في الواجهةمقالات قانونية

الطبيعة القانونية لمسؤولية الناقل البحري للبضائع في ضوء الاتفاقيات الدولية ومدونة التجارة البحرية المغربية – الدكتور : معاد لخيار

 

 

 

 

 

الطبيعة القانونية لمسؤولية الناقل البحري للبضائع في ضوء الاتفاقيات الدولية ومدونة التجارة البحرية المغربية

الدكتور : معاد لخيار

دكتور في القانون الخاص

 

الطبيعة القانونية لمسؤولية الناقل البحري للبضائع

في ضوء الاتفاقيات الدولية ومدونة التجارة البحرية المغربية

الدكتور : معاد لخيار

دكتور في القانون الخاص

ملخص:

نظرا لأهمية النقل البحير للبضائع وخاصة مسؤولية الطرف المهم في هذه العلاقة، سعى المشرع الدولي و الوطني إلى تحديد أساس مسؤولية الناقل البحري من خلال جعلها مسؤولية موضوعية بموجب نصوص تشريعية آمرة ترمي إلى الحد من تعسف الناقلين في فرض بعض الشروط التي من شأنها أن تعفيهم أو تحد من مسؤوليتهم،

كما أن المشرع لم يفته تحديد الحالات الخاصة التي يسأل فيها الناقل البحري للبضائع لكي لا يدع مجالا للتنصل من المسؤولية، وهي حالة تلف البضاعة أو هلاكها وكذا التأخر  في إيصالها وذلك نظرا لخصوصية وأهمية هذه الحالات في عقد النقل البحري للبضائع.

 

Legal nature of the liability of the maritime carrier of goods

Doctor : Lakhyar moad

Doctor of Private Law

abstract

Taking into account the importance of the maritime transport of goods, in particular the responsibility of the important party in this relationship, the international and national legislator has sought to determine the basis of the liability of the maritime carrier, making it an objective liability under mandatory legislative texts aimed at limiting the arbitrariness of carriers by imposing certain conditions which would exempt or limit them. It is their responsibility,

The legislator has also not neglected to specify the particular cases in which the maritime carrier of goods is responsible in order to leave no possibility of evading its responsibility, which is the case of damage or destruction of goods. goods, as well as the delay in their delivery, taking into account the specificity and importance of these cases in the contract for the carriage of goods by sea.

 

مقدمة

بات النقل البحري وسيلة رئيسية لتبادل السلع والبضائع، خاصة بعد اكتشاف طرق بحرية جديدة كطريق الرجاء الصالح و فتح قنوات بحرية استراتيجية كقناة السويس، مما رتب خلق تبادلات اقتصادية جبارة تنتشر فوائدها على نطاق واسع يهم فئات وأصناف و طوائف كثيرة ومتعددة من المتدخلين. لهذه الأسباب قطن التشريع الدولي وبعده القوانين الوطنية الى ضرورة رسم حدود تشريعية لمختلف أطراف هذه العلاقة القانونية

وفي هذا الإطار صدرت معاهدة بروكسيل المعروفة بقواعد لاهاي بتاريخ 25 غشت 1924 وكانت هذه المعاهدة موضوع تعديل بمقتضى بروتكول بروكسيل المؤرخ في 23 فبراير 1968 المعروف بقواعد فيسبي، ثم بموجب برتوكول بروكسيل لسنة 1979، وكذا اتفاقية الأمم المتحدة المعروفة بقواعد هامبورغ والمتعلقة بالنقل البحري للبضائع بتاريخ 31 مارس 1978. أما على المستوى الوطني فقد أصدر المشرع المغربي قانون التجارة البحرية بتاريخ    31 مارس 1919.

وتحتل مسؤولية الناقل البحري للبضائع حيزا هاما في النصوص السالفة الذكر، اذ تميزت المقتضيات المتعلقة بالمسؤولية بدقة بالغة واختلاف بين المعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية. فاتفاقية بروكسيل لم تنص على مقتضيات تحدد بموجبها مسؤولية الناقل البحري للبضائع واكتفت بالتنصيص على الالتزامات التي تقع على عاتقه تاركة بذلك مهمة تحديد المسؤولية للاجتهاد الفقهي، غير أن اتفاقية هامبورغ سايرت التطورات الدولية التي طرأت في هذا المجال وتناولت بموجب المادة الخامسة منها مسؤولية الناقل البحري للبضائع. أما على المستوى الوطني فقد أفرد المشرع المغربي الفصل 221 من قانون التجارة البحرية لسنة 1919 لتحديد مسؤولية الناقل البحري معتبرا إياها مسؤولية موضوعية أساسها الخطأ المفترض من جانب الناقل.

غير أن تحديد طبيعة مسؤولية الناقل البحري للبضائع لا تقتصر على أساسها وإنما يجب الوقوف عند حالات تحقق هذه المسؤولية وإثباتها.

وتأسيسا على ما تقدم، فإن تحديد الطبيعة القانونية مسؤولية الناقل البحري للبضائع تمر عبر الاجابة على التساؤلات التالية:

  • ما هو أساس مسؤولية الناقل البحري للبضائع في ظل الاتفاقيات الدولية والقانون البحري المغربي؟
  • ما هي حالات تحقق مسؤولية الناقل البحري للبضائع وطرق إثباتها؟

سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها اعتمادا على منهج تحليلي، وفق التصميم التالي:

         المبحث الأول: أساس مسؤولية الناقل البحري للبضائع.

         المبحث الثاني: حالات تحقق مسؤولية الناقل البحري.

المبحث الأول

أساس مسؤولية الناقل البحري.

إن البحث في أساس مسؤولية الناقل البحري يعتبر من المواضيع المهمة في مادة النقل البحري، ومن خلالها تأتى تحديد طبيعة المسؤولية، هل هي مسؤولية مفترضة أم مسؤولية موضوعية ولأجل ذلك سنعمل على تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في (المطلب الأول) موقف الاتفاقيات الدولية من الأساس القانوني المسؤولية الناقل البحري للبضائع، على أن نسلط الضوء في (المطلب الثاني) على موقف المشرع المغربي من ذلك.

 

المطلب الأول

أساس مسؤولية الناقل البحري للبضائع في الاتفاقيات الدولية.

نظرا للطابع الدولي للنقل البحري للبضائع، ذلك أن الرحلات البحرية تكون في الغالب رحلات دولية، فقد تدخل المجتمع الدولي لوضع جملة من القواعد من خلال مجموعة من الاتفاقيات لعل أبرزها اتفاقية بروكسيل لسنة 1924 ( الفقرة الأولى ) وكذا اتفاقية هامبورغ لسنة 1978 ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية بروكسيل.

تم التوقيع على اتفاقية بروكسيل بتاريخ 25 غشت 1924[1] من طرف عشر دول[2]، ولم يصادق المغرب على هذه الاتفاقية[3] التي شكلت الإطار القانوني لوضع حد للنزاع الذي يمكن أن ينشأ بين الناقل والشاحن، وذلك لتجاوز بعض الشروط المجحفة التي يفرضها الناقل على الشاحن.

هذا، ولم تبين اتفاقية بروكسيل أساس مسؤولية الناقل، غير أنها بدأت في وضع تصور لهذا المبدأ بتحديدها الالتزامات التي تقع على عاتق الناقل، و ذلك في المادة الثالثة، ثم ذهبت في مادتها الرابعة لسرد حالات إعفاء الناقل من المسؤولية[4]

وفي ظل سكوت الاتفاقية عن تحديد أساس مسؤولية الناقل، انقسم الفقه إلى اتجاهين: أحدهما[5]  يرى أن مسؤولية الناقل البحري تقوم على أساس الخطأ المفترض من جانب الناقل، خصوصا أن هذه المسؤولية تشغل ذمة الناقل و بالتالي لا يكون الشاحن أو المرسل إليه مضطرا إلى إثبات ما تتعرض له البضاعة من ضرر، بل يكون الناقل هو الملزم بإثبات أن الضرر لم يكن ناتجا عن خطأ منه أو من تابعيه أو وكلائه، و ذلك حتى لا يتحلل من المسؤولية، و اتجاه آخر[6] ذهب إلى أن مسؤولية الناقل البحري في ظل اتفاقية بروكسيل تقوم على أساس قرينة المسؤولية و ليس على قرينة الخطأ ، و لا يمكن بالتالي للناقل التحلل من المسؤولية إلا بإثبات أن السبب الفعلي الذي أدى إلى الضرر يندرج تحت إحدى الحالات المستثناة التي نصت عليها المادة 4 من الاتفاقية. وعليه يمكن القول بأن مسؤولية الناقل البحري للبضائع تقوم على أساس قرينة المسؤولية في جانب الناقل، ولا يستطيع نفي هذا الخطأ إلا إذا أثبت أنه بذل العناية الكافية و أن الضرر لم ينتج عن إهمال أو خطأ منه، و ذلك برده للضرر إلى إحدى الحالات التي نصت عليها الاتفاقية في مادتها الرابعة. وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية بروكسيل لسنة 1924، قد أدخلت عليها بعض التعديلات بموجب بروتوكول 23 فبراير 1963، الذي نصت المادة الخامسة منه على توسيع نطاق الاتفاقية، حيث لم تجعل الجنسية أطراف العلاقة أي أثر[7].

وعلى الرغم من أن اتفاقية بروكسيل والبروتوكول المعدل لها قد حققا بعض التقدم في حماية الشاحنين، إلا أن كثيرا من الدول النامية، وهي في الأغلب دول شاحنين، قد رأت أن هذه الحماية غير كافية، بل إن البعض اعتبر أن قواعد المسؤولية المحددة في معاهدة بروكسيل كانت في صف الناقلين[8]، الامر الذي دفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بالنقل البحري للبضائع، وعلى الخصوص أساس مسؤولية الناقل، وذلك من خلال المؤتمر الذي عقد في مدينة هامبورغ بألمانيا.

الفقرة الثانية: أساس مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ 1978.

إزاء إلحاح الدول النامية واعتراضها المستمر على اتفاقية بروكسيل والبروتوكول المعدل لها، قامت الأمم المتحدة ببعض الجهود لمحاولة جمع الشمل الدولي بين الدول الناقلة و الدول الشاحنة، فعكفت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي على دراسة الوضع و بحث مدى إمكانية حماية الدول البحرية النامية، فشكلت لجنة ضمت إحدى وعشرين دولة اجتمعت في نيويورك ثم في باريس، و أخيرا قدم مشروع اتفاقية تحكم مسؤولية الناقل البحري للبضائع[9].

وفي عام 1978 انعقد مؤتمر هامبورغ في ألمانيا الغربية، حيث تمت الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع على البحر والتي تعرف باسم ” قواعد هامبورغ[10].

وبالرجوع إلى الاتفاقية المذكورة، نجد أن المقتضيات المتعلقة بمسؤولية الناقل البحري للبضائع قد تم تنظيمها بموجب المادة 5 منها، التي تنص في فقرتها الأولى على أن ” الناقل مسؤول عن الضرر الناتج عن هلاك أو تلف البضاعة وكذلك عن التأخير في تسليمها إذا كان الحادث المسبب للهلاك أو التلف أو التأخير قد وقع أثناء وجود البضاعة بعهدته طبقا للمادة 4 ما لم يثبت الناقل بأنه وتابعيه أو وكلائه اتخذوا بشكل معقول كل الإجراءات اللازمة لتجنب ذلك الحادث ونتائجه“.

يستفاد من هذا المقتضى أن مسؤولية الناقل البحري للبضائع قائمة على أساس الخطأ المفترض وليس على أساس قرينة المسؤولية؛ أي أن قواعد هامبورغ تقرر مسؤولية الناقل البحري عن الخسارة الناجمة عن هلاك البضاعة أو تلفها، وأيضا عن التأخير في تسليمها، وذلك إذا ما حصل الهلاك أو التلف أو التأخير والبضاعة في عهدة الناقل[11].

ومع ذلك فيجوز للناقل استبعاد المسؤولية إذا أثبت أنه قد اتخذ هو ومستخدموه أو وكلاؤه جميع ما كان يلزم اتخاذه بشكل معقول من تدابير لتجنب الحادث وتبعاته.

ومعنى هذا أن مسؤولية الناقل البحري وفقا لقواعد هامبورغ، هي مسؤولية عقدية يقوم على افتراض الخطأ من جانب الناقل، ويمكن له نفيه إذا استطاع إثبات اتخاذ التدابير المعقولة.[12]

خلاصة القول، فإنه كان لابد من الاستجابة للتطورات التي طرأت على النقل البحري وعلى الحياة الاقتصادية العالمية، وكذا الانتقادات التي وجهت لاتفاقية بروكسيل لسنة 1924 من أن يعاد النظر في قواعد نقل البضائع عن طريق البحر، فجاءت اتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع لسنة 1978 كاستجابة للتطورات والانتقادات التي وجهت لسابقتها.

المطلب الثاني

أساس مسؤولية الناقل البحري للبضائع في القانون المغربي

تعد مسؤولية الناقل البحري للبضائع في ظل القانون المغربي[13]، مسؤولية مشددة لأنها تقوم على إخلال الناقل بالتزام بتحقيق نتيجة، وهي إيصال البضاعة كاملة وسليمة إلى ميناء الوصول المتفق عليه، بحيث تظلل مسؤوليته قائمة ما دامت البضاعة تحت حراسته. وفي هذا الإطار جاء في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء ما يلي: “… حيث إن مسؤولية الناقل البحري تبقى قائمة باعتبار أن الناقل البحري يكون مسؤولا عن كل خصاص يصيب البضاعة عندما تكون تحت عهدته إلى غاية تسليمها إلى المرسل إليه … “[14] وهذا ما أكده المشرع المغربي أيضا في الفصل 221 من القانون البحري الذي جاء فيه: ” يبقى مؤجر السفينة مسؤولا عن كل هلاك أو عوار يصيب البضائع ما دامت تحت حراسته و ما لم يثبت وجود قوة قاهرة“.

يتضح من خلال مقتضيات هذا الفصل أن مسؤولية الناقل البحري للبضائع هي مسؤولية عقدية، باعتبار أنها تترتب نتيجة الإخلال بالتزام تعاقدي، كما أن هذه المسؤولية هي مسؤولية موضوعية أساسها الخطأ المفترض في جانب الناقل[15] .

وتعتبر مسؤولية الناقل البحري للبضائع من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، كأن يقوم الناقل البحري بإدراج شرط الإعفاء من المسؤولية في العقد عند هلاك أو عوار البضاعة، أو عند التأخير في وصولها، فمثل هذه الشروط تعتبر باطلة وعديمة الأثر في التشريع المغربي، وهو ما أكده المشرع المغربي بموجب الفصل 264 من القانون البحري الذي نص على أنه. يكون باطل وعديم الأثر كل شرط مدرج في تذكرة شحن أو في أي سند كان يتعلق بنقل بحري منشأ في المغرب أو في بلاد أجنبية تكون غايته المباشرة أو غير مباشرة إعفاء المجهز من مسؤوليته أو مخالفة قواعد الاختصاص أو قلب عبء الإثبات…”.

وإذا كانت مسؤولية الناقل البحري للبضائع في التشريع المغربي، تظل قائمة ما دامت البضاعة تحت حراسته، فإن سؤال الذي يطرح يهم المدى الزمني لمسؤولية الناقل البحري، أي متى تبدأ هذه المسؤولية ومتى تنتهي؟

للإجابة على هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين تولدت عنهما نظريتين؛ الأولى نظرية تجزئة عقد النقل البحري، ومفادها أن عمليات الشحن والإفراغ لا يلزم بهما الناقل البحري ويكون غير مسؤول عن الأضرار اللاحقة بالبضاعة خلال المرحلة السابقة على الشحن واللاحقة على التفريغ ويقتصر عمله على مجرد تحويل البضاعة ونقلها بطريق البحر فقط[16]. أنما ثانية فهي نظرية وحدة عقد النقل، ومفادها أن مسؤولية الناقل البحري تبدأ من تسلمه البضاعة إلى غاية التسليم الفعلي للمرسل إليه[17].

وعلى العموم يمكن القول بأن موقف المشرع المغربي من الحيز الزمني الذي تقوم فيها مسؤولية الناقل البحري يبقى غامضا و غير دقيق، حيث ينص الفصل 221 من القانون البحري المغربي على ما يلي : ” يبقى مؤجر السفينة مسؤولا عن كل هلاك أو عوار يصيب البضاعة ما دامت تحت حراسته و ما لم يثبت وجود قوة قاهرة “.

وقد انعكس هذا الغموض على العمل القضائي المغربي حيث تأرجح تأويله لهذا النص بين الأخذ بنظرية تجزئة عقد النقل إذ جاء في قرار لمحكمة النقض ، ما يلي : ” … حيث إن مكتب الشحن الذي يتولى تسلم البضاعة من الناقل البحري … فإنه حين يحوز البضاعة فإنها تخرج من حراسة الناقل لتبتدئ مسؤوليته هو فلا يجوز أن يتابع الناقل بالخسارة التي تعود إلى مسؤولية مكتب الشحن[18].

وبالمقابل، تبنت نفس المحكمة نظرية وحدة العقد، وفي هذا الإطار جاء في حيثيات أحد قراراتها ” يبقى الناقل البحري مسؤولا عن هلاك الأشياء المسلمة إليه وما يلحقها من عيب حتى آونة تسليمها للمرسل إليه ولا تنتهي هذه المسؤولية بإنزال البضاعة تحت الروافع و لكن بوضعها تحت تصرف المرسل إليه و تبقى حراسته لها إلى ذلك الحين“.

المبحث الأول

حالات تحقق مسؤولية الناقل البحري للبضائع

يسأل الناقل البحري و يعد مخلا بالتزامه الناشئ في عقد النقل   إذا لم تصل البضاعة سليمة إلى ميناء الوصول بسبب هلاك البضاعة كليا أو جزئيا و كذا عند تلفها أو عوارها (المطلب الأول) ، و أخيرا عند وصولها متأخرة ( المطلب الثالث).

المطلب الأول: هلاك البضاعة أو تلفها

سنحاول في هذا المطلب الوقوف عند حلالات تحقق مسؤولية الناقل البحري للبضائع المتصلة بواجب تسليم البضاعة إلى المرسل إليه سليمة دون أن تهلك (الفقرة الأولى) أو يلحقها تلف (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى : الهلاك

يقصد بالهلاك الفناء أو الاختفاء الكلي أو الجزئي للبضائع المنقولة، و هذا التعريف ينطبق على الهلاك أيا كانت درجته كليا كان أم جزئيا.

ويتحقق الهلاك الكلي أيضا عندما يلحق البضائع المنقولة قدر كبير من الأضرار لا يستطيع مالكها استخدامها أو تسويقها في الغرض الذي أعدت له، مثل البضائع المحروقة التي فقدت خصائصها الأصلية[19]، ففي مثل هذه الحالات تقوم مسؤولية الناقل و يكون ملزما بالتعويض عن الهلاك الكلي إذا لم يثبت أن السبب في ذلك راجع إلى قوة قاهرة .

ويعتبر فقدان البضاعة بالكامل خلال مرحلة النقل البحري خطأ جسيم يسأل عنه الناقل، ويمتنع عليه أن يتمسك بشرط تحديد المسؤولية المدون في سند الشحن، وبالتالي لا يستفيد الناقل البحري من مبدأ تحديد المسؤولية عند هلاك البضاعة هلاكا كليا، لأن ذلك يدخل ضمن الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرفه. وفي هذا الإطار جاء في حيثيات قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء “… و أنه في جميعه الأحوال فإن مسؤولية كل من الناقل البحري و شركة النقل المغربي ثابتة بشكل لا يقبل الجدال، وذلك من خلال المعاينة التي قام بها الخبير و الذي الأشار  في خلاصة تقريره أن ثلاثة باليطات تعرضت لمزق و تحمل بوبينة واحدة سالمة في حين تلطخت خمس بوبينات بالمسحوق الأسود الذي اخترق هذه الأخيرة و هو ما أصبحت معه غير قابلة للاستعمال و تلاشت بنسبة 100%…”[20].

و قد يثار التساؤل بخصوص الحالة التي يتوصل فيها المرسل إليه بمستوعبة أو حاوية فارغة، فهل ذلك هلاك كلى للبضاعة؟ ذهب جانب من الفقه[21]  إلى أن هذه الحالة لا تعتبر هلاكا كليا للبضاعة لكون المرسل إليه توصل فعلا بشيء ما وهي المستوعبة. في حين ذهب جانب آخر[22] إلى اعتبار هذه الحالة هلاكا كليا للبضاعة لأن موضوع النقل هو البضاعة الموجودة داخل المستوعبة، وقد ذهب اتجاه آخر إلى أنه إذا كانت المستوعبة مملوكة للشاحن ففي هذه الحالة تكون بصدد هلاك جزئي ما دام أنه توصل بشيء ما و يكون بإمكانه التحقق من محتواه، لكن إذا كانت المستوعبة مملوكة للناقل أو أحد الأغيار، فإننا نكون بصدد هلاك كلي.

أما فيما يخص الهلاك الجزئي ففي هذه الحالة التي يسلم الناقل البضاعة إلى المرسل إليه مع وجود نقص في وزنها أو طرودها يستطيع هذا الأخير معرفة الخصاص الحاصل بالبضاعة، وذلك بمقارنة الكمية أو عدد الطرود المسلم له مع الكمية أو الوزن أو عدد الطرود المضمن بسند الشحن.

وتجدر الإشارة إلى أن الناقل البحري قد يعفى من المسؤولية حتى و لو لم تدرج التحفظات المذكورة في سند الشحن إذا تعلق الأمر بعجز الطريق الذي يقصد به النقص المعتاد الذي يلحق البضاعة أثناء نقلها بسبب طبيعتها، كما هو الشأن بالنسبة للبضائع التي تنقل منفرطة أي على شكل خليط كالحبوب والأسمدة، وكذا المواد السائلة كالبترول والزيوت و ذلك بسبب تعرضه للعوامل الجوية أو بسبب الظروف المحيطة بعملية النقل نفسها.

 

الفقرة الثانية : التلف

يقصد التلف العيب الذي يصيب البضاعة، و يكون لذلك تأثير على قيمتها في السوق التجاري، ذلك أن الناقل البحري يقوم بتسليم البضاعة إلى المرسل إليه ينفس الكمية أو الوزن المدرجين في سند الشحن، و لكنها في حالة أسوء من الحالة التي تسلمها في ميناء الشحن و هو بذلك يختلف عن الخصاص ، والذي يقتصر على الخدش والتمزيق و الكسر ، وهو تمييز معمول به على مستوى العمل القضائي المغربي حيث جاء في قرار  : ” … وحيث إنه خلافا لما تمسك به الناقل، فإنه لا مجال للدفع بكون البضاعة كانت مرصصة وأفرغت دون انتزاع الأختام الرصاصية ما دام الأمر في النازلة يتعلق بعوار وليس بخصاص…”[23].

و يفترض في الناقل أنه تسلم البضاعة في حالة جيدة من الشاحن الامر الذي يمكن التحقق منه بالرجوع إلى بيانات سند الشحن، فإذا كان خاليا من التحفظات الخاصة بحالة البضاعة فإنه يفترض أن الناقل قد استلمها في حالة جيدة و يكون بالتالي ملزما في ميناء الوصول بذات الحالة، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي في أحد قراراته : ” … حيث إن مناط تحميل مسؤولية الناقل البحري هي التحفظات التي تخذها شركة استغلال الموانى تحت الروافع…[24].” . أما إذا تضمن سند الشحن بعض التحفظات بخصوص الحالة فلا يسأل الناقل عن العوار الحاصل للبضاعة حيث يفترض أن هذا العوار حصل قبل شحن البضاعة، ويقع بالتالي على المرسل إليه عبء إثبات كون البضاعة تم شحنها في حالة جيدة

و قد يثور التساؤل بخصوص خطاب الضمان الذي يسلم إلى الناقل من طرف الشاحن و الذي يتعهد فيه هذا الأخير بمسؤوليته عن كل ضرر يصيب البضاعة بسبب سوء التغليف مثلا، ذلك أن هذا التحفظ يضمن بخطاب الضمان دون سند الشحن، فهل يكون له أثر في مواجهة المرسل إليه؟ بالطبع ليس له أثر في مواجهة المرسل إليه على اعتبار أن هذا الأخير بعد غيرا و ينحصر هذا الخطاب على طرفيه و هما الناقل والشاحن .

المطلب الثاني:

التأخير

ينص الفصل 217 مدونة التجارة البحرية على أن  ” الطرف الذي يتسبب في توقف السفينة أو تأخرها عند الإقلاع أو خلال السفر أو في مكان التفريغ، يكون ملزما بأداء تعويض للطرف الآخر، والملاحظ أن هذا النص و إن ورد بشأن إيجار السفينة فمن المسلم به أنه ينطبق على نقل البضائع.

وعلى هذا الأساس يسأل الناقل البحري عن التأخير في وصول البضاعة إلى المكان وفي الميعاد المتفق عليه أو في الميعاد المناسب إذا لم يتفق على ميعاد معين و يكون بالتالي ملزما بالتعويض سواء تسبب هذا التأخير في هلاك البضاعة ذاتها أو إلى تسبب هذا التأخير في ضرر للمرسل إليه

هذا و يلجأ الناقل البحري إلى تضمين سند الشحن شرطا يعفيه من المسؤولية عن التأخير في تسليم البضاعة. وتعتبر مثل هذه الشروط باطلة استنادا إلى مقتضيات الفصل 264 الذي جاء فيه ” يكون باطل و عديم الأثر كل شرط مدرج في تذكرة شحن أو في أي سند كان يتعلق بنقل بحري منشأ في المغرب أو في بلاد أجنبية تكون غايته مباشرة أو غير مباشرة إعفاء المجهز من مسؤوليته أو مخالفة قواعد الاختصاص أو قلب عبء الإثبات.إلا أنه يمكن للمجهز أن يتحلل من الأخطاء المرتكبة من طرف الريان أو المرشد أو الملاحين في تنفيذ مهامهم التي تتعلق بالسفينة“..

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية بروكسيل لسنة 1924 الخاصة بسندات الشحن لم تتضمن أي شرط خاص بالتعويض عن الضرر الناجم عن التأخير في تسليم البضاعة، بل حملت الناقل البحري المسؤولية عن الهلاك أو التلف الذي يصيب البضاعة فقط.

وعلى العكس من ذلك نجد البند الأول من المادة الخامسة من اتفاقية هامبورغ قد أرسى المبدأ العام لمسؤولية الناقل البحري الدولي و ذلك في حالات ثلاث هي هلاك البضاعة وتلفها و التأخير في تسليمها، وأهم ما يستفاد من هذا النص هو اهتمام اتفاقية هامبورغ بمسؤولية الناقل عن التأخير في تسليم البضاعة و وضعها على قدم المساواة مع

مسؤولية الناقل عن هلاك البضاعة وما يلحقها من أضرار.

 

وفي الختام، إن تنظيم جل التشريعات لمبدأ مسؤولية الناقل البحري للبضائع يوحي بأن الهاجس هو المحافظة على مبدأ التوازن العقدي و استقرار المعاملات، خاصة  أن النقل البحري يشكل وسيلة أساسية لتداول السلع و الثروات.

لذلك سعى المشرع الدولي قبل الداخلي إلى تحديد وبدقة أساس مسؤولية الناقل البحري، وذلك وفق نصوص تشريعية آمرة تحد من تعسف الناقلين في فرض بعض الشروط التي من شأنها أن تعفيهم أو تحد من مسؤوليتهم.

كما أن المشرع لم يفته تحديد الحالات التي يسأل فيها الناقل البحري للبضائع لكي لا يدع مجالا للتنصل من المسؤولية، و هذا ينسجم مع تحديد طبيعة المسؤولية، و هي موضوعية تنشأ بمجرد قيام حالاتها المحددة حصرا.

لائحة المراجع

  • يونس بلونة ” مسؤولية الناقل البحري على ضوء القانون المغربي – دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورغ لسنة 1978 . المطبعة السريعة، الدار البيضاء، أكتوبر 1993.
  • لطيف جير كوماني ” القانون البحري الدار العلمية الدولية، الطبعة الأولى، عمان 2001.
  • عبد القادر العطير، الوسيط في شرح القانون التجاري البحري – دراسة مقارنة ” مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 1999.
  • أحمد حسني ” عقد النقل البحري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1999.
  • عدلي جمال الدين عوض النقل البحري للبضائع، مطبعة جامعة القاهرة، دار الكتاب الجامعي القاهرة 1992.
  • جلال وفاء محمدين، قانون التجارة البحرية دار الجامعة الجديدة للنشر، 1997.
  • محمد بهجت قايد ” مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ – دراسة مقارنة مع اتفاقية بروكسيل “، دار النهضة العربية القاهرة 1992.
  • المختار بكور ” الوجيز في القانون البحري ، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 1977.
  • المحجوب فتح الله، المحجوب فتح الله ” التزامات الناقل البحري في التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية “، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، شعبة القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث، قانون الأعمال جامعة الحسن الأول، كلية الحقوق، سطات الموسم الجامعي: 2007 – 2008، ص: 81.
  • محمد بهجت عبد الله قايد ” مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ ، دار النهضة العربية، طبعة 1992 .

 

 

[1] –  تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية بروكسيل ليست سباقة في وضع أحكام تنظم النقل البحري للبضائع، بل سبقها في ذلك قانون “هارتر” الأمريكي الصادر بتاريخ 13 / 2 / 1893، والذي جاء بمجموعة من الأحكام، منها بطلان الإعفاء من المسؤولية المرتكبة من طرف الناقل أو تابعيه، وقد لاقى هذا القانون استجابة كبيرة من قبل العديد من الدول التي أصدرت تشريعات مماثلة له مثل استراليا سنة 1904 وكندا سنة 1911 ونيوزيلاندا سنة 1908 وكذا قواعد لاهاي لسنة 1921 التي جاءت تطبيقا لقواعد ” هارتر” ووضعت في صورة سندات شحن نموذجية. غير أن هذه القواعد كانت اختيارية، مما حدا ببعض الدول للمناداة بإلزاميتها وهو ما تأتى بصدور اتفاقين بروكسيل لسنة 1924.

للمزيد من التوسع بخصوص هذه النقطة أنظر : – يونس بلونة ” مسؤولية الناقل البحري على ضوء القانون المغربي – دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورغ لسنة 1978 . المطبعة السريعة، الدار البيضاء، أكتوبر 1993، ص: 16 وما بعدها.

[2] – هذه الدول هي: ألمانيا، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا، بولندا، اليابان ورومانيا.

[3] – لأن المرسوم الفرنسي الصادر في 25 / 3 / 1973 المصدر لها، استثنى من مفعول المصادقة المستعمرات والدول

الخاضعة للحماية الفرنسية.

[4] – وقد بلغت حالات الإعفاء الواردة في المادة 4 من اتفاقية بروكسيل عشر حالات.

[5] – يراجع في بخصوص هذا الاتجاه: – لطيف جير كوماني ” القانون البحري الدار العلمية الدولية، الطبعة الأولى، عمان 2001، ص: 34 – 35.

– عبد القادر العطير، الوسيط في شرح القانون التجاري البحري – دراسة مقارنة ” مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 1999، ص385:

[6] – أنظر بخصوص هذا الاتجاه الفقهي: أحمد حسني ” عقد النقل البحري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1998، ص: 182.

– عدلي جمال الدين عوض النقل البحري للبضائع، مطبعة جامعة القاهرة، دار الكتاب الجامعي القاهرة 1992، ص:593.

[7] – جلال وفاء محمدين، قانون التجارة البحرية دار الجامعة الجديدة للنشر، 1997، ص: 251.

[8] –  جلال وفاء محمدين، م. س، ص: 253.

[9] – نفس المرجع، ص: 253.

[10] – انضم المغرب إلى هذه الاتفاقية بمقتضى محضر إبداع وثائق الانضمام إلى الاتفاقية بنيويورك بتاريخ 17 / 7 / 1981. وبتاريخ 1988 / 8 / 3 تم نشر هذه الاتفاقية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.84.21 الصادر في 14 / 11/ 1986، الجريدة الرسمية عدد 3953 بتاريخ 3 غشت 1988.

[11] –  محمد بهجت قايد ” مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ – دراسة مقارنة مع اتفاقية بروكسيل “، دار

النهضة العربية القاهرة 1992، ص: 219.

[12] – محمد بهجت قايد، م س. ص: 219.

[13] – ظهير شريف مؤرخ في 28 جمادى الثانية 1337، الموافق لـ 31 مارس 1919.

 

[14] – حكم عدد 4581 / 2005، صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، في الملف رقم 5182 / 6 / 2003، بتاريخ 2015/05/05، غير منشور

[15] – المختار بكور ” الوجيز في القانون البحري ، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 1977 ، ص : 107.

[16] – يونس بنونة، م. س، ص : 40.

[17] – المحجوب فتح الله، المحجوب فتح الله ” التزامات الناقل البحري في التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية “، رسالة لنيل

دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، شعبة القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث، قانون الأعمال جامعة

الحسن الأول، كلية الحقوق، سطات الموسم الجامعي: 2007 – 2008، ص: 81.

[18] – قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 1194 منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 42 مارس أبريل 1986 ص: 69.

 

[19] – محمد بهجت عبد الله قايد ” مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ ، دار النهضة العربية، طبعة 1992 ص: 50.

[20] – فرار عدد 3673 / 2010 صادر بتاريخ 13 / 7 / 2010، رقم الملف 1585 / 2009 / 9، ( قرار غير منشور.

[21] – ريبير، ” القانون التجاري ، ج 2 بند 2628 أورده يونس بلونة، م.س، ص : 56.

[22] – د. نجون، ” القانون البحري ” ج 2 بند 891، أورده يونس بلونة، م.س، ص: 56.

 

[23] – حكم عدد 12794 / 07 صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، في الملف رقم 11413 / 6 / 2006، بتاريخ 12/25 / 2007، غير منشور.

[24] – قرار عدد 1979 / 100 صادر من محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ملف رقم 1426 / 6 / 2007 بتاريخ. 2009/03/11، (قرار غير منشور).

 

 

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 54 الخاص بشهري أكتوبر نونبر 2024

لتحميل الإصدار المتضمن للبحث :

اضغط هنا

مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 54 أكتوبر – نونبر 2024

 

رابط البحث على GOOGLE SCHOLAR

https://scholar.google.com/citations?view_op=view_citation&hl=fr&user=PoRj-YgAAAAJ&citation_for_view=PoRj-YgAAAAJ:J_g5lzvAfSwC

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى