في الواجهةمقالات قانونية

الدفوع كوسيلة للرد على الطلب الأصلي في قانون المسطرة المدنية

تقديم :

           يعتبر الطلب الأصلي أو المقال الافتتاحي للدعوى عمل إجرائي مكتوب يمارس من خلاله المدعي أو الطالب حقه في اللجوء إلى القضاء ويفتح به إجراءات الخصومة، وقد أتاح المشرع المغربي للطرف الآخر أي المدعى عليه مجموعة من الوسائل القانونية للرد على طلب المدعي، ومن بين هذه الوسائل نجد ” الدفوع ” التي تعتبر  بمثابة الأداة المقابلة للدعوى في يد المدعى عليه ليتفادى الحكم عليه بطلبات خصمه أو تٱخير هذا الحكم .وبذلك يبدو أن الدفوع لا تضيف شيئ جديدا للخصومة إذ أنها تهدف فقط إلى تفادي الحكم بما يدعيه الخصم.إذ النزاع يتحدد بالطلبات لا بالدفوع .

        وإذا كان الأصل في الدفع أنه وسيلة لرد المدعى عليه على الدعوى ، حيث تعتبر الأداة  المقابلة في يده ، فإن المدعي يحق له بدوره تقديم دفوع للرد على الطلبات العارضة للمدعى عليه ،كما يحق له الرد على دفوع هذا الأخير سواء من حيث موضوعها أو إجراءاتها.

       وتنقسم الدفوع عموما كما هي واردة في قانون المسطرة المدنية إلى ثلاثة أنواع وهي:  الدفوع الشكلية و الدفوع بعدم القبول ، والدفوع الموضوعية.

 

الفقرة الأولى : الدفوع الشكلية

   الدفوع الشكلية  هي الدفوع المتعلقة بإجراءات الدعوى سواء من حيث طريقة أو السير فيها أو الاختصاص بها، ومثالها  (الدفع بعدم الإختصاص، الدفع بعدم صحة المطالبة القضائية لرفعها بغير الطريق القانوني ، الدفع ببطلان مسطرة التبليغ،الدفع بعدم مراعاة بعض المواعيد…)  فهي دفوع لا يطعن بها في أصل الحق المدعى به وإنما في صحة إجراءات الدعوى كما هي قائمة أمام المحكمة .فالدفع الشكلي حائل مؤقت يقيمه المدعى عليه لمنع الاستمرار في نظر الدعوى على حالتها.

    والراجح أن الدفوع الشكلية بدورها لا ترد في القانون على سبيل الحصر ، فالدفع يعتبر شكليا متى توافرت فيه صفات هذا الدفع بصرف النظر عن نص القانون صراحة عليه. وهكذا يجيز قانون المسطرة المدنية في الفصل 49 التمسك بالبطلان و الاخلالات الشكلية و المسطرية بصورة عامة شريطة أن تكون مصلحة الطرف المثير لهذا الدفع تضررت بالفعل.

     ومن أحكام الدفوع الشكلية وجوب إثارتها قبل التحدث في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق في التمسك بها ، مالم يكون الدفع الشكلي قد نشأ بعد الكلام في الموضوع كما في حال الدفع بسقوط الخصومة .ثم إن مثير الدفع الشكلي عليه أن يراعي الأولوية في إثارته إذا كان له أكثر من دفع شكلي في الدفع بعدم الاختصاص مثلا يجب طبقا للفصل 16 من قانون المسطرة المدنية أن يثار قبل أي دفع شكلي آخر ، كما يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بالإحالة والدفع بالارتباط والدفع بعدم القبول ،وإلا كان غير مقبولين وكذلك الحكم بالنسبة لحالات البطلان و الإخلالات الشكلية و المسطرية الأخرى. والمحكمة بدورها تبت في الدفوع الشكلية قبل النظر في الحق المدعى به فقد يغنيها ذلك عن الخوض في الموضوع.

    نشير في الأخير إلا أن الدفع الشكلي المثار من طرف المدعى عليه متى قبل من طرف المحكمة فإنه يحوز حجية محدودة لا تتعدى هذا الدفع إلى أصل الحق، ومن ثم يجوز رفع الدعوى من جديد للمطالبة بذات الحق بإجراءات جديدة.

الفقرة الثانية: الدفع بعدم القبول

    الدفع بعدم القبول هو دفع لا يتعرض به مثيره لجوهر الحق المدعى به ، ولا يطعن به في صحة المسطرة وإجراءات الدعوى وإنما ينكر به حق خصمه في رفع الدعوى ،  كالدفع بانعدام صفة المدعي فلا تقبل مثلا دعوى أداء من شخص غير دائن ، ولا تقبل دعوى النفقة من غير الزوجة ، ولا يمكن رفع دعوى ابطال عقد من شخص لم يكن طرفا فيه ولا يمكن طلب افراغ دار لا يملكها ولا ينوب عمن يملكها …وهذا ما يعبر عنه بوجوب رفع من ذي الصفة على ذي الصفة، والدفع كذلك بانعدام المصلحة  والمصلحة المعتد بها  هي المصلحة القانونية، أي التي لا تخالف النظام العام ولا القانون وتستند على حق أو مركز قانوني يكون الغرض من الدعوى حمايته. فلا تكفي المصلحة الاقتصادية كأن يطلب تاجر فسخ عقد شركة تأسست وفتحت محلا بجواره بدعوى أنها نافسته في تجارته واخذت زبنائه.غير أنه يمكن تكون المصلحة أدبية أو معنوية كما في طلب إلزام صاحب صحيفة بنشر تكذيب خبر مس بشرف المدعي وهنا يحق لهذا الأخير الدفع بانعدام المصلحة، كما يجب أن تكون المصلحة شخصية تتعلق بالطالب نفسه لا بشخص آخر ما لم تكن له النيابة.ويحق كذلك الدفع بانعدام الأهلية و الدفع بانقضاء ميعاد مباشرة الإجراء كالدفع بعدم قبول الاستئناف لرفعه بعد الميعاد.

      وبالرغم من أن الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية صنف الدفع بعدم القبول من بين الدفوع الشكلية وأوجب إثارتها قبل الكلام في الجوهر ، فإن هذا الدفع يتميز عن الدفوع الشكلية الأخرى بما يلي:

1- لايتعلق هذا الدفع بإجراءات الدعوى كما هو الشأن بالنسبة للدفوع الشكلية عامة وإنما بالحق في مباشرتها الراجع للشروط التي يتطلبها القانون لهذه المباشرة أو المواعيد والآجال التي يضعها  لذلك . غير أنه يتحد معها  في كون الحكم بقبوله لا ينهي النزاع ولا يمنع من إقامة الدعوى من جديد متى صحح الخلل المسطري الذي أدى إلى الحكم بعدم قبول الدعوى حيث نص الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية على أنه ” يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا ، وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده .إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة ،وإلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى “

2- ليكون الدفع الشكلي عامة صحيحا ملزما للمحكمة ينبغي أن تسبب مخالفة الإجراء ضررا للمتمسك به . فإذ لم تلحق به ضررا كان الدفع ببطلان الإجراء تعسفيا من طرف مثيره وقد يتعرض للرفض من قبل المحكمة طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية .أما الدفع بعدم القبول فيكون مقبولا متى تحقق ولو لم يلحق المدعى عليه ضررا منه، وهذا يؤذي بنا إلى الدفع بعدم القبول من النظام العام خصوصا وأن الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية المذكور يسمح للقاضي بإثارة انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة تلقائيا.

الفقرة الثالثة: الدفوع الموضوعية

   الدفوع الموضوعية هي التي توجه إلى الحق موضوع الدعوى بغرض الحكم برفض الدعوى كليا أو جزئيا،فهي ما يرد به الطرف على طلب خصمه منكرا حقه أو زاعما سقوطه أو مدعيا أداء ما يطلبه . وهي متعددة وغير محصورة  كالدفع ببطلان العقد ، والدفع بالتقادم ، و الدفع بالصورية ، الدفع بانقضاء الدين بالوفاء أو المقاصة ، الدفع في إطار المسؤولية المدنية ويكون في أركانها سواء كانت تقصيرية أو عقدية…

  والدفوع الموضوعية متى كانت تستند إلى إنكار الحق المدعى به فهي دفوع سلبية مثل إنكار الخطأ او الضرر في دعوى التعويض أو إنكار التوقيع على العقد المقدم دليلا في دعوى مرفوعة بتنفيذ عقد ، وهذه الدفوع لا توجب على الخصم إثباتها وإنما يقع الإثبات على عاتق المدعي في هذه الحالة. أما إذا كان الدفع الموضوعي يتضمن تأكيدا للحق المدعى به مع تعطيل المطالبة بهذا الحق لانقضاء الالتزام أو المقاصة ، فيكون دفعا  إيجابيا يقع على المدعى عليه إثباته .

      ومن أهم أحكام الدفوع الموضوعية أن المدعى عليه لا يتقيد في إبدائها بترتيب معين فيجوز ابداؤها. في جميع أطوار المحاكمة مادام باب المرافعة لم يقفل ، ويجوز الإدلاء بها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، كما يعتبر الحكم الصادر في الدفع الموضوعي حكما فاصلا في الدعوى يرتب حجية الأمر المقضي به.

  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى