في الواجهةمقالات قانونية

المقاولات التجارية غير المهيكلة آفة الاستثمار المغربي – دراسة مقارنة – الباحثة : سناء الحمومي تحت إشراف : الدكتورة حسنة الرحموني Hassana Arrahmouni

المقاولات التجارية غير المهيكلة آفة الاستثمار المغربي – دراسة مقارنة –
Informal commercial entreprises are the scourge of Moroccan investment– A comparative study –
الباحثة : سناء الحمومي
باحثة بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية -السويسي بجامعة محمد الخامس
Elhammoumi Sanae
PHD researcher
تحت إشراف : الدكتورة حسنة الرحموني Hassana Arrahmouni

ملخص:
تعتبر المقاولات العمود الفقري لكل اقتصاديات العالم ، أصبحت معيار تقدم الدول أو تأخرها ،حظيت بتحولات جذرية في العقود الأخيرة تعتمد بالأساس على الانفتاح و المنافسة الشرسة .
و حتى يساير المشرع المغربي هذا النهج العولمي ،قام بالعديد من الإصلاحات في المنظومة القانونية المؤطرة للمال و الأعمال و الاستثمار والتي حظيت بأهمية كبرى من كل الفاعلين الاقتصاديين وأضحت من أولويات السياسات الاقتصادية بالمملكة ،لكن ذلك يتطلب معالجة عدد من المعيقات الإدارية و التمويلية و الضريبية في كل ما يخص المقاولات ،و وضع خطة شاملة و متكاملة لكل الإشكاليات المطروحة على الساحة الاقتصادية المغربية دون إغفال طبيعتها و خصوصياتها ،و نخص بالذكر هنا -المقاولات غير المهيكلة – التي تعتبر من بين أهم معيقات التنمية في بلادنا و حجرة عثرة حقيقية في الاستراتيجية الاقتصادية لما لها من آثار سلبية على عملية جلب الاستثمارات الأجنبية و الوطنية على السواء ،فهي من أكثر العراقيل التي تحول دون التنمية الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية .

Abstract
Contracting is the backbone of all economies in the world,it has become a measure of the progress or backwardness of countries, it has undergone radical transformations in recent decades based mainly on openness and fierce competition.
In order for the Moroccan legislator to keep pace with this global approach, he has made many reforms in the legal system governing money, business and investment which has received great importance from all economic actors and has become priority of economic policies in the kingdom, but this requires addressing a number of administrative ,financial and tax obstacles in everything related to contracting ,and developing a comprehensive and integrated plan for all the problems raised in the Moroccan economic arena without neglecting their natural and specificities ,and we mentions here in particular-informal enterprises- which are considered among the most important obstacles to developments in our country and a real stumbling block in the economic strategy due to their negative effects on the process of attracting , foreign and national investments alike, as they are one of the most important obstacles that prevent economic, social and political and development.

مقدمة :
عرف العالم تعاقب أزمات مختلفة خطيرة في السنوات الأخيرة ،كان لها وقع قوي خطيرومتسارع ظهر جليا عند تفشي جائحة فيروس كورونا و تلتها حرب أوكرانيا- روسيا، انتشارالزلازل والأزمات والفياضانات في العديد من دول العالم و التغيرات المناخية التي لم يسلم منها أي بلد…مما غير الخريطة الديناميكية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في العالم ،و التي ستدوم آثارها لمدة طويلة مستقبلاً بشكل مباشر أو غير مباشر،و ستزيد من أزمة التشغيل و إنتشار البطالة و الفقر و التهميش،مما سيدفع بالمتضررين إلى تطوير روح المبادرة ،و خلق استراتيجية اقتصادية خاصة بهم لضمان عيشهم محاولين بذلك الاندماج في سوق الشغل عن طريق إنشاء مقاولات رسمية أو مقاولات غير رسمية .
فأصبحت بذلك المقاولات غير المهيكلة في المغرب،تؤثث بطريقة أو بأخرى مجالات حياتنا، نراها في كل ركن من مدينة أو قرية ،منتشرة إلى حدّ الاعتياد ،مقبولة من كل شرائح المجتمع ،نتعامل معها بطريقة غير واعية أو بطريقة عاطفية في كثير من الأحيان،تحظى بالقبول الكبير من المجتمع ،و تبقى الخيار الأمثل للخروج من دوامة الفقر و الهشاشة و البطالة و الربح المضمون و إكراهات الحياة، مستغلين تراكم نتائج استراتيجيات و سياسات هشة و ترقيعية في المجال الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي.
تتميز وحداتها بضعف مستوى تنظيمها و ضعف الفصل ما بين العمل و رأس المال،و تقاطع علاقات العمل مع علاقات القرابة أو الصداقة كما تتشابك فيها العلاقات الفردية مع العلاقات الاجتماعي، فهي أنشطة اقتصادية تنتج سلعا و خدمات مشروعة ،لا تخالف قوانين و أنظمة الدولة -عادة – كأنشطة بحد ذاتها لكنها غير معلنة و لا تسجل دخولاتها ضمن خزينة الدولة، تتمثل في غالب الأحيان،على شاكلة مقاولات صغيرة أو صغيرة جدا،سواءا في قطاع التجارة أو في القطاع الحرفي و المهني ، قسم منه يرتبط بمنشآت ثابتة و محددة جغرافياً: دكاكين، ورش ميكانيك، مطاعم ،فنادق، نقل ،محل حلاقة … و البعض الأخر غير مرتبط بمكان جغرافي محدد و غير مسجلة رسمياً ( الباعة المتجولين، عمال البيوت ، أعمال البناء ، المواسم الفلاحية، المياومون …)
تكتسح كل المجالات سواءا كانت صناعية،فلاحية،تجارية،خدمات … امام المحلات، قارعة الطريق، الأزقة ،باحات الاستراحات في الطرق السريعة … محتضنة من طرف المواطنين ، فدخلت في ثقافتهم
و عاداتهم و أصبحت لها شعبية واسعة في المجتمع مما يجعل القضاء عليها أمراً ليس بالهين أو اليسير.
كما يطرح اشتغال وانتشارالعاملين الكثر بالقطاع غير المهيكل في الأسواق العشوائية و الأرصفة
و الشوارع و الأزقة، إشكالية استغلال المجال العام إذ يغيب مفهوم ” المجال العام و كيفية تدبيره و استغلاله ” ،و هذا ينتج عنه الكثير من التعقيدات في سير الحياة اليومية،إذ يتم تقييد حرية المواطنين في التنقل و السكن و بيئة غير نظيفة و سلع لا تخضع للسلامة الصحية …بل يشجع بعض العاملين في القطاع المهيكل،في هاته الأماكن ،على العمل على خرق بعض القوانين و العادات التجارية، بل تصل إلى التشكيك في مصادر تمويل هذا العمل، و إمكانية استغلال هذا الوضع في قيام البعض بأعمال تمس سلامة الوطن و أبنائه (تجارة المخدرات،التجارة في البشر،استغلال القاصرين ،استغلال النساء، مقاولات وهمية …)
يمكن القول من خلال ما سبق، بأن المقاولات غير المهيكلة تدخل فيما يسمى بالقطاع غير المهيكل أو غير المنظم الذين اختلقت منظمة العمل الدولية ،هذا المصطلح، في السبعينات من القرن الماضى،لوصف الواقع الاقتصادي الذي ساد في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض، و جرى تغيير المصطلح إلى الاقتصاد غير المنظم، وذلك للتشديد على أنه يصف ظاهرة مختلفة عن الاقتصاد العام .
و ” الاقتصاد غير المنظم أو غير المهيكل” ،كمفهوم يتجاوز مفهوم “القطاع غير المهيكل أو غير المنظم” فهو يشتمل على مجموعة من العمال و الكيانات الاقتصادية من مختلف القطاعات في المجال الحضري و القروي ، كما لابد من الإشارة إلى أن مصطلح “غير منظم” تستخدم للدلالة على علاقة العاملين فيه بالدولة اقتصادياً و ليس علاقتهم بوحدتهم الإنتاجية.
و هذا ما يحيلنا إلى أن بعض الدول حددت القطاع غير المنظم بمعايير محددة: مثلا تونس حددته بالمشاريع التي يعمل بها أقل من 6 عمال ، الأردن و اليمن أقل من 4 في المنشأة .
و هكذا، ترى منظمة العمل الدولية بأنه لا يوجد تعريف متفق عليه لمصطلح المقاولات التجارية غير المهيكلة ،غير أننا يمكن إدخاله في مفهوم ” الاقتصاد غير المهيكل” الذي يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها العمال و الوحدات الاقتصادية و التي تكون من حيث القانون و الممارسة،غير مشمولة البتة، او مشمولة على نحو غير كاف في الترتيبات القانونية المنظمة .
فعرفت منظمة العمل الدولية OIT ،العمل غير المهيكل بأنه :”العمل الذي لا يخضع للتشريعات الوطنية المنظمة للشغل و لا للضرائب على الدخل و لا يخول الحق في الحصول على التغطية الاجتماعية و لا على مزايا مثل التعويض على الطرد أو الإجازة المدفوعة الأجر أو الإجازة المرضية”.
و عرفه بعض الفقه بكونه المجال الخارج عن القانون و في ذلك إشارة للدولة ، فالاقتصاد غير المهيكل يخرج عن التقنين الحكومي،و هو نفس المنحى الذي ذهب فيه المكتب الدولي للشغل الذي بادر في سنة 1993 ، استناداً إلى عدد من الدراسات و الأبحاث الميدانية، بادر بصياغة تعريف إحصائي لهذا القطاع، و اعتبره قطاع يتكون من وحدات اقتصادية صغيرة جداً تتيح منافع و خدمات بهدف خلق فرص الشغل
و ضمان الدخل .
فعلى الرغم من انتشار المقاولات غير المهيكلة و تغطيتها لكل مجالات الأنشطة الإنتاجية و الخدماتية
و التجارية، إلا أن صعوبة تحديد مفهومها،جعلت منها ظاهرة معقدة ، تضم الكثير من الجوانب المختلفة و المتشابكة مع بعضها البعض و التي تحتاج إلى درجة كبيرة من الفهم و التحليل ، قد تشمل أنشطة مشروعة أو غير مشروعة ،لا تعترف بالتشريعات الوطنية و الدولية ،تضم مجموعة مختلفة من الأنشطة مولدة للدخول بطرق غير رسمية، و لا تخضع لرقابة الدولة و لا تدخل مخرجاتها و مدخلاتها في صناديقها ،اقترنت خاصة بظاهرة الهجرة من الأرياف إلى الحضر مما رفع من معدل السكان الحضريين و بالتالي تزايد نسبة البطالة ، فاقترن هذا المفهوم بازدواجية النشاط الاقتصادي في البلدان النامية منها ما هو رسمي و غير رسمي.
إن المقاولات غير المنظمة أو غير المهيكلة أصبحت من القضايا الاقتصادية الراهنة المستعجلة التي تعيق عجلة الاستثمار على الصعيد المحلي و الدولي ،و المغرب عرف كباقي دول العالم اقتصاد الظل الذي ظهر جليا،عندما عرفت البلاد أزمات اقتصادية و اجتماعية و مناخية متتالية و متقاربة ،كان أبرزها تفشي جائحة كورونا و التي كان لها وقع مخيف على شريحة كبيرة من المواطنين،فبمجرد الإعلان عن حالة الطوارئ من لدن السلطات،حصل شلل شبه تام عن العمل للعديد من الفاعلين الاقتصاديين،مما ترتب عنه توقف الأجورو تسريح للعمال ،لتعتبر فترة حالة الطوارئ الصعقة الكبرى التي عرت عيوبا خفية نوعاً
و كمّاً، فكان أكثر المتضررين العاملين في الاقتصاد غير المهيكل ،فعند الإعلان عن التوقف عن العمل،اتضح أنهم لا يتوفرون لا على السجل التجاري و لا الضمان الاجتماعي و يحتلون نسبة مهمة في حصة التشغيل ، مما استدعى التدخل السريع و المباشر من الحكومة و بتعليمات رشيدة ملكية لتبني سياسة التضامن المادي و الاحتواء لوضع خطير لشريحة هشة كبيرة من المواطنين.
فوفقا لمعطيات بنك المغرب المركزي ، عرف الاقتصاد غير المهيكل في المغرب ثلاث مراحل :
• المرحلة الأولى : استمرّت من 1988 إلى 1998 حيث كان يمثل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي؛
• المرحلة الثانية : بين 1999 إلى 2008 اذ تراجعت النسبة إلى 34% لتستقر عند 30% ما بين 2009 و 2018 ؛
• المرحلة الثالثة : قام بنك المغربي المركزي لسنة 2021 ،بدراسة قدَّر فيها حجم الاقتصاد غير المهيكل في المغرب ب 30% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية حيث يصل المتوسط 17,2% فيما يناهز في دول منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا 25% كمعدل.
و بالتالي فقد أبانت فترة الحجر الصحي بوضوع عن واقع الاقتصاد غير المنظم و تأثيراته على النسيج الاقتصادي و مدى ثقله السلبي وهاجسا كبيرا لدى الدولة ،فقد عرى هذا الوباء عن هشاشة المقاولات الصناعية : 90% توقفت بشكل كلي عن العمل، 70% من اليد العاملة تم تسريحها، تضرر قطاع الخدمات و السياحة بشكل كبير.
كما أظهرت نفس الدراسة أن 3% فقط من المقاولات الكبيرة التي لم تتأثر بالجائحة بكونها كانت المستفيدة الأكثر من القروض و الامتيازات الضريبية،مثلها مثل القطاع المالي و المصرفي ،حيث ضخت الدولة قسطاً كبيراً من المال في خزينتهما.
بالمقابل استفاد فقط 25% من العمال و الأجراء الذين اصبحوا عاطلين من صندوق الضمان الاجتماعي، كما لم يستفد من القروض المدعمة سوى 6% لغياب الهيكلة.
وهذا ما سيحيلنا إلى طرح الإشكالية التالية :
هل يمكن اعتبار انتشار المقاولات غير المهيكلة ظاهرة يمكن معالجتها؟ أم هي جريمة في حق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بالمغرب ؟
سيحاول هذا المقال تسليط بعض الضوء على هاته المقاولات التجارية ” الظل” : سلبياتها و إيجابياتها ، مظاهرها و آثارها على التنمية، أسباب ظهورها و استمرارها ، كيفية تقدير حجمها ، مع تبيان الجهود المبذولة من طرف الدولة لمحاربتها ، و وضع بعض المقترحات و التوجيهات لمحاربتها أو التخفيف من حدتها .

 

المبحث الأول : المقاولات غير المهيكلة : بين أسباب ظهورها و أسباب استمراريتها
للمقاولات غير المهيكلة عدة أسباب اجتماعية و اقتصادية و السياسية و بيئية، استمرّت و استوطنت و أثثت المناخ العام المعاش ،رغم زوال الأسباب او بعض منها ، بل أكثر من ذلك فهي تتكاثر و يكبر حجمها نظرا للمداخيل المهمة التي تدخل في صناديقها دون صناديق الدولة رغم أنها تستفيد من معظم امتيازات المقاولات المهيكلة مما يجعلها نشازا في المنظومة الاقتصادية و الاجتماعية للدولة المغربية.
المطلب الأول : أسباب ظهور الاقتصاد غير المنظم و ظروف استمراره .
إن الاقتصاد غير المهيكل ليس بظاهرة حديثة ، بل توجد في معظم المجتمعات لتختلف أشكاله و مكوناته من دولة إلى أخرى حسب اختلاف واقع الاقتصاد و الأنظمة المختلفة، ليكون من أهم معيقات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، و تختلف بذلك أسباب ظهوره و أسباب تفاقمه .
يمكن تعريف اقتصاد الظل بأنه مجموعة من الأنشطة الاقتصادية غير المعلنة، يقوم بها أفراد أو جماعات في شكلِ مؤسسات صغيرة الحجم ،غالباً، تقدم سلعا و خدمات لها قدرة تنافسية،لا تدخل ضمن الحسابات القومية،كانت هاته الأنشطة مشروعة كالمهن الحرفية،او غير مشروعة كتجارة المخدرات ، و جميعها تتولد عنها دخول حقيقية أو ضمنية لا تخضع لرقابة السلطات الاقتصادية.
يندرج تطور اقتصاد الظل في البلدان النامية في إطار الديناميكية الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت سياسات التنمية، و برز تطوّره أكثر نتيجة الأزمة الحادة في بداية الثمانينات و اكتساح نظام العولمة الليبرالية الحديثة للبلدان النامية، حيث برزت جليا أزمة التشغيل مما زاد من فقر و هشاشة السكان، مما سيفرض عليهم تطوير روح المبادرة لديهم ، منها الشرعية و غير الشرعية لضمان قوت يومهم و مجابهة التحديات اليومية في حياتهم .
كما أن تطبيق الدول النامية، منهم المملكة المغربية، لسياسات التقويم الهيكلي المفروضة عليها من صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ، و الاندماج في سوق العولمة ، ترتب عنه تسريح اليد العاملة بفعل سياسة الخوصصة التي عرفها القطاع العام، و كذلك الانتقال السريع من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق،ففي ظل هذا الوضع الاقتصادي العالمي و الوطني كما عرف المغرب نمواً ضعيفاً نتيجة الانفتاح على الخارج مما أدى إلى تقليص حاد في سوق الشغل،خاصة بالقطاع العمومي ،بل إضعاف قدرة الاقتصاد الرسمي على خلق فرص شغل جديدة، و بالتالي تفاقم أزمة التشغيل و اتساع رقعة الفقر و الهشاشة، مما أوصل شريحة كبيرة اللجوء إلى الاقتصاد غير المهيكل كبديل واحد و وحيد للاستثمار البسيط .
ساعد انتشاره في تلك المرحلة – فترة الثمانينات و التسعينات -النمو الديموغرافي السريع و ما نتج عنه من وفرة اليد العاملة النشيطة و بالإضافة إلى قوة الهجرة من البوادي نحو المدن و التي كان لعامل الجفاف دور مهم في الزيادة في التهميش و اللامساواة المجالية .
فقد أفادت تقارير منظمة العمل الدولية ، أن أزمة 1997 قد تسببت في إزاحة 24 مليون منصب شغل في آسيا الشرقية، خاصة في قطاعات النشاط غير المهيكل،كما توقع بعض خبراء منظمة العمل الدولية، أن أزمة 2008 و التي تطورت إلى أزمة اقتصادية و اجتماعية تسببت للدول العربية في أزيد من 20 مليون عاطل عن العمل ، كما ستساهم أزمة كوفيد بدورها في خلق أزمة التشغيل،حيث فقد العالم ملايين الوظائف، منها 19 مليون وظيفة في العالم العربي ،و سيؤدي ذلك إلى- حسب تقرير خبراء منظمة العمل الدولية – إلى تآكل الطبقة الوسطى و تحولها إلى طبقة فقيرة.
و من هذا المنطلق، باتت المقاولات غير المنظمة من أكبر تحديات الدولة،ليصل حجمها إلى نحو 30% من الناتج الداخلي الإجمالي ، لتظهر تقديرات المؤسسات الوطنية و الدولية إلى أن نسبة تتراوح بين 60% و 80% من الساكنة النشيطة المشتغلة بالمغرب تزاول أنشطة تجارية تندرج ضمن الاقتصاد غير المنظم ، بل تمارسها حتى بعض الشركات “المهيكلة” بطريقة مستترة كالتصريح الناقص بعدد الأجراء ، رقم المعاملات …
يمثل هذا الاقتصاد حسب نتائج دراسيتين أجراهما بنك المغرب سنتي 2020/2018 ، يمثل 11,5% من الناتج الداخلي الخام و 36,2% من مناصب الشغل في القطاع غير الفلاحي ، كما أظهرت الدراستين أن الاقتصاد الخفي (يشمل كل من الإنتاج السري و الإنتاج غير القانوني و الإنتاج غير المنظم، وإنتاج الأسر على حسابهم الخاص) .
فهو يمثل حوالي 30% من الناتج الداخلي الإجمالي بالمغرب ويمثل نسبة 79,9% من حجم الشغل الإجمالي لسنة 2019 ، و هذه نسبة كبيرة و مقلقة على النسيج الوطني الاقتصادي و الاجتماعي بالمقارنة ببعض الدول كما تظهر بعض الدراسات: فحصة التشغيل في الاقتصاد غير المهيكل في أفريقيا 85,8% ،الدول العربية 68,6% ،و آسيا و المحيط الهادي 68,2%،الأمريكيتين 40% أوروبا و آسيا الوسطى 25,1 % المملكة السعودية 15% منذ انطلاق ” رؤية المملكة 2030 ” .
ليطرح السؤال: لماذا تفاقمت هذه الظاهرة رغم المجهودات المبذولة من الدولة؟
تسعى الدولة دائما إلى تعزيز الحكامة لتحقيق أهدافها في محاربة أو التقليل من حدة انتشار المقاولات غير المنظمة و كل ما هو غير رسمي خاصة في المجال الاقتصادي ،فقامت بعدة إصلاحات في ترسانتها القانونية و مشاريع ومبادرات لصالح العاملين بالمقاولات غير الرسمية وذلك عبر :
– تعميم الحماية الاجتماعية الذي سيتم بموجبه تسجيل العاملين في القطاع غير المهيكل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و دفعهم لاشتراكات شهرية مناسبة لدخولهم مما سيمكن أيضاً،الحكومة من معطيات لاستخدامها في السياسات الاقتصادية ؛
– توفير التغطية الصحية ؛
-وضع إطار ضريبي خاص؛
-توفير تمويلات ميسرة؛
-خلق مناطق اقتصادية خاصة؛
-مشاريع مكافحة البطالة؛
-إرجاع العديد من المجالات العامة إلى وظيفتها الحقيقية : خلق مجالات خضراء في بعض المناطق التي كانت مسرحاً للقطاع غير المهيكل، توسيع ممرات الراجلين ، خلق ملاعب القرب ، مآرب …محاربة المساكن و المآرب و العمارات التي كانت تستغل في الاقتصاد الخفي (الخياطة، الأكل …).
رغم كل هاته المجهودات و المبادرات ،لم تستطع احتواء معضلات و إشكاليات قطاع الظل ، نظرا لعدة أسباب،نورد بعضها :
• صعوبة انشاء الشركات: القوانين المعقدة لانشاء و مواكبة الشركات و صعوبة التمويل ؛
• الفساد الإداري و المالي و استغلال النفوذ و إساءة استعمال السلطة :هي من أكثر الجرائم خطورة على المال العام و الاقتصاد الوطني و ذلك لتحقيق مكاسب شخصية و منافع خاصة؛
• النظام الضريبي : الذي يفرض ضرائب مرتفعة على المشاريع الصغيرة، بينما تعطي الدولة امتيازات و تحفيزات ضريبية للرأسمالية المحلية و الأجنبية وذلك بالإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات مما يدفع بالعديد من الشركات إلى تغيير أماكن تمركزها أو تلجأ إلى تغيير اسم الشركة و تسريح العمال ،الذي ينتج عنه الزيادة في عدد الباعة و الأسواق العشوائية؛
للأسف الشديد لازالت الدولة سجينة لهذا التوجه غير الصحيح، و يظهر ذلك من خلال قوانين المالية حيث استمرّت الحكومة في تقديم مجموعة من التحفيزات، و مع ذلك فإن النتائج تكون عكسية ، لأن المستفيدين من التحفيز الضريبي يعمدون إلى تجميد أموالهم أو عوض استثمارها في قطاع أكثر إنتاجية، يتم تحويلها إلى قطاع أقل إنتاجية أو يتم تهريبها إلى الخارج،أكثر من ذلك ، يمكن أن تكون نتائج التحفيزات الضريبية أكثر سلبية و تلحق ضررا بالاقتصاد .
• وهن الموارد البشرية : ضعف جودة تكوين و تعليم الرأسمال البشري؛
• ضعف النمو الاقتصادي بسبب السياسات الاقتصادية للدولة التي لم تنجح في تحقيق نمو اقتصادي مرتفع و مستدام ليخلق فرص للشغل بشكل كاف و مستدام في القطاع المنظم؛
• انتشاره بين ذوي الدخل المنخفض:انخفاض مستوى الدخل و زيادة معدل البطالة و نسبة الفقر
• خلل في التنافسية في القطاع الخاص ؛
• قصور في الحماية الاجتماعية لفئة عريضة تشتغل في اقتصاد الظل؛
• الهجرة الدولية ، بسبب الاضطرابات الاقتصادية و السياسية والاجتماعية و الأمنية ، مما يزيد قوة العمل ؛
• ارتفاع معدلات التضخم التي تؤدي إلى انخفاض قيمة الدخل الحقيقي ( أي لابد من تسوية الفجوة بين الدخل و المصاريف )؛
• حالة الركود الاقتصادي نتيجة اللاعدالة المجالية، مما يؤدي إلى الهجرة الداخلية و بالتالي ضغط الحياة اليومية يجعل البعض يتجه إلى العمل في القطاع غير المهيكل بأجور زهيدة؛
• تراجع القطاع العام في توفير مناصب الشغل : إن استراتيجيات الدولة في مجال التشغيل كانت ضعيفة، تراجع التوظيف و سياسة التقشف التي كانت سائدة في فترة الثمانينات.
إن ظهور و انتشار المقاولات غير المهيكلة ،هي نتيجة ظروف خاصة ، كما أسلفنا، لكن الإشكالية التي واجهت جميع الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين هي مأزق استمرار الوضعية رغم زوال كل أو بعض من هاته الظروف ، و هذا ما يؤكده تقرير للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي لسنة 2021 و التي أوعزت أسباب استمرار اشتغال القطاع غير المهيكل إلى:
• عدم كفاية مستوى التأهيل مما يقصي العديد من الساكنة النشيطة من الاشتغال في القطاع المهيكل؛
• قلة فرص الشغل في العالم القروي و المدن الصغيرة؛
• صعوبة إدماجها في القطاع المهيكل ( كثرة العاملين به ، صعوبات في تنظيم المهن مما يعيق تحديثها و بالتالي إدماجها)؛
• تراجع دور الدولة في بعض الخدمات الاجتماعية ؛
• ضعف الادماج في منظومة الحماية الاجتماعية ؛
• استمرار الحواجز القانونية و التنظيمية التي تعيق مسلسل إدماج الاقتصاد غير المهيكل؛
• صعوبة الولوج إلى التمويل و إلى الأسواق و الوعاء العقاري الملائم؛
• محدودية فعالية القوانين مع استمرار بعض ممارسات الفساد ؛
المطلب الثاني : تأثير المقاولات غير المهيكلة على النمو الاقتصادي بالمغرب
لا يخفى على أن المقاولات غير المهيكلة تلعب دورا مهما في النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطنيين ، لها عدة مزايا ، تلعب دور المهدئ الاجتماعيSocial Mollifier سواءا كان الأمر في استعادة الاستقرار الاقتصادي أو المحافظة عليه، فإن وجود اقتصاد غير رسمي منتج و مربح أصبح أساسا لنجاح عملية الاستقرار الاقتصادي ، لكن هذا لا ينفي أن مساوئه أكثر و التي ظهرت تأثيراته الخطيرة على كل مناحي التنمية.
فالمقاولات غير المهيكلة لها إيجابيات لا يستهان بها ،تلعب دورا مهما في امتصاص الوافدين الجدد إلى سوق الشغل ، هي سوق موازية للاقتصاد الرسمي ،لها مساهمات فعالة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي و التجاري، و هذا ما نستخلصه من خلال دراسة قام بها البنك الدولي في 69 بلد ،ليتوصل من خلالها أن زيادة بمقدار نقطة واحدة من نصيب الفرد من الناتج المحلي يؤدي إلى زيادة قدرها 18% من معدل زيادة فرص العمل .
و هذا ما أفاد به أفاد عن التنمية الاجتماعية في الدول العربية :” أن المقاولة التجارية غير الرسمية تمثل 36% من إجمالي قوة العمل ، تساهم بنسبة تتراوح بين 14% و20% من الناتج المحلي الإجمالي في كثير من الدول العربية كالمغرب ،تونس ومصر.
ففي المغرب ، من خلال بحث ميداني قامت به المندوبية الساميّة للتخطيط ، ارتفع حجم التشغيل من 1,9 مليون شخص سنة 2000/1999 إلى 2,2 مليون شخص سنة 2007 و 2,5 مليون شخص سنة 2014 بما يمثل 37% من جملة المشتغلين في المغرب بعد استبعاد الفلاحة ، ليستحوذ قطاع التجارة وحده أكثر من 56% من مناصب الشغل ، و حسب نفس المصدر، فإن 8 منصب شغل من 10 تحسب على القطاع الخفي كما قدر الخبراء الاقتصاديين ، حاليا ، عدد العاملين به 6 ملايين شخص ، معظمهم يعيل أسرة من 3 إلى 5 أشخاص في الزمن الوبائي لجائحة كوفيد 19 .
فمن خلال الندوة الدولية 29 الخاصة بالتنمية التي عقدت بباريس تحت عنوان: “الاقتصاد غير المهيكل و التنمية : التشغيل و التنظيم في ظل الأزمة” أيام 8/7/6 من يونيو ، و التي جمعت 140 مشاركا حضرها
ممثلين عن البنك الدولي و المكتب الدولي للشغل و العديد من المؤسسات الفاعلة في قطاعات التنمية، اتفق غالبيتهم بأن القطاع غير المهيكل له وزنه الكبير في اقتصادات دول العالم خاصة النامية منها،
و أتفقوا بأن هناك شبه قطيعة لما يروج لمفهوم ازدواجية القطاع المقاولاتي: أي القطاع المهيكل و القطاع غير المهيكل فهو يوفر:
• خدمات و سلع بتكلفة أقل و بأسعار تفضيلية ؛
• مشاريع أغلبها صغيرة ،عائلية، رأسمال ضعيف و يد عاملة قليلة ،تتميز بالمرونة و سرعة التنقل؛
• منتوجات موجهة نحو السوق الداخلية ؛
• خلق فرص الشغل مهمة نظرا لانخفاض تكلفة العمل ؛
• مولدة لفرص عمل أخرى ( العقود من الباطن مثلا)؛
• أكثر قدرة على الاستجابة بسرعة للتغيرات التي تحدث في ظروف السوق بالمقارنة بالاقتصاد الرسمي ؛
• يحقق توزيعا جيدا في صفوف محدودي الدخل ؛
• مساهمة فعالة في جعل الاقتصاد ككل في وضع تنافسي؛
• تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المواد و الحاجيات ؛
• زيادة دخول الأفراد في ظل انخفاض مستويات الدخل الحقيقية : إذ قد يجمع عاملين في القطاع الرسمي أو المهيكل لتحسين مستويات دخلهم؛
• ضرورة لعملية الاستقرار الاقتصادي في الاقتصاديات الحديثة،خصوصا مع تزايد درجات الجمود inflexibilité في الاقتصاد الرسمي ،ففي بعض الأحيان قد تؤدي بعض جوانب الجمود في الاقتصاد إلى رفع معدلات الإفلاس بين المنشآت و رفع معدلات البطالة ، كما قد تتوقف سياسات مكافحة التضخم بسبب الضغوط الناجمة عن الرأي العام و الانخفاض في مستوى شعبية الحكومة، الأمر الذي يدفع إلى سياسة أكثر تكلفة من الناحية السياسية من خلال السماح للتضخم بالاستمرار في سبيل التوظف الكامل، و هكذا يؤدي التفاعل بين الأنشطة الاقتصادية و السياسية إلى سلسلة حلزونية من التضخم و البطالة ؛
• يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المواد و الاحتياجات المتزايدة الطلب عليها .
لكن رغم كل ماذكر عن مزايا اقتصاد الظل، الذي تشكل المقاولات غير المهيكلة حجر أساسه ،فهو يخدم المصالح الخاصة للفاعلين فيه فقط، فمساوئه تفوق بكثير إيجابياته ،له آثار وخيمة على الصالح العام و لا يعطي الصورة الحقيقية في الاحصائيات الرسمية التي تنبني عليها السياسات العمومية،بل قد يصل الأمر فيه إلى اعتباره اقتصادا إجراميّا داخل أو خارج الحدود ، و ذلك لأنه:
• يجعل معدلات البطالة المنشورة غير حقيقية و مبالغ فيها ، إذ يتم الإعلان عن معدلات أكبر من المعدلات الفعلية،وبالتالي رسم سياسات اقتصادية أو تنموية على أسس مغلوطة أو ناقصة؛
• يستفيد العاملين بالقطاع غير المهيكل من جل الخدمات المقدمة للقطاع المهيكل ( الكهرباء، الماء،التعليم،الصحة…) بالمقابل لا يساهمون في موارد خزينة الدولة مما يؤدي إلى الزيادة في العبء الضريبي على العاملين في القطاع النظامي (المساهمة في خزينة الدولة مقابل الخدمات المقدمة)؛
• شكوك في مصدر رأسمال المقاولة غير المهيكلة ؛
• زيادة حجم الاقتصاد غير المهيكل يؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق العام و بالتالي الزيادة في الموازنات
• عدم صحة أو عدم دقة البيانات و المعلومات التي تعتمد عليها السياسات الاقتصادية الحكومية عند إعداد الخطط المستقبلية، مما يؤثر سلبا على قراراتهم و التي قد تكون غير صائبة و غير واقعية؛
• يكرس شعار : السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة من السوق؛
• تمارس منافسة غير مشروعة للمقاولات المنظمة ؛
• تلحق ضررا بالاقتصاد المحلي اذ تضيع على الدولة مداخيل ضريبية مهمة؛
• تعمق الهشاشة في المجتمع المغربي؛
• يصعب على العاملين في هذا الاقتصاد الحصول على التمويل و القروض مما لا يشجع على الإنفاق ،سواء من حيث الاستهلاك أو الاستثمار؛
• ضعف ضماناتها التي لا تؤهلها للحصول على التمويل من مؤسسات الائتمان لدوام نشاطها ؛
• تشغيل اليد العاملة الصغيرة و النساء ؛
• تهريب الأموال م ومال له من عواقب على الحركة الاستثمارية للدولة :إذ يؤدي إلى انخفاض معدلات نمو الدخل القومي، الزيادة في معدل التضخم نتيجة تشجيع الإنتاج الاستهلاكي، يؤثر سلبا على عمل سوق الأوراق المالية، سلباً على عنصر المنافسة و أسعار الصرف، ازدياد الغبن الضريبي …؛
• اتساع فجوة التفاوت الاجتماعي: قد ينتج عنه اضطرابات سياسية ،ازدياد البطالة،ازدياد معدلات الجريمة، انتشار أعمال مخلة بالنظام العام و الأخلاق الحميدة ( دور القمار، الملاهي،الدعارة…)؛
• استغلال الأموال غير النظيفة في مشاريع اجتماعية-خيرية ،مشاريع سياسية-انتخابية … و بالتالي يصبحون مؤثرين في صياغة و فرض القرارات السياسية مما يكون طريقا معبدا لزيادة قوّة الضغط في التأثير على الاستقرار السياسي و بالتالي الاقتصادي و الاجتماعي و المالي ، مما يؤدي لا محالة إلى تراجع هيبة الدولة ؛
• مدمرة للقيم الاجتماعية و تساعد على انتشار السلبية و الذاتية للمصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة للمجتمع ؛
• توظيف الأموال المشروعة في كل القطاعات بما فيهم القطاع الخفي ،أو خلق مقاولات وهمية لتنظيف الأموال القذرة و إعادة تدويلها بطرق شرعية عبر فتح حسابات في الأبناك و قطاعات الأئتمان الأخرى و بالتالي دمجها في الاقتصاد الرسمي.
المبحث الثاني : المقاولات غير المهيكلة : أساليب تقديرها و آثارها على الاستثمار المغربي
تختلف أشكال و مظاهر المقاولة غير المنظمة من بلد لآخر بحسب اختلاف واقع اقتصاداتها و نظامها و مدى درجة حكامتها التشريعية و السياسية،فهي تغطي معظم مجالات الأنشطة الإنتاجية و الخدماتية و التجارية ،كما قد تشمل أنشطة مشروعة و أنشطة غير مشروعة ،جميعها غير مسجلة رسميا و لها طرق و أساليب علمية لتقدير حجم اقتصاد الظل .
المطلب الأول : ظلال مظاهر المقاولات غير المنظمة على النمو الاقتصادي بالمغرب
يعتبر اقتصاد الظل من أهم المعيقات أمام تطور المقاولات،لكونه لا يخضع للأحكام التنظيمية و المحاسبية المعمول بها،ليضم مختلف الشرائح الاجتماعية و مختلف المستويات الثقافية و المجالية.
و يمكن تقسيم اقتصاد الظل في ثلاثة مظاهر متجلية في الواقع الاقتصادي-الاجتماعي المغربي:
• الممارسات المستترة في المقاولات الرسمية كالتصريح الناقص بعدد الأجراء أو رقم المعاملات أو التعامل مع المقاولين من الباطن دون التصريح بهم أو عدم تسجيل العاملين لديهم هربا من دفع التأمينات …
• عندما تكون الخدمات في المقاولة غير المنظمة مسموح بها لكن التعامل بها ممنوع ( كمتاجر غير مرخصة ، عقود من الباطن غير موثقة ،دروس خصوصية غير مرخص لها .
• أما إذا كان يتعامل بسلع أو خدمات محظورة قانونا و عرفا ( أسلحة،دعارة، الإتجار بالبشر سرقة الآثار،مخدرات…) أطلق عليه الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الجريمة Blach Économy ، يقوم على أنشطة اقتصادية مخالفة لأنظمة و قوانين الدولة التي تدخل فيه تجارة الممنوعات أو المحظورة أو الأسواق السوداء….
إن اقتصاد الظل و الاقتصاد المستتر يشتركان مع الاقتصاد الأسود في : السرية ، عدم مسك دفاتر محاسبية منتظمة ، التهرب من الاستحقاقات الضريبة، الرسوم … لكنهما لا يهدفان في الغالب إلى الثراء السريع فأغلب المشاريع ذات رأسمال ضعيف و مداخيل ضعيفة و غير منتظمة و يد عاملة غير مؤهلة و عدم الفصل بين العمل ورأس المال و سيادة العلاقات الأسرية أو الاجتماعية في الناشطين في قطاع الظل، بينما نجد أن الاقتصاد الأسود قد تكون جرائم عابرة للحدود مسيطرة على اقتصادات عالمية،لما لها من دخول ضخمة و منتظمة .
يمكن القول من خلال كل ماسبق ذكره بأن اقتصاد الظل أصبح جريمة بعدما كان ظاهرة فرضتها بعض الظروف ،له آثارا وخيمة على الاستثمار الوطني و الدولي على السواء ، إذ أخذ أبعادا و مظاهر تؤثر سلبا على كل مناحي التنمية في بلادنا ، نذكر بعضها :
 التستر التجاري :
يعتبر التستر التجاري من أبرز أشكال الاقتصاد الخفي و مكوناته، له تأثير بالغ في إفشال سياسات الاستقرار الاقتصادي،و تشويه المؤشرات اللازمة لوضع السياسات الاقتصادية المختلفة ، و من أهمها مؤشرات الأسعار و معدلات البطالة، و معدلات النمو الاقتصادي، و إضعاف الكفاءة الاقتصادية و الإخلال بتوزيع الموارد ، و المنافسة غير المشروعة و زيادة حالات انتشار الغش التجاري.
 التهرب الضريبي:
تمثل الضرائب احد أهم الموارد لخزينة الدولة المالية، و مصدرا من مصادر تمويل الدولة بالسيولة النقدية، يعتمد عليها كركيزة قوية في السياسات الأقتصادية، و تغطية الأعباء الاقتصادية للدولة.
تتهرب مقاولات الظل من كافة الاستحقاقات في مواجهة الدولة(رسوم،ضرائب) و تتملص عمدا من التزاماتها الاجتماعية و الضريبية رغم توفرها على الموارد اللازمة لذلك خاصة و أنها تستفيد من أغلب الخدمات المقدمة لباقي المقاولات الرسمية ( كالماء ، الكهرباء،الصحة،التعليم …) فهم لا يساهمون في الضرائب و هذا ما يؤدي إلى زيادة العبء الضريبي على العاملين بالقطاع النظامي و بالتالي قد تؤدي مجدداً إلى زيادة التهرب الضريبي ، كما أن زيادة حجمها يزيد من حجم الإنفاق العام و بالتالي الزيادة في الموازنات ، و بالتالي سيؤدي إلى ضغوطات اقتصادية على العاملين في القطاع الرسمي .
 غسل الأموال:
إن جريمة غسل الأموال هي شكل من أشكال اقتصاد الظل ، و يمكن تعريف هذه الطائفة من الجرائم بكونها التي تقع اعتداءا على الحقوق المالية ،و يدخل في نطاق هذه المفهوم،كل حق ذي قيمة اقتصادية أيا كانت في دائرة التعامل،و متضامن على هذا النحو في تكوين الذمة المالية. .
إن جريمة غسل الأموال هي عبارة عن مجموعة من العمليات المالية ،التي يُسعى من ورائها إضفاء طابع الشرعية على أموال ناتجة من مصادر غير مشروعة من جريمة أو عدة جرائم، هي تمويه في حقيقة الأموال ، هي جريمة لاحقة لجريمة سابقة أدرت مالا و بالتالي فهي جريمة “نتيجة” مترتبة عن جريمة أولية ،ضرورية للتنظيمات الإجرامية من أجل إخفاء الأرباح التي يتم الحصول عليها.
كما أنها من الجرائم الاقتصادية (فعل أو امتناع) يمس بسلامة البنيان الاقتصادي و بسياسة الدولة ، لها آثار وخيمة بالغة الخطورة على الدخل القومي و توزيعه و معدل التضخم و قيمة العملة الوطنية و معدل البطالة؛ تمر جريمة غسل الأموال بثلاث مراحل:
• توظيف المال عن طريق إدخاله في دورة مالية من أجل التخلص من السيولة المالية.
• مرحلة التمويه الذي يتمثل في تشتيت القيم التي تم تحويلها في مرحلة توظيف المال ،و ذلك عن طريق قطّع الصلة بين الأموال غير المشروعة و مصدرها (انشاء الصفقات مثلا) للحيلولة دون معرفة المصدر الحقيقي لهذا المال و عرقلة البحث و التحري عنه .
• مرحلة الاندماج : يتم استعمال الأموال المبيضة ،و التي أصبحت تكتسي رداء الشرعية،على شكل استثمارات في نشاط اقتصادي أو على شكل نفقات.
إن جريمة غسل الأموال ،في غالب الأحيان، تكون ذات بعد دولي مما يزيد من صعوبة محاصرتها ، هي أموال قد تنعش الاقتصاد، توفر فرص الشغل،تساهم في تنمية الأنشطة التجارية،الصناعية … لكن بالمقابل تؤدي إلى كوارث اقتصادية في حالة سحبها فجأة من الاستثمارات أو في حالة تحويلها إلى الخارج. تعتبر جريمة غسل الأموال عامل مسبب للتضخم،ارتفاع غير مبرر للأسعار،تعميق الفوارق الاجتماعية،تهديد الأمن الداخلي،التأثير على الاختيارات السياسية .

 بعض الاتفاقيات الدولية لمكافحة جريمة غسل ألأموال:
• اتفاقية فيينا التي وقع عليها المغرب في سنة 1992: هي قاعدة صلبة للتعاون الدولي،ألزمت الدول الأعضاء بضرورة تجريم جميع السلوكات التي تهم غسل الأموال، وتبني إجراءات عقابية ، و الحث على تعزيز و تطوير الوسائل القانونية الفعالة لمحاربة هاته الجريمة؛
• اتفاقية ستراسبورغ: لم تبق محصورة ،كاتفاقية فيينا، في مداخيل الاتجار في المخدرات و المؤثرات العقلية، بل توسعت لتشمل كل منفعة اقتصادية ناتجة عن جريمة جنائية؛
• اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية باليرمو الإيطالية لسنة 2000 :، وقع عليها المغرب سنة 2002 : تهدف إلى محاربة الجريمة بصفة عامة، و اعتبرت جريمة غسل الأموال من بين الجرائم الأربع الرئيسية المرتبطة بالجريمة المنظمة .

 بعض الأجهزة الدولية المتخصصة في مكافحة غسل الأموال:
• لجنة العمل المالي الدولية GAFI تضمنت 48 توصية من بينها: تعريف الجريمة/ الإجراءات المؤقتة / المصادرة/ تحديد العملاء/ متطلبات حفظ السجلات/ الزيادة في يقظة المؤسسات المالية؛
• الإنتربول: المنظمة الدولية للشرطة الجنائية مقرها ليون Lyon بفرنسا: تختص بتجميع المعلومات و البيانات المتعلقة بالجريمة و المجرم و التعاون مع الدول لضبطها.
• لجنة بازل Basle : تشرف على البنوك و تصدر قوانين لمجموعة من المبادئ التي تمنع استخدام البنوك في النشاط المتعلق بالجرائم المختلفة، هدفها تدعيم و تعزيز الاستقرار المالي .
 التهريب الجمركي:
هو ظاهرة تعاني منها العديد من المناطق الحدودية في العالم،وإن كانت بنسب متفاوتة،فنجد هذه المناطق تعيش على اقتصاد حدودي هش،غالباً ما يعيق نموها الحضاري،و يعرض نسيجها الاقتصادي و الاجتماعي للانهيار .
للإشارة فإن نظام الجباية في النظام الجمركي المغربي،هو نظام إقراري،و مؤدّى ذلك أن جميع عمليات استيراد و تصدير البضائع تخضع بصفة وجوبية للتصريح:” يجب أن يقدم بشأن جميع البضائع المستوردة أو المقدمة للتصدير تصريح مفصل يعين لها نظاما جمركيا ” ، وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار لها : ” جميع البضائع المستوردة أو المصدرة يجب أن تخضع للتصريح بها عند عبور الحدود دون استثناء أو تقييد لمفهوم البضائع،فتشمل المستعملة لغرض مشروع أو لغرض غير مشروع…”
 تجارة التهريب في المدن الحدودية بالمغرب:
تحولت أنشطة قطاع الظل في المدن الحدودية ، إلى اقتصاد معيشي يفرض نفسه له زبنائه من كل مناطق المغرب،يهمّ غالبا بيع السلع الغذائية و التجهيزات المنزلية، و قطع أجزاء السيارات و الالكترونيات، يشغل الآلاف من ساكنة المدن الحدودية و الوافدين عليها، لكن انبثق عن هذا النوع من الاقتصاد الاجتماعي،تجارات من نوع أخطر ، تجارة الممنوعات و المخدرات، تجارة البشر، التجارة في العملة …
فحسب تقرير لمصدر حقوقي :” يشتغل في هذا القطاع في الفنيدق المغربية و نواحيها القريبة منها ،أكثر من 25 ألف شخص يوميا علاوة على 15 ألف سيارة ، كما يصل عدد النساء الحمالات إلى 9000 امرأة،اذ يمثلن بذلك 45% من نساء المنطقة ” ،كما أورد نفس المصدر، بأن التهريب المعيشي بين سبتة المحتلة و المغرب ، تبلغ قيمته حوالي 400 مليون أورو ، أي ما يعادل 50% من صادرات المدينة ، اذ أن تجارة التهريب عبر باب سبتة تزود الأسواق بشتى السلع الاستهلاكية، لكن يلاحظ أن هاته النسب قد تقلصت بفعل الإجراءات المشددة على المدن الحدودية من قبل السلطات نتيجة سياسة الدولة المغربية الهادفة إلى القطع مع تجارة التهريب من جهة، و إغلاق الحدود بسبب جائحة فيروس كورونا كنتيجة للإغلاق الاحترازي مع الجارة إسبانيا من جهة أخرى ، و يرجع أيضا للأوضاع المتعثرة بين المغرب
و الجزائر مما قلص التهريب المعيشي في الحدود الشرقية..

المطلب الثاني : طرق و مناهج تقدير حجم اقتصاد الظل
نجد أن تقرير البنك الدولي لسنة 2000 ، اعترف بمساهمة هذا القطاع بشكل كبير في تقليص ظاهرة الفقر بالمدن و القرى على السواء ، كما أصبح اعتراف مباشر من المختصين ، بأن أنشطته خاصة منه التجاري يحسب لها حساب كبير في السياسات العمومية للحكومات ، خاصة في الدول النامية.
لكن ،في غياب ما يكفي من الحلول البديلة الناجعة ، تم التغاضي عن أنشطة الاستثمار الخفي توخيا لسلم اجتماعي، وهو ما لا يتماشى مع مبدأ سيادة القانون ، مما يستدعي ضرورة وضع استراتيجية واقعية مندمجة تهدف إلى القضاء ،أو على الأقل الحد من ازدياد حجم هذا الاقتصاد بالمغرب حتى لا يتحول إلى عامل لعدم الاستقرار على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الأمني، و بالتالي القضاء على وجه آخر من هاته العملة و هي الأنشطة غير المشروعة و المستترة.
أولت منظمات الأمم المتحدة المختلفة و المكتب الدولي للعمل ، و تبعتهما العديد من الدول ، أولوا أهمية خاصة لمكافحة اقتصاد الظل في دول العالم ، و قدمت العديد من الاستشارات الفنية و التقنية و الدعم المادي لمختلف البرامج الهادفة للقضاء أو التقليل من انتشاره ، و أعطيت أرقام و إحصائيات عن حجمه و نسب تزايده أو نقصانه و ذلك عبر بعض الأساليب لتقدير حجمه .
ليس من السهل التوصل إلى تقدير دقيق لحجم اقتصاد الظل و المقاولات المستترة في ظله،لكن هذا لم يمنع المختصين من إيجاد أساليب لتقديره،قد تكون أساليب مباشرة أو غير مباشرة :
تقوم الأساليب المباشرة على أساس تقدير الأنشطة التي تتم في الاقتصاد الخفي ، و تجمع هذه الأنشطة للحصول على تقدير لهذه المعاملات (المسح بالعينة و تدقيق الحسابات الضريبية)، أما الأساليب غير المباشرة التي تحاول اكتشاف الآثار التي تترتب على وجود هذا الاقتصاد،تتضمن:
1. إحصائيات الحسابات الوطنية:les comptes nationaux :
يتم تقدير حجم اقتصاد الظل من خلال التفاوت بين إحصائيات الدخل و الإنفاق في الحسابات الوطنية او في البيانات الفردي، فالفرق بين الدخول المسجلة و الإنفاق تعطي معلومات حول اقتصاد الظل.
2. إحصائيات القوى العاملة:Statistiques de l’emploi :
يفترض أن القوى العاملة تشارك بنسبة ثابتة عموما في الاقتصاد الرسمي، و بالتالي فإن الفرق بين معدلات المشاركة الفعلية و تلك المسجلة بشكل رسمي قد تتمكن من تقدير حجم العمالة غير المنتظمة و بالتالي حجم الاقتصاد غير الرسمي و الذي يتم تقديره على أساس الانخفاض في مشاركة القوى العاملة في الاقتصاد المحلي .
3. المعاملات :Les transactions :استخدام البيانات الخاصة بالحجم الكلي للمعاملات النقدية في الاقتصاد من أجل حساب إجمالي الناتج الداخلي الإسمي و الكلي أي الرسمي و غير الرسمي،ثم تقدير حجم الاقتصاد الخفي بطرح إجمالي الناتج المحلي الرسمي من إجمالي الناتج المحلي الاسمي الكلي .
4. مؤشر التهرب الضريبي Vito Tanzi
يهدف VITO TANZI من خلال عرض النموذج القياسي لمعادلة الطلب على العملة :Demande de la monnaie 1982 ، إلى تقدير حجم الاقتصاد الخفي بدلالة الدخل غير الرسمي .
فالفكرة الأساسية لنموذج الطلب على العملة هو تحديد معادلة الطلب على العملة بوضع تقديرين لحيازة العملة:
• التقدير الأول: حين لا يكون المتغير الضريبي مساوياً للصفر؛
• التقدير الثاني:حينما يكون المتغير الضريبي مساويا للصفر .
و يطلق على الفرق الموجود بين التقديرين نتيجة لوجود المتغير الضريبي، بالنقود غير المشروعة و بعد ذلك يمكن تحديد سرعة تداول الدخل النقدي بقيمة إجمالي الناتج الداخلي الخام على مقدار النقود المشروعة، و يستخرج حجم الدخل الخفي ، بضرب مقدار النقود غير المشروعة في سرعة تداول الدخل النقدي
و الذي يفترض تعادلها في الاقتصاد الرسمي و الاقتصاد الخفي .
و يحدد مقدار التهرب الضريبي للدخل بافتراض أن المداخيل في الاقتصاد الخفي كانت تخضع لنفس متوسط السعر الذي يخضع له المداخيل في الاقتصاد الرسمي.
ليخلص VitoTanzi إلى أن :
 إن أنشطة اقتصاد الظل هي نتيجة مباشرة لارتفاع الضرائب؛
 تستخدم العملة أساساً لإتمام معاملات اقتصاد الظل و تخزين الثروة المتواصلة؛
 تعادل سرعة تداول الدخل النقدي في كل من الاقتصاد الرسمي و اقتصاد الظل .
5. المدخلات المادية :La consommation d’électricité : كاستهلاك الكهرباء:
يرى Vito Tanzi بأنه يتم تقدير حجم اقتصاد الظل من واقع استهلاك الكهرباء، باعتباره أفضل مؤشر مادي للنشاط الاقتصادي ككل و ذلك عبر : طرح معدل نمو اجمالي الناتج المحلي الرسمي من معدل نمو إستهلاك الكهرباء الكلي و إرجاع الفرق بينهما إلى نمو الاقتصاد الخفي .
خاتمة
يوجد اتفاق واسع النطاق بأن النمو الاقتصادي المعقلن يؤدي إلى الحد أو التقليل ،لا محالة، من اقتصاد الظل و بالتالي المقاولات غير المهيكلة في البلدان النامية، و هذا ما تؤكده عدة دراسات عالمية ، فقد نهج المغرب مجموعة من الإجراءات الاقتصادية بهدف الوصول بالاقتصاد المغربي إلى حالة الاستقرار من خلال معالجة الاختلالات الاقتصادية و المالية، وذلك من بداية الثمانينات ،غير أن الدولة لم تستطع ضبط الآثار السلبية لعملية الإصلاح الاقتصادي و خصوصا على الصعيدين الاجتماعي و الاقتصادي.
يفرض الواقع الاعتراف بقطاع الظل و بضرورة تقنينه في المجتمع ،خاصة و أنه يفتح – شئنا أم أبينا -آفاقا اجتماعية و اقتصادية لفئات مختلفة واسعة في المجتمع، بل حتى لفاقدي الشغل في القطاع الاقتصادي الرسمي ، و للأشخاص النازحين نحو المدن .
نجدها ظاهرة بنيوية راسخة ، لها جذور و لها تاريخ، فهي ظاهرة دينامية و متحركة عكس الظواهر الظرفية ، يتطلب التصدي لها وقتا طويلا ، فهي عبارة عن بطالة مقنعة استفحلت الظاهرة لتصبح جريمة اقتصادية في حق المواطن و البلد ، تعيق استقراره و تنميته، تعد من أسباب انهيار و إفلاس العديد من الشركات و المقاولات المهيكلة ، كما يعتبر هدراً للمال العام عند عدم إدماجه في الاقتصاد المنظم،
و ضياع لموارد مالية مهمة لخزينة الدولة،لا يخضع للمراقبة لمبادلاته مما يجعله خطرا على صحة المستهلك و سلامته ،حيث لا يعرف في الكثير من الأحيان مصدر السلع و لا المسار الذي قطعته لتصل إلى المستهلك و لا المواد المصنوعة منها و لا مدة صلاحيتها …مما يزيد الطين بلة، يشغل يد عاملة مهمة من الأطفال مما يساهم بشكل مباشر في الهدر المدرسي و الانحراف،كما يشغل أيضا نسبة كبيرة من النساء دون معايير السلامة و الوقاية و لا يستفدن من الخدمات الصحية ولا من التغطية الاجتماعية اللازمة .
يمكن اعتبار اقتصاد الظل “باقتصاد الاستغلال” لانه نشاط من أجل الكفاف و ضمان العيش اليومي ، يتميز بيد عاملة من كل الأعمار،لهم أجور هزيلة و غير مستمرة ،قد يعملون لساعات طويلة و دون عطل و ليس لهم أي تمثيل نقابي … و بالتالي لا يستفيدون من كل البرامج المقدمة من الدولة لعدم توفرهم على الشروط المطلوبة، لهذا وجب محاربة هاته الآفة التي تنخر كل مناحي الحياة ،عبرتحسين الدخل و الاستفادة أكثر من الحماية الاجتماعية و الحفاظ على كرامة العاملين به واستحقاقاتهم.
و هذا لن يتم من الانطلاق من القضاء على أسباب الظهور و أسباب الاستمرارية، أما المنع و الملاحقة
( الضبط الأمني) فلن يعطيا النتيجة المنشودة في ظل الأزمات المتكررة اجتماعيا و اقتصاديا التي تعاني منها كل مناطق المغرب خاصة المدن المليونية الكبرى التي تعرف نموا سريعا.
لذا نورد بعض الاقتراحات و التوصيات من بينها:
• تجويد مؤسسة المقاول الذاتي وذلك ،مثلا، رفع العتبة القصوى لرقم المعاملات السنوي له حتى يمكنه تشغيل اثنين أو ثلاثة من الأجراء؛
• التعاملات غير النقدية عند نقاط البيع؛
• التركيز على نمو فرص العمل و تحسين الدخل في المناطق الريفية و جميع الأقاليم ؛
• الاستثمار في الرأسمال البشري: عبر الاهتمام أكثر بسياسات الاستثمار في التعليم و التدريب و إعادة التدريب لرفع كفاءة استجابة العمال و الموظفين لمتطلبات سوق العمل الدائم التغيير و التطور ، فتنمية المهارات عناصر مهمة لتحقيق النمو و رفع الإنتاجية و الحد من الاقتصاد الخفي و البطالة و الفقر ؛
• التوجه نحو زيادة معدلات النمو إذ تساعد على توليد إمكانية توسع القطاع الرسمي ليحل تدريجيا محل القطاع الخفي ؛
• عصرنة و مواكبة بعض المهن في المقاولات غير المهيكلة قصد إدماجها مستقبلا في القطاع المنظم ؛
• إحداث محلات تجارية بأثمنة مناسبة ملائمة لحاجيات الوحدات الإنتاجية الصغيرة، كخلق مدن في شكل أقطاب صغيرة ville satellite حيث الوعاء العقاري متوفر بأثمنة مناسبة ، كما يمكن لهاته الأقطاب استيعاب الوافدين و خلق بها مناطق صناعية حرة ؛
• تنويع و تيسير وسائل التمويل حتى يمكن التشجيع في الانتقال و الاندماج في السوق المنظم؛
• الدعم المالي و التقني للمقاولين في هذا القطاع الراغبين في الانتقال إلى صيغ مقاولاتية نظامية كخلق شركات ذات المسؤولية المحدودة،المقاول الذاتي، شركات التضامن …؛
• تسهيل المساطر الإدارية و تسهيل الإجراءات المالية و التجارية؛
• تحسين مستوى الدخل: الرواتب و الأجور؛
• التوسع الأفقي و التكامل العمودي في القطاع الرسمي لزيادة إمكانية استيعاب اليد العاملة القادمة إلى سوق العمل و بالتالي زيادة الناتج الداخلي الإجمالي ؛
• تعزيز المراقبة و لجان التفتيش على مختلف المستويات: مفتشية الشغل، الصندوق الوطني الاجتماعي… مع فرض عقوبات رادعة و مناسبة حسب خطورتها للممارسات المستترة التي تقوم بها بعض القطاعات المهيكلة ؛
• احداث لجنة خاصة للتتبع و التقييم ؛
• ضرورة تطبيق القانون و عدم تعقيد مساطره لإدماج الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة بشكل يجعلها تلتزم بالقواعد و الأنظمة الجارية، فالأنشطة التجارية إما أنها مقننة تخضع لمسطرة الترخيص او غير مقننة تخضع للترخيص المسبق ؛
• تكييف القوانين المستوردة و خصوصيات التركيبة الاجتماعية و الاقتصادية للمغرب .
قائمة المراجع
الكتب:
 محمد الحدادي :واقع القطاع غير المهيكل في زمن العولمة و الجائحة،الطبعة الأولى ، مارس لسنة 2021
 عبد الحفيظ بلقاضي: دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي و المقارن، الطبعة الأولى،2021 ، مكتبة دار الأمان للطباعة و النشر والتوزيع .
 ادريس حوات: ظاهرة التهريب و انعكاساتها على اقتصاديات الجهة الشرقية،كتاب منشور من طرف غرفة التجارة والصناعة و الخدمات بوجدة، لسنة 2004
 محمد إبراهيم السقا: الاقتصاد الخفي في مصر ،مكتبة النهضة المصرية،سنة 1996 .
 عبد الفضيل محمد دياب: أبعاد و مكونات الاقتصاد الخفي و حركة الأموال السوداء في الاقتصاد المصري ، 1995 ، مطبعة مصر المعاصرة.
 محمد كامل مرسي بك : الأموال ،الطبعة الثانية لسنة 1937 ،مطبعة فتح الله إلياس .
 Stéphanie TRILLET : « changement de statut paradoxal du secteur informel dans la Doctrine de la banque mondiale. Des politiques d’ajustement structurel aux stratégies de réduction de la pauvreté, « les cahiers de l’association Tiers Monde numéro : 29/ 2014.
 Dieter Cassel : The growing shadow economy:implications for stablization policy.intereconomics 19,1984.university of Duisburg. .
 Vito Tanzi : The underground economy in the United States :Annual Estimates 1930/1980 IMF STAFF Paper Vol 30 N°2,1983.
القوانين :
 مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 بتاريخ 25 شوال 1397 يوافق 9 أكتوبر 1977 كما وقع تغييرها و تتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 222-00-1 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 الموافق ل 5 يونيو 2000 .
القرارات قضائية
 قرار لمحكمة النقض عدد 7/926 الصادر بتاريخ 2005/04/20 في الملف الجنحي رقم 05/27721 -منشور.
 قرار صادر عن محكمة النقض بجميع غرفه عدد 312 الصادر بتاريخ 2 يناير 2002 في الملف الجنحي رقم 99/32432 منشور.
اطروحات :
 علي بودلال : الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر: مقاربة نقدية للاقتصاد الخفي؛ أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية،جامعة تلمسان بالجزائر لسنة 2007 .
 حمد حليبة: التهرب الضريبي و انعكاساته على التنمية بالمغرب،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في القانون العام ،جامعة محمد الخامس،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال بالرباط ، السنة الجامعية 2008/2007 .
التقارير

 تقرير لبنك المغرب ووضعية الاستثمار: لجنة المالية و التنمية الاقتصادية،مجلس النواب : 15 فبراير 2022 ؛
 تقرير المجلس الأعلى السنوي لسنة 2021 ؛
 تقرير OECD : منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لسنة 2021 ؛
 تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي لسنة 2021؛
 تقرير لغرفة التجارة والصناعة و الخدمات و الاقتصاد الرقمي لجهة تطوان الحسيمة في موضوع: التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد على اقتصاد جهةٍ طنجة تطوان الحسيمة،يونيو 2020 ؛
 تقرير لمنظمة العمل الدولية :النساء و الرجال في الاقتصاد غير المهيكل ،بانوراما أحصائية، لسنة 2019 ؛
 تقرير بنك المغرب لسنة 2018 ؛
 تقرير الجمعية الأندلسية لحقوق الإنسان بتعاون مع منظمات حقوقية مغربية و إسبانية،نونبر 2016 ؛
 تقارير مختلفة للمندوبية السامية للتخطيط؛
 تقرير لمنظمة العمل الدولية OIT: الانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم ؛ مكتب العمل الدولي بجنيف في تقريره الخامس للدورة 103 ، الطبعة الأولى ،سنة 2014 ؛
 منظمة العمل العربية : التقرير الثالث والرابع حول التشغيل و البطالة في الدول العربية 2014/2013 على الموقع الالكتروني alo@alolabor.org؛
 تقرير المندوبية الساميّة للتخطيط: البحث الوطني حول القطاع غير المنظم،اهم النتائج:8 دجنبر 2009:www.hcp.ma ؛
 تقرير للمعهد العربي للتدريب و البحوث الإحصائية السوري : الدراسة البحثية حول القطاع غير المنظم،المفهوم و المنهجية و أدوات القياس ، كانون الأول،لسنة 2004 ؛
 تقرير المدير العام لمنظمة العمل الدولية : مأزق القطاع غير المنظم ،الدورة 78 مؤتمر العمل الدولي لسنة 1991؛
 تقرير منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي في سنة 1948 ؛
 Bureau International du travail : conférence internationale des statisticiens du travail : statistiques de l’emploi dans le secteur informel- rapport pour laXV° Genève, 19, 28 janvier 1993.
الندوات
 محمد أقديم: سلسلة ندوات محكمة الاستئناف بالرباط: الاقتصاد الخفي و الجرائم المالية ودورها في أعاقة التنمية: أوجه الوقاية و المكافحة:ندوة نظمتها محكمة الاستئناف بالرباط بشراكة مع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة و نقابة هيئة المحامين بالرباط و كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية السويسي ، بتعاون مع المعهد العالي للقضاء،العدد الرابع، 2012 مطبعة الأمنية بالرباط ؛
 جاك شارم : القطاع غير المهيكل و اقتصاد التنمية: وجوب أخذه بالاعتبار و إعادة النظر في نظريات و سياسات التنمية: ندوة ألقاها في ملتقى الصفاقس الدولي، يوليوز 1984 في كلية العلوم الاقتصادية و الصرف،صفاقس بتونس.
 XXIX eme journée sur le développement. Économie informel et développement :emploi ,Financement et régulations dans un contexte de crise. Les cahiers de l’association Tiers Monde numéro 29,2014 ;6_7 et 8 juin 2013, université, Paris Est -Créteil .
المقالات
 مقال منشور بجريدة الشرق : مقابلة مع وزير الاقتصاد و التخطيط السعودي فيصل الإبراهيم ، 27 نونبر 2023 ، خلال افتتاح مؤتمر الزكاة و الضريبة و الجمارك في الرياض؛
 علاء وجيه مهدي ، محمد وحيد حسن : دور الاقتصاد الخفي في التنمية المستدامة-دراسة تحليلية-،مقال منشور في مجلة تكريت للعلوم الإدارية و الاقتصادية/ المجلد 16 عدد خاص،الجزء الثاني لسنة 2020 ،على إثر المؤتمر العلمي الرابع تحت عنوان : الاقتصاد الخفي و إدارة الأزمات ؛
 علي بودلال:انتعاشات الاقتصاد الخفي على الاقتصاد الجزائري،مقال منشور في مجلة الواحات للبحوث و الدراسات،العدد 18 لسنة 2013 .
 محمد أقديم: الاقتصاد الخفي و الجرائم المالية و دورها في إعاقة التنمية، سلسلة ندوات محكمة الاستئناف بالرباط، العدد 4 ص 25 ، مطبعة الأمنية،2012 ؛
 علي بودلال : الاقتصاد الخفي و النمو في البلدان النامية: حالة الجزائر،دراسة قياسية – مجلة الاقتصاد المعاصر ،مجلة علمية سياسية محكمة صادرة عن معهد العلوم الاقتصادية و علوم التسيير و المركز الجامعي،عين الدفلة بالجزائر،العدد 4 ،أكتوبر 2008 ؛
 رضوان زهرو: القطاع غير المهيكل: ظاهرة ام جريمة ؟ مقال منشور في مجلة ” مسالك في الفكر و السياسة والاقتصاد، العدد 7، 2007 ؛
 الجمل هشام مصطفى: الفساد الاقتصادي و أثره على التنمية في الدول النامية، مقال منشور في مجلة كلية الشريعة و القانون ، العدد 30 طنطا جامعة الأزهر ، 2005 ؛
 أحمد المبروك ابولسين: الاقتصاد الخفي ماهيته و طرق تقديره و آثاره – مقال منشور:مجلة الاقتصاد و العلوم السياسية جامعة الفاتح العدد الخامس لسنة 2002 ؛
 نجيب اقصبي: تعثر المشروع الاقتصادي و التجربة الحكومية،حوارله منشور في مجلة المالية العامة بالمغرب، حاوره الصحفي عبد الفتاح برغوت، عدد خاص ،سنة 2001 ؛
 Philippe Hugon :«Dualisme sectoriel ou soumission des formes de production au capital :peut-on dépasser le débat,»,Revue Tiers Monde n82 Avril -Juin,1980.
 Jack Charme :Les contradictions de développement du secteur non structuré revue tiers Monde n° 82 avril -juin 1980.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى