“الخطاب الملكي بمناسبة القرار الأممي: انتصار للتاريخ والحق” – د البشير الحداد الكبير

“الخطاب الملكي بمناسبة القرار الأممي: انتصار للتاريخ والحق”
البشير الحداد الكبير، دكتور في القانون العام.
ونحن على بعد أيام قليلة للإحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، تم يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، إصدار قرار تاريخي بإمتياز من طرف أهم أجهزة منظمة الأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي، هذا الأخير الذي يعتبر مؤسسة أممية تقريرية مهمة، يضم 15 عضوا، خمسة أعضاء دائمي العضوية ( الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين)، ثم عشرة أعضاء يتم انتخابهم كل سنتين، وبالنسبة للأعضاء دائمي العضوية لهم الحق في الفيتو، هذا الإمتياز يشملهم فقط دون باقي الأعضاء الآخرين.
إن القرار الأممي يعتبر انتصارا للتاريخ، انتصارا للحق على الباطل، بموجبه تم إقبار الأطروحات الإنفصالية التي تعتبر من مُخلفات عصر الحرب الباردة.
إن الخطاب الملكي الذي وجهه جلالة الملك حفظه الله ورعاه يوم الجمعة جاء مباشرة بعد تصويت مجلس الأمن على القرار الأممي بالأغلبية الساحقة لفائدة تكريس السيادة المغربية على الصحراء، فهذا الخطاب التاريخي يعطي إشارة واضحة، مشاطرة الشعب بخبر الإنتصار، على اعتبار أن قضية الصحراء المغربية تعتبر القضية الوطنية الأولى تهم العرش والشعب.
تم الإقرار بأن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 هي الإطار الوحيد والأبدي لحل النزاع المفتعل، بمعنى لا وجود لما يسمى بتقرير المصير الذي يتبناه أعداء الوحدة الترابية.
إن الخطاب الملكي جاء ليؤكد مرة أخرى على سياسة اليد الممدودة، وهي سياسة تدل على أخلاق الملوك العلويون الكرام، فالمغرب مستعد للحوار مع الجارة الجزائر كما أكد على ذلك جلالته أسماه الله وأعز أمره في خطاب عيد العرش المجيد هذه السنة، وليتم كذلك إحياء اتفاقية مراكش لسنة 1989 المتعلقة بتأسيس اتحاد المغرب العربي.
لقد جدد جلالة الملك نصره الله وأيده الشكر لجل الدول المساندة للمغرب، فمباشرة بعد الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بتاريخ 10 دجنبر 2020، جاء خطاب المسيرة الخضراء سنة 2021 وخطاب ثورة الملك والشعب سنة 2022 شكر فيه جلالة الملك الموقف الأمريكي، الذي كان يظن أعداء الوحدة الترابية بأنه قرار سيخضع للتغيير، لكن مباشرة بعد صعود الرئيس السابق بايدن للبيت الأبيض، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية ثابتة في موقفها، وهذا يدل على أن الموقف الأمريكي هو قرار دولة لا يتغير بتغير الرؤساء.
إن القرار الأمريكي أعقبه اعترافات دولية بمبادرة الحكم الذاتي، كإسبانيا، فرنسا، بريطانيا…إلخ.
وجدير بالذكر هنا أن جلالة الملك شكر كذلك الدول العربية التي ظلت مساندة للمغرب في قضية وحدته الترابية، ونخص بالذكر هنا الإمارات العربية المتحدة، السعودية، جل دول مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، دون أن ننسى كذلك مواقف الدول الإفريقية، فالدبلوماسية الملكية الناعمة أعطت أُكلها، مباشرة بعد الخطاب الملكي التاريخي بأديس أبابا سنة 2017، وعودة المغرب لبيته الإفريقي، افتتحت العديد من الدول الإفريقية قنصلياتها بكل من العيون والداخلة منذ سنة 2019، كما تم ربط شراكات إقتصادية على سبيل المثال لا الحصر “أنبوب الغاز نجيريا المغرب “، المبادرة الملكية الأطلسية التي أطلقها جلالة الملك حفظه الله ورعاه في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2023، كما أن العديد من الدول الإفريقية ساندت المغرب في طرد مرتزقة البوليساريو من منظمة الإتحاد الإفريقي، نداء طنجة والتوقيع على الكتاب الأبيض بمراكش نموذجا.
لقد جاء في الخطاب الملكي السامي الشراكات التجارية والإستثمارات بالأقاليم الجنوبية، فهذه الأقاليم في العهد الجديد عرفت طفرة وقفزة نوعية في جميع المجالات الإقتصادية والإجتماعية، تُوجت بإطلاق النموذج التنموي سنتي 2015 و2016، دون أن ننسى ارتفاع نسبة الإستثمارات الأجنبية المباشرة، وتدشين لمجموعة من المشاريع الكبرى كميناء الداخلة الأطلسي الذي سيربط المغرب بعمقه الإفريقي وبالقارة الأمريكية، وسيلعب دورا مهما على غرار ميناء طنجة المتوسطي، إن الشراكات الإقتصادية والتجارية جاءت بفضل الدبلوماسية الملكية المتسمة بالحزم، فجلالة الملك نصره الله وأيده في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2021 كان واضحا حيث أكد بأن المغرب لن تكون له أي شراكات مع أي دولة لا تحترم وحدته الترابية، وفي خطاب ثورة الملك والشعب سنة 2022 أكد جلالته حفظه الله ورعاه بأن ملف الوحدة الترابية هو نظارة المغرب للعالم به يقيس صدق العلاقات ونجاعة الشراكات.
من بين الأمور المهمة التي تطرق لها الخطاب الملكي، أن جلالة الملك أعطى فرصة تاريخية وذهبية لسكان مخيمات تندوف للعودة إلى الوطن، وكما قال جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه وخلد في الصالحات ذكره :”إن الوطن غفور رحيم “.
إن المغرب بعد الخطاب الملكي التاريخي، سيشرع في تنزيل مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي لحل هذا النزاع المفتعل، وهنا نؤكد بأن الدبلوماسية الملكية أعطت نتائجها طيلة ربع قرن من الحكم الرشيد، وقد صدق جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره في خطاب افتتاح البرلمان السنة الماضية حينما أكد بأن ملف الصحراء المغربية انتقلنا فيه من التدبير إلى التغيير، وها نحن اليوم نلمس نتائج التغيير التي نهجها جلالته نصره الله وأيده.
إن القرار الأممي كان متوقعا أنه سيكون لصالح المغرب، فالدبلوماسية الملكية الحكيمة والمتبصرة كسبت دعم الدول دائمي العضوية بمجلس الأمن، الإعتراف الأمريكي سنة 2020، أعقبه الإعتراف الفرنسي والبريطاني، ثم العلاقات المهمة التي تجمع المغرب بكل من الصين، ولعل الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني للمغرب هذه السنة واستقباله من طرف ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن خير دليل على ذلك، وكذلك العلاقات المغربية الروسية انتقلت نحو الشراكات الإستراتيجية ولعل زيارة ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي لروسيا والتوقيع على هذه الشراكات أكبر دليل على ذلك، فالمغرب بفضل الدبلوماسية الواقعية كسب دعم وثقة العالم.
إن الخطاب الملكي السامي يعتبر انتصارا للعالم الحقيقي الذي يمثله المغرب على العالم الآخر الذي يعيش فيه أعداء الوحدة الترابية.





