في الواجهةمقالات قانونية

وصف الجريمة وتكييفها

 

وصف الجريمة وتكييفها

د. نوفل علي عبدالله الصفو

استاذ القانون الجنائي المشارك

كلية الحقوق/ جامعة الموصل

يذهب البعض الى وجود فارق أساسي بين الاسم القانوني (الوصف القانوني) للجريمة والتكييف القانوني لها، على اعتبار ان الأول اشمل من الثاني، حيث تندرج مجموعة التكييفات القانونيــة تحـــــت الاسم (الوصف)(1) القانوني الواحد للجريمة، وكذلك فأن توافر الأركان الخاصة للجريمة هو الذي يحدد اسمها (وصفها) القانوني، في حين إن توافر عناصر قانونية معينة تدخل في كيان الجريمة دون أن تعد من أركانها هو الذي يحدد تكييفها القانــوني الذي يقـــــوم بــــه القاضـــي ويطلــــق عـــلـــى الأخيــــرة (الظروف التي تغير من تكييف الجريمة)، ومثال على ذلك يقال بأن القتل العمد والسرقة وصفان (اسمان) قانونيان وكل منهما يدل على مجموعة من الجرائم تختلف احداها في التكييف القانوني الذي يباشره القاضي وفقا للنص أو النموذج القانوني المحدد سلفا، وتحقيق كل وصف قانوني رهن بتوافر الأركان الخاصة بالقتل العمد أو السرقة، فإذا تتبعنا مجموعة الجرائم التي توصف بأنها قتل عمد نجد من احداها ما يوصف بأنه قتل عمد مع سبق الإصرار أو قتل عمد باستعمال المفرقعات وكل منها يحمل وصف قانوني معين، وكذلك السرقة فهناك في احداها ما يوصف بأنه سرقة من خادم بالأجرة أو سرقة بالليل أو سرقة باستعمال سلاح وتسور، وكل منها ذو وصف قانوني محدد في القانون، وبالتالي يجب على القاضي عندما تعرض عليه واقعة معينة أن يردها إلى وصفها القانوني من حيث توافر الشروط والأركان التي تطلبها القانون سلفا(2).

وان الوصف القانوني للجريمة ليس إلا تحديد الجريمة في نموذج أو نص قانوني يتضمن أركان هذه الجريمة بالإضافة إلى عقوبتها وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية، والمشرع هو الذي يقوم بهذه المهمة وليس القاضي، حيث إن الأخير مهمته إنزال وتطبيق حكم النص أو النموذج القانوني على الواقعة المعروضة أمامه(3).

ولا نتفق مع هذا الراي انما نرى بان الوصف القانوني هو ذاته التكييف القانوني ويطلق عليه بالتكييف القانوني، فالوصف القانوني لا يعد اشمل من التكييف القانوني بحيث تندرج تحت الوصف القانوني مجموعة من التكييفات القانونية، انما نميز بين التكييف القانوني والتكييف القضائي والتكييف الفقهي، وإن الوصف القانوني للجريمة(التكييف القانوني) ما هو إلا عملية سابقة للتكييف القضائي للجريمة وما على القاضي الذي يريد أن يطبق القانون على الواقعة المعروضة إلا أن ينزل الوصف أو النموذج القانوني المحدد من قبل المشرع سلفا على تلك الواقعة.

وليس دقيقا القول بان توافر الأركان الخاصة يحدد الوصف القانوني للجريمة، في حين ان توافر الظروف يحدد تكييف الجريمة، انما لا يتحقق الوصف القانوني للجريمة الا اذا توافرت جميع العناصر اللازمة لقيام الجريمة وتطابقها التام مع النموذج القانوني للجريمة، سواء خضعت في تكييفها للنموذج العام للجريمة والذي يشتمل على الحد الأدنى من العناصر التكوينية اللازمة لقيام الجريمة والتي يحددها المشرع بموجب النموذج القانوني العام للجريمة ويشتمل على الأركان العامة والخاصة المتطلبة بموجب الانموذج لقيام الجريمة والذي يحدد عنوان الجريمة أي وصفها القانوني، او خضعت في تكييفها للنموذج الخاص للجريمة، وهو نموذج قانوني خاص اضافي يلحق بالنموذج العام للجريمة في بعض الجرائم لا كلها، ويتضمن النموذج الخاص عناصر إضافية تضاف للعناصر المكونة للجريمة ولا تنتقص منها فتخضع الجريمة لوصف اخر نص عليه المشرع بموجب النموذج القانوني الخاص في بعض الجرائم، وتتمثل هذه العناصر الإضافية التي تدخل على اركان الجريمة بالظروف، فتؤثر في جسامة الجريمة، فتؤدي الى تشديد العقوبة او تخفيفها.

لذلك نتفق مع الراي الذي يعرف الوصف القانوني للجريمة بانه منزلتها في التقسيم الثلاثي للجرائم حيث تقسم الى جنايات وجنح ومخالفات وبالتالي فان نوع الجريمة ووصفها القانوني تعبيرين مترادفين(4).

فالنموذج العام للجريمة يشمل العناصر التكوينية، اما الظروف فتخرج عن هذا النموذج العام وتوجد في نموذج اضافي (النموذج الخاص) يلحق بالجريمة ويؤثر في الجزاء المقرر اصلا لها تخفيفا او تشديدا(5).

