ان فهم واستيعاب أي قانون داخلي والوقوف على ايجابياته وسلبياته لايتاتى إلا إذا تمت مقارنته بقوانين الدول الأخرى وخاصة الدول الرائدة في المجال القانوني , و يقصد بالقانون المقارن –droit compare– بأنه: هو ذلك المجال الدراسي المكرس للمقارنة المنظمة بين نظامين قانونيين أو أكثر،أو بين عناصر معينة من تلك النظم، من خلال تحليل مجموعة من الأفكار المشتركة و المختلفة بينها[1].
وتسمية «القانون المقارن» حديثة العهد، ترجع إلى ما يقرب من مئة عام، وهي تسمية اصطلاحية؛ لأنها لا تدل على ما توحي إليه، فهي توحي أنها مجموعة قواعد كسائر فروع القانون الوضعي، في حين أنها ليست كذلك، فالقانون المقارن ليس مجموعة من القواعد تنظم نشاطاً معيناً كالقانون المدني أو القانون التجاري، فكل ما يدل عليه هذا التعبير الاصطلاحي أنه دراسة قانونية أو بحث قانوني يقوم على المقارنة بين قانونين أو أكثر.
وبتعقّب تطور الدراسة المقارِنة عبر العصور يلحظ أن لها جذوراً تاريخيةً، فقد اتبعها فلاسفة اليونان، كما فعل أفلاطون في كتابه: «حوار في القوانين» الذي قارن فيه بين قوانين عصره.
وفي القرن السابع عشر ظهرت في أوربا فكرة القانون العالمي من قبل الفقهاء الألمان الذين نادوا بالبحث عن الأفكار المشتركة للقوانين ومقارنتها ومن ثم استخلاص القانون العالمي.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشطت الدراسة المقارنة بسبب عاملين هما: تطور مناهج البحث العلمي.و قيام الثورة الصناعية، وتطلّع الدول إلى ما وراء حدودها لاستصلاح تشريعها، واقتناعها بأن قانونها الوطني لا يمكن أن يبقى منعزلاً أو أن يتخذ شكلاً نهائياً، بل لابد أن يتأثر بالقوانين الأخرى وأن يقتبس منها، كما لابد أن يتبدل ليجاري التطور العالمي.
وتعد المرحلة السابقة مرحلة تمهيدية لتأسيس القانون المقارن، أما المرحلة التأسيسية فقد بدأت في مطلع القرن العشرين وذلك في المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي عقد في باريس عام 1900م، و الذي يعد تاريخ ميلاد للقانون المقارن، إذ زادت أهميته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فغدا عنصراً أساسياً لكل علم قانوني أو ثقافة قانونية.
وتبرز أهمية القانون المقارن في كونه أداة لتطوير التشريعات الداخلية و الإصلاح القانوني وكذا
التعرف على حلول جديدة لمشكلات قديمة وإيجاد حلول لمشكلات جديدة وكذلك الوقوف على الثغرات القانونية في النظام القانوني الوطني ويعتبر أداة لفهم القواعد القانونية (للبحث القانوني)وأداة لتقييم أداء المؤسسات القانونية الوطنية كما يعتبر أداة لتوحيد القواعد القانونية على المستوى الإقليمي / الدولي وأداة لدراسة الظواهر القانونية علم الاجتماع القانوني
فإلى أي حد يمكن القول بان القانون المقارن قد ساهم في تنمية القوانين بصفة عامة والقانون المغربي بصفة خاصة ؟.
هذه الإشكالية ستتم معالجتها بالاستعانة بمزيج من مناهج البحث العلمي و هكذا سيتم الاعتماد بشكل أساسي على المنهج التحليلي مع الاستخدام المنهج المقارن.
إذن فمعالجة هذا الموضوع ستتم في ضوء هذه المناهج و وفقا للتصميم التالي :
الفصل الأول :الإطار العام للقانون المقارن .
الفصل الثاني : فوائد القانون المقارن على المستوى النظري والعملي .
مقدمة.
الفصل الأول : الاطار العام للقانون المقارن .
v المبحث الأول : مفهوم القانون المقارن وطبيعته.
§ المطلب الأول : تعريف القانون المقارن .
§ المطلب الثاني : طبيعة القانون المقارن.
v المبحث الثاني : طرق المقارنة.
§ المطلب الأول : أنواع وصور المقارنة.
§ المطلب الثاني : مراحل المقارنة.
الفصل الثاني : فوائد القانون المقارن على المستوى النظري و العملي.
v المبحث الاول : فوائد القانون المقارن على المستوى النظري.
§ المطلب الأول : في مجال تاريخ القانون وفي مجال فلسفة القانون.
§ المطلب الثاني :في مجال النظرية العامة للقانون وفي مجال علم الاجتماع القانوني .
v المبحث الثاني : فوائد القانون المقارن على المستوى العملي.
§ المطلب الأول :فائدته على تفهم أفضل للقانون الوطني وتحسين هذا القانون .
§ المطلب الثاني :مساهمة القانون المقارن في نطاق القانون الدولي الخاص.
خاتمة.
الفصل الأول: الإطار العام للقانون المقارن
سسنتناول في هذا الفصل مفهوم القانون المقارن وطبيعته في (المبحث الأول )،اما في ( المبحث الثاني) فسنتطرق الى طرق المقارنة في القانون المقارن.
المبحث الأول: مفهوم القانون المقارن وطبيعته
بداية سنحاول إعطاء تعريف للقانون المقارن في – ( المطلب الأول ) و نتحدث عن الطبيعة في ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول: تعريف القانون المقارن وفروعه
في فقرة أولى نتكلم عن التعريف وفي فقرة ثانية نتناول الفروع:
الفقرة الأولى: تعريف القانون المقارن.
كما يدل عليه هذا التعبير الاصطلاحي إنه دراسة قانونية أو بحث قانوني يقوم على المقارنة بين قانونين أو أكثر ويعرفه كل من الأستاذان لومبير وصالي[2] بأنه: <<العلم الذي يبحث عن القواعد المشتركة بين الشرائع والنظم المختلفة>> ويعرفه مؤتمر لاهاي لسنة 1937 بأنه: <<يعمل على المقارنة بين قوانين بلدان مختلفة واستخلاصه من هذه القوانين أوجه الشبه والاختلاف>> ويعرفه دافيد وڨوتريدج[3] بأنه: <<الطريقة المقارنة في تطبيقها على الدراسات القانونية>> ويسميه البعض (بالقانون الموازن) ويسميه محمد العروصي[4]<< بالمقابلة او المقارنة التي تعتمد على تحديد عناصر الالتقاء او التقارب بين مؤسستين قانونيتين وايضا بيان عنلصر التمايز او الاختلاف>>و تسمية القانون المقارن التي استقر عليها الفقه هي حديثة العهد ترجع إلى طلوع القرن الماضي وهي تسمية اصطلاحية كتسمية القانون الدولي لا تدل على محتواها فهي توحي بأنها مجموعة قواعد كسائر فروع القانون الوضعي باعتبار أن القانون هو مجموعة القواعد التي تنظم
سلوك وعلاقات الأشخاص في المجتمع على وجه ملزم. غير أن محتوى أو دلالة القانون المقارن غير ذلك لأنه لا يوجد ما يسمى بالقانون المقارن بالمعنى المألوف عليه فالقانون المقارن ليس مجموعة من القواعد تنظم حياة المجتمع كالقانون المغربي أو الياباني أو الأمريكي وغيرها من القوانين الوضعية وهو ليس فرعا من فروع القانون كالقانون المدني أو القانون التجاري وهو كذلك ليس مجموعة قواعد تنظم موضوعا معينا في نطاق فرع من فروع القانون كنظام الملكية أو الأهلية الفقرة الثانية : فرع القانون المقارن و صور القانون المقارن
-فرع القانون المقارن
للقانون المقارن نفس التقسيمات التي يعرفها القانون في فروعه بين القانون العام والقانون الخاص والفروع الفرعية التي يعرفها كل تقسيم فالقانون العام يقسم إلى القانون المقارن الدستوري والقانون المقارن الإداري والقانون المقارن الدولي…إلخ.
ونفس الشيء بالنسبة لفروع القانون الخاص فهناك القانون المقارن المدني والقانون المقارن التجاري والقانون الدولي الخاص المقارن وغيرها من فروع القانون الخاص.
– صور القانون المقارن
تتخذ الدراسات المقارنة عدة أشكال وهي استعملت من طرف المقارنين في دراستهم وتعرض إليها الأستاذ (كونستونتينيسكوleontin-jean constantinesco)[5] بكثير من التفصيل:
– القانون المقارن الوصفي: يقصد منه عرف قانوني أو أكثر وإظهار ما يميزها عن بعضها بإظهار الفروق التي بينها للتعرف على القوانين الأجنبية أو الحصول على معلومات دون غاية أخرى مثلا التمييز بين الكوارث الطبيعية في طل من النظامين الفرنسي والجزائري.
– القانون المقارن التطبيقي: يعتمد عليه لتحقيق هدف عملي محدد يتجاوز التحصيل وجمع المعلومات من القوانين الأجنبية فهو ليس مجرد وصف للخلافات القائمة بين المفاهيم والقواعد موضوع المقارنة دائما فهو تحليل جوهري ودقيق للقوانين موضوع المقارنة ثن استنباط النتائج من هذا التحليل مثل: (حماية المؤمن له في النظام المغربي والفرنسي)
– القانون المقارن المجرد: ويهدف إلى تكثيف تحصيل المعلومات في المجال القانوني وهذا ما يسميه الفقيه رابل بالمقارنة البحتة ولكن حسب الفقيه ڨيتريدج لا وجود لهذه الطريقة في القانون المقارن.
المطلب الثاني: طبيعة القانون المقارن
اختلفت الآراء حول طبيعة هذا القانون أهو علم أم مجرد طريقة؟
الفقرة الأولى: القانون المقارن علم
اختلاف الفقهاء في تسمية القانون المقارن يرجع إلى اختلافهم في طبيعته ووظيفته فمنهم من ذهب إلى أنه علم مستقل قائم بذاته متميز بخصائصه كعلم الاجتماع وعلم اللغات وعلم الأديان ومنهم من ذهب إلى أنه مجرد طريقة من طرق البحث في المجال القانوني تستعمل لأغراض متعددة كتوحيد أو تعديل القوانين الوطنية ولاستعمال الطريقة في أبحاث القانون للتمييز بين النظم القانونية القديمة أو استخلاص المبادئ العامة في القانون ويتزعم المذهب الأول الذي كان سائدا إلى غاية الحرب العالمية الثانية الأستاذان لومبير وصالي فيرى الأستاذ لومبير أن القانون المقارن علم قائم بذاته غايته وضع تشريع مشترك بين الدول ويقسم إلى قسمين: (التشريع المقارن) أو (علم الظواهر القانونية) وهو علم يستهدف الكشف عن أصل نشأة القواعد القانونية والنظم القانونية وتطورها.
التشريع المقارن: ويخص البحث في الشرائع الوضعية عن الأسس المشتركة في تكملة القوانين الوطنية وفي تطويرها ولا يعتبر في نظره هذا الفرع من القانون علما بل هو مجرد تقنية أما الأستاذ صالي فيرى أن المغزى من القانون المقارن هو علم غايته الوصول إلى استخلاص القواعد القانونية جديدة ومشتركة للإنسانية المتحضرة وذلك بدراسة الشرائع المختلفة من ناحيتها الاجتماعية ثم دراسة الشرائع المتحدة في تنظيمها في طوائف متعددة واستخلاص نموذج للنظم القانونية المختلفة ويكون هذا النموذج هو القانون المقارن المشترك للإنسانية وهو الهدف الذي يسعى نحوه كل تشريع خاص والقانون المقارن هو الذي يكشف لنا هذا القانون المثالي ويؤخذ على هذا الرأي بأن القانون المقارن لا يمكن أن يصل إلى قانون مشترك للإنسانية المتمدنة بل إنه قانون مشترك للدول التي يوجد بها تشابه أو اتحاد في المدنية والتحضر فهذا المذهب يبقى متأثرا بالأفكار التي كانت سائدة قبل مؤتمر باريس 1900 خاصة تلك التي تجعل من القانون الطبيعي القانون المثالي لذلك يعرفونه بأنه: <<العلم الذي يبحث عن القواعد المشتركة بين الشرائع والنظم المختلفة>> مما جعل أن الدراسات المقارنة تأخذ اتجاهات تاريخية متأثرة بمذهب القانون الطبيعي كوسيلة للوصول إلى قانون مشترك للإنسانية.
