في الواجهةمقالات قانونية

تخليق القضاء على ضوء ميثاق إصلاح منظومة العدالة وقوانين السلطة القضائية

تخليق القضاء على ضوء ميثاق إصلاح منظومة العدالة وقوانين السلطة القضائية

من إعداد: نورالدين مصلوحي. عدل متمرن وباحث بماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط.

 

يعد تخليق مرفق القضاء الوسيلة الفضلى للنهوض بالعدالة التي هي مطلب سام للإنسانية، وإن تخليق القضاء ضمانة أساسية للقضاء على الفساد والتسيب، فما ارتأت البشرية الرضوخ للقضاء إلا على أساس أنه حام للحقوق والحريات، والساهر على التطبيق العادل للقانون الذي هو أسمى تعبير عن إرادتها.

هذا، وقد جعل ميثاق إصلاح منظومة العدالة التخليق أحد ثاني الأهداف الرئيسية لإصلاح منظومة العدالة، وتفرع عن هذا الهدف أهداف أربعة سنحاول تسليط الضوء على اثنين منها مبينين محلها من قوانين السلطة القضائية، مركزين بالأساس وكما جاء في عنوان مقالنا المتواضع على ما يهم مهنة القضاء.

أولا: تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية القضاء.

لتكريس النزاهة والشفافية في المرفق القضائي، حث ميثاق إصلاح منظومة العدالة في توصيته رقم 42 على تتبع ومراقبة ثروات القضاة وتصريحهم بممتلكاتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار إذا اقتضى الأمر، مظاهر الثراء الذي لا يتناسب مع الدخل المشروع للمعني بالأمر، وهكذا فقد جاء في المادة 107 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ما يلي: “يكلف الرئيس المنتدب بالمجلس بتتبع ثروة القضاة. ويحق له دائما، بعد موافقة أعضاء المجلس، أن يقدر ثروة القضاة وأزواجهم وأولادهم بواسطة التفتيش. ويمكن أن يكون موضوع متابعة تأديبية كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته، خلال فترة ممارسة مهامه، زيادة ملحوظة لا يستطيع تبريرها بصورة معقولة.

هذا، وإن تصريح القضاة بممتلكاتهم سنده هو الفصل 158 من الدستور الذي ينص على أنه “يجب على كل شخص منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها، وعند انتهائها”. وقد أناط الدستور بموجب الفصل 147 منه مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات بالمجلس الأعلى للحسابات.

ولضمان نزاهة القضاة؛ فإن ميثاق إصلاح منظومة العدالة أكد في التوصية رقم 46 على ضرورة سن مقتضيات تشريعية بشأن محاولة التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة إعمالا للدستور، وبالضبط الفقرة الرابعة من الفصل 109 منه التي تنص على أنه “يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة” وهذا التأثير غير المشروع يعد مسا وتهديدا للاستقلال الفردي للقاضي، ولحماية هذا الاستقلال فإن الدستور في الفصل 109 منه أعطى الحق للقاضي كلما أحس أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وتفعيلا للفصل 109 المشار إليه أعلاه، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى المادة 105 من القانون التنظيمي المنظم لهذا المجلس؛ بعد تلقيه للإحالات المقدمة إليه من القضاة المهدد استقلالهم، يقوم عند الاقتضاء بالأبحاث والتحريات اللازمة، بما في ذلك الاستماع إلى القاضي المعني، وإلى كل من يرى فائدة في الاستماع إليه. وبعد هذا كله يتخذ المجلس الاجراء المناسب أو يحيل الأمر عند الاقتضاء على النيابة العامة إذا ظهر له أن الفعل يكتسي طابعا جرميا.

هذا، وإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية وبمقتضى المادة 106 من القانون التنظيمي المنظم لهذا المجلس؛ ملزم بتشكيل لجنة تسمى “لجنة الأخلاقيات القضائية” من مهامها السهر على تدارس الإحالات المقدمة إلى المجلس من لدن القضاة كلما تعلق الأمر بمحاولة التأثير غير المشروع على أي منهم، وذلك حسب المادة 18 من النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وحتى يؤدي القضاة مهامهم بالشكل المطلوب قانونا، ولحمايتهم من تعسف السلطة التأديبية، يتعين أن يكونوا على بينة من أمرهم من المخالفات المهنية التي بارتكابها يكونون معرضين للمساءلة التأديبية أو الجنائية، لذلك فمن توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة (التوصية48)؛ ضرورة التوصيف القانوني للمخالفات المهنية، وتحديد الجزاءات المناسبة لها في إطار المساطر التأديبية. وقد تم تفعيل هذه التوصية بعد صدور القانون التنظيمي رقم 13-106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، حيث تنص المادة 96 منه على أنه “يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو الوقار أو الكرامة، خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية.

وعددت المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة حالتين يمكن من خلالهما توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه؛ وهما حالة متابعة القاضي جنائيا أو ارتكابه خطأ جسيما. ويرى البعض عن حق أن توقيف القاضي عن مزاولة مهامه حالة متابعته جنائيا يعد خرقا لقرينة البراءة المنصوص عليها في الفصل 119 من الدستور.

وتأمينا للقاضي من إمكانية توقيفه التعسفي، حصرت المادة 97 حالات الخطأ الجسيم، ونذكر من هذه الحالات؛ الخرق الخطير لقانون الموضوع أو اتخاذ موقف سياسي أو الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية…، وبخصوص العقوبات التأديبية فقد عددتها المادة 99 من النظام الأساسي للقضاة، مؤكدة على مراعاة مبدأ التناسب مع الخطأ المرتكب.

ثانيا: ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية لمهنة القضاء:

نص ميثاق إصلاح منظومة العدالة في التوصية رقم53 على وضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية لمدونة سلوك، تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية التي يجب الالتزام بها من قبل المعنيين بها، مع العمل على نشر هذه المدونة، وهو ما استجاب له المشرع من خلال القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث نص في مادته 106 على ما جاء في توصية الميثاق، ونصت المادة 106 المشار إليها على ضرورة استشارة الجمعيات المهنية للقضاة قبل وضع مدونة الأخلاقيات القضائية، وحسب نفس المادة فإن أهداف وضع هذه المدونة هو الحفاظ على استقلالية القضاة وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد ومسؤولية ؛ وصيانة هيبة الهيئة القضائية والتقيد بالأخلاقيات النبيلة للعمل القضائي والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة؛ وحماية حقوق المتقاضين وسائر مرتفقي القضاء والسهر على حسن معاملتهم في إطار الاحترام التام للقانون؛ وتأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره.

ولأهمية مدونة الأخلاقيات القضائية وطابعها الملزم للقضاة، فإنه يجب نشرها بالجريدة الرسمية. ولضمان تقيد القضاة بالقواعد المضمنة بالمدونة المذكورة فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يشكل لجنة تدعى “لجنة الأخلاقيات القضائية” تسهر على تتبع ومراقبة التزام القضاة بقواعد مدونة الأخلاقيات القضائية.

هذا، وقد جاء في التوصية 54 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة، ضرورة نشر الأحكام والقرارات المتعلقة بالعقوبات التأديبية المتخذة ضد المنتسبين إلى مهن منظومة العدالة، والغاية من هذا النشر هو ردع الخاضعين للعقوبات التأديبية وجعلهم عبرة لغيرهم، وكذا تكريس شفافية المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وعملا بهذه التوصية؛ فقد نصت المادة 60 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على نشر أسماء القضاة المعنيين بالعقوبات التأديبية، ولم تستثني إلا الخاضعين للعقوبات من الدرجتين الأولى والثانية حسب المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة.

وإذا كان من وظيفة القاضي السهر على حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي والتطبيق العادل للقانون؛ فإن أي انحراف منه عن الوظيفة السامية السابق ذكرها؛ يعرضه للمتابعة التأديبية، ومن توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة “التوصية55″؛ إقرار آلية لتتبع ومعالجة شكايات المواطنات والمواطنين بشأن التبليغ عن الفساد في منظومة العدالة، لذا فقد نصت المادة 86 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أن النظام الداخلي للمجلس المذكور يحدد كيفية تدبير ومعالجة شكايات وتظلمات المرتفقين، وقد جاء في المادة 48 من النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ أن الشكايات والتظلمات من القضاة توجه إلى الرئيس المنتدب للمجلس من لدن المشتكي أو نائبه، ويودع التظلم أو الشكاية بصفة شخصية من لدن صاحبها أو النائب عنه، وتسلم له نسخة منها مؤشر عليها ومتضمنة لتاريخ تسليمها، كما يمكن للمشتكي أن يوجه شكايته أو تظلمه عبر البريد المضمون أو البوابة الإلكترونية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وحسب المادة 49 من النظام الداخلي للمجلس فإنه يتم إشعار المشتكي أو نائبه بمآل الشكاية أو التظلم بكافة الوسائل المتاحة، بما فيها الإلكترونية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى