اندماج شركات المساهمة كآلية للتركيز الاقتصادي
عبد القادر صديقي
طالب باحث بماستر قانون العقود والأعمال
الكلية المتعددة التخصصات – الناظور
مقدمة:
لقد كان لتطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واتساع المجالات الصناعية والعلمية بالغ الأثر للبحث واكتشاف الشكل القانوني الذي يكون بمقدوره استيعاب ومواكبة المشاريع الكبرى والعمل على تحقيق الرهانات المطروحة، والتي تؤهل القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، ولتجاوز البنيات العتيقة، التي لم تستطع مجاراة التحولات الاقتصادية الكبرى، وذلك من حيث القدرة على تجميع رؤوس الأموال الكافية والضرورية لإنجازها[1].
وبذلك فإن التقاطع بين الاقتصادي والقانوني شكل تحولاً هاماً في المفاهيم القانونية، كما أن الحضور الوازن والتأثير الفعال للعامل الاقتصادي في إقرار توازن المجتمعات ألقى بظلاله على مجال الاشتغال القانوني[2].
وهكذا، أدت المتغيرات الاقتصادية التي ظهرت في ظل العولمة إلى قلق الشركات التجارية على مستقبلها الاقتصادي في البقاء، والقدرة على المنافسة، مما حذا بهذه الشركات إلى البحث عن تركيز اقتصادي لمواجهة تلك المتغيرات، حتى أصبح الاقتصاد الحديث يتميز بظاهرة التركيز[3].
ويعتبر الاندماج شكلاً من أشكال التركيز الاقتصادي[4]، وأكثرها شيوعاً، حيث يقوم على فكرة التكامل والتوحد بين الشركات، وقد يتم باعتماد تجميع الشركات. إلا أنه لا يمكن مقاربة عملية الاندماج كظاهرة اقتصادية دون الحديث عن شركة المساهمة ودون التطرق إلى قوانينها التي تحدد طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين مختلف المصالح المرتبطة بها.
ولم يكن الشرع المغربي، قبل صدور قانون شركات المساهمة[5]، ينظم الاندماج إلا جزئياً من خلال الفصول 44 إلى 48 من القانون التجاري الملغى لسنة 1913 التي كانت تؤطر عمليات الاندماج المتعلقة بشركات التضامن وشركات التوصية، بالإضافة إلى إشارة مقتضبة بظهير 11 غشت 1922 المطبق لقانون 26 يوليوز 1867 الفرنسي بالمغرب، وكذا بالفصل 754 من قانون الالتزامات والعقود[6] .
ونتيجة لهذا القصور تدخل المشرع التجاري على مرحلتين من أجل تنظيم عمليات الاندماج؛ في مرحلة أولى تم ذلك بواسطة قانون شركات المساهمة الذي جاء بتنظيم مفصل لعمليتي الاندماج والانفصال تم تضمينه بالباب الثاني من القسم الثامن منه، وذلك بمقتضى المواد من 222 إلى 242 منه، وتم التمييز في إطاره بين الأحكام العامة وخصصت لها المواد من 222 إلى 229، وبين الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وخصصت لها المواد من 230 إلى 240. وفي مرحلة ثانية تم التدخل بواسطة قانون 78.12 المغير والمتمم لقانون شركات المساهمة والذي عمم بعض القواعد المتعلقة بالمراقبة والإعلام الخاصة بالاندماجات التي تتم بين شركات المساهمة، على الاندماجات التي تتم بين أنواع الشركات الأخرى، وذلك من خلال المادة 226 المكررة[7].
وبالرجوع إلى المادة الأولى من قانون 05.96[8] نجدها تحيل على المواد من 222 إلى 229 من قانون 17.95 والمتعلقة بعملية الاندماج.
وتجب الإشارة إلى أن هذه الأخيرة لم تنظم فقط في قانونا الشركات وإنما هناك قوانين أخرى نصت بدورها على عملية الاندماج من أهمها؛ قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[9]، والذي نص في مادته 26 على إمكانية اندماج مؤسستي ائتمان أو هيئتين معتبرتين في حكمها أو أكثر، بالإضافة إلى قانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[10] وغيرهما من القوانين.
ويمر الاندماج بمراحل تبتدئ بمرحلة تمهيدية أو مرحلة المفاوضات التي يتم فيها إزالة كافة العراقيل ومعالجة كافة المشاكل والصعوبات التي قد تواجه العملية، فتحظى هذه المرحلة بالأهمية بما كان، إذ أن آثارها قد تمتد إلى مجموع الأطراف المرتبطة بالشركات محل الاندماج؛ نذكر على وجه الخصوص المساهمين والأجراء، ثم الدائنين والشركات المنافسة لهذه الشركة، بل الأكثر من ذلك قد يمتد آثارها إلى الشركة نفسها والأجهزة المسيرة لها.
لذلك كله يعتبر الاندماج سيفاً ذو حدين، يتطلب ضرورة توجيهه في الاتجاه الصحيح، الذي يحقق حماية أفضل لكافة المصالح التي يمكن أن تتضرر، ومن هذا المنطلق تحدد الإشكالية الأساسية لهذا الموضوع والمتمثلة في؛ مدى نجاعة التأطير القانوني لعملية الاندماج في توفير الحماية القانونية لمختلف المصالح المرتبطة بالشركات موضوع الاندماج؟
يترتب عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات نذكر أهمها في؛ ما هو النظام القانوني لعملية الاندماج؟ وما هي الإجراءات التي تمر منها هذه الأخيرة؟ وهل تمكن المشرع من تحقيق حماية المصالح المهددة بهذه العملية؟
لدراسة هذه الإشكاليات والتساؤلات ارتأينا تناول موضوع اندماج شركات المساهمة كآلية للتركيز الاقتصادي من خلال التوقف عند خصوصيات الاندماج وتتبع المراحل التي تمر منها عملية الاندماج وذلك من خلال الإطار القانوني المنظم لها، لنتناول بعد ذلك آثار هذه العملية على مختلف الأطراف المرتبطة بالشركات محل الاندماج. وكل ذلك من خلال الشكل الآتي؛
الفصل الأول: النظام القانوني لاندماج شركات المساهمة.
الفصل الثاني: آثار الاندماج على المصالح المرتبطة بالشركة.
الفصل الأول: النظام القانوني لاندماج شركات المساهمة
تعتبر عملية الاندماج إحدى تقنيات التركيز الاقتصادي التي عني بها المشرع المغربي، حيث أفرد لها نظاماً قانونياً مهماً، يتضمن مجموعة من القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم إنجاز هذه العملية، وذلك نظراً لتعدد أبعادها وتداخل العوامل المساهمة فيها، إذ يمتزج فيها البعد القانوني بالبعد الاقتصادي والمالي والجبائي وحتى الاجتماعي.
كما أن النظام القانوني المتعلق بالاندماج يتيح التوقف على المراحل التي يمر منها إنجاز العملية، والجهات المتدخلة في تحقيقها، قبل أن تأخذ شكلها النهائي وتترجم إلى عملية اندماج على المستوى الواقعي.
وهكذا فإن دراسة عملية الاندماج تستوجب بداية التطرق لماهية هذه العملية بصورة شمولية (المبحث الأول)، إضافة إلى ضرورة تحديد المراحل التي تمر منها هذه العملية (المبحث الثاني).
إن الطبيعة المعقدة لعملية الاندماج، والتي يتداخل فيها القانوني بالاقتصادي، تستوجب تحديد مفهوم الاندماج (المطلب الأول)، أضف إلى ذلك تحديد نطاق تطبيقها، ثم الخصائص التي تتميز بها هذه التقنية عن غيرها من تقنيات التركيز الاقتصادي (المطلب الثاني).
لإعطاء مفهوم واضح لعملية الاندماج، لا بد من الوقف على تعريفها (الفقرة الأولى)، ثم بيان أنواعها (الفقرة الثانية)، ناهيك عن تمييز الاندماج عن غيره من آليات التركيز الاقتصادي الأخرى (الفقرة الثالثة).
يعتبر الاندماج – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – أحد آليات التركيز الاقتصادي، لمواجهة المتغيرات الاقتصادية التي تفرضها العولمة، ومن خلال الاطلاع على النصوص القانونية المنظمة لعملية الاندماج – وخاصة المادة 222 في فقرتها الأولى[11] – نجد أن المشرع المغربي لم يعرِّف هذه الأخيرة، وذلك على غرار بعض التشريعات المقارنة[12]، والتي اقتصرت على ذكر بعض أحكامها تاركة التعريف للفقه[13].
وقد عرفها بعضهم بكونه العملية التي تجتمع بموجبها شركتين أو أكثر لتكون شركة واحدة، أو التحام شركتين على الأقل كانتا موجودتين سواء بابتلاع إحداهما للأخرى، أو بصفة استثنائية باختلاطهما معاً قصد إنشاء شركة واحدة[14]. وبذلك فإن الاندماج[15]، إن صح التعبير، هو زواج بين الشركات، لكنه زواج من نوع خاص، بحيث يمكن أن يرتب اندثار واختفاء أحد طرفي العقد، أو اختفاء الطرفين معاً من أجل فسح المجال لظهور مولود جديد يلغي وجود أبويه، ويستمر في الوجود القانوني لوحده مستفيداً من التركة التي يخلفها وراءهم الأبوان[16].
الفقرة الثانية: أنواع الاندماج
هناك من البعض[17] من يقسم الاندماج بالنظر إلى ثلاثة زوايا؛ حسب طبيعة الشركة (وتضم كل من الاندماج الأفقي والاندماج الرأسي[18]، بالإضافة إلى الاندماج المتنوع)، ثم حسب السيطرة (تتضمن الاندماج الودي – الإرادي – ثم الاندماج العدائي – الاستحواذ –) زيادة على مدى بقاء أو اختفاء الصفة القانونية[19] للشركة المندمجة (ويميز في إطارها بين اندماج شركة أو أكثر في شركة قائمة، إضافة إلى الاندماج عن طريق تكوين شركة جديدة، ثم الاندماج مع بقاء الصفة القانونية للشركات المندمجة).
ويتضح من خلال الفقرة الأولى من المادة 222 من قانون شركات المساهمة، أن عملية الاندماج تتم باتخاذ إحدى الطريقتين: فإما أن تُتَّخذ عن طريق ضم وابتلاع شركة لشركة أخرى، أو تتم بتأسيس وتكوين شركة جديدة.
أولا: الاندماج عن طريق الضم Fusion par absorption
يطلق على هذا النوع أيضا ما يسمى بالاندماج عن طريق الابتلاع أو الذوبان[20]، ويتم عن طريق حل شركة أو عدد من الشركات لتندمج في شركة أخرى قائمة، بمعنى؛ تزول الشخصية المعنوية عن الشركة أو الشركات المضمومة أو المنحلة لتذوب في شخصية الشركة الضامة التي تبقى قائمة بشخصيتها المعنوية وبذمتها المالية ومقرها الاجتماعي[21].
ويعد هذا النوع من الاندماج الأكثر شيوعاً في الواقع العملي[22]، ويرجع ذلك عادة إلى أن الشركتان المندمجتان لا تكونَا على نفس الأهمية الاقتصادية[23]، كما أنه يعد أقل تكلفة بالمقارنة مع النوع الثاني – الذي سنتطرق إليه لاحقاً -، بالإضافة إلى أن زوال الشخصية المعنوية للشركة المضمومة دون توقف نشاطها يمكنها من المحافظة التامة على زبنائها[24].
ثانياً: الاندماج عن طريق تأسيس شركة جديدة Fusion par création d’une nouvelle. Société
ويطلق على هذا النوع الاندماج عن طريق المزج[25]، وبمقتضاه تنحل أو تنقضي شركتين معاً أو العديد من الشركات لتأسيس أو إنشاء شركة جديدة لم تكن موجودة من قبل، بشخصيتها المعنوية الجديدة وذمتها المالية الجديدة.
وقلَّما يُلجأ إلى هذا النوع من الاندماج، وذلك لأن الشركة الجديدة الناتجة عن الاندماج تبقى بدون شخصية معنوية إلى تاريخ تقييدها في السجل التجاري، أضف إلى ذلك أن العديد من العمليات المهمة لا تستطيع الشركة الجديدة القيام بها في السنوات الأولى لإنشائها[26]، كما هو الشأن بالنسبة لإصدار سندات القرض الذي لا يسمح به إلا بعد مرور سنتين على تأسيس الشركة[27].
وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول أن الاندماج هو عملية قانونية يترتب عنها اتحاد شركتين أو أكثر، إما من خلال ضم شركة لشركة أخرى (كطريق أول)، أو عبر تأسيس وإنشاء شركة جديدة (كطريق ثانٍ)، إلا أن تقنية الاندماج تشترك مع غيرها من تقنيات التركيز الاقتصادي الأخرى في مجموعة من الخصائص، مما يحتم علينا البحث عن نقاط الاختلاف بينهما. وهذا ما سيكون موضوعاً للحديث في النقطة الموالية.
الفقرة الثالثة: تمييز الاندماج عن العمليات المشابهة له
إن الاندماج باعتباره آلية من آليات التركيز الاقتصادي يشترك مع باقي الآليات في مجموعة من الغايات من بينها؛ تحقيق المصلحة الاقتصادية من خلال توسيع المقاولات وبناءها وإعادة هيكلتها ثم توزيع وسائل الإنتاج وتداولها، إلا أنه بالرغم من وحدة الهدف، فإن للاندماج خصوصيات تميزه عن باقي العمليات الأخرى؛ كالانفصال والنقل الجزئي للأصول، وكذا تحويل الشركة ثم المجموعات ذات النفع الاقتصادي.
أولاً: الاندماج والانفصال La Fusion et la Scission
نظم المشرع المغربي الاندماج والانفصال في الباب الثاني من القسم الثامن من قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، حيث يقصد بالانفصال[28]، العملية القانونية التي يتم بموجبها تشطير ذمة شركة تدعى الشركة المنفصلة إلى عدة أشطر، يكون كل واحد منها بمثابة ذمة لشركة موجودة سابقاً أو ستحدث (أي شركة جديدة)[29].
وإذا كان الأستاذ علال فالي عبر عن الاندماج في التعريف أعلاه بكونه زواج بين الشركات، فإن الأستاذ عز الدين بنستي يعتبر الانفصال[30] بمثابة طلاق يضع حدا بين مقاولتين[31].
وتبعاً لذلك، فإذا كان كل من الاندماج والانفصال يؤديان إلى حل الشركة ونقل مجموع ذمتها المالية إلى شركة أو شركات أخرى، فإن الأول – أي الاندماج – يختلف عن الثاني – أي الانفصال – في كون هذا الأخير يمكن أن يتحقق بوجود شركة واحدة تقوم بتجزئة ذمتها المالية إلى قسمين أو أكثر، هذا على عكس الأول الذي لا يتحقق إلا بوجود شركتين على الأقل[32].
وعليه فإن الاندماج يتعلق بالجمع والضم والتركيز وليس بالتقسيم والتجزئة التي يقوم عليها الانفصال، رغم أن النظام القانوني والضرائبي لكل منهما يعد واحداً[33].
ثانياً: الاندماج والنقل الجزئي للأصول La Fusion et Apport partiel d’actif
يقصد بمفهوم النقل الجزئي للأصول؛ التصرف القانوني الذي تقوم بمقتضاه شركة بتقديم حصة تمثل جانباً أو جزءاً من ذمتها المالية إلى شركة أخرى قائمة أو تنشأ خصيصاً لتلقي هذه الحصة[34]، أو بمعنى آخر مساهمة شركة بجزء من أصولها في شركة أخرى، وتستمر كل منهما في ممارسة نشاطها على وجه الاستقلال[35].
ومن خلال هذا التعريف يتبين أن اختلاف الاندماج عن النقل الجزئي للأصول، يظهر في كون الأول يستوجب انقضاء الشركة المندمجة وزوال شخصيتها المعنوية، بالإضافة إلى انتقال كامل ذمتها المالية، أما الثاني فلا يتطلب انقضاء الشركة ولا زوال شخصيتها الاعتبارية[36].
وزيادة على ذلك، فإن الشركة التي تتلقى تلك الأصول هي التي تعود إليها ملكية الأسهم التي تصدرها الشركة المقدمة للأصول، وعلى العكس من ذلك فإن الاندماج يتميز بكون المساهمين في الشركة المندمجة هم من يتلقى مقابل الأسهم وليس الشركة المندمجة التي تزول بعملية الاندماج[37].
وإذا كان النقل الجزئي للأصول يقترب من الانفصال، فإنه لا يمكن اعتباره كذلك، لأن هذا الأخير بمعناه القانوني لا يكون إلا كلياً، كما لا يكون بتقديم حصة نقدية إنما يكون حصص في الشركة المقدم إليها هذه الحصة[38]. وفي الشكل أدناه مثال للنقل الجزئي للأصول.
ثالثاً: الاندماج وتحويل الشركة
تنص الفقرة الأولى من المادة 216 من قانون 17.95 المتعلق شركات المساهمة على أنه “يمكن لكل شركة مساهمة أن تتحول إلى شركة من شكل آخر …”، كما أقرت المادة 7 من نفس القانون كما تم تغييره وتتميمه بقانون 78.12 الصادر سنة 2015 على أنه؛ “لا يترتب عن التحويل من شركة مساهمة إلى شركة ذات شكل آخر، أو العكس إنشاء شخص اعتباري جديد …”.
ومن خلال المادتين أعلاه يتضح جلياً مدى الاختلاف بين الاندماج وتحويل الشركة، فإذا كان هذا الأخير قد يقوم بشركة واحدة فإن الاندماج على خلاف ذلك، إذ يحتاج لقيامه إلى وجود شركتين على الأقل. ناهيك على أنه يؤدي إلى حل الشركة المندمجة، على عكس التحويل الذي لا يؤدي – بصريح نص المادة 7 – إلى حل الشركة ونقل ذمتها المالية[39].
رابعاً: الاندماج والمجموعات ذات النفع الاقتصادي La Fusion et les Groupement d’Intérêt Economique
تشكل المجموعات ذات النفع الاقتصادي[40] أحد صور التجمع الحديثة[41]، حيث تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة لمقاولات متمتعة بالشخصية المعنوية، مدنية كانت أو تجارية، بجهود وإمكانيات كبيرة، وتكاليف قليلة دون نية تحقيق الأرباح، وذلك سعيا للمنافسة واختراق أسواق جديدة والسرعة والمبادرة والإنجاز بجهد مشترك في ميادين مختلفة من النشاط المدني أو التجاري، كالبحث والدراسات، والاستيراد والتصدير، وتطوير التكنولوجيا وتقنية المعلوميات، والبحث عن الأسواق والصفقات، وغيرها من الأنشطة[42].
ويبرز الفرق الحاصل بين الاندماج والمجموعة ذات النفع الاقتصادي، في كون هذه الأخيرة لا يجوز أن تتأسس إلا بين الأشخاص المعنويين سواء كانوا يمارسون نشاطاً مدنياً، كالشركات المدنية، وأنشطة تجارية، كالشركات التجارية، وسواء كانوا يمارسون نشاطهم في القطاع الخاص أو القطاع العام كالمؤسسات العمومية أو شبه العمومية وسواء كان الشخص المعنوي شركة أم جمعية أم تعاضدية[43]. أما بالنسبة لعملية الاندماج فلا تتحقق إلا بين الشركات – بدليل المادة 222 من قانون 17.95 – ولا يمكن أن يكون أحد الأطراف الداخلة في عملية الاندماج جمعية مثلا، حتى ولو اكتسبت الشخصية المعنوية[44].
ومن خلال المادة 3/1 من قانون 13.97 المتعلق بالمجموعات ذات النفع الاقتصادي، فإن هذه الأخيرة يمكن تكوينها بدون رأسمال، كما أن هدفها لا يتمثل في تحقيق الأرباح طبقا لما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من نفس القانون. وذلك على خلاف الاندماج الذي يتميز بالنقل الشامل للذمة المالية للشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة، مما يقتضي توفر رأس المال، كما أن الهدف الذي تتوخاه الشركات الداخلة في عملية الاندماج هو تحقيق الربح ومواجهة المتغيرات الاقتصادية.
المطلب الثاني: خصائص الاندماج ونطاق تطبيقه
بعد تمييز الاندماج عن غيره من تقنيات التركيز الاقتصادي يتضح أنه يتميز بمجموعة من الخصائص (الفقرة الأولى)، كما أن تحديد ماهية الاندماج تبقى ناقصة دون التطرق لنطاق تطبيقه (الفقرة الثانية).
يتميز الاندماج عن غيره من آليات التركيز الاقتصادي بمجموعة من الخصائص من بينها؛ حل الشركة المندمجة دون تصفيتها (أولاً)، والذي ينتج عنه تبعاً لذلك انتقال الذمة المالية لهذه الشركة بأصولها وخصومها إلى الشركة الدامجة (ثانياً)، وبالتالي تحويل حقوق الشركاء والمساهمين إلى هذه الأخيرة، أو ما يعرف بتبادل حقوق الشركاء (ثالثاً).
أولاً: حل الشركة المندمجة دون تصفيتها
تنص المادة 224 من قانون 17.95 على أنه “يترتب عن الإدماج حل الشركة التي تنتهي دون تصفيتها …”، هكذا فإن أول خاصية تتميز بها عملية الاندماج هي حل الشركة المندمجة دون تصفيتها[45].
وفي هذا الصدد لابد من التمييز بين الاندماج عن طريق الضم والاندماج عن طريق المزج؛ ففي الحالة الأولى يتم حل الشركة المندمجة والزيادة في رأسمال الشركة الدامجة، أما بالنسبة للحالة الثانية فإنه يفترض عدم بقاء كلا الشركتين المندمجتين اللتين يتم حلهما معاً من أجل تأسيس شركة جديدة بدلهما[46].
ويتبين من هذه القاعدة أن حل الشركة المضمومة لا يؤدي، خروجا عن القواعد العامة[47]، إلى التصفية وتوزيع الناتج بين الشركاء أو المساهمين، فالذمة المالية تنتقل بكاملها إلى الشركة أو الشركات المستفيدة مقابل قيم منقولة أو سندات تصدرها هذه الأخيرة في شكل أنصبة أو أسهم، لتوزع على مساهمي الشركة الضامة أو المستفيدة[48]. وبالتالي لا مجال لإعمال قاعدة استمرارية الشخصية المعنوية[49].
ثانياً: الانتقال الشامل للذمة المالية
يترتب على عملية الاندماج انتقال جميع موجودات الشركة المندمجة بأصولها – الأموال والحقوق – وخصومها – الديون والالتزامات – إلى الشركة الدامجة، أي أن هذه الأخيرة تخلف الشركة الأولى في كافة حقوقها والتزاماتها. وقد نصت على ذلك المادة 224 والتي تقضي بأنه “يترتب عن الإدماج… وانتقال ذمتها المالية – أي الشركة المندمجة – للشركة المستفيدة في الحالة التي تكون عليها ذمتها المالية وقت الإنجاز النهائي للعملية…”.
ولابد من الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد أحاط انتقال الملكية بالنسبة لبعض الأموال بشكليات صارمة، لا يصمد أمامها مبدأ الانتقال الشامل للذمة المالية، الشيء الذي يحتم مراعاتها أثناء عملية الاندماج[50]. وسواء كانت هذه الأموال منقولات؛ كالأصل التجاري، السفن، أو عقارات، إذ يستوجب ضرورة التقييد في السجل الخاص بهذه الأموال.
ثالثاً: تبادل حقوق الشركاء أو المساهمين
يترتب عن عملية الاندماج اكتساب الشركاء في الشركة المنتهية لصفة شركاء في الشركات المستفيدة وذلك وفق الشروط المحددة في عقد الاندماج[51].
وتبعاً لذلك، يقتضي أن يمنح الشركاء في الشركة المندمجة عدداً من أسهم أو أنصبة الشركة الدامجة كمقابل منطقي وعادل عن حصصهم[52]. وبذلك يتمتعون بكافة حقوق الشركاء في الشركة الدامجة كالحق في الأرباح، والحق في اقتسام موجودات الشركة بعد التصفية، والحق في تفويت الأنصبة وتداول الأسهم وكذا الرهن والحجز، والحق في الإعلام وحضور الجمعيات العمومية وحق التصويت[53].
إلا أن عملية تبادل الأسهم لا تتم على صعيد الواقع العملي ببساطة، إذ قد تختلف قيمة الأسهم بين الشركة المندمجة والدامجة مما يحتم إجراء تحديد لنسبة تبادلها[54].
الفقرة الثانية: نطاق تطبيق الاندماج
إن الحديث عن نطاق الاندماج يطرح مجموعة من الإشكاليات؛ تتجلى أساساً في مدى إمكانية اندماج المقاولات الفردية (الأصول التجارية مثلاً)، علماً أن النسيج الاقتصادي بالمغرب يقوم على هذه الأخيرة، ثم هل يمكن لجميع الشركات القيام بعملية الاندماج، بمعنى؛ هل يمكن لشركتين مختلفتي الشكل أن تندمجا مع بعضهما، أم أن هناك حجوزات تمنع عليهما القيام بذلك (أولاً)، وفي الأخير يمكن التساؤل حول مدى إمكانية الشركة التي تخضع للتسوية أو التصفية القضائية أن تدخل غمار عملية الاندماج، بعبارة أخرى؛ هل يمكن للشركة التي تتخللها صعوبات القيام بعملية الاندماج (ثانياً).
أولاً: نطاق الاندماج من حيث نوع المقاولة
في هذا الإطار سيتم الحديث عن مدى إمكانية اندماج المقاولات الفردية (أ) ثم مدى إمكانية الاندماج بين شركات من أشكال مختلفة (ب).
يتميز الاندماج بكونه يؤدي إلى حل الشركة المندمجة، ثم انتقال ذمتها المالية كاملة إلى الشركة الدامجة، وهذان العنصران مرتبطين أساساً بالشخصية المعنوية للمقاولة.
ورغم كون المقاولة الفردية تشكل وحدة اقتصادية قادرة على تجميع الأموال وخلق فرص الشغل، إلا أنه ومهما بلغ حجمها الاقتصادي لا يمكن لها أن تكون طرفاً في عملية الاندماج، وذلك لكونها لا تتمتع بالشخصية المعنوية[55]. الأكثر من ذلك أن هناك شركات لا يمكنها الاندماج وذلك لعدم توفها على شخصية معنوية كشركة المحاصة والشركات الواقعية.
يتضح من المادة 223 من قانون شركات المساهمة، على أنه يمكن أن تنجز عملية الاندماج بين شركات من نفس الشكل أو من أشكال مختلفة[56]، إذ ليس هناك ما يمنع من اندماج شركات متباينة الأشكال القانونية[57]، وإن كان هذا من شأنه أن يطرح أكثر من إشكال، خاصة بالنسبة لمدى مسؤولية الشركاء بعد الضم أو الابتلاع أو بعد تأسيس شركة جديدة تتبنى شكلاً قانونياً مغايراً[58]. كما هو الشأن في حالة الاندماج بين شركة تضامن وشركة مساهمة، فلو تم اعتبار شركة التضامن هي الشركة الدامجة، فإن هذا سيؤدي إلى تغيير صفة الشركاء في الشركة المندمجة، من شركاء ذوي مسؤولية محدودة إلى شركاء متضامنين، الأمر الذي يتعين معه أخذ موافقتهم بالإجماع، نظراً لتغيير نوع مسؤوليتهم وتحولها من المسؤولية المحدودة إلى المسؤولية الشخصية التضامنية عن التزامات الشركة الدامجة، هذا فضلاً عن اكتسابهم لصفة تاجر[59].
ويذهب جانب من الفقه[60] إلى القول بأن الاختلاف العميق القائم بين شركات الأشخاص وشركات الأموال يجعل وقوع الاندماج بين شركتين إحداهما من الصنف الأول والأخرى من الصنف الثاني إمكانية صعبة، ولتحقيق ذلك لا بد أن يسبق ذلك توحيد شكلي الشركتين، بتغيير الشكل القانوني لإحداهما والباسها شكل الشركة الأخرى، حتى يكونا معاً من صنف واحد لكي يحقق الاندماج أهدافه.
إلا أن هذا الرأي يمكن انتقاده، وذلك على أساس أن المشرع جاء بصريح عبارة الفقرة الأولى من المادة 223 من قانون 17.95، وخول إمكانية الاندماج بين شركات مختلفة الشكل آخذاً بعين الاعتبار أن هناك شركات أشخاص وشركات أموال.
بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، بقوله أن شركة المسؤولية المحدودة ذات الشريك الوحيد أن تشارك في عملية الاندماج، كشركة ضامة أو مضمومة[61].
كما يجوز كذلك لشركة المساهمة المبسطة[62] أن تكون موضوعاً لعملية الاندماج[63]، فتطبق عليها أحكام اندماج شركات المساهمة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأحكام والقواعد الخاصة بها[64].
ثانياً: نطاق الاندماج من حيث وضعية المقاولة
يمكن أن تتعرض الشركات التجارية خلال ممارسة نشاطها لصعوبات مالية قد تؤدي إلى تصفيتها، مما يستوجب البحث عن علاج لها للخلاص من وضعيتها المتعثرة، فهل يمكن اعتبار الاندماج سبيلاً لإنقاذ هذه الشركات من الانهيار والتصفية؟
تنص الفقرة الثانية من المادة 222 من قانون 17.95 على أنه “للشركات التي توجد في طور التصفية أن تقوم بهذه العمليات (المنصوص عليها في الفقرة الأولى ومن بينها الاندماج) شريطة ألا يكون قد تم الشروع في توزيع أصولها بين الشركاء”.
من خلال هذا النص يتضح أن المشرع أقر صراحة إمكانية اندماج الشركات التي تتخللها صعوبات، أدت بها إلى الدخول في غمار التصفية. سواء كانت هذه الأخير حِبّية أو قضائية[65]. وقد اشترط المشرع لقيام هذا النوع من الشركات بعملية الاندماج، عدم شروعها في توزيع أصولها على الشركاء، وتكمن فلسفة المشرع في ذلك؛ في أن هذا التوزيع يمكن أن يؤثر على ذمة الشركة وعلى حقوق الشركاء فيها، كما أن انتهاء عمليات التوزيع يؤثر على انتهاء عمليات التصفية، وبالتالي اندثار الشخصية الاعتبارية للشركة[66]، التي تعد قطب الرحى الذي تدور عليه عملية الاندماج.
وغني عن البيان، أن الشركة التي تَقرَّر تصفيتها لسبب من أسباب البطلان[67]، لا يمكنها أن تستفيد من عملية الاندماج، لأن الشركة الباطلة بطلاناً مطلقاً لم تقم أصلاً[68]، فهي والعدم سواء.
بالإطلاع على أحكام الاندماج المنظمة في قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، يبرز أن المشرع لم ينص صراحة على إمكانية اندماج الشركات الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية[69]، كعلاج لتجاوز الأمراض المزمنة التي تتخبط فيها هذه الشركات.
وبتعبير آخر، فإن المشرع نص على أن العلاج الذي ستخضع له هذه الشركات المتأزمة يكمن في وضع مخطط – كما هو منصوص عليه في مدونة التجارة –، سواء أكان مخططاً للاستمرارية أو مخططاً للتفويت، يرتكز أساساً – هذا الأخير – على إدماجها بشركة أخرى قائمة من الناحية القانونية[70].
وعليه، فإذا كان المشرع يسمح باللجوء للاندماج عند دخول الشركة مرحلة التصفية، فإنه من باب أولى يكون مسموحاً باللجوء إليه أثناء خضوع الشركة لمساطر التسوية القضائية، وبالتالي فمتى قررت هذه الشركة الاندماج مع شركة أخرى سواء من أجل ابتلاعها من طرف هذه الأخيرة، أو من أجل الاتحاد معها لإنشاء شركة جديدة، فإنه يتعين في الحالتين معاً، إما على الشركة الدامجة أو على الشركة الجديدة، تنفيذ مقتضيات المخطط[71]. ووجب التنصيص على هذا الالتزام في عقد الاندماج، وأن تتم كذلك الموافقة على هذا الانتقال في تنفيذ مضمون المخطط من طرف المحكمة التجارية المختصة التي حصرت هذا المخطط[72].
وحسب مقتضيات المادة 634 من قانون 73.17 (المقابلة للمادة 602 من مدونة التجارة قبل التعديل)، فإنه إذا لم تنفذ الشركة التزاماتها المحددة في المخطط، أو بالأحرى الشركة الدامجة المكلفة بهذه الالتزامات، بمقتضى عملية الاندماج، يمكن للمحكمة أن تقضي بفسخ المخطط وتقرر التصفية القضائية للشركة. وهذا طبعاً، إذا لم تعد فرصة التسوية قائمة، اعتمادا على مخطط آخر بمنآى عن عملية الاندماج[73]. ويترتب عن فسخ المخطط والنطق بالتصفية القضائية، أن يكون للدائنين الخاضعين للمخطط حق التصريح بكامل ديونهم وضماناتهم بعد خصم المبالغ التي تم استيفاؤها[74]، كما يصرح الدائنون الذين نشأ حقهم بعد الحكم بفتح مخطط الاستمرارية بما لهم من ديون على المقاولة.
أما فيما يتعلق بمخطط التفويت، فإنه طبقاً لأحكام المادة 635 من قانون 73.17 (المقابلة للمادة 603 قبل تعديل المدونة)، يهدف إلى الإبقاء على النشاط الذي من شأنه أن يستغل بشكل مستقل والمحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل وإبراء ذمة المقاولة من الخصوم، وهذا ما يتماشى والخصائص المميزة لعملية الاندماج، وبذلك فالشركة الخاضعة لمخطط التفويت يمكنها أن تندمج[75] بشرط مراعاة أحكام المادة 636 من قانون 73.17 (المقابلة للمادة 604 من مدونة التجارة قبل التعديل) التي تستوجب ضرورة أن تقوم الشركة الدامجة بعرض الاندماج على السنديك بضم المقاولة المفوَّتة مع موافقة هذا الأخير[76].
وما يجب التنبيه إليه، هو إذا كان التفويت يمكن أن يكون جزئياً[77]، فإنه يتعارض مع عملية الاندماج التي تتميز بالانتقال الشامل للذمة المالية، وعليه فالتفويت الذي يكون مشمولاً بالاندماج هو التفويت الكلي[78] الذي يتطابق مع خصائص الاندماج.
مجمل القول، إن نطاق ومجال عملية الاندماج جد واسع؛ إذ يمكن اندماج الشركات رغم اختلاف أشكالها شريطة أن تتمتع بالشخصية المعنوية، كما أن اندماج الشركات الخاضعة لمساطر المعالجة[79] يبقى ممكناً، سواء كانت في مرحلة التسوية (أكان مخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت الكلي)، أو كانت في مرحلة التصفية القضائية شريطة عدم الشروع في توزيع أصولها، وإلا فلا مجال لتطبيق عملية الاندماج
المبحث الثاني: مراحل تحقيق عملية الاندماج
إذا كان الاندماج يعتبر بمثابة زواج بين شركتين – كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقاً – فإن ذلك يتطلب خطوبة تسبق الزواج[80]، عبر إجراء مفاوضات ومباحثات بين الشركات الراغبة في الاندماج. والقيام بالعديد من الإجراءات التحضيرية والتمهيدية والدراسات الاقتصادية والمحاسبية والتقنية الدقيقة والمعقدة، للوضعيات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والجبائية للشركات المعنية[81].
وتظهر أهمية المرحلة التمهيدية فيما تتضمنه من حلول لكثير من الإشكالات، التي يتوقف عليها إلى حد كبير نجاح عملية الاندماج أو فشلها. وقد جرى العمل على إفراغ المسائل محل الاتفاق في شكل وثيقة تسمى بروتوكول الاندماج[82] (المطلب الأول). والتي تخضع للعديد من وسائل الشهر قبل أن تتوج بقرار من الجمعية العامة للشركاء في جميع هذه الشركات، بالموافقة على مشروع الاندماج[83].
وبعد توقيع هذا المشروع ونشره، يمكن للشركات المرور إلى تحقيق عملية الاندماج من خلال القيام ببعض الإجراءات (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المرحلة التمهيدية للاندماج
تتطلب عملية الاندماج القيام بالعديد من جولات المفاوضات والتحضيرات الأولية والتمهيدية، التي تتم مباشرة بين مسؤولي الشركات المعنية أو بين المؤسسات المختصة التي تنوب عنها في هذا الإطار. وذلك من أجل تقريب وجهات النظر والاتفاق من حيث المبدأ على العملية وعلى أهميتها والموافقة على إجرائها[84].
وبذلك تتميز هذه المرحلة باعتبارها الحجر الأساس لعملية الاندماج بمجموعة من الخصائص والمزايا (الفقرة الأولى)، كما أن الدراسات والجوانب المحاسبية والتقنية التي يقوم بها المفاوضين عند تقييم الشركات الداخلة في الاندماج، لها قدر كبير من الأهمية في مدى نجاح أو فشل هذه العملية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مميزات مرحلة المفاوضات
تتميز مفاوضات الاندماج بمجموعة من الخصائص تتجلى أهمها في:
بالرغم من أهمية المرحلة التمهيدية للاندماج، إلا أن المشرع لم يقم بتنظيمها، وإنما تركها لحرية الأفراد، خلافاً لمشروع الاندماج المنظم قانوناً[85].
وفي حقيقة الأمر أن عدم تدخل المشرع في هذه المرحلة الحاسمة له إيجابياته وسلبياته؛
يتمثل الجانب الإيجابي لهذا الفراغ التشريعي في كون عمليات التفاوض تختلف باختلاف أنواع وأحجام الشركات الراغبة في الاندماج ذاتها، كما أن كل حالة من حالات الاندماج لا تشبه مثيلاتها، لذلك يبقى المجال مفتوحاً في وجه المفاوضين لطرح كافة المشاكل والعقبات التي قد تعترض عملية الاندماج ومحاولة اقتراح حلول تتلاءم مع مصالح الأطراف وتطلعاتهم[86].
إلا أن الجانب السلبي لانعدام الإطار القانوني لهذه المرحلة يطرح العديد من الإشكالات، خاصة فيما يتعلق بجزاء إخلال المفاوضين بالتزاماتهم، ومدى قيام المسؤولية عن عدم إتمام هذه المفاوضات وإمكانية التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية والمصاريف والتكاليف المترتبة عن ذلك؟
كجواب عن هذه الإشكالات، ذهب بعض الفقه إلى أنه بالرغم من انعدام تأطير تشريعي لهذه المرحلة، فذلك لا يمنع من تقرير مسؤولية[87] الطرف الذي كان السبب في وقف المفاوضات، خاصة في الحالة التي تكون فيها هذه الأخيرة قد قطعت أشواطاً طويلة ووصلت لعلم المتعاملين مع الأطراف[88]. وفي هذا الإطار صرحت محكمة النقض الفرنسية في قرار[89] لها بأن “… وقف مفاوضات الإدماج بعد أن قطعت أشواطاً مهمة دون مبرر مشروع، فجائياً، وبإرادة منفردة يتعارض مع مبدأ التعاقد بحسن نية المفترض في العلاقات التجارية”.
تتميز هذه المرحلة على العموم بالسرية المطلقة، على اعتبار أن كل خرق لهذه السرية من قِبل أحد الأطراف المشاركة في المفاوضات والاجتماعات الأولية، سواء تم ذلك بحسن أو بسوء نية، من شأنه أن يرتب آثاراً سلبية على تقدم المفاوضات والتحضيرات على نجاحها[90]، إذ قد يؤدي انتشار أخبار الاندماج إلى قلق المساهمين ومؤسسات الائتمان، بل قد يحدث في كثير من الأحيان نزاعات عمالية داخل الشركة لعلمهم بعملية الاندماج[91].لكل هذه العوامل تقتضي ضرورة أن تتسم عملية المفاوضات بالسرية الكاملة.
تتجسد أهمية الإعلام في تحقيق صورة متكاملة وشفافة عن الشركات الراغبة في الاندماج، وتعميق معرفة الشركتين ببعضهما، إذ يقوم المتفاوضين بتبادل جميع المعلومات التي تمكن الأطراف – أي الشركات – الراغبة في الاندماج، من تكوين فكرة واضحة ومعرفة دقيقة عن الطرف المفاوض، ومن بين هذه المعلومات نجد البيانات المضمنة في السجل التجاري والحساب الختامي للشركات[92].
أما بالنسبة للتعيين فإنه يتم تعيين مدقق للحسابات من الأغيار، بحيث لا تكون له علاقة بأحد الشركات الراغبة في الاندماج لضمان حياده، يسند له دور تقييم هذه الشركات، وتحديد نسبة تبادل عادلة للأسهم كما سيتم التطرق إليه لاحقاً[93].
الفقرة الثانية: الصعوبات المحاسبية المتعلقة بتقييم الشركات موضوع الاندماج
إن تحديد أسس ومناهج تقييم الشركات يعتبر من أصعب الأمور في عملية الاندماج، حيث يجب تحديد وزن كل شركة مما يتطلب تقييمها جيداً حتى يتم التوصل إلى قيمة تعبر فعلاً عن الحقيقة الاقتصادية للشركة[94]، وكذا يجب اختيار أفضل طرق التقييم المناسبة لظروف كل شركة على حدة وطبيعة الأصول والخصوم المنتقلة من الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة[95].
وعلى أساس ذلك فقد عمل الفقه ومع رجال الاقتصاد على وضع وسائل وأسس لتقييم الشركات من أجل تذليل الصعوبات التي تعترض التقييم (أولاً)، كما أن الهدف الأساسي من القيام بهذا الأخير هو الوصول إلى نسبة تبادل عادلة للأسهم (ثانياً)، ومن المشاكل المحاسبية التي قد تعترض عملية التقييم والتي من شأنها أن تفضي إلى إفشال عملية الاندماج تتمثل أساساً في الاختلاف والتباين بين القيمة الاسمية للأسهم وقيمتها الحقيقية (ثالثاً)، بالإضافة إلى وجود مساهمات تملكها كل شركة موضوع الاندماج في الشركة الأخرى (رابعاً).
أولاً: أسس تقييم الشركات الراغبة في الاندماج.
لم يحدد المشرع المغربي الطرق والإجراءات اللازمة للقيام بعملية التقييم، وإنما تطلب فقط أن يتضمن التقرير الذي يعده مجلس الإدارة ومجلس الإدارة الجماعية الإشارة إلى طرق التقييم المعتمدة التي يجب أن تكون مطابقة بالنسبة للشركات المعنية، وكذا التطرق إلى الصعوبات الخاصة بالتقييم[96].
إلا أنه وحسب المذكرة التفسيرية المتعلقة بقانون الضريبة على الشركات، فقد استلزمت أن يكون تقييم الشركات الراغبة في الاندماج شمولياً، بحيث يشترط في عملية التقييم ألا ترِد على كل عنصر من عناصر أصول الشركة بصورة منفردة، بل لا بد أن يشمل التقييم الشركة بمجموع أصولها وخصومها ككل[97].
وقد عمل بعض الفقه على تحديد ووضع أسس للتقييم بشكل يجعله يؤدي إلى نتائج عادلة وحقيقية، كما هو الشأن بالنسبة للأستاذ Michell الذي اقترح تقييم الشركة بناء على القيمة المحاسبية وقيمة الرسملة، أما الأستاذ Retail فقد أضاف إليها القيمة الناتجة عن التصفية والقيمة السوقية بالبورصة[98]. ومن جهة أخرى فقد عملت المذكرة التفسيرية المشار إليها أعلاه على تحديد الأسس المعتمدة في تقييم الشركات. والتي تتجلى فيما يلي:
- القيمة المحاسبية الصافية: ويقصد بها طبقاً للفقرة التاسعة من المادة 14 من قانون 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها[99]، إما قيمتها في تاريخ دخولها للمنشأة، أو قيمتها صافية من الاستهلاكات إذا كانت قيمتها الحالية تفوقها أو تساويها وإما قيمتها الحالية إذا كانت هذه القيمة تقل عن قيمة دخولها للمنشأة أو قيمتها صافية من الاستهلاكات.
- القيمة الناتجة عن التصفية: وتتحدد بقيمة موجودات الشركة بعد خصم كافة المصاريف والتكاليف والضرائب.
- القيمة الإيرادية: ويتم احتسابها بالنظر لما تذره الأسهم أو الأنصبة من عوائد وأرباح.
- القيمة بالبورصة: وتحتسب بالنظر إلى متوسط أسعار الأسهم ببورصة القيم خلال فترة معينة، وفي الحالة التي لا تكون أسهم الشركة المعنية مسعرة ببورصة القيم، فيمكن الاعتداد في هذا الشأن بالشركات المماثلة لها من حيث الحجم والنشاط التي تكون أسهمها مسعرة بالبورصة.
وفي غالب الأحيان، وأثناء عملية التقييم لا يتم الاكتفاء باعتماد قيمة واحدة، بل يتم الجمع بين العديد من أنواع القيم للحصول على قيمة “نموذجية”، وذلك بغية التوصل إلى تقييم عادل وحقيقي للشركة ضماناً لحقوق الشركاء أو المساهمين[100].
ويمكن حساب القيمة النموذجية من خلال الشكل الآتي[101]:
وبعد تحديد معايير وأسس تقييم الشركات الراغبة في الاندماج، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار؛ هل يمكن للمساهمين المنازعة في عملية التقييم؟ وبالتالي هل يمكن للقاضي مراقبة مدى ملاءمة تطبيق معايير التقييم؟
إذا كانت عملية التقييم تتم في المرحلة التمهيدية للاندماج وهي مرحلة تتم فيها المفاوضات بنوع من السرية، فإن معايير التقييم وعملية التقييم ذاتها لا يتم الوقوف عليها من طرف المساهمين إلا بعد إعلامهم بمشروع الاندماج أو لربما بعد دعوتهم لانعقاد الجمعية العامة غير العادية للتداول والمصادقة عليه، لذلك فإن من حق المساهمين اللجوء إلى القضاء للمنازعة في شأن عملية التقييم إذا بدا لهم أنها معيبة. وقد صدر في هذا الإطار الأمر الاستعجالي الصادر عن قاضي المستعجلات بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء والذي جاء فيه أن “… التقرير المذكور ليست له قوة إلزامية وقابل للنقاش والمنازعة فيه ولا يمكن أن يقدم كأساس لتحديد قيمة الأسهم المتبادلة، … – فقضى ب – تأجيل الجمع العام الاستثنائي…”[102].
ولضمان نجاح عملية التقييم هاته، لا بد أن تتمخض عن تحديد نسبة تبادل عادلة بين أسهم أو أنصبة الشركة الدامجة وتلك الخاصة بالشركة المندمجة.
ثانياً: تحديد نسبة تبادل الأسهم أو الحصص
تقتضي عملية الاندماج أن يكتسب شركاء الشركة المندمجة صفة شركاء في الشركة الدامجة، وذلك طبقاً لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 224 من قانون 17.95 حيث جاء فيها: ” يترتب عن العملية اكتساب الشركاء في الشركات المنتهية أو المنفصلة لصفة شركاء في الشركة المستفيدة وذلك وفق الشروط المحددة في عقد الإدماج أو الانفصال”. وهذا ما يستلزم تعويض الشركاء أو المساهمون في الشركة المضمومة عن حقوقهم، وحصولهم مقابل ذلك على أسهم في الشركة الضامة للحفاظ على صفتهم كمساهمين أو شركاء بعد الاندماج.
واحتمالاً للاختلاف الذي قد تعرفه قيمة كل من الشركتين المندمجتين، لا بد من إيجاد أساس حسابي، تتم بمقتضاه عملية مبادلة حقوق الشركاء في كل من الشركتين، وهذا الأساس هو ما يسمى بنسبة التبادل[103].
ويقصد بنسبة التبادل النسبة أو القسط الذي على أساسه يتحدد عدد الأسهم أو الأنصبة، التي تمنحها الشركة الدامجة أو المستفيدة لشركاء أو مساهمي الشركة المندمجة[104]، وبتعبير آخر “مقدار ما يساويه سهم الشركة المندمجة بالنسبة لسهم الشركة الدامجة”[105].
ويتم تحديد نسبة تبادل الأسهم عبر مرحلتين؛ الأولى يتم فيها تحديد قيمة أسهم كل شركة من الشركتين المندمجتين عبر قسمة القيمة الإجمالية للشركة على عدد الأسهم المكونة لها، أما المرحلة الثانية فتتم فيها المقارنة بين قيمة أسهم الشركة المندمجة وأسهم الشركة الدامجة، وبهذه المقارنة تتضح نسبة التبادل[106].
ولتوضيح الصورة أكثر نورد المثال التالي؛ لنفترض أن شركة (أ) قدرت قيمة السهم الواحد بها بقيمة 150 درهم، فوقع ضمها من طرف شركة أخرى (ب) قدرت قيمة السهم الواحد بها بقيمة 300 درهم، فبمقارنة قيمة سهم الشركة الدامجة (ب) بقيمة سهم الشركة المندمجة (أ)، يتبين أن نسبة التبادل تكون كما يلي: وبالتالي فمن الواضح أن كل سهمين من أسهم الشركة المندمجة (أ) سيقع استبداله بسهم واحد من أسهم الشركة الدامجة (ب).
وإذا كان حاصل العلاقة بين القيمة الحقيقية لكل من سهم الشركة الدامجة وسهم الشركة المندمجة يعتبر عدداً صحيحاً يخلو من الكسور، فإن عملية المقارنة قد لا تكون بهذه السهولة والبساطة، فقد يكون الفرق بين قيمة أسهم كل من الشركتين شاسعاً جداً ويتضمن بعض الكسور، مما تنتج عنه صعوبة في تحديد نسبة التبادل[107]، هذا بالإضافة إلى الاصطدام بمبدأ عدم قابلية السهم للتجزئة[108].
ولحل هذه الصعوبة اقترح بعض الفقه احتساب نسبة التبادل اعتماداً على قاعدة المضاعف المشترك الأصغر[109]، أي اختيار أقرب وأنسب عدد من قيمة أسهم الشركة المندمجة، للتوصل إلى نسبة تبادل خالية من الكسور[110].
ولتقريب الصورة يسوق الأستاذ Retail مثالاً تطبيقياً لتوضيح هذه الحالة[111]:
لنفترض أن القيمة الحقيقية لسهم الشركة الدامجة هي 1150 فرنكاً، وقيمة سهم الشركة المندمجة هي 700 فرنك. تكون نسبة التبادل هي بمعنى أن السهم الواحد في الشركة الدامجة يتم استبداله ب 1,64 سهم من أسهم الشركة المندمجة.
عدد أسهم الشركة الدامجة | مقابل السهم في الشركة المندمجة | النتيجة بعد تقريب كسور الأسهم |
1
2 3 4 |
1,64
3,28 4,92 6,65 |
2
3 5 7 |
ومن أجل إعطائه أقرب وأنسب عدد ممكن، يتم تقريبه إلى عدد صحيح من أسهم الشركة الدامجة، ويمثل لذلك بالجدول التالي:
يتضح من الجدول أعلاه أن أقرب عدد نسبي (4,92) إلى العدد الصحيح المقابل له هو العدد 5، بحيث أن الفرق بينهما يسير يتحدد فقط في .وعلى هذا الأساس تصير نسبة تبادل الأسهم هي 5 أسهم للشركة المندمجة مقابل 3 أسهم للشركة الدامجة.
غير أن هذا الحل[112] الذي تم اقترحه الأستاذ Retail هو مجرد حل رياضي من شأنه أن يخفض من تعقيد احتساب نسبة التبادل ليس إلا. ولذلك يبقى على كل مساهم إما شراء عدد الأسهم اللازمة للحصول على عدد تام أو أن يبيع الأسهم التي بقيت دون تعويض[113]،[114].
وتجب الإشارة إلى أن المشرع المغربي اعتمد هذا الحل في إطار تنظيمه لاندماجات شركات الاستثمار ذات رأسمال المتغير[115].
ثالثاً: التباين بين القيمة الحقيقية والقيمة الاسمية للأسهم:
من الصعوبات التي تطرح على صعيد العمل الواقعي، بعض الحالات التي تتباين فيها القيمة الحقيقية والقيمة الاسمية للأسهم؛ فإما أن الأولى أعلى من الثانية أو العكس.
إن انتقال حقوق المساهمين في الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة واكتسابهم لصفتهم تلك في هذه الأخيرة من شأنه أن يلحق ضرراً على المساهمين أو الشركاء في هذه الشركة، وذلك في حالة عدم الأخذ بعين الاعتبار القيمة الحقيقة لأسهمها عند تفعيل عملية الاندماج. فيعطي لمساهمي الشركة المندمجة نفس الحقوق المقررة لشركاء الشركة الدامجة، إذ أن مركز الشريك الجديد ليس كمركز الشريك القديم بالنسبة للشركة، لأن هذا الأخير قد ساهم بأمواله من قبل في قيام الشركة واستمرارها وتأسيس رأسمالها، ومع دخول الشريك الجديد بنفس حقوق الشريك القديم يقع الضرر وتنعدم المساواة بينهما[116].
ولمعالجة هذا الخلل وتحقيقاً للمساواة بين الشركاء، يتم تخفيض جزء من الأصول الصافية للشركة المندمجة، لا يدخل في الزيادة في رأس المال، وإنما يسجل في البيان الختامي للشركة الدامجة ضمن الاحتياطي، ويكون للشركاء القدامى والجدد نفس الحقوق، وهذا ما يسمى ب “علاوة الاندماج”[117].
وتتمثل هذه الأخيرة في الفرق بين القيمة الصافية للأموال المقدمة من طرف الشركة المندمجة، وبين القيمة الاسمية التي تصدرها الشركة الدامجة لتعويض تلك الأموال.
وللتوضيح أكثر نورد المثال التطبيقي التالي[118]:
- المعطيات: لنفترض أن؛
- الشركة الدامجة (أ): رأسمالها 900,000 درهم، عدد أسهمها 900 سهم، القيمة الاسمية للسهم 1000 درهم، القيمة الإجمالية للشركة 1,800,000 درهم، القيمة الحقيقية للسهم 2000 درهم.
- الشركة المندمجة (ب): رأسمالها 600,000 درهم، عدد أسهمها 600 سهم، القيمة الاسمية للسهم 1000 درهم، القيمة الإجمالية للشركة 900,000 درهم.
- طريقة الاحتساب:
يجب أولاً معرفة عدد الأسهم الجديدة الواجب إصدارها من طرف الشركة الدامجة، والتي تساوي:
بعد ذلك يتم احتساب القيمة الاسمية للأسهم الجديدة فتكون النتيجة كما يلي:
(عدد الأسهم الجديدة) × (القيمة الاسمية للسهم) = 450 × 1000 = 450,000
وبذلك يتم احتساب علاوة الاندماج على الشكل التالي:
علاوة الاندماج = (قيمة الحصة العينية المقدمة من طرف الشركة (ب) – القيمة الاسمية للأسهم الجديدة.
علاوة الاندماج = 900,000 – 450,000 = 450,000 درهم.
وبناء على ما سبق تقوم الشركة (أ) بزيادة رأسمالها بمبلغ إجمالي قدره 450,000 درهم وتضم علاوة الاندماج أي مبلغ 450,000 درهم إلى الاحتياطي.
نادراً ما تكون القيمة الاسمية أعلى من القيمة الحقيقية، وفي هذه الحالة لا مجال للحديث عن علاوة الاندماج، كما لا يمكن للشركة الدامجة أن تصدر أسهماً جديدة تقل قيمتها عن القيمة الاسمية[119].
ومع غياب حل تشريعي لهذه المشكلة أفرزت الممارسة بعض الحلول العملية، من ذلك تغيير وجهة عملية الاندماج لتصبح الشركة الدامجة شركة مندمجة، وتصبح الشركة المندمجة دامجة، أو من خلال الاعتماد على حل آخر وهو قيام الشركة الدامجة قبل دخولها في عملية الاندماج بتخفيض رأسمالها على الأقل إلى الحدود التي ستجعل القيمة الحقيقية لأسهم الشركة المندمجة مساوياً لقيمتها الاسمية، أو تمنح مساهمي الشركة المندمجة أسهماً ذات امتياز لتعويضهم عن الخسارة التي لحقت بهم[120].
رابعاً: الصعوبات المرتبطة بوجود مساهمات لإحدى الشركتين في الأخرى
يحصل أحياناً أن يكون لإحدى الشركتين الراغبتين في الاندماج مساهمة في رأس مال الشركة الأخرى، وبذلك قد تكون الشركة المندمجة تملك مساهمة في الشركة الدامجة، وقد يكون العكس، أي أن الشركة الدامجة تملك أسهما في الشركة المندمجة.
في هذه الحالة يترتب عن الاندماج، انتقال الذمة المالية للشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة، فتصبح هذه الشركة حائزة لنفس الأسهم التي كانت في ملكية الشركة المندمجة قبل عملية الاندماج، الأمر الذي يقتضي إلغاؤها.
وفي غياب نص تشريعي صريح، يمكن الاستئناس بالمادة 279 من قانون 17.95 التي وإن كانت تسمح للشركة أن تمتلك نسبة %10 من أسهمها في ظل قانون 17.95، فإن التعديل الذي طرأ على هذا الأخير سنة 2015 بمقتضى قانون 78.12 أكد على أنه لا يمكن للشركة أن تمتلك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص يتصرف لحسابها باسمه الخاص، أكثر من نسبة من رأس المال محدد بمقتضى نص تنظيمي. والمادة 280 تؤكد كذلك على أن الشركة لا يمكنها أن تشتري أسهمها إلا إذا كان الهدف من ذلك هو إلغاؤها من أجل تخفيض الرأسمال.
إلا أن هذه الحلول تبقى جزئية وغير قادرة على استيعاب المشكل ككل.
وقد تم نهج مجموعة من الحلول من الناحية العملية والتي تتجلى في؛ القيام بتفويت تلك الأسهم إلى أحد الأغيار، أو أن تقوم الشركة المندمجة بتقسيم أسهمها التي تمتلكها في الشركة الدامجة على مساهميها بمعزل عن عملية الاندماج. إلا أن هذه الحلول بدورها لا تخلو من مشاكل، فبالنسبة للأول قد يصعب إيجاد من يقتني هذه الأسهم بالإضافة إلى أنه قد يحمل في طياته خطر دخول مساهم قوي يزعزع التوازن القائم بين باقي المساهمين، أما بالنسبة للحل الثاني التكاليف الجبائية قد تكون مرهقة في هذه الحالة[121].
ويبقى الحل الوحيد لهذه الحالة يتمثل في انتقال الذمة المالية من الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة بما فيها الجزء أو المقدار الذي تملكه الشركة الأولى في الثانية، وبعد ذلك تسلك الشركة الدامجة مسطرة تخفيض نسبة من رأسمالها، تساوي القيمة الاسمية للجزء الذي كانت تمتلكه الشركة المندمجة، وعن طريق ذلك يتم إلغاء الأسهم أو الأنصبة التي تمثل هذا الجزء في رأسمال الشركة الدامجة، ولا بد من إدراج الفرق بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية لهذه الأسهم أو الأنصبة ضمن مبلغ علاوة الاندماج[122].
تتحقق هذه الحالة عندما تكون الشركة الدامجة مالكة لجزء من رأسمال الشركة المندمجة، ولذلك فإنه من غير المقبول أن تصدر لهذا الجزء أسهماً جديدة، وإلا أصبح مقدار الجزء صورياً، وتقوم هذه الحالة غالباً عندما تقوم الشركة الأم بدمج شركة تابعة لها.
وعليه، يتم استبدال الأسهم دون اعتبار مساهمة الشركة الدامجة، وذلك باتباع حلين[123] أفرزتهما التجربة العملية، ويتمثلان في الاندماج عن طريق التنازل، والاندماج عن طريق التقسيم؛
- الاندماج عن طريق التنازل.Fusion-renonciation
تتم هذه الطريقة من خلال تنازل الشركة الدامجة عن مساهمتها في الشركة المندمجة، وهي بذلك – أي الشركة الدامجة – تلغي إصدار بعض الأسهم مقابل نصيبها في موجودات الشركة المندمجة، وتكتفي بإصدار عدد من الأسهم مقابل أنصبة باقي المساهمين في هذه الموجودات[124].
- الاندماج عن طريق التقسيم. Fusion-allotissement
تقوم هذه الطريقة على تقسيم موجودات الشركة المندمجة في مرحلة أولى، لتحصل الشركة الدامجة على مقدار ما يمثله نصيبها في هذه الموجودات، ثم بعد ذلك يتم انتقال[125] باقي رأسمال الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة. وبذلك يصير الأمر أشبه ما يكون من الناحية القانونية بتصفية جزئية للشركة المندمجة تليه عملية الاندماج[126].
بعد القيام بالعديد من جولات المفاوضات والتحضيرات الأولية وحل جميع الصعوبات والمشاكل التي يمكن أن تؤثر على العملية، ينبغي وضع هذه الأخيرة داخل قالب قانوني أقره المشرع وعني ببيان مشتملاته وكيفية إعداده ويتمثل في مشروع الاندماج، ونظراً لأهمية عملية الاندماج كان لا بد من وجود أجهزة رقابة محايدة تمثل مختلف المصالح داخل الشركة.
الفقرة الأولى: ضوابط إعداد مشروع الاندماج
نظراً لأهمية هذا المشروع وكونه بمثابة الحلقة الوسطى بين بروتوكول الاندماج والعقد النهائي، فإن المشرع تدخل من أجل تحديد مضمونه، كما أخضعه لمختلف وسائل الشهر.
لم يترك المشرع تحديد مضمون هذا المشروع للسلطة التقديرية للأطراف المشاركة في عملية الاندماج، وإنما تدخل، بمقتضى المادة 227 من قانون 17.95 ليوجب تضمينه العديد من البيانات الإلزامية، والتي تتجلى في:
- شكل كل الشركات المشتركة وتسميتها أو الاسم التجاري ومقرها الاجتماعي؛
- دواعي الاندماج وأهدافه وشروطه[127]؛
- تعيين وتقييم الأصول والخصوم المزمع نقلها للشركات الضامة أو الشركات الجديدة؛ وقد سبق التطرق لكيفية تعيين وتقييم أصول وخصوم الشركة المندمجة. إلا أن ما يثير الانتباه في هذا البند هو لفظ “المزمع نقلها”، أي أنه بمفهوم المخالفة قد تكون هناك بعض الأصول والخصوم التي لا تشملها عملية النقل[128].
- كيفية تسليم الأنصبة أو الأسهم والتاريخ الدي تعطي ابتداء منه هذه الأسهم أو الأنصبة الحق في الأرباح وكذلك كل الطرق الخاصة المتعلقة بهذا الحق والتاريخ الذي سوف تعتبر ابتداء منه عمليات الشركة المضمومة، عمليات أنجزت من المنظور المحاسباتي من طرف الشركة أو الشركات المستفيدة من الحصص؛
ويعتبر هذا البيان من أهم البيانات الواردة في هذه المادة، خاصة أنه يصب في توجيه وتوضيح الرؤية أمام الشركاء أو المساهمين وطمأنتهم على حقوقهم بعد تمام الاندماج[129].
- التواريخ التي حصرت فيها حسابات الشركات المعنية بالأمر المستعملة لإعداد شروط العملية؛ ويستنتج من هذا البيان إمكانية اعتماد تواريخ مختلفة، ولكن من الناحية المنطقية لابد من اعتماد تاريخ موحد بالنسبة للشركات المعنية[130].
- نسبة تبادل حقوق الشركة، وإن اقتضى الأمر، المبلغ المعدل لفرق التبادل؛
- المبلغ المخصص لعلاوة الاندماج؛
- الحقوق المخولة للشركاء ذوي الحقوق الخاصة ولحاملي سندات غير الأسهم، وعند الاقتضاء، كل الامتيازات الخاصة. ويقصد بالشركاء ذوي الحقوق الخاصة أي ذوي الحقوق الامتيازية كحق التصويت المضاعف[131]، وحق الأولوية في الأرباح دون حق التصويت[132]. أما حاملي سندات غير الأسهم يقصد بهم حملة شهادات الاستثمار[133] وسندات القرض[134].
وبعد جرد هذه البيانات فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو؛ ما الجزاء الذي يترتب عن تخلف أحد أو كل هذه البيانات؟
بالرغم من أن المشرع في المادة 227 من قانون شركات المساهمة ألزم الأجهزة المسيرة للشركات المعنية بضرورة تضمين المشروع للعديد من البيانات الإلزامية، إلا أنه لم يقرر جزاء معيناً عن تخلف هذه البيانات أو بعضها، وبالتالي يعتقد بعض الفقه أن ذلك يخول للمتضررين من هذا الخرق الحق في المطالبة بإبطال عملية الاندماج لمساسها بحق الإعلام الواجب تمتيع جميع الشركاء به[135].
ثانياً: شهر وتبليغ مشروع الاندماج
أوجبت المادة 226 من قانون 17.95 على ضرورة أن يودع مشروع الاندماج في كتابة ضبط كل محكمة يوجد بدائرتها المقر الاجتماعي للشركات الراغبة في الاندماج ويكون موضوع إعلان تدرجه كل شركة من هذه الشركات في صحيفة مخول لها نشر الإعلانات القانونية؛ وفي حالة ما إذا كانت شركة واحدة على الأقل من هذه الشركات تدعو الجمهور للاكتتاب، يجب فضلاً عن ذلك إدراج إعلان في الجريدة الرسمية.
ويتعين القيام بهذا الإيداع والشهر قبل ثلاثين يوماً على الأقل من حلول تاريخ انعقاد أول جمعية عامة مدعوة للبت في هذه العملية[136]. وذلك رغبة من المشرع في مسايرة أجل التعرض الممنوح للدائنين والذي يمتد إلى حدود ثلاثين يوماً ابتداء من تاريخ الإشهار الأخير لمشروع الاندماج، وبهذا سيتاح للمساهمين الوقوف عند كافة التعرضات المقدمة من قبل الدائنين ومعرفة مقدار الديون المستحقة على الشركة التي تم التعرض بشأنها[137].
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أوجب المشرع على مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية لكل شركة بأن يعد تقريراً كتابياً يوضع رهن تصرف المساهمين. هذا التقرير يقدم شروحات عن المشروع من الجانبين القانوني والاقتصادي ودواعي القيام به[138].
كما ألزم كذلك على كل شركة مساهمة تشارك في عملية الاندماج أن تضع رهن تصرف المساهمين مجموعة من الوثائق من بينها مشروع الاندماج، وذلك بمقرها الاجتماعي وقبل ثلاثين يوماً على الأقل من تاريخ انعقاد الجمعية العامة المدعوة للبت في المشروع[139].
الفقرة الثانية: مراقبة المشروع من طرف مراقب الحسابات
جاء في المادة 233 من قانون 17.95 أنه “يقوم مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية لكل من الشركات المشاركة في عملية الاندماج بعرض المشروع على مراقب أو مراقبي الحسابات …”.
وهكذا، وفي ظل قانون 17.95 لم تكن هذه المسطرة إلزامية إلا متى كانت الشركات المشاركة في عملية الاندماج شركات مساهمة، إلا أنه بمقتضى التعديل الأخير – أي قانون 78.12 – والذي بمقتضاه تمم بالمادة 226 المكررة[140]، تم تعميم هذه المسطرة على جميع أنواع الشركات[141].
إلا أنه المشرع المغربي ووعيا منه بإمكانية وجود شركات غير ملزمة بتعيين مراقب الحسابات، فقد أوجب على هذه الشركات طبقاً للفقرة الثانية من المادة السالفة الذكر تعيين خبير من بين الخبراء المسجلين في جدول هيئة الخبراء المحاسبين من أجل القيام بالمراجعات المشار إليها في المادة 233.
وبذلك فإنه، وحسب هذه الأخيرة، تقوم أجهزة التسيير في الشركات المشاركة في الاندماج، بعرض المشروع على مراقب أو مراقبي الحسابات، إن وجدوا، أو على الخبير أو الخبراء المحاسبيين في حالة عدم وجود مراقبي الحسابات، وذلك قبل خمسة وأربعين يوماً على الأقل من تاريخ انعقاد الجمعية العامة المدعوة للبت في مشروع الاندماج.
ويتولى هؤلاء القيام بالعمليات التالية؛
- التأكد من القيمة المقدرة لأسهم الشركات المشاركة في العملية، ومن أن نسبة التبادل منصفة.
- الإشارة إلى الطريقة أو الطرق المتبعة في تحديد نسبة التبادل المقترحة ومدى ملاءمتها في هذه الحالة.
- الصعوبات التي انطوت عليها عملية التقييم؛ إن وجدت.
- التأكد من أن مبلغ صافي الأصول الذي جلبته الشركات المضمومة لا يقل عن مبلغ الزيادة في رأسمال الشركة الضامة أو عن مبلغ رأسمال الشركة الجديدة الناشئة عن عملية الاندماج.
يبدو أن هذه المهام التي يقوم بها مراقب الحسابات أو الخبير المحاسبي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لحماية حقوق المساهمين[142]، إذ أنه بالرغم من أن دورهم يقتصر في إعطاء رأيهم في مشروع الاندماج برمته وفي المعطيات المحاسبية والاقتصادية المضمنة فيه، فإنهم يعدون أداة جد فعالة بيد الشركاء المتضررين من العملية للاستناد على المعطيات المضمنة فيه للمطالبة ببطلانها أمام القضاء[143].