مقدمة
إن الحديث عن مبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة من الناحية الفلسفية يقتضي أولا تحديد ماهية هذا المصطلح، أو بتعبير أدق تحديد مفهوم المحاكمة العادلة وإبراز مدى علاقته ببعض المصطلحات المشابهة له كالمحاكمة القانونية، والمحاكمة المنصفة، ويعتبر مفهوم المحاكمة العادلة من المفاهيم الحديثة، حيث لم يظهر إلا بعد الحرب العالمية الثانية عبر المواثيق الدولية وقد ورد ما يرمز إلى هذا المصطلح في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تبثث إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤسس له فيها كافة الضمانات الضرورية للدفاع عنه[1]” وانطلاقا من هذه المادة فالمحاكمة العادلة هي تلك المحاكمة التي احترمت فيها القواعد الشكلية والموضوعية والضمانات المنصوص عليها في القانون والمواثيق الدولية. ولو شئنا أن نمثل لبعض مبادئ المحاكمة العادلة كما ثم التعارف عليها دوليا، فيمكن أن نشير إلى ما اشتملت عليه المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية منها:
- اعتبار الفرد بريئا إلى أن تبثث إدانته؛
- حق الفرد في أن يحاكم أمام محكمة مختصة وحيادية ونزيهة ومنشأة بحكم القانون.
- المساواة أمام القضاء والقانون؛
- الحق في الدفاع؛
- حق الطعن أمام محكمة أعلى؛
- حق المتهم في محاكمة سريعة؛
- علانية المحاكمة؛
- عدم إكراه المتهم على الشهادة ضد نفسه.
ولابد ف سياق تحديد هذا المصطلح من التعريج على بعض المصطلحات المشابهة كالمحاكمة القانونية، والمحاكمة المنصفة.
- المحاكمة القانونية
تعد المحاكمة القانونية من الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة، حيث تستوجب تشكيل المحكمة التي ستنظر في القضية و الفصل فيها تشكيلا قانونيا، فالضمان الأساسي للمحاكمة العادلة ألا تصدر عن مؤسسات سياسية بل بواسطة محاكم مختصة و مستقلة ومشكلة وفق القانون كما نصت على ذلك المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
- المحاكمة المنصفة
تعتبر المحاكمة المنصفة من أهم معايير المحاكمة العادلة، وجوهرها يقوم على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين طرفي الدعوى أي مبدأ المساواة بين الدفاع و الإدعاء وأن يعاملا على قدم المساواة من الناحية الإجرائية[2]
وعندما نتحدث عن التأصيل الفلسفي لمبادئ الأساسية لمحاكمة العادلة فإننا نروم بذلك استقصاء الجذور التاريخية والفكرية لهذه المبادئ، فهذه الأخيرة قبل أن تتبلور على شكل نصوص قانونية مكتوبة سواء في القوانين الوطنية أو الدولية كانت عبارة عن أفكار ونظريات مجردة تراكمت عبر الزمن. فمنها ما يرجع إلى الفلاسفة القدامى في العصور القديمة، و منها ما يرجع إلى الفلاسفة القرون الوسطى وعصر الأنوار و منها ما يرجع إلى الديانات السماوية لاسيما الإسلام الذي وضع قواعد متينة لضمان محاكمة عادلة للأفراد سواء كانوا متهمين أو مشتبه فيهم وسواء في القضايا الجنائية أو المدنية كما سنرى في حينه
في هذا العرض المتواضع سنحاول أن نعالج إشكالية أساسية وهي هل هناك جذور فلسفية لمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة ؟ أو بتعبير أخر هل هناك ما يؤصل لهذه المبادئ عند الفلاسفة القدامى و المحدثين ؟ و هل هناك ما يدلل على وجود هذه المبادئ أو بوادرها في الديانات السماوية كالإسلام مثلا ؟ ولمعالجة هذا الإشكال سنقسم الكلام في الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة في الشريعة الإسلامية
المطب الأول: أصول العدالة في الإسلام
المطلب الثاني: مبادئ المحاكمة العادلة في الإسلام
المبحث الثاني: التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة في الفكر الوضعي
المطلب الأول: في العصور القديمة
المطلب الثاني: في العصور الوسطى والمعاصرة
المبحث الأول: التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة في الشريعة الإسلامية
المطب الأول: أصول العدالة في الإسلام
عندما نتحدث عن مبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة في الإسلام فإننا نتحدث عن قيم العدالة في الإسلام أو بتعبير أخر نتحدث عن فلسفة العدالة في الإسلام، فالعدالة في الإسلام قائمة على قيم شاملة ومطلقة كالعدل والحق والمساواة والكرامة.
الفقرة الأولى: العدل و الحق
أولا: العدل
فالعدل في الإسلام قيمة شاملة قامت عليها السموات والأرض قال تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان،ألا تطغوا في الميزان، وأقيم الوزن بالقسط و لا تخسروا الميزان[3])، والعدل هو الغاية التي أرسل الله من أجلها الرسل وأنزل الكتب قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبيانات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط[4])، والعدل في الإسلام هو نصف الرسالة والنصف الأخر هم الإحسان، فالعدل في الإسلام يرمز إلى إحقاق الحق واحترام الحقوق وإنصاف المظلوم والإحسان يرمز إلى البر والخير والعفو والحب قال الله تعالى ( أن الله يأمر بالعدل و الإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر[5])، ولهذا أخرج عن ابن مسعود قال: إن اجمع آية في القرءان في سورة النحل ( إن الله يأمر بالعدل…).
ثانيا: الحق
والعدل والحق متلازمان فلا يكون الحق إلا بالعدل، والحق هو التابث والواجب والحق هو وضع الشيء في نصابه ولهذا جاء في الحديث الصحيح “إعط كل ذي حق حقه ” وقد جاءت رسالة الإسلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل قال تعالى ( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل و لو كره المجرمون[6]) وإحقاق الحق وإبطال الباطل هو الفلسفة التي يقوم عليها المحكم والقضاء في الإسلام قال سبحانه ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله[7])، والحقوق في الإسلام منحة ربانية وهبة إلاهية و ليست هبة من أحد أو منة من حاكم أو دستور و لا يجوز لأحد أن يعطلها أو يسلبها إلا بالحق ولهذا قال لله في حق الحياة ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق[8] ).
الفقرة الثانية: المساواة والكرامة
أولا: المساواة
إن الناس متساوون في امتلاك الحقوق والدفاع عنها ولهذا قال عمر بن الخطاب بعد أن اقتص للمصري الفقير والى مصر، وقد كان لطمه وقال خذها وأنا ابن الأكرمين فقاضاه إلى عمر ابن الخطاب فأخذ له حقه ثم قال ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا[9] ” قال ابن كثير معلقا على هذه القصة: فأقر بذلك أن لا فائدة من منح الحقوق والنص عليها ما لم تطبق فعلا ويتمتع بها أصحابها” فليس في الإسلام طبقة يطالها القانون وأخرى فوق القانون أو طبقة تحاسب و أخرى لا تسأل، وقد كان هذا واضحا في كلمة عمر ابن الخطاب عندما والى الخلافة ” الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه أن شاء الله[10]” وسأل عمر ابن العاص حاكم: “أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته أنك لتقصنه منه ؟ قال :أي و الذي نفس عمر بيده لأقصنه منه وقد رأيت رسول الله يقص من نفسه[11]” والحق في المساواة في الإسلام يرجع في الأصل إلى حق أخر وهو الكرامة.
ثانيا: الكرامة
فالناس في الإسلام لا يتفاضلون والأنساب والأموال والمناصب وإنما بالتقوى قال تعالى (يأيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أثقاكم[12] ).
فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكرم ولا يجوز إهانته أو الاعتداء على شرفه إلا بالحق قال تعلى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا[13])، وعلى هذه المبادئ قامت فلسفة العدالة في الإسلام.
المطلب الثاني: مبادئ المحاكمة العادلة في الإسلام
تقوم العدالة في الإسلام على قواعد متكاملة تحقق في النهاية العدل والإنصاف وحماية الحق للجميع مدعين كانوا أو مدعى عليهم، وتبدأ هذه القواعد من القائمين على العدالة وهم القضاة.
الفقرة الأولى: القضاء و نماذج من المحاكمة العادلة في الإسلام
أولا: القضاء في الإسلام
فالقضاء في الإسلام لا يسند لأي كان، وإنما يسند للأشخاص المعروفين بالعدل والاستقامة، فلا بد للقاضي أن يكون عادلا في نفسه، منزها عن الحرمات والرذائل مؤديا للفرائض والواجبات، وهكذا سائر المناصب العليا في الإسلام لا تسند إلا للأكفاء والأتقياء، فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه “قال: قلت يا رسول الله: ألا تستعملني ؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر أنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة لا خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي هو فيها”. وقال الله عز وجل (يحكم به ذوا عدل منكم[14])، وفي الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من طلب القضاء حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار”.
كما يشترط في القضاء العلم والخبرة واشترط الشافعي ومالك في القاضي أن يبلغ درجة الاجتهاد فيكون عالما بنصوص التجريم و العقاب وهي آيات الأحكام وأحاديثها، لان القاضي في الإسلام لا يحكم بالهوى أو الشك أو بما وقر في قلبه على المتهم أو الظنيين، وإنما وفق المستندات و الإثباتات القطعية ووفق نصوص التجريم و العقاب. فلا جريمة و لا عقوبة إلا بنص وهذا ما يسمى بمبدأ الشرعية وهو أحد الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم القاضي الذي يقضي بهواه أو عن جهل، و في الحديث الذي رواه أصحاب السنين عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق قضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في الجنة و رجل قضى للناس على جهل فهو في لنار”.
وهكذا يحقق الإسلام أول ضمانات المحاكمة العادلة وهي نزاهة القاضي وكفاءته وحياده، فالقاضي في الإسلام ملزم بمبدأ الشرعية لا يجرم تصرف إلا بنص و لا يعاقب إلا بنص لقوله تعالى (أنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله و لا تكن للخائنين خصيما[15]).
والقاضي في الإسلام مستقلا في حكمه و قراره لا يخشى إلا الله، فلا يهاب حاكما و لا يحابي ظالما، وإنما يكون اقتناعه من خلال المستندات والدلائل ونصوص التجريم والعقاب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون أكن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطيعة من النار” رواه البخاري ومسلم.
ثانيا: نماذج من المحاكمات في الإسلام
هناك عشرات المحاكمات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين تؤكد وجود هاذين المبدأين، فالمحاكمة في الإسلام لا تتم إلا في العلن وبحضور الأطراف، كما تتاح فيها فرصة الدفاع عن النفس وتسمع فيها أقوال الأطراف وتصريحات الشهود وتعرض فيها أدلة الإثبات والنفي، ويتساوى في ذلك المدعي والمدعى عليه، كما تتساوى في ذلك القضايا الجنائية و المدنية.
ومن خلال عرض بعض فصول المحاكمات التي تمت في عهد رسول الله وخلفائه سيتضح ذلك جليا، فقد روي البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجه، فقال يا محمد أن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي، قال “أدعوه” فدعوه قال للأنصاري، أ لطمت وجهه ؟ قال يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول، والذي اصطفي موسى على البشر قلت أعلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال فأخذتني غضبة فلطمته. قال صلى الله عليه وسلم ” لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى أخذ بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور”.
ففي هذه القصة مبدأ المساواة بغض النظر عن الدين و الجنس، وحق الدفاع، والمرافعة الشفوية و الحضورية. وورد في الصحيحين أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله اقضي بيننا بكتاب الله، فقال صاحبه وكان أفقه منه نعم يا رسول الله اقضي بيننا بكتاب الله وأذن لي قال، قل، قال إن ابني كان عسيفا أي أجيرا في أهل هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم و أبي، فسألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام و أن على امرأة هذا الرجم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله المائة والخادم رد عليك و على ابنك جلد مائة و تغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فاسألها فإن اعترفت فارجمها فسألها فاعترفت فرجمها[16]“.
ففي هذه المحاكمة نلاحظ تقضي الحكم الأول من طرف جهة أعلى لعدم استناده إلى نص شرعي، أي عدم التزامه بمبدأ عدم شرعية العقاب، كما أن إنزال العقاب على المرأة استند إلى اعترافها ولو لم تعترف لم تعاقب.
كما أن الحاكم في الإسلام يحاسب و يقف أمام العدالة جنبا إلى جنب مع الراعية و أسوق هنا قصة مثيرة للدهشة وقعت لعمر ابن الخطاب فحدث مرة أن اختلف عمر و أبي بكر بن كعب على أمر و احتكما إلى زيد ابن ثابت فمثلا أمامه فقام زيد من مكانه وأراد أن يجلس عمر فيه، فرفض وجلس مع خصمه أبي ابن كعب ثم عرض دعواه فأنكرها عمر ابن الخطاب وكان على زيد –حسب ما يقضي به القانون: اليمين على من أنكر- أن يستحلف عمر لكنه تلكأ عمر من نفسه وأعلن في النهاية الجلسة أن زيد لا يصلح أن يكون قاضيا لأنه لا يسوي بين أطراف الدعوى[17].
فأنظر إلى هذه المحاكمة العادلة التي توفر فيه حق الدفاع لأطراف النزاع، كما توفرت فيه العلنية و الشفوية و الحضورية و المساواة بين أطراف القضية.
الفقرة الثانية: خصوصية جريمة الحدود ورسالة عمر بن الخطاب في القضاء
أولا: خصوصية جريمة الحدود
أن الإسلام في جرائم الحدود والقصاص والديات يشدد أكثر، لأنها جرائم خطيرة وعقوبتها أخطر و لا تتحمل الاستدراك كالحبس مثلا، فالخطأ فيها مجازفة خطيرة، فقطع اليد في السرقة، والرجم حتى الموت في الزنا، والقتل في القتل العمد كلها عقوبات قاسية ينبغي أن تستند إلى أدلة يقينية وقوية، ولذلك فرض فيها الإسلام الالتزام بمبدأ التفسير الضيق للنصوص، ومبدأ الشك يفسر لصالح المتهم وعدم رجعية النص الجنائي لقوله تعالى (عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام[18])، وفي الحديث الذي رواه الترميذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلو سبيله فإن الإمام لان يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة”، وفي مثل بعض هذه الجرائم لا يكتفي القاضي في إثباتها بالشهادة المعتادة في القضايا المدنية وهي قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم[19])، بل لابد فيها من أربعة شهود تشترط فيهم شروط قاسية أوصلها البعض ثمانية[20] شروط كالمعاينة والعدالة ونفي التهمة عنه بسبب عداوة أو محبة بينه وبين المتهم قال تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة[21]).
كما أن الإسلام يأخذ بمبدأ شخصية العقوبة بحيث لا يسأل الشخص إلا عن النشاط الإجرامي الذي ارتكبه هو شخصيا دون غيره ولو كان أقرب الناس إليه مصداقا لقوله تعالى (ولا تزروا وزرة أخرى و ألا ليس للإنسان ما سعى[22])، ملا بد في التجريم من الإرادة والاختيار والتمييز، وهذا ما انحازت إليه التشريعات الجنائية في نهاية المطاف[23] فالشريعة الإسلامية تحلل الأطفال من أية مسؤولية جنائية ما لم يبلغوا الحلم وفي الحديث المعروف “رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يصحو وعن المجنون حتى يفيق” فالشريعة الإسلامية لا تسائل الصغير والمجنون والمكره لانعدام الإرادة وقد قال تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم[24])، وفي الحديث المعروف “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” ولكن الشريعة الإسلامية لا تعفي أولياء الصغير والمجنون من تعويض المتلفات والإضرار بالغير.
و المحاكمة في الإسلام تضمن للأطراف حق الطعن لدى جهة أعلى عند رفض الحكم الابتدائي فقد روى أحمد أن قوما باليمن حفروا زبية لأسد فوقع فيها فتكاب الناس عليه فوقع فيها رجل فتعلق بأخر ثم تعلق الأخر بالأخر حتى كانوا فيها أربعة، فتنازعوا في ذلك حتى أخذ السلاح بعضهم لبعض فقال لهم على رضي الله عنه أتقتلون مائتين في أربعة ؟ ولكن سأقضي بينكم بقضاء: لأول ربع الدية و لثاني ثلث الدية و لثالث نصف الدية وللرابع الدية فلم يرضوا بقضائه فأتوا الرسول صلى الله عليه و سلم فقال سأقضي بينكم بقضاء فأخبر بقضاء علي فأجازوه”.
وأخيرا أريد أن أقف على مبدأ أساسي من مبادئ المحاكمة العدالة وهو مبدأ البراءة الأصلية فالمتهم في الشريعة الإسلامية بريء حتى تثبت إدانته بدليل قطعي، وهذا المبدأ مأخوذ من نصوص شرعية كثيرة منها قوله تعالى (يأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[25])، وقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[26]).
ومن الأصول المعتمدة عند الفقهاء دليل الاستصحاب وهو استصحاب لأصل حتى يثبت العكس، وهذا الأصل يقين وما يثبت باليقين لا يمكن أن يزولا بالشك، ولذلك يشترط الإسلام في دليل الإدانة القطع، لأنه لا يمكن أن ننفي البراءة الثانية باليقين بدليل ظني أو مشكوك فيه، وفي حديث رواه الخلال في جامعة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ترى الشمس قال نعم قال: “على مثلها فاشهد أودع” والله تعلى يقول ( أن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا[27])، وروى مسلم وأحمد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم”، وعبء الإثبات في الإسلام يقع على المدعي لقوله صلى الله عليه وسلم “البنية على من ادعى واليمين على من أنكر” رواه البيهقي والطبراني إسناد صحيح.
ثانيا: رسالة عمر بن الخطاب في القضاء
وأختم برسالة عمر بن الخطاب إلى موسى أبي الأشعري[28]
بسم الله الرحمان الرحيم: من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس:
سلام عليك، أما بعد:
فأن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك فإنه لا ينفع تلكم بحق لا تعادله، آس بين الناس في وجهك وعدلك و مجلسك حتى لا يطمع شريف من حيفك و لا يأس ضعيف من عدلك، البنية على من ادعى و اليمين على من أنكر، و الصلح جائز إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلال، لا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك و هديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة ثم اعرف الأشباه والأمثال فقس الأمر عند ذلك، وعمد إلى أقربها إلى الله و أشبهها بالحق، وجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بنية أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له حقه، وإلا استحلت عليه القضية فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى المسلمون عدوا بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر ودرأ بالبينات والإيمان وإياك والقلق و الضجر والتأذي بالخصوم و التنكر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذخر، فمن صحت نيته و أقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، و من تخلق للناس بما يعلم الله ليس من نفسه شانه الله فما ظنك ثواب غير الله عز وجل في عاجل رزقه و خزائن رحمته والسلام
المبحث الثاني: التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة في الفكر الوضعي
المطلب الأول: في العصور القديمة
من الثابت أنه ليس بالأمر الهين تفهم حقيقة أية فكرة كيف ما كانت بمعزل عن نشأتها.. ففهم سوابق الفكر البشري ضرورة حتمية لسبر أغواره وفهمه على حقيقته تقييما لما بلغه من نتائج وإدراكا لما يتطلع إليه من غايات[29].
و لا مراء في أن دراسة المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة تقتضي وقفة لازمة لاستقراء نشأتها وتحديد معالمها وبيان مرتكزاتها، وصولا الاستجلاء القيمة الحقيقية للمبادئ التي استقامت لها في الوقت الحاضر[30].
وللوصول إلى هذه الغاية وللوقوف على قدر الإمكان على ما يتمتع به الشخص من حماية حقه في محاكمة عادلة في العصور القديمة واستجلاء لحقيقة الأمر، إرتئينا تقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فقرات نتناول معالم الاهتمام بمبادئ للمحاكمة العادلة عند البابليين (الفقرة الأولى) تم في (الفقرة الثانية) عند الإغريق ثم (الفقرة الأخيرة) في الحضارة الرومانية.
الفقرة الأولى: معالم الاهتمام بمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة عند البابليين
المجتمعات البدائية كانت تخضع لتأثير المعتقدات الدينية فكان المتهم وفقا لذلك تفترض فيه الإدانة وكان عليه أن يثبت براءته بنفسه. و كان العقاب المفروض آنذاك يعتمد على الحكم الإلهي الذي يقوم على اتخاذ إجراءات قاسية تمس بحرية المتهم مثل التعذيب والتقاتل[31].
كما كان القضاء في العهد القديم دينيا يتم في هياكل الآلهة و يمارسه الكهنة. و بتعدد المعابد تعددت مقرات المحاكم، كما تنوعت المجالس القضائية، غير أنه كانت هناك مجالس عامة يعين الملك بعض قضاتها ولها اختصاص إقليمي إلى جانب القضاء الديني المذكور. وتختص هذه المجالس العامة بالنظر في الدعاوي المقامة على القضاة الذين يغيرون الأحكام التي سبق أن أصدروها بغية إشاعة استقرار واحترام الأحكام القضائية.
غير أن حمورابي قام بخطوة هامة في هذا المجال فأنشأ محاكم مدنية عوض دينية لا تسأل عن قراراتها إلا أمام الحكومة، وهكذا نزع حمورابي عن الكهنة سلطتهم القضائية وأبقى لهم فقط واجب الاستماع إلى القسم الذي يؤيده القضاة المدنيون المعينون من طرف الملك في أنهم سوف يصغون للمتخاصمين ويستمعون إلى الشهود.
ولعل السبب في استبدال القضاء الديني بالقضاء المدني هو أن الحضارة البابلية عرفت عدة شرائع يأتي على رأسها قانون لبت عشتار سنة 1872 ق.م، ومن قبل قانون إشنونا و قانون حمورابي الذي يعتبر من أكثر المدونات العقابية شويعا في بلاد الرافدين لكونه تشريعا ضخما يتضمن عقابا صارما ينال الجاني وينظم حياة الناس ومعاملاتهم الدنيوية المختلفة مما قد لا ينسجم مع عقلية الكهنة وربما عرقلوا تطبيق أحكامه وهذا ما يخشاه الملك الذي أراد أن يتحقق من احترام هذه الأحكام وتطبيقها بصورة ملائمة على يد القضاء المدني الذي أنشأه وعين قضاته وجعلهم يحملون لقب (قاضي) يمارسونه ليس أثناء القضاء بين الناس فحسب بل في مناسبات أخرى كالحضور للشهادة[32].
كما كان في النظام القضائي في بابل محاكم من الدرجة الأولى يحكم فيها القضاة المنفردين أحيانا ومجتمعين أحيانا. وقد يصل عددهم أربعة أو ستة قضاة في بعض الجلسات. وكانت هناك بالإضافة إلى ذلك محكمة استئناف يحكم فيها قضاة الملك كفالة لحق الطعن على أحكام المحاكم أول درجة التي كانت منتشرة في بشكل كبير وكان في وسع المتقاضين أن يرفعوا استئنافا نهائيا إلى المحكمة العليا هي محكمة الملك نفسه مثل القضايا المتعلقة بإنكار العدالة وتحيز القاضي أو جوره[33] . كما كان للملك حق العفو عن عقوبة الموت عن الرجل المشارك في جريمة الزنا[34].
وكانت المحاكم المدنية تضم موظفين إداريين ومحققين ورجال الشرطة إلى جانب القضاة.
وعرف أهل بابل الاحتكام إلى السلطة فضا للنزاعات التي كانت تطور بينهم و استيفاء للحقوق. فطبقا لقانون لبت عشتار لم يكن مسموحا بالاعتداء على الحرية الشخصية، إيمانا بمبدأ براءة الإنسان ولذلك يتعين معاملة المتهم على هذا الأساس حتى تثبت إدانته يقينا. ومع ذلك فقد كان التعذيب والضغط المعنوي من الوسائل المعتمدة عمليا للوصول إلى اعتراف المتهم مما اعتبر بحق مناقضا لمبدأ افتراض البراءة[35].
وكانت الدعوى تقام إما من طرف المدعي أو من طرف الغير، ويشار في بداية المحاكمة عن كيفية تشكيل المحكمة وانعقاد جلساتها ويطلب من المدعى عليه تقديم دفاعه بعد التحقق من صحة أدلة المدعي. و يستدعى الشهود إذا كانوا حاضرين فإذا كانوا يقطنون بعيدا فقد كان للقاضي الحق في تأجيل القضية لمدة ينبغي ألا تتجاوز ستة أشهر[36].
وكان القاضي يستند في حكمه إلى النصوص القانونية إن وجدت وإلا فإنه كان يلجأ إلى العرف أو الاجتهاد في تفسير واستنباط روح النص القانوني[37]. كما أن قانون حمورابي اهتم بحق المتهم في محاكمة عادلة حيت كشفت الوثائق السومارية التي عثر عليها والتي ظهر منها بجلاء مدى الاحترام الذي كفل لحق الدفاع، بالإضافة إلى ما كان يتمتع به القضاء الحكم من استقلالية فقد كان يتعين على القاضي – طبقا للمادة 5 من شريعة حمورابي – أن يصدر حكمه بلا خوف وفق القانون وإلا تعرض لعقوبة القضية التي ينظر فيها والطرد إذا غير حكمه أو تلاعب فيه ولا شك أن هذه القاعدة من شأنها ضمان حياد ونزاهة القاضي مما ينعكس حتما على عدالة أحكامه. و يسجل كاتب معين القرار الذي تصدره المحكمة، وبالإضافة إلى النسخة الأصلية كانت تدون نسخ أخرى تعطى لذوي العلاقة[38].
الفقرة الثانية: مبادئ للمحاكمة العادلة عند الإغريق
قبل ظهور المدونات القانونية الإصلاحية بالإغريق كان ينظر إلى الجرائم على أنها أفعال تغضب الآلهة حيث كان القاتل يقتل بغض النظر عن طبيعة فعله سواء كان عمدي أو غير عمدي[39].
وبصدور قانون داركون سنة 621 ق.م برزت فكرة الاعتداد بإرادة المتهم بصدد مساءلته جنائيا، ومع ذلك فقد انعدمت المساواة في المعاملة بين المتهمين، وفي تطور أخر أوجد قانون صولون المحاكم الشعبية، التي ظهر في كنفها نظام المحلفين في صورته البدائية وهو نظام يعتبر في نظر مؤيديه ضمانة هامة للمحاكمة العادلة[40].
وتجدر الإشارة إلى أن إجراءات المحاكمة كانت تختلف بحسب طبيعة الدعوى، ففي القضايا القتل كان يحاكم المتهم في الهواء الطلق رغبة في تجنب القضاة ومباشرة الاتهام أثر نجاسته. وقبل مناقشة التهمة أمام المحكمة كان يتعين ذبح كبش أو خنزير أو ثور كقربى. وأمام المذبح يقسم الطرفان يمينا حول وقائع الدعوى. وكان يسمح لكل طرف أن يتحدث مرتين. و أعطى للمتهم بعد أن يترافع أول مرة إمكانية تجنب الحكم بالإدانة. أما في القضايا الأخرى فقد كانت الدعوى ترفع بواسطة الشاكي مصحوبا بشاهدين. وكان ذلك كافيا للحكم على المتهم غيابيا إذا تخلف عن الحضور، وإذا حضر كان من حقه إبداء دفوعه الشكلية. وكان بإمكان المتهم الذي يشعر بالعجز عن إعداد دفوعه بنفسه الاستعانة بأحد المحترفين لمساعدته في ذلك، وأن يحفظه عن ظهر قلب وإلقائه بنفسه أمام المحكمة[41].
وضمانا لنزاهة القضاة كان يقتصر دورهم على الاستماع في صمت للمتقاضين. وبعد انتهاء المناقشة كانوا يدعون بواسطة الحجب للتصويت. لم تكن تحدث بينهم أية مداولة قبل الإدلاء بأصواتهم الذي كان يتم بالسرية. إلا أنه كان ينبغي على رئيس المحكمة أن ينطق بالحكم علنا عقب الانتهاء من الاقتراع عليه[42].
ورغبة في توقي الآثار الضارة للكيد حماية للحقيقة ومن تم دعم حق المتهم في محاكمة عادلة، كان الحكم ببراءته يستتبع توقيع جزاءات على من باشر الاتهام.
وكانت المحاكمة عند الإغريق آنذاك تجرى على مرحلتين كما هو الشأن عند البابليين كما رأينا سابقا، حيث كان يتحدد في أولاهما إدانة المتهم، بينما تختص الثانية في تقدير العقوبة بحكم يصدر بأغلبية أعضاء المحكمة، وكان لمن باشر الاتهام وكذلك للمتهم نفسه تقديرا معينا لها. وفي القرن الخامس تستخدم في التصويت لوحات مدهونة بالشمع يضع عليها القضاة خطا طويلا أو قصيرا تبعا لما إذا كانوا من أنصار الجزاء الأشد أو الأخف. أما في الدعاوى التي كان يترك للقضاة أمر تحديد الجزاء، فقد كان الحكم يستلزم توقيع الجزاء المقرر بغير حاجة إلى أي إجراء أخر[43].
الفقرة الثالثة: مبادئ للمحاكمة العادلة عند الرومان
ينظر إلى الجريمة عند الرومان في بداية الأمر على أنها اعتداء على ما سنته الآلهة من قواعد وضوابط، يترتب عليه ضرورة الانتقام الإلهة من فاعلها بمجرد وقوعها ماديا بغض النظر عن إرادته وبواعثه. لذلك فقد اتسمت العقوبة بالقداسة[44]، غير أن المجتمع الروماني لم يكن مجتمع المساواة لكونه فرق بين المواطن الروماني والأجنبي بشأن المساواة أمام القانون، كما جرت التفرقة بين المواطنين أنفسهم بين فئتين أساسيتين الأشراف وعامة الشعب[45]. و بالتالي يمكن القول بأن المتهم لم يكن ينعم بمحاكمة عادلة في ذلك الزمان لانعدام مبدأ المساواة.
ومن هنا فقد أعتبر قانون الألواح الإثنى عشر هو نقطة البداية في الاتجاه نحو المساواة رغم ما كان يوصف به من قسوة وإغراق في الشكلية. واشتمل القانون المذكور على نوعين من الجرائم، جرائم عامة تتولى الدولة توقيع العقاب بشأنها وأخرى خاصة يقع ضررها على الأفراد ولهم وحدهم حق طلب عقاب الجاني عن طريق توجيه له الاتهام المكتوب الذي يقدم إلى البريتور ومن ثم إلى المحكمة بحضور المحلفين الذين يصدر قرارهم عقب المداولة بأغلبية الآراء[46].
وكان المتهم يمثل أمام المحكمة طليقا احترام لقرينة البراءة رغبة في الحفاظ على التوازن بينه وبين المجني عليه، وتمكينا له من الدفاع عن نفسه، ومن ثم فلم يكن من المسموح به إتمام محاكمته تحت وطأة الحبس الاحتياطي ما لم يكن قد ثم ضبطه متلبسا بالجريمة أو اعترف بارتكابها[47].
وإذا أعتبر الاتهام حقا لكل فرد شريطة إقرار الحاكم له فإن القانون الروماني كفل للمتهم حق الدفاع عن نفسه شخصيا أو بواسطة الغير أثناء المحاكمة التي كان يقف فيها على قدم المساواة مع المجني عليه أمام المحلفين و بحضور ممثل الاتهام وكانت تجرى فيها المرافعة شفاهة وعلنا[48].
ومواجهة للجرائم العامة، ومثيلتها جريمة القتل وشهادة الزور وتحيز القاضي في أحكامه، والجرائم ضد الذات الإمبراطورية، وأوجدت محاكم خاصة، وكانت بمثابة طريق غير عادي للمحاكمة، وقد خصت كل جريمة بمحكمة خاصة يرأسها بريتور وكان يمكن التظلم من الأحكام التي تصدرها أمام المجالس الشعبية[49].
والملاحظ أنه لم يكن بالإمكان أن يحكم بإعدام وطني إلا بواسطة الهيئات الشعبية الكبرى[50]. و كان الدفاع عن المتهم مباحا في كل الظروف، على سند من القول بأن الجمهور يرغبه، والإنسانية توجبه[51].
وقد عرفت المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة في القانون الروماني انتكاسة واختفت في العهد الإمبراطوري حيث اختفى نظام الشفهية والعلنية وحلت محلها الإجراءات المكتوبة، كما سمح باستخدام التعذيب والإكراه البدني ضد المتهم أثناء محاكمته. و أعطي للقاضي سلطة تجاوزت حدود المعقولة، فقد اختص بالتجريم والعقاب[52].
وكانت هذه الانتكاسة هي المبرر لوجود القضاء التحكيمي الذي أوجدته الكنيسة، تأسيسا على افتقار القضاء الحكومي للحياد. ويعتبر هذا الصنف من القضاء هو نقطة بداية القضاء الكنسي في العصور الوسطى[53] .
المطلب الثاني: في العصور الوسطى والمعاصرة
يخضع الأفراد عند ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم الأساسية لعديد من التقييدات التي قد تحد بشكل كبير أو بأخر من هذه الممارسة، ومن هنا فإن هذه التقييدات يجب أن تخضع لعديد من المبادئ حتى لا تتحول هذه التقييدات إلى آليات انتهاك هذه الحقوق ومن هذه المبادئ مبدأ الشرعية ومبدأ سيادة حكم القانون ومبدأ المساواة وغيرها ويأتي حق الإنسان في محاكمة عادلة ضمن المبادئ التي يجب أن يحيطها المجتمع بالضمانات الكفيلة[54] ولم يتبلور هذا الحق بشكل قائم إلا بعد مساهمة أفكار الفلسفية بشكل كبير التي تم التأثير بها في صيانة وحماية حقوق الإنسان وسنعالج هذا المطلب من خلال نقطتين الأولى سمات العدالة في الفكر الفلسفي، ثانيا المحاكمة العادلة في التشريع.
الفقرة الأولى: سمات العدالة في الفكر الفلسفي
قبل الخوض في غمار التطرق إلى العدالة في الفكر الفلسفي كان لابد من إشارة مبسطة لأوضاع التي تعرفها العدالة في القرون الوسطى، حيث كان يسود الظلم والاضطهاد والتعذيب والمأساة التي يعرفها الفرد بسيادة النظام الإتهامي الذي كان سائدا في ذلك العصر ففي القانون الإنجليزي آنذاك ساد الاعتماد على الوسائل الغيبية لاستظهار الحقيقة وكان على المتهم أن يثبت عدم إذنابه بإحدى الوسائل السلبية الإثبات وهي: التزكية والمبارزة والتجارب والامتحان الإلهي، والتي ساد الأخذ بها حتى سطر نهاية أخرها أمر هنري الثالث 1219 ثم برز نظام المحلفين في إنجلتيرا[55].
أما بخصوص فرنسا في العصر الإقطاعي الذي كان فيه الملك هو مصدر العدالة واحتفظ بنفسه بكل السلطات، كان هذا النظام يلقى بظلال وظلماته على شؤون العدالة، حيث جمع لويس 14 سنة 1670 بعض أعراف وتعاليم الكنيسة في مرسوم أسماه “الأمر الكبير” منح بموجبه للقاضي سلطات واسعة في التجريم والعقاب[56] ، الشيء الذي ساهم في ظهور فلاسفة التي انصبت اهتماماتها حول البحث عن حقوق الإنسان ومناهضة الظلم والاستبداد وتحقيق العدالة والمساواة.
أولا: أثار فلاسفة القانون الطبيعي
إن المدرسة الطبيعية قد وجدت منذ العصور القديمة وقد ثم إحياءها من لدن العديد من المفكرين، وأهم ما جاءت به هو الإلحاح على وجود قوانين طبيعية سبقت قيام الدولة وواجب على السلطة السياسية احترامها، بحيث من الواجب أن تكون القواعد الصادرة عن السلطة مطابقة للقانون الطبيعي وإلا اعتبرت لا غير شرعية[57].
ويمثل هذه المدرسة كل من توماس هوبس وجون جاك روسو ومفكرين آخرين طالبوا بحرية الإنسان وإقرار حقوقه الأساسية والطبيعية وإقامة العدل والمساواة داخل المجتمع[58].
ولا مراء في انعكاس هذه الحركة التنويرية على العدالة الجنائية، حيث بزغت الفلسفة العقابية رافضة ما كان يلازم النظم الجنائية السائدة وقتها والتي كانت تبارك تحكم القضاة في خلق الجرائم والعقوبات و لإسراف فيها.
و من جانب آخر تأثر فيلسوف مونتسكيو الذي أقام في إنجلترا مدة سنتين اطلع على نظام سياسي منبثق على الثورة 1688 بأفكار لوك حول الحقوق الطبيعية للإنسان وعامل بعد عودته إلى فرنسا إلى إطلاق نظرية تقوم على إرساء نظام سياسي يضمن الحقوق الطبيعية، وذلك بترجمتها إلى حقوق وضعية تجسدها الدولة، القانون، والمؤسسات[59].
لقد طرح عدة أفكار بشأن الحكم في فرنسا في كتابه الشهير “Esprit des loi” أبرزها مبدأ فصل السلط وكذا تنديدا للظلم ورفضا للتعذيب دفاعا عن قيمة الإنسان، وكان كذلك الفيلسوف روسو الذي هاجم الاستبداد في مؤلفه “Contras social” وأرجع حق الدولة في العقاب إلى تنازل الفرد عن حقه في الانتقام الفردي[60].
ثانيا: آثار المذهب العقابية في تحيين حقوق المتهم
تعد الجريمة واقعة حتمية عرفها الإنسان منذ الأزل وعليه تستوجب العقاب وهذا الأخير عرف تطورا كبيرا، حيث حضي باهتمام فكري مع تطور العقل البشري، إلا أننا سوف نركز على العدالة الجنائية التي ساهمت فيها المدارس العقابية التي سنشير إليها تبعا مركزين على آثار أفكارها على معاملة المتهم في مرحلة المحاكمة.
أ)المدرسة التقليدية الأولى
يعتبر بيكاريا أهم أقطاب المدرسة التقليدية ولمعرفة أساس المدرسة التقليدية من بين صياغة نظرياتها وأفكارها على العقوبة يجب التطرق إلى العوامل التي ساهمت على صياغة أفكارها و نظرياتها على العقوبة هما:
العامل الأول: يتمثل في العيوب التي كان يتميز بها النظام الجنائي السائد في تلك الفترة الذي كان يشكو في تحكم القضاة في خلق الجرائم والعقوبات قاسية ووحشية.
العامل الثاني: ظهور الاتجاه الإنساني في النظر للعقوبة والغرض منها هذا الاتجاه الذي أثره فكر الديانة المسيحية من جهة وفكر فلسفة الأنوار من جهة أخرى الشيء الذي جعل المدرسة التقليدية على وضع مبادئ المحاكمة العادلة للمتهم تأكيدا على مبدأ شرعية التجريم والعقاب وانتصارها للحد من سلطة القاضي الجنائي،تعتبر لازمة لا غنى عنها لحماية حق المتهم في المحاكمة العادلة مما يدعم ذلك رفضها للتعذيب كوسيلة لاعترافه وإقرارها لفكرة المحاكمة العلنية وضرورة إتمامها في وقت معقول[61].
ب) المدرسة التقليدية الحديثة
جاءت هذه المدرسة كاتجاه تجديدي للفلسفة التقليدية لهذا سميت بالمدرسة التقليدية الحديثة، اهتمت بشخصية أو إنسانية المجرم من خلال ذلك الجانب الذي لم يهتم به مفكرو المدرسة التقليدية، أي بدل الاهتمام بالجريمة كواقعة اجتماعية لا ككيان قانوني مجرد.
أخذت المدرسة التقليدية الحديثة بزعامة Ortolon Granconبفكرة العدالة المطلقة كأساس للعقوبة تأثرا بأفكار الفيلسوف kant. ووازنت بين هذا الأساس وبين فكرة المنفعة الاجتماعية باعتبارها الإطار الذي يرسم حدودها وانتهت إلى أنه ينبغي ألا تكون أكثر مما هو عادل ولا أكثر ما هو ضروري[62].
قال مارك أنسل إنه يسمح للقاضي وكذلك للحلفين بأن يمنحوا بكل حرية للمحكوم عليه ظروف مخففة دون أن يكون عليه تقديم تفسير لذلك.
ج) المدرسة الوضعية
ظهرت المدرسة الوضعية المناقضة للمدرسة التقليدية بنظرة فلسفية مخالفة تماما مؤداها أن الإنسان مسير ومجبر في حياته، في مواقفه وسلوكياته المختلفة وأن القول بحرية الاختيار أن الإنسان العاقل هو محض خداع وخيال. وفي إطار محاكمة الجاني انتهت إلى ضرورة التنوع في التدبير الواجب اتخاذها، بحيث توجه كل صنوف الجانحين وأكدت على نجاح هذه التدابير رهين بمعرفة القاضي العلمية وقدرته على انتقاء التدبير الملائم لكل حالة، وتنبهت إلى ضرورة إعداد القاضي الجنائي والعمل على تخصصه من شأنه دعم حق المتهم في محاكمة عادلة[63].
د) مدرسة الدفاع الاجتماعي
يعتبر كل من البلجيكي أدوليف بيرنس، و كارماتيكا أهم رواد المذهب الاجتماعي الذي أسس مجموعة من المبادئ لتحقيق المحاكمة العادلة دون أخد لأهمية النظرة الشخصية وأن مهمة العدالة الجنائية تكمن في البحث عن وسائل يدافع بها المجتمع عن نفسه ضد خطر الجريمة أولا تصنيف الجانحين، ثانيا تخصص القاضي الجنائي والاستغناء على المحلفين في أطار الدعوى الجنائية[64].
بحيث يتعين على القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار العناصر الشخصية للمتهم، وينبغي أن تقسم الدعوى إلى مرحلتين، مرحلة لتحديد مدى إدانة المتهم بفحص ماديات الجريمة وأصنافها القانونية الثانية تحديد العقوبة التي يستحقها.
الفقرة الثانية: مبادئ المحاكمة العادلة في التشريع
عرفت حقوق الإنسان اهتماما وتطورا كبيرا منذ العصور القديمة باعتبارها لصيقة بالإنسان وفي الصراع حول السلطة نشأت فكرة صدور إعلانات حقوق الإنسان والحريات كمرجعية يمكن الرجوع إليها عند حدوث خلاف بين الحاكم والمحكومين، وقد عملت هذه الدساتير والإعلانات التي تأثرت بنظرية العقد الاجتماعي على تنظيم العلاقات بين المواطنين والحاكمين والتنصيص على تحقيق العدالة ومن أهم هذه الإعلانات: الإعلان الانجليزي للحقوق والحريات، الإعلان الأمريكي للحقوق، الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن[65].
أولا: العدالة في الإعلانات والدساتير
ساهمت الإعلانات والدساتير القديمة بشكل كبير في ترسيخ مبادئ المحاكمة العادلة كحق من حقوق الإنسان بدول السابقة الذكر.
- العدالة في الإعلان الانجليزي للحقوق والحريات
كان الإنجليز من الأوائل في إعلان عدد مهم من الحقوق منذ القرن الثالث عشر، وكانت هذه الإعلانات ناتجة عن صراعات ثارة تقع بين الملك وبارونات وثارة بين الملك والبرلمان حول تحديد السلطة للملك وهذه الإعلانات بمثابة عقود بين الطرفين أهمها[66]:
وثيقة العهد الأعظم 1215 جاءت هذه الوثيقة إثر اتفاق بين الكنيسة والملك والتي من خلالها يلتزم الملك المذكور بحماية الحرية الذاتية للأفراد ومنع حبس الأشخاص بشكل تعسفي وضمان المحاكمة العادلة في حالة إدانته من طرف مجلس القضاء والحق في التظلم أمام القضاء[67].
وظهرت في إنجلترا أول محاولة لتدوين حقوق الإنسان في وثيقة تجسدت في ملتمس الحقوق 1638م الذي يتضمن مجموعة من الحقوق والحريات الفردية، فبعد ذلك صدر قانون الضمانات المحاكمة العادلة سنة 1979م الذي يمنع الاعتقال غير القانوني ويؤكد على ضرورة إبلاغ المعتقل بسبب اعتقاله، وتوجت هذه القوانين بإصدار لائحة الحقوق التي نصت على المحاكمة العادلة عن طريق المحلفين وعدم فرض المحاكم بغرامات كبيرة أو الحكم بعقوبات قاسية[68].
- العدالة في الإعلان الأمريكي للحقوق
إن الإعلانات الأمريكية للحقوق لم تندد إلى تحقيق وتكريس مبادئ المحاكمة العادلة، بل كانت إعلاناتها تهدف إلى استقلالها بعد أن كانت مستعمرة من طرف بريطانيا ومن أهم إعلاناتها إعلان ولاية فيرجينيا 1976 الذي تأثر بالإعلان الإنجليزي ومفكري النهضة كجون جاك روسو و مونتسكيو[69]، ثم الإعلان الأمريكي 1776م الذي جاء بمجموعة من الحقوق كالحق في الحياة والحرية ومبدأ المساواة أمام القانون.
- العدالة في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن
كان لفكر روسو تأثيرا كبيرا في نفوس المواطنين الفرنسيين، كما اعتبرت الثورة الفرنسية بأن هناك حقوق يقرها القانون الطبيعي وبأنه لا يمكن للحاكم أن يحد منها لأن هذه الحقوق فوق سلطته لكونها سابقة عليه وفي عام 1789 قامت الثورة الشعبية ضد الملك نتج عنها مطالبة الشعب بالتحرير من الملكية وهو ما ساهم في خلق جمعية الطبقة العامة التي عملت على وضع نظام أساسي للحريات والحقوق أسفرت على وضع وثيقة الشريعة الخاصة لحقوق الإنسان و المواطن والتي أصبحت مقدمة الدستور الفرنسي الأول الصادر عام 1791م وسميت تلك الوثيقة بالإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن[70].
وقد جاء هذا الإعلان بعدة مبادئ في أكثر من مادة فبخصوص المحاكمة العادلة كحق من الحقوق التي تم التنصيص عليه في المواد 7 و 8 و 9، حيث تعالج الحرية الشخصية والسلامة الفردية، فتمنع هذه المواد التوقيف التعسفي وتؤكد على شرعية العقاب وعدم رجعية القوانين الجنائية وكذلك تأكد على مبدأ براءة المتهم حتى تبثث إدانته، وهذه الأخيرة تعتبر من أهم المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة وكذلك المادة 16 التي نصت على مبدأ فصل السلط كضمانة للحرية ولمحاكمة عادلة وهذه الفكرة اقتبسها رجال الثورة من فلسفة منتسكيو[71].
ثانيا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
في خضم اهتمام الفكري لحقوق الإنسان التي أخذت طريقها إلى دائرة القانون ودخلت مجال التقنين على المستوى الدولي بواسطة صياغة مجموعة من الأعراف الدولية ضمن قواعد اتفاقية شملتها المعاهدات الدولية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعد ما قطعت ثلاثة مراحل من تطورها .
وجاءت الشرعية الدولية لحقوق الإنسان من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، والعهدين الدوليين سنة 1966م بالإضافة إلى مجموعة من البروتوكولات الدولية[72] .
يتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 30 مادة تنطوي على قائمة من الحقوق يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: يهتم بالحقوق الطبيعية المتأصلة في الكائن البشري.
الصنف الثاني: يتناول الحقوق المدنية والسياسية.
والثالث يحيط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فبخصوص الجزء الثاني المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية من الإعلان المواد 3 إلى 21 التي تضمنت في طياتها المبادئ العامة لضمان المحاكمة العادلة وهي الاعتراف لكل إنسان بالشخصية الإنسانية، والمساواة أمام القانون والحق في اللجوء إلى المحاكم الوطنية للإنصاف في أعمال، عدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز أو النفي وبراءة المتهم حتى تبثث إدانته، عدم إدانة أي شخص بجريمة بسبب عمل أو امتناع عن عمل لم يكن يشكل جريمة بمقتضى القانون[73].
خاتمة
من خلال ما سبق نستخلص أن المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة التي تبلورت اليوم على شكل قواعد قانونية، وأصبح الكل ينادي بها كانت عبارة عن أفكار ونظريا فلاسفة ومفكرين سواء القدامى أو المحدثين. ففي العصور القديمة عرفت هذه المبادئ تدبدبا وعدم الاستقرار نظرا لتنوع المحاكم وعدم استقرار القوانين كما هو الحال بالنسبة للبابليين . لكن الشريعة الإسلامية يتضح أنها تضمنت المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة أكثر من أربعة عشرة قرن و التي أصبحت الآن مدونة في القوانين ودساتير الدول، كما دعت إلى احترام هذه المبادئ لإحقاق الحق وإبطال الباطل حتى تسود العدالة.
قائمة المراجع المعتمدة
– القرآن الكريم، رواية الإمام ورش.
– تفسير ابن جرير الطبري/ المكتبة التوفيقية. 2004
– تفسير ابن كثير/ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع 1996
– تفسير القرطبي / دار الفكر السلام للطباعة والنشر والتوزيع 1999
– البداية والنهاية لابن كثير / دار الحديث القاهرة 2004
– تاريخ الطبري / دار الكتب العلمية –بيروت. الطبعة الأولى 1407ه
– سيرة ابن هشام / دار إحياء التراث.
– السياسة الشرعية لابن تيمية / دار المعرفة.
– الخراج لابن يوسف / المكتبة الأميرية للتراث.
– مسند الإمام أحمد/ مؤسسة الرسالة –الطبعة الأولى- 2001.
– الجامع للخلال / المكتب الإسلامي –تحقيق زهير شاويش- 1401 ه
– ابن كثير/ الكامل في التاريخ –دار الكتاب العربي- 1997م.
– معجم الطبراني / دار الحرمين للطباعة والنشر 1995.
– البيهقي. السنين الكبرى / دار الكتب العلمية –الطبعة الثالثة- 2003.
– أبي الأعلى المردودي. الخلافة والملك –المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع. الطبعة 2 1995م.
– صحيح البخاري / بحاشية السندي –دار الفكر-.
– صحيح مسلم / دار الكتب العلمية.
– سنن للترميذي / دار الكتب العلمية.
– سنن ابن ماجه / دار إحياء التراث العربي 1975م.
– سنن النسائي / مكتبة المطبوعات الإسلامية 1994م.
– سنن أبي داود / دار إحياء التراث العربي.
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1948 عن منظمة الأمم المتحدة .
– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في 3 يناير 1976/ اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966.
– د.عبد الواحد العلمي / شرخ القانون الجنائي المغربي (القسم العام) مطبعة النجاح الجديدة طبعة 2009
– د. ثروت أنيس الأسيوطي: فلسفة التاريخ العقابي. مجلة مصر المعصرة. يناير 1929
– د. حاتم بكار. حق المتهم في محاكمة عادلة. مطبعة الإسكندرية. بدون طبعة.
– د. علي سليمان لعبيدي. تاريخ المؤسسات الاجتماعية
– د. صوفي حسن أبو طالب. تاريخ النظم القانونية و الاجتماعية. دار النهضة العربية سنة 1988م.
– د. عمر بندرو. حقوق الإنسان والحريات العامة .سلسلة القانون العام.طبعة 2007 الرباط.
– د.عبد المنعم البدراوي . تاريخ القانون الروماني. الطبعة الأولى . دار نشر التقافة 1949.
– د. عبد العزيز فهمي. قواعد وأثار فقهية رومانية. مطبعة جامعة فؤاد الأول سنة 1947.
– د. معروف الدواليني .الحقوق الرومانية وتاريخها. مطبعة الجامعة السورية. سنة 1959.
– د. حسني أمين –أعمال الندوة- يوم دراسي- بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال 2009 م.
– د. يوسف البحري .حقوق الإنسان -مطبعة الدوديات مراكش. طبعة 2012 م.
– منشورات جامعة لبنان 2009 زيارة الموقع بتاريخ 9/12/2014.
المبحث الأول: التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة في الشريعة الإسلامية. 6
المطب الأول: أصول العدالة في الإسلام 6
الفقرة الأولى: العدل و الحق. 6
الفقرة الثانية: المساواة والكرامة. 7
المطلب الثاني: مبادئ المحاكمة العادلة في الإسلام 8
الفقرة الأولى: القضاء و نماذج من المحاكمة العادلة في الإسلام 8
ثانيا: نماذج من المحاكمات في الإسلام 10
الفقرة الثانية: خصوصية جريمة الحدود ورسالة عمر بن الخطاب في القضاء. 11
ثانيا: رسالة عمر بن الخطاب في القضاء. 14
المبحث الثاني: التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة في الفكر الوضعي. 14
المطلب الأول: في العصور القديمة. 14
الفقرة الأولى: معالم الاهتمام بمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة عند البابليين. 15
الفقرة الثانية: مبادئ للمحاكمة العادلة عند الإغريق. 17
الفقرة الثالثة: مبادئ للمحاكمة العادلة عند الرومان. 18
المطلب الثاني: في العصور الوسطى والمعاصرة 20
الفقرة الأولى: سمات العدالة في الفكر الفلسفي. 21
أولا: أثار فلاسفة القانون الطبيعي. 21
ثانيا: آثار المذهب العقابية في تحيين حقوق المتهم 22
الفقرة الثانية: مبادئ المحاكمة العادلة في التشريع. 24
أولا: العدالة في الإعلانات والدساتير. 25
ثانيا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 26
[1] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة سنة 1948.
[2] منشورات جامعة الجنان. 2009. طرابلس لبنان
[3] الآيات 6 و7 و8 من سورة الرحمان.
[4] الآية 25 من سورة الحديد.
[5] الآية 89 من سورة النحل.
[6] الآية 7 و8 من سورة الأنفال.
[7] الآية 26 من سورة ص
[8] الآية 33 من سورة الإسراء
[9] البداية و النهاية .ص 10/20
[10] الطبري .ج.2 ص 80 ابن هشام السيرة النببوية ج 4 ص 311 كنز العمال ج 0 حديث رقم 2261-2268
[11] أبو يوسف الخراج . ص 155. أبو داود حديث رقم 55 ابن الاثيرج 3 ص 30 الطبري ج 3 ص273.
[12] الآية 13 من سورة الحجرات.
[13] الآية 70 من سورة الإسراء.
[14] الآية 95 من سورة المائدة.
[15] الآية 105 من سورة النساء.
[16] السياسة الشرعية. ص 85
[17] السنين الكبرى للبيهيقي. ج. 10 ص 136.
[18] الآية 95 من سورة المائدة.
[19] الآية 282 من سورة البقرة.
[20] فقه السنة. ج 3. ص 383
[21] الآية 4 من سورة النور.
[22] الآية 38 و 39 من سورة النجم.
[23] د. عبد الواحد العلمي. شرح القانون الجنائي المغربي (القسم العام). مطبعة النجاح الجديدة .طبعة 2009. ص 58 و 59 60
[24] الآية 145 من سورة الأنعام.
[25] الآية 6 من سورة الحجرات.
[26] الآية 15 من سورة الإسراء
[27] الآية 28 من سورة النجم.
[28] فقه السنة ج 3 ص 368.
[29] د. ثروت أنيس الأسيوطي: فلسفة التاريخ العقابي. مجلة مصر المعصرة. يناير 1929 ص 211
[30] د. حاتم بكار. حق المتهم في محاكمة عادلة. مطبعة الإسكندرية. بدون طبعة ص 9
[31] د. حاتم بكار. مرجع سابق ص 9
[32] د. علي سليمان لعبيدي. تاريخ المؤسسات الاجتماعية
[33] د. صوفي حسن أبو طالب. تاريخ النظم القانونية و الاجتماعية. دار النهضة العربية سنة 1988م. ص 239 وما بعدها.
[34] د. على سليمان لعبيدي. مرجع سابق ص
[35] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 14
[36] د. علي سليمان لعبيدي مرجع سابق ص
[37] د. علي سليمان لعبيدي مرجع سابق ص
[38] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 14
[39] د. صوفي حسن أبو طالب. تاريخ النظم القانونية و الاجتماعية. دار النهضة العربية سنة 1988م. ص 138
[40] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 16
[41] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 17
[42] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 17
[43] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 18
[44] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 18
[45] د. عمر بندرو. حقوق الإنسان والحريات العامة .سلسلة القانون العام.طبعة 2007 الرباط. ص 9.
[46] د.عبد المنعم البدراوي . تاريخ القانون الروماني. الطبعة الأولى . دار نشر التقافة 1949. ص188 وما بعدها.
[47] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 19
[48] د. عبد المنعم البدراوي. مرجع سابق. 189
[49] د. عبد المنعم البدراوي. مرجع سابق. 190
[50] د. عبد العزيز فهمي. قواعد وأثار فقهية رومانية. مطبعة جامعة فؤاد الأول سنة 1947. ص 135
[51] د. عبد العزيز فهمي. مرجع سابق. ص 135.
[52] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 20
[53] د. معروف الدواليني .الحقوق الرومانية وتاريخها. مطبعة الجامعة السورية. سنة 1959. ص 499 و 500.
[54] د. حسني أمين –أعمال الندوة- يوم دراسي ص 15
[55] د. حاتم بكار مرجع سابق ص 22
[56] د. حاتم بكار.مرجع سابق. ص 21
[57] د. عمر بندورو-حقوق الإنسان والحريات الأساسية- مرجع سابق ص 10
[58] د. حاتم بكار.مرجع سابق. ص 23
[59] د. يوسف البحيري حقوق الإنسان مطبعة الدوديات مراكش.طبعة 2012 ص 25.
[60] د. حاتم بكار مرجع سابق. ص 23
[61] د. حاتم بكار مرجع سابق. ص 24
[62] د. حاتم بكار. مرجع سابق ص 24.
[63] د. حاتم بكار. مرجع سابق ص 26.
[64] د. حاتم بكار. مرجع سابق ص 27.
[65] د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 29.
[66] د.عمر بندورو. مرجع سابق. ص 11
[67] د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 29
د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 29.
[69] د. عمر بندورو مرجع سابق. ص 14.
[70] د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 32.
[71] د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 34.
[72] د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 42
[73] د. يوسف البحيري مرجع سابق. ص 45