جواز تفويت وتفويض مهام الشرطة الإدارية في ميدان السير والجولان تعليق على حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 12/03/2014 الملف عدد 49/7112/2014 الحكم عدد 683 – سيف الدين فايدة:
سيف الدين فايدة:
طالب باحث بماستر القانون العام المعمق:
جواز تفويت وتفويض مهام الشرطة الإدارية في ميدان السير والجولان
تعليق على حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 12/03/2014 الملف عدد 49/7112/2014 الحكم عدد 683
السنة الجامعية:
2021-2020
المحور الأول : تحليل الحكم :
الدراسة الشكلية للحكم :
1_الإشارات :
صدر الحكم باسم جلالة الملك وطبقا للقانون ، عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 11 جمادى الأولى 1435 موافق 12 مارس 2014 في الملف عدد 49 / 7112 / 2014 الحكم رقم 683 .
موضوع الدعوى :
التعويض على الأضرار التي لحقت المدعي ، من جراء فعل غير مشروع وهو تفويض اختصاص أصيل من طرف مجلس جماعة مدينة الدار البيضاء لشركة باك باركينغ، والتي قامت بعقل سيارة أحد المواطنين بالفخ وهو أمر غير مشروع ولا ينسجم وروح القانون.
أطراف الدعوى:
الحسين الزيتوني ومن ينوب عنه ، وشركة باك باركينغ في شخص ممثلها القانوني .
المذكرات:
المذكرة الجوابية التي تقدمت بها الشركة المدعى عليها .
مذكرة مستنتجات المدعي .
باقي المذكرات والأوراق المدلى بها في القضية .
القوانين :
القانون 41.90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية .
قانون المسطرة المدنية .
2_الحيثيات :
ارتكز حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء على مجموعة من الحيثيات :
في الشكل :
حيث قدم الطلب مستوفيا لكافة الشروط الشكلية المتطلبة قانونا فهو بذلك مقبول شكلا .
في الموضوع:
حيث إن الطلب يرمي إلى الحكم على الشركة المدعى عليها الممنوح لها حق تدبير وقوف العربات بالشارع العام في شخص ممثلها القانوني بأدائها لمبلغ 30.000.00 درهم كتعويض عن الضرر اللاحق به جراء عقل سيارته وإرجاع مبلغ الغرامة المحدد في 30.00 درهم من الصائر وشمول الحكم بالنفاذ المعجل .
وحيث إن مناط النزاع ينحصر في مدى مشروعية تثبيت سيارة المدعي المتوقفة بالشارع العام من طرفة الشركة الممنوح لها حق امتياز التدبير المفوض لمرفق وقوف المركبات ذات محرك بالشارع العام التابع للجماعة الحضرية بالدار البيضاء والمسير من قبل شركة خاصة .
وحيث إنه خلافا لما دفعت به الجماعة المدعى عليها فإن منح امتياز المرافق العامة الجماعية يجب أن لا يكون محل تفويض أو تدبير أمر لا يجيز القانون تفويضه كممارسة اختصاصات الشرطة الإدارية أو منح امتياز لاتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية كالإذن والمنع والأمر ، والصلاحيات الممنوحة لرئيس المجلس الجماعي بمقتضى المادة 50 من الميثاق الجماعي .
وحيث إن المشرع المغربي قد منح اختصاصات الشرطة الإدارية لرئيس المجلس الجماعي يمارسها شخصيا أو بواسطة موظفين محلفين وإن منحها لجهة خاصة لا تتوفر فيها صلاحية تحرير محضر المخالفات اتجاه المخالفين للقوانين البلدية لا يتوفرون على من لهم الصفة الضبطية للإشهاد بوقوع المخالفة يكون خارجا عن نطاق القانون ولا يجوز معه لرئيس المجلس الجماعي الاتفاق على تفويضه إلى شخص خاص لتدبيره.
وحيث إن قيام الشركة المدعى عليها باستعمال أدوات لتثبيت سيارة المدعي دون تحرير محضر بالمخالفة من طرف السلطة الإدارية المختصة يجعلها تتحمل كامل المسؤولية في الأضرار اللاحقة بالمدعي نتيجة العلاقة السببية المباشرة بين الخطأ المتمثل في عقل السيارة دون التوفر على الضفة الضبطية لإثبات المخالفة المرتكبة المتمثلة في تجاوز الوقت المؤدى عنه مسبقا و عدم قبول الشيك لتحرير السيارة والضرر المرتبط بشل نشاطه المهني باعتباره محاميا .
منطوق الحكم :
تطبيقا لمقتضيات القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية والقانون 17.08 المتعلق بالميثاق الجماعي ولهذه الأسباب حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا:
في الشكل: بقبول الطلب.
في الموضوع : الحكم على الشركة المدعى عليها بأدائها لفائدة المدعي تعويضا عن الضرر قدره ( 3.000.00 ) ثلاثة آلاف درهم مع تحميلها الصائر .
بطاقة الحكم :
1_الوقائع :
بناء على المقال المسجل والمؤداة عنه الرسوم القضائية المرفوع إلى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء ، تدور وقائع هذه القضية والتي طرفاها الحسين الزيتوني كمدعي والذي تنوب عنه الأستاذة نورة الرامي المحامية بهيئة الدار البيضاء من جهة ، ومن جهة أخرى شركة باك باركينغ في شخص ممثلها القانوني الأستاذ عبد الإله العيار المحامي بهيئة الدار البيضاء كمدعى عليها . فالطرف المدعي دفع بعدم مشروعية الفعل الصادر عن الشركة المدعى عليها والتي قامت بعقل سيارته بواسطة الفخ وهو الأمر الذي تسبب له في مجموعة الأضرار ، و بالتالي من خلال طلبه يصبو المدعي إلى جبر الضرر عن طريق القضاء والذي حدده في 30.000.00 درهم كتعويض وإرجاع مبلغ الغرامة المحدد في 30.00 درهم مع الصائر و شمول الحكم بالنفاذ المعجل . وذلك لكون النشاط الذي قامت به الشركة المدعى عليها ليس له أساس قانوني على اعتبار أن المنع من السير هو اختصاص حصري وأصيل يدخل في نطاق الشرطة الإدارية والتي لا يمكن تفويضها . بدورها الشركة المدعى عليها دفعت بقانونية الفعل الذي قامت به بحيث أكدت أنها ترتبط مع مجلس الجماعة بعقد امتياز من خلاله تنظم وقوف المركبات ذات محرك بالشارع العام .
2_المسطرة:
صدر الحكم عن المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء.
3_المشاكل القانونية:
ما مدى جواز تفويت و تفويض اختصاص أصيل متمثل في شرطة السيىر والجولان لأشخاص القانون الخاص ؟.
هل ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري أم العادي؟.
4 _ منطوق الحكم :
قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بقبول الطلب شكلا وموضوعا بتعويض المدعي عن الأضرار التي لحقته بفعل هذا الفعل غير المستند على أي أساس قانوني.
التعليل :
إن الشرطة الإدارية بأنواعها هي اختصاص أصيل تمارسه السلطات العمومية كل من مكانه ، بهدف حفظ النظام العام ولا سيما عناصره ( الأمن العام والصحة العامة و السكينة العامة ) ، وإذا سلمنا بأن السير والجولان هو شرطة أو ضبط إداري خاص يمارسه في نطاق الجماعة حصرا رئيس المجلس الجماعي إلى جانب السلطة المحلية ، فلا يجوز تفويته للخواص ، وبالتالي فمسألة الفخ لا تستند على أي أساس قانوني لذلك فالقيام بها يعتبر اعتداء على حق دستوري ، متصل بحرية التنقل.
5_ الخاتمة:
وبالتالي يمكن القول أن هذا الحكم كرس للمبدأ الذي استقر عليه القضاء الإداري من ذي قبل وهو عدم قانونية الفخ الذي تقوم به الشركات المتعاقدة مع مجالس الجماعات نظرا لاعتبار الشرطة الإدارية ولا سيما شرطة السير والجولان اختصاصا حصريا للسلطات العامة .
المحور الثاني : التعليق على الحكم :
مقدمة:
يعتبر القانون الإداري سمة من سمات الدول المعاصرة مادام يشكل الإطار الذي يؤطر تنظيم مرافق الدولة والنظام القانوني الذي يحكم أنشطتها، إذ أنه أمام تعدد وظائف الإدارة ومجالات تدخلها، أصبح من الضروري إيجاد قواعد متميزة تسهل من مأموريتها لتحقيق المصلحة العامة، مقابل ضمان حقوق وحريات الأفراد[1].
ويعتبر موضوع الشرطة الإدارية من أبرز الإشكالات التي تثير المنازعات أمام القضاء الإداري، وقبل الخوض في تحليل الحكم القضائي الذي بين أيدينا لابد من وضع الموضوع في سياقه ونطاقه القانوني وتحديد تعريف دقيق للشرطة الإدارية وتحديد أنواعها .إذ يعرفها الفقيه ” موريس هوريو ” بأنها هي كل ما يستهدف به المحافظة على النظام العام في الدولة [2] . أما الفقيه ” جورج فيدال” فقد عرفها بمجموع الأنشطة الفردية التي يكون موضوعها إصدار القواعد العامة أو التدابير الفردية والاجراءات الضرورية للمحافظة على النظام العام[3] .
وشرطة السير والجولان هي شرطة إدارية جماعية خاصة إذ أن القانون التنظيمي للجماعات ، ولا سيم المادة 100 منه تؤكد على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس مجموعة من المهام فيما يخص الشرطة الإدارية ، وشرطة السير والجولان من أهم هذه المهام . و هو نفس الأمر الذي نصت عليه المادة 50 من الميثاق الجماعي[4].
ويرى الفقيه جورج فيدال أن الفكرة الصحيحة والصائبة في الفرق بين الشرطة الإدارية و المرفق العام ، تتمثل في ضرورة الجمع بين عدة عناصر وهي أسلوب النشاط ونطاق النشاط وهدف النشاط حتى يمكننا التفرقة بين الشرطة الإدارية والمرفق العام [5] .
وبالتالي فإن الفرق بين الشرطة الإدارية والمرفق العام يتجلى ، في أن الشرطة الإدارية تهدف إلى القيد من حريات الأفراد وتصرفاتهم حفاظا على النظام العام . عكس المرفق العام الذي يهدف أساسا إلى إشباع حاجات الأفراد ، بتقديم خدمات عامة بصفة مجانية أو برسوم يلتزم المنتفع بأدائها . كما تختلف عنه من حيث سلطات التسيير ، فهيئات الشرطة الإدارية تتمثل في رئيس الدولة والوزراء والولاة ورؤساء المجالس الجماعية ، أما المرفق العام فتتعدد طرق تسييره منها طرق تنطوي على هيمنة كاملة للدولة مثل طريقة الاستغلال المباشر و هناك أسلوب تقل فيه درجة رقابة الدولة ويكون للأفراد مجال كبير في تمويل المرفق مثل أسلوب الامتياز. لذلك تعتبر الشرطة الإدارية مظهرا من مظاهر سيادة الدولة ، وبالتالي هي حكر على جهات الضبط الإداري فلا يجوز لها أن تتنازل على مسؤولية حماية النظام العام لغيره أما المرفق العام فيمكن للدولة إسناد تسييره إلى الخواص . وإذا ما دققنا البحث في أنواع الشرطة الإدارية سيتبين لنا بأن السير والجولان هو شرطة إدارية خاصة إلى جانب شرطة التعمير و شرطة المقابر …
وهو الأمر الذي يحيلنا على الإشكالية التي عالجها الحكم الذي نحن بصدد التعليق عليه والتي لا بأس أن نذكر بها :
ما مدى إمكانية تفويت وتفويض مهام الشرطة الإدارية لأشخاص القانون الخاص؟.
وللتعليق على هذا الحكم سنتبع الخطوات التالية :
أولا : الوضع السابق لهذا الحكم .
ثانيا : الوضع اللاحق لهذا الحكم .
ثالثا : تحليل المبادئ التي أرساها هذا الحكم .
أولا : الوضع السابق لهذا الحكم :
قبل الخوض في الحديث عن الوضع السابق والوضع اللاحق للحكم و المبادئ التي أرساها لا بد من الحديث عن المحكمة المختصة بهذا النوع من المنازعات ، ففي نازلة مشابهة بين شركة ” باك باركينغ ” للدار البيضاء وأحد المواطنين الذين يمتهنون المحاماة ، وبعد أن قامت الشركة المذكورة سلفا بعقل سيارته قام برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 2009 / 02 /26 ، لكن هذه الأخيرة دفعت بعدم اختصاصها وأحالت الملف على المحكمة الإدارية بنفس المدينة وذلك في حكم عدد 1699 وتاريخ 2009 / 05 / 05 ، كما أن المادة 8 من القانون 41.90 المتعلقة بالاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية جاءت واضحة بأنها تختص المحاكم الإدارية … وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام … وبالتالي فتفويض اختصاص أصيل يدخل ضمن الأعمال الغير مشروعة لمجلس الجماعة باعتباره شخصا من أشخاص القانون العام .
إن الحديث عن الوضع السابق لهذا الحكم يحيلنا إلى تبيان ما كان عليه الوضع قبل هذه المنازعة . ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 1418 والصادر بتاريخ 20 / 11 / 2006 [6]،الذي جاء منطوقه منسجما مع ما جاء به الحكم الذي بين أيدينا . إذ أن القضاء الإداري أكد على عدم جواز تفويت شرطة السير والجولان إذ أن عقل سيارات المواطنين هو بمثابة منعهم من التنقل وهو ما لا ينسجم مع المادة 50 من الميثاق الجماعي التي تنص على ممارسة رؤساء المجالس الجماعية لاختصاصات الشرطة الإدارية بما في ذلك تنظيم مراقبة جميع محطات وقوف العربات ، وذلك بعدما أكدت المادة 49 من نفس القانون المبدأ الذي نصت عليه المادة 44 كن ظهير 30 شتنبر 1976 فيما يتعلق بممارسة رؤساء المجالس الجماعية لاختصاصات الشرطة الإدارية باستثناء تلك التي احتفظت بها السلطة الإدارية المحلية نص قانوني [7].
هذا وإذا سلمنا بأن الشرطة الإدارية تدخل في مجال السلطة التنظيمية المخولة لرئيس الحكومة ممارستها بموجب الفصل 90 من دستور المملكة والتي يمكن تفويض البعض من سلطه إلى باقي الوزراء [8]. إذ أنه يمارسها بواسطة مراسيم لتحقيق استتباب الامن في أرجاء المملكة ومن خلال الفصل السابق يمكن أن يفوضها لباقي الوزراء كل في الوزارة المكلف بها . هذا بالإضافة إلى ان المادة 1 من مرسوم 15 دجنبر 1997 المتعلق باختصاصات وزارة الداخلية والتي تنص على أنه تناط بوزير الداخلية مهمة الإدارة الترابية للمملكة في إطار اختصاصه ويسهر على الحفاظ على الأمن العام ويزود الحكومة بالمعلومات العامة ويتولى الوصاية على الجماعات المحلية . فهذا هو المنطلق الذي من خلاله يتبين أن الشرطة الإدارية هي اختصاص أصيل للسلطات العامة ولا يمكن تفويتها للخواص.
وهو نفس الذي ذهبت في حكمة ” الدار البيضاء ” الإدارية، في حكم صادر عنها بتاريخ 23 يونيو 2011 في الملف عدد 6 / 11 / 217 [9]. بين نفس الشركة ” باك باركينغ ” ، وأحد المواطنين الذين يمتهنون المحاماة إذ قام عمال الشركة بعقل سيارته لمرات عديدة وهو ما دفعه إلى رفع دعوى للقضاء من أجل تعويضه على الأضرار التي نجمت عن هذا الفعل الغير مشروع وهو ما حكمت به المحكمة والتي عوضته بمبلغ 3.000.00 درهم . فالأصل هو عدم جواز التفويض .
في نفس الإطار نحت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرار صادر عنها بتاريخ 03/ 04 / 2012 ، في الملف عدد 20/12 06 . إذ أنها أقرت الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 20 شتنبر 2011 ، في الملف عدد 317 / 12 / 2011 ، القاضي بأداء الشركة المتعاقدة مع مجلس جماعة الرباط ، إلى إحدى المواطنات تعويضا قدره 500.00 درهم ورفض طلبها من حيث الموضوع[10]. حيث كانت تسعى إلى دحض الحكم الابتدائي .
وبالتالي فإن تفويض صلاحيات الشرطة الإدارية المتعلقة بتنظيم مراقبة الوقوف على الطريق العام يجعل الأعمال التي قامت بها الشركة المدعى عليها في هذا الإطار والمتعلقة خاصة بضبط المخالفات وتحرير المحاضر وما شابهها أعمال غير مشروعة لعدم إمكانية تفويضها أصلا .
ثانيا : الوضع اللاحق لهذا الحكم :
سار القضاء الإداري على نفس منوال المحكمة الإدارية للدار البيضاء ، ففي قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 30 مارس 2015 في الملف عدد 983 / 7205 / 2014 ، 1093 / 7205 / 2014 ، 1118 / 7205 / 2014 ، بين المجلس الجماعي لمدينة الرباط وشركة التنمية للرباط و المحام عبد الرحمان بن عمرو . حيث قرر مجلس الجماعة استئناف حكم المحكمة الإدارية لنفس المدينة الصادر بتاريخ 10 /06 / 2014 تحت عدد 3520 في الملف رقم 211-5/ 2012 ، القاضي بإلغاء القرار المطعون رقم 04 بتاريخ 07 / 06 / 2012 ، المعدل والمتمم للقرار عدد 03 بتاريخ 19 /12 / 2011 ، بشأن استغلال مواقف السيارات بالأداء بتراب الجماعة الحضرية بالرباط ، وبعد أن أدلى الأطراف بمقالاتهم ومذكراتهم الجوابية جاء قرار المحكمة مطابقا للحكم الابتدائي ، بحيث كان جوابها هو رفض استئناف المدعى عليهم و تأييد الحكم الابتدائي القاضي بعدم جواز تفويض مهام الشرطة الإدارية للخواص[11].
كما ذهبت في نفس الاتجاه نفس المحكمة فيما يخص الحكم الابتدائي الذي صدر ضد المجلس الجماعي لمدينة طنجة والذي قضى بإسقاط القرار الإداري للمجلس ، والمتعلق بالتفويض لشركة ” صوماجيك باركينغ ” مهمة عقل السيارات ووضع الفخ على عجلاتها لمنعها من الحركة عند عدم أداء تعرفة الوقوف. فجاء منطوق الحكم الحامل لعدد 870 والصادر سنة 2019 منسجما مع الاجتهادات القضائية السابقة ، وهو ما أيده القرار الاستئنافي رقم 254 [12]. اذ اعتبر عمل الشركة غير مشروعا ولو استندت الشركة المفوض لها بتدبير قطاع مواقف السيارات على عقد الامتياز الذي يسمح لها بذلك . مادام هذا المقتضى مخالفا للقواعد القانونية والنظام العام . فإنها تتحمل مسؤولية الضرر اللاحق بالمدعي جراء عقل سيارته . واعتبرت هيئة الحكم التعويض هو الوسيلة القانونية لجبر الضرر الحاصل للمدعي جراء قيام الشركة المدعى عليها بممارسة الشرطة الإدارية الغير قابلة للتفويض بطبيعتها [13].
ثالثا : تحليل المبادئ التي أرساها هذا الحكم :
عمل هذا الحكم على إرساء مبدأ يتمثل أساسا في عدم قابلية تفويت و تفويض الشرطة الإدارية ولا سيما الخاصة والمتمثلة في شرطة السير والجولان ، بحيث وأنه رغم التشابه الكبير والتداخل بين الشرطة الإدارية والمرفق العام . إذ أنه هناك من الفقهاء من يعتبر أن الشرطة الإدارية مرفق عام يهدف إلى استتباب الأمن والسكينة والصحة العامة في حدود الدائرة الترابية للسلطة التي تمارسها .
وهو الأمر الذي أكده الفقيه دولوبادير ، معتمدا في تبريره ذلك على عنصر العمل التنظيمي الداخلي الذي لا يتواجد فقط في مجال الشرطة الإدارية بل يوجد أيضا في المرفق العام . كما أن القضاء الفرنسي وجد صعوبة في التمييز بين الشرطة الإدارية والمرفق العام ، وذلك من خلال منطلق تسيير هذا الأخير قد يعتمد أحيانا على استعمال تقنيات الشرطة الإدارية ، بحيث نجد أن العديد من الأوامر التي تتخذ في شكل قرارات للشرطة الإدارية تهدف بدورها إلى تسيير مرفق عمومي ، ثم إنه من الممكن اللجوء إلى مسطرة القرار الإداري في المجالين معا ما دام يهدف إلى إقرار النظام العام بالنسبة إلى الشرطة الإدارية وإلى تنظيم سير المرفق كذلك .
إلا أن الفرق ما بين المرفق العمومي والشرطة الإدارية ، يمكن التوصل إليه استنادا إلى القاعدة التي تؤكد أن المرفق العام يمكنه اللجوء إلى تقنية العقود ، في حين أن الشرطة الإدارية لا يمكن تفويتها إلى الأشخاص الخاصة[14]، وبالتالي فإن ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ، والقرار الاستئنافي الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 11 دجنبر 2014 القرار رقم 5991 ، الملف عدد 913 / 7206 / 2011 [15]، في نفس القضية كان صائبا ، وبالتالي فهو بمثابة ضمان لحقوق المواطنين ضد تجبر بعض الإدارات العمومية التي تعتبر مرتعا للممارسات الغير قانونية وهذه النقطة وبالرغم من موقف القضاء الإداري منها إلا أنها لازالت تمارس إلى حدود اليوم .
خاتمة :
يتميز القانون الإداري بخاصية التوفيق بين السلطة والحرية، إذ أنه يهدف إلى تمتيع الإدارة بامتيازات السلطة العامة، لكنه بمقابل ذلك يفرض عليها احترام الحقوق والحريات المكفولة قانونا للمواطنات والمواطنين. وبالتالي فمسألة تفويض الضبط الإداري تعتبر من بين الأخطاء التي تستدعي تدخل القضاء الإداري من أجل حفظ التوازنات بين الأطراف.
إن القضاء الإداري و الهدف الأساسي من إحداثه كان هو حفظ الحقوق والحريات العامة ، فقبل إحداث المحاكم الإدارية لم يكن بمقدور المواطنين الطعن في قرارات الدولة و مؤسساتها العمومية و الجماعات الترابية . لكن بعد ما حققه المغرب من تطور في المجال الحقوقي أصبح بمقدور المواطنين والمواطنات ممارسة حقهم في التقاضي ضد أي جهة إدارية كانت . لكن تبقى النقطة السوداء هي الممارسات التي تقوم بها هاته الادارات ضاربة مبدأ الأمن القانوني عرض الحائط . وذلك إما جهلا أو تجاهلا.
الهوامش:
1_أحمد أجعون: نشاط ووسائل الإدارة وفقا للتشريع المغربي، وظائف ووسائل الإدارة، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة ” الدراسات والأبحاث”، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، سنة 2016،ص.7.
2_عبد العليم عبد المجيد المشرف: دور سلطات الضبط الإداري في تحقيق النظام العام وأثره على الحريات العامة ، دراسة مقارنة دار النهضة العربية القاهرة ، سنة 1998 ، الصفحة 8 ، ورد عند سعيد بوفتيل في كتابه الشرطة الإدارية الجماعية في ضوء المستجدات القانونية والعمل القضائي الطبعة الأولى 2018 ، منشورات مجلة العلوم القانونية سلسلة البحث الأكاديمي العدد 32 ، الصفحة 22 .
3_نفس المرجع السابق .
4_جاءت المادة 50 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي مطابقة للمادة 100 من القانون التنظيمي للجماعات 14.113 بحيث كلتا
تؤكد على أن رئيس مجلس الجماعة هو من يمارس الشرطة الإدارية على مستوى نطاق جماعته المسؤول عنها .
_5محمد العبديوي: الشرطة الإدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات ، منشورات المجلة المغربية للإدارة والتنمية ، الطبعة الثانية 2014 ، ص 34 .
6_حكم صادر عن إدارية الرباط بالتاريخ أعلاه ، قام بالتعليق عليه الأستاذ محمد الأعرج ، وتم نشره بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، العدد 92 ،سنة 2010، الصفحات 183 – 189.
7_محمد الأعرج نفس المرجع السابق .
8_ الفصل 90 من دستور المملكة لسنة 2011
9_حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 23 يونيو 2011 ، في الملف عدد 6/11/217 .
10_قرار محكمة الاستئناف الإدارية الصادر بتاريخ 03 / 04 / 2012 في الملف عدد 20/ 12 / 06 بين إحدى الشركات المتعاقدة مع مجلس وإحدى المواطنات.
11_قرار محكمة الاستئناف الإدارية الصادر بتاريخ 30/03/2015 ، بين المجلس الجماعي وشركة التنمية للرباط في شخص من ينوب عنهم من والمحام عبد الرحمان بن عمرو من جهة أخرى .
12_ترتبط شركة سوماجيك باركينغ بعقد امتياز مع مجلس جماعة طنجة وتقوم بمنع السيارات من الوقوف وهو عمل غير قانوني وهو ما دفع جمعية صناعة الفنادق بطنجة إلى وضع شكاية ضد نفس الشركة سنة 2018 .
13_مقال صحفي منشور https://www.achamalpress.com/archives/168557 تاريخ الاطلاع عليه هو الاربعاء 03/03/2021 على الساعة 11.16 صباحا .
14_محمد الأعرج: مرجع سابق ، الصفحة 189.
15_للإشارة فالحكم الذي اشتغلنا عليه والذي طرفاه شركة ” باك باركينغ ” في شخص من ينوب عنها ، و السيد الحسين الزيتوني ، تم استئنافه من طرف الشركة المدعى عليها بالتاريخ أعلاه وتم رفضه موضوعا و تأييد الحكم الابتدائي .