و حركية، و ذلك بمختلف اجهزته، بحيث يجتمعون في دور واحد و هو تحقيق الامن العمومي، و ذلك رغم اختلاف مشاربهم بالنظر الى اختلاف صلاحية كل جهاز امني وفقا لما هو ممنوح لهم قانونا، غير انه رغم ذلك تبقى الغاية الكبرى من كل ذلك هي تحقيق المصلحة العامة.
وقد تأسست مديرية الأمن الوطني بمبادرة من الملك محمد الخامس في 16 ماي 1956، وتهدف إلى الدفاع عن مقدسات الدولة وإرساء الأمن والحرص على تطبيق القانون وحماية المواطنين وممتلكاتهم. كما تحرص على تأمين مختلف التجمعات الكبرى، والملتقيات الرياضية، والأنشطة العمومية، وتأمين مباريات كرة القدم والحد من الشغب.
و يكتسي موضوع الامن العمومي اهمية بالغة في المجتمعات، بإعتباره الساهر على نصر الضعيف و ردع الظالم و ذلك وفقا للقانون الجاري به العمل.
ومن أجل دراسة موضوعنا هذا، ارتأينا تقسيمه الى مطلبين، بحيث سنخصص المطلب الأول، لدور الجهاز الآمني في تحقيق الحماية الإجتماعية في ظل جائحة كورونا في حين سنعرج في المطلب الثاني عن العراقيل المصاحبة للجهاز الامني في ظل جائحة كورونا.
المطلب الأول: دور الجهاز الآمني في تحقيق الحماية الاجتماعية في ظل جائحة كورونا.
يعد المغرب سباقا و مبادرا على الدوام في ابرام اتفاقيات دولية أمنية غايتها الحفاظ على كرامة و حقوق مواطنيه و افشاء السلام و الأمن بين رعاياه ، نجد من بينها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من العقوبات أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1993. ، و المادة 03 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 التي نصت على الحق في الأمن والسلامة الشخصية و الطمأنينة للمواطن، كالتالي : ” لكل فرد حق في الحياة و الحرية و في الأمان على شخصه”. كذلك المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي جاء فيها بالحرف: لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه .
الفصل 21 من الدستور ما يلي : لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار إحترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. و الفصل 22 من الدستور على أنه : لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. وقد نص الفصل 20 على الحق في الحياة : الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق” . وبالتالي فعلى السلطات العمومية حماية سلامة المواطنين، ولا يجوز المس بسلامتهم الجسدية أو المعنوية، ولا معاملتهم معاملة قاسية أو لا إنسانية، ولا يمكن ممارسة التعذيب عليهم لأنه من أخطر الجرائم ويعاقب عليه القانون.
من خلال ما سبق، يتضح بأن الجهاز الامني ووفقا للدستور الذي يعد اسمى وثيقة في البلاد، ملزم بالحفاظ على سلامة الاشخاص و حفظ ممتلكاتهم في ظل الجائحة، و خاصة عقارات الجالية المقيمة بالخارج، مما قد يستغل الأشرار بعد ساعة حظر التجول فراغ الأزقة من المواطنين، مما يسهل عليهم الولوج الى هذه العقارات بسهولة من اجل السرقة. و اضافة الى ذلك فان الأمني ملزم بأن يفعل دوره الوقائي في ظل الجائحة ، من خلال توعية الأشخاص بخطورة الوباء و حثهم بإتخاذ التدابير الوقائية الذي ستطرتها وزارة الصحة، ثم تفعيل القوانين في حال مخالفة ذلك، كون تهور شخص في عدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة في تدابيره الوقائية قد يؤدي بتدهور مجتمع بأكمله. و بالتالي كان من اللازم على الجهاز الأمر ان يكون سباقا للنصح و الارشاد و الحوار الصحي، وفي حال العكس يكون تسطير القانون هو الحل المناسب لدرع و اعادة التوازن للأشخاص.
اولا: مرسوم 23 مارس 2020 حالة الطوارى :
تم التنصيص في المادة 4 من المرسوم بالقانون، على عقوبات حبسية (تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر) وغرامة مالية ( تتراوح بين 300 و1300 درهم)، في حق كل شخص لا يتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة من السلطات العمومية، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، بما فيها إجبارية ارتداء الكمامات في الأماكن العمومية، وهي جنح ضبطية بالنظر إلى مدة العقوبة الضبطية وفقا للمادة 18 مت قانون المسطرة الجنائية.
وقد جاء في نص المرسوم الجديد على أنه في حالة عدم أداء الغرامة التصالحية الجزافية، تتم إحالة المحضر على النيابة العامة المختصة، من قبل الضابط أو العون، وذلك داخل 24 ساعة من تاريخ معاينة المخالفة، قصد اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
وعليه، فإن الأمني ازاء هذه العقوبات التى يطبقها في حق المخالفين يساهم بحد كبير اولا في تنقيذ القانون و ثانيا في فرض حماية جماعية و ثالثا في اعطاء موعظة للأشخاص الأخرين بالعقوبات الزجرية التى تنتظرهم في حال مخالفة ذلك..
ثانيا : ظهير 23 فبراير 2010 المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني :
وفقا لظهير 23 فبراير 2010 المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني في فصله 16 ينص على انه يلزم موظفو الأمن الوطني بالتدخل، من تلقاء أنفسهم، خارج أوقات العمل العادية، لتقديم العون لكل شخص في خطر، ولمنع وزجر أي عمل من شأنه المساس بالنظام العام، ولحماية الأفراد والجماعات من الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات.ويعتبر الموظف الذي يتدخل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أو استنجاد من الغير، بمثابة من يمارس مهام الوظيفة بغض النظر عن الساعة التي تم فيها التدخل ومكانه وظروفه.
و بالتالي، فإن الأمني ملزم سواء في فترات عمله او بعدها بزجر كل مخالفي التدابير الوقائية و الصحية التي فرضتها وزاة الصحة، و تسطير المخالفات و زجر كل من تهاون في الحفاظ على سلامته من وباء كورونا و سلامة الناس،.ليكون عبرة للاخرين.
اما في ما يخص مقابل التفاني في هذا العمل، فإن المشرع المغربي اقر تعويضات و التي هي في الأصل عبارة عن تحفيزات مقابل اداء الواجب بتفاني المادة 7 من نفس الظهير تنص على انه تضمن لهم الدولة التعويض عن الأضرار الجسدية التي يمكن أن يتعرضوا لها خلال أو بمناسبة مزاولة مهامهم والتي لا تشملها التشريعات المتعلقة بمعاشات الزمانة ورصيد الوفاة.وفي هذه الحالة، تحل الدولة محل الضحية في الحقوق والدعاوى ضد مرتكب الضرر.
وهو ما تجلى في التعويضات التي منحها المدير العام للأمن الوطني بقراراه الاخير الذي يقضي بصرف مكافأة مالية بمناسبة نهاية السنة الجارية، استفاد منها مجموع موظفي الشرطة بجميع رتبهم ودرجاتهم، وفِي مختلف أسلاكهم وتخصصاتهم الوظيفية مقابل المردوية و التفاني في العمل.
ثالثا: ظهير 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
وفقا للمادة 23 من قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية فانه يجب على ضباط الشرطة القضائية أن يحرروا محاضر بما أنجزوه من عمليات وأن يخبروا وكيل الملك أو الوكيل العام للملك المختص فورا بما يصل إلى علمهم من جنايات وجنح.
بناء على ما سبق، فإن للجهاز الأمني رابطة وثيقة بين جهاز النيابة العامة، بخصوص ما ما يتلقونه من امور تهدد سلامة و حياة الأشخاص، وهدف ذلك هو التعاون بين الجهازين من أجل الحد من الجريمة و زجر الأشرار .
وفي ظل الجائحة فإن ضابط الشرطة الذي يضبط مخالفا للإجراءات الاحترازية ( الكمامة مثلا)، يوجبه بأداء الغرامة التصالحية الجزافية، و في حالة عدم أداء الغرامة التصالحية الجزافية، تتم إحالة المحضر على النيابة العامة المختصة، من قبل الضابط أو العون، وذلك داخل 24 ساعة من تاريخ معاينة المخالفة، قصد اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. و من هنا يظهر الدور الزجري للرجل الأمني في ظل الجائحة و المتمثل في حماية سلامة و صحة الأشخاص العاديين من الأشخاص المخالفين وهو ما يساهم في التقليص من حالات الاصابة بالوباء، نظرا للدور الذي قام به الآمني في حق المخالفين بزجرهم بعقوبات ، كون تهورهم سبب توسع الفيروس، وعليه كان الردع هو الحل بعد الحوار لإعادة التوازن الصحي.
رابعا: ظهير 1959 المنطم للدرك الملكي
وفقا لظهير 1959 المنظم لمصلحة الدرك الملكي في فصله 93 ينص على انه يقوم الدرك بإجراء المراقبة في الطرق والمحافظة فيها على حرية المواصلات.
ويثبت في محضر ما يرتكبه الأشخاص من مخالفات السير في الطرق الكبرى والطرق الصغرى.
وعليه، فإن الدركي معني هو ملزم ايضا اثناء مراقبته للطريق، ان يلاحظ مدى احترام السائقين و من معهم للتدابير الوقائية من كمامة…) ، و توعية و ارشاد و نصح السائقين بأهمية ذلك، وتسطير المخالفات في حالة ضبط المعنيين بهذه المخالفة.
خامسا : ظهير 4 أبريل 1974 القوات المساعدة.
وفقا لظهير (4 أبريل 1973) المتعلق بالنظام الأساسي الخاص برجال القوات المساعدة في فصله 18 حيث ينص على انه الفصل 18 يلزم رجال القوات المساعدة في جميع الظروف باحترام سلطة الدولة والعمل على احترامها ويجب عليهم التدخل من تلقاء أنفسهم لتقديم العون والمساعدة إلى كل شخص يكون في خطر ولتلافي وقوع كل عمل من شأنه الإخلال بالنظام العمومي.ولا يعفون من هذه الواجبات بعد قضاء ساعات عملهم العادية. وإن رجل القوات المساعدة الذي يتدخل في نطاق مأموريته من تلقاء نفسه أو بطلب من الغير يعتبر في حالة مزاولة العمل كيفما كانت الساعة والمكان والظروف التي يتدخل فيها.
و بالتالي، فان القوات المساعدة يعد جهازا امنيا لصيقا بجهاز الأمن الوطني بحيث يعد مساعدا له في تنفيذ و مباشرة المهام الموكولة اليه بمردودية و دقة، فكان على منتسبي القوات المساعدة في ظل الجائحة مساعدة رجال الشرطة في فرض التدابير الاحترازية و مراقبة مدى احترام الأشخاص لذلك و ذلك، بغض النظر عن ساعة عملهم اذا تعلق وهو ما ظهر جليا من خلال الواقع المعاش .
سادسا: ظهير 4 أبريل 1973 في شأن رجال السلطة.
وفقا للمادة 14 من الظهير اعلاه، يجب على رجال السلطة على وجه الخصوص :
– عدم الانقطاع عن العمل المتفق بشأنه ؛
– القيام بمهامهم ولو خارج أوقات العمل العادية.
و عليه ، فإن رجال السلطة ( -العامل، الباشا، القائد…)، لهم دور مهم في تعزيز الجانب الأمني في ظل الجائحة، و ذلك عن طريق المعاملة الحكيمة المتمثلة في ترشيد و توعية الأشخاص بخطورة الوباء عليهم و على اقاربهم و المحيطين بهم، و ترتيب المساطر القانونية اللازمة في حال عدم الأخذ بذلك. و نفس الامر يترتب على المحلات التجارية بحيث كان ملحوظا مدى فرض السلطات الادارية على (المحلات، الاسواق..) احترام ما هو مسطر قانونا، سواء من حيث الساعة القانونية للإغلاق و المحددة في منع التجول، او الزامهم بالتدابير الصحية اثناء عملهم بجعلهم يهتمون بمجال النظافة و تعقيم المعدات و ارتداء الكمامة .
المطلب الثاني : العراقيل المصاحبة للجهاز الامني في ظل جائحة كورونا.
من العراقيل المصاحبة في ظل الجائحة للجهاز الأمني، قلة الوعي الذي يصاحب بعض الأشخاص في عدم احترامهم للتدابير الوقائية، فرغم الإنزال الأمني الكثيف قصد فرض الإجراءات الإحترازية إلا ان الامر لا يجعل جميع الأشخاص يحترمون ذلك نظرا للكم الهائل من البشرية الذي يضاهي رجال الأمن، ومن تمت كان من الصعب زجر جميع المخالفين نظرا لكثرة البشرية الذي يفوق رجال الأمن. كما ان بعض الأزقة يصعب فيه على الدوريات ان تسلكها نظرا لمدى ضيقها او ارتفاعا ونفس الأمر ينطبق على بعض المحلات التجارية التى تستغل هذه الأمور ، مما يساهم في اختلاط اكثر، و تفاشي الفيروس بشكل اوسع.
ختاما، يمكن القول بأن الأمن هو اساس كمال الدولة، وهو العمود الفقري لتنظيم و سير الحياة العامة في طمأنينة و سلامة، و ذلك عن طريق مختلف أجهزته، وهو ما تجلى واضحا في ظل الظرفية الوبائية التى يعيشها المغرب بإنكباب مختلف اجهزته الأمنية على فرض احترام الاجراءات و التدابير الوقائية، وفرض القيود الزجرية في حالة عدم الامتثال للقواعد القانونية الجاري بها العمل. و في الاخير يمكن القول بأن الوعي يظل هو الجوهر الأساسي للحد من هذه الظاهرة و ارجاع المياه الى مجاريها.
المراجع :
- _دستور 2011
- _اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من العقوبات أو ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1993
- _ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948
- _ مرسوم 23 مارس 2020 حالة الطوارى
- _ظهير 23 فبراير 2010 المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني
- _ ظهير 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
- _ظهير 1959 المنطم للدرك الملكي
- _ ظهير 4 أبريل 1974 القوات المساعدة.
- _ ظهير 4 أبريل 1973 في شأن رجال السلطة.
- Maghress.com
- mamlakatona.com
- wikipidia.com