ويجب عدم الخلط بين اسم الجريمة وعنوانها، فالمشرع يطلق على السلوك موضوع الجريمة اسما تقليديا لتمييزها عن غيرها من الجرائم مثل القتل والسرقة، ويبقى اسم الجريمة ثابتا ولو تغيرت بعض عناصرها التكوينية، ففي حالة الشروع نكون بصدد جريمة ناقصة ومع ذلك لا يختلف اسم الجريمة، بل يلحق التغيير عنوانها فقط، فكل اختلاف في الفكرة القانونية للجريمة يعقبه تغيير في عنوانها، وان النموذج العام للجريمة يرتبط بعنوانها لا باسمها الذي يطلق عليها والذي يتعلق بموضوعها(الحق المعتدى عليه)، والعنوان بدوره يتعلق بالفكرة الاولية للجريمة اي بالحد الادنى من العناصر التي يجب توافرها لوجود جريمة معينة، ويخرج عن نطاقه العناصر التبعية الاضافية (الظروف) التي لا تغير في عنوان الجريمة وان احدثت تغييرا في العقوبة واجبة التطبيق تخفيفا او تشديدا، اذا يمكن القول ان اسم الجريمة يتضمن عدة عناوين ،ومحل الجريمة يحدد اسم الجريمة اي اسم الطائفة التي تنتمي اليها مجموعة من الجرائم كجرائم الاعتداء على الاموال، اما المعيار الذي يحدد نموذج الجريمة ويميزها عن غيرها من الجرائم التي تنتمي الى نفس الطائفة فهو المصلحة التي يحميها النص ويعاقب على من يعتدي عليها مثال ذلك جريمة السرقة والاحتيال ضمن طائفة جرائم الاموال(6). وان كل جريمة ذات عنوان مستقل ونموذج متميز تحمي مصلحة قانونية يمكن تمييزها عن سائر المصالح الاخرى التي يرعاها قانون العقوبات ويضفي عليها حمايته.

ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن هناك علاقة وثيقة جدا بين السلطة التقديرية الممنوحة قانونا للقاضي وبين التكييف القانوني الذي هو من اختصاص القاضي، ذلك لان تقدير وتهيئة القاضي لعناصر النزاع المطروح عليه من اجل إنزال حكم القانون عليها لغرض حسمها هو الذي يعتمد عليه تكييف القاضي لذلك النزاع، ولما كانت أدوات الصياغة القانونية ووقائع النزاع والقاعدة القانونية هي المادة التي تباشر من خلالها السلطة التقديرية وهي كذلك عصب التكييف القانوني ولما كان من يقوم بالتقدير هو نفسه من يقوم بالتكييف، فان ذلك يدل على قوة العلاقة بين التقدير والتكييف ، وعملية التكييف تأتي تالية للتقدير ذلك لأنه وان كان التقدير والتكييف يردان على عناصر واحدة ويقوم بهما ذات العضو بالصفة ذاتها عند إصدار العمل القضائي، إلا أن الفارق بينهما زمني، حيث إن التقدير سابق للتكييف من حيث التمهيد له حتى يمكن إنزال حكم القانون عــلى الواقعة، والتقــــدير أيضا لاحقــــا للتكييـــــــف من حيث إعمال اثر القاعدة القانونية على واقع النزاع، وهذا التعقيد لا يمكن أن يواجهه إلا القاضي المتمتع بالذكاء والفطنة والقدرة القانونية والعلم والخبرة والذوق الرفيع ضمن سلطته التقديرية، وعلى ذلك فالقاضي عندما يقوم بعملية التكييف يباشر سلسلة من عمليات التقدير ليصل إلى تطبيق القاعدة القانونية التي يرى ملاءمتها لواقع النزاع المعروض عليه بقصد حسمــــــه(7).

 

الهوامش

  • يعرف الوصف لغة بانه (عبارة عما دل على الذات باعتبار معنى هو المقصود من جوهر حروفه، أي يدل على الذات بصفة، كأحمر، فإنه بجوهر حروفه يدل على معنى مقصود، وهو الحمرة، فالوصف والصفة مصدران، كالوعد والعدة، والمتكلمون فرقوا بينهما، فقالوا: الوصف: يقوم بالواصف، والصفة: تقوم بالموصوف، وقيل: الوصف هو القائم بالفاعل). علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، تحقيق ابراهيم الابياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، ص 201.
  • د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي، التكييف في المواد الجنائية، الإسكندرية، دار الفكر الجامعي، 2003، ص 22.
  • فرقد عبود العرضي، الوصف القانوني للجريمة، بحث متاح على الانترنت، على الموقع https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=16529
  • انظر د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات القسم العام، ص 41.
  • د. عادل عازر، النظرية العامة في ظروف الجريمة، المطبعة العالمية، القاهرة، 1967، ص 5 وما بعدها.
  • انظر د.عادل عازر، النظرية العامة في ظروف الجريمة، المطبعة العالمية، القاهرة ،1967، ص 69ومابعدها؛ د. امال عبد الرحيم عثمان، النموذج القانوني للجريمة، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، عدد 1، 1972، ص 65-66.
  • د. حاتم حسن موسى بكار، سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير الاحترازية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 2002، ص 127 وما بعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى