بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

الحماية الجنائية للماء في التشريع المغربي – الباحثة سهام تابت باحثة بسلك الدكتوراه ” مختبر القانون الخاص ورهانات التنمية” كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس – المغرب


الحماية الجنائية للماء في التشريع المغربي

Légal protection of water in the moroccan Law

?الباحثة سهام تابت

باحثة بسلك الدكتوراه ” مختبر القانون الخاص ورهانات التنمية”

كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس – المغرب


الملخص:

يشكل الماء أحد أكبر الانشغالات الدولية بالنظر للأهمية التي يحظى بها، فهو مورد حيوي طبيعي مهم تسعى جل الدول إلى تلبية حاجيات شعوبها منه. والمغرب يعتبر من ضمن هذه الدول الذي عمل جاهدا من خلال تشريعاته للحفاظ على الماء الذي بدأ يعرف نوعا من الانخفاض في السنوات الأخيرة، ووعيا من المشرع بخطورة ذلك، فقد عمل على توفير حماية قانونية له، وذلك بالتنصيص على عقوبات زجرية بمقتضى القانون رقم 15.36 تلحق كل من حاول المساس بهذا المورد .

الكلمات المفتاحية : الماء، مورد ، الخطورة، عقوبات، الحماية.

Summary:

Water is the most important thing for many countries in the world , for its great importance and rule in human’s life It’s considered as a naturel and vital ressource All the nations want to satisfy the need of their People , and morocco is one of them, which worked hard and that through the legislations So as to keep this resources that become decreasing in the few Last years.

we find that the legislator is aware about the danger of the situation, he worked hard for a legal protection to this resource According to the law number 15.36 every one Who dare to touch this ressource will be punished.

Key words: : water, resource, dangerous, penalties, protection.

مقدمة:

يكتسي الماء أهمية كبيرة إذ هو من مقومات الأمن والاستقرار داخل أي دولة، فهو مصدر طبيعي ضروري لكل الكائنات التي تعيش على وجه الأرض لقول الحق سبحانه وتعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي”، والماء أصبح ضروريا في حياتنا اليومية من خلا الاستعمال الفلاحي و المنزلي والصناعي.

و نظرا للأهمية التي يحظى بها هذا المورد فقد عمل المغرب على وضع مخططات مستقبلية و مراجعة الاستراتيجيات في مجال تدبير المياه و ذلك بسنه مجموعة من القوانين كان آخرها قانون الماء رقم 36.15، الذي سعى المشرع من خلاله إلى توفير الحماية الكافية لهذا المورد الذي أصبح يتعرض يوما بعد يوم للتلوث و الاستنزاف بفعل التطورات الاقتصادية و الصناعية وذلك بوضعه لإطار عقابي يقع على كل من خالف مقتضياته.

أهمية الموضوع:

تكمن أهمية الموضوع في اعتباره ذو بعد اقتصادي واجتماعي و قانوني، فالأهمية الاجتماعية تكمن في أن الماء له دور مهم في الحياة اليومية به يقوم الانسان بكل أنشطته، فهو مادة حيوية مهمة و نعمة ربانية أصبحت تشغل بال كل الدول تخوفا من نذرته. أما على مستوى الشق الاقتصادي فإن الماء له دور مهم في المجال الفلاحي الذي يعتمد عليه بنسبة كبيرة في تحريك عجلة الاقتصاد،

أما الاهمية القانونية فتنطلق من كون المشرع صاغ مجموعة من النصوص القانونية التي تكفل صيانة الماء و مكافحة جميع أنواع الاعتداء عليه، بوضعه لأجهزة مهمتها رصد المخالفات المرتكبة في هذا المجال وفرض عقوبات رادعة .

