مقالات قانونية

الشفعة الإدارية في مجال الأراضي العامرة و القابلة للتعمير

4605

 

الاستاذة قارة تركي الهام

أستاذة مساعدة بجامعة ابوبكر بلقا يد ،تلمسان،الجزائر

باحثة دكتوراه في القانون العام

عضو بمخبر حقوق الإنسان والحريات الأساسية

 

 

 

 

مقدمة:

الشفعة لغة  هي” الضم” أو ” الزيادة”، لأن الشفيع يضم ما يمتلكه بهذا الحق إلى ملكه فيزيده.أما في الاصطلاح ، فالشفعة  هي حق تملك العقار المبيع و لو جبرا على المشتري  بما قام عليه من الثمن والنفقات [1] .

ولقد أقر الفقهاء المسلمون بمشروعية الشفعة ، نظرا إلى الأحاديث الكثيرة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ و من ذلك ما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم في الحديثين التاليين:”الجار أحق بشفعة جاره…”،”جار الدار أحق بالدار” [2] .

أما عن المشرع الجزائري، فقد عرف الشفعة في المادة 794 من التقنين المدني، بأنها رخصة تجيز الحلول محل المشتري في بيع العقار.

وإذا كان التقنين المدني قد أثبت حق الشفعة لثلاث أشخاص هم: مالك الرقبة إذا بيع الكل أو البعض من حق الانتفاع المناسب للرقبة/الشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي/ لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها( المادة 95القانون المدني) ؛ فقد تقرر حق الشفعة لفائدة الدولة و جماعاتها المحلية لأغراض التهيئة و التعمير[3].

فماهي الإدارة التي تتولى ممارسة حق الشفعة باسم الدولة أو هيئاتها المحلية؟ وماهي الشروط الواجب توافرها لصحة الشفعة الإدارية؟

إن الإجابة على هده التساؤلات تكون في مطلبين :

المطلب الأول: الهيئة المكلفة بممارسة الشفعة الإدارية

المطلب الثاني: شروط ممارسة حق الشفعة الإدارية

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول:

الهيئة المكلفة بممارسة الشفعة الإدارية

جعلت المادة 26 من قانون الأملاك الوطنية[4]، من حق الشفعة ، طريقة استثنائية لتكوين الأملاك الوطنية.وفي مجال الأراضي العامرة و القابلة للتعمير، منح القانون رقم 90/25 المعدل والمتمم، للدولة والجماعات المحلية الحق في ممارسة الشفعة، و ذلك بغرض توفير حاجات ذات المصلحة العامة والمنفعة العمومية، بصرف النظر عن اللجوء المحتمل لإجراء نزع الملكية.

ولقد أعطت المادة 71 من القانون رقم 90/25 المعدل والمتمم، مهمة تطبيق حق الشفعة إلى مصالح وهيئات عمومية معينة، التي تحدد عن طريق تنظيم.

فبالنسبة للجماعات المحلية، فان المرسوم التنفيذي رقم90/405 [5]، قد خص هذه الجماعات بإنشاء الوكالات المكلفة بتنظيم العقار الحضري بموجب المادة 2 من هذا المرسوم التي جاء فيها:

” يتعين على المجالس الشعبية البلدية و المجالس الشعبية الولائية وحدها أو بالتعاون فيما بينها، إنشاء مؤسسات تكلف بتسيير سنداتها العقارية الحضارية، و ذلك تطبيقا لأحكام المادة 73 من القانون 90/25 المؤرخ في 18 نوفمبر1990…” .

و قد أعطت المادة 73 من القانون رقم 90/25، للوكالات المحلية للتسيير و التنظيم العقاريين الحضريين، مهمة تسيير المحافظة العقارية التابعة للجماعات المحلية، في إطار ممارسة حق الشفعة.

فعلى أساس ذلك تكون هذه الوكالات ، أداة للسياسة العقارية الحضرية المحلية. أما الدولة، فتمارس حقها عن طريق مديرية الأملاك بوزارة المالية والمحافظات العقارية، لعدم وجود نص يبين الجهة المختصة.

المطلب الثاني :

                                         شروط ممارسة حق الشفعة الإدارية     

لا تخضع المعاملات العقارية في مجال الأراضي العامرة و القابلة للتعمير، إلا للشروط المتعلقة بأهلية الأطراف و إرادتهم، وتعيين موضوع الاتفاقية التي يجب أن تحرر في عقد رسمي.أما حق الشفعة الممارس من قبل الدولة و الجماعات المحلية، فبالإضافة إلى الشروط المتعلقة بأهلية الأطراف و إرادتهم، فإنها تخضع للأحكام المنصوص عليها في القانون المدني الخاصة بالشفعة[6].

و لصحة الشفعة الإدارية ، لابد من احترام مجموعة من الإجراءات. على أن هذا الحق لا يمارس في كل الحالات.

 

الفرع الاول :إجراءات الشفعة الإدارية :

تتمثل الإجراءات الواجب إتباعها، لصحة الشفعة الإدارية ، فيما يلي :

أ/ الإنذار بنية التعاقد: ينذر البائع أو المشتري ، الأشخاص العامة التي لها الحق في ممارسة حق الشفعة ، عن نيتهم في التعاقد وهذا  طبقا للمادة 799 من القانون المدني ؛ على أن هذا الإنذار يوجه إلى الوكالة المحلية للتسيير و التنظيم العقاري الحضريين ، بالنسبة للجماعات المحلية ، و إلى مديرية الأملاك بوزارة المالية و المحافظات العقارية بالنسبة للدولة[7]

ب/ الإعلان عن الرغبة في الشفعة :

طبقا للمادة 799 من القانون المدني، تعلن الدولة أو الجماعات المحلية، عن رغبتها في الشفعة، عن طريق الهيئة المكلفة قانونا بتطبيق حقها في الشفعة؛ و ذلك في أجل 30 يوما من تاريخ الإنذار الموجه للشخص المعنوي العام، و إلا سقط الحق في الشفعة.

يجب أن يكون التصريح بالرغبة في الشفعة بموجب عقد رسمي ، يتم الإعلان عنه عن طريق كتابة الضبط ، و إلا كان هذا التصريح باطلا . على أنه لا يحتج بالتصريح ضد الغير ، إلا إذا كان مسجلا [8] .

ت/إيداع ثمن البيع و المصاريف لدي الموثق:

يجب على الشخص المعنوي الذي صرح برغبته في الشفعة، أن يودع ثمن البيع و المصاريف، بين يدي الموثق، خلال 30 يوما عل الأكثر من تاريخ التصريح بالرغبة في الشفعة. على أن يكون هذا الإيداع قبل رفع دعوى الشفعة، و في حالة عدم الإيداع في هذا الأجل، سقط الحق في الشفعة (المادة 801 /2 من القانون المدني).

و في حالة قبول الهيئة العمومية بالثمن المحدد في الإنذار الذي يتضمن نية التعاقد، ينعقد العقد بين البائع و الهيئة العمومية المعنية، الذي ينبغي أن يحرر في شكل عقد رسمي.

أما إذا عرضت هذه الهيئة ثمنا مغايرا ، يكون بالطبع أقل من الثمن المصرح به، و رفض البائع ذلك الثمن ، تلجأ الهيئة العمومية إلى القضاء ، لتحديد ثمن العقار المعروض للبيع [9] .

ث/ رفع دعوى الشفعة:

يجب أن ترفع دعوى الشفعة في حالة عدم التراضي، أمام المحكمة الواقع في دائرتها العقار، وذلك في أجل30يوما من تاريخ التصريح بالرغبة في الشفعة من قبل الهيئة العمومية.

على أن الحكم النهائي الصادر بثبوت الشفعة، يعد سندا للملكية، لابد من شهره لدى الجهة المختصة[10].

 

الفرع الثاني: الحالات التي لا تمارس فيها الشفعة:

طبقا لنص المادة 798 و المادة807 من القانون المدني، لا تمارس الشفعة في الأحوال التالية:

أ/ إذا حصل البيع بالمزاد العلني وفق الإجراءات التي رسمها القانون.

ب/إذا وقع البيع بين الأصول و الفروع، أو بين الزوجين، أو بين الأقارب إلى غاية الدرجة الرابعة، وبين الأصهار لغاية الدرجة الثانية.

ت/ إذا كان العقار قد بيع ليكون محل عبادة

ث/حالة سقوط الحق في الشفعة ، و ذلك ب :

– تنازل الشفيع عن حقه في الشفعة، و لو قبل البيع.

– مرور سنة من يوم تسجيل عقد البيع في الأحوال التي نص عليها القانون.

– عدم إعلان الدولة أو جماعاتها المحلية عن رغبتهم في الشفعة، في الأجل المحدد (30 يوما من تاريخ الإنذار)،وهذا طبقا للمادة 799 من القانون المدني.

-عدم إيداع الشخص المعنوي ( الشفيع )، ثمن البيع و المصاريف في الأجل المحدد.

خاتمة:

إذا كان الأصل ، هو تحريم اعتداء الإدارة عن الملك الخاص ، إلا أنه قد تعمل السلطة العمومية المختصة على إثراء الوعاء العقاري للدولة و الجماعات المحلية ، لخدمة المصلحة العامة، و في سبيل ذلك تستعمل  حق الشفعة الإدارية  من أجل اقتناء العقارات اللازمة لانجاز المشروعات ذات المصلحة العامة[11] ؛ وهذا ما جاء في نص المادة 26/3 من القانون رقم90/30 المتضمن قانون الأملاك الوطنية[12]، وذلك بتوافر مجموعة من الشروط والإجراءات لصحة هذه الطريقة القانونية المعترف بها للدولة وجماعاتها المحلية .

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع:

أولا:الكتب

1- الإمام محمد أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الاسلامية ، دار الفكر العربي، 1996.

2-إسماعيل شامة ، لنظام القانوني للتوجيه العقاري، دراسة وصفية تحليلية، دار هومه، الجزائر، 2002.

3-علي هادي العبيد، الوجيز في شرح القانون المدني، الحقوق العينية، دار الثقافة للنشر و التوزيع، 2005.

4-مجيد خلفوني، شهر التصرفات العقارية في القانون العقاري الجزائري، مدعم بقرارات قضائية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، ط1، ج1، 2004.

 

 

ثانيا:القوانين والمراسيم

 

1-الامر75 /58،المؤرخ في 26 سبتمبر 1975،المتضمن القانون المدني،المعدل والمتمم بالقانون رقم05/10،المؤرخ في يونيو 2005، ج. ر، ج.ج،ع44، 2005.

2-القانون رقم90/25،المؤرخ في 1جمادي الاولى1411،الموافق ل18نوفمبر1990،يتضمن التوجيه العقاري،ج.ر،ج .ج ، ع9 ،1990 .

3-القانون رقم 90/30 المؤرخ في 1 ديسمبر 1990، الأملاك الوطنية،ج.ر،ج.ج ، ع52 ،سنة 1990، المعدل و المتمم بالقانون رقم 08/14 ، المؤرخ في 20يوليو2008،ج.ر،ج.ج ، ع 44 ،سنة 2008.

4-المرسوم التنفيذي رقم 90/405، المؤرخ في 5 جمادي الثانية 1411، الموافق ل22ديسمبر1990 ، يحدد قواعد إحداث وكالات محلية للتسيير و التنظيم العقاري الحضريين تنظيم ذلك، ج.ر،ج.ج ، ع 56،1990.

 

[1] – علي هادي العبيد، الوجيز في شرح القانون المدني، الحقوق العينية، دار الثقافة للنشر و التوزيع، 2005، ص.165-166.

[2] – الإمام محمد أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الاسلامية ، دار الفكر العربي، 1996، ص.147 .

[3] – مجيد خلفوني، شهر التصرفات العقارية في القانون العقاري الجزائري، مدعم بقرارات قضائية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، ط1، ج1، 2004، ص.166.

[4] – المادة26 /3 من القانون رقم 90/30 المؤرخ في 1 ديسمبر 1990، الأملاك الوطنية، الجريدة الرسمية ، العدد52 سنة1990، المعدل و المتمم بالقانون رقم 08/14 ، المؤرخ في 20يوليو2008 ، الجريدة الرسمية44 لسنة 2008.

[5] – المرسوم التنفيذي رقم 90/405، المؤرخ في 5 جمادي الثانية 1411، الموافق ل22ديسمبر1990 ، يحدد قواعد إحداث وكالات محلية للتسيير و التنظيم العقاري الحضريين تنظيم ذلك، الجريدة الرسمية العدد 56.

[6] – المادة 74 من القانون رقم 90/25 المؤرخ في 1جمادي الاولى1411، الموافق ل18نوفمبر1990، يتضمن التوجيه العقاري، ج. ر ،ج .ج ، ع9 ،1990 .

[7] – إسماعيل شامة ، النظام القانوني للتوجيه العقاري، دراسة وصفية تحليلية، دار هومه، الجزائر، 2002، ص.250-251 .

[8] – المادة 801/1 من الامر 75 /58، المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 ، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم بالقانون رقم05/10 ، المؤرخ في يونيو 2005، ج. ر، ج.ج،ع44، 2005.

[9] – إسماعيل شامة، المرجع السابق ،ص.252 .

[10] – المادتين 802 و 803  من القانون المدني .

[11]– عزاوي عبد الرحمن ، محاضرات في قانون التهيئة و التعمير ، مرجع سابق ، ص.24.

[12]– القانون رقم90/30المؤرخ في 1 ديسمبر 1990 ،السالف ذكره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى