مقالات قانونية

التدرج الهرمي لمصادر مبدأ المشروعية المجسد لدولة القانون .

 

téléchargement (2)

 غلاي حياة

 متحصلة على شهادة الماجستير في القانون العام المعمق ، مسجلة في قسم الدكتوراه. الجزائر

 

 

 

 
التدرج الهرمي لمصادر مبدأ المشروعية المجسد لدولة القانون

يعني مبدأ المشروعية بوجه عام سيادة أحكام القانون في الدولة بحيث تعلو أحكامه و قواعده فوق كل إرادة سواء كانت إرادة الحاكم أو المحكوم ، و خضوع السلطة الإدارية للقانون في كل ما يصدر عنها من تصرفات و ما تتخذه من أعمال و قرارات و في جميع مظاهر النشاط الذي تقوم به . و معنى ذلك أن كل تصرف تجريه السلطات العامة و تخالف به قواعد القانون يقع باطلا و غير نافذ مما يجعله قابلا للإلغاء .

فمبدأ المشروعية يقتضي تقيد إرادة الحاكم مثل المحكوم بقواعد القانون بدون تمييز بينهم . و من ثم لا يكفي أن يخضع الأفراد وحدهم للقانون في علاقاتهم الخاصة ، بل إنه من الضروري أن تخضع له أيضا الهيئات الحاكمة في الدولة بحيث يجب أن تأتي تصرفات و قرارات و علاقات تلك الهيئات فيما بينها أو فيما بينها و بين الأفراد متفقة مع أحكام القانون . فالسلطات العامة ملزمة بالخضوع لأحكام القانون حيث يجب على السلطة التشريعية الإلتزام بأحكام الدستور و القواعد القانونية العامة . كما أن القضاء مطالب باحترام كافة القوانين و تطبيقها على المنازعات التي يفصل فيها . أما السلطة التنفيذية فهي الأخرى مطالبة بالخضوع للقانون و الالتزام بأحكامه سواء بوصفها حكومة في مستواها الأعلى أو بإعتبارها إدارة بمختلف مستوياتها . لذلك يعتبر مبدأ المشروعية صمام أمان بالنسبة لحقوق و حريات الأفراد ، و هو الحصن الذي يكفل صيانتها و حمايتها من كل إعتداء .

فإذا كان المقصود بمبدأ المشروعية هو خضوع الدولة أو الإدارة للقانون ، فإن المقصود بالقانون هو القانون بمعناه الواسع أي القواعد القانونية المكتوبة و غير المكتوبة . و من المسلم به أن النظام القانوني في الدولة يتدرج في شكل هرمي بحيث تكون القاعدة الأعلى ملزمة للقاعدة الأدنى .

و يمكن تصنيف مصادر المشروعية إلى قسمين رئيسيين هما المصادر المكتوبة ، و تشمل كل من الدستور و المعاهدات و التشريعات العادية و التنظيمات أو اللوائح . و المصادر غير المكتوبة التي تشمل العرف و القضاء و المبادئ العامة للقانون.

وفيما يلي سيتم التعرض إلى كل مصدر من مصادر المشروعية على حدى و ذلك على الشكل التالي :

المبحث الأول : المصادر المكتوبة لمبدأ المشروعية .

يقصد بالمصادر المكتوبة القواعد القانونية المدونة في وثيقة رسمية ، و التي تحتوي على قواعد قانونية ملزمة تتفاوت في درجة قوتها القانونية ، و الصادرة عن سلطات رسمية لها حق التشريع في الدولة . و لا تتمتع هذه القواعد جميعها بذات القيمة القانونية ، بل تتدرج في المرتبة بحيث تأتي القواعد الدستورية في قمة النظام القانوني للدولة ، ثم تليها المعاهدات ، ثم القوانين و أخيرا التنظيمات ، و ذلك على الشكل التالي :

المطلب الأول: الدستور ( التشريع الأساسي) .

يشكل الدستور القانون الأساسي و الأسمى بالنسبة للنظام القانوني للدولة ، و هو يتضمن القواعد و المبادئ الأساسية التي تحكم المجتمع في مختلف نواحي الحياة . و يستمد الدستور علو مرتبته من مصدرين أساسيين أحدهما موضوعي و الآخر شكلي .

فالمصدر الموضوعي ، يتمثل في أن الدستور يتكفل بضبط و تحديد أهم و أخطر علاقة ألا و هي علاقة الحاكم بالمحكومين . كما يتضمن إلى جانب ذلك الإعلان عن مجموع الحقوق و الحريات التي يتمتع بها الأفراد داخل الدولة .

أما المصدر الشكلي ، فيقصد به مساهمة الشعب بصفة مباشرة في إقرار الوثيقة الدستورية و هذا باعتمادها بطريق الاستفتاء ، و هو الأسلوب الغالب في ظل الدولة الحديثة ، بل حتى و لو انتخب الشعب جمعية تأسيسية و كلفت بصياغة الدستور .

 

 

و من هذا المنطلق فإنه يتعذر القول بأن الدولة تعد دولة قانونية بدون وجود القواعد الدستورية اللازمة لتنظيم هذه الدولة من خلال تبيان نظام الحكم و تحديد الحقوق و الحريات العامة للأفراد و تقرير الأسس و المقومات التي يقوم عليها المجتمع .

المطلب الثاني : المعاهدات .

تعتبر المعاهدات مصدرا من مصادر مبدأ المشروعية ، و هذا بعد أن يتم التصديق عليها من جانب السلطة المختصة داخل الدولة . و فور التصديق عليها تصبح المعاهدة جزء من التشريع الداخلي للدولة ، و من ثم يلتزم الأفراد و السلطات العامة باحترامها و النزول على حكمها ، بل إن بعض الدساتير، كالدستور الجزائري يعترف لها بطابع السمو على القانون .

 

و في هذا الصدد نصت المادة 132 من الدستور الجزائري لسنة 1996 على أن " المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون " ، و بذلك فالمعاهدات تحتل المرتبة الثانية بعد الدستور ضمن هرم مصادر المشروعية ، فالإدارة ملزمة في تصرفاتها باحترام تلك المعاهدات الدولية بوصفها قانونا داخليا ، لذلك فإن القرارات التي تصدر عن الإدارة و تكون مخالفة للمعاهدات المصادق عليها تعتبر غير مشروعة 
.

المطلب الثالث: القوانين .

 

هي تلك القواعد القانونية العامة و المجردة التي تضعها السلطة التشريعية 
ممثلة في البرلمان الذي يختص بوظيفة التشريع وفقا لأحكام دساتير مختلف الدول استنادا إلى مبدأ الفصل بين السلطات . و من ثم تلتزم كافة الهيئات العامة بالإضافة إلى الأفراد باحترام أحكامها ما لم تلغى أو تعدل وفقا للإجراءات المقررة .

و يجب أن يخضع لهذه القوانين الحكام و المحكومين إذ لا يصح أن يتحلل الحكام من الالتزام بها و يفرض احترامها على الأفراد فقط ، و إنما يتحتم أن تكون عامة و شاملة في إلزامها لمختلف الهيئات العامة و الخاصة و الأفراد حتى يتحقق العدل ، و يستقر النظام ، و يسود مبدأ المشروعية في الدولة فتكون السيادة للقانون و ليس لهيئة ما أيا كانت أو لفرد ما .

المطلب الرابع : التنظيمات ( اللوائح ) .

 

هي تلك القرارات الإدارية التنظيمية أو العامة التي تقوم السلطة التنفيذية بإصدارها طبقا للدستور، فهي قرارات تتضمن قواعد عامة و مجردة ، و تصدر في شكل مراسيم رئاسية أو تنفيذية أو قرارات وزارية فردية أو مشتركة ، كما قد تصدر عن الولاة ، أو عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية ، و مدراء المؤسسات ذات الطابع الإداري لتنظيم جوانب كثيرة في نشاط الإدارة 
.

 

فالأصل أن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص في مجال التشريع طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات، إلا أن الواقع العملي قد تطلب التخفيف من هذا المبدأ نظرا لطول مدة إنشاء النص القانوني، و لذلك نجد أن السلطة التنفيذية تضع نوعا من القواعد العامة و المجردة و التي تكون واجبة التطبيق ما دامت مشروعة 
.

المبحث الثاني : المصادر غير المكتوبة لمبدأ المشروعية .

بجانب المصادر المكتوبة ، توجد مصادر أخرى للمشروعية تتمثل في المصادر القانونية غير المكتوبة ، أي تلك القواعد التي تصدر عن سلطة مختصة بذلك ، و تتمثل هذه المصادر في العرف و القضاء و المبادئ العامة للقانون و هذا ما سيتم التعرض له فيما يلي :

المطلب الأول : العرف .

 

هو ما جرى عليه العمل من جانب السلطة التنفيذية في مباشرة صلاحياتها واختصاصاتها الإدارية بشكل متواتر و على نحو يمثل قاعدة ملزمة واجبة الإتباع من قبل الجميع 
.

هذا و تجدر الإشارة إلى أنه لكي يتحقق العرف لا بد أن يتوفر ركنين هما الركن المادي و الركن المعنوي .

فالركن المادي يقصد به اعتياد إحدى الجهات الإدارية في الدولة على إتباع سلوك معين إزاء تنظيم

 

أمر من الأمور أو علاقة من العلاقات ، أي باضطراد سلوك الإدارة عند مزاولتها لإحدى أنشطتها المختلفة بأسلوب معين أو الاعتياد على الأخذ بقاعدة معينة تتبع في بعض الحالات حتى يتوافر لها الثبات و الاستقرار . أما إذا كانت الجهة الإدارية تقوم أحيانا بالالتزام و لا تلتزم في حالات أخرى ، فإن ذلك لا يؤدي إلى القول بأن العمل الذي تجريه الإدارة يعتبر عرفا ملزما لها . غير أنه ينبغي التأكيد على أن تقرير الإدارة لقاعدة عرفية درجت على إتباعها و الالتزام بمقتضاها لا يحرمها بطبيعة الحال من إمكانية تعديلها أو إلغائها بما يتناسب مع الظروف المتجددة و الأحوال المتغيرة بحيث تكون أكثر اتفاقا مع المصلحة العامة أو أكثر تحقيقا لصالح العمل الإداري .

أما الركن المعنوي فيتمثل في عنصر الإلزام ، أي شعور أطراف العلاقة التي تنظمها القاعدة العرفية بإلزامية هذه القاعدة و وجوب سريانها .

و لإعتبار التصرف أو الإجراء الذي تتخذه الإدارة عرفا ملزما لها يجب أن يتوافر شرطان هما :

أ – أن يكون العرف عاما ، و أن تطبقه الإدارة بصفة دائمة و منتظمة .

ب – أن لا يكون العرف مخالفا لنص قائم ، و يقصد بذلك أن لا تخالف الإدارة أي نص قانوني أيا كان مصدره سواء كان نصا في الدستور أو المعاهدات أو القانون العادي أو التنظيم . و من هنا إذا تعارض العرف مع التشريع مثلا فلا بد أن تكون الغلبة في التطبيق للتشريع دون العرف المخالف الذي ينبغي طرحه جانبا و عدم إعماله ، و إلا عد ذلك إنتهاكا لمبدأ المشروعية و خروجا عليه .

و مع ذلك يجب القول بأنه لا يقصد من وجود العرف كمصدر للقواعد الملزمة للإدارة أن هذه القواعد ذات طابع أبدي ، لأن الإدارة حسبما تقتضيه دواعي التطور و ظروف العمل أن تقوم بتعديلها أو العدول عنها بقصد إنشاء قاعدة عرفية جديدة تتلاءم مع الظروف الجديدة بما يزيد من كفاءة الإدارة. فتعديل القاعدة العرفية لا يقلل من أهميتها أو ينقص من قيمتها القانونية ذلك أن القاعدة القانونية هي الأخرى تقبل التعديل و التغيير لمواكبة تغير الظروف و تحقيق الهدف منها .

المطلب الثاني: القضاء .

يعتبر القضاء من أهم مصادر مبدأ المشروعية بصفة عامة و القانون الإداري بصفة خاصة و ذلك نظرا للدور الذي يقوم به ، فهو الذي يفسر النصوص القانونية الغامضة و يوفق بين النصوص المتعارضة ، و هو بهذا الدور المميز يقوم باستنباط القاعدة التي تتلاءم مع طبيعة المنازعة الإدارية .

كما يقوم القاضي الإداري بدور مهم في مجال إنشاء القواعد العامة و المجردة ، و ذلك من خلال إجتهاده بأن يجد حلا للنزاع المعروض أمامه إذا لم تتضمن النصوص حلا للنزاع . و تتميز القواعد القانونية التي يكون مصدرها القضاء بوضوحها و مرونتها ، فهي تصاغ بأسلوب سهل الفهم بالنسبة للقضاة الآخرين عندما تعرض عليهم حالات مماثلة .

المطلب الثالث : المبادئ العامة للقانون .

هي تلك القواعد القانونية غير المكتوبة التي يقررها أو يكتشفها أو يستنبطها القضاء و يعلنها في أحكامه، فتكتسب قوة إلزامية . إن المبادئ العامة للقانون تعتبر قواعد قانونية ملزمة بحيث يتحتم على السلطة العامة الالتزام بها و العمل بمقتضى ما تقرره من أحكام و ذلك فيما تتخذه من أفعال و تصرفات و إلا تعرضت للبطلان لمخالفتها مبدأ المشروعية .

و ليس من اليسير تحديد السند القانوني المكتوب الذي يستند إليه القضاء في التوصل إلى الكشف عن المبادئ القانونية العامة ، حيث لا يقوم القضاء عادة بإسناد المبادئ العامة إلى نصوص تشريعية معينة ، و لذلك كانت هذه المصادر دائما فضفاضة . فقد يستند القاضي الإداري في استنباط المبدأ العام إلى الاتجاهات العامة في التشريع لا إلى نص قانون معين . و قد يستند القاضي إلى المبادئ الأساسية التي بني عليها الدستور ، أو إلى مبادئ العدالة الطبيعية ، أو إلى النظام الإجتماعي أو الاقتصادي في الدولة .

لقد تضاربت الآراء بشأن تحديد مكانة المبادئ القانونية العامة بين مختلف القواعد القانونية . فذهب البعض إلى القول بضرورة التفرقة بين المبادئ بحسب المصدر الذي استخلصها القضاء منه . فإذا كانت هذه المبادئ قد استخلصت من مجموعة الأصول و القواعد الدستورية فإنها في هذه الحالة تأخذ مرتبة النصوص الدستورية و لا يجوز للمشرع أن يخالفها استنادا إلى أنها تحمل قوة المصدر الذي جاءت منه. أما إذا كانت هذه المبادئ قد استخلصت من مجموعة التشريعات العادية ، فإنها تكون من نفس قوتها و يكون من حق المشرع تعديلها و إلغائها مثلما يفعل بالنسبة للقوانين .

و يرى البعض الآخر أن التفرقة السابقة مرفوضة ، ففي كل الأحوال لا يصح أن تتجاوز المبادئ القانونية العامة قوة التشريع العادي لأن هذا الأخير هو وسيلة التعبير الأولى عن القاعدة القانونية ، و من ثم ليس للمبادئ القانونية التي أعلن عنها القاضي في أحكامه أن تعلوه . فهذا الأخير و إن كان بإمكانه أن يكمل النقص و القصور الموجود في التشريع ، إلا أنه ليس من حقه مع وجود النص أن يقرر قضاء مخالفا أو مبدأ قانونيا يعارض تشريعا قائما . و على كل حال ، فإن الأمر المؤكد أن الإدارة لا تستطيع مخالفة المبادئ القانونية العامة فيما تجريه من تصرفات و ما تقوم به من أعمال أيا كانت الوسيلة المستخدمة أي سواء كانت قرارا لائحيا أم إجراء فرديا .

من خلال ما سبق يتضح أن مبدأ المشروعية يعني أن تكون جميع نشاطات الإدارة العمومية تمارس في حدود القانون أيا كان مصدره مكتوبا أو غير مكتوب ، مع مراعاة التدرج في قوته . و كل عمل إداري يخرج عن أحكام هذا المبدأ يكون محلا للطعن فيه . و في هذا الإطار تنص المادة 04 من المرسوم رقم 88-131 المؤرخ في 04 جويلية 1988 المتضمن تنظيم علاقات الإدارة بالمواطن على ما يلي: " يجب أن يندرج عمل السلطة الإدارية في إطار القوانين و التنظيمات المعمول بها ….." ، و بما أن الحريات العامة بشكل عام مضمونة من طرف الدستور أو القانون ، لهذا فإن كل تقييد لها من قبل السلطات الإدارية يعتبر مساسا و إخلالا بمبدأ المشروعية .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى