“النظر الفريد و القرار السديد للمجلس الدستوري بخصوص البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات”.
“النظر الفريد و القرار السديد للمجلس الدستوري
بخصوص البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات”.
الدكتور محمد البكوري.
باحث في علم السياسة و القانون
الدستــــــــــــــــــــــــــــــــوري.
بتاريخ 30 يونيو 2015، وبناء على المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الفصل 132 و الفصول من 135 إلى 141 ومن 143 إلى 146 و الفصل 177 من الدستور الحالي ،و كذا مقتضيات المادة 48 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية و أيضا مواد القانون التنظيمي رقم29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري، لاسيما المواد 21 (الفقرة الأولى) و 23 (الفقرة الأولى) و 24 منه، أصدر المجلس الدستوري ثلاثة قرارات ذات صلة بإحدى أهم أركان الصرح الدستوري و السياسي ببلادنا، و الذي يهم الجماعات الترابية .وهذه القرارات هي على التوالي :
- القرار رقم 15/966 المتعلق بالقانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 .
- القرار رقم 15/967 المتعلق بالقانون التنظيمي للعمالات و الأقاليم رقم 112.14 .
- القرار رقم 15/968 المتعلق بالقانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14 .
إن مختلف هذه القرارات ،و إن كانت من جهة، قد قامت بافتحاص دستوري دقيق لمختلف المقتضيات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المرتبطة بالجماعات الترابية، لتبرز مدى دستوريتها أو مطابقتها للدستور، فإنها من جهة أخرى شملت في طياتها تنصيصا صريحا على مدى دستورية بعض المواد (على الأقل بعض بنودها أو فقراتها) الموجودة في متون هذه القوانين ،والعمل بالتالي على التأكيد على مدى مخالفتها أو عدم مطابقتها للدستور. ومن صنف هذه الأخيرة على مستوى القوانين التنظيمية الثلاثة الانفة الذكر، يمكن الوقوف على ما يلي :
- الفقرة الأخيرة من المادة 51 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ،و التي تنص على أنه ” يعتبر عضو مجلس الجماعة من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب و ضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاذ مساطر الطعن الحزبية و القضائية.”
- الفقرة الأخيرة من المادة 52 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات و الأقاليم ،و التي تنص على أنه ” يعتبر عضو مجلس العمالة أو الإقليم من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاذ مساطر الطعن الحزبية و القضائية “.
- الفقرة الأخيرة من المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ،والتي تنص على أنه ” يعتبر عضو مجلس الجهة من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاذ مساطر الطعن الحزبية و القضائية “.
- البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ،و الذي ينص على أنه بين الشروط التي يجب على الجمعيات استيفاؤها لتقديم عرائض إلى مجلس الجهة : ” أن تكون الجمعية متوفرة على فروع قانونية في كل أقاليم الجهة “.
وعلى هذا الأساس، وبعد أن صرح المجلس الدستوري بعدم مطابقة مختلف المقتضيات السابقة الذكر للدستور، فإنه قد ألح في الختام على ضرورة فصل المقتضيات المخالفة عن مقتضيات المواد المطابقة للدستور داخل مختلف القوانين التنظيمية موضوع القرارات، و بالتالي التنصيص على جواز إصدار الأمر بتنفيذ هذه القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وذلك بعد حذف المقتضيات الغير المطابقة للدستور، و منها تلك المرتبطة بالبند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، و الذي ستنصب عليه قراءتنا هاته.
بداية، يبدو من اللازم الوقوف على حيثيات التصريح بعدم مطابقة البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، بموجب النظر في الموضوع و توضيح الأسباب المصرح بها في الفقرة ما قبل الأخيرة من القرار رقم 15/966 .
هكذا نجد ان المجلس الدستوري ،وفي إطار نظره المتعلق بموضوع القانون التنظيمي رقم 111.14، وبعد فحصه لمواده مادة مادة و الحكم على كونه يكتسي طابع قانون تنظيمي وفقا لأحكام الفصل 146 من الدستور،فإنه توصل إلى كون البند الأخير من المادة 121 من هذا القانون التنظيمي هو مخالف للدستور. إذ نجد القرار في هذا الصدد يلح على ما يلي :
“ حيث إن هذه المادة (121) تنص في بندها الأخير على أن من الشروط التي يجب على الجمعيات استيفاؤها لتقديم عريضة إلى مجلس الجهة : “ أن تكون الجمعية متوفرة على فروع قانونية في كل أقاليم الجهة“.
وحيث أنه، لئن كان الدستور ينص في البند الثالث من فصله 146 على أنه تحدد بقانون تنظيمي شروط تقديم العرائض إلى مجلس الجهة من قبل المواطنات و المواطنين و الجمعيات، فإن ما اشترطته المادة 121 في بندها الأخير، دون مبرر مقبول، من وجوب أن تكون الجمعية التي تتقدم بعريضة متوفرة على فروع قانونية في كل أقاليم الجهة، من شأنه الحد من ممارسة حق دستوري مخول للجمعيات، بموجب الفصل 139 من الدستور، قصد تقديم عرائض إلى مجلس الجهة لمطالبته بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله ، الأمر الذي يكون معه البند الأخير من المادة 121 من هذا القانون التنظيمي مخالفا للدستور.“
هكذا يكون المجلس الدستوري في قراره رقم 15/966، من وجهة نظرنا قد اتسم رأيه فيما يخص عدم دستورية البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي رقم 111.14، بالصواب و السدد، وذلك بالنظر لكون الشرط الذي فرضته هذه المادة في بندها الأخير، يعد شرطا قائما على مبررات غير مقبولة ، حيث أن تنصيصه على وجوب أن ” تكون الجمعية التي تتقدم بعريضة متوفرة على فروع قانونية في كل أقاليم الجهة ” يعتبر أمرا فيه نوع من التقييد أو الحد الغير المعقول من ممارسة حق دستوري مخول للجمعيات في إطار آليات المقاربة التشاركية، وذلك بموجب الفصل 139 من الدستور، و الذي ينص صراحة على أنه “تضع مجالس الجهات و الجماعات الترابية الأخرى آليات تشاركية للحوار و التشاور لتيسير مساهمة المواطنات و المواطنين و الجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها .يمكن للمواطنات و المواطنين و الجمعيات تقديم عرائض ،الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله” .وعليه يكون قرار المجلس الدستوري في هذا الصدد قد منح الضمانات الفعلية لممارسة دستورية رائدة للفاعل الجمعوي ،ممارسة عليها أن تتسم بتوفير أقل القيود عليها ،خاصة في ظل تنصيص الفقرة الثالثة من الفصل 12 من الدستور على أهمية مشاركته الفعالة في تدبير الشأن العام و المحلي منه عن وجه الخصوص، في إطار توافقي تشاركي مع الجماعات الترابية و السلطات العمومية . اذ تنص هذه الفقرة على ما يلي: ” تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، و المنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات و السلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق ضوابط وكيفيات يحددها القانون”. كما يمكن أن نستشف نفس التوجه في المقاربة التشاركية في فحوى مقتضيات الفصل 15 من الدستور و التي تؤكد على انه “للمواطنات و المواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية” ، وهي المقتضيات التي تمكن المواطن كفرد أو كجزء من تنظيم جمعوي أن يمارس حقا من حقوقه الدستورية و المتمثل أساسا في التعبير عن مطالبه من خلال تقديمه للعرائض التي من المفروض أن يكون تقديمها مشروطا بأقل القيود أو أضعف الإيمان وجوب اشتراط شروط موضوعية وعملية ، مقبولة ومعقولة ، غير تعسفية أو متصفة بنوع من الصعوبة أو التعقيد ، مما يوطد بحق أسس الحكامة التشاركية و ويجعلها لبنة من لبنات بناء الصرح الديمقراطي .ان قرار المجلس الدستوري و المتعلق بالتنصيص على عدم دستورية البند الأخير من المادة 121 سيشكل أرضية صلبة للقانون التنظيمي رقم 14-44 و المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم العرائض إلى السلطات العمومية و الذي مازال يراوح مكانه في البرلمان ( بعد أن حظي بمصادقة كل من مجلس الحكومة و مجلس الوزراء) ،حيث أن حيثيات هذا القرار ستمكن السلطة التشريعية من التوسل بالآليات القانونية الكفيلة بجعله قانونا تنظيميا “ملطفا” يتضمن في طياته شروطا شكلية وإجرائية سهلة و مسيرة ،غير مقيدة وغير تعجيزية ،تساعد على ممارسة هذا الحق ممارسة تمكن المواطنين وفعاليات المجتمع المدني من تقديم العرائض بشروط معقولة .وذلك كله في إطار يعبر بشكل جلي عن مختلف مطالب مؤسسات المجتمع المدني على مستوى المخرجات التي أتى بها الحوار الوطني حول المجتمع المدني و الأدوار الدستورية الجديدة المنوطة به و المنتهية أشغاله في مارس 2014 ، ومن شأن كل ذلك الرفع من القدرات التمكينية للفاعل المدني على المستويين الرقابي والتنموي . ففيما يخص المستوى الأول ، يشكل تقديم العريضة وفق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 139 من الدستور فرصة شعبية سانحة للقيام بأدوار رقابية تتجسد أساسا في تعزيز رفع التظلمات وتوطيد تقييم السياسات الجهوية و إحقاق الحقوق والحث على الأداء الحكامتي الجيد . أما فيما يتعلق بالمستوى الثاني ، فان ذلك يتبلور من خلال التأسيس لمنظور تنموي صاعد ، منظور يقوم على مبادئ التشارك و الاندماج و الالتقائية ، خاصة فيما يتعلق بالمساهمة الفعالة -التي يمكن أن تعبر عن جدوائيتها- لهيئات المجتمع المدني على مستوى إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها ، كما هو منصوص على ذلك في الفصل 13 من الدستور ، وكذا ما يمكن أن تفعل دعائمه التنموية مختلف المسارات المقبلة التي سيعمل ورش الجهوية المتقدمة على إخراجها من القوة إلي الفعل. وبذلك تترسخ الأبعاد التنموية التي يمكن أن تضطلع بها الهيئات الجمعوية على مستوى الحكامة في أنماطها المتعددة وتجلياتها المتنوعة وتمكين جميع الجمعيات بدون استثناء- وفي إطار نوع من المساواة -من الاضطلاع بذلك وعدم جعل ذلك حكرا على الجمعيات الكبرى أو ما عرف بالجمعيات الجهوية أو جمعيات الهضاب والسهول. عموما، إن تنصيص المجلس الدستوري في قراره الانف الذكر على ضرورة حذف البند الأخير من المادة 121 من القانون التنظيمي الخاص بالجهات لعدم دستوريته ،من شأنه أن يساهم على تحفيز المشرع في اتخاذ نفس المنحى على مستوى وضع الشروط المقبولة و المعقولة لضمان ممارسة حقيقية للفعل المدني فيما يخص تقديم العرائض ،في إطار يتسم بقوة احترام المقتضيات المتطورة للدستور، خاصة تلك المرتبطة منها بالديمقراطية التشاركية .في هذا الصدد ،يمكن القول بضرورة تجاوز الشرط السابق المتعلق بوجوب أن تكون الجمعية متوفرة على فروع قانونية في كل أقاليم الجهة وأن تعوض بشرط اخر أقل تقييدا وأكثر إتاحة لفرص الفعل المدني الحر و الفعال ،وهو أن ” يكون مقر الجمعية أو أحد فروعها واقعا بتراب الجهة المعنية بموضوع العريضة” . وبذلك تمكن الجمعيات من حق دستوري يخول لها المشاركة الايجابية في رسم معالم السياسات الترابية ،وفق منظور “ملطف” يوسع من قدراتها التدخلية في الفعل التنموي الذي ترنو بلادنا تحقيقه في إطار رغبتها التواقة للحاق بركب الدول الصاعدة، وكذا طموحها العارم في ترسيخ أبعاد جهوية متقدمة تلوح اشراقاتها الايجابية في الأفق القريب.