الفقرة الثانية: القانون المقارن طريقة ام القانون المقارن علم وطريقة
-القانون المقارن طريقة
سار هذا المذهب بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الخلافات والنقاش التي أثارها مؤتمر باريس 1900 (وهو المؤتمر الأول للقانون المقارن) خلافات حول أهداف ووظائف القانون المقارن وحول الطريقة والمنهج الذي يتعين إتباعه في دراسته كذلك كان الخلاف حول تعريفه بل وحتى على تسميته (استعملت اصطلاحات أخرى غير القانون المقارن كمقارنة القوانين، الطريقة المقارنة للتشريع، التشريع المقارن، وفي إنجلترا غلبت تسميته بالاجتهاد المقارن) وتجددت هذه الاختلافات والمناقشات في مؤتمر لاهاي للقانون المقارن 1937 الذي عرف القانون المقارن دون التطرق إلى طبيعته: <<يعمل على المقارنة بين قوانين بلدان مختلفة واستخلاص بين هذه القوانين من أوجه الشبه أو أوجه الخلاف وعلى رأس هذا المذهب ڨوتريدج في إنجلترا بنشر مؤلفه (القانون المقارن مدخل إلى الطريقة المقارنة في البحوث القانونية) 1946 وترجم إلى الفرنسية سنة 1953 وتبعه في إيطاليا الأستاذ إسكاريلي وفي فرنسا دافيد بنشر مؤلفه سنة 1950 ويرى أصحاب هذا المذهب أن القانون المقارن هو الطريقة هو الطريقة المقارنة في تطبيقها على الدراسات القانونية وأن الأفكار التي كانت سائدة قبل الحرب العالمية الثانية والتي تعتبر القانون المقارن علما لم تكن حسب هذا المذهب موفقة وأدت هذه الأفكار إلى جدل عقيم ذات القانون المقارن غموضا ولبسا وكان من الممكن تجنب هذا الغموض واللبس لو تقرر من أول الأمر أن القانون المقارن ليس علما ولا فرعا من فروع القانون وإنما هو طريقة للمقارنة في مجال العلوم القانونية أو منهج دراسة وبحث فالقانون المقارن حسب هذا الفريق ليس له غرض بذاته كبقية فروع القانون وإنما هو وسيلة ومنهج وتقنية تتبع للبحث في مواضيع تتصل بفروع أخرى من فروع القانون ولقد لقي هذا المذهب الجديد للقانون المقارن صدا عند الفقهاء خاصة عند المناهضين لتوحيد القانون كالبريطانيين الذين نشئوا في تقاليد خاصة ومتمسكون بقوانينهم كذلك الدول الاشتراكية الذين يرفضون فكرة التقريب بين القوانين البرجوازية وقانونهم الاشتراكي.
ومهما كان الجدل والخلاف بين الفقهاء فلم يعد له أي أثر ما دام أن القانون المقارن حسب الأستاذ دافيد يقوم على أسس علمية ويتجلى ذلك من خلال كشف الحقائق.
-القانون المقارن علم وطريقة
يؤدي القانون المقارن إلى التقارب والتفاهم بين الشعوب من خلال مقارنة قوانينها وإرساء قواعد أو مبادئ مشتركة بينها تجعله ذو طبيعة مزدوجة فيبدو علما في نطاق المقارنة بين الشرائع بعد تصنيفها إلى طوائف وعائلات كبرى تتميز بمناهجها ومركزها الجغرافي بحيث يمكن أن يتألف منها ما يسمى بالجغرافية القانونية فتناول مركزه الجغرافي وتطوره التاريخي ويقوم بعد ذلك بالمقارنة ببيان الخصائص المشتركة بينهم تؤدي إلى بناء كامل من المعلومات الخاصة بالعناصر الأساسية لقوانين الدول المختلفة كما يلاحظ البعض أن المنهج والعلم مترابطان على اعتبار القانون المقارن كذلك القانون المقارن يبدو علما حين يستعمل كوسيلة للمقارنة بين قاعدتين قانونيتين فهذه المقارنة تؤدي إلى تحصيل معلومات علمية جديدة مثل أصل وتاريخ القاعدة وبياناتها القانونية والتعرف على مصدرها ولا يختلف عنه العديد من الفقهاء ويقولون أن القانون المقارن: <<علم يمهد السبيل لاستخدام الطريقة المقارنة>> ويعتبره من جهته الأستاذ ليجي بأنه: <<علم فتي لا يزال في مراحله الأولى التطويرية>> وعلى ضوء ما تقدم يمكن القول : <<بأن القانون المقارن هو علم منهاجي يستهدف دراسة النظم القانونية لاستخلاص أوجه الشبه والاختلاف وتحديد جوهرها الاجتماعي وشكلها ووظائفها بغية إظهار الاتجاهات المتعارضة والمتناقضة في مختلف نماذج نظم القانون وترجيح بعضها على بعض>>
المبحث الثاني : طرق المقارنة
سنتطرق في المطلب الأول من هذا المبحث الى طرق المقارنة من خلال انواع وصور هذه الطرق اما في المطلب الثاني فسنتحدث فيه عن مراحل المقارنة
المطلب الأول: أنواعها وصورها
توجد عدة طرق للمقارنة حيث أن طرق المقارنة تتعدد بتعدد المقارنين وكل واحد منهم يقترح طريقته الخاصة نورد البعض منها فيما يلي في فقرتين:
الفقرة الأولى: المقابلة والمقاربة والمضاهاة
1- المقابلة: (المقايلة) وتسمى أيضا بالمجانبة وفيها يضع الباحث النصوص أو الأحكام التي تعالج موضوع معين في قوانين مختلفة جنبا إلى جنب بحيث يقابل بعضها بعضا وبذلك يتعرف الباحث على مواضع التشابه والاختلاف بينها ويقارنها مع قانونه الوطني فيتبين بذلك ما بينها من اختلاف وائتلاف مثل أحكام الزواج أو الطلاق أو الحضانة أو الوكالة …إلخ.
2- المقاربة: وفيها يدرس الباحث جوانب التقارب بين القوانين وهي القوانين المتشابهة في الخصائص كالقوانين اللاتينية الجرمانية باستمدادها من مصادر قانونية مشتركة تخضع لمنهاج قانوني واحد يجعلها قابلة للمقارنة وهي طريقة تتبع في توحيد القوانين الداخلية وفي الدول الاتحادية ففي هذه الدول يوجد إلى جانب القوانين الاتحادية قوانين خاصة بكل دولة أو ولاية ونجد نطاقا مشابها لذلك في الشريعة الإسلامية فقد سعى بعض العلماء أو الفقهاء إلى المقارنة بين أحكام المذاهب الإسلامية المختلفة وقد أصبح هذا علما يسمى (علم الخلاف)
3- المضاهاة: (المعارضة) وهي تقوم على بيان أوجه الاختلاف بين منهجين مختلفين كالمنهج اللاتيني الجرماني والمنهج الاشتراكي أو منهج الكومن لو.
الفقرة الثانية: المقارنة والموازنة
4- المقارنة الأفقية والمقارنة العمودية:
أ- المقارنة الأفقية: وهي المقارنة التي تكون بين القوانين المتباعدة في المكان كالمقارنة بين القوانين الوضعية في البلاد المختلفة مثلا بين القانون الصيني والقانون الكندي.
ب- المقارنة العمودية: وهي المقارنة المتباعدة في الزمان كمقارنة القانون الوضعي بقوانين أخرى قديمة تكون مصدرا للقانون الحالي.
5- الموازنة: (المقارنة المنهجية): وهي طريقة تخضع لمنهج معين يساعد على استخلاص نتائج يمكن التعرف بها على القانون الأفضل بعد دراسة أسباب الاختلاف والتقارب بين هذه القوانين بناء على الظروف التي تحيط بكل قانون.
المطلب الثاني: مراحل المقارنة
تمر المقارنة أساسا بمرحلتين: نتناول في الفقرة الأولى المرحلة التحليلية أما الفقرة الثانية نتناول فيها
المرحلة الاستنتاجية
الفقرة الاولى- المرحلة التحليلية:
أو المقارنة الجزئية ويبدأ بتجزئة النص الأجنبي أي تحليل القاعدة القانونية الأجنبية إلى جزئيات ثم دراسة النظام الذي تحتوي عليه هذه القاعدة وبعدها ينتقل إلى دراسة المنهج الكامل للقانون الأجنبي فلو أراد الباحث المغربي أن يقارن بين القانون المغربي والقانون الفرنسي والقانون الألماني والسويسري في موضوع الحضانة مثلا فإنه يقوم بداية بدراسة القواعد القانونية وما يتفرع عنها من حالات ثم ينتقل إلى النظام بأكمله ليتمكن من فهم القاعدة ومدى تقاربها بالقواعد الأخرى محل المقارنة فيتعرف على أحكام الولد غير الشرعي والولد المتبنى وغيرها من المراكز القانونية لهذه الوضعية في القوانين محل المقارنة فينتهي الأمر بالباحث إلى دراسة نظام الأسرة بأكمله ولا يكتف بهذه الدراسة فقد يتسع نطاق المقارنة ليشمل آثار العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده ثم العلاقة بين الوالدين والأولاد ومدى سلطة الأبوين عليهم كما تشمل نظام الإرث وإلى غير ذلك من الحقوق والحماية التي يتمتع بها الطفل في مختلف الأنظمة محل المقارنة ومدى مطابقتها للقوانين الدولية في هذا الموضوع فالمقارنة تشمل في نهاية المطاف النظم الأجنبية محل المقارنة بأكملها ومواجهتها فيما بينها والوقوف على أوجه الشبه والاختلاف في القاعدة القانونية والنظام القانوني والمنهج بأكمله وبذلك يصبح استخلاص النتيجة ميسورا وسهلا وتقوم هذه المرحلة على عناصر يتعين على الباحث مراعاتها تتمثل فيما يلي:
أ- معرفة القوانين محل المقارنة: فلا بد على الباحث أن يطلع على القانون الأجنبي اطلاعا كاملا هذا يتطلب أيضا معرفة لغة القانون الأجنبي ومصطلحاته وذلك لاختلاف المفاهيم في هذه المصطلحات مثال ذلك ترجمة باتيمان الواردة في المادة 1386 من القانون المدني الفرنسي فهي قد تعني سفينة وقد تعني بناء فيجب على الباحث أن يعلم من خلال موقع النص معناها المناسب وعلى الباحث أن يتجنب الأخذ بقاعدة قانونية إلا بعد الرجوع إلى نصها الأصلي وأن يتجنب كذلك الدراسات السطحية.
ب- البحث عن العوامل المؤثرة في تكوين القانون الأجنبي: وهي عوامل مختلفة تاريخية وعوامل سياسية وعوامل اقتصادية.
1- من الناحية التاريخية: يجب على الباحث أن يتطلع على الأسباب التاريخية التي ساهمت في تكوين القانون فالفروق بين القانون الروماني والفرنسي فيما يتعلق بفسخ العقد مثلا يرجع إلى أسباب تاريخية ففي القانون المدني الفرنسي يتقرر فسخ العقد بحكم قضائي لأن القانون الفرنسي مستمد من القانون الكنسي أما في القانون الألماني فالفسخ يتم في إرادة الدائن.
2- من الناحية الاجتماعية: على الباحث أن يدرس العوامل الاجتماعية التي تجعل تطبيق نصين مختلفين أو متفقين بين بلدن وآخر فعلى الباحث أن يدرس البيئة الاجتماعية التي يطبق فيها القانون وكذلك الحال بمختلف القوانين فيجب دراسة ومعرفة البيئة الاجتماعية ومكانة النظام أو القاعدة القانونية وبعدها وأثرها على المجتمع فالتأمين عن البطالة أو التعويض على حوادث المرور أو عمل المرأة أو سن الزواج أو مسألة التبني أو مسألة الطلاق، كل هذه المسائل متأثرة بعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية مثلا: المادة التي تتكلم على حق المرأة في مسكن الزوجية.
3- من الناحية السياسية: ينعكس الاختلاف السياسي على تحديد المفاهيم القانونية السياسية والإيديولوجية التي تقوم عليها النظم الاشتراكية أو الدول النامية حيث تعتمد على مفاهيم وأساليب التنظيم والتسيير تختلف في مفهومها عن أنظمة الدول الغربية الديمقراطية مثل اختلاف القانون الألماني والقانون الفرنسي حول الآثار التي تترتب على مفهوم الحوادث الطارئة في تنفيذ العقود وهذا حتى في نفس العائلة القانونية وبصفة عامة فإن المقارنة تتطلب معرفة النصوص محل المقارنة والتشريع وحده هنا لا يكف لأن يكون مصدرا إذ يجب الرجوع إلى الفقه والقضاء ويجب دراسة النص محل المقارنة كما ينظر إليه في النظام الذي ينتمي إليه أي في ضوء المصادر القانونية والنظام الخاص به وعلى القانونيين دراسة القوانين الأجنبية من الموسوعات والكتب العامة ثم التوجه إلى المجموعات القانونية ثم الأحكام القضائية وعلى العموم يمكن الرجوع إلى الكتب العامة والموسوعات والمجلات القانونية المتخصصة ومراجع البحث تعتبر أدوات الباحث للتجوال خلال القانون الأجنبي وعليه الاتصال بمصادرها سواء كانت في مجالات عامة أو مجالات القانون المقارن أو مجموعات خاصة به أو معاهد مستقلة معنية بتدريسه أو مواقع الانترنت وغير ذلك من وسائل البحث.
الفقرة الثانية – المرحلة الاستنتاجية:
تبدأ المقارنة المنهجية كما سبق وأشرنا بفهم النصوص محل المقارنة كما يحددها النظام الذي ينتمي إليه أي بعد الرجوع إلى مصادره المختلفة أي العوامل التي أدت إلى ميلاد هذا النص ثم يشرع في تحصيل النتائج المتوصل إليها وهنا تبدأ مرحلة التحليل والنتائج أو المقارنة الكلية وتهدف إلى استخلاص العلاقات بين النصوص محل المقارنة ووجود التشابه أو الاختلاف وأسبابها من ناحية أخرى وتنتهي الدراسة المقارنة بتقرير نهائي لما توصل إليه الباحث المقارن من وجود أسباب التشابه أو الاختلاف وأن يعرض برأيه في موضوع وقد يكون رأيه متفقا مع أحد الأنظمة أو مخالفا لها أو رأي توفيقي ومن الأفضل ألا يكتف الباحث المقارن بهذا بل عليه أن يقدم تعليلا قانونيا موضوعيا سواء تعلق الأمر بالقانون الوطني أو الأجنبي هذه بصفة عامة هي مراحل المقارنة وصورها أو المنهج المعتمد في الدراسات القانونية.
الفصل الثاني: فوائد القانون المقارن على المستوى النظري وعلى المستوى العملي
سسنتناول في هذا الفصل فائدة القانون المقارن على المستوى النظري في (المبحث الأول )،اما في ( المبحث الثاني) فسنتطرق الى فائدة القانون المقارن على المستوى العملي.
المبحث الأول: فائدة القانون المقارن على المستوى النظري
يجب علينا أولا أن نحدد ما المقصود بالعلوم القانونية النظرية: وهى تاريخ القانون وفلسفته في (المطلب الأول) والنظرية العامة للقانون وعلم الاجتماع القانوني في (المطلب الثاني)
المطلب الاول: في مجال تاريخ القانون وفي مجال فلسفة القانون:
سوف نتحدث في الفقرة الأولى عن مجال تاريخ القانون المقارن أما في الفقرة الثانية فسنتكلم عن فلسفة القانون.
الفقرة الاولى في مجال تاريخ القانون
كان فيها الباحثون يرسموا صورة تاريخية لتطور القانون فكانوا يعرضون جميع الشرائع ليتعرفوا من خلالها على مسيرة تطورها ويقومون بدراسة أعراف وعادات القبائل والجماعات البدائية باعتبارها الأصل الذي تمتد منه جذور القانون.
لا شك أن الدراسة المقارنة في مجال تاريخ القانون تهدينا إلى معرفة الأصول التي يستند إليها مفهوم القانون وكيف ترتبط هذه الأصول بمعتقدات أسطورية كما تعمق فهمنا للنظم والقواعد القانونية العتيقة فهذه الدراسة توضح جانبا كبيرا من القوانين القديمة كالقانون الروماني والقانون الجرماني القديم والقوانين الإقطاعية.
الفقرة الثانية: في مجال فلسفة القانون:
يحقق القانون جانبا من فلسفة القانون وهى الدعوة إلى فكرة القانون العالمي التي نادي بها الفقيه( سالي) في مؤتمر باريس عام 1900 واعتبرها أسمى وظائف القانون المقارن وقد نادي ( لفي أولمان ) باستخلاص قانون عام من القوانين الوضعية على أن تضاف مبادئ إنسانية مستقرة ليكون قانونا مشتركا صالحا لنفع الإنسانية.
الطريقة المقارنة في مجال فلسفة القانون مفيدة في النواحي الآتية:
1- تصنيف المناهج الفلسفية: التي بمقارنتها ومضاهاتها نلقى الضوء على قضايا نراها تستمر فى جميع العصور وعلى سعى العقل في حلها حلولا مختلفة بحسب هذه العصور ومنها التوفيق بين السلطة والحرية.
2- في مقارنة الفلسفة الغربية بالفلسفة الشرقية: التي من خلالها يمكن الوصول إلى معرفة أفضل لقوانين كل منهم ونتبين أيضا الصعوبات التي تعترض استخلاص قانون مشترك منها.
3- توضح لنا الطريق المقارنة العلاقة بين القانون والدين فالأديان كالمذاهب الفلسفية تطبع القانون بطابعها بل نجد أثرها في القانون أكبر من أثر المذاهب الفلسفية. ففي الغرب مثلاً، بالرغم من قولهم بانفصال الدين عن القانون إلا إننا نجد القانون مطبوعاً بالمسيحية لتأثره بها أصول تكوينه.
4- بالطريقة المقارنة يمكننا أن نتعرف على تأثير المبادئ الأخلاقية في القانون ونكشف عما يباعد ويقارب بين المناهج القانونية بحسب المذاهب الفلسفية التي تعتنقها فنجد أن اختلاف القوانين اللاتينية الجرمانية عن القانون الانجليزي يرجع إلى الاختلاف في فلسفة التكوين القضائي الذي يرى فيه القانون الانجليزي القاضي مستقلا عن السلطة السياسية أفضل بكثير من الارتباط بها.
فالقانون المقارن حين يعمل على إظهار الفلسفة في القانون لا يكتفي بتفسير النظم بل يعمل على تقييم ما تضمنته من أفكار ومبادئ وبذلك تكون المذاهب الاستبدادية محكومة برفضها لاستهانتها بالإنسانية.
المطلب الثاني: في مجال النظرية العامة للقانون وفي مجال علم الاجتماع القانوني:
سوف نتحدث في الفقرة الأولى عن مجال النظرية العامة للقانون أما في الفقرة الثانية فسنتكلم عن علم الاجتماع القانوني.
الفقرة الاولى: في مجال النظرية العامة للقانون:
تبين لنا الدراسة المقارنة الأصل التاريخي لتقسيمات القانون والخصائص التي تتميز بها مفاهيمها القانونية عن المفاهيم في البلاد الأخرى ونستطيع أن نتعلم سبب تميزنا بين القانون العام والخاص وبين القانون المدني والقانون التجاري وبين القاعدة الآمرة والقاعدة المتممة من يدرس القانون الفرنسي فقط يجد أن هذا التقسيم له منطقيته وله أهميته في المقابل من يدرس القوانين الأخرى يجد أن هذا التمييز ليس عاماً في جميع القوانين بل أن قد زال في بعض القوانين.
ومثال أخر في مصادر التشريع التي يعتبر فيها القانون الفرنسي أن التقنين هو الأساس أما الاجتهاد والفقه فيأخذوا مرتبة متأخرة في هذا الترتيب في المقابل ترى دولاً ديمقراطية أخرى أن تمجيد الفرنسيين للتقنين تزيفاً للديمقراطية.
الفقرة الثانية: في مجال علم الاجتماع القانوني:
علم الاجتماع يقود القانون المقارن لتمييز مراحل تطور القانون وهو في النطاق الداخلي يكشف عما أذا كانت القاعدة القانونية قادرة على الإحاطة بالواقعة الاجتماعية المتطورة أم أن هذه الواقعة ، لقصور القاعدة القانونية، أخذت تبحث عن حل أخر لتأمين الحاجة المرتبطة بها.
وفى النطاق الخارجي: يتمكن علم الاجتماع من ربط واقعة قانونية معينة في قوانين مختلفة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تكتنفها فقد يجد في هذه المقارنة اتفاقا في الأحكام المنظمة لهذه الواقعة مع اختلاف في الظروف فعالم الاجتماع القانوني يبحث عن الحقيقة لتفسير الأسباب الكامنة خلف هذه الوقائع في حالات اتفاقها واختلافها.
وقد تصدى علماء الاجتماع منتقدين دعوة علماء القانون المقارن إلى تحديد غاية هذا القانون بتوحيد القوانين وإيجاد قانون عالمي ذاهبين في نقدهم إلى أن القانون ظاهرة اجتماعية تتكون من ظروف متنوعة طبيعية واقتصادية وسياسية وثقافية وتاريخية من الصعب توحيد أثارها وتجاوز تبايناتها وخاصة فيما يتعلق بالظروف النفسية والروحية المتأثرة بالعقائد وبالعادات والتقاليد
ومن هنا أصبح القول بأن هدف القانون المقارن وضع قانون عالمي هو تصور أقرب للمثالية فقد أصبح الهدف من القانون المقارن هو تقريب التعاون بين الشعوب وتنمية الروح العالمية في الشعوب والاستفادة من بعض الموضوعات التي تمس العلاقات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والدولية.
المبحث الأول: فائدة القانون المقارن على المستوى العملي
يجب علينا أولا أن نحدد فائدة القانون المقارن على تفهم افضل للقانون الوطني وتحسين هذا القانون في (المطلب الأول) أما في (المطلب الثاني) نتحدث عن مساهمة القانون المقارن في نطاق القانون الدولي الخاص
المطلب الأول: فائدته على تفهم افضل للقانون الوطني وتحسين هذا القانون
يقوم بمهمتين الأولى : أنه يساعد على تفهم أفضل للقانون الوطني
المهمة الثانية : يساعد على تحسين هذا القانون
الفقرة الأولى: وهى المساعدة على تفهم أفضل للقانون الوطني:
إن الاقتصار على شرح نصوص القانون الوطني تمكننا من شرح نصوصه غير أنها لا تطلعنا على ما فيه من عيوب وثغرات وهذا الاقتصار على القانون المحلي من شأنه أن يحد من معرفة رجل القانون الوطني الذي يكتفي بالقانون الداخلي، كما أنه يجعل معرفة رجل القانون راكدة وجزئية محصورة في الزمان والمكان على عكس المعرفة بالقانون المقارن التي تحول معرفة رجل القانون إلى معرفة شاملة تنبض بالحركة والحياة والتطلع إلى المستقبل.
كما أنها توضح بعض الأفكار الكامنة في القانون الوطني و كمثال على ذلك ما عليه ينص القانون الوطني أن من تسبب بخطئه في الإضرار بالغير يلتزم بالتعويض، وهو في ذلك يذكر كلمة الخطأ، دون أن يضع تعريفا لها، فإذا علم القاضي الوطني أن القانون المقارن (الألماني والقانون السويسري مثلا) قد استعمل في هذا الصدد ( الفعل المخالف للقانون) بدلا من كلمة الخطأ فيمكن أن يستنتج من ذلك أن الخطأ هو الفعل المخالف للقانون.
وتتجلى فائدة القانون المقارن في تفهم أفضل للقانون الوطني حين يكون هذا القانون مقتبسا من قوانين أخرى متقدمة، ففي هذه الحالة يتم الرجوع لتطبيق هذه القوانين فيهتدي بها القاضي في فهم قانونه أو في تطبيقه وأقرب مثال على ذلك اقتباس البلاد العربية قوانينها من البلاد الغربية فالقضاء المصري يرجع إلى القوانين الأجنبية التي اقتبس منها قانونه المدني وحين استمد الكويت أحكام القوانين المصرية أخذ قضاؤها يعتمد على القضاء المصري في أغلب أحكامه ويستعين بها في أغلب تطبيقاته العملية وجرت على مثل ذلك البلاد العربية التي اقتبست تقنينها من التقنين المصري.
أما بانسبة للمشرع المغربي وكما هو معروف يعتبر التشريع الفرنسي مصدره التاريخي بامتياز.
ونجد الدول الأوروبية ترجع إلى مثيلاتها في تفهم ما أخذته منها من تشريع فالفرنسيون أخذوا من التشريع الألماني نظام الشركات ذات المسؤولية المحدودة، لذا نجد الشراح الفرنسيين يرجعون إلى القانون الألماني، لتفهم هذه الصورة الجديدة من صور الشركات، وكذلك يرجع القضاء الفرنسي إلى القانون الانجليزي، لتفهم عقود النقل البحري، التي أخذت نماذجها عن هذا القانون.
الفقرة الثانية: مساهمة القانون المقارن في تحسين القانون الوطني وإصلاحه:
إن الدراسة المقارنة تساعد على تحسين القانون الوطني، وهناك استفادة من القانون المقارن في مجال الفقه والقضاء أيضا.
1- في مجال التشريع :
يستفيد المشرع من الدراسة المقارنة، فهي تضع أمامه قوانين الأمم الأخرى فيستفيد من تجاربها، ويقتبس منها ما يتفق مع حاجاته .
والهيئات التشريعية في الوقت الحاضر لا تقدم على سن تشريع قبل أن تحيط بالقوانين الأجنبية في مثل المسألة التي تريد أن تضع لها تشريعا، فالدراسة المقارنة ليست أهم وسيلة لا لإصلاح التشريع فحسب بل لتجديد القانون وتحديثه وتهذيب الأفكار الفنية فيه.
فاتفاق الظروف في أوروبا قد خلق حركة تشريعية موحدة وهى نفسها التي جعلت الحركة التشريعية في أوروبا تنتهج منذ خمسين عاما مسلكاً واحدا لتنظيم احتياجاتها. حيث نجد أن القانون التجاري وقانون العقوبات وقانون العمل والضمان الإجماعي والقانون القضائي والقانون الإداري نجدها متفقة لا في خطوطها الكبرى بل في كل التفاصيل وهناك تطبيقات سوف نوردها.
ولنا في القانون المدني تجربتين تجربة في أوروبا وتجربة عربية
التجربة الأولى: التجربة الفرنسية : حيث بمجرد صدور القانون المدني الفرنسي أصبح يحتذى به داخل أوروبا وخارجها
أولاً: ففي داخل أوروبا انقسمت هذه التجربة إلى شكلين
ا- أخذته بعض الدول بكامله فحوا ونصاً كبلجيكا
ب- وبعضها تأثرت به بالاقتباس والمحاكاة كايطاليا واسبانيا والبرتغال
وقد سميت المجموعة التي ضمته بالمجموعة اللاتينية التي تؤلف مع المجموعة الجرمانية أسرة واحدة تدعى الأسرة اللاتينية الجرمانية
ثانيا: في خارج أوروبا: امتد تأثير القانون المدني الفرنسي ومعه المجموعة اللاتينية إلى أمريكا الجنوبية والوسطى وآسيا وفى البلاد التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي في أفريقيا وأيضا تأثرت به مصر في قانونها المدني المشترك.وهو نفس الأمر انطبق على قانون الإلتزامات والعقود المغربي المأخوذ عن القانون المدني الفرنسي بمجرد دخول عهد الحماية إلى المغرب،حيث تم الإسراع في وضع قانون الإلتزامات والعقود المغربي سنة .1913
التجربة الثانية: التجربة المصرية : لقد أخذت سوريا من القانون المدني المصري وأصبح نافذا فيها بمجرد صدوره ما عدا نظام الملكية العقارية التي أخذته من التشريع الفرنسي.كما اقتبس القانون المدني العراقي لعام 1951 من القانون المدني المصري وهكذا ليبيا والكويت والسودان بقانونها المدني الصادر لعام 1971.
ب- القانون التجاري:
لقد إستعانت فرنسا بوضع القانون التجاري بالدراسة المقارنة كالقانون الألماني والانجليزي والأمريكي، حيث نجد فرنسا أخذت من ألمانيا نظام السجل التجاري ومن إنجلترا أحكام الشيك ومن الولايات المتحدة تحديد عمل النساء في المصانع ونظام شيك السفر.
واقتبست الدولة العثمانية القانون التجاري الفرنسي وظل هو القانون النافذ في البلاد العربية حتى الحرب العالمية الثانية كما أخذت الكويت من القانون التجاري المصري والذي اقتبسته مصر من فرنسا.
أما بالنسبة للتشريع التجاري المغربي فإن أغلبيته مأخوذ من القنون التجاري الفرنسي،كمدونة التجارة حيث نجد أغلب مقتضياتها مأخوذة عن القانون التجاري الفرنسي لسنة 1909،وكذا قانون الشركات التجارية المأخوذ عن قانون الشركات الفرنسي،باستثناء الشركة ذات الشريك الوحيد والتي أخذها المشرع المغربي عن القانون التجاري الألماني.
2ـفي مجال الفقه والقضاء
يقوم الفقه والقضاء عن طريق الدراسة المقارنة بدور مهم في إصلاح التشريع أو في حسن تطبيقه.
ا- بالنسبة للفقه: يقوم الفقيه بدراسة القوانين الأجنبية ومقارنتها بقانونه الوطني حيث تظهر له عيوب القانون ونواقصه ويقترح التعديلات التي تصلح للقانون الوطني وبذلك يكون الفقيه رائدا للمشرع يزوده بما يسترشد به في إصلاح القانون وتحسينه.
ب- دور القضاء عن طريق الدراسة المقارنة: عندما يتم نقل نصوص قانون أجنبي أو يستعان بها في وضع القانون الوطني تثور أمام القضاء الكثير من المسائل التفصيلية عند تطبيق نص من هذه النصوص فيلجأ القاضي إلى البلد التي استمد منها النص وإلى أحكام قضائه التي تتولى تطبيقه للتعرف على الحلول العملية المستمدة من تفسير النص أو شرحه والاستهداء به في تعليل الأحكام المبنية عليه.
مثال ذلك في البلاد العربية التي استعانت بالقانون الفرنسي في تقنين أحكامها حيث نجد القضاة يشيرون في أحكامهم إلى أراء الفقهاء الفرنسيين وأحكام المحاكم الفرنسية.
ومن الصعب أن يستوعب التشريع جميع المسائل التي تعرض أمام القضاء لذا منح القاضي في حالة عدم وجود نص تشريعي أو عرف مستقر على مبادئ القانون ومفهوم العدالة أن ينشئ قاعد قانونية من وحى ضميره بل إذا قصر في ذلك يعتبر مرتكبا لجريمة تسمى إنكار قواعد العدالة.
المطلب الثاني : مساهمة القانون المقارن في نطاق القانون الدولي الخاص
لم يتح للقانون المقارن أن يقوم حتى اليوم بدور فعال في نطاق القانون الدولي الخاص وكل ما يتعلق بهذا القانون إنما يتعلق بطريقة الفصل في العلاقات ذات العنصر الأجنبي من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق والمرجع المختص للفصل في النزاع وسيكون الفصل فيها سهلا لو أنهم توصلوا لقوانين واحدة بدلا من القواعد الغامضة التي تستقل للفصل في النزاع .
ومما يزيد في صعوبة توحيد مبادئ التنازع مشكلة التنازع في التكييف أو الوصف القانوني ويراد بالتكييف "تلك العملية الأولية التي يجريها القاضي_خاضعا في ذلك لرقابة محكمته العليا_بقصد معرفة الطائفة التي تندرج تحتها المسألة المطروحة والوقوف بالتالي على قاعدة الإسناد التي تشير للقانون الواجب التطبيق وصولا إلى الحل النهائي للنزاع"[6] على تحديد طبيعة العلاقة القانونية موضوع النزاع إلى قانون القاضي ( القانون الأولى الذي يطبقه القاضي على موضوع الإجراءات والتكييف الأولى للنزاع) أم يرجع في تكييف إلى قاضى الموضوع ( القانون الذي يطبقه القاضي بعد التكييف الأولى حسب معايير تنازع القوانين ) أم يرجع في تكييفه إلى القانون الذي يحكم الموضوع؟
وفى ذلك يختلف فقهاء القانون الدولي الخاص فيذهب فريق منهم أن التكييف يجب أن يتم وفقا لقانون القاضي ولو كان التنازع في التكييف واقعا بين قانون أجنبي وقانون القاضي وقد برر هذا الإتجاه هذه القاعدة إلى قاعدة إخضاع التكييف لقانون القاضي بكون المشرع إذا سمح بتطبيق قانون أجنبي في دولته فإنه ينتقص بذلك من سيادة القانون الوطني.
ويذهب آخرون وعلى رأسهم ( ديسبانيه ) إلى أن التكييف يجب أن يخضع إلى القانون الذي يحكم الموضوع وحجته في ذلك أن من التناقض الصارخ أن يفرض القاضي على العلاقة القانونية تكييف قانونه الوطني في الوقت الذي يزعم فيها أن يطبق القانون الأجنبي على هذه العلاقة[7] .
ذهب بعض الفقهاء مذهبا وسطا منهم الفقيه الألماني كهان الذي يرى إمكانية تدويل القانون الدولي الخاص تدويلاً جزئياً باستعمال طريقة المقارنة.
خاتمة:
وختاما وبعد القيام بهذه الدراسة المتواضعة حول موضوع القانون المقارن نورد بعض النتائج التي تم استخلاصها وذلك على الشكل التالي:
1) إن الاستعانة بالقانون المقارن في مجال الدراسات القانونية يساعد على الفهم العميق للقانون الوطني واكتشاف النقص والثغرات التي تشوبه مما يدفع بالمشرع الوطني إلى إعادة صياغة القانون الوطني وتعديله وتتميمه.
2) يساعد القانون المقارن القاضي الوطني على إيجاد حلول للعديد من القضايا التي لم ينضم المشرع الوطني نصوصا قانونية لحلها.
3) يهتدي المشرع الوطني بالقوانين المقارنة عندما يريد صياغة نص قانوني لأول مرة وذلك حتى يتمكن من الاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها القوانين المقارنة وبالتالي يستطيع تدارك الأخطاء التي وقعت فيها القوانين المقارنة.
4) يساعد القانون المقرن القاضي الوطني في حل القضايا المتعلقة بتنازع القوانين حيث يتم إحالة القاضي الوطني على القانون الواجب التطبيق في حالة تنازع القوانين.
5) إن اطلاع الفقه الوطني على القانون المقارن والكتابات الفقهية المقارنة تساعده على الفهم الدقيق للقانون وبالتالي يستطيع صياغة مجموعة من الآراء والنظريات التي تساهم في سد الفراغ التشريعي الحاصل.
.
v المراجع العامة بالعربية:
× محمد العروصي :المختصر في المنهجية القانونية , الطبعة الاولى, 2009
×آمنة سميع،محاضرات في قواعد الإسناد،دون ذكر الطبعة،2009_2010
v المراجع العامة بالفرنسية:
-dr.Mashael A.ALHAJERI,lecture handout * 1A,rechearch methods-2005-6,private law department school of law ,Kuwait university 2005
-leontin-jean constantinesco ,traite de droit compare ,tom1 introduction au droit compare,librairie generale de droit et de jurisprudence, paris.
[1] -dr.Mashael A.ALHAJERI,lecture handout * 1A,rechearch methods-2005-6,private law department school of law ,Kuwait university 2005
[2] –leontin-jean constantinesco ,traite de droit compare ,tome1 introduction au droit compare,librairie generale de droit et de jurisprudence, paris,1972, page 168.
[3] -David et foutridz , introduction au droit compare,librairie generale de droit et de jurisprudence, paris,1972
[4] محمد العروصي :المختصر في المنهجية القانونية , الطبعة الاولى, 2009 ,صفحة 28 .
[5] – leontin-jean constantinesco ,traite de droit compare ,tom1 introduction au droit compare,librairie generale de droit et de jurisprudence, paris, page 174.
آمنة سميع،محاضرات في قواعد الإسناد،دون ذكر الطبعة،2009_2010،ص21[6]
آمنة سميع،محاضرات في قواعد الإسناد،م س،ص26[7]