و الحديث في هذا الموضوع يجعلنا نتساءل عن ما مدى نجاعة التشريع الجنائي المغربي في حماية الماء؟

ومن أجل تحليل هدا الموضوع بشكل مفصل، ارتأينا الإحاطة به من خلال التصميم التالي:

المطلب الأول : الجرائم الماسة بالماء من خلال القانون المغربي

المطلب الثاني : إشكالية أركان الجريمة المائية و العقوبات الزجرية المقررة لها

المطلب الأول: الجرائم الماسة بالماء من خلال القانون المغربي

عرفت حقوق المياه حماية جنائية سواء من خلال القانون الجنائي، الذي عمل المشرع المغربي من خلاله على تجريم بعض الأفعال التي تعد جرائم ماسة بحقوق المياه كما هو الشأن في كل من الفصول 586 ،590 ،606،609 من القانون الجنائي (2)، وقد وسع المشرع من جانب هذه الحماية وذلك بإضافة أفعال جديدة تعد جرائم في قانون الماء رقم 36-15 (1).

الفقرة الأولى : الجرائم المنصوص عليها في قانون الماء

تتعدد الجرائم المرتبطة بالملك العام المائي بين جرائم تمس المنشآت العمومية المائية ( أولا)، و أخرى تتعلق باستعمال المياه العمومية ( ثانيا).

أولا : جرائم ماسة بالمنشآت المائية العمومية

1 – جريمة هدم المنشآت العمومية المائية:

نصت المادة 137 من قانون الماء، على ان كل من هدم جزئيا أو كليا، بأية وسيلة كانت المنشآت و التجهيزات المشار إليها في الفقرة ح من المادة 5 يعد جريمة .

وهذه المنشآت المائية هي:

– الآبار و الثقوب الارتوازيةوالآبار والمساقي ذات الاستعمال العمومي وكذا، عند الاقتضاء، مدارات حمايتها المباشرة التي تمت حيازة أراضيها بصفة قانونية؛

– قنوات السقي أو التصريف المخصصة لاستعمال عمومي وكذا الأراضي الواقعة في ضفافها الحرة التي تمت حيازتها بصفة قانونية؛

– الحواجز والسدود وكذا حقيناتها والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقي المخصصة لاستعمال عمومي.

إذن من خلال هذه المادة، يطهر أن المشرع الغربي لم يولي اهتماما لمدى توفر القصد الجنائي لدى مرتكب الفعل من عدمه، او إلى الوسيلة التي ارتكب بها الفعل الإجرامي بل أكتفى فقط بان يتم ارتكاب الفعل المادي ألا وهو الهدم الكلي او جرائم الجزئي حتى نكون امام هذه الجريمة.

2- جريمة إقامة حواجز:

بالإطلاع على المادة 117 من قانون الماء 36-15، نجد أنها منعت كل إقامة لحواجز أو بنايات او تجهيزات أخرى من شأنها أن تعرقل سيلان مياه الفياضانات .

ثانيا : جرائم مرتبطة باستعمال المياه العمومية

يخضع استعمال الملك العام المائي لأسلوبين فقط، و يتعلق الأمر بكل من الامتياز و الترخيص، هذا الأخير الذي عمل المشرع بموجب المادة 28 على تحديد العمليات الخاضعة له، و كل مخالفة لهذا المقتضى يعد جريمة.

وكنموذج لهذه المخالفات نورد ما يلي :

  1. استعمال المياه المستعملة دون ترخيص

    تجرم المادة 139 بعض الأفعال وذلك بمخالفتها لمقتضيات المواد 65،66،156 من قانون الماء. و بالرجوع للمواد المحال عليها، نجد أن المادة 65 تنص على أنه ” لا يجب أن يعاد استعمال المياه المستعملة المصفاة لغرض الشرب أو لتحضير او تعبئة أو لحفظ منتوجات أو مواد غذائية.

    كما يجب عدم الترخيص بإعادة استعمال المياه المستعملة المصفاة لأجل غسل او تبريد الأوعية أو غيرها من الأشياء المعدة لاحتواء منتجات أو مواد غذائية او للاستعمال في تحضيرها أو تكييفها أو حفظها”.

    اما المادة 66 فقد جاء فيها بأنه تخضع كل إعادة استعمال للمياه المستعملة لترخيص من وكالة الحوض المائي بعد استطلاع رأي الإدارة باستثناء:

    – التدوير الداخلي للمياه المستعملة من طرف المستفيد من الترخيص أو صاحب الامتياز لجلب الماء مع مراعاة الفقرة الأولى من المادة 64 أعلاه؛

    – إعادة استعمال المياه المستعملة الصادرة عن تجهيزات التطهير المستقل المعتمدة المشار إليها في المادة 108 أدناه. ويجب أن يصرح بهذا الاستعمال لدى وكالة الحوض المائي.

    و أخيرا نصت المادة 156 في إطار المقتضيات الانتقالية بأنه :يجب أن تتطابق استعمالات المياه المستعملة، الموجودة عند تاريخ نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية، مع مقتضيات هذا القانون خلال اجل تحدده الإدارة بعد استطلاع رأي وكالة الحوض المائي المعنية.

    إذن فالمشرع من خلال تجريمه لهذه الأفعال، يهدف إلى الحفاظ على الصحة العامة و الحماية من التلوث، لأن من شان استعمال مياه مستعملة في اي مجال سيؤدي إلى الإضرار بالصحة العامة و تلويث البيئة، و أن وكالة الحوض المائي لا ترخص باستعمال المياه المستعملة إلا بعد إخضاعها لمعالجات خاصة و التثبت من عدم إضرارها بالصحة العامة في الاستعمالات التي ستخصص لها .

  2. جريمة حفر الآبار دون ترخيص وجلب مياه دون إذن مسبق

    بالإطلاع على المادة 114 من قانون الماء ، نجد انه لا يسمح بأشغال إنجاز أو تعميق أو إصلاح الأثقاب بهدف البحث عن الماء إلا الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين الممنوحة لهم رخصة الثاقب التي تشهد أن له المؤهلات والقدرات اللازمة لإنجاز تلك الأشغال، وأن معدات الثقب لديه تتطابق مع معايير ومقاييس معدات الثقب المحددة بنص تنظيمي.

    تحدد رخصة الثاقب على الخصوص شروط مزاولة مهنة ثاقب، وكيفية التصريح بأعمال إنجاز الاثقاب والعناصر التي يجب أن يتضمنها التصريح، والمعلومات التي يجب أن يدلي بها الثاقب عند انتهاء أشغال الثقب. ..

    الفقرة الثانية : جرائم منصوص عليها في القانون الجنائي

    حيث نص الفصل 586 على أنه : من خرب عمدا، بواسطة مفرقعات أو أية مادة متفجرة، مسالك عامة أو خاصة أو حواجز أو سدودا أو طرقا أو قناطر أو منشآت الموانئ أو منشآت صناعية، يعاقب بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة؛ ويعاقب على المحاولة كالجريمة التامة.

    أما الفصل 590 فقد نص على أن: من خرب أو هدم عمدا بأية وسيلة كانت، كلا أو بعضا من مبان أو قناطر، أو حواجز أو سدود أو طرق أو منشآت الموانئ أو منشآت صناعية، يعلم أنها مملوكة لغيره وكذلك من تسبب في انفجار آلة بخارية، أو تخريب محرك آلي في منشآت صناعية، يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر.

    الفصل 606 في فقرته الثانية من القانون الجنائي المغربي فقد جاء فيه: … ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم من حول عمدا وبدون حق مياها عامة أو خاصة.

    وفي الفصل 609 جاء فيه انه يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية:

    … 20 – من ألقى مواد ضارة أو سامة في سائل يستعمل لشرب الإنسان أو الحيوان دون أن يكون عنده قصد الإضرار بالغير.

    46 – من وضع أو ترك في مجاري المياه أو الينابيع مواد أو أشياء أخرى من شأنها أن تعطل جريانها.

    كان هذا كل ما يتعلق بالأفعال المجرمة التي تمس البيئة المائية في كل من القانون الجنائي و التشريع الخاص بالمياه ألا وهو قانون رقم 36-15، وكما هو معلوم فإن لكل جريمة أركانها فهل الجريمة المائية تخضع لنفس الأركان الجنائية التقليدية أم لها بعض الخصوصيات ؟ و ما طبيعة العقوبات المقررة لها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال المحور الموالي .

    المطلب الثاني : إشكالية أركان الجريمة المائية و العقوبات الزجرية المقررة لها

    تعد الجريمة من أخطر الأفعال التي تمس بالسلم في المجتمع بصفة عامة فما بالك إذا تعلقت بمورد أساسي و ضروري لحياة جميع الكائنات على وجه الأرض، و حتى نكون أمام جريمة فلا بد من أن تتوفر أركانها، هذه الأركان التي تطرح بعض الإشكالات إذا تعلق الأمر بجريمة مائية ( الفقرة الأولى)،و من أجل متابعة الجاني لابد من وجود نص يعاقب على الفعل ( الفقرة الثانية).

    الفقرة الأولى : إشكالية أركان الجريمة المائية

    إن لكل جريمة كيفما كانت أركان تؤسس عليها، من ركن قانوني و ركن مادي وكذا الركن المعنوي إن اجتمعت تتحقق المسؤولية الجنائية، إلا ان الجرائم المائية ونظرا لطبيعتها تطرح بعض الإشكالات و تتمتع ببعض الخصوصيات في قيامها على مستوى كل من الركن المادي(أ)، أو على مستوى الركن المعنوي(ب).

    أولا. الإشكالات المرتبطة بالركن المادي:

    النشاط الإجرامي عبارة عن سلوك إرادي ذو مظاهر مادية يصدر عن الفاعل في ظروف معينة ابتغاء غاية إجرامية، يؤدي إلى الضرر بالمصالح المراد حمايتها أو تهديدها بحدوثه و الذي يسعى المشرع من وراء تجريمه إلى الحيلولة دون وقوع تلك النتيجة الإجرامية أو التهديد بها. ولابد من التأكيد أن النشاط الإجرامي قد يأتي في صورة نشاط إيجابي، او في صورة نشاط سلبي.

  • الفعل الإيجابي في الجرائم الماسة بالماء

    يعرف السلوك الإيجابي بصفة عامة كل حركة عضوية ذات صفة إرادية تتمثل في فعل يأتيه الجاني مخالفة لما ينهي عن إتيانه القانون، وبناء على ذلك فإن الفعل الاجرامي في الجرائم المائية يكون بإقدام الجاني لفعل الاعتداء على الماء بكل مكوناته و كذا المنشآت المائية.

    و بالرجوع إلى قانون الماء رقم 36-15 نلاحظ أن السلوك الإيجابي هو السمة الغالبة نظرا لخصوصية الجرائم البيئية و المائية خصوصا، وكمثال على ذلك ما تضمنته المادة 139 التي يتجسد فيها الركن المادي في مجرد القيام بجلب صبيب مياه سطحية أو جوفية دون ترخيص أو احترام للعتبة المنصوص عليها قانونا.

    وفي هذا المنحى ذهبت محكمة النقض الفرنسية حيث قضت فيه ” إمكانية تحقق الركن المادي في جريمة تلويت مياه النهر بكل فعل ضار بالثروة السمكية سواء كانت المكونات موجودة بالفعل في مياه النهر أو سربت إليها، ومحكمة الاستئناف لما برأت المتهم لكون النهر ليس به أسماك يكون قرارها معيبا.

  • الامتناع السلبي أو جرائم الامتناع

    إذا كان السلوك الإيجابي لا يثير مشكلة في الجرائم الماسة بالماء نظرا لوضوحه، فإن المشكلة تثور بالسلوك السلبي فهل يمكن ان تقوم جرائم مائية عن طريق الامتناع؟

    بالإطلاع على قانون الماء، يبدو ان الجرائم المنصوص عليها هي جرائم تتحقق بسلوك إيجابي، إلا في حالات قليلة عند الامتناع عن القيام بفعل معين فرضه القانون دون اشتراط تحقق نتيجة إجرامية، كما هو الحال في الفصل 142 الفقرة الثالثة منه من قانون الماء، إذا وقع داخل المدارات السقوية المعدة و المجهزة من طرف الدولة ضبط جلب مياه يفوق الصبيب المرخص به او ان السقي كان خارج الاوقات المحددة بمقتضى القانون.

    و بالنسبة لتحديد النتيجة الاجرامية المائية:

    تعتبر النتيجة الاجرامية ذلك الاثر الطبيعي الذي يتمخض عن السلوك ويعتد به القانون. فهي إذن تتكون من جزئين: الجزء الأول هو أثر السلوك الإجرامي في الواقع على مصلحة محمية قانونا، و الجزء الثاني هي ان يشترط نص القانون على النتيجة أو الضرر الذي يجرم وقوعه.

    و بالإطلاع على النصوص التي تجرم الاعتداء على المياه نجد ان المشرع أخذ منحى العقاب على الجرائم ذات الخطر، نظرا لطبيعة هذه الجرائم. فمعيار تجريم الخطر هو حكم موضوعي بشأن العلاقة بين واقعة حاضرة وأخرى مستقبلية، بحيث تحقق الأولى يجعل تحقق الأخرى راجحا ومتوقعا حسب المجرى العادي للأمور .

    إذن من خلال ما سبق يتبين أن المشرع لم يتطلب لقيام الركن المادي للجريمة المائية و انعقاد المسؤولية حيال مرتكبيها، أن يؤدي سلوكه سواء كان إيجابيا او سلبيا إلى إحداث ضرر، و إنما فقط أن يشكل سلوك الجاني خطر على البيئة المائية حتى يتم متابعته، وخير فعل لأن ذلك يحقق أكبر حماية لهذا المورد المهم.

    ثانيا. تقلص الركن المعنوي في الجرائم المتعلقة بالماء

    لا
    تقوم الجريمة لمجرد ارتكاب الفاعل للفعل الإجرامي الذي يقوم به الركن المادي للجريمة، بل يلزم أن يكون الفعل صادر من طرف شخص متمتع بالتمييز و الإدراك.

    كما أن هذا الخطأ قد يتخذ صورة العمد، وقد يتخذ صورة الخطأ غير العمدي أو ا إهمال.

  • الخطأ العمدي ( القصد الجنائي)

    القصد الجنائي هو انصرام إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة مع العلم بالعناصر الواقعية و القانونية اللازمة لقيامه، وبصلاحية النشاط لإحداث النتيجة المحظورة قانونا وتوافر نية تحقق ذلك.

    إذن من خلال هذا التعريف يبدو انه لابد من تحقق عنصرين حتى نكون اما قصد جنائي ألا و هما العلم و الإرادة.

    أ- توجيه الإرادة إلى تحقيق الواقعة الإجرامية:

    تتخذ الإرادة عدة صور لتحديد القصد الجنائي في جرائم تلوث البيئة، و تتمثل اهمها في القصد الاحتمالي و القصد المباشر، نظرا للطبيعة الخاصة لهذه الجرائم.

    يشترط المشرع الجنائي لتوافر القصد الجنائي لدى الجاني، توقعه للنتيجة الإجرامية المترتبة على سلوكه الإجراميي، فإذا لم يتوقع ذلك تنعدم الإرادة لديه.

    وكمثال على ذلك القيام بأي صب للمياه المستعملة الصناعية في الشبكة العمومية للتطهير دون ترخيص، ففي هذه الحالة فإن صب المياه يمكن ان يكون سببا مباشرا لتلوث الماء وكان الجاني يتوقع حدوث هذه النتيجة، حينئذ يتوافر القصد الجنائي لديه ولو أثبت أن تلويث المياه لم يكن الغرض الذي سعى إليه، طالما كانت مرتبطة في ذهنه فكرة التخلص من مياه مستعملة في الشبكة العمومية.

    والملاحظ من خلال قانون الماء أن المشرع لم يأخذ بفكرة الباعث أو الدافع لارتكاب الجريمة المائية، و غنما اعتبر الجريمة تتحقق بمجرد إتيان السلوك او الامتناع عن إتيانه.

    ب- العلم بحقيقة الواقعة الإجرامية:

    لا يكفي لقيام القصد الجنائي أن يوجه الجاني نشاطه الإرادي إلى تحقيق الواقعة الإجرامية، وإنما يلزم أيضا أن يكون الجاني عالما بأن النشاط الذي قام به شكل جريمة يعاقب عليها القانون. والمقصود بالعلم ليس العلم بالقانون الذي لا يعذر أحد بجهله.

    إن عنصر العلم في جرائم تلوث البيئة تثير عدة إشكالات عند محاولة إثباته، نظرا للطبيعة الخاصة و المميزة لهذه الجريمة، لذا يشترط لتوافر القصد الجنائي لدى الجاني أن يكون على علم بالوقائع التي يحددها القانون.

    و في الأخير لا يسعنا سوى القول أن توفر العلم لدى الجاني من عدمه متروك للسلطة التقديرية القاضي المعروض عليه النزاع.

  • الخطأ غير العمدي

    الخطأ هو إخلال بالتزام يفرضه المشرع على الأفراد، بمراعاة الحيطة فيما يباشرونه من نشاط حرصا على الحقوق و المصالح التي يحميها القانون.

    ومن خلال تفحصنا للقانون الجنائي نجد ان المشرع من خلال الفصل 609 نص على أنه ” يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرون درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية: ..

    20- من ألقى مواد ضارة او سامة في سائل يستعمل لشرب الانسان او الحيوان دون أن يكون عنده قصد الإضرار بالغير.

    أما بالنسبة لقانون الماء فنجد أنه لم يحدد طبيعة العديد من الجرائم تحديدا دقيقا، إلا في مادتين وهما المادة 145 منه في فقرتها الثالثة أشارت إلى الحيازة بغرض البيع أو العرض للبيع أو البيع عن قصد تحت اسم معين لماء ليس له الأصل المشار إليه. كذلك المادة 145 التي عاقبت على جلب المياه عمدا .

    أما التشريع الفرنسي فجرم” كل تلويث عرضي لمياه البحر الناجمة عن الحوادث البحرية بسبب الإهمال أو عدم الاحتراس أو عدم مراعاة القوانين و اللوائح “.

    إذن من خلال ما سبق يبدو أن المسؤولية الجنائية تخضع لأحكام تبتعد عن القواعد التقليدية، خاصة تلاشي الركن المعنوي إذ يتم متابعة الجاني لمجرد قيام الفعل المادي، ويبدو ذلك جليا من حيث العبارات التي صيغت بها مواد قانون الماء.

    الفقرة الثانية : العقوبات الزجرية
    المقررة حماية للماء

    العقوبات الزجرية هي تدابير يتم تنفيذها في حق كل من ارتكب فعلا يشكل تهديدا للبيئة المائية و معاقب عليه بمقتضى القانون ، و كذلك يعتبر الجزاء الجنائي آخر الحلقات في المتابعة الجنائية، فهو الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني نتيجة مخالفة أمر القانون أو نهيه.

    و تتنوع العقوبات المطبقة حسب تعدد الجرائم و المخالفات المرتبطة بالملك العام المائي، و المرتكبة سواء من قبل الشخص الطبيعي، أو من قبل شخص معنوي.

  • أولا : العقوبات الحبسية:

    يمكن أن تحدد عقوبات حبسية للشخص الطبيعي بمناسبة ارتكابه لإحدى الجرائم المائية سواء المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي أو في قانون الماء.

    إذ نلاحظ أن القانون الجنائي المغربي قد نص على عقوبات سالبة للحرية و نجد أن عقوبة السجن هي أقصى عقوبة كما هو الأمر عليه في كل من الفصل 218.3 الباب المكرر الخاص بالإرهاب الذي يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة لكل من أدخل مادة تعرض حياة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر، في الهواء أو الأرض أو الماء، وقد تتحول هذه العقوبة إلى السجن المؤبد أو الإعدام ، في حالة الإصابة بعاهة دائمة أو موت شخص بسبب تلك الافعال.

    كذلك الأمر في الفصل 586 من القانون الجنائي الذي عاقب بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة من خرب عمدا بأي مادة متفجرة حواجز أو سدود أو منشآت الموانئ أو منشآت صناعية.

    وفي الفصل 606 من القانون الجنائي نجد أن العقوبة المقررة لجريمة تحويل مياه عامة او خاصة عمدا و بدون حق هي الحبس من شهر إلى سنتين.

    بالإضافة إلى ذلك نجد أن عقوبة الحبس من شهر إلى سنة هي أقصى عقوبة مقررة بموجب مواد قانون الماء، حيث نصت المادة 137 من قانون الماء على أنه يعاقب من شهر إلى سنة كل من قام بهدم جزئي أو كلي وبأي وسيلة كانت الآبار و المساقي ذات الاستعمال العمومي و قنوات السقي و الحواجز و السدود..

  • ثانيا : الغرامات المالية

    إذا كانت العقوبة الحبسية من أبرز العقوبات في القانون الجنائي فإن الغرامات المالية هي أبرز عقوبة و أكثرها شيوعا في الجرائم المائية. إذ و على عكس القانون الجنائي الذي لا يجعلها عقوبة أصلية إلا بشكل نادر ، فإنه بصدد الجرائم الماسة بالماء كثيرا ما يتم الحكم بها و بمفردها بمعزل عن عقوبة سالبة للحرية، وهي عقوبة يتم الحكم بها سواء على الشخص الطبيعي أو المعنوي و ذلك ما يظهر جليا من الصياغة القانونية للنصوص .

    و من ضمن الأمثلة على ذلك نجد المادة 140 من قانون الماء التي نصت على أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى العقوبتين من خالف مقتضيات المادة 33 التي تخضع مجموعة من العمليات للإمتياز، من ضمن هذه العمليات نجد تهيئة العيون الطبيعية المعدنية و كذا جلب مياه العيون كيفما كانت طبيعتها بهدف تعبئتها و تسويقها، و كذلك إقامة سدود فوق الملك العام المائي لمدة تفوق 10 سنوات و تهيئة البحيرات و البرك و المستنقعات…

    أما المادة 147 فقد عاقبت من ارتكب صب من شأنه ان يؤثر على الملك العام المائي دون ترخيص بغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم.

    و في المادة 148 يعاقب على صب المياه المستعملة الصناعية في شبكة التطهير دون ترخيص بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم.

    من خلال ما سبق يظهر ان الغرامات المنصوص عليها في قانون الماء هي غرامات مرتفعة تتماشى
    و حجم الضرر الذي تسببه في الغالب مؤسسات اقتصادية. و العقوبة المالية تنطوي على أهمية كبير بالنسبة للحماية الجنائية للبيئة المائية لكونها جزاء ملائم للجرم و الجاني على جد سواء، لان أغلب الجرائم المائية تحدث في إطار ممارسة النشاط الاقتصادي و الكسب غير المشروع. إلا أنه ما يعاب على قانون 36.15 لم ينص على العقوبات الإضافية التي تسري في حق الشخص المعنوي مثل المصادرة كتدبير وقائي أو حل الشخص المعنوي المرتكب لجريمة تمس الماء، خلافا لم قامت به بعض القوانين البيئية و كمثال ما تضمنته المادة 56 من قانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع و التي تخول للمحكمة سلطة أن تأمر بمصادرة المواد و الآلات المستعملة بالمقلع من طرف المستغل لفائدة الدولة.

    خاتمة:

    يتضح جليا مما سبق أن المشرع المغربي أراد من خلال قانون الماء الجديد 36.15 تدارك مجموعة من النواقص التي كانت تعتري القانون القديم رقم 95.10، و الذي رغم أنه تضمن العديد من الجرائم التي تمس الماء ونص على مجموعة من العقوبات، إلا أنه ما يعاب عليه ان الغرامات التي كانت تفرض على المخالفين هي جد هزيلة.

    و بالتالي ردا لاعتبار الماء كمورد حيوي مهم الذي له أهمية كبيرة سواء في حياتنا اليومية او على المستوى الاقتصادي جاء قانون الماء الذي ضاعف الغرامات المالية المفروضة ووسع من دائرة التجريم، بهدف محاربة ظاهرة تلوث الماء التي أضحت تهدد البيئة المائية بشكل يومي أو استنزافه وهذا من حسنات مشرعنا .

    ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع وقفنا على مجموعة من الإختلالات :

    – تعارض بعض مقتضياته مع القانون الجنائي ، و تشتتها في قوانين مفرقة.

    – أن النصوص التجريمية لم تنص على العقوبات الإضافية كالمصادة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه، كذلك حل الشخص المعنوي، و نشر الحكم بالإدانة التي تضمنها القانون الجنائي .

    – في إطار التنصيص على العقوبات نجد أن المشرع اعتمد تقنية الإحالة على نصوص أخرى الأمر الذي جعل قانون الماء يعتريه بعض الغموض و الصعوبات التي ستواجه رجال القانون الذين يردون تطبيقه.

    – من ضمن الإشكالات نجد ان لدينا منظومة قانونية مهمة ولكن الإشكال كيف يمكن تنزيلها. فالمعروف أن فعالية كل قانون رهين بتطبيقه الأمر الذي لا نجده إذ أن القضايا المعروضة على القضاء هي قليلة جدا لا تخرج عن جريمة تحويل المياه وسرقتها.

    و في هذا الإطار خرجنا ببعض التوصيات :

    – نطمح أن تكون هناك مدونة خاصة بالبيئة لتفادي تشتت النصوص .

    – لابد من التخصص في مختلف الأجهزة التي تشتغل بهذا المجال.

    – تكريس الوعي البيئي لدى المواطنين عن طريق حملات تحسيسية في مختلف وسائل الإعلام و التواصل و عقد ندوات بيئية .

    • المراجع والمصادر
  • الشرقاوي القرقار (يونيو 2020) : الحماية الجنائية للبيئة في التشريع المغربي، مجلة البوغاز للدراسات القانونية و القضائية، العدد 3.
  • عادل ماهر الألفي: (2011) الحماية الجنائية للبيئة، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية.
  • عبد القادر هباش (2016): خصوصية الركن المادي للجرائم الماسة بالبيئة مجلة جامعة تشرين للبحوث و الدراسات العلمية، سلسلة العلوم الاقتصادية و القانونية المجلد 38، العدد (4).
  • علوي طاهري سيدي محمد: “حقوق المياه في التشريع المغربي”، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص وحدة القانون المدني المعمق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2010-2011،
  • لطالي مراد: الركن المادي للجريمة البيئية و إشكالات تطبيقه ( في القانون الجزائري)،شهادة ماجستير، جامعة محمد الامين دباغين سطيف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2015/2016،
  • ميمون بن جدي (2014): خصوصيات الركن المعنوي في جرائم البيئة، مجلة العلوم الجنائية، العدد.1.
  • ياسين كعيوش، السياسة الجنائية في مواجهة الجرائم البيئية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية فاس، السنة الجامعية 2018-2019..

    Rahhal MAAROUF) 7 juin 1997( : Le role des instruments juridique et institutionnels dans la protection des ressources en eau au maroc,Série colloques N°4 sur la protection de l’environnement au maroc entre le droit et le pratique dans les secteurs forestier et hydraulique,travaux organisée a rabat.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى