أطروحات و رسائلفي الواجهةمقالات قانونية

تقرير عن اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص : النظام القانوني للبنوك التشاركية بين التشريع المغربي والقانون المقارن

 

محمد خطابي: النظام القانوني للبنوك التشاركية بين التشريع المغربي والقانون المقارن

جرت مناقشة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، بمختبر قانون الأعمال بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، تقدم بها الطالب الباحث محمد خطابي في موضوع: “النظام القانوني للبنوك التشاركية بين التشريع المغربي والقانون المقارن”، وذلك يوم السبت 12 ماي 2018 على الساعة 12 زوالا  بالكلية  الحقوق سطات.

تشكلت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:

  • الأستاذ يحي علوي مشرفا ورئيسا؛
  • الأستاذ عز الدين بنستي عضوا ومقررا؛
  • الأستاذ نور الدين الناصري عضوا؛
  • الأستاذ أبو بكر مُهَم عضوا ومقررا.

مدة المناقشة 4 ساعات          الميزة: مشرف جدا

 

شكرا السيد الرئيس،

السادة أعضاء لجنة المناقشة، أيها الحضور الكريم، السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته؛

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

بداية اسمحوا لي أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان لفضيلة الدكتور “يحيى عُلوي” على حسن تأطيره، ودوام سؤاله عن البحث، ومتابعته له، ما لا يكون جزاؤه عندي إلا أن أدعو الله له أن يبارك له في عِلمه، وعَمله، وعٌمره، ومَاله، وذٌريته.

كما أتقدم بالشكر لكل أساتذتي، المنتمين لكلية الحقوق بسطات، وعلى وجه الخصوص المنتسبين لمختبر قانون الأعمال كل باسمه وصفته وعلى رأسهم مدير المختبر الدكتور رياض فخري …

وإني أحمد الله، حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، أن هيأ لي بفضله ومَنِهِ، المثُولَ أمام لجنة علمية مرموقة مكونة من ثلة من الأساتذة المتمكنين، للنظر في هذه الأطروحة وتقويمها وتصحيح ما فيها من نقص، حيث سيكون لملاحظاتهم من دون أدنى شك الأثر البالغ في الرفع من قيمتها، رغم كثرة انشغالاتهم المهنية، وهم:

  • الأستاذ “عز الدين بنستي“؛
  • الأستاذ “نور الدين الناصري“؛
  • الأستاذ “أبو بكر مُهَم”.

أتقدم إليكم بأسمى عبارات التقدير والاحترام وأشكركم على تلبية هذه الدعوة.

فبتوفيق من الله جل جلاله، ثم بعون من أصحاب الفضل، اخترت موضوع: “النظام القانوني للبنوك التشاركية –بين التشريع المغربي والقانون المقارن-“، لأتقدم به لمناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص.

حيث إن القطاع البنكي، يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية الراهنة، ويمثل عصب الحياة، ويقوم هذا القطاع بدور الوساطة المالية بين المدخرين والمستثمرين، كما يقوم بتقديم العديد من الخدمات والتسهيلات المالية والبنكية الأخرى.

ترتيبا عليه، عَمِلَتْ جل الدول التي تبنت نظام البنوك التشاركية على إصدار قوانين تنظم عمل هذه المؤسسات، وعلى الرغم من أن هذه القوانين تعمل على تحديد الأهداف والقواعد القانونية والشرعية، التي يجب على البنوك التشاركية الالتزام بها، وعدم الخروج عليها، إلا أنها لم تنظم كل الجوانب القانونية لعمل البنوك التشاركية، بدليل خضوع هذه المؤسسات لبعض قواعد العمل البنكي التقليدي، حيث إن هذه الضوابط القانونية لا تتناسب في غالبيتها مع طبيعة وخصوصية عمل البنوك التشاركية.

ورغم النمو المتزايد والاتساع الجغرافي للبنوك التشاركية عبر العالم، إلا أن المغرب ظل بعيدا كل البعد عنها، إلى حدود سنة 2007، حيث تم الترخيص للبنوك التقليدية بتسويق بعض المنتجات الإسلامية تحت مسمى ‘المنتجات البديلة’، إلا أن هذه التجربة باءت بالفشل، ولم تحقق النتائج المرجوة منها، وقد أدى فشل هذه الأخيرة إلى تنامي الضغوط من أجل وضع الاطار القانوني، والبنية التحتية اللازمة من أجل انطلاقة صحيحة لمشروع المالية التشاركية بالمغرب.

حيث إن فكرة إحداث البنوك التشاركية، جاءت بناءا على وعي السلطات المالية بالمغرب، لما يمكن أن تقدمه المنتوجات والخدمات المالية التشاركية، خاصة في الجانب المتعلق بتعبئة الادخار، وخلق تمويلات إضافية للاقتصاد الوطني، وبالتالي أصبح من الضروري وضع إطار قانوني يحكم المالية التشاركية.

وفي هذا الاتجاه، خطى المشرع المغربي خطوات مهمة، من خلال إصداره للقانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

حيث تَضَّمَنَ هذا الأخير قسما كاملا عن البنوك التشاركية، مما يشكل الخطوة الأولى فعليا من أجل تأسيس جيل جديد من البنوك، بل يمكن أن يسمح للبنوك التقليدية باستشراف أفاق جديدة وتنويع منتوجاتها البنكية وتجديد آليات اشتغالها تحت ضغط منافسة البنوك التشاركية.

ووعيا مني بأهمية الموضوع، ورغبة في نشر الوعي القانوني المرتبط بمجال البنوك التشاركية بين المهتمين، ارتأيت الخوض في الموضوع السابق الإشارة إليه.

حيث تتأتَى قوة الدراسة، في الأهمية الكبيرة والمتزايدة التي أصبحت تحتلها البنوك التشاركية، بصفتها جزء من النظام البنكي المغربي، وبديلاً مناسباً ومنافسا قويا للبنوك التقليدية، من حيث آلية التعامل مع قضايا التمويل المتوافقة مع مبادئ وضوابط الشريعة الإسلامية، والمتمثلة بإحلال المشاركة في الربح والخسارة محل الاقتراض بالفائدة، ما يجعلها في وضع قادر على مجابهة آثار التحديات التي تقف أمامها.

ومما لا شك فيه أن موضوع: “النظام القانوني للبنوك التشاركية –بين التشريع المغربي والقانون المقارن-“، ينطوي على إشكالية عامة، تحيلنا على جملة من الإشكاليات الفرعية، التي حاولنا بما أوتينا من جهد أن نقف على تمظهراتها وكذا تجلياتها، وذلك برصد آثارها على المستوى القانوني.

حيث تتمحور الإشكالية الأساسية، حول الكيفية التي تَدَخَلَ بها المشرع المغربي من خلال القانون رقم 103.12، لخلق ضمانات قانونية لاشتغال البنوك التشاركية، في إطار يجعلها تحظى بالقبول من طرف المتعاملين معها، بمعنى آخر، هل استطاع المشرع المغربي من خلال القانون المنظم للبنوك التشاركية، التوفيق بين ضمان احترام مجموعة من المقتضيات القانونية المنظمة للسير العادي للبنوك التشاركية، ووضع القواعد والآليات السليمة والاحترازية لإنجاح التجربة المغربية؟

ومن هذا المنطلق يجب معرفة الأساس القانوني لنشأة البنوك التشاركية، وكذا الظروف المحيطة بهذا التأسيس، ومن ثم الاطلاع على القواعد القانونية الحالية للبنوك التشاركية، لمعرفة هل تضمنت كل الجوانب القانونية والإجراءات الضرورية لممارسة النشاط البنكي التشاركي؟ هذا ما سوف يتم الإجابة عنه من خلال تقسيم الموضوع إلى بابين:

الباب الأول عنوناه بالضمانات القانونية لاشتغال البنوك التشاركية

وخصصنا الفصل الأول منه للإطار المؤسساتي للبنوك التشاركية

حيث يعد البنك التشاركي كأي بنك تقليدي، يبدأ بممارسة نشاطه بالاعتماد على مصادره الذاتية (أموال المساهمين) خلال المرحلة التأسيسية، ثم يسعى للحصول على تدفقات نقدية متنوعة أخرى من مصادر خارجية (اجتذاب أموال المُودِعِين)، وكما هو معروف فان كل مصدر من هذه المصادر له ضوابط وطبيعة خاصة تحكمه، وقواعد معينة في أسلوب استخدامه وتنميته.

وخصصنا الفصل الثاني منه لآليات الرقابة على البنوك التشاركية

بشكل عام فإن البنوك التشاركية تخضع كغيرها من البنوك التقليدية لرقابة بنك المغرب، أما الذي تتميز به البنوك التشاركية هي الرقابة الشرعية.

وتعني الرقابة الشرعية على البنوك التشاركية، وجود هيئة تراقب ما تقوم به هذه البنوك، من أعمال وتتأكد من مطابقتها لأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية، حيث تٌمَارَسٌ الرقابة من قبل هيئة تعد جزءا من مكونات الهيكل التنظيمي في بعض البنوك، وفي نفس الوقت سلطة للرقابة عليه، وحسن فعل المشرع المغربي باختياره لنهج مغاير لعدة قوانين مٌقَارَنَة، بتأسيس لجنة علمية متخصصة تحت مسمى ‘اللجنة الشرعية للمالية التشاركية’ بشكل مستقل عن هذه البنوك والحاقها بالمجلس العلمي الأعلى بصفته مؤسسة محايدة.

الباب الثاني عنوناه بالضمانات القانونية للإقبال على البنوك التشاركية

خصصنا الفصل الأول منه لصور توظيف الأموال في البنوك التشاركية

حيث إن البنوك التشاركية تتميز باستقطاب موارد مالية من المدخرين وأصحاب المال على شكل ودائع استثمارية، على أساس مبدأ المشاركة في الربح والخسارة وتَتَبِعُ بعض الصيغ المعروفة في فقه المعاملات الإسلامية لأجل استثمار هذه الأموال، وبجانب هذا تقوم البنوك التشاركية بأداء معظم الخدمات البنكية المعروفة في البنوك التقليدية مع تخليها عن الفائدة وإحلال العمولة أو الأجرة محلٌها.

كما تُمَوِلُ البنوك التشاركية جميع القطاعات الاقتصادية، طالما أنها تتوافق كما سبقت الإشارة لذلك مع أحكام وضوابط الشريعة الإسلامية، ويستند المبدأ الأساسي للبنوك التشاركية إلى مشاركة البنك المباشرة في بعض المعاملات التي يمولها، وتبقى العائدات التي تتلقاها هذه البنوك مبررة، إما كمالك مشارك، أو في نتائج المشروع الممول سواء كانت خسارة أو ربح كما في حالة المضاربة أو المشاركة، أو بتوفير المنتوج أو تأجير الأصول في حالة المرابحة أو الإجارة والسلم، أو من خلال تصنيع أو إنشاء الممتلكات المنقولة أو غير المنقولة من قِبَلِهَا أو من قِبَل طرف ثالث في حالة الاستصناع.

والبديل الذي وجدته البنوك التشاركية عن نظام القرض بالفائدة هو هامش الربح من جهة، ومن جهة ثانية مبدأ تقاسم الربح والخسارة، وعلى عكس نظام القرض بالفائدة، حيث يعتبر الربح في البنوك التشاركية في غالبه غير محدد سلفاً ولا ثابتاً، وغير مؤكد ومتغير بالضرورة.

أما الفصل الثاني من الباب الثاني فقد خصصناه لتدبير المخاطر التي تتعرض لها البنوك التشاركية

حيث إن البنوك التشاركية تنفرد عن غيرها من البنوك بميزة جوهرية، وهي أنها تشترك في الغُنم والغُرم، فهي إذن على استعداد لمشاركة عملائها في خسارتهم أيضا، ومعلوم أن تَحَمُلْ المخاطر يستحق عائدا، وما دامت البنوك التشاركية تساهم في المخاطرة في حالة الخسارة، على عكس البنوك التقليدية، فمن المتوقع أن معدل العائدات على المال المقدم من البنوك التشاركية يكون أعلى منه مقارنة بالبنوك التقليدية.

ومن خلال ما سبق، وما تم الإشارة إليه في ثنايا الأطروحة، فلكي تحقق البنوك التشاركية أهدافها وتَصِلَ إلى تطلعاتها، وتواجه المشاكل والصعوبات التي تقف عائقا أمامها، خاصة في ظل الظروف الحالية، سأحاول إعطاء بعض التوصيات والمقترحات من أجل تطوير العمل البنكي التشاركي من بينها:

أولا: ضرورة مراعاة خصوصية العمل البنكي التشاركي، عند اصدار التشريعات والقوانين مستقبلا؛

ثانيا: تكوين وتأهيل أطر بشرية، قادرة على تطوير وتحسين أداء البنوك التشاركية، من أجل تجاوز العقبات العملية التي يعرفها هذا القطاع؛

ثالثا: ضرورة الاندماج والتكامل بين البنوك التشاركية فيما بينها، حيث يحقق هذا الاندماج مجموعة من الامتيازات من بينها خلق الاكتفاء الذاتي من الموارد المالية؛

رابعا: ضرورة تخصيص البنوك التشاركية لنسبة معينة من معاملاتها لقطاعات ذات طابع اجتماعي؛

خامسا: لا بد أن تعمل البنوك التشاركية على تنويع خدماتها الاستثمارية، من أجل تخفيض المخاطر، التي يمكن أن تتعرض لها في حالة الاعتماد والتركيز فقط على نوعية معينة من المشاريع؛

سادسا: إن التطورات والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم حاليا في ميدان الخدمات، يحتم على البنوك التشاركية، ضرورة مسايرتها من خلال تحسين أدائها، وزيادة فعاليتها وكفاءتها بما يحقق لها تلبية حاجات ورغبات عملائها المتجددة باستمرار، بما يساهم في التصدي للمنافسة القائمة من طرف البنوك التقليدية، ولا يكون ذلك إلا بتطوير وتحسين جودة خدماتها البنكية، بتبني سياسة ابتكارية، مع السعي دائما إلى تخفيض التكاليف بما يحقق لها ميزة تنافسية قوية.

سابعا: على بنك المغرب فك الارتباط بين نسبة هامش الربح والفائدة، من أجل خلق منافسة قوية بين البنوك التشاركية والبنوك التقليدية، حيث ستعود بالضرورة على مستهلك الخدمات البنكية بالنفع.

تلكم أيها السادة الأفاضل كانت أهم النقط التي تناولتها هذه الأطروحة بالدرس والتحليل، فإذا كان فيما قَدَمْتٌ صوابا فمن الله، وإن ظهر فيها قصور فمني ومن الشيطان، واستغفر الله من خطأ غير مٌتَعَمَد، لقوله عز وجل: ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا صدق الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى